ما أكثر ما كتب في قصص الأنبياء للأطفال في شتى اللغات وفي الأديان السماوية بصفة عامة ، نظراً لموضوعاتها وما فيها من معنويات يجد الطفل الأصغر صعوبة في تمثلها واستيعابها، ولسمو اسلوبها لحد ما، مما يحتاج معه الطفل إلى كثير من النضوج والإطلاع المسبق وسوف نتناول واحدة من هذه القصص ثم نعلق عليها، إنها قصة (هود)
وتبدأ القصة بعد أن رست سفينة نوح على الجبل، وانحسر الماء، وعاش الناجون حول جبل (الجودى) وتكاثروا، ثم هاجر بعضهم، ومن المهاجرين قبيلة تمتاز بضخامة الأجسام زعيمها اسمه (عاد) وهو الإسم الذي تسمَّت به القبيلة، التي رحلت على جبال (الأحقاف) وهي تقع في جنوب بلاد العرب بين اليمن وخليج عمان.
وصعد عاد إلى قمة الجبل ذات يوم فسمع صوتاً هائلاً مزعجاً، حاول أن يفهم سره، وبعد أن سد ثغرة في كتلة صخرية تشبه الإنسان تقريباً صمت الصوت.
وانحرف قوم عاد عن الجادة إذ ظلموا وتجبروا وقطعوا الطريق، ونسوا المعاني الإنسانية الرفيعة، ونسوا التوحيد أيضاً، وعبدوا الأصنام، وتوجهوا بدعائهم وصلواتهم إلى الهيكل الصخري الذي يشبه الإنسان فوق قمة الجبل بإعتباره كبير آلهتهم من الأصنام.
وعاش بينهم رجل صالح اسمه (هود) دعاهم إلى الإيمان الصحيح والعمل الصالح، والبعد عن الفتك والغدر والظلم، لكنهم اتهموه بالضعف والخور والضلال، وسخروا منه عندما أبلغهم أنه رسول الله إليهم، وانغمسوا في ملذاتهم والنعيم الرائع الذي تحقق لهم، ولم يؤمن بنبي الله (هود) إلا فئة قليلة، وكان زعيم الكافرين الضالين في تلك الفترة التاريخية رجل إسمه (جهلمة) الذي اتهم (هود) بالجنون والسفاهة، وتحداه بأن يأتي بآية..
وطال الصراع بين الطرفين، وظل (هود) يدعو ويدعو، حتى بُحَّ صوته، فما ازداد الكافرون إلا عناداً وضلالاً.
وجاءت لحظة العقاب.. لقد ظهرت سحابة سوداء في الأفق، وقال الكافرون إنها المطر والخير العميم، وقال هود بل إنها ريح وأعصار مدمر.. وفيها عذاب مقيم لمَّا ابوا أن يؤمنوا بالله، وينصاعوا للحق والعدل.. وقد فهم هود ذلك من جبريل عليه السلام، وذهب هود والمؤمنون ـ طبقاً لأمر الوحي ـ إلى جانب آخر من الجبل. وبقي (جهلمة) وقومه في منطقتهم المعهودة ينتظرون المطر...
وحانت لحظة العقاب الرهيب: (كان السواد الذي رأته العمالقة، وظنته سحاباً ممطراً، ريحاً صرصراً، وإعصاراً مدمراً، هب عليهم عنيفاً، فاقتلع الأشجار، وهدم القصور، وردم الشوارع والميادين، وحملت الرياح هؤلاء العمالقة الضخام، وطيرتهم في الجو. وكانوا يسقطون على رؤوسهم، فتُدق أعناقهم، وإذا عمالقة عاد، الجبابرة الشداد، قد غرسوا في الرمال كأنهم أعجاز نخل خاوية..)
أما هود وصحابته، فقد لجأوا إلى كهف ثمانية أيام، ولما خرجوا سالمين، وجدوا المدينة (مدينة إرم ذات العماد) وقد تحولت إلى أطلال، والمزارع إلى أرض قفرة، ولم ينج إلا تلك البيوت المنحوتة في الجبل تشهد بظلمهم وسوء عاقبتهم، ثم اتجه هود بمن آمن معه إلى (حضرموت) فعاشوا فيها يعبدون الله.
كان التحدي واضحاً بين هود وقومه.. وتصعد التحدي أو الصراع إلى القمة أو (العقدة)، وكان النصر في النهاية للمؤمنين الصالحين.. أي انتصر الخير على الشر..
لكن المعجزة جاءت كدليل على قدرة الله وعدالته، وتأكيداً قوياً على صدق رسالة (هود) مما زاد من يقين أتباعه المؤمنين به، وكانت عمليات قطع الطريق، والتمادي في القسوة، والإنصياع للغرور، والتشبث بالعقيدة الخاطئة، وقائع راسخة، يصعب نسيانها بالنسبة لمن يقرؤها ويعايشها، بل يشعر القارئ بالكراهية والإشمئزاز من هذه الممارسات الطائشة الجائرة في الحياة، مما يجعله يتلهف إلى سماع النهاية، وصورة العقاب العادل لهذه الفئة الباغية.
هي قصة إذن من القصص الديني التهذيبي، الثابتة بالنصوص القرآنية، والتي تكتسب قداسة واحتراماً لدى القارئ، ويجد فيها المتعة إلى جوار المنفعة، لما لها من تأثير وجداني وعقلي ونفسي.
إن المترجم والمقتبس من قصص الأطفال يشكل حيزاً ضخماً في تراثنا المعاصر في أدب الأطفال، بل إن روَّاد ذلك الأدب المخلصين قد لجأوا إليه، فنرى ذلك عند أمير الشعراء (أحمد شوقي) حين أخذ بعض قصص (كليلة ودمنة) نقلاً عن الفرنسية، ونرى ذلك أيضاً عند (كامل كيلاني) وغيره، والواقع أن (كامل كيلاني) كان موسوعة فيما قدَّم من قصص منوع للأطفال يشمل التاريخ والأسطورة والقصة العلمية والمترجمة والمقتبسة وقصص التراث الشعبي وغيره، وحتى يومنا هذا ما زال المترجم والمقتبس والمعرب يحتل حيزاً كبيراً ، لكن المهم في الأمر مراعاة ما يناسب عقيدتنا وقيمنا عندما ننقل عن الآداب العالمية.
وسوف أتناول قصة قصيرة، هي أقرب إلى المثل والعبرة منها إلى القصّة المستوفاة طولاً وعناصر، والقصّة كما كتبت تحت عنوان:
حكاية أعجبتني.
(إنتقام فلاح)
إعتاد ثعلب أن يسطو على حظيرة الدجاج في بيت أحد الفلاحين، فوضع الفلاح مصيدة، استطاع بها أن يمسك الثعلب.
وكان الفلاح يشعر بالغضب الشديد لكثرة ما قتل الثعلب من الدجاج، فأراد أن ينتقم منه، فربط حزمة من الخرق في ذيل الثعلب. وأشعل فيها النار، ووقف يتأمل الثعلب، وهو يتلوى من ألم الثأر وأصاب الألم الثعلبْ بالجنون، فاندفع يجري ناحية الحقول وقد اشتعل جسمه.
كان القمح قد اصفرَّ لونه، وأصبح ينتظر الحصاد، وسرعان ما اشتعلت فيه النار واحترق، وفقد الفلاح مصحوله كله.
وهكذا أدرك الفلاح بعد فوات الألوان أن الإنتقام سلاح ذو حدين.
الواقع أن الحكاية ـ برغم قصرها ـ قدمت صورة حية نابضة بالحركة والحياة، ورمزت إلى الجو المشحون خارج شخصية الفلاح وداخلها، فلأول وهلة يدرك القارئ ـ أو السامع ـ فداحة الخسائر التي يسببها الثعلب الماكر، ويلحظ غدره بالدجاج البريء الضعيف.
ولذلك نرى القاص يقول (لكثرة ما قتل) ولم يقل لكثرة ما خطف.. لأن القتل والدم مؤلم ومثير. كما استطاع القاص أن يفصح عن نفسية الفلاح وغضبه، وخاصة عندما ابتكر وسيلة العقاب القاسية، ثم وقوفه يتشفى وينظر إلى الثعلب وهو يتألم من النار الحارقة، إن القاص يريد أن يوحي بأن:
1- الإنتقام غير العقاب.
2- الإنتقام مع الحقد ضار وخطير.
3- الحقد يفقد الإنسان التروي والحكمة.
4- الحقد أعمى، ويوقع الضرر بصاحبه عندما يوقعه على عدوه أي ذو حدين.. ضار ونافع.
أترى يغيب عنا المعنى الأخلاقي والسلوكي في هذه الحكاية؟؟ ورغم ما في الحدث من ألم ومرارة وعاقبة وخيمة، إلا أن منظر الثعلب وهو يجري والنار مشتعلة فيه، قد يكون فيه جانباً من الفكاهة التي قد يطرب لها الأطفال برغم قسوتها ومرارتها، لكن أليس ذلك الثعلب هو الذي (قتل) الدجاج البرئ؟؟ والأطفال يحبون الدجاج، ويتألمون لذبحه ـ مع أنه مشروع ـ وقد يبكون عند ذبح خروف العيد والحيوانات الأليفة، لكن طبيعة الحياة بالتدريج تجعلهم أكثر قناعة بما أباحه الشرع..
والثعلب في نظرهم مجرم قاتل يستحق العقاب.. لكن أي عقاب؟؟ تلك هي القضية..
ولنفس الكاتب حكاية أخرى ـ نفس المصدر ـ تحت عنوان:
(الأفيال والحفرة)
في إحدى الغابات الأفريقية، حفر الصيادون حفرة كبيرة، غطوها بالأغصان وأوراق الشجر، وتركوها إلى أن يسقط فيها، حيوان يأخذونه حياً إلى حدائق الحيوان.
وفي الصباح، إقترب قطيع من الأفيال، كانت الأفيال تبحث عن ماء تشرب منه، وفجأة إرتفع صوت أغصان تتحطم وسقط الفيل الذي كان يسير في المقدمة في حفرة الصيادين.
وتوقفت الأفيال، وقد ملأتها الدهشة والمفاجأة، وعندما فهمت حقيقة ما حدث، رفعت خراطيمها. إلى أعلى، وأطلقت صيحات الغضب..
وفجأة اتجه إحدى الفيلة إلى شجرة كبيرة، قطع منها غصناً ألقى به في الحفرة.. ثم قطع غصناً آخر ألقاه أيضاً في الحفرة.. وبسرعة اشترك قطيع الأفيال كله، في قطع الأغصان وإلقائها في الحفرة..
بدأ قاع الحفرة يرتفع، وقد إمتلأ بالأغصان، وبعد قليل كان في استطاعة الفيل الذي يقود القطيع أن يخرج من الحفرة التي امتلأت بالأغصان، وأن ينطلق ثانية في مقدمة القطيع، وقد ارتفعت خراطيم الفيلة في الهواء، وهي تطلق هذه المرة صيحات النصر..
هذه لون آخر من ألوان الحكاية، يتعرف الطفل من خلاله على ضرورة البحث عن مخرج عند المآزق، إذ لا يصح أن يستسلم الإنسان لمصيره. ويسلم نفسه لقمة سائغة لأي طامع، والأمل في النجاة لا يموت.. فلنبحث ولنجد في البحث.. فقد نعثر على حل.. ذلك هو الدرس الذي تريد (الحكاية) أن تلقنه للطفل.
فضلاً عن أن الحكاية تعطي معلومات أولية مبسطة عن وجود الغابات والأفيال في أفريقية، وإن للأفيال طريقتها الخاصة في التعبير عن غضبها وفرحها، وذلك برفع خراطيمها إلى أعلى، وإصدار صيحات من نوع مميز.
والأطفال عادة يسعدون بسماع قصص الحيوان ويلقدونها..
القصص الديني عند الإستاذ المرحوم عبد الحميد جودة السحار كثير ومتنوع، فقد كتب ما يقرب من مائة قصة، الواحدة منها في حدود ثلاثين صفحة تقريباً، وتضم هذه القصص:
1- قصص السيرة ـ 24 قصة
2- قصص الخلفاء الراشدين 20 قصة
3- العرب في أوربا 24 كتاباً.
تروي القصة بأسلوب سهل، وعبارات واضحة، تكاثر بني إسرائيل في مصر بعد أن وفدوا إليها ايام نبي الله يوسف، وكيف امتلكوا الضياع والمزارع الواسعة، وأصبحوا قوة بشرية واقتصادية يخشى بأسها، وحاول فرعون أن يفكر في حل، فقرر قتل كل مولود ذكر، حتى يقل عددهم، وفي هذه الفترة العصيبة ولد موسى، فأوحى الله إلى أمه أن تصنع له صندوقاً وتلقيه في نهر النيل، ففعلت وأمرت ابنتها أن تراقب الصندوق، الذي استقر أمام قصر فرعون، وعندما فتح الصندوق وجدوا فيه طفلاً جميلاً، وكانت إمرأة فرعون عقيما لا تلد ـ وهي إمرأة طيبة مؤمنة صالحة ـ فطلبت من زوجها فرعون أن تتبناه ليعوضها عن عدم الإنجاب، ففعل..
وتمضي القصة المعروفة في سهولة ويسر لتروي عن قوة موسى وضربه لمصري يعتدي على إسرائيلي، ويموت المصري، ويحدث شجار آخر مع نفس الإسرائيلي ويهم موسى بحمايته، لكن المصري يقول: (أتقتلني كما قتلت رجلاً بالأمس)، فيعرف موسى أن الأمر شاع.. فيهرب إلى الصحراء الشرقية حيث أرض مدين، ويلتقي بإبنتي نبي الله (شعيب) ويسقي لهما الغنم، ثم يتزوج إحداهما مقابل خدمته لنبي الله عشر سنوات... وبعدها يرحل موسى مرة أخرى مع زوجه ليستقل بحياته.. وعند جبل الطور يسمع النداء الإلهي الذي يكلفه بدعوة فرعون إلى الإيمان بالله.. كما يتلقى معجزة العصا التي تتحول إلى حية.. ومعجزة اليد التي تخرج بيضاء تشع في الظلام.. ويستجيب الله لما طلبه موسى بأن يكون أخوه هارون معه في دعوة فرعون للإيمان، وإخراج بني إسرائيل، ويذهب موسى وأخوه إلى فرعون، ويظهر معجزته، فيتهمه فرعون بالسحر، ويدعو فرعون سحرته ليوم مشهود لتحدي موسى ومعجزته... ويبدأ سحرة فرعون، وتتحول عصيهم إلى حيات وثعابين، ثم يلقي موسى بعصاه فتصبح حية ضخمة تبتلع الثعابين والحيات الأخرى، فيتأكد لسحرة فرعون، أن موسى ليس بساحر، وأنه نبي (إن الله أرسله، وإن الله هو الذي يساعده) وشتان بين المعجزة والسحر.. ويؤمن السحرة ويتوعدهم فرعون بالقتل والتعذيب لكن السحرة قالوا (نحن لا نخاف عذابك، فأنت تعذبنا في الدنيا، ولكن الله سيدخلنا الجنة في الآخرة).
ويستمر الصراع بين الخير والشر، بين موسى وفرعون، وتأتي المصائب تباعاً.. الفيضان.. الجراد.. القمل.. الضفادع.. الدم.. وفي كل مرة يعد فرعون بالعفو عن السحرة، والسماح لبني إسرائيل بعد هذه المعجزات التي كانت تخلص فرعون وقومه من المصائب...
وخرج موسى وقومه خفية، ولما علم فرعون تبعهم بجيشه وهم يسيرون صوب البحر الأحمر.. لكن معجزة أخرى أنقذت بني إسرائيل.. إذ ضرب موسى البحر بعصاه فانشق عن طريق يبس سار فيه وقومه، ولما تبعهم فرعون وجنوده أطبق الماء عليهم وأغرقهم، وطفت جثة فرعون على السطح لتكون عبرة.. ومضى بنو إسرائيل ومعهم موسى نحو جبل الطور...
تعليق:
القصة ـ كما هو واضح ـ لم تخرج عن الحقائق التي وردت في القرآن الكريم، وقدمت بأسلوب سلس، لا يصعب فهمه على الطفل، بالرغم من وجود بعض الآيات القرآنية القليلة بنصها، وفي القصة تجسيد واضح لعناد فرعون وجبروته وظلمه.. فهو لم يؤمن إلا وهو يغرق.. وفيها أيضاً تصوير شائق ممتع متحرك لمشاهد السحر والسحرة، وإدراك الفرق بين السحر والمعجزة، إذ إن السخر خداع وخفة يد وأوهام وإيحاءات نفسية وذكاء.. والمعجزة شيء خارق خارج عن سنن الكون من صنع الله وحده... ولذلك أبطلت السحر ومفعوله، كما تبين القصة صبر الدعاة، وتشبثهم بالإيمان، وصمودهم رغم الظلم والبطش، والإجحاف والإرهاب.. كما تؤكد قيمة أساسية بارزة وهي (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين).وليس في القصة عقبات لفظية، ولا تشتت أو تفرعات تخرج عن السياق العام، وفيها الحبكة التي تحدثنا عنها والعقدة أو قمة الحديث، ثم النهاية المريحة، التي يبدو فيها انتصار الحق المؤيد من الله، وهزيمة الباطل الذي يدعمه الشياطين والمكابرون.. أليس الله بأحكم الحاكمين، وأعدل العادلين؟؟
وللأسف فإن هناك بعض النقاد يطلق على مثل هذه القصص (الأساطير) والواقع أن هذا خطأ فادح، إن ما ورد في القرآن بنصه لا يمكن وصفه بالأسطورة، في رأينا منذ أن ظهرت كمصطلح تعني الخرافة وتعني الأحداث التفسيرية المتعلقة بآلهة الأغريق والوثنيات القديمة، وتعني البطولات التاريخية الخارقة المخترعة، أو التي صنعتها خيالات الشعوب وأوهامهم، وليس فيها قدر يذكر من الحقيقة، لكن القصص القرآني حقائق.. (إن هذا لهو القصص الحق)، ولذا يسمي الغربيون الرواية (بالرومانس) Romance، وهي تحمل معنى الخيال والإختراع، وهذا ما حدا بالشيخ محمد متولي الشعرواي بأن يؤكد أن القصص القرآني نسيج وحده، وأنه هو القصص الحق، وأن النقاد والأدباء عليهم أن يبحثوا لفنهم الروائي أو القصص عن إسم آخر.
ومن ثم يجب الحذر عندما نقرأ الدراسات الأجنبية والعربية عن الأسطورة والخرافة والجنيات والخوارق وغيرها، حتى لا يختلط الأمر، فالتسليم بالتعريفات الأجنبية للأسطورة قضية خطيرة، ومن الواضح أن للمعجزة والسحر والكرامة والأسطورة مفهوم آخر غير المفاهيم التي ترد في كتب النقد وتاريخ الآداب والفنون.
وقصة (موسى والعصا) قد اكتملت جوانبها الفنية والفكرية من مقدمة وسرد وبناء وشخصيات وعقدة ونهاية، وفيها الفكرة الواضحة، والحوار المعبر، واللغة المناسبة، ولعلها أكثر توفيقاً ووضوحاً من القصص التي أشرف عليها الأستاذ محمد أحمد برانق والتي صدرت عن دار المعارف. لم يتسع المقام لتقديم الكثير من النماذج التي تعبر عن كل لون من ألوان أدب الأطفال، لقد اكتظت الساحة بالكثير من الدراسات والمؤلفات وخاصة في القرن العشرين، واختلط المترجم والمقتبس والمعرب والمؤلف، وظهرت تيارات مذهبية، وعنصرية، ودينية مخالفة في كثير من النصوص التي احتفظ بها، والتي آثرت عدم الإشارة إليها السبب أو لآخر، والذي يهمنا في هذا المجال هو ضرورة وضع خطة على مستوى الدولة للرقابة على منشورات الأطفال بصفة عامة، سواء منها ما هو في القطاع الحكومي أو القطاع الحر الخاص، وسواء منها ما هو في المذياع أو التلفاز أو المسرح أو السينما، وما هو في الصحف والمجلات.. وبغير هذه الخطة لن نستطيع تخليص التراث الأدبي للطفل مما شابه آفات نفسية وعقلية وأخلاقية وسلوكية وأيديولوجية.
وإذا استطاعت هذه الشخصيات ـ أو الجهات ـ المعنية أن تضع هذا الخطة وتتابع تنفيذها والإشراف عليها، وتناولها بالتقييم والتقويم... إذا استطاعت فعل ذلك، فسوف يمكننا الوصول بإذن الله إلى الغاية المنشودة وهو إيجاد جيل مسلم، يعتز بعقيدته، ويتميز بسلوكه، وينصرف إلى حياة العمل الجاد، والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله، وإعطاء العلوم المعاصرة حقها من الاستيعاب والإضافة، والمساهمة في صنع حضارة إسلامية صادقة، قادرة على مواجهة الفساد والطغيان والزيغ، في هذا العالم الكبير، الذي توطَّنت علله، وزادت أسقامه، واستشرى عذابه، واستبد به قلقه ويأسه.
المصدر : الأهرام مايو 1984
/ج