موكب الحجة

بعد وفاة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، انطلقت المسيرة الخاتمة تحت سقف الامتحان والابتلاء بعد أن أقيمت عليها الحجة في عهد البعثة، قال تعالى: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات ما كانوا ليؤمنوا كذلك
Tuesday, March 3, 2015
الوقت المقدر للدراسة: 11 دقیقه
موارد بیشتر برای شما
موكب الحجة
 موكب الحجة

 






 

بعد وفاة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، انطلقت المسيرة الخاتمة تحت سقف الامتحان والابتلاء بعد أن أقيمت عليها الحجة في عهد البعثة، قال تعالى: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات ما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين. ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون) (1) ومن فضل الله تعالى على بني الإنسان أنه أحاط القافلة البشرية الخاتمة بالحجة الدائمة، بمعنى أن المعجزات التي كان الله تعالى يؤيد بها رسله قبل البعثة الخاتمة كانت تنتهي بوفاة الرسول، ولكن الله عندما إستخلف الأمة الخاتمة أيدها بمعجزات. منها ما انتهى بوفاة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)، ومنها ما إستمر بعد وفاة النبي وسار مع القافلة على امتداد المسيرة، ومن هذا القرآن الكريم وأحاديث الإخبار بالغيب، فهذه المعجزات مهمتها إرشاد بني الإنسان إلى طريق الهداية. الذي تتحقق عليه السعادة في الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي، وهي شاهد صدق على نبوة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)، بمعنى أن إرشاد النبي وتعاليمه، هي في حقيقة الأمر دعوة إلى الجنس البشري على امتداد المسيرة من الحاضر إلى المستقبل. للإيمان بنبوة النبي الخاتم (صلی الله عليه وآله وسلم)، فمن تبين حقيقة إرشاده، ولم يؤمن به في أي زمان، كان كمن كذبه عند بداية البعثة ونزول الوحي، ويقتضي المقام أن نلقي بعض الضوء على هذه المعجزات.

1 - القرآن الكريم:

القرآن معجزة باقية حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وقد تولى الله حفظه فلا يمكن بحال أن يناله التغيير أو التبديل، قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (2)، وجميع المعارف الإلهية.
والحقائق الموجودة في القرآن تستند إلى حقيقة واحدة هي التوحيد، ولقد وصف الله تعالى القرآن بالحكيم. لأنه كتاب لا يوجد فيه نقطة ضعف أو لهو حديث. ولا انحراف فيه في جميع الأحوال. ولا يوجد في القرآن أي اختلاف. وفي هذا دليل على أنه منزل من الله تعالى، لأنه لا تخلو أقوال الناس في المراحل المختلفة من الاختلاف والانحراف ولهو الحديث ونقاط الضعف، وعجز الناس على الإتيان بمثل القرآن.
دليل على إعجاز القرآن، وعجز المشركين عن معارضة القرآن دليل على التوحيد، وخضوع الأعناق للقرآن. يعني أن إسناد القرآن إلى الله تعالى لا يحتاج إلى دليل سوى القرآن نفسه.
وفي عهد البعثة كان القرآن الملجأ الوحيد للنبي (صلی الله عليه وآله وسلم) عندما كان يقيم حجته على الناس، ولقد بين النبي الخاتم للناس ما أنزل إليهم من ربهم على امتداد البعثة، وألزم القرآن الناس بأن يكون النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) لهم أسوة حسنة. وجعل اتباع الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) شرط في حب الله، ولقد بين القرآن والسنة للمسيرة منذ يومها الأول. أنه يجب أن ينتهي كل رأي ديني إلى القرآن الكريم حتى لا يتمكن الأجانب أن ينشروا الأباطيل بين المسلمين، وبين القرآن والسنة للمسيرة أن كتاب الله لا يقبل النسخ والإبطال والتهذيب والتغيير، وأن أي تعطيل سيفتح الطريق أمام سنن الأولين.

2 - الإخبار بالغيب عن الله:

من لطف الله تعالى بعباده. أنه تعالى أخبر على لسان الأنبياء والرسل بالغيب، فأخبر بما ينتظر الإنسان في اليوم الآخر حيث أهوال القيامة ولهيب النار ونعيم الجنة، وأخبر ببرنامج الشيطان وإلقاءاته على امتداد الدنيا، وأخبر بمضلات الفتن مقدماتها ونتائجها، وأخبر بالأمور العظيمة التي ما زالت في بطن النيب، والإخبار بالغيب حجة بذاته، وبه يمتحن الله تعالى عباده، قال تعالى: (ليعلم الله من يخافه بالغيب) (3) وقال: (وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) (4).
وأي حدث منذ ذرأ ذرية آدم لا بد أن تكون له مقدمة يترتب عليها نتيجة، والناس عند صنعهم لمقدمة الحدث كبيرا كان أو صغيرا.
يعلمون جانب الحلال فيه وجانب الحرام. بما أودعه الله في الفطرة.
ولأن الله تعالى وهو العليم المطلق سبحانه. يعلم مصير هذه المقدمة وما يترتب عليها من نتائج ما زالت في بطن الغيب، يخبر سبحانه على لسان الأنبياء والرسل بما يستقبل الناس من نتائج، لكي يأخذ الناس بأسباب لهدى ويتجنبوا أسباب الضلال، فإذا ظهرت الأحداث بعد أن كانت غيبا يسقط في جانب باطلها كل إنسان لم يأخذ بأسباب الهدى.
وكل إنسان لم يتدبر في حركة الأحداث من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل، باختصار: من أخذ بأسباب الدجال سقط في سلته ثم سقط في نار جهنم يوم القيامة، ومن أخذ بأسباب الهدى شرب من حوض النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة.
إن الله تعالى يمتحن الناس بأخذهم الأسباب، والناس تحت مظلة الامتحان والابتلاء يتمتعون بحرية الأخذ بالأسباب، وكل مسيرة على امتداد الزمان يتخللها ماضي وحاضر ومستقبل، والماضي يحمل دائما في أحشائه الزاد. ومهمة الحاضر أن ينضب في هذا الزاد ليؤخذ منه أسباب الهدى وينطلق بها إلى المستقبل، فمن أدركه الموت وهو على سبب الهدى، بعثه الله على نفس السبب، وكل إنسان مهاجر إلى ما هاجر إليه، وأحاديث إخبار الرسول بالغيب تحت أضوائها تظهر المسيرة، ويظهر ما في بطونها من زاد الماضي، وإذا وقف الحاضر أمام هذا الزاد ثم رجع القهقرى بتحليل الحوادث التاريخية، يصل إلى المقدمة في الماضي البعيد، فإذا أمعن النظر فيها وجد أنها تحتوي على أصول القضايا وأعراقها التي يراها في حاضره. فكما تكون المقدمة تكون النتيجة والدعوة الإلهية الخاتمة أمرت باتقاء الفتن وهذا لا يأتي إلا بالبحث في أصول القضايا، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) (5)، والنبي (صلی الله عليه وآله وسلم) بين أن الحاضر إذا رضي بانحراف في الماضي. شارك بالمشاهدة وإن لم يحضر، قال (صلی الله عليه وآله وسلم) " إذا عملت الخطيئة في الأرض. كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها. ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها " (6).
والنبي (صلی الله عليه وآله وسلم) بين لأمته المقدمات والنتائج حتى قيام الساعة، حتى يكونوا على بينة من أمرهم ويأخذوا بأسباب الأهداف التي لله فيها رضا، فعن أبي زيد قال " صلى بنا رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) الفجر، وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا " (7)، وعن أنس قال " قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم): من أحب أن يسأل عن شئ فليسأل عنه، فوالله لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا " (8)، وعن حذيفة قال " والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، كان رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن، فقال (صلی الله عليه وآله وسلم) وهو يعد الفتن: منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا، ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار، قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري " (9)، وعن حذيفة أنه قال " ما من ثلاثمائة تخرج إلا ولو شئت سميت سائقها وناعقها إلى يوم القيامة " (10)، وقال حذيفة " والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا، والله ما ترك رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا. يبلغ معه ثلاثمائة فصاعدا، إلا قد سماه باسمه واسم أبيه واسم قبيلته " (11).
لقد أقام النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) الحجة عند المقدمة وهو يخبر بالغيب عن ربه، وعندما انطلقت المسيرة بعد وفاة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) تحت سقف الامتحان والابتلاء، تخلو المسيرة من الفتن، بدليل أن حذيفة الذي يعرف الفتن وقادتها قال بعد وفاة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) بأقل من ثلاثين عاما: إنما كان النفاق على عهد النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان (12)، وقال " إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)، كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون " (13) وقال " إن كان الرجل يتكلم بالكلمة على عهد رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) فيصير منافقا، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات " (14).
والطريق من توضيح النبي للفتن وهي في بطن الغيب إلى ظهور الفتن في عالم المشاهدة، طريق يخضع للبحث. بهدف اتقاء الفتن المهلكة وحصار وقودها في دائرة الذين ظلموا خاصة، وعدم البحث في هذا الطريق. يفتح أبوابا عديدة، منها مشاركة الذين ظلموا إذا رضى عن فعلهم، لأن الراضي بفعل قوم كالداخل فيهم، وفي الحديث يقول النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) " المرء مع من أحب " (15)، وكما أن عدم البحث يلقي بالحاضر على الماضي، فكذلك يلقي به على ما يستقبله من فتن مهلكة، عن حذيفة أنه قال " تعرض الفتن على القلوب، فأي قلب أنكرها نكتت في قلبه نكتة بيضاء، وأي قلب لم ينكرها نكتت في قلبه نكتة سوداء، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا. لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسودا مربدا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا. إلا ما أشرب في هواه " (16). وما زالت في بطن الغيب أحداث وأحداث، لا ينجو منها العالم إلا بعلمه، وفي بطن الغيب أحداث إذا جاءت لا ينفع نفسا إيمانها يومئذ، لأنها لم تبحث على امتداد الطريق، فأنتج ذلك عدم معرفة الحق على امتداد الطريق، ولما كان الحق عند هذه النفس يخضع لتحديد الأهواء، تسقط النفس في سلة الدجال التي تحتوي على جميع الأهواء، وما يستقبل الناس من آيات كبرى جاء في قوله تعالى: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا. قل انتظروا إنا منتظرون) (17). فالآية الكريمة بينت أن هناك آيات لا ينفع عند ظهورها إيمان، ومن لم يكن مصلحا يومئذ وأعلن توبته لم تقبل منه توبته، كما أن الله لا يقبل عملا صالحا من صاحبه إذا لم يكن عاملا به قبل ذلك، ومن هذه الآيات: الدخان. والدابة. وخروج يأجوج ومأجوج. ونزول عيسى بن مريم. وخروج الدجال. وطلوع الشمس من مغربها (18).
وبالجملة: أخبر النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) بالغيب عن ربه جل وعلا، ليأخذ الناس بأسباب الهداية نحو ما يستقبلهم من أحداث ما زالت في بطن الغيب، والأخذ بالأسباب من الوسائل التي يمتحن الله تعالى بها عباده، وإخبار الرسول بالغيب هو في حقيقته دعوة للإيمان بالله، لأنه يأمر بالاستقامة، ويبين أن عدم الاستقامة يؤدي إلى كفران النعمة. ويفتح الطريق أمام الفتن، وكفران النعمة عقوبته سلب نعمة الهداية وعليها يأتي الهلاك، وطريق الفتن يلقي بأتباعه تحت أعلام الدجال، قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) " ما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا صغيرة أو كبيرة إلا لفتنة الدجال " (19).
المصادر :
1- سورة يونس آية 14.
2- سورة الحجر آية 9.
3- سورة المائدة آية 94.
4- سورة الحديد آية 25.
5- سورة الأنفال آية 24.
6- رواه أبو داوود رقم 4345.
7- رواه مسلم (الصحيح 16 / 18) وأحمد (الفتح الرباني 272 / 21).
8- رواه أحمد والبخاري ومسلم (كنز العمال 421 / 11).
9- مسلم (الصحيح 18 / 15).
10- رواه نعيم وسنده صحيح (كنز العمال 271 / 11).
11- رواه أبو داوود حديث رقم 4222.
12- رواه البخاري (الصحيح 230 / 4).
13- رواه البخاري (الصحيح 230 / 4).
14- رواه أحمد وإسناده جيد (الفتح الرباني 173 / 19).
15- رواه البخاري (الصحيح 77 / 4).
16- رواه الإمام أحمد والحاكم وصححه (كنز العمال 119 / 11).
17- سورة الأنعام آية 158
18- تفسير ابن كثير 195 / 2
19- رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح (الزوائد 335 / 7)



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.