حقوق الحيوان

رحم الإسلام الحيوان رحمةً ماديةً ومعنويةً وحرِص على عدم إيذائه خاصةً عند انتفاءِ المصلحة . وكانت هذه الرحمةُ نابعةً من سيرة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وأقواله .
Tuesday, April 7, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
حقوق الحيوان
 حقوق الحيوان

 






 

رحم الإسلام الحيوان رحمةً ماديةً ومعنويةً وحرِص على عدم إيذائه خاصةً عند انتفاءِ المصلحة . وكانت هذه الرحمةُ نابعةً من سيرة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وأقواله .
أما السيرة فقول الصحابي الجليل ابن مسعود : ُكنا في سفرٍ مع النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) " فأنطلق لحاجةٍ فرأينا حُمّرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحُمّرة فجعلت تُفرِشُ، فجاء النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) فقال " من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها "
والظاهر أن هذا للاستحبابِ فهو من رحمة النبي(صلی الله عليه وآله وسلم) بهذه الحُمّرة خاصة وقد أتتهُ ترفرِفُ وكأنها تشتكي، ولم تكن هناك مصلحة ظاهرة في أخذِ فِراخها، ولذلك أمِروا استحباباً بإرجاع أولادها لها
وعليه فيُستحبُ أن لا يُفرق بين الأم وأولادها الصغار إن كان هذا حالهم إلا إن كبروا أو كان أخذهم صغاراً لمصلحة راجحة، والله أعلم .
ومن سيرته أيضاً أنه (صلی الله عليه وآله وسلم) " دخل حائطاً لرجلٍ من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) حنّ وذرفت عيناه فأتاه النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) فمسح ذفراه فسكت … ( فقال لصاحب الجمل) :
" أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي انك تجيعُهُ وُتدئِبُهُ " . ُتدئِبُهُ : تُكُّدِه وتُتعِبُهُ .
وفي هذا الحديث دلالة على عدم جواز تجويع الحيوان ، وأيضاً لا يحِقُ لصاحبه التأخر عن إطعامه لأنه من جِنسِ تعذيبه .
وينبغي عليه أيضاً أن لا ’يحمّلهُ من الأعمال [ما لو رآها كلُ عاقلٍ علِم أنها مُتعِبةٌ له] وعبر النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) بالتقوى إشارةً إلى أن هذا الرجل مفرط في حق الله إذ لم يُعطِ هذا الحيوان حقه وكل راعٍ مسئولٌ عن رعيته .
وهذه سيرته (صلی الله عليه وآله وسلم) وأما أقواله فقد قررت أحكاماً عِدة رعاية وحماية لهذا الحيوان الضعيف الذي لا ينطق ولا يستطيع التعبير عما به من ضُر .
وهذه الأحكام كغيرها من أحكام الشرع يحاسبُ عليها المرءُ إن فرط بها ويُؤجرُ إن تعهدها ولم يتعداها من هذه الأحكام:
1- عدمُ تحميلِ الحيوان ما لا يطيقُ للحديثين السابقين، وعدم إتعابه بلا حاجة لقوله (صلی الله عليه وآله وسلم) : " إياكم أن تتخذوا ظهور دوابِكم منابر فإن الله إنما سخرها لكم لتُبلِغكم إلى بلدٍ لم تكونوا بالغية إلا بشِقِ الأنفسِ وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجتِكم "
والمنبر هو ما يقِفُ عليه الخطيب ليتكلم، وشبه الدابة به لكي لا تُتخذ هي منبراً فيقفُ عليها الإنسان ويتكلم فيُؤذها إلا أن تكون هناك حاجةٌ لذلك فلا بأس،وأيضا لا يتخذها كُرسِياً فيجلس عليها من غير حاجة ،قال النبي(صلی الله عليه وآله وسلم) " اركبوا هذه الدواب سالمة ،ولاتتخذوها كراسي" وهذه صورة من صور إتعابه .
ومن صورها أيضاً: إتعابٌ الرجلِ لفرسه حين التسابق عليه بالزجرِ والصياحِ ، وهذا منعه النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) بقوله " لا جلب ولا جنب في الرِهانِ "
قال شارح عون المعبود: ويُطلق الجلبُ أيضاً على حث فرس السباق على قوة الجري بمزيد الصياح عليه لما يترتب عليه من إضرار الفرس .
قلت : وقوله (صلی الله عليه وآله وسلم) " في الرِهان" ليس تقيداً بل خرج مخرج الغالب ، بمعنى : أن الرجل في السباق عند وجودِ الرهن يكون أحرص على الفوز فيكون أشد على دابته ،وهذا لا ينفي وجود الجلب حين عدم وجود الرهن ، وعليه فالجلب ممنوع في السباق ،سواءٌ كان برهنٍ أو بغيره ، لأن العلة واحدة وهي إتعاب الدابة .والله أعلم (1)
وقد صحّ عن الخليفة عمر بن عبدالعزيز أن غلاماً عمِل على بغلٍ له ، ويأتيه بدرهمٍ كل يوم، فجاء يوماً بدرهمٍ ونصف، فقال( عمر بن عبدالعزيز): ما بدا لك؟[أي:من أين هذه الزيادة] قال: نفِقتُ السوق [أي:درت السوق كله] قال (عمر) :لا، لكنك أتعبت البغل ، إجِمّه ثلاثة أيام)(2) ، أجِمه :أرِحهُ ,أترُكهُ ولاتركبهُ .
2- أن يغذيه بما هو متعارفٌ عليه، فإن لم يستطع وخاف عليه من الموت فليتركه يرعى في أرض الله الواسعة فذلك خيرٌ من أن يلقى حتفه في بيته ، فقد ذكر الله سبحانه حق الحيوان في التعايش والتغذي، فقال:"والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعاً لكم ولأنعامِكم"(3) . ومن رحمة الله أن جعل لصاحب البهيمة أجراً في إطعامِها - وإن كان ماءً - ، قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم): " في كل كبدٍ رطبةٍ أجر" (4) قال ابن حجر العسقلاني : أي الأجرُ ثابتٌ في إرواءِ كلِ كبدٍ حيةٍ(5)
فهذا حث على إطعام الحيوان وعدم استصغار ذلك وعدم الأسف على المال المدفوع فيه. و قال ابن حجر : أما قوله ( في كل كبدٍ ) فمخصوص ببعض البهائم مما لا ضرر فيه لأن المأمور بقتله كالخنزير لا يجوز أن يقوى ليزداد ضرره . ولقد قص النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) لأصحابه قصة واعظاً لهم وحاثاً على العمل بمعناها فقال : " بينما كلب يُطِيفُ بركيّة كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل ، فنزعت موقها فسقته فغُفِر لها به " (6) . ركية: بئر ذات ماء.
ملاحظة : هذا في شرعِ من قبلِنا فلا يقال كيف غُفِر لها وهي من بني إسرائيل ليست مسلمة (كما سأل بعضهم عن ذلك )
وفي الحديث: عِظم رحمة الله سبحانه إذ جازى هذه البغي(أي:تعمل بالزنا) بالمغفرة لرحمتِها بهذا الكلب و سقياه .
ولقد انتفع الصحابة بهذا الوعظ ، فالآثارُ عنهم في رعاية الحيوان والرِفقِ به كثيرةٌ ومنها أن ابن عمر رأى راعياً وغنماً في مكانٍ قبيحٍ و رأى مكاناً أمثل منه فقال " ويّحك يا راعي حوِلها فإني سمعتُ النبي(صلی الله عليه وآله وسلم) يقول " ُكلُ راعٍ مسئولٌ عن رعيته "
وبلغت رحمة الله بالخلق بأن جعل الأجر في الزرع الذي يزرعه المسلم إذا أكل منه الحيوان، وهذا فضلٌ عظيمٌ وبابٌ من الأجرِ كبير وحثٌ على عدم البُخلِ وتغطيةِ كل المزروعاتِ،ما لم تكن للتجارة كما يفعله الكثيرُ اليوم مع النخل وغيره،فيقومون بتغطية جميعِ الثمارِ لكي لا يأكلهُ الطير وغيره ، فهؤلاء قد فاتهم أجرٌ كثير لبُخلِهم هذا، فالنبي(صلی الله عليه وآله وسلم) يقول " ما مِن مسلمٍ يغرِسُ غرساً أو يزرعُ نخلاً فيأكلُ منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلا كان له به صدقة " (7)
و من حُسنِ إطعامِ الدوابِ: أن الرجل إذا خرج على دابته مسافراً-وهو نادرٌ اليوم- أوقاطعاً لمسافة طويلة ورأى في طريقه عُشباً أو غِذاءً لها فلِيقف ولِيُدعها تأكل،أما إن كان الطريقُ صحراوياً لاغِذاء لها فيه فليُسرع ليبلُغ غايته ويُطعِمها قبل أن تضعف في الطريق. هذا ما أرشد إليه الشرع ، قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) "إذا سافرتم في الخِصبِ فأعطوا الأبل حظها من الأرض ،وإذا سافرتم في السنةِ فأسرعوا عليها السير..." ، السنة: القحطُ
3- متابعةُ الحيوانِ وعدم إهماله فلقد صحّ عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) أنه خرج يوماً " لحاجته فمر ببعيرٍ مُناخٍ على بابِ المسجد في أولِ النهارِ ثم مرَ به في آخر النهارِ وهو في مكانِهِ ، فقال : "أين صاحب هذا البعير" ؟ فأبتُغِي فلم يوجد فقال : " اتقوا الله في هذه البهائم ، اركبوها صالحة وكُلوها سِماناً .." (8)
أي: اركبوها حال كونها صالحة للركوب وذلك في حال نشاطِها وقوتِها ، وُكلوها حال كونها سمينةً صالحةً للأكل .
وعليه فلا ينبغي إهمالُ الحيوانِ وتركهُ بلا عنايةٍ ومتابعة ، فقد يجوعُ ويعطِشُ ،وقد يتأذى فلا يجدُ مُنقِذاً، ولقد وقع لأحد جيراننا أنه أحضر أضحيةً وأوثقها بحبلٍ في رقبتها ، وغاب عنها فتحركت وضاق عليها الحبل ثم أتى فوجدها قد ماتت مختنقةً ، وسبب ذلك 1- الأهمال وطول الغياب 2- ربط الحبل في الرقبة والأحوط جعله في الرجل والأفضل من هذا كله أن نجعل لها مكاناً يسرح فيه .
وهذه بعض جوانب الرحمة بالحيوان في الإسلام وهي ُتمثلُ عظمة هذا الدين ورأفتهُ مع أن هناك جوانب لم تُذكر فأسأل الله التوفيق والازدياد بالعلم النافع .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله أن الحيوان :ُعرضةٌ لأنواعٍ كثيرة من المتاعب عند شحنِه ونقلِه بكمياتٍ كبيرةٍ خلال مسافاتٍ طويلة ربما ينتِجُ عنها تزاحمٌ مُهلكٌ لضعيفها وجوعٌ وعطشٌ وتفشي الأمراض فيها وحالاتٌ أخرى ُمضرة تستوجب النظر السريع والدراسة الجادة من أولياء الأمور بوضع ترتيبات مريحة شاملة لوسائل النقل والترحيل والإغاثة من إطعامٍ وسقي وغير ذلك من تهويةٍ وعلاجٍ وفصلِ الضعيفِ عن القوي الخطر ،وهذا اليوم شيءٌ ممكن للمؤسسات المستثمرة والأفراد والشركات المصدرة والمستوردة ، وهو من واجب نفقتها على ملاكِها ومن هي تحت يده بالمعروف . (9)

الرحمة بتحريم التعذيب

إن تحريم تعذيبِ الحيوانِ يُفهم من تعاليم الإسلام بوضوحٍ وصراحة ويؤخذ ذلك من الأمر برحمة هذا الحيوان وعدم تجويعه وإتعابه كما سبق والأمر بالشيء نهيٌ عند ضده فهو لما أمرنا برحمته فهو ينهانا عن تعذيبه، كما أن الأمر بالإيمان يتضمن النهي عن الكفر . ويؤخذ أيضاً - تحريم التعذيب- من أحاديث صرحت بتحريم صور من التعذيب وهذه الصور التي سنذكرها يُقاس عليها غيرها من مثلها في المعنى .

الصورة الأولى:

1- صبرُ الحيوانِ: أي أن يُحبس وهو حي ويُتخذ هدفاً يُرمى. وفي تحريم هذا نصوص عدة منها نص عام وهو قوله تعالى " ولاتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " (10) ونص خاص وهو أن ابن عمر رضي الله عنه مر " بنفرٍ نصبوا دجاجةً يرمونها فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها وقال ابن عمر : من فعل هذا ؟ أن النبي " لعن من فعل هذا " (11) واللعن يدل على التحريم بل يدل على أنها كبيرة . وقال (صلی الله عليه وآله وسلم) " لا تتخذوا شيئاً فيه روحٌ غرضاً " (12)
قال النووي في شرح مسلم : أي لا تتخذوا الحيوان الحي غرضاً ترمون إليه كالغرض من الجلود ونحوها وهذا النهي للتحريم . أه
وأيضا قصة المرأة التي دخلت النار بهرة حبستها ولم تُطعمها حتى ماتت فهي معروفة(13)
قال ابن حجر رحمه الله : وظاهر هذا الحديث أن المرأة عُذِبت بسبب قتلِ هذه الهرة بالحبسِ. انتهى وذهب إلى هذا النووي وقيل غير ذلك .

وهذا التحريم سببه بيّن ،وهو :

1- قتلُ نفسٍ بلا سبب
2- تعذيبُ هذه النفس
3- تضييع لماليته أي أن لهذا للحيوان قيمة ، فقد ’ينتفع به بالبيع أو الاستخدام .
ملاحظة : المحظور هنا هو الحبس مع التعذيبِ وعدم الإطعامِ وأما الحبسُ مع الإطعام وعدم التعذيب والإيذاء فجائزٌ، يُفهمُ ذلك من مفهوم الأحاديث السابقة وصراحة من حديث أنس لما قال : كان النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) أحسن الناسِ خلقاً وكان لي أخ يقال له أبو عمير .. وكان إذا جاء قال (صلی الله عليه وآله وسلم) " يا أبا عمير ما فعل النُغير " نغرٌ كان يلعب به .
النُغير / طير صغير. قال ابن حجر: في الحديث " جواز لعِب الصغير بالطير وجواز إمساكُ الطير في القفص ونحوه .انتهى. شرط أن لا يعذبه الطفل، فعلى الأبوين أن يُنبِهانِهِ إلى هذا، ونقل ابن حجر عن القرطبي قوله : أما تمكينه من تعذيبه ولا سيما حتى يموت فلم ’يبح قط الصورة الثانية :
التمثيلُ بالحيوانِ :هو ما يُفعل بالحيوان الحي من تشويه ، كقطعِ بعض أطرافِهِ وغير ذلك
وهذا محرم ، نهى النبي(صلی الله عليه وآله وسلم) عنه (14) بل ولعن صاحبه ، قال ابن عمر رضي الله عنه : " لعن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) من مثل بالحيوان " وأتى النبي(صلی الله عليه وآله وسلم) رجلاً يشُقُ آذان بعض الابل بالموسى[الموسى: هو آلة حادة يُحلقُ بها] ويحرمها على نفسه –وهذه عبادة جاهلية – فقال له النبي(صلی الله عليه وآله وسلم) " فكل ما آتاك الله لك حِل ، ساعِدُ الله أشد من ساعِدِك ، وموسى الله أشد من موساك " وهذا تحذيرٌ من النبي(صلی الله عليه وآله وسلم) من أن يُمثل بالحيوان و عليه من كان عنده حيوان بريٌ أو بحريٌ ،صغيرٌ أم كبيرٌ( كالحوت) فلا يجوز له قطعُ أطرافِهِ وتشويهِهِ لأن في ذلك من التعذيب ما لا يخفى الصورة الثالثة:
الخِصاءُ أي إخصاء الحيوان برض خصيته أو قطع ذكره أو بإعطائه من الأدوية ما يجعله خصي لا يمكنه التناسل. قال ابن عمر: " نهى رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) عن خِصاءِ الخيل والبهائم " ( 15)
وسبب ذلك لما يفوت عليه من مصلحة التناسل، إتلافُ فطرةٍ وضعها الله فيه ، و ما يحصلُ للحيوانِ من ألمٍ حين خِصائِهِ –إن كان بغير دواء- .
ولعدم مصلحة في ذلك إلا قولهم إنه بذلك يسمنُ ويكبرُ ويطيبُ لحمُهُ .
ومن المُمكِن أن نستغني عن الخِصاء وأن نحصِل اللحم الطيب السمين بالغذاء والعناية السليمة. والقاعدة تقول " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " شرح قواعد الفقهية للزرقا (16) . ولكن إن انتفت هذه المفاسد فوجدت طريقة لا يتألم معها الحيوان-الدواء-ووُجدت المصلحة والحاجة لهذا الفعل جاز .

الصورة الرابعة :

وسمُ الوجهِ أو ضربهِ : الوسمُ أصله من السمةِ وهي العلامة، والمراد هنا جعلُ علامةٍ في الوجه بالكي أو الجرح وما أشبه ذلك .
وهذا محرم بدليل " أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) مر عليه حمارٌ قد وُسِم في وجهه فقال " لعن الله الذي وسمه " (17)
وفي رواية " لعن الله من فعل هذا، لا يسمنّ أحدٌ الوجه ولا يضربنه "
فالنبي (صلی الله عليه وآله وسلم) نهى عنه لمنع تعذيبه وتشويهِ وجهِهِ ولكن إن كانت هناك مصلحة تستدعي الوسم للتمييز بين الدواب فيجوز ولكن في غير الوجه .
ودليل ذلك قول أنس رضي الله عنه : " غدوتُ إلى رسولِ الله (صلی الله عليه وآله وسلم) ...فوافيتُهُ في يده الميسم يسِمُ إبل الصدقة "(18)
قال ابن حجر رحمه الله : الحكمة فيه تميزها وليردها من أخذها ومن ألتقطها وليعرفها صاحِبُها فلا يشتريها إذا تصدق بها مثلاً لئلا يعود في صدقته .
وذهب إلى هذا جمهور العلماء والعلة كما قلنا : جواز إيلام الحيوان للحاجة والمصلحة الراجحة .
قال النووي رحمه الله : إذا وسم فيُستحبُ أن يسِم الغنم في آذانها والإبل والبقر في أصول أفخاذها لأنه موضعٌ صلب فيقِل الألم فيه، ويُخِفّ شعره ويُظهر الوسم " فإن قيل : لِم لا تستبدلون الوسم باللون يوضعُ على جلده أو شعره فهذا لا يؤذيه وتتحقق به المصلحة؟
الجواب / اللونُ يزولُ بالغسلِ ، والشعرُ قد يتغير فلا تحصل المصلحة به ، أما الوسمُ فلا يزول ولكن إن وجدنا شيئاً لا يزولُ ولا يؤُلِمُ صِرنا إليه .

الصورة الخامسة :

لعنُ الحيوانِ والدعاءُ عليه، فالدعاء عليه طلبٌ للضُرِ له وقد يستجيب الله هذا الدعاء فيتأذى الحيوان بذلك، وهذا منهي عنه لِما جاء عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) أنه كان " في بعض أسفاره وامرأةٌ من الأنصار على ناقةٍ ، فتضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) فقال " خُذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة " وفي رواية " لا أيمُ الله لا تصاحبُنا راحلةٌ عليها لعنة من الله "
قال النووي رحمه الله : إنما قال هذا زجراً لها ولغيرها فعوقبت بإرسال الناقة .
ومما يدل على أن الحيوان قد يتأذى بالدعاء عليه قول النبي(صلی الله عليه وآله وسلم) " لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم "قاله(صلی الله عليه وآله وسلم) لرجل لعن دابته .

الصورة السادسة

* ومن الصور السابقة نأخذ تحريم بعض الصور التي لم يرد فيها نصٌ صحيح، فمن ذلك :
التحريشُ بين البهائمِ :وهو أن يُجعل حيوانين في حلبةٍ ليتقاتلا كالكلاب والديكة ، فهذا محرم ولا ريب في ذلك لأن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) نهى عن تعذيب الدابة وقتلها بلا سبب وهنا ستُعذِبُ إحدى الدابتين الأخرى وتقتلها في النهاية غالباً، ولأن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) نهى عن إتعاب الحيوان وهنا سوف يتعب بلا فائدة بل لمجرد اللهو والعبث وفيه أيضاً إضاعة للمال - أي البهيمة- المقتولة ، وما يصحبُ ذلك من مراهنات وضياع للأموال .
وللتنبيه: ورد في التحريش بين البهائم حديثٌ ضعيفٌ. قال ابن عباس : " نهى رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) عن التحريش بين البهائم " ويكفينا ما سبق لتحريمه .

الصورة السابعة

ما ’يسمى اليوم (مصارعة الثيران ) وفيه يدخل ثورٌ قويٌ ورجلٌ فاسقٌ في حلبةٍ كبيرةٍ ومع هذا الرجل رماحٌ وسكاكين، ويقوم هذا الرجل على استثارة هذا الثور بالركض والمراوغة وتحريك ثوب أحمر وبينما الثور يهاجِمه يقوم الفاسقُ بطعنِِه وهكذا حتى ينهك هذا الثور ويتصببُ دماً فيُعطيه هذا الظالم الضربة القاضية بسكين في رأسه فيسقط .
وأي رياضة هذه يرضاها عاقل رزين ولكنه الهوى واتباعه من غير معيارٍ وحدودٍ ، وقسوة القلب، ولا حاجة في التكلم في تحريم هذا التعذيب فهو ظاهر
و ذكر الشيخ ابن باز رحمه الله بعض صور التعذيب التي ’تستخدم في هذه الأيام منها : نتفُ ريشِ الدجاجِ والطيور هي حية أو تغطيسها في الماء شديد الحرارة وهي حية أو تسليط البخار عليها لإزالة الريش زاعمين أنه أرفقُ بما يرادُ ذبحه من الحيوان .. وهذا فيه من التعذيب ما لا يخفى مخالفته لنصوص الأمر بالإحسان إليه .. . ( 19)
وهكذا نرى الإسلام المبهر بأحكامه وشرائعه التي هي من لدن عليم خبير
وانظروا كيف تهاون المسلمون في اتِباعِ هذه الأحكام-وغيرها- وفي إظهارها . وانظروا کيف تهاون الذين هم يدعون بانهم من اتباع النبی صلی الله عليه وآله وسلم والصحابة من الدواعش وامثالهم کثير کيف یتهاونون بدماء المسلمين وغير المسلمين ويتعاملون مع الناس ذبحا وحرقا وقتلا وتجاوزا علی الاموال والاعراض ويدعون ان هذه هي سيرة ابوبکر وعمر وعثمان ؟ ولا ندري قد يکونون علی حق ونحن لا نعلم .
المصادر :
1- شارح عون المعبود تحت حديث 1588
2- أحمد في الزهد. والصحيحه تحت حديث30
3- النازعات 33
4- البخاري 2363ومسلم 5820
5- فتح الباري تحت حديث 2363
6- البخاري 3467 مسلم 5822
7- البخاري /2320مسلم 3950
8- صحيح موارد الظمآن ، بتحقيق الألباني ،ط1، دار الصميعي. 488
9- مجموع فتاوي الشيخ ابن باز 3/ 1178
10- البقرة190
11- البخاري 5515 ومسلم 5034
12- مسلم 5032
13- البخاري 2365
14- البخاري5516
15- مسند الإمام أحمد 4769. صحيح الجامع الصغير وزيادته ، المكتب الإسلامي ،ط 3.6956
16- شرح قواعد الفقهية للزرقا ، قاعدة (29)
17- مسلم 5518
18- البخاري 1502 مسلم 5523
19- مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 3/1179



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.