نشوء السلفيّة

مفردة السلفيّة مأخوذة من مفردة (سَلَف)، والسلف عبارة عن جماعة الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، حيث تُعدُّ اجتهاداتهم في الأصول والفروع أسوة للآخرين، ويجب التمسُّك بها. ويعتمد أتباع السلفيّة على رواية رواها عبد الله بن مسعود عن النبيّ صلى الله
Thursday, May 14, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
نشوء السلفيّة
 نشوء السلفيّة

 






 

مفردة السلفيّة مأخوذة من مفردة (سَلَف)، والسلف عبارة عن جماعة الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، حيث تُعدُّ اجتهاداتهم في الأصول والفروع أسوة للآخرين، ويجب التمسُّك بها. ويعتمد أتباع السلفيّة على رواية رواها عبد الله بن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم قال: "خير الناس قرني، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه, ويمينه شهادته"(1).
فالسلفيّة على أساس هذه الرواية تعتمد على أقوال السلف واجتهاداتهم ولا يخرجون عنها أبداً. ولذا سمّوا بـ (الخيريّة) لهذه الرواية أيضاً.
ومن الحنابلة تفرّعت السلفيّة أتباع ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم (ت: 728 ه‍). ومن السلفيّة تفرّعت الوهّابيّة أتباع محمّد بن عبد الوهّاب (ت: 1206 هـ).

تجديد الدعوة السلفيّة في القرن الثامن

لقد اهتمَّ بعض الحنابلة ومنهم أحمد بن تيميّة الحرّاني الدمشقيّ (المتوفّى عام 728هـ) ـ بإحياء مذهب السلفيّة على المفهوم الّذي كان رائجاً في عصر الإمام أحمد وقبله وبعده إلى ظهور الأشعريّ، فأصرّ على إبقاء أحاديث التشبيه والجهة بحالها من دون توجيه وتصرُّف، وهاجم التأويلات الّتي ذكرها بعض الأشاعرة في كتبهم حول تلك الأحاديث. ولكنّه لم يكتفِ بمجرّد الإحياء، بل أدخل في عقائد السلف أُموراً لا ترى منها أثراً في كتبهم، فعدَّ السفر لزيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم بدعة وشركاً، كما عدّ التبرّك بآثارهم والتوسّل بهم شيئاً يُضاد التوحيد في العبادة. وقد ضمّ إلى ذينك الأمرين شيئاً ثالثاً وهو إنكار كثير من الفضائل الواردة في آل البيت عليهم السلام ، المرويّة في الصحاح والمسانيد حتّى في مسند إمامه أحمد. وبذلك جدّد الفكرة السلفيّة الخاصّة المتبلورة في الفكرة العثمانيّة التي تعتمد على التنقيص من شأن عليٍّ عليه السلام وإشاعة بغضه وعناده.

الدعوة السلفيّة في القرن الثاني عشر

جاء الدهر بمحمّد بن عبد الوهّاب النجديّ في القرن الثاني عشر (1115 ـ 1206هـ) فحذا حذو ابن تيميّة، وأخذ وتيرته واتّبع طريقته، فأحيا ما دثره الدهر، ودعا إلى السلفيّة من جديد، غير أنّه اتّخذ ما أضافه ابن تيميّة إلى عقائد السلف ممّا لا يرتبط بمسألة التوحيد والشرك، كالسفر إلى زيارة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم والتبرُّك بآثاره، والتوسّل به، وبناء القبّة على قبره، قاعدة أساسيّة لدعوته، ولم يهتمّ في تآليفه بمسألة التشبيه وإثبات الجهة والفوق.

أهمُّ عقائدهم

اولاـ إجماع الصحابة وعدالتهم

ذهب ابن تيميّة إلى أنّ الصحابة لا يجتمعون على الخطأ، وقولهم كقول النبيّ صلى الله عليه واله وسلم لا يحتمل الخطأ، لهذا جعل قولهم بمثابة قول النبيّ صلى الله عليه واله وسلم ، وفي هذا المجال يقول ابن تيميّة: "إنّ إجماع الصحابة لا يكون إلّا معصوماً فالحقّ لا يُجاوزهم أبداً"(2). وعليه فإنّ علينا الرجوع إلى فهم الصحابة من السلف، فنأخذ بما اتّفقوا وأجمعوا عليه ونقف فيما اختلفوا فيه، فيكون فهمهم حجّة علينا.
ويستدلّ البعض على عدالة الصحابة بما يروون عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "أصحابي كالنجوم ، بأيّهم اقتديتم اهتديتم"(3). وهذا الحديث لا يصحّ عند أهل السنة أنفسهم. يقول ابن تيميّة: "وحديث أصحابي كالنجوم، ضعّفه أئمّة الحديث، فلا حجّة فيه"(4).
وقد أخرج البخاري في حديث عن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "أنا فرطكم على الحوض. ليرفعنّ إليّ رجال منكم، حتّى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي ربّ، أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك"(5)
مع العلم أنّه وفي أثناء حياة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان هناك تكتّل كبير وقويّ يُعرف بالمنافقين، وهؤلاء من الصحابة الّذين شاهدوا وعاصروا النبيّ صلى الله عليه واله وسلم ، وهل يعقل أن يكون هؤلاء من المعصومين عن الخطأ ومن الّذين يُؤخذ بحديثهم؟
وقد حدّثنا القرآن عن نوعين من المنافقين

أـ المنافقون المعروفون

المنافقون المعروفون بالنفاق الّذين نزلت في حقّهم سورة المنافقين، قال سبحانه:﴿إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾(6).
فهذه الآيات تُعرِب بوضوح عن وجود كتلة قويّة من المنافقين بين الصحابة آنذاك، وكان لهم شأن، فنزلت سورة قرآنيّة كاملة في حقّهم.

ب ـ المنافقون المختفون

تدلّ بعض الآيات على أنّه كانت بين الأعراب القاطنين خارج المدينة ومن نفس أهل المدينة، جماعة مَرَدوا على النفاق، وكان النبيُّ الأعظم صلى الله عليه واله وسلم لا يعرف بعضهم، ومن تلك الآيات قوله سبحانه: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾(7).
ثمّ إنّ التاريخ يُحدِّثنا عن أخطاء وقع فيها بعض الصحابة، وعن حروب نشبت بينهم، وهذا يدلُّ على أنّ الصحابة يُخطئون، وإلّا لما اختلفوا.

ثانيا- التجسيم

وصف ابن تيميّة الله عزّ وجلّ وصفاً دقيقاً كمن قد رآه بالعين المجرَّدة، ونسب له صفات وتشابيه هي صفات المخلوقين، فيجوّز على الله الانتقال والنزول والصعود والاستقرار والتمكّن، وله جوارح وأعضاء من يد ورجل ونحو ذلك، ومع هذا ليس كمثله شيء لا يُشبه شيئاً من المخلوقات ولا يُشبهه شيء(8). كذلك يجوز على الله أن يُرى يوم القيامة ويُشاهده كلّ الناس كالشمس في رابعة النهار.
وفي هذا التصوّر من التجسيم أمور لا تليق بساحته تعالى، فالّذي ينتقل من مكان إلى مكان، وينزل ويصعد فلا بدّ أنّه كان أوَّلاً في مكان ثمّ انتقل إلى مكان آخر فخلا منه المكان الأوّل واحتواه المكان الثاني، والّذي يحويه المكان لا يكون إلّا محدوداً! والله تعالى لا يحدّه شيء.
ونذكر في المقام ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام عندما جاءه رجل فقال له: يا أمير المؤمنين صف لنا ربّنا مثلما نراه عياناً، لنزداد له حبّاً وبه معرفة، فغضب أمير المؤمنين عليه السلام وجمع الناس في المسجد وخطب خطبته الشهيرة المعروفة بخطبة الأشباح، فوصف الله تعالى بما هو أهله، فقال: "الحمد لله الّذي لا يَغِرُهُ(9) المنعُ والجمود، ولا يُكديه (10) الإعطاء والجمود.... الأوّل الّذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله، والآخِر الّذي ليس له بَعدٌ فيكون شيء بعده، والرّادِعُ أنَاسِيَّ (11) الأبصار عن أن تناله أو تُدركه....
ثمّ قال: "فانظر أيّها السائل: فما دلّك القرآن عليه من صفته فائتمَّ به، واستضئ بنور هدايته، وما كلّفك الشيطان علمه ممّا ليس في الكتاب عليك فرضُه ولا في سنّة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم وأئمّة الهدى أثره، فَكِْل علمه إلى الله سبحانه"(12).

ثالثا- التوسُّل بالنبيّ صلى الله عليه واله وسلم

رفضت السلفيّة مبدأ التوسُّل بالنبيّ صلى الله عليه واله وسلم رفضاً قاطعاً، حتّى أنّ من يستشفع بالنبيّ صلى الله عليه واله وسلم يصل إلى حدّ الكفر والخروج عن الإسلام، وذهب ابن تيميّة وهو إمام السلفيّة إلى أنّ التوسُّل يقع في ثلاثة معانٍ:
1ـ التوسُّل بطاعة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم والإيمان به، وهذا هو أصل الإيمان والإسلام، ومن أنكره فكفره ظاهر للخاصّة والعامّة.
2ـ التوسُّل بدعائه وشفاعته، أي أنّ النبيّ صلى الله عليه واله وسلم هنا هو الّذي يدعو ويشفع مباشرة، وهذا كان في حياته ويكون هذا يوم القيامة حيث يتوسّل الناس بشفاعته، ومن أنكر هذا فهو كافر مرتد يُستتاب فإن تاب وإلّا قتل مرتدّاً.
3ـ التوسُّل بشفاعته بعد موته والإقسام على الله بذاته وهذا من البدع المُحدثَة (13).

رابعا - زيارة قبور الأنبياء والصالحين عليهم السلام

حرمة التوسُّل وزيارة قبور الأنبياء عليهم السلام والصالحين من أعمدة العقائد عند السلفيّة، وذلك لأنّهم تمسّكوا بها وأكثروا الكلام بمخالفة من يقول بها، ولابن تيميّة كتاب خاصّ في هذا المجال اسمه كتاب "الزيارة".

ونورد هنا ما ذكره في هذا الموضوع

يقول ابن تيميّة:"الزيارة البدعيّة ـ أي المبتدعَة والّتي ليس لها أصل في الشريعة ـ فهي الّتي يُقصد بها أن يُطلب من الميّت الحوائج أو يُطلب منه الدعاء والشفاعة أو يُقصد الدعاء عند قبره؛ لظنّ القاصد أنّ ذلك أجوَبَ للدعاء، فالزيارة على هذه الوجوه كلّها مُبتدَعَة لم يُشرِّعها النبيّ ولا فعلها الصحابة لا عند قبر النبيّ ولا عند غيره، وهي من جنس الشرك وأسباب الشرك، ولو قصد الصلاة عند قبور الأنبياء والصالحين لكان معرَّضاً لغضب الله ولعنته...." (14).

أهمّ عقائدهم

ـ يعتقدون بأنّ الصحابة لا يجتمعون على الخطأ، وأنّ قولهم حجّة والحقّ لا يجاوزهم أبداً.
ـ يقولون بالتجسيم وأنّ لله عين ورجل ويد وغيرها من الأعضاء.
ـ أنّ الله يُرى يوم القيامة بالعين ويُشاهده كل الناس.
ـ عدم جواز التوسّل بالنبيّ صلى الله عليه واله وسلم ومن يفعل ذلك يُعدّ مشركاً.
ـ حرمة زيارة قبور الأنبياء والصالحين عليهم السلام.
المفكّرون الإسلاميون المعاصرون والسلفيّة
من المؤسف أنّ السلفيّة اتخذت لنفسها في الآونة الأخيرة طابعاً حادّاً وسلوكاً في غاية الجمود و التحجّر.... وإلى تحريم كلّ ما يتّصل بالحضارة ومعطياتها، فإذا بهم يُحرّمون حتّى التصوير الفوتوغرافي ويُهاجمون الراديو والتلفزيون عتوّاً وجهلًا.
وقد كان هذا الموقف المتحجّر، وهذا التزمّت والجفاف، وما رافقه من شدّة على الآخرين ورميهم بالبدعة، والخروج على الدين بحجّة عدم الانقياد لمواقف السلف، وآرائهم، وراء ابتعاد جماعات كبيرة من الشباب من أبناء المسلمين عن الإسلام، وإساءة الظنّ به وبمؤسّساته. وهذا هو ما حدا ببعض الغيارى من المفكّرين‏ الإسلاميّين إلى التصدّي لهذا الاتجاه الدخيل على الإسلام البعيد عن روحه النقيّة السمحة.
وممن انبرى لإبطال هذا المذهب وإزالة الغبار عن وجه الحقيقة الأُستاذ محمّد سعيد رمضان البوطيّ في كتابه "السلفيّة مرحلة زمنيّة مباركة لا مذهب إسلاميّ".
حيث قال: إنّ اتّباع السلف لا يكون بالانحباس في حرفيّة الكلمات الّتي نطقوا بها أو المواقف الجزئيّة الّتي اتخذوها، لأنّهم هم أنفسهم لم يفعلوا ذلك.
ثمّ قال: إنّ من الخطأ بمكان أن نعمد إلى كلمة (السلف) فنصوغ منها مصطلحاً جديداً طارئاً على تاريخ الشريعة الإسلاميّة والفكر الإسلاميّ ألا وهو (السلفيّة) فنجعله عنواناً مميّزاً تندرج تحته فئة معيّنة من المسلمين، تتّخذ لنفسها من معنى هذا العنوان وحده، مفهوماً معيّناً، وتعتمد فيه على فلسفة متميِّزة بحيث تغدو هذه الفئة بموجب ذلك، جماعة إسلاميّة جديدة في قائمة جماعات المسلمين المتكاثرة والمتعارضة بشكل مؤسف في هذا العصر، تمتاز عن بقيّة المسلمين بأفكارها وميولها، بل تختلف عنهم حتّى‏ بمزاجها النفسيّ ومقاييسها الأخلاقيّة كما هو الواقع اليوم فعلًا.
بل إنّنا لا نعدو الحقيقة إنْ قلنا: إنّ اختراع هذا المصطلح بمضامينه الجديدة الّتي أشرنا إليها بدعة طارئة في الدين لم يعرفها السلف الصالح لهذه الأُمّة، ولا الخلف الملتزم بنهجه(15).
المصادر :
1- السلفيّة، البوطي، ص11
2- الفرقان بين الحقّ والباطل، ابن تميمة، ج20، ص75
3- صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة، ومسند أحمد بن حنبل، ج 4، ص 398
4- المنتقى، الذهبي، ص551
5- صحيح البخاري، ج 9، ص 144
6- المنافقون: 1
7- التوبة: 101
8- كتاب الإيمان، والرسالة الواسطية من الرسائل التسع، ابن تيمية، ص 126
9- لا يغره: لا يزيد ما عنده من البخل والجمود وهو أشدّ البخل
10- يكديه: يفقره
11- أناسي جمع إنسان، وإنسان البصر هو ما يرى وسط الحدقة ممتازاً عنها في لونها
12- نهج البلاغة، شرح د. صبحي الصالح، 124، خطبة 91
13- قاعدة جليلة في التوسُّل والوسيلة, ابن تيمية، ص13- 20- 50
14- كتاب الزيارة، ص 13، 14، 38، 39، التوسل والوسيلة، ابن تيميّة، ص 24
15- الملل والنحل، السبحاني، ج‏1 ص 502 ـ 503



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.