
قام الاديب ابو الفرج الأصفهانى بتألیف الکتاب فی فترة زمنية استغرقت خمسین عاماً وبعد أن انتهى منه أهداه إلى سیف الدولة الحمدانی (303 - 356 هـ / 915 - 967 م) الذي كان راعياً للفنون والعلماء،والذي وتزاحم على بابه الشُعراء والعُلماء والأدباء والمفكرون، ففتح لهم بلاطه وخزائنه، حتى كانت له عملة خاصة يسكها للشعراء من مادحيه..وعندما اهدی ابو فرج الاصفهاني کتابه للحمداني اعتطاه ألف دینار ولما سمع الحاکم بن عباد ذلک استقل هذا المبلغ لذلک العمل الضخم والمجهود الرائع وأرسل الیه الحاکم الثانی خلیفة الأندلس ملتمساً نسخة من الکتاب مقابل ألف دینار عیناً ذهباً أخرى فأرسل الأصفهانى له نسخة منقحة قبل أن یوزع الکتاب فی العراق.
ینطوی الکتاب على ثلاثة أجزاء رئیسیة:
1- ثلاث أغانٍ اختارها المغنی إبراهیم الموصلی للخلیفة الواثق ثم 100 أغنیة أخرى من اختیار نفس المطرب.
2- أخبار عمن لحنوا أغانی من الخلفاء وأقاربهم.
3- أغانٍ من اختیار ابو فرج الإصفهانی.
وقد سمی الأصفهانى الکتاب بهذا الاسم لأنه بنى مادته فی البدایة على مائة أغنیة کان الخلیفة هارون الرشید قد طلب من مغنیه الشهیر إبراهیم الموصلى أن یختارها له وضم إلیها أغانى أخرى غنیت للخلیفة الواثق بالله وأصواتاً أخرى اختارها المؤلف بنفسه. وینطوی کل جزء على الأشعار التی لحنت وأخبار الشعراء الذین نظموها من الجاهلیة إلى القرن التاسع المیلادی مما یجعل من الکتاب مرجعاً لمعرفة الآداب العربیة والمجتمع الإسلامی فی العصر العباسی وتصوراتهم عن المجتمع الجاهلی والصدر الأول والعصر الأموی.
ولقد تم انتقاد الکتاب بأنه یحتوی على الکثیر من الأخبار المکذوبة ورد علیه الکثیر من العلماء والفقهاء ومنهم العلامة الشاعر ولید الأعظمی فی کتابهِ السیف الیمانی فی نحر الأصفهانی، وبین زیف أکاذیبه وبطلان أدعاءه، ویدرس کتاب الأغانی فی کثیر من الدول العربیة کمصدر من مصادر التراث وهو یحوی هذه القصص الکاذبة والخرافیة عن الخلفاء العرب والمسلمین.
قال عنه الخطیب البغدادی: (حدثنی أبو عبد الله الحسین بن محمد بن طباطبا العلوی، قال: سمعت أبا محمد الحسن بن الحسین النوبختی یقول: کان أبو الفرج الأصفهانی أکذب الناس، کان یشتری شیئاً کثیراً من الصحف: ثم تکون روایتهُ منها).
وقال عنه العلامة ابن الجوزي البغدادي : ( ومثله لا يوثق بروايته، يصح في كتبه بما يوجب عليه الفسق، ويهون شرب الخمر، وربما حكى ذلك عن نفسه، ومن تأمل كتاب الأغاني، رأى كل قبيح ومنكر).
ننقل هنا بعضا من الکتاب حول قصة ممتعة لزرقاء الیمامة کما يرويها ابو فرج الاصفهاني في کتابه :
زرقا الیمامه اختلف المؤرخین فیها فمنهم من قال انها کان لها بصر حاد وعینان جمیلتان وتغنى الشعراء فی عینیها ومنهم من مدح جمالها وکانت تخبر قومها بالغزاة المعتدین على قومها ولکن زرقاء الیمامه فی حقیقتها کانت کاهنة یاتی لها الجن بالخبر من السماء اخبار الدنیا من عرب وعجم ولکن بعد نزول محمد صلوات الله علیه واله فی رحم امه سیدتنا امنة قطع الخبر من السماء على الجن وزرقاء الیمامة
وسألت الجن: لماذا قطع الخبر من السماء؟؟ فقال لها کبیر الجن :لقد نزل النور بالحجاز؟؟ نور النبوة النبی الجدید.. فقالت له وما العمل سوف یضیع صیتی ومکانتی بین قومی ...قال لها کبیر الشیاطین اذهبی للحجاز واقتلی امنه بخنجر مسموم واغرسیه فی بطنها تموت ویموت النبی الذی فی بطنها ...فحمل الجن زرقاء الیمامه الى دیار بنی هاشم وقالت لهم انها عابرة سبیل ترید المبیت عند اهل الجود والکرم فماکان من بنی هاشم الا الترحیب بها وتضیفها وماکان من هذه الخبیثه الا ان طلبت من امرأة من بنی اسد عن مکان امنة.. فدلتها علیها وهال زرقاء الیمامه نور امنة بنت وهب فقدمت زرقاء الیمامه لامرأة من بنی اسد کیس ملیء بالمجوهرات مقابل غرس الخنجر المسموم فی بطن امنه ولکن الله سبحانه وتعالى ابطل کید الکائدین وعندما همت الاسدیة فی قتل سیدتنا امنه تجمدةت المرأة الاسدیة من هول مارأته.. فصرخت سیدتنا امنة صرخة فزع لها بنی هاشم فتقدم عبد المطلب وهم بسؤال الاسدیة مادفعک لهذا العمل..؟؟ قالت :- یاقومی لاتلومونی فقد اغرتنی ضیفتکم زرقاء الیمامه بکنز لکی اقتل امنة .. لانی رایت خلق غریب الشکل یحدث زرقاء الیمامه حیث کنت نائمة بجوارها بان الخبر قطع من السماء والسماء زینت بالمصابیح فتعجلی بذبح امنة فکبروهلل واستبشر ابی طالب وعرف بانه الحق ولاغیر الحق ان محمد (صلى الله علیه واله وسلم)أتٍ قادم من عند ربه ..مبشرا ومنذرا..
هذا ماورد في کتاب الاغاني .. اما ما يذکر عن هذه الفتاة العربية في کل المصادر هو:
زرقاء اليمامة فتاة عربية عاقلة جميلة وكان اجمل ما فيها عيناها وكانت ترى بهما على مسافات بعيدة جدا والناس يعجبون من قوة نظرها
وكانت بلادها تسمى ( اليمامة) فسميت الفتاة (زرقاء اليمامة) وفي هذه البلاد عيون ماء كبيرة و بساتين جميلة وفي وسطها قلعة عالية على جبل مرتفع وكان ابو الزرقاء تاجرا مشهورا وقد حدث ان سافر للتجارة الى بلاد بعيدة وغاب اكثر من شهر ووفي عصر يوم من الايام صعدت الزرقاء الى اعلى الجبل و نظرت بعيدا ثم نادت اصحابها وهي تقول (ابي ابي هذا ابي قد عاد من سفره وانا اراه بعيني)
ونظر اصحاب الزرقاء الى كل جهة فلم يروا شيئا وحققوا النظر فلم يبصروا احدا و الزرقاء تقول (هذا ابي على فرسه الابيض وهذا اخي وراءه وهذه الجمال من بعدهم خمسون جملا على ظهر كل جمل حمل كبير من البضاعة )
وصارت تصف لهم القافلة ومن فيها وهم ينظرون ولا يرون شيئا فلم يصدقوها وقالوا ( ان الزرقاء قد خدعتها عيناها الجميلتان) وذهب كل واحد بيته يحكي لاهله ما قالت الزرقاء و ناموا طول الليل .
وعند الفجر كانت القافلة قد دخلت اليمامة و حضر ابو الزرقاء بتجارته و قافلته كما وصفت فلما اصبح الناس صدقوا وعرفوا قوة بصرها .
وكانوا بعد ذلك اذا ارادوا ان ينظروا شيئا بعيدا او يروا في الطريق احدا اخدوا الزرقاء وصعدوا بها الى القلعة فوق الجبل )وهي اعلى مكان باليمامة(فتنظر و تخبرهم بما ترى وذات يوم اراد اصحاب الزرقاء ان يمتحنوها و يعرفوا قوة نظرها فاجتمعوا و قالوا ( يا زرقاء سنعد حماما و نحبسه ثم نطلقه في الجو امامك و نسألك أن تعديه فإذا عرفت عدده شهدنا لك )
ورضيت الزرقاء بامتحانهم فاجتمعوا وحبسوا حماما عدوه ولم يخبروها بعدده ثم اطلقوه فاجاة وقالوا ( عدي يا زرقاء )
طار الحمام بعضه الى اليمين و بعضه الى الشمال و تفرق في سرعة و لكن الزرقاء عدته و عرفت حسابه تماما ثم ارادت ان تمتحنهم كما امتحنوها و جعلت جوابها في صورة احجية فقالت ( اذا اضيف الى هذا الحمام نصفه و الحمامة الواحدة التي عندي كان عدد الحمام مائة ) ففكروا و حسبوا ووجدوا جوابها صحيحا فاعترفوا لها بصحة الحكم و قوة النظرصعدت الزرقاء يوما الى القلعة و نظرت فرات شيئا عجيبا رات من بعيد شجرا كثيرا يمشي و ينتقل من مكان الى مكان فنادت رئيس قومها وقالت( ارى شيئا عجيبا ارى شجراكثيرا يمشي و ينتقل ) فعجب الناس وقالوا (الشجر يمشي يا زرقاء هذا شيء لم نره ولا نقدر ان نصدقه انظري اعيدي النظر .حققي ) فاعادت النظر ثم قالت ( كما اراكم بجانبي ارى الشجر من بعيد يمشي ) قال واحد من اهلها ( ربما جاء الى تلك البلاد سيل شديد فقلع الشجر من مكانه و حمله لذا تراه الزرقاء يسير)
اعادت النظر و قالت (لا بل اراه الان اوضح مما كنت اراه تحت الشجر رجالا سائرين و الشجر معهم يسير) فنظروا هم ثم قالوا ( لا يا زرقاء الجميلة اخطأ نظرك هذه المرة و خدعتك عيناك ) قالت ( لا بل ارى ذلك كما اراكم بجانبي )
و جاءالليل فانصرفوا و ذهب كل الى داره و عند الفجر ايقظ الناس جيش كبير مسلح يقوده اكبر عدو لليمامة كان الجيش مستعدا معدا سلاحه وكان اهل اليمامة نائمين تاركين سلاحهم ففاجاهم العدو المهاجم و قتل كثيرا منهم و استولى على قلعهم و عند ئد علم الناس ان الزرقاء كانت صادقة وكانت تخبرهم بما تراه حقا و لكن فات الاوان و ضاعت الفرصة كان هذا العدو يريد ان يهجم على اهل اليمامة فجاة و كان يخاف من عين الزرقاء ان تراه و تخبر اهلها فيستعدوا لقتاله و لهذا دبر تلك الحيلة و امر رجاله ان يحمل كل واحد منهم فرع شجرة او يحمل كل جماعة شجرة تغطيهم حتى لا يرى من ينظرهم من بعيد الا الشجر يمشي و نجحت الحيلة لان اهل الزرقاء لم يصدقوا كلامها رغم صحته و بحت رئيس الجيش المهاجم عن الزرقاء فلما احضرت له قال ( انت التي اخرت جيشي مرارا قبل هذه المرة و منعته ان ياخد اليمامة فكلما اقبلت بجيش نظرت فكشفت مكانه و اخبرت اهلك فيستعدون لي )
قالت ( وكنت اتمنى ان اؤخره هذه المرة ايضا ) قال ( ولكن عقلي غلب عينيك)
قالت (لم يغلبهما و لكن اهلي كذبوني حين اخبرتهم)
قال ( هل تحبين ان تصحبيني و تخبريني عن كل من يقصد الى بلادي و لا اكذبك كما كذبك اهلك)
قالت ( كثرة البكاء على اهلي و الحزن على و طني يضعف بصري فلا يجعلني ارى شيئا ) قال ( الان وجب ان احرمك عينيك)
قالت ( اذن تحسن الي فانه لا فائدة لي في عيني اذا لم اخدم بهما اهلي ووطني و فقدهما خير لي من ان ابصر بهما العدو الذي قتل اهلي و خرب و طني و الان فافعل بعيني ما شئت و لا تطمع من الزرقاء ان تخدم بهما عدو الوطن )
فسمل عيناها الجميلتان وماتت بعد ثلاث ايام ..
الکتاب والنقاد
ویرى النقاد أن هدف الکتاب الإمتاع لا التأریخ، فهو یهمل الأخبار غیر الجذابة حتى لو کانت مفیدة، ویختار القصص المشوقة والحکایات المسلیة ولم تکن لها قیمة.
عرض المادة
عرض الأصفهانى مادته فی منهج محدد، فهو یورد أخباراً مسندة، ولا یقنع بالإسناد، وإنما ینتقد الرواة ویبین درجة الخطأ، والتناقض فی روایتهم وهو یضم الأخبار المتشابهة بعضها إلى بعض، ویمزجها وینسقها بحذف العناصر المتنتقضة کما فعل فی مجنون لیلى وقد اختار المؤلف أخباره وأشعاره وروایاته مما یجذب القارئ ویشوقه، وکان لا یجد حرجاً فی تسمیة الأشیاء بأشیائها حتى یمنع الملل عن قارئه. ومن منهجه النقدى أنه يفصل بین سلوک الأدیب وإبداعه الفنى فیروى أخباره ویورد له نصوصاً تدل على طبیعته، وإن تکن بعیدة عن الأخلاق.
مآخذ نقاد الأدب
اهتم الکاتب بسرد الجوانب الإنسانیة الضعیفة فی حیاة الشعراء ورکز على جانب الخلاعة فی سلوکهم وأهمل الجوانب المعتدلة من تصرفاتهم - متأثراً بأخلاقه الشخصیة - مما جعل القارئ یتوهم أن بغداد کانت مدینة الخلاعة والإلحاد، مع أنها کانت فی الواقع عامرة بالعلماء والفلاسفة والزهاد والعباد. کما أن أخباره عن بنی أمیة لم تکن دقیقة لأنها کتبت فی ظل العباسیین وقد استند فیها إلى روایات ضعیفة وفى بعضها أخطاء ویلاحظ أیضاً أنه أغفل تماماً ترجمة أبی نواس إغفالاً تاماً،کذلک أغفل التنویه بابن الرومی ومکانته الشعریة بینما أفاض فی أخبار کثیرین أقل منهم قدراً.
وكتاب الأغاني أحد المجاميع الأدبية العربية الرئيسة وهي ديوان العرب على حد تعبير المؤرخ العربي ابن خلدون وهو "آية حب أبي الفرج لقومه العرب" على حد تعبير المستشرق الألماني الكبير كارل بروكلمان في تاريخه للادب العربي. واصل الكتاب هو في الاصوات المائة المختارة من الاغاني التي وضعت للخليفة العربي هارون الرشيد ثم استطرد أبو الفرج في ذكر شعراء هذه الاشعار المغناة فأورد جملا مفصلة ومختصرة احيانا من اخبار شعرائها فجاء كتابا غزير المادة فيه أكثر من ستة عشر الف بيت شعر أكثرها من جيد الشعر العربي ناهيك عن الاخبار والتواريخ التي أشتمل عليها.
ولما أخرجه كما ينص بعض المؤرخون إلى العلن أقبل الناس عليه اقبالا شديدا حتى قيل ان الوزير الأديب الصاحب بن عباد (المتوفي سنة 386 هـ) لم يكن يفارقه قط. وكان الوزير المذكور يحمل معه حمل ثلاثين جملا كتبا فلما ألف الأغاني أكتفى به.
وهذا الكلام زائف لا أصل له حيث قال المؤرخ وليد الأعظمي عن الكتاب : (وكان كتاب الأغاني متداولاً في نطاق ضيق، ولم ينتشر كغيره من الكتب وذلك لسعتهِ، وعظم حجمهِ، وصعوبة نسخهِ، وإنما كانت منه بضع نسخ لدى الأمراء والوزراء وبعض الأدباء، وقد تولت دار الكتب المصرية طبعه – بعد الطبعة الاستشراقية – وأخرجته في أربعة وعشرين مجلداً كبيراً، وحشدت له جمعا من العلماء والأدباء لتحقيقه فكيف به حين كان مخطوطاً ؟).
وقد کتبت عدة نسخ من هذا الکتاب، وتم بیع الکثیر منها فی العالم العربی، وقد لاقى استحسانا کبیرا من طرف المشترین. بعض هذه الطبعات:
1- طبعة بولاق 1868 في 20 مجلدا
2- اصدر مستشرق أمريكي المجلد 21 سنة 1888
3- قام غويدي بوضع فهارس فنية مفصلة له باللغة الفرنسية ونشره بليدن سنة 1905
4- تم نشر هذه الطبعات مجتمعة ومعتمدة على ما سبق عن مطبعة التقدم في القاهرة في نفس سنة 1905 وهي المعروفة بطبعة دي ساسي.
وتم طبع الكتاب طبعات عديدة منذ نشره لأول مرة في أوروبا سنة 1868م، ولكن معظمها جاء ناقصا من ضمنها طبعة دار الكتب المصرية التي أشرف على اخراجها الاستاذ إبراهيم الابياري ؛ ثم نشر بعد الكتاب مجددا في 24 مجلدا ضخما بمعدل جزءين في كل مجلد بالاضافة إلى فهارس فنية مفصلة في المجلد 25 عن دار احياء التراث العربي البيروتية؛ ونشر كذلك عن دار الفكر للطباعة والنشر ببيروت كذلك فيها زيادة عن الطبعة المار ذكرها.
المصدر:
تأریخ بغداد - الخطیب البغدادی - 11/398. تحقيق راسخون 2015