مخالفة السنة النبوية

قال النبى(صلی الله عليه وآله وسلم): (ان لكل امه فتنه، وفتنه امتى المال)، ولما كانت فتنه الامه فى المال، بينت الشريعه الخاتمه موضع الرحاب الامن، وشاء اللّه ان يكون الامن فى فعل الرسول، بمعنى ان النجاه لن تكون فى منع الروايه عن
Friday, November 6, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
مخالفة السنة النبوية
 مخالفة السنة النبوية

 






 

ا- مخالفه الامر النبوى فى الاموال
قال النبى(صلی الله عليه وآله وسلم): (ان لكل امه فتنه، وفتنه امتى المال)(1)، ولما كانت فتنه الامه فى المال، بينت الشريعه الخاتمه موضع الرحاب الامن، وشاء اللّه ان يكون الامن فى فعل الرسول، بمعنى ان النجاه لن تكون فى منع الروايه عن الرسول، لان اللّه-تعالى- بين موضع كل مال، وقسمه بين عباده تقسيما حقا بوضع قوانين عادله تقضى على منابت الفساد، وهذه القسمه وهذه القوانين نفذها النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)وهو يبين للناس ما انزل اليهم من ربهم، وفى الوقت الذى كان النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)يقيم الحجه، كان يخبر بالغيب عن ربه ويقول: (ان هذا الدينار والدرهم اهلكا من قبلكم وهما مهلكاكم)(2)، وامر النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)باوامر تدفع هذا الهلاك، ومنها اعطاء بالصدقه، لان من خاصتها انها تنمى المال، لانها تنشر الرحمه وتورث المحبه، وتولف بين القلوب وتبسط الامن، وتصرف القلوب عن ان تهم بالغضب والاختلاس والفساد والسرقه، وتدعو الى الاتحاد والمساعده والمعونه، وبذلك يقضى على اغلب طرق الفساد، وحذر -عليه الصلاه والسلام- من التعامل بالربا، لان الربا من خاصته انه يمحور المال ويفنيه تدريجيا، من حيث انه ينشر القسوه والخساره، ويورث البغض والعداوه وسوء الظن، ويفسد الامن والاستقرار، ويهيج النفوس على الانتقام باى وسيله امكنت، ويدعو الى التفرق والاختلاف والفساد، ى‏ى‏ى‏ى‏كما يودى الى زوال المال.
ولان المجتمع فى نظر الشريعه ذو شخصيه واحده، له كل المال الذى اقام به صلبه وجعله له معاشا، فان الشريعه الزمت المجتمع بان يدير المال ويصلحه ويعرضه معرض النماء، ويرتزق به ارتزاقا معتدلا مقتصدا، ويحفظه من الضياع والفساد، ومن مجملات القرآن التى تتعلق بالاموال، وبينها رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)ليستقيم حال المجتمع، قوله تعالى: (يسالونك عن الانفال قل الانفال للّه والرسول فاتقوا اللّه واصلحوا ذات بينكم واطيعوا اللّه ورسوله ان كنتم مومنين) والمعنى:
يسالك اصحابك يا محمد عن هذه الغنائم التى غنمتها، فقل:
هى للّه والرسول، يحكم فيها اللّه بحكمه ويقسمها الرسول.
وروى ان النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)قال: (انما انا قاسم وخازن، واللّه يعط‏ى) ، وقال: (ما اعطيكم ولا امنعكم انا قاسم اضع حيث امرت)(3)، وبين النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)حكم اللّه فى الغنيمه، قال تعالى: (واعلموا انما غنمتم من شى‏ء فان للّه خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم آمنتم باللّه...) «الانفال: 41»، وبين الرسول حكم الخمس وحكم الاربعه اخماس، وعلموا حق الذين حرمت عليهم الصدقه من ذى القربى، وحق الجنود.
وقال تعالى: (انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمولفه قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل اللّه وابن السبيل فريضه من اللّه واللّه عليم حكيم) «التوبه: 60»، قال المفسرون: بين اللّه-تعالى- انه هو الذى قسم الصدقات وبين حكمها وتولى امرها بنفسه، ولم يكل قسمتها الى احد غيره، فقوله: (فريضه من اللّه)، اشاره الى ان تقسيمها الى الاصناف الثمانيه امر مفروض منه تعالى، واشاره الى ان الزكاه فريضه واجبه، وقوله تعالى: (واللّه عليم حكيم)، اشاره الى ان فريضه الزكاه مشرعه عن علم وحكمه، لا تقبل تغيير المغير.
وروى ابو داود عن زياد بن الحارث قال: (اتيت النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)فبايعته، فاتاه رجل، فقال: اعطنى من الصدقه، فقال له النبى(صلی الله عليه وآله وسلم): ان اللّه لم يرض بحكم نبى ولا غيره فى الصدقات حتى حكم فيها، فجزاها ثمانيه اجزاء، فان كنت من تلك الاجزاء اعطيتك حقك).
واقامت الشريعه الخاتمه الحجه على المسيره، فاخبر النبى الخاتم(صلی الله عليه وآله وسلم)ان فتنه امته فى المال، وبين كيف تدخل الامه فى حجاب الامن. وفى الوقت الذى بين فيه النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)حكم الغنيمه اخبر بالغيب عن ربه، بان فتنه المال ستصيب البعض، وقال: (كانى براكب قد اتاكم فنزل، فقال: الارض ارضنا والفى‏ء فيونا، وانما انتم عبيدنا، فحال بين الارامل واليتامى وما افاء اللّه عليهم)(4)، اخبر النبى بهذا حتى ياخذوا بالاسباب وهم تحت سقف الامتحان والابتلاء، لان اللّه-تعالى- ينظر الى عباده كيف يعملون.
ب- اجتهاد الصحابه فى الاموال
ذكرنا ان الساحه بعد رسول اللّه كان فيها صحابه سمعوا من النبى شيئا ولم يحفظوه على وجهه، وكان فيها من سمع منه شيئا يامر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ، وادى هذا فى نهايه المطاف الى تضارب القرارات ثم ضياع مال اللّه فى عهد بنى اميه، بعد ان بسطوا ايديهم على بيوت المال، وبالجمله، نقدم هنا الاحاديث التى تشهد بالمقدمات الاولى:
روى البخارى ومسلم عن عائشه (ان فاطمه بنت رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)سالت ابا بكر بعد وفاه رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)ان يقسم لها ميراثها مما ترك رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)، فقال لها ابو بكر: ان رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)قال: لا نورث ما تركناه صدقه، فغضبت فاطمه فهجرت ابا بكر، فلم تزل مهاجره له حتى توفيت، وعاشت بعد رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)سته اشهر، فكانت فاطمه تسال ابا بكر نصيبها مما ترك رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)من خيبر وفدك وصدقته بالمدينه، فابى ابو بكر ذلك..)(5).
وروى الامام احمد انه: (لما قبض رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)ارسلت فاطمه الى ابى بكر، فقالت: اانت ورثت رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)ام اهله؟ فقال: بل اهله، قالت: فاين سهم رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: انى سمعت رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)يقول: ان اللّه -عز وجل- اذا اطعم نبيا طعمه ثم قبضه جعله للذى يقوم من بعده، فرايت ان ارده على المسلمين)(6).
ولقد ثبت بالاحاديث الصحيحه ان ابا بكر ابى ان يعط‏ى فاطمه -رضى اللّه عنها- ما ترك رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)من خيبر وفدك وصدقته بالمدينه، وذلك لما عنده من حديث لم يروه غيره.
وفى عهد عمر روى البخارى ومسلم ان صدقه رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)بالمدينه دفعها عمر الى على بن ابى طالب والعباس، وامسك خيبر وفدكا (7)، وذلك ايضا لما عنده من حديث، وروى ان اهل البيت ردوا الى عمر ما دفعه اليهم لانهم وجدوه دون حقهم الذى بينه رسول اللّه لهم، فعن يزيد بن هرمز ان نجده الحرورى ارسل الى ابن عباس يساله عن سهم ذى القربى، ويقول: لمن تراه؟ فقال ابن عباس: لقربى رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)، قسمه لهم رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضا رايناه دون حقنا فرددناه عليه، وابينا ان نقبله(8).
وكان لقرار منع ميراث الرسول وصدقته آثار جانبيه منها:
التعتيم على اهل البيت، لان خروجهم من تحت سقف ما كتبه اللّه لهم، وهم الذين حرمت عليهم الصدقه، يجعلهم كغيرهم من الناس، ولم يفعل النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)هذا فى حياته، وانما كان يضع الناس فى مواضعهم التى حددها اللّه تعالى، فعن جبير بن مطعم قال: (مشيت انا وعثمان بن عفان الى رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)، فقلنا: يا رسول اللّه، اعطيت بنى المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزله واحده، فقال: انما بنو المطلب وبنو هاشم شى‏ء واحد)(9)، وفى روايه: (انا وبنو المطلب لا نفترق فى جاهليه ولا اسلام، وانما نحن وهم شى‏ء واحد، وشبك بين اصابعه)(10).
اما فى ما يختص بحقوق الجنود، فقد بينه النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)حين سئل: ما تقول فى الغنيمه؟ قال: (للّه خمس، واربعه اخماس للجيش)(11)، لكن عمر بن الخطاب اجتهد فى هذا، وامر بوضع جميع الغنائم فى بيت المال، ثم قام بتقسيم هذه الغنائم وفقا لما يراه، ودون على ذلك الدواوين، وعدم قسمه عمر للغنائم يشهد به ما روى عن ابراهيم انه قال: لما افتتح المسلمون السواد قالوا لعمر: اقسمها بيننا فانا فتحناها، فابى عمر وقال: فما لمن جاء بعدكم من المسلمين؟(12) وقال عمر: (لولا آخر المسلمين ما فتحت قريه الا قسمتها سهمانا كما قسم رسول اللّه خيبر سهمانا، ولكنى اردت ان يكون جزيه تجرى على المسلمين، وكرهت ان يترك آخر المسلمين لا شى‏ء لهم)(13)، وفى روايه قال: (ولكنى اتركها خزانه لهم)(14).
ويشهد التاريخ ان هذه الخزانه اضرت اكثر مما نفعت، فبعد ان بسط بنو اميه ايديهم على بيوت المال التى تركها عمر بن الخطاب، اتخذوا دين اللّه دغلا، ومال اللّه دولا، وعباد اللّه خولا، واستمرت بيوت المال على امتداد المسيره يشترى بها الحكام الذمم ويسفكون بها الدم الحرام.
وكان هناك العديد من الصحابه الذين عارضوا سياسه عدم قسمه الغنائم على سنه رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)، منهم الزبير بن العوام، فعن سفيان بن وهب قال: (لما فتحنا مصر بغير عهد، قام الزبير فقال: اقسمها يا عمرو بن العاص، فقال: لا اقسمها، فقال الزبير:
واللّه لتقسمنها كما قسم رسول اللّه خيبر، فقال: واللّه لا اقسمها حتى اكتب الى امير المومنين، فكتب عمر اليه: اقرها حتى تغزوا منها حبل الحبله)(15)، قال المفسرون فى رد عمر:
(يريد حتى يغزو اولاد الاولاد ويكون عاما فى الناس)، وقيل: (او يكون اراد المنع من القسمه حيث علقه على امر مجهول).
ويشهد التاريخ ان عمرو بن العاص بسط يده على مصر كلها، وكان خراجها له طيله حياته فى عهد معاويه بن ابى سفيان، وذلك عندما تكاتف عمرو مع معاويه على على بن ابى طالب، فكافاه معاويه بان تكون مصر له طعمه، ومن الذين اعترضوا على قرار عمر: بلال بن رباح، فقد قال له عندما افتتحوا ارضا:
اقسمها بيننا وخذ خمسها، فقال عمر: لا، هنا عين المال، ولكنى احبسه فيئا يجرى عليهم وعلى المسلمين، فقال بلال واصحابه: اقسمها بيننا، فقال عمر: اللهم اكفنى بلالا وذويه.
قال راوى الحديث: فما حال الحول ومنهم عين تطرف(16)، اى: ماتوا بفضل دعاء عمر.
وكان بلال كثير الاعتراض على سياسه عمر، عن ابن ابى حازم قال: (جاء بلال الى عمر حين قدم الشام، وعنده امراء الاجناد، فقال: يا عمر، انك بين هولاء وبين اللّه، وليس بينك وبين اللّه احد، فانظر من بين يديك ومن عن يمينك ومن عن شمالك، فان هولاء الذين جاووك (اى اتباع بلال)، واللّه لم ياكلوا الا لحوم الطير (اى لم يصل اليهم من الامراء شى‏ء)، فقال عمر للامراء: لا اقوم من مجلسى هذا حتى تكفلوا لى لكل رجل من المسلمين بمديت بر وحظهما من الخل والزيت، قالوا: تكفلنا لك يا امير المومنين)(17).
اما قسمه عمر بن الخطاب بين الناس، فلقد فضل عمر المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين، وفضل المهاجرين كافه على الانصار كافه، وفضل العرب على العجم، وروى انه قال: (من اراد ان يسال عن المال فلياتنى، فان اللّه جعلنى له خازنا وقاسما، الا وانى بادى بالمهاجرين الاولين انا واصحابى فمعطيهم، ثم بادى بالانصار الذين تبواوا الدار والايمان فمعطيهم، ثم بادى بازواج النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)فمعطيهن)، وفى روايه: (ففرق لازواج النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)الا جويريه وصفيه وميمونه، فقالت عائشه: ان رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)كان يعدل بيننا، فعدل بينهن عمر) ، ثم قال عمر: (من اسرعت به الهجره اسرع به العطاء، ومن ابطا عن الهجره ابطا به عن العطاء، فلا يلومن احدكم الا مناخ راحلته).
وبالجمله، قال رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم): (ايما قريه افتتحها اللّه ورسوله فهى للّه ورسوله، وايما قريه افتتحها المسلمون عنوه، فخمسها للّه ولرسوله وبقيتها لمن قاتل عليها) ، وكان(صلی الله عليه وآله وسلم)يسوى بين الجنود فى القسمه، ولم يخص احدا بشى‏ء دون الاخر، ولقد اخبر بالغيب عن ربه بما سيحدث من بعده، وقال لابى ذر: (كيف انت وائمه من بعدى يستاثرون بهذا الفى‏ء، اصبر حتى تلقانى) ، وقال: (خذوا العطاء ما دام عطاء، فاذا كان انما هو رشى فاتركوه، ولا اراكم تفعلون، يحملكم على ذلك الفقر والحاجه، الا وان رحى بنى مرج قد دارت، وان رحى الاسلام دائره، وان الكتاب والسلطان سيفترقان، فدوروا مع الكتاب حيث دار...) (18).
واذا كان الاجتهاد قد اخرج اهل البيت والجنود الذين شاركوا فى المعارك من قسمه رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)، فان الاجتهاد قد اخرج المولفه قلوبهم من القسمه التى قسمها اللّه تعالى.
ولقد ذكرنا من قبل ان اللّه-تعالى- هو الذى قسم الصدقات، وبين حكمها، وتولى امرها بنفسه، ولم يكل قسمتها الى احد غيره، وجزاها -سبحانه- ثمانيه اجزاء، لا تقبل تغيير المغير، قال تعالى: (انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمولفه قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل اللّه وابن السبيل فريضه من اللّه) «التوبه: 60»، وروى ان النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)اعط‏ى المولفه قلوبهم، وهم صنفان: صنف كفار، وصنف اسلموا على ضعف، وذلك ليامن شرهم وفتنتهم، لان من شان الصدقه انها تولف بين القلوب وتبسط الامن، وظل النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)يعط‏ى هذا السهم للمولفه قلوبهم ليعاونوا المسلمين او ليقوى اسلامهم، حتى وفاته(صلی الله عليه وآله وسلم).
وكان ابو سفيان(19) وابنه معاويه(20) من الذين اعطاهم النبى من سهم المولفه قلوبهم، وروى (ان عمرو بن العاص حين جزع عن موته، فقيل له: قد كان رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)يدينك ويستعملك، فقال: اما -واللّه- ما ادرى احبا كان ذلك ام تالفا يتالفنى؟)(21)، وعلى الرغم من ان النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)كان يعط‏ى ابا سفيان من سهم المولفه، الا ان الصحابه كانوا يختلفون فى تحديد موقعه، روى (ان ابا سفيان اتى على سلمان وصهيب وبلال فى نفر، فقالوا: واللّه ما اخذت سيوف اللّه من عنق عدو اللّه ماخذها، فقال ابو بكر: اتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فاتى النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)فاخبره، فقال النبى(صلی الله عليه وآله وسلم): يا ابا بكر، لعلك اغضبتهم، لئن كنت اغضبتهم لقد اغضبت ربك، فاتاهم ابو بكر، فقال: يا اخوتاه اغضبتكم، قالوا: يغفر اللّه لك يا اخى)(22)، قال النووى: (هذه فضيله ظاهره لسلمان ورفقته هولاء)(23)، وروى ان النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)اعط‏ى قريشا حين افاء اللّه عليه اموال هوازن، فقال الناس من الانصار: يعط‏ى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فعندما سمع رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)بمقالتهم، ارسل الى الانصار فجمعهم ولم يدع احدا غيرهم، فقال: (انى لاعط‏ى رجالا حدثاء عهد بكفر اتالفهم، افلا ترضون ان يذهب الناس بالاموال وترجعون برسول اللّه الى رحابكم؟ فواللّه لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، قالوا: اجل يا رسول اللّه قد رضينا، فقال لهم: انكم ستجدون بعدى اثره شديده، فاصبروا حتى تلقوا اللّه ورسوله فانى فرطكم على الحوض)(24).
لقد كان فى سهم المولفه امتحان وابتلاء، ولكن الصحابه بعد رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)اجتهدوا فيه..
روى (ان الاقرع بن حابس وعيينه بن حصين، وكانا من المولفه قلوبهم، جاءا يطلبان ارضا من ابى بكر، فكتب بذلك خطا، فمزقه عمر بن الخطاب، وقال: هذا شى‏ء كان يعطيكموه رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)تاليفا لكم، فاما اليوم فقد اعز اللّه الاسلام واغنى عنكم، فان ثبتم على الاسلام، والا فبيننا وبينكم السيف، فرجعوا الى ابى بكر، فقالوا: انت الخليفه ام عمر؟ بذلت لنا الخط ومزقه عمر، فقال ابو بكر: هو ان شاء اللّه، ووافق عمر)(25).
وعن الشعبى انه قال: (كانت المولفه على عهد رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم)، فلما ولى ابو بكر انقطعت)(26)، واعترض ابن قدامه على انقطاع سهم المولفه وقال: ان اللّه-تعالى- سمى المولفه فى الاصناف الذين سمى الصدقه لهم، والنبى(صلی الله عليه وآله وسلم)قال: (ان اللّه حكم فيها فجزاها ثمانيه اجزاء)، وكان -عليه الصلاه والسلام- يعط‏ى المولفه كثيرا فى اخبار مشهوره، ولم يزل كذلك حتى مات، ولا يجوز ترك كتاب اللّه وسنه رسوله الا بنسخ، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، ثم ان النسخ انما يكون فى حياه النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)، لان النسخ انما يكون بنص ولا يكون النص بعد موت النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)وانقراض زمن الوحى، ثم ان القرآن لا ينسخ الا بقرآن، وليس فى القرآن نسخ لذلك ولا فى السنه، فكيف يترك الكتاب والسنه بمجرد الاراء والتحكم، او بقول صحابى او غيره؟(27).
والخلاصه، ختم اللّه-تعالى- آيه الانفال بقوله: (واطيعوا اللّه ورسوله ان كنتم مومنين) ، وفى هذا تحذير من الاختلاف، واخبار بان طاعه الرسول طاعه للّه، وختم -سبحانه- آيه الخمس بقوله: (ان كنتم آمنتم باللّه وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) «الانفال: 41»، قال ابن كثير:
(اى امتثلوا ما شرعنا لكم من الخمس فى الغنائم ان كنتم تومنون باللّه واليوم الاخر وما انزلنا على الرسول فى القسمه) ، وختم سبحانه آيه الزكاه بقوله: (فريضه من اللّه واللّه عليم حكيم) «التوبه: 60»، قال ابن كثير: (اى حكما مقدرا بتقدير اللّه وفرضه وقسمه، فهو -تعالى- عليم بظواهر الامور وبواطنها، وبمصالح عباده فى ما يقوله ويفعله ويشرعه ويحكم به)(28).
والمسيره قد اجتهدت تحت سقف الامتحان والابتلاء، ولكن احاديث الاخبار بالغيب، وحركه التاريخ، تثبت ان بعض هذه الاجتهادات انتهت فى نهايه المطاف الى دائره لا تحقق الامان بصوره من الصور، قد تكون بيوت المال قد امتلات بالذهب والفضه عند المقدمه، ولكن عند النتيجه نرى ان تفضيل هذا عن ذاك فى القسمه، ادى الى الصراع القبلى بين ربيعه ومضر، وبين الاوس والخزرج(29)، واشعل الصراع العنصرى بين العرب والعجم، والصريح والموالى(30).
كما ادى الاجتهاد فى الخمس الى اختلاف الامه فى من هم عشيره النبى الاقربون؟ ومن هم اهل بيته وعترته؟، وادى الاجتهاد فى الاربعه اخماس الخاصه بالجنود، الى استيلاء الامراء فى الامصار على معظم هذه الاموال، وكان لهذا اثر سيى على امتداد المسيره، وادى الاجتهاد فى سهم المولفه، الى استواء ضعيف الايمان مع قويه، وادى الى تهييج النفوس على الانتقام باى وسيله، لان الصدقه من خصائصها انها تنشر الرحمه وتورث المحبه، وتولف بين القلوب، وتبسط الامن، فاذا امسكت -وكان تحت سقف الامه منافقون، منهم: اثنا عشر رجلا اخبر النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)انهم حرب للّه ولرسوله فى الحياه الدنيا، ولن يدخلوا الجنه حتى يلج الجمل فى سم الخياط- كان امساكها سببا فى فتح طرق الفساد.
من معالم المسيره
فى عهد النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)، كانت الاحكام والفرائض والحدود وسائر السياسات الاسلاميه قائمه ومقامه، ثم لم تزل بعد ارتحاله(صلی الله عليه وآله وسلم)تنقص وتسقط حكما فحكما، يوما فيوما، بيد الحكومات الاسلاميه، وعلى امتداد المسيره كان هناك شبه انفصال بين الشعوب الاسلاميه وحكامها، فكثير من الحكومات لم تكن تعبر عن شعوبها، وبينما كان الامراء واصحاب المقاعد الاولى فى الدوله يضيعون الصلاه ويتبعون الشهوات، كانت الشعوب تختزن بداخلها الفطره النقيه ببركه وجود القرآن الكريم، ونحن فى بحثنا هذا فى المسيره الاسلاميه، لم نرصد الا حركه اصحاب المقاعد الاولى ومن دار فى فلكهم، اما حركه الامه الاسلاميه ورفضها للانحراف فان لهذا موضعا آخر.
وحركه الدعوه الخاتمه فى اتجاه الشعوب هى حركه المنقذ للفطره من الانحراف والضلال، ولقد اعط‏ى النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)الفكره الصحيحه الداعيه للفتح الاسلامى، وبين ان الفتح ليس للقتل او الانتقام، وانما هو رحمه وشفقه على البلاد المفتوحه، ولتخليصها من نير العبوديه، وتطبيق النظام الاسلامى الفطرى فيها، ولم تكن الغنائم هى غايه الفتح، فالغنائم ليس لها اهميه تذكر بجانب هدف الفتح الاسمى، فرفع الظلم عن البلد المفتوح هو المقصد، سواء غنم الجيش او لم يغنم، والاسلام ينظر الى الغنيمه على اساس انها من قبيل جوائز التشجيع على القتال فى سبيل اللّه، لان المقصود من الحرب الظفر على الاعداء، فان غلبوا فقد حصل المطلوب، وتكون الاموال التى غنمها المقاتلون زياده على اصل الغرض، ولما كانت الغنيمه حصيله القتال فى سبيل اللّه، وبما ان اللّه-تعالى- وضع احكاما خاصه بالقتال فى سبيله، فانه -تعالى- قسم الغنيمه على الجيش المنتصر لرفع معنوياته، وترغيبا له بالتكرار. وبالجمله، الغنيمه زياده على اصل الغرض الذى من اجله يقاتل الجيش، وهى ملك للّه ورسوله، وتوضع حيثما اراد اللّه ورسوله.
واجتهد الصحابه فى غنائم الحرب، فصب هذا الاجتهاد -فى نهايه المطاف- فى دوائر التنافس والتحاسد وغير ذلك، ويشهد لذلك قوله(صلی الله عليه وآله وسلم)وهو يخبر بالغيب عن ربه فى ما رواه مسلم عن عبداللّه، قال: (قال رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم): اذا فتحت عليكم فارس والروم اى قوم انتم؟ قال عبد الرحم-ن بن عوف: كما امرنا اللّه، فقال النبى(صلی الله عليه وآله وسلم): او غير ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون، او نحو ذلك، ثم تنطلقون فى مساكن المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض)(31).
فالفتح انتج ثقافه لم تكن يوما من اهداف الفتح، وايقظ غريزه العرب الجاهليه بعدما سكنت بالتربيه النبويه، والطريق الذى انتهى بالتباغض -كما مر فى الحديث السابق-، امتد لينتهى بالبغى فى حديث آخر يخبر فيه النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)بالغيب عن ربه ويقول: (سيصيب امتى داء الامم، الاشر والبطر، والتكاثر، والتشاحن، والتباغض، والتحاسد، حتى يكون البغى)(32).
والطريق الى البغى كان عليه امراء لا يمتازون الا بالسواعد القويه، وروى ان حذيفه قال لعمر بن الخطاب: (انك تستعين بالرجل الفاجر، فقال له عمر: انى لاستعمله لاستعين بقوته، ثم اكون على قفائه)(33)، وقال فى فتح البارى: (والذى يظهر من سيره عمر فى امرائه الذين كان يومرهم فى البلاد، انه كان لا يراعى الافضل فى الدين فقط، بل يضم اليه الذى عنده مزيد من المعرفه بالسياسه، فلاجل هذا استخلف معاويه، والمغيره بن شعبه، وعمرو بن العاص، مع وجود من هو افضل منهم فى امر الدين والعلم)(34).
وذكر ابن حجر (ان عمر ولى اياس بن صبيح القضاء فى البصره، وكان اياس من اصحاب مسيلمه الكذاب)(35)، و-(كتب عمر الى الامراء ان يشاوروا طليحه بن خويلد، وكان طليحه قد اسلم ثم ارتد ثم اسلم، وكان قد ادعى النبوه)(36)، وروى ان (ابن عدى الكلبى قال لعمر: انا امرو نصرانى، فقال عمر: فما تريد؟، قال: اريد الاسلام، فعرضه عمر عليه، ثم دعا له برمح، فعقد له على من اسلم، وقال عوف بن خارجه: ما رايت رجلا لم يصل صلاه امر على جماعه من المسلمين قبله)(37).
واذا كان طريق البغى من علاماته التنافس والتحاسد والتدابر والتباغض، فانه يختزن فى احشائه معالم الضلال، عن عبداللّه قال: قال رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم): (لم يزل امر بنى اسرائيل معتدلا، حتى نشا فيهم المولدون، وابناء سبايا الامم التى كانت بنو اسرائيل تسبيها، فقالوا بالراى فضلوا واضلوا)(38)، فابناء الامم اذا لم يجدوا الرعايه والتربيه الصحيحه، اصبحوا من العوامل التى تساعد على الهدم، وهولاء ترعرعوا فى المسيره الاسلاميه تحت سقف الدوله الامويه، ثم امتدوا بامتداد المسيره، وذكر الطبرى: (ان اول سبى قدم المدينه من العجم كان فى عهد ابى بكر)(39)، وذكر البلاذرى: (ان معاويه حاصر قيساريه حتى فتحها فوجد من المرتزقه سبعمائه الف، ومن السامره ثلاثين الفا، ومن اليهود مائتى الف)(40)، فبعث الى عمر عشرين الفا من السبى.
فالطريق كان عليه ضعيف الايمان، وكان عليه ابناء الامم، وكان عليه امراء التنافس، والتحاسد، والتدابر، والتباغض، والبغى، وكان عليه المنافقون، ومنهم اثنا عشر رجلا حرب للّه ولرسوله فى الحياه الدنيا، وعلى طريق كهذا، لا نستبعد ان تضيع الصلاه، وقد سجل حذيفه البادره الاولى قبل وفاته، فقال:
(ابتلينا، حتى جعل الرجل منا لا يصلى الا سرا)(41)، وكان النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)قد اخبر بالغيب عن ربه، ان الصلاه فى طريقها الى الضياع، فعن ابى ذر قال: (قال رسول اللّه(صلی الله عليه وآله وسلم): يا ابا ذر، امراء يكونون بعدى يميتون الصلاه فصل الصلاه لوقتها...) ، قال النووى: (اى يجعلونها كالميت الذى خرجت روحه)(42).
وروى ان الوليد بن عقبه -وكان اخا عثمان لامه- حين كان واليا لعثمان بن عفان على الكوفه اخر الصلاه، فقام عبداللّه بن مسعود فصلى بالناس، فارسل اليه الوليد وقال له: ما حملك على ما صنعت؟ اجاءك من امير المومنين امر ام ابتدعت؟ فقال: لم ياتنى من امير المومنين امر ولم ابتدع، ولكن ابى اللّه -عز وجل- علينا ورسوله (صلی الله عليه وآله وسلم)ان ننتظرك بصلاتنا وانت فى حاجتك(43).
وبينما كان الامراء يميتون الصلاه، كانت الصلاه تودى بروحها خلف على بن ابى طالب، روى مسلم عن مطرف قال: (صليت انا وعمران بن حصين خلف على بن ابى طالب، فكان اذا سجد كبر، واذا رفع راسه كبر، واذا نهض من الركعتين كبر، فلما انصرفنا من الصلاه، اخذ عمران بيدى ثم قال: صلى بنا هذا صلاه محمد(صلی الله عليه وآله وسلم)(44)، وفى روايه: قال عمران: قد ذكرنى هذا صلاه محمد(صلی الله عليه وآله وسلم)، وروى ان عمران بن حصين مات سنه اثنتين وخمسين هجريه(45).
ولما كان حذيفه قد صلى سرا، ولما كان ابن مسعود قد شهد تاخير الصلاه، فان ابا الدرداء قد شهد شيئا آخر، فعن ام الدرداء قالت: (دخل على ابو الدرداء وهو مغضب، فقلت: من اغضبك؟ قال: واللّه لا اعرف فيهم من امر محمد(صلی الله عليه وآله وسلم)شيئا الا انهم يصلون جميعا)(46)، ومات ابو الدرداء فى خلافه عثمان.
ثم جاء عام ستين، وهو العام الذى حمل الصبيان اعلامه، وفيه قال النبى(صلی الله عليه وآله وسلم): (تعوذوا باللّه من راس الستين ومن اماره الصبيان)(47)، وقال: (ويل للعرب من شر قد اقترب على راس الستين تصير الامانه غنيمه، والصدقه غرامه، والشهاده بالمعرفه، والحكم بالهوى)(48)، فراس الستين تطوير للعربه التى تنطلق بوقود الراى، وراس الستين هو الوعاء الذى يصب فيه اماته الصلاه من العهود التى سبقته، وينطلق منه وقود اضاعه الصلاه، وقراءه القرآن بلا تدبر، قال النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)وهو يخبر بالغيب عن ربه: (يكون خلف بعد ستين سنه، اضاعوا الصلاه واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، ثم يكون خلف يقراون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرا القرآن ثلاثه: مومن، ومنافق، وفاجر)(49)، وعن ابى سعيد قال: (المنافق كافر به، والفاجر يتاكل منه، والمومن يومن به)(50).
ومن الدلائل على ان جيل الستين اخذ وقوده ممن سبقه، ان النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)اخبر فى حديث آخر بان كثره المال هى الخلفيه الاساسيه التى يتم عليها تفريخ هولاء، قال(صلی الله عليه وآله وسلم): (مما اتخوف على امتى ان يكثر فيهم المال حتى يتنافسوا فيقتلون عليه، وان مما اتخوف على امتى ان يفتح لهم القرآن، حتى يقراه المومن والكافر والمنافق)(51).
فالمال انتج التنافس، والتحاسد، والتدابر، والتباغض، والبغى، وفتح القرآن امام العامه -مع عدم وجود العالم به- ادى الى ترتيله فى زحام الاسواق، حيث لا مستمع ولا منصت، ومن الاصاغر اخذ العلم الذى ادى الى ضياع الصلاه، ولقد سئل النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)عن اشراط الساعه، فقال: (ان من اشراطها ان يلتمس العلم عند الاصاغر)، قال ابن المبارك: (الاصاغر الذين يقولون برايهم) ، وعن ابن مسعود قال: (لا يزال الناس بخير ما اخذوا العلم عن اكابرهم، فان اخذوه من اصاغرهم وشرارهم هلكوا)(52)، وعن انس قال: (قيل: يا رسول اللّه، متى ندع الائتمار بالمعروف والنهى عن المنكر؟ قال: اذا ظهر فيكم ما ظهر فى بنى اسرائيل، اذا كانت الفاحشه فى كباركم، والملك فى صغاركم، والعلم فى رذالكم)(53).
واذا كان ابو الدرداء قد شهد قبل وفاته انه لا يعرف فى الناس من امر محمد(صلی الله عليه وآله وسلم)شيئا الا انهم يصلون جميعا، فان انس بن مالك شهد عام ستين، حيث مقدمه الخلف الذين اضاعوا الصلاه واتبعوا الشهوات، روى البخارى عن الزهرى قال:
(دخلت على انس فوجدته يبكى، فقلت: ما يبكيك؟ قال: ما اعرف شيئا مما ادركت، الا هذه الصلاه، وهذه الصلاه قد ضيعت)(54)، ومات انس سنه ثلاث وتسعين، وكان يقول:
(لم يبق احد صلى القبلتين غيرى)(55).
وفى الخلف الذين يضيعون الصلاه بعد انبياء اللّه، يقول تعالى:
(اولئك الذين انعم اللّه عليهم من النبيين من ذريه آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذريه ابراهيم واسرائيل وممن هدينا واجتبينا اذا تتلى عليهم آيات الرحم-ن خروا سجدا وبكيا* فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاه واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) «مريم: 58-59»، قال المفسرون: ذكر اللّه حزب السعداء، وهم الانبياء ومن اتبعهم من القائمين بحدود اللّه واوامره، المودين فرائض اللّه، ثم ذكر -سبحانه- الخلف: اى البدل السيى، وقوله تعالى: (فخلف من بعدهم)، اى قام مقام اولئك الذين انعم اللّه عليهم، وكانت طريقتهم الخضوع والخشوع للّه بالتقدم اليه بالعباده، قوم سوء اضاعوا الصلاه، وضياع الشى‏ء فساده او افتقاده، ومعنى انهم اضاعوا الصلاه: اى افسدوها بالتهاون فيها والاستهانه بها، حتى تنتهى الى امثال اللعب بها والتغيير فيها والترك لها، فاذا كانوا قد فعلوا هذا بالصلاه فانهم لما سواها من الواجبات اضيع، لانها عماد الدين وقوامه، ثم اخبر -سبحانه- بان القوم السوء الذين اضاعوا الصلاه، وهى الركن الاصيل فى العبوديه، واتبعوا الشهوات، هولاء سيلقون غيا: اى خساره، وهذه العقوبه سنه ثابته لا تتبدل ولا تتغير، يعاقب اللّه بها كل خلف طالح، وذكر ابن كثير فى تفسير ى‏ى‏ى‏ى‏هذه الايه، ان هذا الخلف فى هذه الامه ايضا(56).
والخساره التى توعد اللّه بها الخلف الذين اضاعوا الصلاه واتبعوا الشهوات، يحمل اسبابها امراء السوء وسبايا السوء الذين تربوا على القصص، وتسربت اليهم روح الامم المستعليه الجباره، فهولاء وغيرهم فتحوا ابواب القتال من اجل الملك، وعند نهايه القتال، وفى نهايه المسيره كانت الخساره عنوانا رئيسيا لكل شى‏ء فى عالم الاستدراج.
اما القتال على الملك، فيشهد به ابو برزه الاسلمى، روى البخارى عن ابى المنهال قال: (لما كان ابن زياد ومروان بالشام، ووثب ابن الزبير بمكه، ووثب القراء بالبصره، انطلقت مع ابى الى ابى برزه الاسلمى، فقال ابى: يا ابا برزه، الا ترى ما وقع فيه الناس؟ فقال: انى احتسبت عند اللّه انى اصبحت ساخطا على احياء قريش، انكم - يا معشر العرب - كنتم على الحال الذى علمتم من الذله والقله والضلاله، وان اللّه انقذكم بالاسلام وبمحمد(صلی الله عليه وآله وسلم)، حتى بلغ ما ترون، وهذه الدنيا افسدت بينكم، ان ذاك الذى بالشام -واللّه- ان يقاتل الا على الدنيا، وان هولاء الذين بين اظهركم -واللّه- ان يقاتلون الا على الدنيا، وان ذاك الذى بمكه -واللّه- ان يقاتل الا على الدنيا)(57).
ونتيجه القتال على الملك، انه لم تستطع الدوله البقاء تحت حكم اداره مركزيه واحده، فعند بدايه المسيره اتسعت الدوله من شواط‏ى المحيط الاطلسى فى المغرب الى نهر السند فى الشرق، ومن بحر مازندران فى الشمال الى منابع النيل فى الجنوب، وكما توسعت الدوله بسرعه، تجزات بسرعه ايضا، فاذا نظرنا على امتداد المسيره لنرصد معالم الاختلاف والتفرق على الارض، نجد ان عبد الرحم-ن الداخل، وهو احد افراد الاسره الامويه، قد اسس دوله مستقله فى اسبانيا سنه 138هـ، ورفع يد الحاكم العباسى عن ذلك الجزء من الدوله العباسيه، ثم ظهر الادارسه واسسوا دولتهم، ثم جاء الاغالبه واستولوا على بقيه مناطق افريقيا عام 184هـ، ثم ظهر ابن طولون فى مصر والشام وفصلهما عن الدوله، وعند حلول سنه 323هـ اسس الاخشيد حكمه فى مصر، ولم يبق تحت نفوذ الدوله العباسيه السياسى من بلاد المغرب سوى رمزها.
اما فى المشرق، فتم تاسيس الدوله الطاهريه بخراسان عام 204هـ، وتتابع ظهور الدويلات الصغيره بعد ذلك شرق ايران، كالصغاريين والسامانيين والغزنويين، ثم قامت الدوله البويهيه فى الجزء المتبقى لهم فى ايران، ثم جاء المغول عام 334هـ وانزل الستار على الدوله العباسيه، وكان للدوله فرع يحكم رمزيا فى مصر، قضى عليه سليم الاول من سلاطين آل عثمان، بعد استيلائه على مصر عام 922هـ.
وعلى امتداد المسيره كانت الاصابع اليهوديه تعمل فى الخفاء، كانت تثقب فى الجدار بواسطه ابناء الامه، وتحطم الاقفال بواسطه الحروب الصليبيه المتعدده الاشكال، حتى جاء اليوم الذى طبقت فيه اتفاقيه سايكس بيكو على الشام، وفرض الانتداب الفرنسى على شمال هذه البلاد، وقسم الى كيانين هما: سوريا، ولبنان، وفرض الانتداب البريطانى على جنوبها، وقسم الى كيانين هما: الاردن، وفلسطين، وفى عام 1917م صدر وعد بلفور، الذى يقضى بانشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، وفى عام 1967م بسط اليهود ايديهم على ما حلموا به طيله حياتهم، بسطوا ايديهم على الارض الواسعه، التى يحيط بها غثاء من كل مكان.
لقد بدا الطريق من عند البحث عن الدرهم والدينار، والنبى(صلی الله عليه وآله وسلم)اخبر عن ربه جل وعلا، فقال: (كيف انتم اذا لم تجبوا دينارا ولا درهما-؟ قالوا: ولم ذاك؟ قال: تنتهك ذمه اللّه وذمه رسوله، فيشد اللّه قلوب اهل الذمه فيمنعون ما بايديهم)(58)، وقال: (يوشك ان تداعى عليكم الامم من كل افق كما تداعى الاكله الى قصعتها، قالوا: يا رسول اللّه، فمن قله بنا يومئذ؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن فى قلوبكم، وينزع الرعب من قلوب عدوكم، لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت) ، وقال صاحب عون المعبود: (اى يدعو بعضهم بعضا لمقاتلتكم وسلب ما ملكتموه من الديار والاموال، ولقد وصفهم النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)بغثاء السيل، لقله شجاعتهم ودناءه قدرهم، وغثاء السيل: اى كالذى يحمله السيل من زبد ووسخ)(59).
لقد اخبر النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)ان فتنه امته فى المال، وان الدرهم والدينار سيهلكهم كما اهلك الذين من قبلهم، وبين النبى(صلی الله عليه وآله وسلم)موضع كل مال فى الاسلام، وامر الامه بان تتمسك بالكتاب والعتره، وان تاخذ باسباب الحياه التى تحقق السعاده فى الدنيا بما يوافق الكمال الاخروى، فيامروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ولكن القافله تركت الامراء الصبيان يعبثون بكل شى‏ء، خوفا من الجوع والفقر، وفى نهايه المطاف وقف الحاضر امام الماضى على رقعه واحده، يدوى فيها صوت النبى الاعظم محمد بن عبداللّه بن عبد المطلب، النبى العربى القرشى الهاشمى المكى المدنى(صلی الله عليه وآله وسلم)، وهو يقول: (منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر اردبها ودينارها، وعدتم من حيث بداتم، وعدتم من حيث بداتم، وعدتم من حيث بداتم)(60).
المصادر:
1- الترمذى وصححه، الجامع: 4/569.
2- ابو داود عن ابى موسى، كنز: 3/191،والطبرانى والبيهقى عن ابن مسعود، كنز: 3/191.
3- البخارى، الصحيح 2/192.: 2/190.
4- ابن النجار، كنز: 11/195.
5- البخارى، الصحيح: 2/186،واحمد ومسلم والبيهقى، كنز: 7/242.
6- احمد باسناد صحيح، الفتح الربانى: 23/63.
7- البخارى ومسلم واحمد والبيهقى، كنز: 7/242.
8- مسلم واحمد وابو داود والنسائى، الفتح الربانى: 14/77.
9- البخارى، الصحيح: 2/196.
10- احمد، الفتح الربانى: 14/76،وابو داود حديث رقم 2980.
11- البغوى، كنز العمال: 4/375.
12- ابو عبيد وابن زنجويه، كنز: 4/574.
13- احمد والبخارى وابن خزيمه فى صحيحه وابن الجارود والطحاوى وابو يعلى وابن ابى شيبه وابو عبيد، كنز: 4/555.
14- البخارى وابو داود، كنز: 4/514.
15- الشيخان وابن عساكر وابن زنجويه وابو عبيد، كنز: 4/557.
16- المغنى، لابن قدامه: 2/716.
17- ابو عبيد، كنز العمال: 4/575.
18- كنز العمال: 4/578. 4/378. 4/375- الفتح الربانى: 13/72، كنز العمال: 4/373، 374.
19- صحيح مسلم: 7/156،البدايه والنهايه: 4/359،كنز العمال: 9/176.
20- البدايه والنهايه: 4/359.
21- احمد، وقال الهيثمى: رجاله رجال الصحيح، الفتح الربانى: 22/310،الزوائد: 9/353،وابن سعد، الطبقات: 1/263.
22- مسلم، الصحيح: 16/16.
23- مسلم، شرح النووى: 16/16.
24- البخارى ومسلم واحمد، الفتح الربانى: 14/89.
25- الفتح الربانى: 9/62،الدر المنثور: 2/252،تفسير المنار: 10/496،فقه السنه، سيد سابق: 1/425.
26- ابن ابى شيبه والطبرانى، تحفه الاحوازى: 3/335.
27- المغنى، ابن قدامه: 2/666.
28- تفسير ابت كثير: 2/366. تفسير ابن كثير: 2/313.
29- تاريخ اليعقوبى: 2/106.
30- شرح نهج البلاغه: 8/111.
31- مسلم، الصحيح: 18/97.
32- الحاكم وصححه، كنز العمال: 3/526.
33- ابو عبيد، كنز العمال: 5/771.
34- فتح البارى: 1/116.
35- الاصابه: 1/120.
36- البدايه والنهايه: 7/130.
37- الاصابه: 1/116.
38- الطبرانى، كنز العمال: 1/181.
39- تاريخ الامم: 4/27.
40- فتوح البلدان، ص: 147.
41- البدايه والنهايه: 7/54.
42- رواه مسلم والترمذى وصححه، تحفه الاحوازى: 1/524.
43- احمد، وقال الهيثمى: رجاله ثقات، الزوائد: 1/324.
44- مسلم، باب: قراءه الفاتحه، الصحيح: 2/8.
45- الاصابه: 5/26.
46- احمد واسناده جيد، الفتح الربانى: 1/200.
47- احمد وابو يعلى، كنز العمال: 11/119.
48- الحاكم وصححه، المستدرك: 4/483.
49- احمد، وقال الهيثمى: رجاله ثقات، الزوائد: 6/231، كنز: 11/195،المستدرك: 4/507.
50- الحاكم وصححه، واقره الذهبى، المستدرك: 4/507.
51- الحاكم وصححه، كنز: 10/200.
52- رواه ابن عبد البر، جامع العلم: 1/190. 1/192.
53- ابن ماجه واسناده صحيح، ورواه احمد، الفتح الربانى: 19/177.
54- البخارى، الفتح الربانى: 1/200.
55- الاصابه: 1/171.
56- تفسير ابن كثير: 3/128.
57- البخارى، الصحيح: 4/230.
58- البخارى ومسلم واحمد، الفتح الربانى: 23/36.
59- عون المعبود: 11/405.
60- مسلم، الصحيح: 18/20،واحمد، الفتح الربانى: 24/37.



 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.