
الشبهات التي تثار حول الإمام الثاني عشر عليه السلام هي شبهات واهية ضعيفة وهي احدی المصائب التي يتعرض لها اهل البیت وشیعتهم وهي ليست مصيبة بأعظم من المصائب التي مرّت على أهل البيت عليهم السلام وعلى الإسلام وعلى دين الله سبحانه.
ونحن نشير فعلاً إلى بعض الشبهات ونمهّد المقدمات, وبعد تمهيد بعض المقدّمات نحاول أن نثبت أنّ حدوث ولادته وثبوتها كاد أن يكون أمراً وجدانياً لا يشك فيه إلاّ من ابتلي بالعمش ولا يرى الشمس.
وأبرز الشبهات أنّ بعض المؤرّخين, أو بعض أهل النسب, أو الذين يدّعون أنّهم من أهل الخبرة في النسب ينكر وجوده المادي, قائلين بأنّه -أي الإمام العسكري عليه السلام - لم يعلم له ولد, أو مات الإمام العسكري عليه السلام عقيماً... كما أنّ أخا الإمام العسكري جعفر أنكر, والطبري أنكر وابن تيمية أنكر في منهاج السنة الذي ملأه بالشتائم على الشيعة وخصوصاً على العلامة الحلي.
هذه عمدة الشبهات, وما عدا هذه الشبهات فمجرد استغرابات أو مبنيّة على عدم معرفة حقيقة الإمام عليه السلام.
فكما أنّ الله سبحانه وتعالى أعمى بصيرتهم عن فهم حقيقة النبي والنبوة كذلك الله تعالى أعمى بصائرهم وبصيرتهم عن فهم حقيقة الإمام عليه السلام.
وسلطات ذلك الوقت هجموا على بيت الإمام العسكري عليه السلام فلم يجدوا الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف, الطفل الذي نحن الشيعة نسمّيه الإمام الثاني عشر المنتظر عليه السلام.
وأنّ الإمام العسكري عليه السلام أوصى بأمواله إلى والدته هو.
واختلاف أسماء أمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
هذه هي الشبهات, وكأنّ هذه الأمور تكسبهم دليلاً أو علماً على عدم وجود الإمام عليه السلام (العياذ بالله).
وعد ربّ العزة في كتابه الكريم على نحو الإيماء والإشارات: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ... ) (1) ومعلوم أن هذه النبوءة وهذا الوعد لم يتحقق لغاية هذا اليوم ولا بدّ من أن يتحقق لأنه قد أخبر الله سبحانه وتعالى عن ذلك، والروايات من الفريقين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه يأتي من ولدي أو من ولد الحسين عليه السلام من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.
والذي احتمله أن الداعي لأعداء أهل البيت عليهم السلام وأعداء الإمام عجل الله فرجه الشريف من إثارة مثل هذه الإشكالات أمران, حيث أنهم يتصوّرون -وهذا دليل على ضعف مخيلتهم - أنهم يتمكنون من الوصول إلى أحد الأمرين أو كليهما على سبيل (مانعة الخلو) كما يقال في التعبير العلمي:
أحدهما: أن يتمكنوا من صرف شيعة أهل البيت عليهم السلام عن الإمام عجل الله فرجه الشريف ، ولكن الله تعالى يريد أن يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون أو المجرمون.
والأمر الثاني: حسب تخيّلهم, لجهلهم بمعنى الإمامة وعلم الإمام عليه السلام أو عن حقيقة الإمام أنهم يريدون بهذه الطريقة أن يتمكنوا من معرفة مقام الإمام عجل الله فرجه الشريف وموضع وجوده وشخصه الشريف, حتى يتمكّنوا من القضاء عليه.
وقفة على الشبهات:
نشير إلى بعض الإشكالات الواهية التي ذكرها دعاة الضلالة مثل إحسان الهي ظهير وابن تيمية وغيرهما ممن استفاد من كلماته.
وقد لهج ابن تيمية وإحسان الهي ظهير وأصرّا وأكّدا أنّ أهل النسب نفوا وجود عقب للإمام العسكري عليه السلام ، في كتاب الشيعة والتشيع لإحسان إلهي ظهير, ومنهاج السنة لابن تيمية، وحينما نطالع كلمات هذين الرجلين نريد أن نعرف من هو من النسّابة - أي من علماء النسب - الذين نفوا ولادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ؟ فكل واحد منهم يقول:
أكّد علماء النسب ولم يذكر واحداً منهم.
كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (اللهم إنّك لا تخلي الأرض من حجة لك على الخلق ظاهراً معروفاً أو خائفاً مستوراً أو مغموراً كي لا تبطل حجتك وبيناتك) (2) وبذلك أمرنا جاءت الأخبار الصحيحة عن الأئمّة الماضين عليهم السلام الماضين، لأنه ليس للعباد أن يبحثوا عن أمور الله تعالى ويقضوا بلا علم لهم ويطلبوا آثار ما ستر عنهم، ولا يجوز ذكر اسمه ولا السؤال عن مكانه حتى يأمر بذلك هو عليه السلام إذ هو عليه السلام خائف مغمور مستور بستر الله سبحانه وليس علينا البحث عن أمره، بل البحث عن ذلك وطلبه محرم ولا يحل ولا يجوز لأن في إظهار ما ستر عنا وكشفه إباحة دمه ودمائنا، وفي ستر ذلك والسكوت عنه حقنهما وصيانتهما ولا يجوز لنا ولا لأحد أن يختار إماماً برأي واختيار... إلى أخر كلامه الشريف).(3)
الاختلاف في المولد:
ومن جملة إشكالاتهم أنه اختلف في مولد الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف ، وهذا دليل على عدمه.
وهذا غريب، حيث استدلوا على أن الاختلاف في ولادة دليل على عدمها، أليس المسلمون اختلفوا في ولادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
أليس القرآن الكريم قد شهد باختلاف الناس في عدد أصحاب الكهف؟! ليس في تاريخهم بل في أنفسهم يقول: (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ...)(4) فهل يعني أن أصحاب الكهف غير موجودين.
إنكار جعفر:
ومن جملة أدلتهم - بل نقول سخافاتهم - يقولون: لو كان له ولد لعلم أخوه جعفر، لأنّه أقرب الناس إليه، لكنّه أنكر وادعى الإمامة.
ونحن نقول لإحسان إلهي ظهير: إنكار عمّ النبي لرسالته هل يصلح دليلاً على عدم نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟
لماذا إنكار قحافة لخلافة ابنه لا يعدّ دليلاً على عدم خلافته؟ لقد أرسل أبو بكر إلى أبيه وقال له: لقد بايعني الناس وأنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: كلامك متناقض تقول خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم تقول الناس اختاروني! اخرج من الأمر الذي أنت لست أهلاً له، لما اختارك الناس وفيهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟ قال: أنا أكبر منه سناً، قال: أنا أبوك أكبر منك سناً، إذا كانت الخلافة بكبر السن فأنا أكبر منك وإذا كانت في العمر كان سلمان الفارسي أكبر منهم.(5)
إن كان إنكار جعفر لولادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف دليلاً، كذلك إنكار قحافة يكون دليلاً على عدم خلافة أبي بكر.
الاختلاف في اسم الأم:
ومن جملة إشكالاتهم وسخافاتهم اختلافهم في اسم أمّ الإمام المنتظر. هذا من جملة الأدلة.
أوّلاً: اختلاف الأسماء أو تعدد الأسماء إن كان دليلاً على العدم فإنّ لله تعالى تسعة وتسعين اسماً، بناءً على أن الأسماء توقيفية، وإلاّ فهي غير محصورة كما ورد في دعاء الجوشن الكبير, هل يعني هذا أن الله تعالى غير موجود (العياذ بالله).
من هوان الدنيا أن يكون ويعبر عن هؤلاء الأشخاص بأنهم علماء ومحققون للمسلمين.
يقولون لا، ليس تعدد الأسماء بل اختلاف الأسماء، فقد قيل اسمه كذا وقيل: كذا وكذا.
وقد نسى إحسان الهي ظهير وابن تيمية أن هناك رواية صرحت بتعدد أسماء أمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف باعتبارات متعددة, وليس هناك اختلاف في اسمها بل لها أسماء متعددة، كما للزهراء سلام الله عليها وكذلك لعائشة.(6)
وتعدد الأسماء لا يقتضي عدم وجودها على من كان له خبرة بالتاريخ ولو بسيطة جداً، إن الجواري كانت تتعدد أسماؤها غالباً، وأمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف أمّ ولد، كما أنّ أمّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام أمّ ولد.
وتعدّد الأسماء كان له أسباب وكانت الأسباب حسب الجارية، إما لعفتها أو لنزاهتها وغيرها، وربما تعددت الأيدي على ملكها، ويستحب تغيير اسم المملوك عندما يشتريه المشتري، ولذلك ربّما تعددت الأسماء لهذا السبب، وأمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف كانت في بلد النصارى وكان لها اسم بلغتها ثم هي أخفت اسمها وسميت باسم جديد لها في الطريق، ثم الإمام عليه السلام سماها باسم آخر.
وهناك وجوه أخرى وردت في الرواية لماذا تعددت أسماء أمّ الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.(7)
عدم الظهور:
ومن أدلتهم على عدم وجود الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف أنه لو كان موجوداً لظهر إلى العيان.
وهذا عين دليل الملاحدة الذين ينكرون وجود الله سبحانه قائلين بأنّه لو كان الله موجوداً لرأيناه. وهناك أحد الملعونين في الاتحاد السوفيتي السابق يقول: صواريخنا وصلت إلى القمر وما وراء القمر لم تر الله سبحانه وتعالى.
وما ورد في القرآن الكريم: (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأْسْبابَ) (8) أي سلماً عالياً أرى إله موسى عليه السلام.
اختفاء الإمام عليه السلام:
ومن جملة خرافاتهم أنه لو كان موجوداً ما كان هناك داعٍ للاختفاء.
ونحن نقول: لماذا أخفى الله سبحانه وتعالى آثار أهل الكهف؟ ولماذا أخفى ولادة موسى بن عمران عليه السلام ؟ أفهل كان سبحانه وتعالى عاجزاً عن حماية موسى عليه السلام من فرعون إلاّ بالإخفاء (العياذ بالله).
هذه أبرز الإشكالات، وعمدتها كان هذا الكتاب، وهو كتاب فرق الشيعة للنوبختي (رضوان الله تعالى عليه).
إثبات الولادة:
في الواقع أن هذا الرجل - النوبختي - هو من كبار علماء الشيعة، كما أكّد النجاشي(9) وغيره, وكان معروفاً بالتدين والورع والعفة والصلاح والخبرة وغير ذلك، ولكنهم أرادوا أن يتشبثوا بهذا.
بعض الروايات: عن الإمام الرضا عليه السلام ، أو عن الإمام الصادق عليه السلام ، والبعض الآخر عن الإمام الكاظم عليه السلام (10) كلها تثبت ولادة الإمام عجل الله فرجه الشريف.
فتكون عندنا ثلاث طوائف من الروايات:
طائفة عن الإمام العسكري عليه السلام قال فيها بأنّ هذا ابني وهو إمامكم بعدي.
وطائفة ثانية تنتهي إلى حكيمة عليها السلام وشهادتها بذلك، وشهادة النساء بخصوص الولادة مسموعة.
وطائفة ثالثة ترجع إلى الأئمّة عليهم السلام الذين أخبروا أنّه بعد العدد الفلاني من الأئمّة يكون الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ، أو يكون منه الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
مما يثبت أن الروايات متواترة، لأنّها روايات من أشخاص متعدّدين مختلفين لا يعرف أحدهم الآخر، فكل منهم يدخل في سند مستقل عن الآخرين.
أما أخبار الأئمّة عليهم السلام ففي عقيدتنا أنّهم يخبرون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنهم أئمّة، وأنهم أولياء أمر, وأنهم معصومون، فعندما يذكر الإمام الرضا عليه السلام أنّ فلاناً بعد فلان وبعد فلان فلان من ولدي فالإمام الرضا عليه السلام – حسب مسلكهم - لا يعلم الغيب ولكن يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ التسلسل الفلاني من ولده يكون هو الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ، وهذا أكبر شاهد ودليل على ولادته سلام الله عليه.
إثبات التواتر في ولادته عليه السلام
نأخذ من تلك الروايات التي تحدد بأنه ابن الإمام العسكري عليه السلام لنؤكد كذب مدّعاهم, وما قاله إحسان إلهي ظهير وابن تيمية بأن الحسن العسكري عليه السلام توفي وهو عقيم.
هذا كذب وافتراء، فالروايات كثيرة جداً, وسنذكر منها بعض ما يشير إلى أنه ابن الإمام العسكري عليه السلام وأنه الثاني عشر من الأئمّة عليهم السلام.
وللاختصار نذكر بعضاً منها فهذا المقدار يكفينا لإثبات التواتر, كما سيتضح في نهاية الكلام إن شاء الله.
يروي الشيخ الصدوق في إكمال الدين وإتمام النعمة: أنّ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بعدما اضطر إلى مهادنة ابن هند -معاوية - قال: (إذا خرج ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره... ). (11)
الأوّل الإمام عليّ عليه السلام والثاني الإمام الحسن عليه السلام والثالث الإمام الحسين عليه السلام والتاسع من ولده الإمام المنتظر عليه السلام.
وعبارة الإمام المنتظر عليه السلام لتحديد وصف التاسع، وهذا يعني أنه قد ولد, لأن الثامن وهو الإمام الحسن العسكري عليه السلام هو وآباؤه الطيبون في الجنّة فيكون الإمام المنتظر عليه السلام التاسع.
وكذلك بسند معتبر في إكمال الدين وإتمام النعمة, قال الحسين بن عليّ عليه السلام: (في التاسع من ولدي سنّة من يوسف سلام الله عليه).(12)
وفي رواية أخرى قال: (قائم هذه الأمّة هو التاسع من ولدي - التحديد بالتاسع - وهو صاحب الغيبة).(13)
وكذلك عن سيد الشهداء عليه السلام قال: (منّا اثنا عشر مهدياً أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم التاسع من ولدي وهو الإمام القائم بالحق يحيي الله به الأرض بعد موتها, ويظهر به دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون, له غيبة يرتد فيها أقوام, ويثبت على الدين فيها آخرون), فيؤذون ويقال لهم: (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ), أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ).(14)
وهناك روايات أخرى عن سائر الأئمّة عليهم السلام, نكتفي بالإشارة إلى بعض منها فقط.
عن عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام قال : (القائم منّا تخفى ولادته على الناس حتى يقولوا: لم يولد بعد - وكأنّ الإمام يدري سيأتي إحسان إلهي ظهير وينكر ولادته - ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة.(15)
وعن الإمام الباقر عليه السلام:
قال الصدوق في إكمال الدين وإتمام النعمة بسنده عن أم هانئ الثقفية وهي امرأة شريفة معروفة في ذلك الوقت.
قالت أم هانئ: قلت: يا سيدي ما معنى قول الله عز وجل: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوارِ الْكُنَّسِ) (16) قال: (نعم المسألة سألتيني يا أم هانئ، هذا مولود في آخر الزمان هو المهدي من هذه العترة, تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام, ويهتدي فيها أقوام, فيا طوبى لك إن أدركتيه, ويا طوبى لمن أدركه).(17)
وعن الإمام الصادق عليه السلام روايات كثيرة بهذا المعنى.
منها: معتبرة صفوان بن مهران عن الصادق عليه السلام أنه قال: (من أقرّ بجميع الأئمّة عليهم السلام وجحد المهدي عليه السلام كان كمن أقرّ بجميع الأنبياء وجحد محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم نبوّته. فقيل له: يا بن رسول الله فمن المهدي من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته).
رواية أخرى بسند ابن محمّد الحميري في حديث طويل يقول فيه: (قلت للصادق عليه السلام: يا ابن سول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحّة كونها. فأخبرني بمن تقع؟ فقال عليه السلام: (إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي, وهو الثاني عشر من الأئمّة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان وخليفة الرحمن. والله لو بقى في غيبته ما بقى نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر, فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
هكذا كان الأئمّة عليهم السلام يعلمون بتعليم الله تبارك وتعالى.
قال الصادق عليه السلام: (إن الله تعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا, فقيل له: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن الأربعة عشر؟ فقال: محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين, آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجّال ويطهر الأرض من كل جور وظلم).(18)
ورواية عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: (إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنّكم أحد عنها.
يا بنيّ إنه لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به. إنّما هي محنة من الله عز وجل امتحن الله بها خلقه, ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحّ من هذا لاتبعوه.
فقلت: يا سيدي ومن الخامس من ولد السابع؟
فقال: (يا بنيّ عقولكم تضعف عن ذلك, وأحلامكم تضيق عن حمله ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه).(19)
وهناك رواية في إكمال الدين وإتمام النعمة أيضاً عن عبد السلام بن صالح الهروي قال:
(سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا عليّ بن موسى عليه السلام قصيدتي التي أوّلها:
مدارس آيات خلت من تلاوة ***ومنزل وحي مقفر العرصات
فلما انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم الله والبركات
يميّز فينا كل حقّ وباطل *** ويجزي على النعماء والنقمات
بكى الرضا عليه السلام بكاءً شديداً, ثم رفع رأسه إليّ فقال لي: يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين, فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم؟ فقلت: لا، يا مولاي إلاّ أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد ويملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
فقال: يا دعبل الإمام بعدي محمّد ابني, وبعد محمّد ابنه عليّ, وبعد عليّ ابنه الحسن, وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته, المطاع في ظهوره, لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عز وجل ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً. وأما(متى) فإخبار عن الوقت, فقد حدّثني أبي, عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: مثله مثل الساعة التي لا يجليها لوقتها إلاّ هو ثقلت في السموات والأرض لاتأتيكم إلاّ بغتة.(20)وهناك روايات عديدة عن الإمام الرضا عليه السلام بهذا المعنى.(21)
وعن الإمام الجواد عليه السلام ذكر الشيخ الصدوق في كتابه إكمال الدين وإتمام النعمة: حدّثنا عبد العظيم بن عبد الله بن علي الحسني قال: (دخلت على سيدي محمد بن عليّ الجواد عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم أهو المهدي أو غيره, فابتدأني فقال لي: يا أبا القاسم - عبد العظيم الحسني كان يكنّى بأبي القاسم - إنّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاع في ظهوره, وهو الثالث من ولدي, والذي بعث محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة وخصّنا بالإمامة إنه لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه, فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً, وإن الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى عليه السلام إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع وهو رسول نبي ، ثم قال عليه السلام: أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج).(22)
وهناك روايات أخرى عن الإمام الجواد عليه السلام والإمام العسكري عليه السلام. مؤدّاها واحد, فقد جاء في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة بسنده إلى محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه يقول: سمعت أبي يقول:
سئل أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه عليهم السلام: (إنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله على خلقه إلى يوم القيامة, وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية), فقال عليه السلام: (إنّ هذا حق كما أن النهار حق -يعني كان الوقت نهاراً, فقال كما أن النهار هذا موجود فهو كذلك - فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمّد هو الإمام والحجة بعدي, من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية. أما إنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون, ويهلك فيها المبطلون, ويكذب فيها الوقّاتون, ثم يخرج, فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة).(23)
وهنالك روايات كثيرة عن أمير المؤمنين عليه السلام وعن كل واحد من ولده الأئمّة الأطهار عليهم السلام, وهذه الروايات الصريحة التي ذكرناها هي بعض منها.
الطائفة الثالثة والرابعة:
وهي عبارة عن مجموعة من الروايات التي قمنا بجمعها, وقد دلّت على وجود أشخاص رأوا الإمام وهو طفل في حجر والده، كالسيدة حكيمة عمّة الإمام عليه السلام وأنها كانت قد شاهدت الولادة, أو خدم الإمام العسكري عليه السلام الذين رأوا الإمام عليه السلام وهو طفل في دار والده.
وهذه الروايات كثيرة, نذكر أسماء رواتها فقط، وهم:
محمّد بن العطار, الحسين بن عليّ, حكيمة بنت محمّد بن القاسم بن حمزة, جعفر بن محمّد بن مسرور, الحسين بن محمّد وهذا بنفسه قد رأى الإمام. (24)
وعن عليّ بن محمّد أنه بنفسه رأى الإمام عليه السلام ، وكذلك إبراهيم بن محمّد بن عبد الله الذي يروي عن نسيم خادم الإمام الحسن العسكري عليه السلام ،وكذلك بهذا السند جارية الإمام عليه السلام اسمها مارية.(25)
وقد ذكر الكليني رواية أخرى بسنده عن إبراهيم بن محمّد عن نسيم خادم الإمام عليه السلام.(26)
وأورد رواية أخرى عن نسيم أيضاً، وعن محمّد بن العطار وغيره عن إسحاق بن رياح البصري عن أبي جعفر العمري رأى الإمام عليه السلام طفلاً في بيت والده،ومحمّد بن العطار عن عليّ الخيزراني عن جارية الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، والحميري عن محمّد بن عثمان العمري أنه رأى الإمام في حجر والده,( محمّد بن إبراهيم الكوفي والمطهري أبو حكيم الطرفي روى قصة رؤية الإمام عليه السلام, وعن ابن وجناء الحسن رأى الإمام عليه السلام طفلاً في بيت والده, وعن محمّد بن الحسن الكرخي يروي عن أبي هارون - رجل من أصحاب الإمام عليه السلام - أنه رأى الإمام عليه السلام في حجر والده.)(27)
ابن المفكر الحميري, محمّد بن إبراهيم عن عثمان بن سعيد العمري الذي رأى الإمام عليه السلام بنفسه.(28)
أحمد بن عبد الله مهران عن أحمد بن محمّد بن الحسن عن إسحاق القمي أنّه رأى الإمام عليه السلام بأمّ عينيه.(29)
عن عبد الله بن عباس العلوي والحسن بن الحسين العلوي, رأى الإمام عليه السلام في بيت والده.(30) أبو محمّد بن ضيرويه التستري وأبو سهل بن مرقد يروي عن عقيد خادم الإمام العسكري عليه السلام رأى الإمام في حجر والده.(31)
الصفّار يروي عن محمّد بن عبد الله المطهري عن حكيمة بنت محمّد بن عليّ عليه السلام عمة الإمام العسكري عليه السلام تروي قصة الإمام،حتى ابن زكريا يروي عن محمّد بن عليّ عن حكيمة بنت الإمام الهادي قصة ولادة الإمام.(32)
وكذلك الشيخ الطوسي في غيبته عن الشلمغاني _ قبل ارتداده _ يروي عن إبراهيم بن إدريس أنه رأى الإمام في بيت والده.(33)
هذه الروايات عن أشخاص مختلفي الطوائف ومن مختلف الأصقاع والأمصار, كلهم قد رأوا الإمام عليه السلام وهو طفل في حجر والده, والإمام عليه السلام يقول لهم: هذا ابني إمامكم وهو خليفة الله في الأرض وهو ابني وهذا هو الذي وعد الله سبحانه وتعالى أن يملأالأرض به قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
فبعد هذه الشهادات كلها واختلاف الأشخاص واختلاف الرواة, ومع اختلاف الناس يمكن أن نحكم عادة باستحالة اجتماعهم واتفاقهم على الكذب.
وقد قلنا في معنى التواتر هو أن يحصل عدد الرواة في رواية بحيث عادةً يمتنع اجتماعهم على الكذب, ولا أتصوّر أن هذا النحو من التواتر تحقق واضحاً إلاّ لجده عليّ بن أبي طالب عليه السلام في يوم الغدير. وكأنّ الله سبحانه أراد أن يتم الحجة على عباده بهذا التواتر الذي تحقق.
وملخّص القول: قد أصحبت لدينا أربع طوائف من الروايات:
الطائفة الأولى: وهي الروايات المشتركة عن المعصومين عليهم السلام من زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإمام العسكري, وتذكر هذه الروايات الإمام الثاني عشر بصفاته وخصوصياته المختصة, وأنه من أولاد الإمام الحسين, وأنه يظهر الله الحق على يديه الشريفتين.
هذه الروايات فقط تذكر صفات الإمام سلام الله عليه كغيبته وحيرته وضلال الناس فيه وغيرها. هذه صفاته المختصة به دون سائر الأئمّة من آبائه سلام الله عليهم.
الطائفة الثانية: التي ذكر فيها أنه التاسع أو أنّه السابع... وهكذا, بل في بعض الروايات ذكر اسمه الشريف. وهذه الروايات وردت عن الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام وإلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام, إماماً بعد إمام, كلهم وردت الروايات عنهم في هذه الطائفة.
الطائفة الثالثة: أولئك الذين رأوا الإمام عليه السلام وهو طفل في بيت والده أو في حجر والده الإمام العسكري عليه السلام.
الطائفة الرابعة: وهم الذين سمعوا من الإمام العسكري أو من خدام الإمام أو عمة الإمام ولادة الإمام.
وهذه الروايات لا يشترك بعضها مع بعض إلاّ نادراً, لأن الروايات مختلفة بالسلسلة, فهذه في سلسلة وتلك في سلسلة وهذه يرويها شخص وتلك يرويها شخص آخر, وهذه الظاهرة كانت موجودة إلى زمان كتابة إكمال الدين وإتمام النعمة للشيخ الصدوق, وقد استمرت سلسلة هذه الروايات وسجلت في كتب أصحابنا مثل كتاب الغيبة للشيخ الطوسي وكتاب الغيبة للنعماني وكذلك كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة للشيخ الصدوق والكليني وبعد ذلك صاحب البحار الشيخ المجلسي حيث قاموا بجمع هذه الروايات في كتبهم.
وبعد هذا التواتر ومع أجلى نصوصه هناك رواية معتبرة عن الإمام نفسه أنه ولد أو أنه ابن الإمام الحسن العسكري.
ومع ذلك يدعي ابن تيمية وإحسان إلهي وغيرهما من أصحاب الأقلام المأجورة في العصر الحديث بأن وجود الإمام عليه السلام خرافة والعياذ بالله.
مع المعاجز التي ظهرت عند ولادته سلام الله عليه، ولكن لأنهم يجهلون حقيقة الإمام يعتبرونه مثل أئمّتهم الذين يدرسون ويجتهدون كعامة الناس.
فهذه الأمور التي لا تدركها عقولهم التي طفحت بالنفاق, ولكن القلوب المملوءة بالإيمان تقبلها وتؤمن بها.
ولست أدري كيف يعتقد المنكرون لولادة المهدي عليه السلام بحياة إبليس والخضر إلى يومنا هذا, مع أن إبليس خلق قبل آدم والخضر عاصر موسى عليه السلام.
مع أنّ الشك في بقاء الإمام حياً إلى يومنا هذا, شك في قدرة الله سبحانه وتعالى، وما دامت الحياة والممات بيد الله سبحانه وتعالى، فإذا أراد الله أن يبقي شخصاً حياً إلى آخر الدنيا هذه قدرته سبحانه وتعالى (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ).(34)
ولا أظن بعد هذه المطالب المختصرة التي ذكرتها في خدمة إخوتي وأولادي وبخدمة من يصل إليه كلامي بأي طريقة أن يكون فيهم عاقل يشك بولادة الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
اللهم اجعلنا من أنصاره والذابين عنه والمستشهدين بين يديه, اللهم أرنا الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة, اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد.
فهذه علامات تكوينية والتكهن بها غير ممكن ولا يعلم بوقتها إلاّ هو.
والحاصل:
ان الانتظار يشتمل على أمل للصالحين وحثهم على التمسك بالطريقة المثلى، ويحتوي على تحذير للظالمين، وبث روح التضحية والفداء للمخلصين، والدعوة إلى الحق للضآلين والهداية للمنحرفين والزام المؤمنين بالإعداد والاستعداد لذلك اليوم العظيم اليوم الذي يظهر فيه الله الحق ويزهق الباطل على يد الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
هل تعني حالة الانتظار طقوساً تمارس من قبل المكلفين فحسب؟ أم الانتظار يعني ديناميكية العمل، الفكر، الرؤية، الموقف؟
الانتظار بمفهومه العقلائي والشرعي لا يعني أبداً مجرد الترقب والإتكالية واللا مبالاة بما يجري حولنا، فالركود والخضوع للواقع الفاسد القائم والمحيط بالنوع البشري عامة والمؤمنين المتمسكين أو الذين يرون أنفسهم متمسكين بالدين بخوع في غير محله وانخداع بمباهج الحياة الخلابة وتسويف في الواجب المنهي عنه وهي وسيلة العاجز أو المتعاجز والخاضع لرغبات النفس وشهواتها التي تجر دائما إلى هاوية الملذات الموهومة العاجلة ويصبح الإنسان في أحضان الكسل ويؤدي به إلى رقيّة أهوائه بل لرقيّة أهواء كل ظالم وطاغ ويصبح عبدا للشيطان وقد نهى الله سبحانه وتعالى عنه بقوله: (لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ)، بل الانتظار بمفهومه الحركي الذي أشارت إليه الروايات يعني ان يكون الإنسان دائماً منشغلاً في إعداد نفسه أولاً وإعداد من حوله من أفراد عائلته وأسرته وعشيرته وقومه معرجاً إلى من بعد عنه وذلك استعداداً لإشعال الثورة المهدوية حين تحل ساعة الصفر.
ويجب أن يعلم أن أول خطوة في هذا السبيل تتمثل في إصلاح النفس الذي يمر بمراحل التخلية والتحلية ومرحلة الاتصال المباشر من خلال التصفية وإصلاح النفس لتتفتح عليه أبواب الرحمة الإلهية ويتمكن من تلقي الأوامر الصادرة من الإمام عليه السلام حين تصدر ويصل الإنسان مرحلة من الاندماج الروحي مع الحب والطاعة والإخلاص بأن تصبح أنفاسه بل كل حركاته وسكناته بل حتى خلجات قلبه صعوداً ونزول أنفاسه طوع إرادة الشرع المقدس ويصبح مؤمنا حقا خالياً من الملكات الرذيلة الحسد والجبن والبخل والميل إلى الشهوات في غير الإطار الشرعي، فديناميكية العمل تنطلق من نفس الإنسان الحركي حتى يصبح في حالة لا يخضع معها إلا لله ولا يحب إلا ما يحبه الله ولا يكره إلا ما يبغضه الله أو يسخطه ليكون مثالاً لعائلته وأسرته ولكل من يحيط به ويكون بكل موقف من مواقفه داعية لمبدأ المهدوية ويكون بعمله قبل قوله وبسلوكه قبل لسانه داعية للحق ويصبح واقعه يمثل واقع سلمان وأبي ذر وعمار بن ياسر حيث كان كل عملهم إعداد الأرضية الصالحة لتقبل سلطة علي ابن أبي طالب عليه السلام حينما فقدها سلام الله عليه نتيجة تآزر من غرته الدنيا وباع حظه من الآخرة بالأرذل الأدنى في مرحلة، واثر صغاية من صغى لضغنه وميل من مال لصهره مع هن وهن كما وصفه الأمير عليه السلام في مرحلة أخرى، فكان عمل هذه النخبة صياغة أنفسهم في القالب الإسلامي صياغة واقعية لا يخرم عملهم وسلوكهم ما رسم لهم الشرع المقدس وفي المرحلة التالية إيصال كلمة الحق إلى كل من يمكن إيصاله وإتمام الحجة على الكل وتنبيه من يمكن تنبهه وفضح الحكام الجائرين وإلفات الناس إلى همجيتهم وابتعادهم عن جادة الصواب وإطلاع الناس على عمق المصيبة التي هم فيها فيجب أن يكون المؤمن في زمن الغيبة في مرحلة الانتظار مثالاً لأولئك الأبطال الذين رسموا الطريق للثائرين بأحرف من نور ولونوها بل زينوها بدموعهم على الواقع المرير، وبدمائهم الزاكية أشعلوا السرج لينيروا الدرب لكل من أراد الهداية ورغب في الحق.
وأما الأدعية التي وردت في المصادر المعتبرة والتي أمرنا بالالتزام بها في زمن الغيبة الكبرى وزمن الانتظار فهي في الواقع لا تعني الركود والخضوع للواقع الفاسد كما ربما يتخيل، بل إنها تعني توثيق الروابط بين المؤمن وبين ربه ليستمدّ منه تعالى العون على نفسه من جهة وعلى الآخرين من جهة أخرى وعلى الطغاة من جهة ثالثة ويستمد منه النور ليهتدي به إلى طريقه في ظلمات الظلم والطغيان والانحراف الخلقي والديني والإنساني، كما أن هذه الأدعية تشتمل على معان تومئ إلى ما عليه الواقع المنحرف الذي نعيشه في زمن الغيبة بل منذ اضطرار الإمام الحسن المجتبى عليه السلام إلى المهادنة مع ابن آكلة الأكباد فهذه الأدعية تشتمل على التوعية وإنكار المنكر وفي النتيجة هي تحث وتدعو إلى العمل بما يؤدي إلى زوال هذا الفساد عن الأرض فهذه الأدعية ليست طقوساً تقليدية تدعو إلى الركود والانصياع للواقع الفاسد كما يتخيل ولا ينخدع المؤمن بالتفسير الخاطئ الذي قد تنزلق إليه الأفهام للروايات التي تدل على الابتعاد عن الفتن ومثيريها مثل: كن في الفتنة كابن اللبون إلى آخره أو الزم بيتك حتى تسمع الصيحة إلى آخر ما يدل على هذه المعاني، فإنها تعني كما يظهر بالتأمل فيها ضرورة الأخذ بعين الاعتبار (في مقام العمل لخدمة الدين وإصلاح المجتمع) الظروف التي تحيط بالإنسان فيكون تحرك كل عاقل بملاحظة تلك الظروف كي لا يؤدي به العمل إلى الإفساد بدلاً من الإصلاح، فان التحرك من كل شخص في كل ظرف من حيث المقتضيات والموانع والحاجات ضمن إطار يخصه ولا يعني أبداً الانصياع لما يريد الطغاة ويطلبه شياطين الإنس والجن.
المصادر :
1- الفتح: 28.
2- نهج البلاغة 4: 37/ الخطبة 147.
3- فرق الشيعة: 116 و117.
4- الكهف: 22.
5- الاحتجاج للطبرسي: 1/ 115.
6- ميزان الاعتدال للذهبي 2: 243؛ التأريخ الكبير للبخاري: 4/ 104.
7- إكمال الدين وإتمام النعمة: 432.
8- غافر: 36.
9- رجال النجاشي: 63.
10- إكمال الدين وإتمام النعمة: 376. و: 21، 33، 342. و: 368.
11- مسند أحمد 1: 398؛ مستدرك الحاكم 4: 501؛ مجمع الزوائد للهيتمي 5: 190؛ كفاية الأثر للخزاز القمي: 42؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 1: 249؛ الخصال للصدوق: 468؛ الكافي للحلبي: 99، عمدة الطالب لابن عنبة: 68؛ .
12- إكمال الدين وإتمام النعمة: 315/ ح 2.
13- إكمال الدين وإتمام النعمة: 316/ ح 1.
14- إكمال الدين وإتمام النعمة: 317/ ح 2.
15- إكمال الدين وإتمام النعمة: 323/ ح 6.
16- التكوير: 15 و16.
17- إكمال الدين وإتمام النعمة: 330/ ح 14.
18- إكمال الدين وإتمام النعمة: 335/ ح 7. و 333/ ح 1، و: 338/ ح 1، و: 338.
19- مسائل عليّ بن جعفر: 325/ ح 810؛ الإمامة والتبصرة: 113/ ح 100؛ الكافي 1: 336/ ح 2؛ علل الشرائع 1: 244/ ح 4؛ إكمال الدين وإتمام النعمة: 360/ ح 1؛ دلائل الإمامة للطبري: 534/ ح 516؛ كتاب الغيبة للطوسي: 377/ ح 284.
20- إكمال الدين وإتمام النعمة: 372/ ح 6.
21- إكمال الدين وإتمام النعمة: 369/ الباب 35
22- إكمال الدين وإتمام النعمة: 377/ ح 1.
23- إكمال الدين وإتمام النعمة: 409/ ح 9.
24- إكمال الدين وإتمام النعمة: 430. و 430/ ح 3. و 432/ ح435/ ح 12. الكافي 1: 330. 12.
25- كتاب الغيبة للطوسي: 244. و 393.
26- إكمال الدين وإتمام النعمة: 430/ ح 5.
27- كتاب الغيبة للطوسي: 232.
28- إكمال الدين وإتمام النعمة: 473/ ح 1. و 473/ ح 25.و 435/ ح 3. و431/ ح 7كتاب الغيبة للطوسي: 232. و 234/ ح 203.
29- إكمال الدين وإتمام النعمة: 476/ ح 26. و409/ ح 9.
30- كتاب الغيبة للطوسي: 251/ ح 221.
31- إكمال الدين وإتمام النعمة: 473/ ح 25.
32- كتاب الغيبة للطوسي: 238/ ح 206. و: 234/ ح 204.
33- كتاب الغيبة للطوسي: 245/ ح 214.
34- الأنبياء: 23.