
الخمس هو من الفرائض، و قد جعلها اللّه تعالى لمحمّد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وذرّيته عوضاً عن الزكاة إكراماً لهم، و من منع منه درهماً أو أقلّ كان مندرجاً في الظالمين لهم، و الغاصبين لحقّهم، بل من كان مستحلاً لذلك كان من الكافرين.
ففي الخبر عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ : ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال ـ عليه السَّلام ـ : «من أكل من مال اليتيم درهماً و نحن اليتيم».
و عن الصادق ـ عليه السَّلام ـ : «إنّ اللّه لا إله إلاّ هو حيث حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، و الخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال».(1)
وعن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ : «لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا».
وعن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : «لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئاً أن يقول:«يا ربّ اشتريته بمالي» حتّى يأذن له أهل الخمس».(2)
توضيح ما ذكره يتمّ ببيان أُمور:
1. الخمس في الكتب الفقهية
قد اعتنى أصحابنا الإمامية بالبحث عن الخمس، وموارده، ومصارفه، وقد أفرده كثير منهم بالتأليف، وألّفوا رسائل مستقلّة تقف عليها إذا راجعت الفهارس كفهرس الشيخ والنجاشي ومنتجب الدين،وقلّما يتّفق لفقيه أن يؤلّف عدّة كتب في الفقه إلاّ وله كتاب في الخمس، كلّ ذلك على خلاف ما صنعه فقهاء العامّة حيث لم يفردوه بالتأليف ولا بالعنوان أيضاً، بل أدرجوا البحث فيه في كتاب الجهاد عند البحث عن الفيء والغنائم، كما أدرجوا البحث عن أحكام المعادن والركاز ـ مع القول بالتخميس فيهما ـ في كتاب الزكاة، مع أنّ مصرف الخمس في هذه الموارد غير مصرف الزكاة حسب آراء الحنفية.وأحسن كتاب لهم في هذا الباب كتاب «الأموال» للحافظ أبي عبيد (المتوفّى عام 255هـ) ففيه بُغية الطالب، وهو يكشف الغطاءعن كثير من المسائل المبهمة، ويؤيد نظرية الإمامية في بعض الموارد، فللباحث عن الضرائب المالية مراجعة ذلك الكتاب ونظائره.
غير أنّ شيخ الطائفة لم يُفرِّد للخمس كتاباً في كتاب الخلاف، بل أدرج كثيراً من مسائله في كتاب الجهاد والفيء والزكاة ،وذلك تحفّظاً على النظام الدائر بين أهل السنّة، لأنّ الغاية من تأليف ذلك الكتاب هي التركيز على القول بأنّ الهوّة المزعومة بين فقهي الشيعة والسنّة زعم لا أساس له، ولذلك راعى النظم المألوف في كتبهم، وأثبت بفضل اطّلاعه أنّه ما من مسألة فقهية إلاّ وللشيعة فيها موافق من الصحابة والتابعين أو سائر الفقهاء إلاّ الشاذ النادر.
2. الخمس فريضة و حقّ مالي لأصحابه
الخمس فريضة كسائر الفرائض بالأدلّة الثلاثة، وحقّ مالي لأصحابه كما هو صريح الآية: (فأنّ للّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ وَلِذي القُربى)(3) «واللام» آية التملّك، وهو ملك لهم، لا لأشخاصهم بما هم مؤمنون، بل بما هم أئمّة وولاة، فالمالك في الحقيقة هو جهة الإمامة كما يأتي بيانه، وبه صرّح الإمام الهادي ـ عليه السَّلام ـ في روايته، روى الصدوق بإسناده، عن أبي علي بن راشد، قال: قلت لأبي الحسن الثالث ـ عليه السَّلام ـ : إنّا نؤتى بالشيء فيقال: هذا كان لأبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ عندنا، فكيف نصنع؟ فقال: «ما كان لأبي بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتابِ اللّه وسنّة نبيّه».(4)وعلى كلّ تقدير فالخمس حقّ مالي فرضه اللّه سبحانه على عباده في موارد خاصة، لنفسه، ونبيّه، وذريّته ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، عوضاً عن الصدقات إكراماً لهم كما في الحديث، وسيوافيك سرّ هذا التشريع وفلسفته عند البحث في قسمة الخمس فانتظر.
وتعلّق سهم من الخمس به سبحانه لا ينافي غناه، لأعمية ملاك التشريع من الحاجة، كيف، وقد جعل أمر سهمه بيد الرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ليصرفه في مصالح الدين، ونظير ذلك قوله سبحانه: (إِنْ تُقْرِضُوا اللّه قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِر لَكُمْ وَاللّهُ شَكُورٌ حَلِيم).(5)
3. حكم منكر الخمس
لا شكّ أنّ وجوب الخمس كوجوب الزكاة على وجه الإجمال من الضروريات التي يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة المحمّدية، فيعدّ منكره كافراً مرتداً عن الفطرة أو الملّة، وأمّا تفاصيل الحكمين فمن ضروريات الفقه والدين.توضيح ذلك: أنّ الضروريات على قسمين، قسم يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة في نظر الناس أو نظر المنكر على ما هو الأقوى (في الارتداد وهو الملازمة بين الإنكارين في نظر المنكر لا الناس) ، فهذا ممّا لا شكّ في كونه سبباً للارتداد.
وهناك قسم آخر ليس له هذا الشأن لعدم وضوحه كوضوح القسم الأوّل، وهذا يُعدّ من ضروريات الفقه.
فتفاصيل أحكام الخمس والزكاة من ضروريات الفقه التي لا يخرج منكرها عن ربقة الإسلام، لا من ضروريات الدين، كما أنّ الاعتقاد بولادة المهدي ـ عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف ـ وحياته من ضروريات مذهب التشيّع لا من ضروريات الإسلام، فإنكار ولادته وحياته مخرج للمنكر عن زمرة هذه الطائفة، لا من زمرة المسلمين، ولكلّ حكمه، فلا تختلط.
والحاصل : أنّ أصل الخمس ممّا عرفته الأُمّة من زمن النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، فهو يعد من صلب الدين، وأمّا شعبه وفروعه وأنّه في الموارد السبعة كما عليه فقهاء الشيعة، أو في خصوص الغنائم الحربية، أو بضميمة المعادن والرّكاز، فليست من ضروريات الدين التي يرجع إنكارها إلى إنكار الرسالة، وليست الملازمة بين إنكار هذه الفروع وإنكار الرسالة المحمّدية على حدّ ينتقل من إنكارها إلى نفي الرسالة، بخلاف إنكار وجوب الصلاة والصوم، الذي يلازم إنكار رسالة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ عند المسلمين.
فصل فيما يجب فيه الخمس
وهو سبعة أشياء:لا دليل على الحصر إلاّ الاستقراء، نعم ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ يقول:« ليس الخمسُ إلاّ في الغنائم خاصة» وذكر صاحب الوسائل فيه وجهين:
1. المراد ليس الخمس الواجب بظاهر القرآن إلاّ في الغنائم، فانّ وجوبه فيما سواها إنّما ثبت بالسنّة.
2. المراد جميع الأصناف التي يجب فيه الخمس بحملها على مطلق ما يُظفرُ عليه والأوّل خلاف الظاهر، و الثاني هو المتعيّن.
كما أنّ عدّه سبعة لا يخلو عن تأمّل، لعدم دخول أخذ العنبر من سطح البحر في الغوص، فلو قلنا بوجوب الخمس فيه تكون الأصناف ثمانية، كما أنّ عدّالملاّحة(بفتح الميم وتشديد اللام ما يخلق فيه الملح) من المعادن لا يخلو من غموض، خصوصاً إذا أخذ الملح من ساحل البحر، وعليه تكون الأصناف تسعة.
وفي مرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح ـ عليه السَّلام ـ قال: الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، والغوص، ومن الكنوز، ومن المعادن، والملاحة.(6) فقد عدّ الملاحة في مقابل المعدن.
وفي المقنع قال: روى محمد بن أبي عمير، أنّ الخمس على خمسة أشياء: الكنوز، والمعادن، والغوص، والغنيمة. ونسى ابن أبي عمير الخامسة(7) .
لعلّ المنسي هو الملاحة الواردة في المرسلة، أو الأرض المشتراة من المسلم، أو الحلال المختلط بالحرام.
والحقّ دخول الجميع تحت الغنائم، إلاّ الأرض المشتراة، وإلاّ الحلال المختلط بالحرام، لخروجهما عن تحت ذلك العنوان، و على كلّ تقدير فالمتّبع في وجوب الخمس هو الدليل، بلغ موارده إلى السبعة أو تجاوز عنها.
ثمّ إنّ أساس الخمس هو الكتاب العزيز، فاللازم هو تفسير الآية بمفرداتها وجملها، قال سبحانه: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنّ للّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَاليَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْن السَّبيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرقان يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ وَاللّهُ عَلى كُلّ شَيْء قَدِير) .(8)
إنّ تفسير الآية بوجه موجز رهن الإمعان في مفرداتها وجملها، وإليك الإشارة لبعض نكاتها:
1. قال سبحانه: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء) استخدم المبهمين أعني: «ما» الموصولة ولفظ «شيء» لإفادة وجوب أداء الخمس، قلّ أو كثر.
2. قال سبحانه:(فَأَنّ للّهِ خُمُسهُ ) جعل نفسه تعالى من أصحاب الخمس كرامة للآخرين كما هو واضح، وبهذا الملاك ربّما يستقرض من الأُمّة ويقول: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيم) .(9)
3. قال سبحانه:(وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) أعاد حرف الجر للإشارة إلى استقلالهم في أخذ سهامهم الخاصّة بهم.
4. قال سبحانه: (وَلِذِي الْقُرْبى ) المراد منهم أقرباء الرسول بقرينة تقدّم الرسول عليهم، وقد ورد «ذي القربى»ونظيره كذوي القربى، وأُولوا القربى في الكتاب الكريم، ويتّضح المراد منه بلحاظ الجملة المتقدّمة عليه، ففي المقام يحمل على أقرباء الرسول لتقدّمه عليهم، كما يحمل على مطلق أقرباء الإنسان وأرحامه في قوله سبحانه : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكين)(10) لتقدّم الوالدين.
5. قال سبحانه: (وَالْيَتامى وَالمَساكين وَابن السَّبيل) أي يتامى الرسول ومساكينهم وأبناء سبيلهم، لا مطلق اليتامى والمساكين وأبناء السبيل، لما تقدّم من أنّ لفظ «الرسول» و«ذي القربى» قرينة على أنّ المعطوف عليهم له صلة بهم.
6. قال سبحانه: (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ) قضية شرطية حذف جزاؤها، أي إن كنتم آمنتم باللّه فادفعوا الخمس إلى أصحابه، ويدلّ عليه مضمون قوله (فأنّ للّه خمسه) أي الخمس ملك لهم أو مختصّ بهم فلازمه دفعه إلى أصحابه.
7. قال سبحانه: (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْم الفُرْقان) أي آمنتم بما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان، ذهب المفسرون إلى أنّ المراد ما نزل يوم الفرقان من النصر ونزول الملائكة، فكأنّه سبحانه يقول: «إن كنتم مؤمنين ومشاهدين ما نصرناكم به في ذلك اليوم العصيب، فادفعوا الخمس إلى أصحابه».
وثمّة وجه آخر لتفسير: «ما نزّل على الرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ » ولعلّه أحسن، وهو أنّ أصحاب الرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ اختلفوا في الغنائم التي حازوها اختلافاً شديداً على وجه لولا كتاب من اللّه لمسّهم عذاب عظيم، قال سبحانه: (لَولاكِتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيم)(11) ففي تلك الحالة القاسية أصدر سبحانه حكمه القاطع قائلاً: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفالِ قُلِ الأَنْفالُ للّهِ وَالرَّسُول) .(12)
والمراد من الأنفال هي مطلق الزيادة التي تشمل الغنائم يوم نزولها، والأنفال في مصطلح القرآن أعم منه في مصطلح الفقه ، وحمل الآية على المعنى المصطلح الذي يقابل الغنائم الحربية، كرؤوس الجبال وبطون الأودية وغيرهما، يوجب خروج المورد، لأنّها نزلت في وقعة «بدر» و لم يكن يوم ذاك أي كلام حول الجبال وبطون الأودية والأراضي المأخوذة بلا قتال ولا ....
فإذا كان الحكم الأوّلي هو كون الخمس من شؤون القيادة المتمثلة في الرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فلا حقّ لكم فيه غير أنّه سبحانه أجاز لكم التصرّف فيها رحمة بكم، فعليكم ردّ الخمس إلى أصحابه بلا هوادة أمام تلك الكرامة.
8. قال سبحانه: (يوم الفُرقان) هو يوم بدر، وفيه فرّق اللّه سبحانه بين الحقّ والباطل.
9. قال سبحانه: (يَوْمَ الْتَقى الجَمْعان) وهم جمع المسلمين لا يتجاوز عن ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، وجمع الكافرين وهم بين تسعمائة وألف، فهزموهم وقتلوا منهم زيادة عن السبعين وأسروا منهم مثل ذلك.
10. قال سبحانه: (أَنَّما غَنِمْتُمْ) .
فالغنيمة وإن كانت في الاصطلاح الفقهي هي الغنائم الحربية، لكنّها في اللغة والقرآن والأحاديث الشريفة تطلق على مطلق ما يحوزه الإنسان، وإليك البيان.
الغنيمة في اللغة:
يظهر من أئمّة أهل اللغة أنّ الغنيمة تستعمل في مطلق ما يحوزه الإنسان ، ويفوز به، ولو كان بغير حرب وقتال، والخصوصية المأخوذة أحد الأُمور الثلاثة:1. أن يظفر به بيُسر وسهولة ، كما هو صريح بعض اللغويين.
2. أن يظفر به بلا بذل مقابل، ويؤيده كونه في مقابل الغرم وهو أن يبذل شيئاً لأجل جبر ضرر أو خسارة بلا أخذ مقابل.
3. أن يظفر به من دون ترقّب وتوقّع.
وعلى كلّ تقدير، لم يؤخذ في مفهومه الفوز بالشيء من طريق الحرب والقتال، وإن اشتهر في ألسن الفقهاء كما صرّح به ابن فارس فإنّه بعدما أشار إلى المعنى اللغوي قال: «ثمّ يختص بما أخذ من مال المشركين» كما سيوافيك، وإليك بعض نصوص اللغويين:
1. قال ابن فارس في مقاييسه: «غَنْم أصل صحيح واحد يدل على إفادة شيء لم يُمْلَك من قبل ثمّ يختص بما أخذ من مال المشركين».
2. وقال الراغب في مفرداته: «والغنم: إصابته، والظفر به، ثمّ استعمل في كلّ مظفور به من جهة العدو وغيرهم».
3. فسره ابن الأثير بالزيادة، وقال في تفسير قوله: «الرهن لمن رهنه، له غنمه وعليه غرمه» وغنمه: زيادته ونماؤه وفاضل قيمته.
4. ذكر مثله ابن منظور في لسانه.
5.وقال الفيروز آبادي في قاموسـه: «والغنـم ـ بالضم ـ الفوز بالشيء بلا مشقة، وأغنمه كذا تغنيماً نَفَله إيّاه واغتنمه وتغنّمه: عدّه غنيمة».
6.وقال الأزهري في تهذيبه: «قال الليث: الغنم الفوز بالشيء فاز به والاغتنام انتهاز الغنم».(13)
وممّا قال أئمّة اللغة في الغنيمة نعرف أنّ العرب كانت تستعمل هذه اللفظة في كلّ ما يفوز به الإنسان حتى ولو لم يكن من طريق الحرب والقتال، وقد وردت هذه اللفظة في الكتاب والسنّة واستعملت في مطلق ما يفوز به الإنسان، وإليك الشواهد منهما فيما يلي.
الغنيمة في الكتاب والسنّة
لقد استعمل القرآن لفظة المغنم فيما يفوز به الإنسان وإن لم يكن عن طريق القتال بل كان عن طريق العمل العادي الدنيوي أو الأُخروي، إذ يقول سبحانه:(يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمناً تَبْتَغُونَ عَرضَ الحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ مَغانمُ كَثِيرة) .(14)
والمراد بالمغانم الكثيرة هو ما وعد اللّه سبحانه لعباده في الآخرة بدليل مقابلته لعرض الحياة الدنيا فيعلم أنّ لفظ «المغنم» لا يختصّ بالأُمور والأشياء التي يحصل عليها الإنسان في هذه الدنيا وفي ساحات الحروب فقط، بل هي عامة شاملة لكلّ مكسب وفائدة ولو في الآخرة.
ثمّ إنّه قد وردت هذه اللفظة في الأحاديث وأُريد منها مطلق الفائدة الحاصلة للمرء: فقد روى ابن ماجة في باب «مايقال عند إخراج الزكاة» عن رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : «اللّهمّ اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً».(15)
وفي مسند أحمد،عن رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ :«وغنيمة مجالس الذكر الجنّة».(16)
وفي وصف شهر رمضان عنه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ :«غنم للمؤمن».(17)
وفي نهاية ابن الأثير: «الصوم في الشتاء غنيمة باردة» وإنّما سمّاها غنيمة لما فيها من الأجر والثواب.
ثمّ إنّ بعض الفقهاء ـ رضوان اللّه عليهم ـ حاول استنباط جميع أحكام الموارد السبعة من الآية الشريفة.
ولا يخفى ما فيه من التكلّف، لعدم شمولها للأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، وللحلال المختلط بالحرام.
إنّ تعميم وجوب الخمس إلى غير المأخوذ من طريق القتال لا يختصّ بالشيعة، فقد ذهب غيرهم إلى ثبوت الخمس في المعادن والركائز كما يأتي في محلّه، وإن جعلوا مصرفهما مصرف الزكاة، إلاّ الأحناف كما سيوافيك، وروى البخاري أنّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قال: «وفي الركاز الخمس».(18)
المصادر:
1- الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث 1، 2. / الحديث 3، 4و 5 من هذا الباب.
2- الوسائل: الجزء 6، الباب 3 من أبواب الأنفال، الحديث 10.
3- الأنفال:41.
4- الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من أبواب الأنفال، الحديث 6.
5- التغابن:17.
6- الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 و 4.
7- الوسائل: الجزء 6، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
8- الأنفال:41.
9- الحديد:11.
10- النساء:36.
11- الأنفال:68.
12- الأنفال:1.
13- مقاييس اللغة/ مفردات الراغب/غريب مفردات الحديث: مادة غنم.
14- النساء:94.
15- سنن ابن ماجة: كتاب الزكاة، الحديث 1797.
16- مسند أحمد:2/330 و 374 و524.
17- مسند أحمد:2/177.
18- صحيح البخاري:8/43، كتاب الزكاة.