عن أمير المؤمنين (عليه السلام)قال قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)إن الله تعالى خلق العقل من نور مخزون في سابق علمه الذي لم يطلع عليه نبي مرسل و لا ملك مقرب فجعل العلم نفسه و الفهم روحه و الزهد رأسه و الحياء عينه و الحكمة لسانه و الرأفة همه و الرحمة قلبه ثم إنه حشاه و قواه بعشرة أشياء اليقين و الإيمان و الصدق و السكينة و الوقار و الرفق و التقوى و الإخلاص و العطية و القنوع و التسليم و الرضا و الشكر ثم قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال له تكلم فتكلم فقال الحمد لله الذي ليس له ضد و لا مثل و لا شبيه و لا كفو و لا عديل الذي كل شيء لعظمته خاضع ذليل فقال الله تعالى و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا أحسن منك و لا أطوع لي منك و لا أرفع و لا أشرف منك و لا أعز علي منك بك أوحد و بك أعبد و بك أدعى و بك أرتجى و بك أخاف و بك أبتغى و بك أحذر و بك الثواب و بك العقاب فخر العقل عند ذلك ساجدا و كان في سجوده ألف عام فقال تعالى ارفع رأسك و سل تعطى و اشفع تشفع فرفع العقل رأسه فقال إلهي أسألك أن تشفعني فيمن جعلتني فيه فقال الله تعالى للملائكة أشهدكم أني قد شفعته فيمن خلقته فيه .
و قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)لا يكون العاقل مؤمنا حتى تجتمع فيه عشر خصال الخير منه مأمول و الشر منه مأمون يستكثر قليل الخير من غيره و يستقل كثير الخير من نفسه لا يسأم من طلب العلم طول عمره و لا يتبرم لطلب الحوائج من قبله الذل أحب إليه من العز و الفقر أحب إليه من الغنى نصيبه من الدنيا القوت و العاشر لا يرى أحدا إلا قال هو خير مني و أتقى .
و قال أمير المؤمنين (عليه السلام)العقل ولادة و العلم إفادة و مجالسة العلماء زيادة و روي أن جبرائيل (عليه السلام)هبط إلى آدم فقال يا أبا البشر أمرت أن أخيرك بين ثلاث فاختر منهن واحدة و دع اثنتين فقال له آدم و ما هن فقال العقل و الحياء و الإيمان فقال آدم قد اخترت العقل قال فقال جبرائيل للإيمان و الحياء ارحلا فقالا أمرنا أن لا نفارق العقل .
قال المصنف ره لكل أدب ينبوع و أمير الفضل و ينبوع الأدب العقل جعله الله لمعرفته و للدين أصلا و للملك و الدنيا عمادا و للسلامة من المهلكات معقلا فأوجب لهم التكليف بإكماله و جعل أمر الدنيا مدبرا به و ألف به بين خلقه مع اختلافهم و تباين أغراضهم و مقاصدهم و ما استودع الله تعالى أحدا عقلا إلا استنقذه به يوما و العقل أصدق مشير و أنصح خليل و خير جليس و نعم وزير و خير المواهب العقل و شرها الجهل قال بعضهم شعرا :
إذا تم عقل المرء تمت أموره *** و تمت أياديه و تم ثناؤه
و قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)العقل نور في القلب يفرق به بين الحق و الباطل و جاء في قوله تعالى لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا قال يعني من كان عاقلا و قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)أعقل الناس أفضلهم و من لم يكن عقله أغلب خصال الخير فيه كان حقه في أغلب خصال الشر فيه و كل شيء إذا كثر رخص إلا العقل إذا كثر غلا و العقل الصحيح ما حصلت به الجنة و العاقل يؤلف العاقل و الجاهل يؤلف الجاهل و لقد أحسن من قال شعرا :
إذا لم يكن للمرء عقل يزينه *** و لم يك ذا رأي سديد و لا أدب
فما هو إلا ذو قوائم أربع *** و إن كان ذا مال كثير و ذا حسب
و قال إنه إذا ستر الله عبدا حصر عليه العلم و الأدب و لا يزال المرء في صحة من عقله و دينه ما لم يشرب مسكرا و في صحة من مروءته ما لم يفعل الزلات و في صحة من أمانته ما لم يقبل وصية و يستودع وديعة و في صحة من فضله ما لم يؤم قوما أو يرقي منبرا و أشراف الناس العلماء و ساداتهم المتقون و ملوكهم الزهاد و سخف منطق المرء يدل على قلة عقله .
و روي أن الحسن بن علي (عليه السلام)قال في خطبة له اعلموا أن العقل حرز و الحلم زينة و الوفاء مروة و العجلة سفه و السفه ضعف و مجالسة أهل الدنيا شين و مخالطة أهل الفسوق ريبة و من استخف بإخوانه فسدت مروءته و لا يهلك إلا المرتابون و ينجو المهتدون الذين لم يتهموا الله في آجالهم طرفة عين و لا في أرزاقهم فمروتهم كاملة و حياؤهم كامل يصبرون حتى يأتي لهم الله برزق و لا يبيعون شيئا من دينهم و مرواتهم بشيء من الدنيا و لا يطلبون منه شيئا منها بمعاصي الله و من عقل المرء مروته أن يسرع إلى قضاء حوائج إخوانه و إن لم ينزلوها به و العقل أفضل ما وهبه الله تعالى للعبد إذ به نجاته في الدنيا من آفاتها و سلامته في الآخرة من عذابها .
و قيل إنهم وصفوا رجلا عند رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)بحسن عبادته فقال انظروا إلى عقله فإنما يجزى العباد يوم القيامة على قدر عقولهم و حسن الأدب دليل على صحة العقل .
روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)سأل ربه سبحانه ليلة المعراج فقال يا رب أي الأعمال أفضل فقال الله تعالى ليس شيء أفضل عندي من التوكل علي و الرضا بما قسمت يا محمد وجبت محبتي للمتحابين في و وجبت محبتي للمتعاطفين في و وجبت محبتي للمتواصلين في و وجبت محبتي للمتوكلين علي و ليس لمحبتي علم و لا غاية و لا نهاية و كلما رفعت لهم علما وضعت لهم علما أولئك الذين نظروا إلى المخلوقين بنظري إليهم و لم يرفعوا الحوائج إلى الخلق بطونهم خفيفة من أكل الحرام نعيمهم في الدنيا ذكري و محبتي و رضائي عنهم.
يا أحمد إن أحببت أن تكون أورع الناس فازهد في الدنيا و ارغب في الآخرة فقال إلهي كيف أزهد في الدنيا فقال خذ من الدنيا حفنا من الطعام و الشراب و اللباس و لا تدخر لغد و دم على ذكري فقال يا رب كيفأدوم على ذكرك فقال بالخلوة عن الناس و بغضك الحلو و الحامض و فراغ بطنك و بيتك من الدنيا .
يا أحمد احذر أن تكون مثل الصبي إذا نظر إلى الأخضر و الأصفر و إذا أعطي شيئا من الحلو و الحامض اغتر به فقال يا رب دلني على عمل أتقرب به إليك قال اجعل ليلك نهارا و نهارك ليلا قال يا رب كيف ذلك قال اجعل نومك صلاة و طعامك الجوع .
يا أحمد و عزتي و جلالي ما من عبد ضمن لي بأربع خصال إلا أدخلته الجنة يطوي لسانه فلا يفتحه إلا بما يعنيه و يحفظ قلبه من الوسواس و يحفظ علمي و نظري إليه و يكون قرة عينيه الجوع.
يا أحمد لو ذقت حلاوة الجوع و الصمت و الخلوة و ما ورثوا منها قال يا رب ما ميراث الجوع قال الحكمة و حفظ القلب و التقرب إلي و الحزن الدائم و خفة المئونة بين الناس و قول الحق و لا يبالي عاش بيسر أم بعسر.
يا أحمد هل تدري بأي وقت يتقرب العبد إلي قال لا يا رب قال إذا كان جائعا أو ساجدا.
يا أحمد عجبت من ثلاثة عبيد عبد دخل في الصلاة و هو يعلم إلى من يرفع يديه و قدام من هو و هو ينعس و عجبت من عبد له قوت يوم من الحشيش أو غيره و هو يهتم لغد و عجبت من عبد لا يدري أني راض عنه أو ساخط عليه و هو يضحك.
يا أحمد إن في الجنة قصرا من لؤلؤ فوق لؤلؤ و درة فوق درة ليس فيها قصم و لا وصل فيها الخواص أنظر إليهم كل يوم سبعين مرة فأكلمهم كلما نظرت إليهم و أزيد في ملكهم سبعين ضعفا و إذا تلذذ أهل الجنة بالطعام و الشراب تلذذوا أولئك بذكري و كلامي و حديثي قال يا رب ما علامة أولئك قال مسجونون قد سجنوا ألسنتهم من فضول الكلام و بطونهم من فضول الطعام.
يا أحمد إن المحبة لله هي المحبة للفقراء و التقرب إليهم قال و من الفقراء قال الذين رضوا بالقليل و صبروا على الجوع و شكروا على الرخاء و لم يشكوا جوعهم و لا ظمأهم و لم يكذبوا بألسنتهم و لم يغضبوا على ربهم و لم يغتموا على ما فاتهم و لم يفرحوا بما آتاهم.
يا أحمد محبتي محبة الفقراء فادن الفقراء و قرب مجلسهم منك و ابعد الأغنياء و ابعد مجلسهم عنك فإن الفقراء أحبائي.
يا أحمد لا تزين بلين اللباس و طيب الطعام و لين الوطاء فإن النفس مأوى كل شر و رفيق كل سوء تجرها إلى طاعة الله و تجرك إلى معصيته و تخالفك في طاعته و تطيعك فيما تكره و تطغى إذا شبعت و تشكو إذا جاعت و تغضب إذا افتقرت و تتكبر إذا استغنت و تنسى إذا كبرت و تغفل إذا آمنت و هي قرينة الشيطان و مثل النفس كمثل النعامة تأكل الكثير و إذا حمل عليها لا تطير و كمثل الدفلى لونه حسن و طعمه مر.
يا أحمد أبغض الدنيا و أهلها و أحب الآخرة و أهلها قال يا رب و من أهل الدنيا و من أهل الآخرة قال أهل الدنيا من كثر أكله و ضحكه و نومه و غضبه قليل الرضا لا يعتذر إلى من أساء إليه و لا يقبل عذر من
اعتذر إليه كسلان عند الطاعة شجاع عند المعصية أمله بعيد و أجله قريب لا يحاسب نفسه قليل المنفعة كثير الكلام قليل الخوف كثير الفرح عند الطعام و إن أهل الدنيا لا يشكرون عند الرخاء و لا يصبرون عند البلاء كثير الناس عندهم قليل يحمدون أنفسهم بما لا يفعلون و يدعون بما ليس لهم و يتكلمون بما يتمنون و يذكرون مساوئ الناس و يخفون حسناتهم فقال يا رب كل هذا العيب في أهل الدنيا.
قال يا أحمد إن عيب أهل الدنيا كثير فيهم الجهل و الحمق لا يتواضعون لمن يتعلمون منه و هم عند أنفسهم عقلاء و عند العارفين حمقاء.
يا أحمد إن أهل الخير و أهل الآخرة رقيقة وجوههم كثير حياؤهم قليل حمقهم كثير نفعهم قليل مكرهم الناس منهم في راحة أنفسهم منهم في تعب كلامهم موزون محاسبين لأنفسهم متعيبين لها تنام أعينهم و لا تنام قلوبهم أعينهم باكية و قلوبهم ذاكرة إذا كتب الناس من الغافلين كتبوا من الذاكرين في أول النعمة يحمدون و في آخرها يشكرون دعاؤهم عند الله مرفوع و كلامهم مسموع تفرح بهم الملائكة و يدور دعاؤهم تحت الحجب يحب الرب أن يسمع كلامهم كما تحب الوالدة الولد و لا يشغلون عنه طرفة عين و لا يريدون كثرة الطعام و لا كثرة الكلام و لا كثرة اللباس الناس عندهم موتى و الله عندهم حي كريم يدعون المدبرين كرما و يزيدون المقبلين تلطفا قد صارت الدنيا و الآخرة عندهم واحدة.
يا أحمد هل تعرف ما للزاهدين عندي قال لا يا رب قال يبعث الخلق و يناقشون الحساب و هم من ذلك آمنون إن أدنى ما أعطي الزاهدين في الآخرة أن أعطيهم مفاتيح الجنان كلها حتى يفتحوا أي باب شاءوا و لا أحجب عنهم وجهي و لأنعمنهم بألوان التلذذ من كلامي و لأجلسنهم في مقعد صدق و أذكرهم ما صنعوا و تعبوا في دار الدنيا و أفتح لهم أربعة أبواب باب يدخل عليهم الهدايا بكرة و عشيا من عندي و باب ينظرون منه إلى كيف شاءوا بلا صعوبة و باب يطلعون منه إلى النار فينظرون إلى الظالمين كيف يعذبون و باب يدخل عليهم منه الوصائف و الحور العين قال يا رب من هؤلاء الزاهدون الذين وصفتهم قال الزاهد هو الذي ليس له بيت يخرب فيغتم لخرابه و لا له ولد يموت فيحزن لموته و لا له شيء يذهب فيحزن لذهابه و لا يعرفه إنسان ليشغله عن الله طرفة عين و لا له فضل طعام يسأل عنه و لا له ثوب لين.
يا أحمد وجوه الزاهدين مصفرة من تعب الليل و صوم النهار و ألسنتهم كلال إلا من ذكر الله تعالى قلوبهم في صدورهم مطعونة من كثرة صمتهم قد أعطوا المجهود في أنفسهم لا من خوف نار و لا من شوق جنة و لكن ينظرون في ملكوت السماوات و الأرض فيعلمون أن الله سبحانه أهل للعبادة.
يا أحمد هذه درجة الأنبياء و الصديقين من أمتك و أمة غيرك و أقوام من الشهداء قال يا رب أي الزهاد أكثر زهاد أمتي أم زهاد بني إسرائيل قال إن زهاد بني إسرائيل في زهاد أمتك كشعرة سوداء في بقرة بيضاء فقال يا رب و كيف ذلك و عدد بني إسرائيل أكثر قال لأنهم شكوا بعد اليقين و جحدوا بعد الإقرار قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)فحمدت الله تعالى و شكرته و دعوت لهم بالحفظ و الرحمة و سائر الخيرات يا أحمد عليك بالورع فإن الورع رأس الدين و وسط الدين و آخر الدين إن الورع به يتقرب إلى الله تعالى.
يا أحمد إن الورع زين المؤمن و عماد الدين إن الورع مثله كمثل السفينة كما أن البحر لا ينجو إلا من كان فيها كذلك لا ينجو الزاهدون إلا بالورع.
يا أحمد ما عرفني عبد و خشع لي إلا خشع له كل شيء يا أحمد الورع يفتح على العبد أبواب العبادة فيكرم به العبد عند الخلق و يصل به إلى الله عز و جل.
يا أحمد عليك بالصمت فإن أعمر مجلس قلوب الصالحين و الصامتين و إن أخرب مجلس قلوب المتكلمين بما لا يعنيهم .
يا أحمد إن العبادة عشرة أجزاء تسعة منها طلب الحلال فإن أطيب مطعمك و مشربك فأنت في حفظي و كنفي قال يا رب ما أول العبادة قال أول العبادة الصمت و الصوم قال يا رب و ما ميراث الصوم قال الصوم يورث الحكمة و الحكمة تورث المعرفة و المعرفة تورث اليقين فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح بعسر أم بيسر و إذا كان العبد في حالة الموت يقوم على رأسه ملائكة بيد كل ملك كأس من ماء الكوثر و كأس من الخمر يسقون روحه حتى تذهب سكرته و مرارته و يبشرونه بالبشارة العظمى و يقولون له طبت و طاب مثواك إنك تقدم على العزيز الكريم الحبيب القريب فتطير الروح من أيدي الملائكة فتصعد إلى الله تعالى في أسرع من طرفة عين و لا يبقى حجاب و لا ستر بينها و بين الله تعالى و الله عز و جل إليها مشتاق و يجلس على عين عند العرش ثم يقال لها كيف تركت الدنيا فيقول إلهي و عزتك و جلالك لا علم لي بالدنيا أنا منذ خلقتني خائف منك فيقول الله صدقت عبدي كنت بجسدك في الدنيا و روحك معي فأنت بعيني سرك و علانيتك سل أعطك و تمن علي فأكرمك هذه جنتي مباح فتبيح فتبحبح فيها و هذا جواري فأسكنه فيقول الروح إلهي عرفتني نفسك فاستغنيت بها عن جميع خلقك و عزتك و جلالك لو كان رضاك في أن أقطع إربا إربا و أقتل سبعين قتلة بأشد ما يقتل به الناس لكان رضاك أحب إلهي كيف أعجب بنفسي و أنا ذليل إن لم تكرمني و أنا مغلوب إن لم تنصرني و أنا ضعيف إن لم تقويني و أنا ميت إن لم تحييني بذكرك و لو لا سترك لافتضحت أول مرة عصيتك إلهي كيف لا أطلب رضاك و قد أكملت عقلي حتى عرفتك و عرفت الحق من الباطل و الأمر من النهي و العلم من الجهل و النور من الظلمة فقال الله عز و جل و عزتي و جلالي لا أحجب بيني و بينك في وقت من الأوقات كذلك أفعل بأحبائي.
يا أحمد هل تدري أي عيش أهنى و أي حياة أبقى قال اللهم لا قال أما العيش الهنيء فهو الذي لا يفتر صاحبه عن ذكري و لا ينسى نعمتي و لا يجهل حقي يطلب رضاي ليله و نهاره و أما الحياة الباقية فهي التي يعمل لنفسه حتى تهون عليه الدنيا و تصغر في عينيه و تعظم الآخرة عنده و يؤثر هواي على هواه و يبتغي مرضاتي و يعظم حق عظمتي و يذكر علمي به و يراقبني بالليل و النهار عند كل سيئة و معصية و ينفي قلبه عن كل ما أكره و يبغض الشيطان و وساوسه لا يجعل لإبليس على قلبه سلطانا و سبيلا فإذا فعل ذلك أسكنت في قلبه حبا حتى أجعل قلبه لي و فراغه و اشتغاله و همه و حديثه من النعمة التي أنعمت بها على أهل محبتي من خلقي و أفتح عين قلبه و سمعه حتى يسمع بقلبه و ينظر بقلبه إلى جلالي و عظمتي و أضيق عليه الدنيا و أبغض إليه ما فيها من اللذات و أحذره من الدنيا و ما فيها كما يحذر الراعي غنمه من مراتع الهلكة فإذا كان هكذا يفر من الناس فرارا و ينقل من دار الفناء إلى دار البقاء و من دار الشيطان إلى دار الرحمن يا أحمد لأزيننه بالهيبة و العظمة فهذا هو العيش الهنيء و الحياة الباقية و هذا مقام الراضين فمن عمل برضائي ألزمه ثلاث خصال أعرفه شكرا لا يخالطه الجهل و ذكرا لا يخالطه النسيان و محبة لا يؤثر على محبتي محبة المخلوقين فإذا أحبني أحببته و أفتح عين قلبه إلى جلالي فلا أخفي عليه خاصة خلقي فأناجيه في ظلم الليل و نور النهار حتى ينقطع حديثه من المخلوقين و مجالسته معهم و أسمعه كلامي و كلام ملائكتي و أعرفه السر الذي سترته عن خلقي و ألبسه الحياء حتى يستحي منه الخلق كلهم و يمشي على الأرض مغفورا له و أجعل قلبه واعيا و بصيرا و لا أخفي عليه شيء من جنة و لا نار و أعرفه بما يمر على الناس في يوم القيامة من الهول و الشدة و ما أحاسب به الأغنياء و الفقراء و الجهال و العلماء و أنور له في قبره و أنزل عليه منكرا يسأله و لا يرى غم الموت و ظلمة القبر و اللحد و هول المطلع حتى أنصب له ميزانه و أنشر له ديوانه ثم أضع كتابه في يمينه فيقرأ منشورا ثم لا أجعل بيني و بينه ترجمانا فهذه صفات المحبين.
يا أحمد اجعل همك هما واحدا فاجعل لسانك واحدا و اجعل بدنك حيا لا تغفل أبدا من غفل عني لا أبالي بأي واد هلك يا أحمد استعمل عقلك قبل أن يذهب فمن استعمل عقله لا يخطئ و لا يطغى.
يا أحمد أنت لا تغفل أبدا من غفل عني لا أبالي بأي واد هلك.
يا أحمد هل تدري لأي شيء فضلتك على سائر الأنبياء قال اللهم لا قال باليقين و حسن الخلق و سخاوة النفس و رحمة بالخلق و كذلك أوتاد الأرض لم يكونوا أوتادا إلا بهذا.
يا أحمد إن العبد إذا جاع بطنه و حفظ لسانه علمته الحكمة و إن كان كافرا تكون حكمته حجة عليه و وبالا و إن كان مؤمنا تكون حكمته له نورا و برهانا و شفاء و رحمة فيعلم ما لم يكن يعلم و يبصر ما لم يكن يبصر فأول ما أبصره عيوب نفسه حتى يشغل بها عن عيوب غيره و أبصره دقائق العلم حتى لا يدخل عليه الشيطان.
يا أحمد ليس شيء من العبادة أحب إلي من الصمت و الصوم فمن صام و لم يحفظ لسانه كان كمن قام و لم يقرأ في صلاته فأعطيه أجر القيام و لم أعطه أجر العابدين.
يا أحمد هل تدري متى يكون لي العبد عابدا قال لا يا رب قال إذا اجتمع فيه سبع خصال ورع يحجزه عن المحارم و صمت يكفه عما لا يعنيه و خوف يزداد كل يوم من بكائه و حياء يستحي مني في الخلاء و أكل ما لا بد منه و يبغض الدنيا لبغضي لها و يحب الأخيار لحبي إياهم.
يا أحمد ليس كل من قال أحب الله أحبني حتى يأخذ قوتا و يلبس دونا و ينام سجودا و يطيل قياما و يلزم صمتا و يتوكل علي و يبكي كثيرا و يقل ضحكا و يخالف هواه و يتخذ المسجد بيتا و العلم صاحبا و الزهد جليسا و العلماء أحباء و الفقراء رفقاء و يطلب رضاي و يفر من العاصين فرارا و يشغل بذكري اشتغالا و يكثر التسبيح دائما و يكون بالعهد صادقا و بالوعد وافيا و يكون قلبه طاهرا و في الصلاة ذاكيا و في الفرائض مجتهدا و قيما عندي من الثواب راغبا و من عذابي راهبا و لأحبائي قريبا و جليسا.
يا أحمد لو صلى العبد صلاة أهل السماء و الأرض و صام صيام أهل السماء و الأرض و طوى من الطعام مثل الملائكة و لبس لباس العاري ثم أرى في قلبه من حب الدنيا ذرة أو سمعتها أو رئاستها أو حليتها أو زينتها لا يجاورني في داري و لأنزعن من قلبه محبتي و عليك سلامي و محبتي .
المصدر : ارشاد القلوب / الشیخ ابو محمد الحسن بن محمد الدیلمی ج1 ص 197 - 206
/ج