مسلم بن عقيل

مسلم بن عقيل الهاشمي القرشي هو ابن عم الحسين بن علي عليهما السلام و قد أرسله الى أهل الكوفة لأخذ البيعة منهم، و هو أوّل من استشهد من أصحاب الحسين بن علي، في الكوفة. و قد عُرف فيما بعد بأنّه (سفير الحسين)....
Tuesday, December 1, 2015
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
مسلم بن عقيل

مسلم بن عقيل الهاشمي القرشي هو ابن عم الحسين بن علي عليهما السلام و قد أرسله الى أهل الكوفة لأخذ البيعة منهم، و هو أوّل من استشهد من أصحاب الحسين بن علي، في الكوفة. و قد عُرف فيما بعد بأنّه (سفير الحسين). يحظى بمكانه مرموقة ومتميّزة في الأوساط الشيعة؛ حيث يقيمون له مآتم العزاء في شهر محرّم من كلّ عام، و تعرف الليلة الخامسة المحرم في المجتمعات العربية الشيعية بليلة مسلم بن عقيل.
ولد مسلم بن عقيل في المدينة المنورة سنة 22هـ. والده هو عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، وعمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وعمه الآخر جعفر الطيار الشهيد في مؤتة، فهو من أكرم الأصول وأطهرها، ومن الذين نشأوا بين خير الآباء والأعمام.
اختلف الرواة في نطق اسمه، فقال بعضهم: هو مُسْلِمْ (بضم الميم الأولى وكسر اللام)، وقال آخرون: بل هو مَسْلَمْ (بفتح الميم الأولى واللام)، وذهب طرف ثالث - وهو الأقل حضورا واعتدادا - إلى أنه مُسَلَّمْ (بضم الميم الأولى وفتح السين واللام المشددة).
 مسلم بن عقيل
مرقد مسلم بن عقیل علی اليمين (قرب مسجد الکوفة)
أمه أم ولد (أي جارية) يقال لها علية (1)
كنيته: أبو داود. (2)
زوجاته وأولاده: تزوج بابنة عمه رقية بنت أمير المؤمنين (عليه السلام)المعروفة برقية الصغرى، فولدت له عبد الله، وقد رافقت زوجته رقية أخاها الإمام الحسين (عليه السلام)مع ابنها عبد الله في خروجه من مكة، فاستشهد عبد الله في كربلاء وأمه تنظر إليه على يد عمرو بن صبيح لعنه الله، حيث أصابه بسهم وكان واضعا يده على جبينه ليتقيه، فأصاب السهم كفه ونفذ إلى جبهته فسمرها به، ولم يستطع تحريك يده فطعنه آخر برمح في قلبه. كما تزوج مسلم بأم ولد فولدت له محمدا الذي استشهد في كربلاء على يد أبي مرهم الأزدي ولقيط بن إياس الجهني. (3)
كما نقل الشيخ الصدوق في أماليه قصة طفلين صغيرين لمسلم بن عقيل أسرا من معسكر الإمام الحسين (عليه السلام)ثم أخذا إلى عبيد الله بن زياد فأوصى السجان بالتضييق عليهما في المأكل والمشرب وغير ذلك، فكانا يصومان النهار فإذا جنّهما الليل أفطرا على قرصين من شعير وكوز من الماء، ثم تذكر الرواية كيفية خروجهما من السجن وهروبهما حتى إلقاء القبض عليهما ثم قتلهما بقطع رؤوسهما. (4)
وهناك مقام لهما بالقرب من مدينة المسيّب.
 مسلم بن عقيل
مرقد اولاد مسلم عبد الله وابراهیم

صفاته الخلقية: عرف بقوة البدن والفتوة، ففي بعض كتب المناقب: أرسل الإمام الحسين (عليه السلام)مسلم بن عقيل إلى الكوفة وكان مثل الأسد، وكان من قوته أنه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت. (5)
كما أشارت بعض المصادر إلى شبهه بالنبي (صلی الله عليه وآله وسلم)، فعن أبي هريرة أنه قال: "ما رأيت من ولد عبد المطلب أشبه بالنبي (صلی الله عليه وآله وسلم) من مسلم بن عقيل. (6)
بعد موت معاوية وانقضاء مدة الصلح وتخلف معاوية عن بنود الصلح أرسل الإمام الحسين (عليه السلام)مسلما في أواخر شهر رمضان سنة 60 للهجرة إلى أهل الكوفة بعد أن كتبوا إليه الكتب يشكون الحال، فأتى مسلم المدينة المنورة وصلى في مسجد الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) ثم غادرها إلى الكوفة، ولما وصل الكوفة نزل دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وبايعه 18 ألفا من أهلها وكانوا يترددون عليه بشكل علني، فأرسل كتابا إلى الإمام الحسين (عليه السلام)بتاريخ 12 ذو القعدة مع عابس بن شبيب الشاكري يخبره ببيعة أهل الكوفة له.
واشتكى جماعة من أتباع بني أمية إلى يزيد من حال الوالي النعمان بن بشير واتهموه بالضعف وطالبوا بتغييره لعدم مواجهته حركة مسلم بن عقيل بالقوة والبطش، فوافق يزيد على جعل عبيد الله بن زياد واليا عليها مضافا إلى ولايته على البصرة، فقدم ابن زياد إلى الكوفة ومعه جمع من خاصته، وأخذ يهدد الناس ويتوعدهم، وأخذت سياسة التهديد تؤثر في النفوس الضعيفة، فتحول مسلم إلى دار هانئ بن عروة وصار الشيعة يتحولون إلى داره بشكل مخفي إلى أن اعتقل هاني بن عروة فخرج مسلم يوم 8 ذو الحجة هـ فتخلف أهل الكوفة عن نصرته حتى بقي وحيدا، وبقي ليلته في دار امرأة مؤمنة اسمها طوعة بعد أن قبلت باستضافته.

مسلم بن عقيل

شهادته:

استشهد مسلم بن عقيل في الكوفة يوم 9 ذو الحجة سنة 60هـ بعد يوم واحد من خروج الإمام الحسين (عليه السلام)من مكة، وبعد مقاومة شديدة قتل فيها جمعا من جند ابن زياد تم إلقاء القبض عليه غدرا من قبل جيش ابن زياد، وقد أمر ابن زياد بقطع رأسه بالسيف وإلحاق بدنه بجسمه، فرفع أعلى قصر الكوفة فقتله بكير بن حمران الأحمري، ثم رميت جثته الطاهرة من أعلى القصر، ودفن بعد ذلك في مشهده المجاور لمسجد الكوفة.

الحروب التي شارك بها

كان مسلم بن عقيل محاربا فذا اتصف بالقوة البدنية فتصفه بعض المصادر "وكان مثل الأسد، وكان من قوته أنه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت". ذاك فضلا عن كونه يشبه الرسول محمد فعن أبي هريرة أنه قال: "ما رأيت من ولد عبد المطلب أشبه بالنبي (صلی الله عليه وآله وسلم) من مسلم بن عقيل.(7)
وكان مسلم بن عقيل مناصرا لعمه الامام علي بن ابي طالب عليه السلام. فشارك في معركة صفين عام 37هـ وجعله الامام على ميمنة الجيش مع الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر الطيار.
بعد وفاة معاوية وتنصيب يزيد حاكما بدله. كان للحسين موقفا رافضا معارضا لهذا التنصيب. وكانت السلطات الاموية شديدة القلق من اي تحرك حسيني، وبعد رفض الحسين طلب حاكم المدينة المنورة بمبايعة يزيد بقوله الشهير "مثلي لايبايع مثله"(8)، راى ان الوضع داخل المدينة اصبح خطرا عليه وعلى اهله الامر الذي استدعى مغادرته للمدينة على وجه السرعة. فانتقل منها إلى مكة(9).
كانت اخبار هذه التطورات تصل إلى الكوفة. الكوفة التي تحوي على عدد لاباس به من الشيعة من فلول الامام علي الرافضين اشد الرفض للحكم الأموي، المتحمسين إلى مبايعة الامام الحسين عليه السلام. فاجتمع الشيعة في بيت سليمان بن صرد وكتبوا إلى الحسين مانصه:
« بسم الله الرحمن الرحيم. لحسين بن علي من سليمان بن صرد والمسيب ابن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة. سلامٌ عليك، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمر عليها بغير رضًا منها، ثم قتل خيارها، واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولةً بين جبابرتها وأغنيائها، فبعدًا له كما بعدت ثمود! إنه ليس علينا إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق. والنعمان ابن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشأم إن شاء الله؛ والسلام ورحمة الله عليك.(10)»

تكليف الامام الحسين عليه السلام لمسلم بالسفر

وصلت الرسالة ومعها رسائل أخرى أرسلت من أهل الكوفة أيضًا ومن البصرة تدعو الامام الحسين عليه السلام الذي كان في مکة. وفور وصول الرسائل له كلف مسلم بن عقيل بالذهاب إلى الكوفة والاطلاع على حال أهلها واستعداد المدينة لاستقبال الحسين والانتفاض ضد الحكم القائم.
تحرك ابن عقيل من مكة حاملاً معه رسالة الامام الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة. وأخذ معه دليلين من أهل الكوفة، لكنهما تاها بالطريق ولقيا حتفهما من العطش، إلا أن مسلم وصل سالما إلى الكوفة(11).

في الكوفة

استقبل الشيعة الكوفيين مسلم بن عقيل بكثير من الحفاوة، وتلا ابن عقيل عليهم كتاب الحسين فخنقتهم العبرات وتعالت نداء المناصرة لال بيت رسول الله. فتروي المصادر ان عدد المبايعيين في ذلك اليوم كان 18 الف. فأرسل مسلم برسالة للحسين يطلب منه القدوم إلى الكوفة(12).
كانت هذه الأحداث تصل إلى مسامع حاكم الكوفة الأموي النعمان بن بشير فلم يكن يقوم بشيء غير نصح الناس على المنبر بترك مبايعة الحسين. وكان الأمويين من اهل الكوفة يرون ان النعمان اما ضعيف او يتظاهر بالضعف بفعل عدم اتخاذه اجراءات عسكرية ضد الشيعة الملتفين حول ابن عقيل.
حتى وصل الامر ان اتهموه وهو على المنبر بالضعف فاجابهم: "أن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله" وماكان من اهل الكوفة الأمويين إلى التحرك السريع وارسال رسالة إلى يزيد ينبؤنه بمجريات الامور وبما روؤه تقاعسا لاميرهم في مواجة الشيعة(13)
مع وصول هذه الكتب إلى يزيد دب الارتباك البلاط الأموي، فاشار سرجون (وهو أحد مستشاري يزيد وكان مساعدا لمعاوية) إلى يزيد بعزل النعمان عن ولاية الكوفة وتامير عبيد الله بن زياد عليها، حيث عُرف لعبيد الله عِداءهُ لاهل البيت وفتكه بالشيعة اضافة لوسع حيلته وتدبيره وكان اميرا على البصرة. فسارع يزيد بالاخذ بنصيحه سرجون وعين عبيد الله اميرا للكوفة وامره بالتحرك اليها بسرعة لوئد الثورة الشيعية في مهدها وقبل ان تخرج الامور عن السيطرة(14)
لم يضيع عبيد الله بن زياد كثيرا من الوقت، فترك على حكم البصرة اخوه عثمان بن زياد بعد ان اتخذ الاجراءات اللازمة لمنع ثورة شيعية فيها، ودخل إلى الكوفة متلثما يلبس عمامة سوداء مقلدا ملابس الامام الحسين عليه السلام ولايكلم أحد ويصحبه بضعة من اصحابه، وكان اهل الكوفة ينتظرون الامام الحسين عليه السلام فلما راوا عبيد الله ظنوه الامام واستقبلوه بالورود. فتحرك الوكب حتى وصل القصر عندها كشف عن هويته الحقيقة لحراس القصر فدخل دار الامارة وعزل النعمان. وما ان علم اهل الكوفة به حتى اصابهم كابة وحزنا شديدا(15).

إجراءات ابن زياد في الكوفة

قام ابن زياد بالخطبة بالناس محذرا اياهم من ما سماه "الفتنة" وحذر المناصرين للامام بالقتل والسجن والملاحقة الشديدة. ثم بعد ذلك بدا بعملية بث الجواسيس داخل المدينة للوصول إلى مسلم بن عقيل المختبئ هناك. فارسل شخصا يدعى "معقل" ومعه 3 اللاف درهم يحملها إلى مسلم بن عقيل ويتظاهر بانه اجنبي جاء من خارج الكوفة (من الشام تحديدا) وانه شيعي. فاستطاع ان يصل إلى مسلم بن عقيل الذي كان موجودا في بيت هانئ بن عروة وهو أحد زعماء الشيعة في الكوفة. فاعطاه المال وغادر المكان متجها إلى ابن زياد ليبلغه بمحل اختباء مسلم بن عقيل(16).
شك ابن عقيل بالرجل فغادر بيت هانئ، وماهي الا فترة قليلة واصبحت الدار محاصرة بالشرطة الذين لم يجدوا في الدار الا هانئ فاعتقلوه. استجوب عبيد الله هانئ بن عروة لمعرفة مكان مسلم بن عقيل الا ان هانئ لم يفصح عن مكانه قائلا: "والله لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه"(17).
فراى مسلم بن عقيل وجوب الثورة لانقاذ هانئ بن عروة على الرغم من كون بعض زعماء الشيعة خارج الكوفة في ذلك الوقت حيث كانوا يجمعون تاييد القبائل في المناطق المحيطة بالكوفة. على كل حال امر مسلم رجاله بالنهوض فنهض معه اربعة الاف توجهوا جميعهم إلى القصر وحاصروه.
فامر عبيد الله انصاره باثارة الشائعات في الكوفة واخبار الناس حول جيش اموي جرار قادم من الشام سيفتك بكل من يقف ضد الدولة كما قام برشوة زعماء بعض القبائل ليقوموا بتخذيل اقاربهم عن نصرة مسلم وبالفعل حدثت بلبلة كبيرة في الكوفة وبدا الناس بتفرق من حول مسلم حتى اذا حان الليل اغدى وحيدا ليس معه أحد. وصار يتجول في ازقة الكوفة لا يدري ان يذهب(18)

القاء القبض عليه ومقتله

ظل مسلم يمشي وحيدا ليس معه من يدله على بيت يختبئ فيه وقد بلغ به الحزن مبلغه فوصل إلى دار امراة تدعى "طوعة" فطلب منها الماء وبعد حديث دار بينهم عرفت انه مسلم بن عقيل فضربت راسها من الصدمة واقسمت على حمايته فاستقبلته في دارها. وكان للمراة ابن من انصار الأمويين فراى مسلم في البيت وعرف اوصافه فاسرع لابلاغ الشرطة بذلك(19)
لم يمر وقت طويل قبل ان يحاصر منزل ابن عقيل فخرج ابن عقيل يقاتل الجنود حتى لم يقدروا عليه على كثرة عددهم، وبعد قتال عنیف کادوا له مکیدة اسروه علی اثرها واقتادوا ابن عقيل إلى قصر الامارة حيث عبيد الله بن زياد فامر بقتله ورموه من فوق القصر وكان ذلك في 9 من ذي الحجة 60هـ.

محطات نورانية

هناك محطات كثيرة منيرة في حياة مسلم بن عقيل رضوان الله عليه يقتبس منها الإنسان الدروس، ويستلهم منها الفضائل، فتنير له دربه في حياته اليومية، ويتزود منها بما يقربه إلى الله عز وجل ورسوله وأهل بيته صلوات الله عليهم، والقرب من الله عز وجل يكون بعبادته وطاعته، والقرب من الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليه السلام)يكون بطاعتهم، وحيث أن الإشارة إلى بعض تلك المحطات يتوقف على إطلالة على عرض مختصر لشخصيته، فإنني سأقدم تعريفا موجزا حوله تمهيدا لذلك.ومن أبرز تلك المحطات:

المحطة الأولى: الاعتماد والوثاقة

فقد قال الإمام الحسين (عليه السلام)في حقه حينما أرسله إلى أهل الكوفة: «وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل». (20)
وأن يكون مسلم بن عقيل أخا لسيد الشهداء (عليه السلام)فهذا اختصاص وفضل عظيم، وكذا أن يبلغ رتبة يكون فيها موضع ثقة الإمام الحسين عليه السلام فإن الوثاقة لا تأتي بمجرد الصدق فرب صادق ولكنه بسيط فيخدع، وقد يكون الشخص صادقا ولكنه لا يثبت ولا يدقق فلا يمكنك الاعتماد عليه، أما مسلم بن عقيل فقد كان موضع الاعتماد، فقد كان عينا للإمام الحسين (عليه السلام)ونقل له الصورة بحسب الظاهر، وليس المطلوب في الاعتماد سوى التثبت ظاهرا وإيكال البواطن إلى الله عز وجل، وبالتالي فهو لا يتحمل غدر أهل الكوفة وانقلابهم.
وجاءت في زيارة مسلم بن عقيل الإشارة إلى بعض الجهات الموجبة للاعتماد وهي: «أشهد لك بالتسليم والوفاء والنصيحة لخلف النبي المرسل». (21)
فقد كان مسلّما لإمامه فيما يقول، ومن الشواهد الجلية على ذلك قصة ما جرى عليه في بعثه إلى الكوفة من قبل سيد الشهداء (عليه السلام)سفيرا له، إذ أخذ معه دليلين فتاها وماتا في الطريق، فالتجأ إلى قرية يقال لها "المضيق"، وكتب إلى سيد الشهداء (عليه السلام)معربا عن تشاؤمه من سفره لما جرى على الدليلين وسأله أن يعفيه من هذه المهمة، فأجابه الإمام (عليه السلام)بإلزامه تحمل المهمة، فسلّم له وأذعن لأمره. (22)
أما الوفاء للإمام الحسين (عليه السلام)فقد تجلى في حرصه على إيصال رسالة للإمام الحسين (عليه السلام)يذكره فيها بغدر أهل الكوفة وهو على مسافة قريبة من الموت في قصر الكوفة.
فعندما ألقي القبض عليه بكى، فقيل له: «إن من يطلب مثل الذي تطلب لا يبكي، إذا نزل به الذي نزل بك لم يبك، قال: إني والله ما لنفسي بكيت، ولا لها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليّ، أبكي للحسين (عليه السلام)وآل الحسين». (23)
وعندما أدخل على ابن زياد وأخبره أنه مقتول لا محالة، قال له: «دعني أوصي إلى بعض قومي، فقال: افعل، فنظر مسلم إلى جلساء عبيد الله وفيهم عمر بن سعد، فقال: إن بيني وبينك قرابة، ولي إليك حاجة، وقد يجب لي عليك نجح حاجتي، وهي سر، فامتنع عمر بن سعد تظاهرا لعبيد الله بالإخلاص والمودة، فقال له عبيد الله: ويلك، لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك؟ فلما سمع ذلك من ابن زياد قام ابن سعد وأخذ مسلما إلى ناحية من القصر، وكان مما قال له مسلم: وابعث إلى الحسين (عليه السلام)من يردّه فإني قد كتبت إليه أعلمه أن الناس معه، ولا أراه إلا مقبلا"» (24)
وأما النصيحة فقد تعددت النصوص من أهل البيت (عليه السلام)بدعوة المؤمنين إلى النصح للإمام المعصوم. (25)ومعنى النصح للإمام (عليه السلام)طلب الخير له، وهذا لا يكون إلا مع النية الخالصة المقترنة بالإذعان وبذل غاية الجهد في القول والفعل، أما الإمام المعصوم فهو في غنى عن توجيه الآخرين له لما أعطاه الله عز وجل من علم الغيب ولعصمته من الخطأ، وهذا يؤكد على أن توجه الأمر للناس بالنصح للإمام المعصوم (عليه السلام)من جهة حسن إظهار الحرص لأمر الإمام بين الناس في الاتباع له وتقوية أمره وإن كان الناصح مخطئا في تشخيصه وتقييمه في واقع الأمر.
وقد ظهرت نصيحة مسلم بن عقيل في إبلاغه الإمام الحسين (عليه السلام)ما يراه من ظواهر الأمور، كما في الرسائل التي كتبها إلى الإمام الحسين (عليه السلام)من الكوفة، وكذلك حينما قدّر أن الأفضل أن يبتعد الإمام الحسين (عليه السلام)من الطريق العام حينما خرج من المدينة متوجها إلى مكة بعد طلب يزيد من والي المدينة أخذ البيعة له منه، إذ قال له: «يا بن بنت رسول الله، لو عدلنا عن الطريق وسلكنا غير الجادة كما فعل عبد الله بن الزبير، كان عندي الرأي، فإنا نخاف أن يلحقنا الطلب، فقال له الحسين (علیه السلام): لا والله يا بن عمي، لا فارقت هذا الطريق أبد، أو أنظر إلى أبيات مكة أو يقضي الله في ذلك ما يحب ويرضى». (26)

المحطة الثانية: الثبات والشجاعة

فمسلم بن عقيل بعد أن عرف ابن زياد بموضع اختبائه في دار "طوعة" أرسل الجند للهجوم عليه في الدار، فخرج مسلم إليهم بسيفه وشد عليهم حتى أخرجهم من الدار، وقاتلهم قتالا شديدا حتى قتل خمسة وأربعين رجلا منهم، فجعلوا يفرون منه أينما توجه، ولقد أصيب في مقاتلته لهم بضربة سيف بكر بن حمران أصابت شفته العليا فقطعها وأسرع السيف إلى السفلى حتى وصلت إلى ثنيتاه (أسنان المقدم)، ولكن ذلك لم يوقفه عن مواصلة القتال.
ولما عجز جند ابن زياد من مواجهته وجها لوجه استعانوا بطريقة أخرى وهي رميه بالحجارة وإلقاء النار المشتعلة بأطنان القصب عليه، ومع ذلك بقي صامدا وهجم عليهم ثانية وقتل جمعا آخر منهم، وإن نفس هذا القتال مع انفراده وعدم وجود ناصر معه لهو أكبر دليل على شجاعته وقلة مبالاته بأعدائه وبالموت. (27)
كما لم يهتز مسلم قيد شعرة من تهديدات ابن زياد وبطشه بعد إلقاء القبض عليه، بل كان يقرعه بالكلمات الدامغة، فقد روى أبو الفرج الاصفهاني أن مسلم بن عقيل لما ألقى ابن زياد القبض عليه أدخلوه عليه، فلم يسلم عليه، فقال له الحرس: ألا تسلّم على الأمير؟ فقال: «إن كان الأمير يريد قتلي فما سلامي عليه، وإن كان لا يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه، فقال له عبيد الله - لعنه الله - : لتُقتلنّ، .......، قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد من الناس في الإسلام، قال: أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما ليس فيه، أما إنك لم تدع سوء القتلة، وقبح المثلة، وخبث السيرة، ولؤم الغيلة لمن هو أحق به منك». (28)

المحطة الثالثة: التفقه المقرون بالعبادة والورع

مسلم بن عقيل كان صهرا لأمير المؤمنين (عليه السلام)وملازما له ولولديه الإمامين الحسن والحسين (عليه السلام)، فاغترف من علومهم ومعرفتهم بالدين وأحكامه وتزود من ورعهم وخوفهم من الله عز وجل وعبادتهم له، فلا خير في علم لا ورع فيه، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أفضل الفقه الورع عن دين الله». (29)
ومن الشواهد على هذه الخصلة ما جاء في كتب أهل السنة أن مسلما كان يقول للناس: «ويلكم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة». (30)
وكلامه إشارة إلى حكم شرعي ورد في روايات أهل البيت (عليه السلام)، وهو أنه إذا شرع أحد بالإقامة لصلاة الجماعة الواجبة فلا ينبغي الشروع في أداء النوافل، فإنه مكروه. (31)
وشاهد جلي آخر على فقهه وورعه عدم شربه الماء المختلط بالدم عند شهادته، فإنه بعد قتاله وأسره من قبل أتباع ابن زياد كان قد أصابه العطش الشديد، فلما أخذ إلى قصر ابن زياد رأى قلة (جرّة، كوز) مبردة موضوعة على بابه فقال: «اسقوني من هذا الماء» ، فقال له مسلم بن عمر وأبو قتيبة بن مسلم الباهلي: أتراها ما أبردها، فوالله لا تذوق منها قطرة واحدة حتى تذوق الحميم في نار جهنم، فقال له مسلم: «ويلك، ولأمك الثكل، ما أجفاك وأفظك وأقسى قلبك، أنت يا بن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم» ، ثم جلس فتساند إلى حائط فرقّ له عمرو بن حريث فبعث إليه غلاما له فجاءه بقلة عليها منديل وقدح معه فصب فيه الماء ثم سقاه، فأخذ كلما أراد أن يشرب امتلأ القدح دما من فيه فأخذ لا يشرب من الدم.
وفعل ذلك مرة أو مرتين، فلما أراد أن يشرب الثالثة سقطت ثنيتاه في القدح، فقال: «الحمد لله، لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته».(32)
ومن المعلوم فقهيا أنه لا يجوز شرب الماء المتنجس بالدم، ومسلم لم يحدّث نفسه بأنه في حالة الحرج الشديد المسوّغة لشرب المتنجس، بل تركه حتى بعد قدرته عليه بعد سقوط أسنانه، وأسلم الأمر لربه وقال عبارة تدل على يقين شديد بما يقسم الله عز وجل ويرضاه له، وكأن المشيئة الإلهية اقتضت أن يواسي سيد الشهداء (عليه السلام)في عطشه.
ومن الشواهد على ورع مسلم حرصه على أداء دينه في اللحظات الأخيرة من عمره، فقد روى أبو الفرج الاصفهاني أن ابن زياد حينما أخبر مسلما بقتله، قال مسلم: دعني إذن أوصي إلى بعض القوم، قال: أوص إلى من أحببت، فنظر ابن عقيل إلى القوم وهم جلساء ابن زياد وفيهم عمر بن سعد، فقال: يا عمر إن بيني وبينك قربة دون هؤلاء، وقد يجب عليك لقرابتي نجح حاجتي، وهي سر، فأبى أن يمكنه من ذكرها، فقال له عبيد الله بن زياد: لا تمتنع من أن تنظر في حاجة ابن عمك، فقام معه وجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد - لعنه الله - فقال له ابن عقيل: إن عليّ بالكوفة دينا استدنته مذ قدمتها، تقضيه عني حتى يأتيك عني غلتي من المدينة، وجثتي فاطلبها من ابن زياد فوارها، وابعث إلى الحسين فيرده، فقال عمر لابن زياد: أتدري ما قال؟ قال: اكتم ما قال لك، قال: أتدري ما قال لي؟ قال: هات، فإنه لا يخون الأمين ولا يؤتمن الخائن، قال: كذا وكذا، قال: أما مالك فهو لك، ولسنا نمنعك منه فاصنع فيه ما أحببت، وأما حسين فإنه إن لم يردنا لم نرده، وإن أرادنا لم نكفّ عنه، وأما جثته فإنا لا نشفّعك فيها، فإنه ليس لذلك منا بأهل وقد خالفنا وحرص على هلاكنا. (33)
ومن أمثلة عبادة مسلم قضاؤه ليلة شهادته بالعبادة، ففي كامل البهائي: أن مسلم بن عقيل كان في الدعاء إذ سمع حوافر الخيل وصهيلها، فعجّل في دعائه وأتمه فلبس لامته، وقال لطوعة:« يا أمة الله، قد أديت ما عليك من الخير، ولك نصيب من شفاعة رسول الله (عليه السلام)، وقد رأيت عمي أمير المؤمنين (عليه السلام)في المنام فقال لي: ستلحق بي غدا». (34)
ويروي أبو الفرج أيضا أنه لما أرادوا أن يصعدوا بمسلم أعلى القصر ليقتلوه، صعد وهو يستغفر الله ويصلي على النبي محمد صلى الله عليه وآله وعلى أنبيائه ورسله وملائكته وهو يقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكادونا وخذلونا. (35)

المحطة الرابعة: التحلي بالقيم وعدم الانجرار إلى أخلاق الأعداء

صاحب المبادئ هو الذي يلتزم بالقيم ويجعلها المقياس في تحركاته، فلا يتجاوزها وإن كان في ذلك خسارة ظاهرية له، لأن قيمة الفضيلة أغلى من أي مكسب دنيوي، وبمدى الالتزام بهذه القيم يظهر الفارق بين الإنسان الرسالي وبين الإنسان الوصولي.
وهذا ما كان عليه حال مسلم بن عقيل، فإنه مع معرفته بأخلاق أعدائه من الغدر ونكث العهود والمكر والكذب فإنه أبى إلا الامتثال للفضائل العالية ولم ينحدر إلى أخلاق العدو، فعندما كان في منزل هاني بن عروة متخفيا وعلم بقدوم ابن زياد لزيارة هاني بن عروة الذي كان مريضا (وقيل أن المريض كان شريك بن الأعور)، فأخبره هانئ أنه سيعطيه إشارة معينة لكي يقتل ابن زياد عندما يكون معه لوحده في غرفته، ثم لما أعطاه الجملة التي فيها الإذن بالقتل لم يفعل مسلم ذلك، حتى شك ابن زياد في هاني، فلما خرج ابن زياد سأل مسلما عن سبب امتناعه عن القتل بالرغم من أن ابن زياد فاجر غادر، فقال مسلم: إنما لم أقتله لحديث بلغني عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) قال فيه:« الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن» ، وإنا أهل بيت نكره الغدر. (36)

المحطة الخامسة: السبق في الشهادة بين أصحاب الحسين وبني هاشم

مسلم بن عقيل هو أول من قتل من أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام). (37)
وهو أول شهيد سحبت جثته في الإسلام، فلم ينقل التاريخ عمن سحبت جثته قبله.
وهو أول رأس يحمل من بني هاشم، حيث قطعوا رأسه ثم حملوه إلى يزيد بن معاوية في الشام. (38)
وهو أول من صلبت جثته بعد قتله، وفيه وفي هاني بن عروة يقول عبد الله بن الزبير بن الأشيم بن الأعشى:
فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل
ترى جسدا قد غيـرت المـوت لونه * ونضح دم قد سال كل مسيـل
وهو أول من قاتل من بني هاشم لوحده بين الأعداء، وأول من أسر منهم.
وهذه الأولية والسبق ليست أولية عددية، بل أولية تعكس رتبة ومنزلة، ولا تكون إلا لعظيم الإيمان والتصديق واليقين.

المحطة السادسة: تقديم أولاده قرابين للدين والحسين (عليه السلام)

قد استشهد مع سيد الشهداء تسعة من آل عقيل، وعلى رأسهم مسلم بن عقيل، وأخوانه عبد الرحمن ومحمد وجعفر، وأولاده عبد الله ومحمد والطفلين الصغيرين، وابن أخيه محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب
وكان الإمام السجاد (عليه السلام)يميل إلى ولد عقيل فقيل له: ما بالك تميل إلى بني عمك هؤلاء دون آل جعفر؟ فقال: «إني لأذكر يومهم مع أبي عبد الله (عليه السلام)فأرقّ لهم». (39)
وقد ربى مسلم بن عقيل أولاده على حب الإمام الحسين (عليه السلام)والتضحية والفداء دونه لأن الفداء دونه يعني الفداء دون الدين، وما نقله التاريخ من مواقف خالدة لأولاده الشهداء في كربلاء إنما هو انعكاس لروحية مسلم وصفاته من الشجاعة وإيثار الآخرة على الدنيا والغيرة والحمية وهي خصال أخذها من أهل البيت (عليه السلام).
ومن المواقف التي تظهر فيها آثار تلك التربية ما رواه الدينوري أنه لما رحل الإمام الحسين (عليه السلام)من زرود تلقاه رجل من بني أسد، فسأله عن الخبر، فقال: لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، ورأيت الصبيان يجرون بأرجلهما، فقال: «إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله نحتسب أنفسنا.
فقال له: أنشدك بالله يا بن رسول الله في نفسك، وأنفس أهل بيتك، هؤلاء الذين نراهم معك، انصرف إلى موضعك، ودع المسير إلى الكوفة، فوالله ما لها بك ناصر، فقال بنو عقيل وكانوا معه: ما لنا في العيش بعد أخينا حاجة، ولسنا براجعين حتى نموت، فقال الحسين (عليه السلام): فما خير في العيش بعد هؤلاء». (40)
ومن أجلى مظاهر تلك التربية نجله عبد الله بن مسلم بن عقيل، فقد روي أنه برز ووقف بإزاء الحسين (عليه السلام)وقال: «يا مولاي أتأذن لي بالبراز؟ فقال له الحسين (عليه السلام): يا بني كفاك وأهلك القتل، أنت في حل من بيعتي، حسبك قتل أبيك مسلم، خذ بيد أمك واخرج من هذه المعركة، فقال: يا عم بماذا ألقى جدك محمدا (صلی الله عليه وآله وسلم) وقد تركتك سيدي، والله لا كان ذلك أبدا بل أقتل دونك حتى ألقى الله بذلك، لست والله ممن يؤثر دنياه على آخرته».
وهذه كلمة عظيمة وهي درس لنا في حياتنا، فما بلغ عبد الله منزلة الشهادة بين يدي الحسين (عليه السلام)إلا لأنه كان في حياته اليومية ممن يؤثر آخرته على دنياه.
وذكر بعضهم أن عبد الله بن مسلم هو أول من برز من أهل بيت الإمام الحسين (عليه السلام)، فبرز وحسر عن ذراعيه وهو يرتجز ويقول:
نحن بنـو هاشـم الكرام * نحمي بنـات السيد الهمـام
سبط رسول الملك العلام * نسل علي الفارس الضرغام
فدونكم أضرب بالصمصام * والطعن بالعسال باهتمام

مسلم بن عقيل

وقال أيضا:
اليوم ألقى مسلما وهو أبي * وفتية بادوا على دين النبي
ليسوا بقوم عرفوا بالكذب * لكن خيـار وكرام النسـب
فلم يزل يقاتل حتى قتل من الأعداء نيفا وخمسين فارسا، وفي رواية أخرى: ثمانية وتسعين رجلا، ثم قتل رضوان الله عليه، فلما نظر الحسين إليه قال: «اللهم اقتل قاتل آل عقيل، ثم قال: احملوا عليهم بارك الله فيكم، وبادروا إلى الجنة التي هي دار الإيمان». (41)
وروى الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن أبيه الباقر (عليه السلام)عن جده زين العابدين (عليه السلام)أن عبيد الله بن زياد لما بلغه أن عمر بن سعد يكره قتال الحسين (عليه السلام)بعث إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس، ومعه كتاب فيه: إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي وخذ بكظمه، وحل بين الماء وبينه كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار.
فلما وصل الكتاب إلى عمر بن سعد (لعنه الله) أمر مناديه فنادى: إنا قد أجلنا حسينا وأصحابه يومهم وليلتهم، فشق ذلك على الحسين (عليه السلام)وعلى أصحابه، فقام الحسين (عليه السلام)في أصحابه خطيبا: فقال: «اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبرّ ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي، ولا أصحابا هم خير من أصحابي، وقد نزل بي ما قد ترون، وأنتم في حل من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعة، ولا لي عليكم ذمة، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، وتفرقوا في سواده، فإن القوم إنما يطلبونني، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري.
فقام إليه عبد الله بن مسلم بن عقيل، فقال: يا بن رسول الله، ماذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وابن سيد الأعمام، وابن نبينا سيد الأنبياء، لم نضرب معه بسيف، ولم نقاتل معه برمح! لا والله أو نرد موردك، ونجعل أنفسنا دون نفسك، ودماءنا دون دمك، فإذا نحن فعلنا ذلك، فقد قضينا ما علينا، وخرجنا مما لزمنا».(42)
وعن الإمام السجاد (عليه السلام)أنه برز عبد الله بن مسلم بن عقيل بعد مقتل هلال بن حجاج، وأنشأ يقول:
أقسمت لا أقتل إلا حُرَّا * وقد وجدت الموت شيئا ُمرَّا
أكره أن أدعى جبانا فرا * إن الجبان من عصى وفَرَّا
فقتل منهم ثلاثة ثم قٌتل. (43)
كان مسلم ابن عقيل من أشجع المقاتلين دفاعاً عن أهل البيت (عليه السلام)كما أنه كان عالماً فقيهاً بالإسلام وعلومه حيث رعاه عمه الإمام علي (عليه السلام)بعد أن وفاة أبيه عقيل الذي ترعرع في حجره. وبذلك نهل من علوم الإمام علي (عليه السلام)وكان معه محارباً شجاعاً كما كان الأمر في معركة صفين وكان يلقبه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب بثقتي.
تزوج عقيل من ابنة عمه السيدة رقية بنت علي وقد عُرف له منها ومن غيرها (أم ولد و أم كلثوم بنت علي) أربع أولاد:
عبد الله الذي كان يبلغ سنة 60 للهجرة سنة عاشوراء 15 سنة
محمد الذي كان يبلغ من العمر 10 سنين في نفس السنة
إبراهيم الذي كان يبلغ وقتها من العمر 8 سنوات
و حميدة (أو رقية) التي كانت تبلغ 5 أو 6 سنوات من العمر في تلك السنة.
أولاده الأربعة كانوا في قافلة الإمام الحسين ورحلوا معها من المدينة.
لما صارت قافلة الإمام الحسين (عليه السلام)في طريقها إلى الكوفة سنة 60 للهجرة أرسل الإمام الحسين (عليه السلام)ابن عمه مسلم ابن عقيل كسفير له إلى أهل الكوفة ومعه رسالة منه (عليه السلام)إليهم كان مما قد جاء فيها:
..أنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي ، مسلم بن عقيل ، فإن كتب إلي بأنه قد اجتمع رأي ملَئكُم وذوي الحجى والفضل منكم ، على مثل ما قدمت به رسلكم ، وقرأت في كتبكم ، فإني أقدم إليكم وشيكاً ، إن شاء الله... (بحار الأنوار)
عرض الإمام الحسين (عليه السلام)على مسلم ابن عقيل أن يأخذ ابنيه محمد وإبراهيم معه إلى الكوفة لتأكيد النية الحسنة والمسالمة التي كانت تهدف إليها قافلة الإمام الحسين (عليه السلام).
وهكذا وصل مسلم ابن عقيل وابناه الكوفة في أواخر ذي القعدة سنة 60 للهجرة واستقبلوا هناك في بادئ الأمر بحفاوة كبيرة وحسن ضيافة من الكوفيين. ولم يتغرق الأمر طويلاً حتى اجتمع حوله ما يقارب 18000 من الكوفيين الذين بايعوا الإمام الحسين (عليه السلام)في حضرته.
لكن جواسيس يزيد في أهل الكوفة لم يلبثوا أن بلغوه بما يجري في الكوفة من أحداث. عندها أرسل يزيد إلى عبيد الله ابن زياد عامله في البصرة كي يتجه إلى الكوفة ويستولي على منصب النعمان ابن بشير عامله في الكوفة كما أُمر ابن زياد باعتقال مسلم ابن عقيل وقتله وعمل كل ما في سعته لاشاعة الخوف بين أتباع الإمام الحسين (عليه السلام)ونشر الذعر بينهم وتفرقتهم.
وصل ابن زياد الكوفة في مساء يوم الثاني من ذي الحجة. وفي صباح اليوم التالي ذهب إلى المسجد وخطب في الناس حيث بلغهم أنه بأمر يزيد ابن معاوية أصبح والي الكوفة وهدد كل من يعارض حكمه بأي شكل من الأشكال بالقتل وطالبهم بتسليم مسلم ابن عقيل. كما قام اين زياد بمحاصرة الكوفة بحيث لا يتمكن أحد من الخروج منها أو الدخول إليها إلا بإذنه.
أثناء ذلك كان مسلم ابن عقيل في منزل هانئ ابن عروة تلبية لدعوته. حصل ذلك سراً ولم يعرف إلا القلة القليلة بذلك. لكن أحد جواسيس ابن زياد الذي ادعى أنه من شيعة أهل البيت (عليه السلام)والذي استطاع كسب الثقة و تمكن من معرفة مكان إقامة مسلم ابن عقيل. وبذلك تم اعتقال هانئ ابن عروة و سجنه. أما مسلم ابن عقيل فقد ترك منزل هانئ ابن عروة كي لا يضطهد أحد بسببه وترك ابنيه عند أحد الثقاة وحاول اعتباراً من السابع من ذي الحجة سنة 60 للهجرة أن يترك الكوفة ليتوجه إلى الإمام الحسين (عليه السلام)كي يبلغه بما آلت إليه الأمور في الكوفة ولكنه لم يتمكن من تركها.
لما سمع الناس باعتقال هانئ ابن عروة وبعد أن بدأ بعض الشخصيات بأمر من ابن زياد بتخذيل الناس و تجبينهم عن التباع مسلم ابن عقيل بإشاعة خبر مفاده أن جيشاً كبيراً من الشام في طريقه إلى الكوفة صاروا يتفرقون الواحد تلو الآخر حتى لم يبق منهم على بيعته أحد!!
بعد أن تخلى الكل عن مسلم ابن عقيل وقف عليه السلام في الثامن من ذي الحجة أمام دار تسكنه امرأة تقدمت في السن صالحة مع ابنها اسمها طوعة. وقد ورد في كتاب "مسلم ابن عقيل لآية الله محمد تقي المدرسي أنه لما رأت طوعة مسلما ابن عقيل واقفاً على بابها قالت له:
من انت وما شأنك ؟
فأجابها: هل لديك شربة من ماء ..
بادرت الى البيت لتأتي بالماء . وناولته .
شرب الماء وعادت العجوزة الى بيتها ثم عادت الى الباب ... فرأت الرجل لايزال واقفا ..
فسألته: ألم تشرب الماء .
قال: بلى . أجابته: انصرف الى بيتك .

مسلم بن عقيل

فسكت ، ثم اعادت مثل ذلك ، فسكت ثم قالت في الثالثة :
سبحان الله يا عبد الله ! قم عافاك الله الى أهلك ، فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك .
فقام وقال : يا أمة الله مالي في .. هذا المصر أهل ولاعشيرة ، فهل لك في أجر ومعروف ، ولعلي مكافيك بعد هذا اليوم ، قالت يا عبد الله وما ذاك . قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذبني هؤلاء القوم وغروني وأخرجوني .
قالت : وتكاد الدهشة تعقل لسانها , أنت مسلم ؟
قال : نعم .
قالت : ادخل .
رحبت طوعة بالضيف الكريم ، بالرغم من معرفتها بالعاقبة التي تنتظرها .. واوته الى بيت من بيوت الدار مهجور .. وقدمت له الطعام فلم يذق منه شيئا ..
واشتغل طيلة الليل بالعبادة . وتزود من نمير الحب الالهي فيضا رويا ، جعله يشتاق الى لقاء ربه ، وقالوا إن عينه هوَّمت قليلاً ، فإذا به يرى - فيما يرى النائم عمه - الامام امير المؤمنين - فقال له يابن اخي انت ضيفنا في الليلة القادمة . فلما انتبه من النوم عاد الى محراب العبادة حتى إذا صلى فريضة الفجر سمع وقع حوافر الخيل .
اما طوعة فقد هجر عينها الكرمى وانشغل بالها بالضيف الكبير ، فكانت تتردد على غرفته بين الحين والآخر ، تطمئن على سلامته . فانتبه ولدها الذي عاد الى البيت بعد ان مضى هزيع من الليل . وعاد وهو يحلم بجائزة الأمير لمن كشف عن مخبأ مسلم . فوسوس اليه الشيطان فسأل أمه : قائلاً:
أماه مالي أراك تكثرين التردد الى تلك الغرفة . فلم تملك الأم لسانها وأخبرها بأمر مسلم ، بعد ان أخذ منها العهود الموثقة .. ولكن النفس الأمارة بالسوء جعلت الولد العاق يستغل فرصة انشغال أمه بصلاة الفجر ويتسلل الى إمارة الكوفة (ليخبر عنه).
ارتاعت طوعة لما سمعت صهيل الخيول يقترب من بيتها .. فهرولت الى مسلم قائلة : جاءك القوم من حيث تحذر . ولكن مسلم قال لها بكل سكينة : لا عليك ناوليني لامة حربي .. وماهي إلا لحظات حتى تحول مسلم من راهب الليل الى فارس النهار . ودخلت الخيل دار طوعة .
لقد ندب ابن زياد محمد بن الأشعث للقبض على مسلم . وأرسل معه سرية عسكرية .
ما مرت إلا لحظات حتى طرد مسلم قوات محمد بن الاشعث الى خارج الدار . ثم امعن فيهم قتلا وجراحا ..
وانهارت مقاومة السرية العسكرية . فارسل محمد بن الأشعث إلى ابن زياد يطلب المدد ..
وكان ابن زياد على احر من الجمرة لمعرفة وقائع المعركة . فلما بلغه استنجاد ابن الاشعث ارسل اليه يقول : بعثناك الى رجل واحد لتأتينا به ، فثلم في اصحابك ثلمة عظيمة ، فكيف إذا ارسلناك الى غيره ؟ فأرسل ابن الاشعث: أيها الأمير أتظن أنك بعثتني إلى بقال من بقالي الكوفة أو إلى جرمقاني من جرامقة البصرة ، أولم تعلم - أيها الأمير - أنك بعثتني الى أسد ضرغام ، وسيف حسام ، في كف بطل همام ، من آل خير الأنام .

مسلم بن عقيل

أما مسلم ابن عقيل عليه السلام قاتل قتال الأبطال وهو يقول:
هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع *** فأنت لكأس الموت لاشك جارع
فــاصــبــر لأمــر الله جـــل جــلالــه *** فحـكم قضـاء الله في الخلق ذائع
ثم تكاثروا عليه ، واثخنوه بالحجارة وبأطنان القصب التي أشعلوها ناراً وألقوها عليه من فوق الأسطح. حتى تمكنوا من أسره وحسب بعض الروايات فإنهم أعطوه الأمان وغدروا به ونادى عند أسره في الناس رسالة للإمام الحسين (عليه السلام):
ارجع فداك أبي وأمي بأهل بيتك ولا يغررك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل ، إن أهل الكوفة قد كذبوك وليس لمكذوب رأي.
ولما أتي به إلى ابن زياد واجهه مسلم ابن عقيل بحقيقته الذميمة غير مبال بسلطته ولا عسكره بعد أن تجرأ ابن زياد على أهل البيت (عليه السلام). عندها أمر ابن زياد بقتله على سطح دار الإمارة و إلقاء جسده المبارك إلى الأرض من على السطح. كان مسلم ابن عقيل عليه السلام ثابت الجأش غير آبه بالموت منشغلاً بذكر الله وتسبيحه إلى أن قتله جلاوزة ابن زياد.
بعد أن قتل ابن زياد أيضاً هانئ ابن عروة رضوان الله عليه أمر بسحب جسد مسلم وهانئ من أرجلهما في الأسواق ثم صلبهما في الكناسة منكوسين وأنفذ الرأسين إلى يزيد بن معاوية .
فيما بعد تم العثور أيضاً على أولاد مسلم محمد وإبراهيم وقتلهما رغم صغر سنهما.
وفي رواية أن الإمام الحسين (عليه السلام)قال في مسلم ابن عقيل: رحم الله مسلماً فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحيّته ورضوانه . ألا إنّه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا.
أما عن ابنته التي كانت في معسكر الإمام الحسين (عليه السلام)فقد رُويَ عن زهير بن القين البجلي قال : بينا نحن جلوس في زرود ، إذ طلع علينا رجل من جهة الكوفة وبيده لواء أسود , فركز اللواء بباب خيمتي ثم دخل وقال : السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين . فقلت له: من تريد ؟ قال : الحسين بن علي بن أبي طالب . فقال له الناس: وما تريد منه ؟ قال : أُريد أنْ أُعلمه بقتل ابن عمّه مسلم بن عقيل . قال : فأشاروا له على خيمة الحسين. قال: فقام الرجل وأقبل إلى الخيام فرأى حول الخيام أطفالاً يلعبون فقال للأطفال : من يدلّني على خيمة الحسين ؟ فقامت إليه بنت صغيرة وقالت : يا هذا وما تريد منه ؟ قال : أُريد أنْ أُعلمه بقتل ابن عمّه مسلم بن عقيل . فصاحت البنت : وا أبتاه وا مسلماه ! ثم وقعت مغمىً عليها فأقبل إليه الحسين (عليه السّلام) وأقبلت بنو هاشم وقالوا للرجل : ما صنعت بها ؟ قال : والله ما قلت لها شيئاً إلاّ أنّي قلت لها أرشديني إلى خيمة الحسين فقالت : وما تريد منه ؟ فقلت لها : أُريد أنْ أُعلمه بقتل ابن عمّه مسلم بن عقيل . فقالوا : يا هذا، إنّها ابنة مسلم !
قال الراوي : وأخذها الحسين (عليه السّلام) إلى الخيمة فأجلسها في حجره ، وجعل يمسح على رأسها وناصيتها فقالت له : عمّ استُشهد والدي مسلم؟ فقال لها : بنية ، أنا أبوك وبناتي أخواتك.
ضريح مسلم ابن عقيل يقع في الكوفة و يؤمه الزائرين م عاشقي الإمام الحسين (عليه السلام)يومياً

 مسلم بن عقيل

المصادر :
1- مقاتل الطالبيين ص52
2- الثقات لابن حبان ج5 ص391
3- أمالي الصدوق ص217 المجلس30 ح1، مقاتل الطالبيين ص62، إبصار العين ص224، الإرشاد ج2 ص107
4- الأمالي المجلس 19 ح2
5- بحار الأنوار ج44 ص354
6- التاريخ الكبير للبخاري ج7 ص266، الثقات لابن حبان ج5 ص391
7- بحار الانوار للمجلسي\\ج 44 ص 354 2^ التاريخ الكبير للبخاري ج7 ص266 3 ^ الثقات لابن حبان ج5 ص391
8- الملهوف في قتلى الطفوف//ابن طاووس//ص 98
9- تاريخ الطبري/ج 5 "ذكر عزل الوليد عن المدينة وولاية عمر بن سعيد"
10- تاريخ الطبري\\الجزء الخامس
11- تاريخ الطبري//ج5 ص347
12- الملهوف على قتلى الطفوف//ابن طاووس//ص 109
13- تاريخ الطبري//ج5
14- تاريخ الطبري// ج5 "وصول مسلم بن عقيل إلى الكوفة"
15- تاريخ الطبري// ج5 ص 359
16- تاريخ الطبري// ج5 ص 362
17- تاريخ الطبري//ج5 ص 349
18- اجراءات ابن زياد بالكوفة//سيد علي الميلاني
19- تاريخ الطبري//ج5 ص371
20- تاريخ الطبري ج4 ص262
21- المزار الكبير للمشهدي ص177
22- الإرشاد ج2 ص40، المناقب ج3 ص242
23- الإرشاد ج2 ص59
24- تاريخ الطبري ج4 ص282، والإرشاد ج2 ص61، ومنتهى الآمال ج1 ص584
25- الكافي ج3 ص538، الأمالي ص432
26- الفتوح لابن أعثم ج5 ص22
27- منتهى الآمال ج1 ص580 و581
28- مقاتل الطالبيين ص66
29- أمالي المفيد ص268
30- رواه الصنعاني في المصنف ج2 ص436 ح3990 بسند يعتمد عليه وأورده ابن حزم في المحلى ج3 ص111، والعيني في عمدة القاري ج5 ص184
31- وسائل الشيعة ج5 ص452 ط آل البيت
32- مقاتل الطالبيين ص66، بحار الأنوار ج44 ص355، منتهى الآمال ج1 ص583
33- مقاتل الطالبيين ص67
34- كامل البهائي ج2 ص275، عنه منتهى الآمال ج1 ص580
35- مقاتل الطالبيين ص67
36- مقاتل الطالبيين ص66، الأخبار الطوال ص235، تاريخ الكوفة للبراقي ص328
37- مقاتل الطالبيين ص52
38- مروج الذهب ج2 ص10، والثقات لابن حبان ج2 ص309
39- كامل الزيارات ص216 باب35 ح2
40- الأخبار الطوال ص247
41- ينابيع المودة ج3 ص73، ومعالي السبطين ج1 ص402، ومقتل الحسين ومصرع أهل بيته ص113، بحا الأنوار ج45 ص23
42- الأمالي ص220
43- الأمالي ص225 المجلس30 ح1



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.
المقالات ذات صلة