
إذا طالعنا الحالة النفسیة عند الكثیر من المجرمین والعاصین بعد ارتكابهم للذنب الكبیر، نرى أن حالة من الألم والندم تصیبهم بحیث لا یتصورون بقاء طریق العودة مفتوحاً أمامهم، ویعتبرون أنفسهم ملوثین بشكل لا یمكن تطهیره، ویتساءلون: هل من الممكن أن تُغْفَرَ ذنوبنا؟ وهل أن الطریق إلى الله مفتوح أمامنا؟
من الذنوب الكبیرة الیأس من روح الله تعالى، وهو ُیتصور على نحوین:
الأوّل: الیأس الأُخروی
بمعنى أن ییأس الإنسان من رحمة الله وغفرانه، قال تعالى: "قُلْ یَا عِبَادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ"(1).هذه الآیة تعطی الأمل فی أنَّ طریق العودة والتوبة مفتوح أمامهم.
علاج الیأس الأخروی
هناك عدَّة أمور یمكن أن تكون علاجاً لحالة الیأس الأخروی:
1- باب التوبة مفتوح
من المشاكل التی تقف عائقاً فی طریق بعض المسائل التربویة هو احساس الإنسان بعقدة الذنب من جرَّاء الأعمال القبیحة السابقة التی ارتكبها، خاصة إذا كانت هذه الذنوب كبیرة، إذ أنَّ الذی یستحوذ على ذهن الإنسان إن أراد التوجه نحو الطَّهارة والتقوى والعودة إلى الله، كیف یتخلص من أعباء الذنوب الكبیرة السّابقة؟التعالیم الإسلامیة حلّت هذه المشكلة، عندما أفصحت عن أن التوبة والإنابة یمكن أن تكون أداةً قاطعةً وحاسمةً للإنفصال عن الماضی وبدء حیاة جدیدة، أو حتى یمكن أن تكون بمثابة ولادة جدیدة للتائب، إذا تحققت بشرطها وشروطها.
ففی حدیث عن الباقرعلیه السلام: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقیم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ"(2). ومن البدیهی أنَّ هذه العودة لا یمكن أن تتم بدون قید أو شرط، وأن البارئ تعالى حكیم ولا یفعل شیئاً عبثاً، فإذا كانت أبواب رحمته مفتوحةً أمام عباده، ودعوته إیاهم للتوبة مستمرة، فإن وجود الاستعداد عند العباد أمرٌ لا بدَّ منه.
ومن جهة أخرى، یجب أن تكون عودة الإنسان صادقة، وأن تحدث انقلاباً وتغیراً فی داخل ذاته.
من ناحیة ثانیة، یجب أن یبدأ الإنسان بعد توبته بإعمار وبناء أسس الإیمان والعقیدة التی كانت قد دُمرت بعواصف الذنوب.
ومن ناحیة ثالثة، یجب أن یصلح الإنسان بالأعمال الصالحة عجزه الروحیَّ وسوء خلقه، فكلما كانت الذنوب السابقة كبیرة، علیه أن یقوم بأعمال صالحة أكثر وأكبر.
وهذا ما بینه القرآن الكریم فی هذه الآیات: "وَأَنِیبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن یَأْتِیَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَیْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن یَأْتِیَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ"(3).
2- مكافحة روح الیأس من أهم آثار الشفاعة فی نفس المعتقدین بها
الإیمان بالشفاعة یفتح أمام الإنسان نافذة نحو النور، ویبعث فیه الأمل بالعفو والصفح، وهذا الأمل یجعله یسیطر على نفسه، ویعید النظر فی مسیرة حیاته، بل ویشجعه على تلافی سیئات الماضی.تحذیر: بین الخوف والرجاء
صحیح أنَّ الیأس من رحمة الله من الكبائر، إلَّا أنَّ الأمن من مكر الله وعذابه أیضاً من الكبائر، وهذا ما یدعونا إلى تحذیر الإنسان من كلا الأمرین، الیأس والأمن.
من هنا نرى القرآن الكریم یعتبر أن من صفات المؤمنین الخوف والرجاء من الله تعالى، فلا یأمنون غضب الله تعالى، ولا ییأسون من رحمته، والتوازن بین الخوف والرجاء هو ضمان تكاملهم وسلوكهم فی الطریق إلى الله تعالى، والحاكم على وجودهم دائماً، لأن غلبة الخوف تجر الإنسان إلى الیأس والقنوط، وغلبة الرجاء تغری الإنسان فی الذنوب وتجعله فی غفلة، وكلاهما عدوٌّ للإنسان فی سیره التكاملی إلى الله تعالى.
یقول تعالى: "إِنَّمَا یُؤْمِنُ بِآیَاتِنَا الَّذِینَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا یَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنفِقُونَ"(4).
ومن هنا نرى القرآن الكریم یصف الله بالغفَّاریة والقهَّاریة: "قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَیْنَهُمَا الْعَزِیزُ الْغَفَّارُ".
فالله سبحانه وتعالى كما أنه قهَّار شدید العقاب كذلك هو عزیز غفَّار رحیم، فكلمة قهَّار فی الآیة، كی لا یغترَّ أحد بلطف الله ورحمته وغفَّاریته، ویظنَّ أنَّه یعیش فی مأمن من قهر الله وغضبه، ولكی لا یغرق فی مستنقع الذنوب.
كلمة غفَّار تعنی كثیر الغفران، بحیث أنَّ أبواب رحمته مفتوحة أمام المذنبین، إذاً على الإنسان أن لا ییأس ولا یأمن، وإلا كان متصفاً بصفات الخاسرین "إِنَّهُ لاَ یَیْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"(5).
"أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ یَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ"(6).
وینبغی الحذر أیضاً من الفهم الخاطئ للتوبة والشفاعة وإلا لم تنفعا.
الثانی: الیأس الدنیوی
مرّ معنا الحدیث عن الیأس الأخروی، والآن نتحدث عن الیأس الدنیوی، ونعنی به أن ییأس الإنسان من الفرج الإلهی.علاج الیأس الدنیوی
1- التفاؤل
فالتفاؤل یبعث على الأمل بینما التطیُّر یؤدِّی إلى الیأس والعجز، روی عن رسول الله صلى الله علیه وآله: "الطَّیَرَة شرك"، "تفاءلوا بالخیر تجدوه".2- الدعاء
نقرأ فی الروایة عن النبی صلى الله علیه وآله: "الدُّعاء سلاح المؤمن..."(7).وعن الإمام علی علیه السلام: "الدُّعاء مفاتیح النَّجاح ومقالید الفلاح..."(8).
وهناك روایات كثیرة تشیر إلى أهمِّیة الدُّعاء، ومن فوائده: أنَّ الإنسان تقع فی حیاته حوادث، فتغرقه فی الیأس من حیث الأسباب الظاهریة، فالدُّعاء یمكنه أن یكون شرفة على أمل الفوز، ووسیلة مؤثِّرة فی مواجهة الیأس.
3- الأمل بالنصر (المدد الإلهی)
إذا راجعنا القرآن الكریم، نجده یبعث الأمل بالنَّصر فی نفوس المسلمین، وإلیك بعض الموارد.أ- قال تعالى: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِی شِیَعِ الأَوَّلِینَ * وَمَا یَأْتِیهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ یَسْتَهْزِؤُونَ * كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِی قُلُوبِ الْمُجْرِمِینَ * لاَ یُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِینَ"(9).
تفیدنا الآیة بأنَّ أسالیب أهل الضَّلال الرَّامیة لتخدیر، الناس ومحاولة تفریقهم وإبعادهم عن أولیاء الله، لا تختصُّ بزمان ومكان معینین، بل هی ممارسة موجودة منذ القدم، وباقیة ما بقی الصراع بین الحق والباطل على الأرض، ولهذا لا ینبغی أن نستوحش من ذلك ونتراجع أمام المشاكل والعراقیل التی یدبِّرها الأعداء.
ولا نسمح للیأس من أن یدخل إلى قلوبنا، ولا لأسالیب الأعداء من أن تُفقدنا الثِّقة بالله تعالى.
فذكر سنن الأولین فی القرآن، ما هی إلا مواساة وتسلیة مؤثِّرة لقلوب دعاة الإیمان.
وإذا ما تصوَّرنا یوماً أنَّ نشر دعوة الحق، ورفع رایة العدل والهدایة، لا یواجهان بردِّ فعل الأعداء، فإننا فی خطأ كبیر، وأقلُّ ما فیه أننا سنصاب بحالة الیأس المهلكة، وما علینا إلَّا أن نستوعب مسیر الأنبیاء علیهم السلام فی مواجهتهم لأعداء الله.
ب- قال تعالى: "وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِینَ * إِن یَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأیَّامُ نُدَاوِلُهَا بَیْنَ النَّاسِ وَلِیَعْلَمَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُواْ وَیَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ یُحِبُّ الظَّالِمِینَ"(10)، فی الآیة تحذیر للمسلمین من أن یعتریهم الیأس والفتور بسبب النكسة فی معركة واحدة، وأن یتملَّكهم الحزن والیأس من النصر النهائی.
فالرجال الواعون هم الذِّین یستفیدون الدروس من الهزائم، كما یستفیدونها من الانتصارات، وهم الذین یتعرفون فی ضوء النَّكسات على نقاط الضعْف فی أنفسهم أو مخطَّطاتهم، ویقفون على مصدر الهزیمة، ویسعون لتحقیق النصر النهائی بالقضاء على تلك الثغرات والنواقص.
4- الانتظار ودوره فی معالجة الیأس
هناك أثر مهمٌّ لانتظار ظهور الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف، وهو عدم ذوبان المنتظرین فی المحیط الفاسد، وعدم الانقیاد وراء المغریات والتلوث بها.وتوضیح ذلك: أنه حین یعمُّ الفساد المجتمع، أو تكون الأغلبیَّة الساحقة منه فاسدة، فقد یقع الإنسان المؤمن فی مأزق نفسیِّ، أو بعبارة أخرى: فی طریق مسدود "للیأس من الاصلاحات التی یتوخاها" وربما یتصَّور المنتظرون أنَّه لا مجال للإصلاح، وأنَّ السعی والجدَّ من أجل البقاء على النقاء والطهارة، كلُّ ذلك لا جدوى منه، فهذا الیأس أو الفشل قد یجرُّ الإنسان نحو الفساد والاصطباغ بصبغة المجتمع الفاسد، والَّذی ینعش الأمل فی نفوس المؤمنین ویدعوهم إلى المقاومة والصبر وعدم الذوبان والإنحلال فی المحیط الفاسد، هو رجاؤهم بالاصلاح النهائی، فهم فی هذه الحال لا یسأمون عن الجد والمثابرة.
5- التقوى والفرج
"... وَمَن یَتَّقِ اللَّهَ یَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَیَرْزُقْهُ مِنْ حَیْثُ لَا یَحْتَسِبُ وَمَن یَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ..."(11), إنَّ هذه الآیات تبعث الأمل فی النُّفوس، وتمنح القلب صفاءً خاصاً، وتمزِّق حجب الیأس والقنوط، وتنیر الأرواح بنور الأمل، إذ تعد المتقین بحل مشاكلهم وتسهیل أمورهم.
جاء فی حدیث عن أبی ذر الغفاری، أنَّ رسول الله صلى الله علیه وآله قال: "إنیِّ أعلم آیةً لو أخذ بها النَّاس لكفتهم، "وَمَن یَتَّقِ اللَّهَ یَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً"، فما زال یقولها ویعیدها"(12).
وفی حدیث عن الرسول صلى الله علیه وآله: "مَنْ أْكثر الإستغفار جعل الله له من كلِّ همٍّ فرجاً ومن كلِّ ضیق مخرجاً"(13). المقصود من التوكُّل على الله، هو أن یسعى الإنسان لأن یجعل عاقبة عمله وكدحه على الله، ویوكلها إلیه ویدعوه لتسهیل أمره، فإنَّه لطیف بعباده، رحیم بهم، وعلى كل شیء قدیر.
والشخص الذی یعیش حقیقة التوكُّل على الله، لا یجد إلیه منفذاً، ولا یدبُّ فی عزمه الضعف، ولا یشعر بالنقص والصغر أمام المشاكل مهما كبرت، ویبقى یقاوم ویواجه الأحداث بقوَّة وإیمان راسخین.
ومن جانب آخر تنهمر علیه الإمدادات الغیبیَّة والمساعدات التی وعده الله.
ففی حدیث عن رسول الله صلى الله علیه وآله: "سألت جبرائیل: ما التوكل؟ قال:العلم بأنَّ المخلوق لا یضرُّ ولا ینفع، ولا یعطی ولا یمنع، واستعمال الیأس من الخلق، فإذا كان العبد كذلك، لم یعمل لأحد سوى الله، ولم یرجُ ولم یخف سوى الله، ولم یطمع فی أحد سوى الله فهذا هو التوكُّل"(14).
6-العلم بأن مع العسر یسراً
یقول تعالى: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْرًا* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْرًا"(15)هذا الوعد الإلهیُّ یغمر القلب نوراً وصفاء، ویبعث فیه الأمل، ویزیل ظلمة الیأس عن روح الإنسان، وعن رسول الله صلى الله علیه وآله قال: "واعلم أنَّ مع العسر یسراً، وأنَّ مع الصبر النَّصر، وأنَّ الفرج مع الكرب"(16).
النبّاش
یُروى أنه: دخل معاذ بن جبل على رسول الله صلى الله علیه وآله باكیا،ً فسلَّم فردَّ علیه السَّلام ثمَّ قال: ما یبكیك یا معاذ؟ فقال یا رسول الله، إن بالباب شاباً طریَّ الجسد نقیَّ اللَّون حسن الصورة یبكی على شبابه بكاء الثكلى على ولدها یرید الدخول علیك.فقال النبی صلى الله علیه وآله: أَدْخِل علیّ الشاب یا معاذ، فأدخله علیه فسلَّم فردَّ علیه السلام قال: ما یبكیك یا شاب؟ قال: كیف لا أبكی وقد ركبت ذنوباً، إن أخذنی الله عزَّ وجلَّ ببعضها أدخلنی نار جهنَّم؟ ولا أرانی إلا سیأخذنی بها ولا یغفر لی أبداً.
فقال رسول الله صلى الله علیه وآله: هل أشركت بالله شیئاً؟ قال: أعوذ بالله أن أشرك بربی شیئاً.
قال: أقتلت النفس التی حرّم الله؟ قال: لا.
فقال النبی صلى الله علیه وآله: یغفر الله ذنوبك وإن كانت مثل الجبال الرواسی.
فقال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسی. فقال النبی صلى الله علیه وآله: یغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الأرضین السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فیها من الخلق.
قال: فإنها أعظم من الأرضین السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فیها من الخلق.
فقال النبی صلى الله علیه وآله: یغفر الله ذنوبك وإن كانت مثل السموات ونجومها ومثل العرش والكرسی.
قال: فإنها أعظم من ذلك.
قال: فنظر النبی صلى الله علیه وآله إلیه كهیئة الغضبان ثم قال: ویحك یا شاب، ذنوبك أعظم أم ربُّك؟ فخر الشاب لوجهه وهو یقول: سبحان ربِّی، ما شیء أعظم من ربِّی، ربِّی أعظم یا نبی الله من كلِّ عظیم.
فقال النبی صلى الله علیه وآله: فهل یغفر الذنب العظیم إلا الربُّ العظیم. قال الشاب: لا والله یا رسول الله، ثم سكت الشاب فقال له النبی صلى الله علیه وآله: ویحك یا شاب ألا تخبرنی بذنب واحد من ذنوبك؟
قال: بلى، أخبرك: إنی كنت أنبش القبور سبع سنین، أخرج الأموات وأنزع الأكفان، فماتت جاریة من بعض بنات الأنصار، فلما حُمِلت إلى قبرها ودُفِنت وانصرف عنها أهلها وجنَّ علیهم اللیل، أتیت قبرها فنبشتها ثم استخرجتها ونزعت ما كان علیها من أكفانها، وتركتها متجردة على شفیر قبرها ومضیت منصرفاً، فأتانی الشیطان فأقبل یزیِّنها لی... ولم أملك نفسی حتى جامعتها وتركتها مكانها، فإذا أنا بصوت من ورائی یقول: یا شاب ویل لك من دیَّان یوم الدین.. فما أظنُّ أنی أشم رائحة الجنة أبداً فما ترى یا رسول الله؟
فقال النبی صلى الله علیه وآله: تنحَّ عنی یا فاسق، إنی أخاف أن أحترق بنارك، فما أقربك من النار!
فذهب فأتى المدینة فتزود منها ثم أتى بعض جبالها متعبداً فیها، ولبس مسحاً وغلّ یدیه جمیعاً إلى عنقه، ونادى: یا رب هذا عبدك بهلول بین یدیك مغلول...
ثم قال اللهم ما فعلت فی حاجتی إن كنت استجبت دعائی وغفرت خطیئتی فأوحِ إلى نبیك،... فأنزل الله تبارك وتعالى على نبیه صلى الله علیه وآله: "وَالَّذِینَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن یَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ یُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ یَعْلَمُونَ"(17).
المصادر:
1- سورة الزمر، الآیة: 53.
2- أصول الكافی، ج2، ص216، باب التوبة، الحدیث 10.
3- الزمر: 54-55.
4- السجدة: 15-16.
5- یوسف: 78.
6- الأعراف: 97.
7- أصول الكافی، ج2، أبواب الدعاء، باب، إن الدعاء سلاح المؤمن.
8- م.ن.
9- الحجر: 11-13.
10- آل عمران: 139 -140.
11- الطلاق: 2-3.
12- نور الثقلین، ج5، ص356، حدیث 44.
13- ن.م، حدیث 45.
14- بحار الأنوار، ج69، ص372، حدیث 19.
15- الانشراح: 5-6.
16- تفسیر نور الثقلین، ج5، ص604، حدیث 11.
17- بحار الأنوار، ج 6، ص24.
/م