اليمين الكاذبة بأن يخبر بخبر كاذب، ولتأكيد هذا الخبر يُقسم بالله تعالى، بأن يقول مثلاً (واللهِ فعلت في اليوم الفلاني كذا) في حين أنه لم يفعل ذلك، أو يقول: (أقسم بالله أن الشيء الفلاني هو ملكي) في حين أنه يعلم بأنه ليس له.
وهذا القسم من اليمين عُبِّر عنه في الروايات بـ"اليمين الغموس" يعني أنه يغمس صاحبه في المعصية أو في جهنم، وهكذا يُعبَّر عنه بـ"اليمين الحالقة"، يعني كما أنَّ الموسى يحلق الشعر من البدن كذلك هذه اليمين الكاذبة تحلق أي تُذِهب الدين من صاحبه.
وقد جاءت الروايات الكثيرة مشيرة إلى كون اليمين الكاذبة من الكبائر:
الروايات في اليمين الكاذبة:
فقد استَشْهَدَ الإمام الصادق عليه السلام على أن اليمين الكاذبة من الكبائر بقوله تعالى في القرآن الكريم: "إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"(1).وقد اختصم امرؤ القيس ورجل من حضرموت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في أرض، فقال صلى الله عليه وآله: "ألك بينة؟
قال: لا، قال صلى الله عليه وآله: فبيمينه، قال: إذن والله يذهب بأرضي، فقال صلى الله عليه وآله: إن ذهب بأرضك بيمينه كان ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم، قال: ففزع الرجل وردّها إليه(2).
وقال الإمام الصادق عليه السلام: "من حلف على يمين وهو يعلم أنَّه كاذب فقد بارز الله تعالى"(3).
وعن الإمام الباقر عليه السلام أنَّه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إياكم واليمين الفاجرة فإنها تدع الديار من أهلها بلاقع"(4).
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "من قال الله يعلم ما لا يعلم اهتز لذلك عرشه اعظاماً له"(5).
القسَم المكروه
لا ينبغي للإنسان المؤمن أن يقسم بالله العظيم على كلِّ شيء أو على أيِّ شيء حتى ولو كان صادقاً.فعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين فإنَّه عزَّ وجلَّ يقول: "وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُم""(6).
اجتمع الحواريّون إلى عيسى عليه السلام فقالوا: يا معلِّم الخير أرشدنا. فقال عليه السلام: "إنَّ موسى عليه السلام نبي الله أمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين وأنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين".
الشهادة الكاذبة
الشهادة الكاذبة: أي الشهادة بشيء على خلاف الواقع، وهي من الكبائر، والروايات في ذلك كثيرة نورد بعضها:1- عن الإمام الباقر عليه السلام: "ما من رجل يشهد بشهادة زور على مال رجل مسلم ليقطعه إلا كتب الله له مكانه صكاً إلى النار"(7).
2- عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "شاهد الزور لا تزول قدماه حتى تجب له النار"
3- وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "لا ينقضي كلام شاهد الزور من بين يدي الحاكم حتى يتبوء مقعده من النار"
4- وعن أبي جعفر عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من كتم شهادة أو شهد بها ليهدر بها دم امرئٍ مسلم أو ليزوي بها مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة مدّ البصر وفي وجهه كدوح تعرفه الخلائق باسمه ونسبه..."
الشهادة يجب أن تكون عن علم لا فرق في اعتبار الشهادة الكاذبة من الكبائر بين أن يكون الشاهد عالماً بكذبه أو غير عالم، أي يشهد على أمر لا يعلم أنَّه صحيح أو غير صحيح.
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تشهد بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفَّك"(8).
وعن النبي صلى الله عليه وآله لمن سأله عن الشهادة: ترى الشمس؟ قال: نعم، فقال صلى الله عليه وآله: "على مثلها فاشهد أو دع"
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "ليؤدِّ الشاهد ما يشهد عليه، وليتقِّ الله ربَّه، فمن الزور أن يشهد الرجل بما لا يعلم أو ينكر ما يعلم، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: "وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ" فعدل تبارك اسمه شهادة الزور بالشرك".(9)
كتمان الشهادة
كتمان الشهادة من الذنوب الكبيرة، وهي تعني: اخفاء ما علم به في مورد يجب الإدلإء بالشهادة لإثبات حق أو إبطال باطل.وقد استَشْهَدَ الإمام الجواد عليه السلام لاعتبار كتمان الشهادة من الكبائر بقوله تعالى: "وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"(10).
وهناك نكتتان في نسبة الإثم إلى القلب:
الأولى: إنَّ كتمان الشهادة هو من الذنوب القلبية، ذلك أنَّه يُخفي في قلبه ما يعلمه ولا يشهد به بلسانه ليظهر الحق.
الثانية: خطورة هذا الذنب، فكما أنَّ القلب أشرف وأفضل من الجسد، والطاعة القلبية كالإيمان أفضل من سائر الطاعات، فهكذا الذنب المرتبط بالقلب كالشرك هو أشدُّ وأكبر من الذنوب غير القلبية.
ويكفي في اعتبار كتمان الشهادة من الكبائر أنَّ الله تعالى في الآية الشريفة السابقة عدّه من آثام القلب، وقال تعالى من باب التهديد والتأكيد في آخر الآية: "وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" يعني رغم أنَّ هذا الذنب من الذنوب القلبية، إلا أنَّ الله يعلم بظاهركم وباطنكم، ومنه كتمان الشهادة.
وأيضاً قال تعالى:"وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ"(11).
يقول تعالى: "أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً"(12)
وفي الجملة الأخيرة تهديد لأولئك الّذين يمتنعون عن أداء الشهادة بالحق، يراعون بذلك منفعتهم الشخصية، أو منفعة ذويهم وأصدقائهم، أو يراعون بذلك ثروتهم وغناهم.
لا ينبغي أن تؤثِّر العداوة على الشهادة، فإنَّ العداء مع بعض الأشخاص لا يمنع عن قول الحق، يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"(13)
وبالجملة: فإنَّ المسلم في مقام الإدلاء بالشهادة يجب أن لا يلاحظ إلا الله تعالى كما يقول تعالى: "وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه"(14).
نقض العهد
نقض العهد من الكبائر، وقد استَشْهَدَ الإمام الصادق عليه السلام لاعتبار هذا الذنب من الكبائر بقوله تعالى: "وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ"(15).وفي أكثر من موضع في القرآن الكريم، اعتبر الوفاء بالعهد واجباً، يقول تعالى: "وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً(16)".
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ"(17)
"وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ"(18)
والروايات في قبح نقض العهد كثيرة منها:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الخُلف يوجب المقت عند الله وعند الناس، قال تعالى: "كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون""(19)
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "لا دين لمن لا عهد له".
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "أربعة أسرع شيء عقوبة: رجل أحسنت إليه ويكافئك بالإحسان إليه إساءة. ورجل لا تبغي عليه وهو يبغي عليك، ورجل عاهدته على أمر فمن أمرِك الوفاء به ومن أمرِه الغدر بك. ورجل يصل قرابته ويقطعونه".
نقض العهد على نحوين :
1- نقص العهد مع الله تعالى
إنَّ الله تعالى خلق أرواح البشر في عالم الذر قبل الحياة الدنيا بنحو لديهم ادراك وشعور ولياقة للمخاطبة والمكالمة، وأخذ منهم إقراراً بربوبيته، وعهداً بأن يثبتوا على ذلك ولا يشركوا به ولا ينحرفوا عن رسالات الأنبياء، ولا يتبعوا الشيطان، وعاهدهم الله تعالى في مقابل ذلك بأن يعينهم ويرحمهم ويسكنهم جنته، وإذا لم يفوا بما عاهدوا الله عليه في عالم الذر لم يعطهم ما عاهدهم عليه، إلا أنَّ بعض العلماء أنكر عالم الذر، وأوّل الآيات والروايات في هذا الموضوع بعالم الفطرة، وما أودعه الله تعالى في عقول البشر وألهمه إياهم.
وعلى كل حال فإن نقض العهد الإلهي سواءاً كان ذلك العهد في عالم الذر أو عالم الفطرة هو من الذنوب الكبيرة.
ومن أنواع العهد مع الله تعالى أن يقول مثلاً: عاهدت الله، أو عليّ عهد الله أن أفعل كذا أو أترك كذا، إذا رزقت العافية أو رجعت من السفر سالماً أن أدفع مبلغاً ما للفقير.
فالعهد مع الله إذا تحققت شروطه الموجودة في كتب الفقه يجب الالتزام به وقد ذمّ الله تعالى من ينقض العهد مع الله بقوله: "وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ"(20).
2- معاهدة الناس
فيجب الوفاء بالعهود معهم ويحرم نقضها كما في قوله تعالى: "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً"(21)
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ"(22)، "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ"(23).
وعن الرسول صلى الله عليه وآله: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليفِ إذا وعد"(24).
خلف الوعد من صفات اليهود والمنافقين
وقد ذمّ الله اليهود لإتصافهم بصفة نقض العهود مع الله ومع الناس، يقول تعالى: "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ"(25).نزلت هذه الآية في يهود بني قريظة الذين عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا يعينوا أعداء الإسلام، ثم نقضوا عهدهم في معركة بدر حيث زودوا المشركين بالسلاح، ثم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله: نسينا عهدنا، وعاهدوه مرة ثانية ثم نقضوا عهدهم في معركة الخندق، حيث اتحدوا مع أبي سفيان في حربه ضد رسول الله صلى الله عليه وآله.
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله في صفات المنافق: "ثلاث من كنَّ فيه كان منافقاً وإن صام وصلى وزعم أنهَّ مسلم:
من إذا ائتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف"(26).
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "ثلاثة لم يجعل الله لأحد فيها رخصة: برُّ الوالدين، بَرّين كانا أو فاجرين، والوفاء بالعهد للبِّر والفاجر، وأداء الأمانة للبِّر والفاجر"(27).
إحترام المعاهدة
بعد اقتدار المسلمين وقوة شوكتهم أمر الله تعالى في سورة براءة بجهاد المشركين وتطهير مكة المعظمة من الشرك وعبادة الأصنام لكنّه استثنى أولئك المشركين الذين كان بينهم وبين المسلمين معاهدة.قال سبحانه: "إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ"(28)
والشواهد كثيرة من تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله على مزيد اهتمام النبي صلى الله عليه وآله بالوفاء بالعهد.
من جملة تلك الشواهد ما حدث في صلح الحديبية بينه صلى الله عليه وآله وبين مشركي مكة، والذي يقضي أنَّ من حقِّ قريش أن تقبل من يلجأ إليها من المسلمين ولا يحق للمسلمين أن يقبلوا من يلجأ إليهم من قريش.
يروي أبو رافع: أرسلتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلّما رأيته أشرق في قلبي نور الإسلام فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله: لا أعود إلى قريش.
فقال صلى الله عليه وآله: "إني لا أخالف عهداً عاهدته، ارجع إليهم".
الحيف في الوصية
يقول تعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"(29).الوصية وإن كانت مستحبة، ولكن قد تكون واجبة لأمور طارئة، مثل أن يكون على الإنسان حقوق واجبة للناس أو لله قصّر في أدائها، أو كانت عنده أمانات بحيث لو لم يوصِ احتمل ضياع حقوق الناس، مع مرضه واقتراب الأجل، ففي هذه الصوره تجب الوصية.
النصوص الإسلامية أكدت على ضرورة الوصية، ومنها الآية الكريمة أعلاه، وما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه"(30).
وفي رواية أخرى: "من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية".
العدالة في الوصية
في الروايات الإسلامية تأكيد وافر على عدم الجور وعدم الضرار في الوصية، يستفاد منها جميعاً أن تعدي الحدود الشرعية في الوصية عمل مذموم ومن الكبائر.روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "من عدّل وصيته كان كمن تصدّق بها في حياته ومن جار في وصيته لقي الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة وهو عنه معرض"فحين تكون الوصية عادلة جامعة للشروط الشرعية، فهي محترمة، وكل تبديل وتغيير فيها بعد موت الموصي محظور ومحرَّم، لذلك تقول الآية: "فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ"(31)، ولا يظننَّ المحرِّفون المتلاعبون أنَّ الله غافل عما يفعلون، كلا إنَّ الله سميع عليم.
قصة وعبرة
جاء في سبب نزول الآية: "(وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ".إنَّ ثعلبة بن حاطب الأنصاري المعروف بالزهد والعبادة، جاء يوماً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يشكو من فقره، وسأله أن يدعو الله له أن يمكّنه ويغنيه، ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله نصحه بالانصراف عن حاجته، وأن يصبر على فقره لأنَّ القدرة والتمكُّن تجعله في معرض الخطر، أما إذا قنع بما لديه وشكر على القليل فذلك أفضل من كثير لا يبلغ حق شكره، وقال صلى الله عليه وآله: أقسم بالله لو أردت لصارت الجبال ذهباً وفضّة وتحركت معي بمشيئة الله، لكني أعلم أن عاقبة الفقر خير، وعاقبة الغنى مظنة الشر، فاقتدوا بنبيّكم، إلا أنَّ ثعلبة لم يقبل نصيحة رسول الله صلى الله عليه وآله وفي يوم آخر سأل رسول الله صلى الله عليه وآله ما سأله من قبل وقال: يا رسول الله إني أعاهد الله لئن آتاني مالاً كثيراً لأديت حقوق المستحقين وحفظت معهم صلة الرحم، ولمّا أصرّ على رسول الله صلى الله عليه وآله دعا له الرسول صلى الله عليه وآله وطلب له من الله المُكنة والاستطاعة، فوضع الله البركة في غنمه حتى لم يستطع أن يصلّي الصلوات الخمس مع رسول الله صلى الله عليه وآله فاكتفى بصلاة الصبح والعشاء، حتى وصل أمره من كثرة غنمه أن ضاقت عليه أطراف المدينة فانتقل إلى البادية وبسبب كثرة مشاغله، وبعد مسافته، حُرِم من أداء الصلوات الخمس مع رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يستطع أن يحضر إلى المدينة سوى يوم الجمعة فقط ويصلّي الجمعة فقط مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وأخيراً ارتقى الأمر إلى أن حُرِم من صلاة الجمعة أيضاً.
يوماً ما سأل رسول الله صلى الله عليه وآله عن أحواله ولماذا لا يحضر ثعلبة في الصلاة؟ فقالوا: إنَّ أغنامه كثرت حتى لا يستوعبها الوادي، وذهب إلى الوادي الفلاني وبقي هناك فقال صلى الله عليه وآله: ثلاث مرات "ويل لثعلبة" ولما نزلت آية الزكاة أعطاها رسول الله صلى الله عليه وآله لرجل جهنيّ وآخر من بني سليم وأمر الجهنيّ إذا هو أخذ الزكاة من ثعلبة أن يذهب إلى رجل سليمى ويأخذ الزكاة منه أيضاً، وذهب الاثنان إلى ثعلبة وقرأوا عليه آية الزكاة ورسالة رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كتب فيها شرائط الزكاة، ثم طالبوه بدفع الزكاة، إلا أن حبّه للمال منعه عن دفع الزكاة وقال: ما يطلبه مني محمد صلى الله عليه وآله هو الجزية وأبى أن يدفع الزكاة وطلب منهما أن يذهبا إلى مكان آخر ليفكر هو في الأمر.
ذهب الاثنان إلى ذلك الرجل السليمي وقرءا عليه آية الزكاة ورسالة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: سمعاً وطاعة لأمر الله ورسوله. وذهب إلى إبله فاختار أحسنها وأفضلها وسلمها لهما ليدفعاها لرسول الله صلى الله عليه وآله فقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يأمرنا أن نأخذ أفضل مالك. فقال: حاشا أن أعطي لله ورسوله سوى أفضل أموالي.
أخذاه ثم عادا إلى ثعلبة فأعاد عليهما كلامه الأوّل ولم يعطِ الزكاة، فرجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وعرضا عليه حال ثعلبة، فقال صلى الله عليه وآله: ويل لثعلبة ودعا للسليمي بخير فتعجب أصحابه وأنزل الله تعالى الآيات الثلاث في حق ثعلبة(32).
المصادر :
1- آل عمران:76.
2- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج1، ص308،
3- ن.م، نقلاً عن الكافي.
4- ن.م، نقلاً عن الكافي.
5- ن.م.
6- البقرة:224.
7- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج1، ص320.
8- ن.م، ص321.
9- الحج:30-31.
10- البقرة:284.
11- البقرة:282.
12- النساء:134.
13- المائدة:8.
14- الطلاق:2.
15- الرعد:25.
16- الاسراء:34.
17- المائدة:1.
18- البقرة:177.
19- الصف:3. /الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج1، ص336،
20- التوبة:75.
21- الاسراء:34.
22- البقرة:177.
23- المؤمنون:8.
24- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج1، ص342.
25- الأنفال: 55-56.
26- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج1، ص343.
27- ن.م.، ص343.
28- التوبة:4.
29- البقرة:180-181.
30- وسائل الشيعة، ج13، ص352.
31- وسائل الشيعة، ج13، ص359.
32- الذنوب الكبيرة، دستغيب، ج1، ص341 في الحاشية.
/ج