
عن عبد الرحمن بن غنم الأزدي حين مات معاذ بن جبل و كان أفقه أهل الشام و أشدهم اجتهادا قال مات معاذ بن جبل بالطاعون فشهدته يوم مات و الناس متشاغلون بالطاعون قال و سمعته حين احتضر و ليس معه في البيت غيري و ذلك في زمن خلافة عمر بن الخطاب فسمعته يقول ويل لي ويل لي فقلت له مم قال من موالاتي عتيقا و عمر على خليفة رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)و وصيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقلت إنك لتهجر فقال يا ابن غنم هذا رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)و علي بن أبي طالب (عليه السلام)يقولان أبشر بالنار و أصحابك أليس قلتم إن مات رسول الله زوينا الخلافة عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)فلن تصل إليه فاجتمعت أنا و أبو بكر و عمر و أبو عبيدة و سالم مولى حذيفة قال قلت متى يا معاذ قال في حجة الوداع قلنا نتظاهر على علي (عليه السلام)فلا ينال الخلافة ما حيينا .
فلما قبض رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)قلت لهم أكفيكم قومي الأنصار و اكفوني قريشا ثم دعوت على عهد رسول الله على هذا الذي تعاهدنا عليه بشر بن سعد و أسيد بن حصين فبايعاني على ذلك قلت يا معاذ إنك لتهجر فألصق خده إلى الأرض فما زال يدعو بالويل و الثبور حتى مات فقال ابن غنم ما حدثت بهذا الحديث غير قيس بن هلال أحدا إلا ابنتي امرأة معاذ و رجل آخر فإني فزعت مما رأيت و سمعت من معاذ قال فحججت و لقيت الذي غمض أبا عبيدة و سالما فأخبرني أنه حصل لهما نحو ذلك عند موتهما لم يزد حرفا فيه و لم ينقص حرفا كأنهما قالا مثل ما قال معاذ بن جبل .
قال سليم فحدثت بحديث ابن غنم هذا كله محمد بن أبي بكر فقال لي اكتم علي و أشهد أن أبي قد قال عند موته مثل مقالتهم فقالت عائشة إن أبي يهجر قال و لقيت عبد الله بن عمر في خلافة عثمان و حدثته بما سمعت من أبي عند موته و أخذت عليه العهد و الميثاق ليكتم علي فقال ابن عمر اكتم علي فو الله لقد قال أبي مثل مقالة أبيك ما زاد و لا نقص ثم تداركها ابن عمر بعد و تخوف أن أخبر بذلك علي بن أبي طالب لما علم من حبي له و انقطاعي إليه فقال إنما كان يهجر فأتيت أمير المؤمنين (عليه السلام)فأخبرته بما سمعته من أبي و بما حدثني به ابن عمر.
قال (عليه السلام)قد حدثني بذاك عن أبيك و عن أبيه و عن أبي عبيدة و سالم و عن معاذ من هو أصدق منك و من ابن عمر فقلت و من ذاك يا أمير المؤمنين فقال من حدثني فعرفت من عنى فقلت صدقت إنما ظننت إنسانا حدثك و ما شهد أبي و هو يقول ذلك غيري فقال سليم قلت لابن غنم مات معاذ بالطاعون فبم مات أبو عبيدة قال مات بالدبيلة فلقيت محمد بن أبي بكر فقلت هل شهد موت أبيك غيرك و غير أخيك عبد الرحمن و عائشة و عمر قال لا قلت و سمعوا منه ما سمعت قال سمعوا منه طرفا فبكوا و قالوا هو يهجر فأما كلما سمعت أنا فلا قلت فالذي سمعوا ما هو قال دعا بالويل و الثبور فقال له عمر يا خليفة رسول الله لم تدعو بالويل و الثبور قال هذا رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)و معه علي بن أبي طالب يبشراني بالنار و معه الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة و هو يقول لقد وفيت بها و ظاهرت على ولي الله فأبشر أنت و صاحبك بالنار في أسفل السافلين فلما سمعها عمر خرج و هو يقول إنه ليهجر قال و الله ما أهجر أين تذهب قال كيف لا تهجر و أنت ثاني اثنين إذ هما في الغار قال أ و لم أحدثك أن محمدا و لم يقل رسول الله قال لي و أنا معه في الغار إني أرى سفينة جعفر و أصحابه تعوم في البحر فقلت أرنيها فمسح يده على وجهي و نظرت إليها فأضمرت عند ذلك أنه ساحر و ذكرت ذلك لك بالمدينة فاجتمع رأيي و رأيك على أنه ساحر .
قال عمر يا هؤلاء إن أبا بكر يهذي فاجتنبوه و اكتموا ما تسمعون منه لئلا يشمت بكم أهل هذا البيت ثم خرج هو و أخي و عائشة ليتوصلوا الصلاة فأسمعني من قوله ما لم يسمعوه فقلت له لما انفردت به قل لا إله إلا الله قال لا أقولها و لا أقدر عليها أبدا حتى أرد النار و أدخل التابوت فلما ذكر التابوت ظننته يهجر فقلت أي تابوت قال تابوت من نار مقفل بقفل من النار فيه اثنا عشر رجلا أنا و صاحبي هذا قلت عمر قال نعم و عشرة في جب من جهنم عليه صخرة قلت هل تهذي قال و الله ما أهذي لعن الله ابن صهاك هو أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني فبئس القرين ثم ألصق خده بالأرض فما زال يدعو بالويل و الثبور حتى غلبه النوم .
ثم دخل عمر علي و قال هل حدث بعدنا شيئا فحدثهم فقال عمر يرحم الله خليفة رسول الله اكتم هذا كله هذيان و أنتم أهل بيت يعرف لكم الهذيان في موتكم قالت عائشة صدقت قال لي عمر إياك أن يخرج منك شيء مما سمعته و يشمت به ابن أبي طالب و أهل بيته قال قلت لمحمد من تراه حدث أمير المؤمنين (عليه السلام)عن هؤلاء الخمسة بما قالوا فقال رسول الله إنه يراه كل ليلة في المنام و حدثه إياه في المنام مثل ما حدثه إياه في اليقظة و الحياة و قد قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي في النوم و لا في اليقظة و لا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة .
قال سليم فقلت لمحمد من حدثك بهذا قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقلت و أنا أيضا سمعته منه كما سمعته أنت فلعل ملكا من الملائكة حدثه قال و هل تحدث الملائكة إلا الأنبياء أ و ما تقرأ كتاب الله العزيز وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَ لا نَبِيّ و لا محدث قلت فأمير المؤمنين (عليه السلام)محدث قال نعم و فاطمة (عليه السلام)محدثة و لم تكن نبية و مريم (عليه السلام) محدثة و لم تكن نبية و أم موسى (عليه السلام)محدثة و لم تكن نبية و سارة امرأة إبراهيم (عليه السلام)محدثة قد عاينت الملائكة و لم تكن نبية و بشروها بإسحاق و من وراء إسحاق يعقوب...
قال سليم فلما قتل محمد بن أبي بكر بمصر و نعي عزيت به أمير المؤمنين (عليه السلام)و خلوت به و حدثته بما حدثني به محمد بن أبي بكر و بما حدثني به ابن غنم قال صدق محمد ره أما إنه شهيد حي مرزوق يا سليم إني و أوصيائي أحد عشر رجلا من ولدي أئمة الهدى مهديون محدثون قلت و من هم يا أمير المؤمنين قال ابني الحسن و الحسين ثم ابني هذا و أخذ بيد علي بن الحسين و هو رضيع ثم قال ثمانية من ولده واحد بعد واحد و هم الذين أقسم الله تبارك و تعالى بهم فقال وَ والِد وَ ما وَلَدَ فالوالد رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)و أنا و ما ولد يعني هؤلاء الأحد عشر أوصيائي (عليه السلام)و اللعنة على أعدائهم أبدا الآبدين قلت يا أمير المؤمنين يجتمع إمامان قال لا أحدهما لا ينطق حتى يهلك الأول تم حديث موتهم و الحمد لله وحده و صلى الله على سيدنا محمد و سلم تسليما .
في الفتن عن كتاب سليم بن قيس بعد خطبة لعلي (عليه السلام)استنفر بها القوم و وبخهم على تقاعدهم عن الجهاد قال الأشعث بن قيس فهلا فعلت كما فعل عثمان بن عفان فأجابه و كان مما أجابه أن قال إن هذه الأمة تفترق على ثلاث و سبعين فرقة اثنتان و سبعون في النار و شرها و أبعدها و أبغضها السامرة الذين يقولون لا قتال و كذبوا قد أمر الله بقتال الباغين في كتابه و سنة نبيه و كذلك المارقة فقال ابن قيس و قد غضب من قوله (عليه السلام)فما منعك يا ابن أبي طالب حين بويع فلان و فلان أن تضرب بسيفك فأجابه بما يشبه هذا الكلام أو هو هو فراجع الفتن حتى تطلع على حقيقة الحال .
قال الأشعث يا أمير المؤمنين لم لم تضرب بسيفك و تأخذ بحقك و أنت لم تخطب خطبة إلا و قلت فيها إني لأولى الناس بالناس و لا زلت مظلوما منذ قبض رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك قال علي (عليه السلام)اسمع يا ابن قيس فإنه لم يمنعني من ذلك الجبر و لا كراهية الباري تعالى و إني لأعلم أن ما عند الله تبارك و تعالى خير لي من الدنيا و البقاء فيها و لكن يمنعني من ذلك أمر رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)و نهيه إياي و عهده إلي فقد أخبرني رسول الله ما الأمة صانعة بعده و لم أكن حين عاينته أعلم به و لا أشد استيقانا به مني قبل ذلك بل أنا بقول رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)أشد يقينا مني بما عاينته و شهدته فقلت يا رسول الله و ما تعهد إلي إذا كان ذلك قال إن وجدت أعوانا فانتدب إليهم و جاهدهم و إن لم تجد أعوانا فكف يدك و احقن دمك حتى تجد على إقامة كتاب الله و سنتي أعوانا .
و أخبرني أنه سيخذلني الناس و يبايعون غيري و أخبرني أني منه بمنزلة هارون من موسى و أن الأمة من بعدي سيصيرون بمنزلة هارون و من تبعه و العجل و من تبعه إذ قال له يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلّا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي يعني أن موسى أمره حين استخلفه عليهم إن ضلوا فوجدت أعوانا عليهم فجاهدهم و إن لم تجد أعوانا فكف يدك و احقن دمك و لا تفرق بينهم و إني خشيت أن يقول ذلك أخي رسول الله و يقول لم فرقت بين الأمة و لم ترقب قولي و قد عهدت إليك إن لم تجد أعوانا أن تكف يدك و تحقن دمك و دماء أهل بيتك و شيعتك .
فلما قبض رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)مال الناس إلى أبي بكر فبايعوه و استنصرت الناس فلم ينصروني غير أربعة سلمان و أبو ذر و المقداد و الزبير بن العوام و لم يكن أحد من أهل بيتي أصول به و أتقوى به أما حمزة فقتل يوم أحد و أما جعفر قتل يوم موتة و بقيت في رجلين خائفين ذليلين و هما قريبا عهد بالإسلام عباس و عقيل فأكرهوني و قهروني فقلت كما قال هارون لموسى يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي و لي في هارون أسوة حسنة و لي بقول الرسول المكرم حجة قوية.
قال الأشعث كذلك فعل عثمان لما استغاث و دعا الناس إلى نصرته فلما لم يجد أعوانا كف يده حتى قتل قال ويلك يا ابن قيس إن القوم حين قهروني و استضعفوني و كادوا يقتلوني لو قالوا نقتلك البتة لامتنعت من قتلهم إياي و لو لم أجد أحدا غير نفسي و لكنهم قالوا إن بايعت كففنا عنك و أكرمناك و فضلناك و قدمناك و إن لم تفعل قتلناك فلما لم أجد أعوانا بايعتهم و بيعتي لهم لما لا حق لهم فيه لا توجب لهم حقا و لا يلزمني لهم رضا و لو أن عثمان لما قالوا له اخلعها و إلا نحن قاتلون فكف يده حتى قتلوه و لعمري لخلعه إياها كان خيرا له لأنه أخذها بغير حق فلم يكن له فيها نصيب لأنه ادعى ما ليس له و تناول حق غيره .
يا ابن قيس إن عثمان لا بد و أن يكون أحد رجلين إما أن يكون دعا الناس إلى نصرته فلم ينصروه و إما أن يكون القوم دعوه إلى أن ينصروه فنهاهم عن نصرته فلم يحل له أن ينهى المسلمين عن عبادة الله و يطيعوه بنصرة إمامهم و سيهدي الله الذي لم يحدث به حدثا فبئس ما صنع حيث نهاهم و بئس ما صنعوا حيث أطاعوه و إما أن يكون بلغ من حدته و سوء سيرته ما لم يروه أهلا لنصرته و حكم بخلاف الكتاب و السنة و كان وراءه من أهل بيته و مواليه و أصحابه أكثر من أربعة آلاف فارس ليمتنع بهم و لم ينه أصحابه عن نصرته و لو وجدت أنا يوم بويع أبو بكر بالخلافة أربعين رجلا يطيعونني و ينصرونني لما قعدت عن القتال أما يوم عمر و عثمان فلأنني كنت قد بايعت و مثلي لا ينكث بيعته .
ويلك يا ابن قيس كيف رأيتني صنعت حين قتل عثمان و وجدت أعوانا هل رأيت مني فشلا أو جبنا أو تقصيرا في وقعتي يوم البصرة و هم في جملهم الملعون من معه الملعون من قتل حوله الملعون من نصره الملعون ركبه الملعون من بقي بعده غيره راجع و لا تائب و لا مستغفر قتلوا أنصاري و نكثوا بيعتي و مثلوا بعاملي و بغوا علي فسعيت إليهم باثني عشر ألفا و هم نيف و عشرون ألفا فنصرنا الله عليهم بأيدينا و شفى صدور قوم مؤمنين و كيف رأيت يا ابن قيس وقعتنا بصفين أن الله عز و جل قتل منهم بأيدينا في صعيد واحد خمسين ألفا إلى النار و كيف رأيتنا يوم النهروان لقينا المارقين و هم مستبصرون متدينون قد ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فقتلهم الله في صعيد واحد أربعة آلاف لم يبق منهم عشرة و لم يقتل منا عشرة يا ابن قيس أ رأيت لي لواء ردا و راية و إياي تعير يا ابن قيس و أنا صاحب رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)في جميع مواطنه و مشاهده المتقدم في الشدائد بين يديه لا أفر و لا ألوذ و لا أمنح العدو دبري إنه لا ينبغي لنبي و لا وصي نبي إذا لبس لامة حربه و برز لعدوه أن يرجع أو ينثني حتى يقتل أو يفتح الله له ويلك يا ابن قيس هل سمعت لي بفرار أو نبوة يا قيس أما و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو وجدت أعوانا على مثل بصيرة الأربعة الذين وجدت لما كففت يدي و لناهضت القوم و لكن لم أجد خامسا .
قال الأشعث من كان هؤلاء الأربعة قال سلمان و المقداد و أبو ذر و ابن صفية ثم رجع ابن صفية بعد بيعته لي إياي بعد قتل عثمان أما بيعته التي أتاني فيها مخلوفا فقد وفى بها و هي البيعة الأولى التي بويع فيها عتيق و ذلك أنه أتاني أربعون رجلا من الهاجرين و الأنصار فبايعوني فيهم الزبير أمرتهم أن يصبحوا عند بابي محلقين رءوسهم عليهم بالسلاح فما وفوا و لا أصبحني منهم إلا أربعة و أما الأربعة الأخرى فإنه أتاني هو و صاحبه طلحة بعد قتل عثمان بن عفان طائعين غير مكرهين ثم رجعا عن دينهما مرتدين ناكثين باغيين معاندين خاسرين فقتلهما الله تعالى إلى النار و بئس القرار و أما الثلاثة أبو ذر و المقداد و سلمان فتثبتوا على دين محمد (صلی الله عليه وآله وسلم)و ملته و ملة إبراهيم (عليه السلام)حتى لقوا الله يرحمهم الله تعالى .
فقال الأشعث إن كان الأمر كما تقول لقد هلكت الأمة غيرك و غير شيعتك فقال إن الحق معي كما أقول و ما هلك من الأمة إلا الناصبون المكابرون و الجاحدون المعاندون فأما من تمسك بالتوحيد و الإقرار بمحمد (صلی الله عليه وآله وسلم)و لم يخرج من القبلة و لم يظاهر علينا الظلمة و لم ينصب لنا العداوة و شك في الخلافة و لم يعرف أهلها و ولاتها و لم ينكر لنا ولاية و لم ينصب لنا عداوة فإن ذلك مسلم ضعيف ترجى له الرحمة من ربه و يتخوف عليه ذنوبه قال فلم يبق يومئذ من شيعته أحد إلا تهلل وجهه و فرح بمقالته إذ شرح أمير المؤمنين (عليه السلام)الأمر و باح به و كشف الغطاء و ترك التقية و لم يبق أحد من العرب شاكا أو يكف عنهم و يدع البراءة مهم ورعا إلا استيقن و استبصر و ترك الشك و الوقوف و لم يبق أحد ممن كان حوله مما بايعه على وجه ما بويع عثمان إلا عرف ذلك في وجهه و ترك مقالته ثم استبصر و ذهب شكهم .
قال أبان عن سليم بن قيس فما شهد الناس يوما قط على رءوس العامة كان أقر للأعين من ذلك اليوم لما كشف للناس من الغطاء و ما أظهر فيه من الحق و شرح فيه من الأمور ما ألقي فيه من التقية و الكتمان و كثرت الشيعة من ذلك اليوم و تكملوا و قد كانوا أقل أهل عسكره و سار الناس يقاتلون معه على غير علم بمكانه من الله و من رسوله و صارت الشيعة بعد ذلك اليوم و ذلك المجلس جل الناس أو عظماؤهم و ذلك بعد وقعة النهروان و هو (عليه السلام)كان يأمرهم بالتهيؤ و المسير معه إلى معاوية قال قيس لم يلبث إلا أن قتله ابن ملجم عليه لعائن الله و الملائكة و الناس أجمعين قال و أقبل علي (عليه السلام)على من كان حوله فقال أو ليس قد ظهر لكم رأيي و حملهم علينا أهل البيت من كل جانب و وجه لا يألون به إبعادا و تقاصيا و أخذ حقوقنا أ ليس العجب بحبسه و صاحبه عنا سهم ذي القربى الذي فرض لنا في القرآن و قد علم الله أنهم سيظلموننا و ينزعوه منا قال الله تبارك و تعالى إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ .
ثم العجب لهدمه منزل أخي جعفر و إدخاله في المسجد و لم يعطني منه قليلا و لا كثيرا و لم يعب عليه الناس كأنه يأخذ منزل رجل من الديلم و العجب من جهله و جهل الأمة إذ كتب إلى عماله أن الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يتيمم بالصعيد حتى يجد الماء و إن لم يجده حتى يلقى الله تبارك و تعالى ثم قبل ذلك من الناس و رضوا به و قد علم الناس أن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)قد أمر سلمان و عمارا و أبا ذر أن يتيمموا من الجنابة و قد شهدوا به عنده و شهد غيرهم فما قبل منهم و لا رفع به رأسا .
والعجب لما قد خلط أنصباء مختلفة في الجد بغير علم تعسفا و ظلما و جورا و جهلا و ادعى ما لم يعلم خبره على الله و ادعى أن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)لم يقض للجد شيئا و لم يدع أحدا يعطي الجد من الميراث ثم بايعوه على ذلك و صدقوه و عتق أمهات الأولاد و أخذ الناس بقوله و تركوا أمر الله تبارك و تعالى و أمر رسوله .
و العجب لما صنع بنصر بن الحجاج و بجعدة بن سليمان و ابن زيد و أعجب من ذلك أنه لما أتاه العبدي فقال له إني طلقت امرأتي و أنا غائب فوصل إليها الطلاق ثم راجعتها و هي في عدتها فكتبت إليها فلم يصل إليها كتابي حتى تزوجت فكتب له إن كان هذا الذي تزوج بها قد دخل بها فهي امرأته و إن لم يدخل بها فهي امرأتك فكتب بذلك و أنا شاهد لم يشاورني و لم يسألني يرى استغناءه بجهله فأردت أن أنهاه ثم قلت ما أبالي أن يفضحه الله تعالى ثم لم يعبه الناس بذلك و استحسنوا قوله و اتخذوه سنة و رأوه صوابا فقضى في ذلك قضاء لو قضى به مجنون لعيب عليه و قضية المفقود زوجها أجلها أربع سنين ثم تزوج فإن جاء زوجها خير بين امرأته و بين الصداق ثم استحسنه الناس و اتخذوه سنة قبلوا منه جهالته بكتاب الله جل جلاله و قلة بصيرة لسنة رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)و إخراجه كل أعجمي من المدينة و إرساله إلى عماله بحبل طوله خمسة أشبار و أمرهم في من بلغ من الأعاجم و كان في الطول مثله أن تضرب عنقه و رده سبايا المشركين حبالى و قبله الناس .
و أعجب منه أن كذابا رجم بكذبه ما قبله كل جاهل و زعموا أن الملك ينطق على لسانه و يلقنه و اعتقاقه سبايا أهل اليمن و تخلفه و صاحبه عن جيش أسامة و تسليمه عليه بالإمرة ثم أعجب من ذلك أنه قد علم و علم الذين معه و حوله أنه الذي صدق رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)بذلك قال (عليه السلام)و أنه الذي قال مثل محمد في قومه كنخلة نبتت في كناسة ثم قال كما قال صاحبه الحمد لله الذي كفانا قتل الرجل حين أمرهما رسول الله بقتله فلم يقتلاه و تركا أمر رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)في ذلك فغضب رسول الله من ردهما أمره و أمرني بعد ما رجعا أن أقتله فقال رسول الله في ذلك ما قال و أمر رسول الله صاحبه أن ينادي في الناس أنه من مات دخل الجنة من موحد لم يشرك بالله شيئا و رد طاعة الله و طاعة رسوله لم ينفذ أمره حتى قال رسول الله في ذلك ما قال و مساوئه و مساوئ صاحبه أكثر من أن تحصى أو تعد و لم ينقصهما ذلك عند الجهلة بل هما أحب إلى الناس من أنفسهم و أنهم ليغضبون لهما ما لا يغضبون لرسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)و يتورعون عن ذكرهما بسوء ما لا يتورعون عن ذكر رسول الله .
قيل أقبل ذات يوم رجل حسن الهيئة فسلم على أمير المؤمنين (عليه السلام)و جلس و قال يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل إن أجبتني علمت أن القوم تركوا من أمرك ما قضى الله عليهم و أنهم ليسوا بمأمونين في دنياهم و لا في آخرتهم و إن كانت الأخرى علمت أنك و هم شرع سواء فقال أمير المؤمنين و إمام الموحدين (عليه السلام)سلني عما بدا لك فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه و عن الرجل كيف يذكر و ينسى و عن الرجل كيف يشبه الأعمام و الأخوال .
فالتفت أمير المؤمنين إلى ولده الإمام الممتحن أبي محمد الحسن (عليه السلام)فقال يا أبا محمد أجبه فقال (عليه السلام)أما ما ذكرت من أمر الرجل ينام أين تذهب روحه فإن روحه متعلقة بالريح و الريح متعلقة بالهواء إلى وقت ما يتحرك صاحبها لليقظة فإن أذن الله عز و جل برد الروح جذبت تلك الروح الريح و جذبت الريح الهواء فرجعت الروح و سكنت في بدن صاحبها و إن لم يأذن الله عز و جل برد الروح جذب الهواء الريح و جذبت الرياح تلك الروح فلم ترد على صاحبها .
و أما ما ذكرت من أمر الذكر و النسيان فإن قلب الرجل في حق و على الحق طبق فإن صلى عند ذلك على محمد و آل محمد صلاة تامة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق فأضاء القلب و ذكر الرجل ما كان نسي و إن هو لم يصل أو نقص من الصلاة عليهم انطبق ذلك الطبق على ذلك الحق فأظلم القلب و نسي الرجل ما كان ذكره .
و أما ما سألته في أمر المولود الذي يشبه أعمامه و أخواله فإن الرجل إذ أتى أهله و جامعها بقلب ساكن و عروق هادئة و بدن غير مضطرب سكنت النطفة في جوف الرحم فخرج المولود يشبه أباه و إن أتاها بقلب غير ساكن اضطربت النطفة فوقفت على بعض العروق فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه و إن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله .
فقال الرجل عند ذلك السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته ثم قام فمضى فقال أمير المؤمنين (عليه السلام)لولده فانظره أين يقصد فخرج في أثره فما كان إلا أن وضع رجله خارج المسجد فما علمت أين أخذ من أرض الله عز و جل فأعلمت أمير المؤمنين (عليه السلام)فقال لي يا أبا محمد أ تعرفه قلت الله و رسوله و أمير المؤمنين أعلم فقال (عليه السلام)إنه هو الخضر (عليه السلام)
المصدر :
ارشاد القلوب /الجزء الثاني ص 392 - 402
الشیخ ابو محمد الحسن بن محمد الدیلمی
/ج