مطلب جليل، وهدف عظيم ، الكل يسعى لبلوغه والوصول إليه، وإذا فقده شعر بالألم الشديد، والحزن العميق.
إنها السعادة أيها المسلمون، الكل يسعى إلى بلوغها، والوصول إليها، إلا أنهم يختلفون في مفهومها، والطريق إليها.
فمن الناس من يرى السعادة في الاستكثار من المال، فسعادته في نمائه وازدياده، وشقاوته في نقصه وانخفاضه.
لقد ارتبطت سعادته بالأرقام المالية في صعودها، وارتبطت تعاسته بها في انخفاضها وهبوطها.
فيوم عيده حين تزدهر تجارته، وتروج بضاعته، ويوم تعاسته حين تكسُد بضاعته، ويضعف رواج تجارته.
لقد اختصر الحياة كلَّها بما فيها من المتغيِّرات الكثيرة : في الأرقام المالية، فلا يعنيه شيء في الحياة إلا ما كان متصلاً بأمواله ومصالحه المالية الخاصة.
فإذا اهتزت الأسواق المالية، واضطربت الأسعار: اهتز كيانه، واضطربت أركانه، وربما مرض أو هلك.
إن المال بكل ما يحمله من الأهمية والحيوية: لا يعدو أن يكون وسيلة من وسائل المؤمنين إلى مرضاة رب العالمين.
إن المؤمن يجمع المال من حلال فيثاب على ذلك، وينفق على نفسه وولده وأهله فيثاب على ذلك، ويهدي ويتصدق فيثاب على ذلك.
والنبي صلى الله عليه وسلم
يقول: « نِعْمَ المالُ الصالح للرجل الصالح ».
كم هي نعمة أن تكون الأموال الصالحة في أيدي الصالحين من أبناء المجتمع.
يتاجرون في الحلال، فيقيمون المشاريع الاستثمارية، وينشئون المنشآت التجارية، ويؤسسون للمصانع الإنتاجية.
فينتفع المجتمع بمشاريعهم، فيحصل بها الاكتفاء الذاتي، والتنمية المحلية، ويجد الشباب فيها فرصاً للعمل.
وكم هي نقمة على المجتمع حينما تكون الأموال في أيدي الفاسدين من أبناء المجتمع، فلا يزكُّون ولا يتصدَّقون، ولا يشبعون ولا يكتفون.
يتعاملون بالربا، ويقامرون بالأموال، ويتَّجرون في الحرام ، ويهربون بأموالهم بعيداً عن أوطانهم، ينتفع بها الكفار والفجار.
وإذا استثمروا في البلاد : استثمروا في مشاريع ترفيهية أو استهلاكية ، لا تبني الاقتصاد، ولا تنفع المواطن.
لقد عشعش حب المال في قلوبهم، لا يبالي أحدهم من أين اكتسبه، من حلال أو من حرام، فلا يكاد يشبع من حبِّه وجمعه.
إن الإسلام لا يحرم جمع المال واستثماره، بل هذا من فروض الكفايــة؛ إذ لا بد للمجتمع من تجار ومستثمرين ينهضون بحاجات المجتمع.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : « التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء ».
ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: « أفضل الكسب: بيع مبرور، وعمل الرجل بيده».
وإنما الممنوع هو الاتجار في الحرام، والاستثمار في غير الحلال، حين يظن بعض الناس : أن الرزق يفوت إذا لم يأخذه من حرام.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: « أيها الناس : اتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ؛ فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حلَّ ، ودعوا ما حرُمَ ».
ويقول أيضاً : « إن روح القدُس نفث في روعي فأنَّ نفساً لن تموت حتى تستكمــل أجلهــا، وتستوعب رزقها، فاتقــوا الله فأجملــوا في الطلب، ولا يحملنَّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية؛ فإن الله تعالى لا يُنالُ ما عنده إلا بطاعته ».
ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: « لكل بشر رزقه من الدنيا هو يأتيه لا محالة، فمن رضيَ به بورك له فيه ووسعه، ومن لم يرضه لم يبارك له فيه ولم يسعه ».
فاتقوا الله أيها الناس، واحرصوا على الحلال، وإياكم والحرام.
اللهم رضِّنا بما رزقتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك يا أرحم الراحمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ)(1)
إن للسعادة ركنين : الأول : الإيمان بالله تعالى ، والثاني : العمل الصالح، كما قال تعالى: " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ".(2)
لقد هاجر أصحاب النبي من مكة إلى المدينة لا يملكون شيئاً إلا ما يستر عوراتهم، لقد جرَّدهم أهل مكة من كل أملاكهم.
ومكث بعضهم بعد الهجرة حتى مات لم ينل من زهرة الدنيا شيئاً، يموت أحدهم وحاجته في نفسه لم يحقق منها شيئاً.
لقد مات مصعب بن عمير رضي الله عنه ، وقد كان من أغنياء مكة، فلم يجدوا ما يكفِّنونه به، إلا شملة قصيرة، إذا غطوا بها رأسه انكشفت رجلاه، وإذا غطوا بها رجلاه انكشف رأسه.
ومع كلِّ هذا الفقر فقد كانت سعادتهم في قلوبهم، بساتينهم في صدورهم، لا يعرف طعمها إلا الأتقياء.
لقد أنِستَ قلوبهم بالله، فلم يعد شيء من هذه الدنيا يؤثر فيها، لقد ذاقوا أطيب ما في هذه الحياة الدنيا : محبة الله تعالى والأنس بذكره.
فضل الصدقة وثوابها
من حكمة الله تعالى في خلقة أن وزَّع بينهم الأموال، فوسَّع على بعضهم وضيَّق على بعضهم، يختبرهم فيما آتاهم ، ويبتليهم بما حرمهم.فابتلى الغني بما آتاه من المال : أينفق أم يبخل، وابتلى الفقير بقلة ذات اليد: أيرضى ويصبر، أم يغضب ويضجر ؟
وقد امتدح الله المنفقين في سبيله فقال: " الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ " .(3)
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « إن الله كريم يحب الكرم ».
وقال صلى الله عليه وسلم : «إن الله جوادٌ يحب الجودَ، ويحب معاليَ الأخلاق، ويكره سَفْسَافها ».
وقال أيضاً: « الساعي على الأرملة والمسكين ، كالمجاهد في سبيل الله ، أو القائم الليل الصائم النهار ».
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحقوق : « من أنظر معسراً ، أو وضع عنه: أظلَّه الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ».
وقال صلى الله عليه وسلم في شأن بذل الكسوة والطعام والشراب: « أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عُري، كساه الله تعالى من خُضْر الجنة، وأيما مسلمٍ أطعم مسلماً على جوع، أطعمه الله تعالى يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلماً على ظمأٍ ، سقاه الله تعالى يوم القيامة من الرحيق المختوم ».
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً : « إن في الجنة غرفاً يُرَى ظاهرها من باطنها، وباطنُها من ظاهرها، أعدَّها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام ».
ولما سئل صلى الله عليه وسلم : « أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ».
وقد وعد الله تعالى المنفقين بالخلف وعظيم الأجر، فقال: " مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ".(4)
ويقول أيضاً سبحانه وتعالى : " وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ".
وفي الحديث القدسي : قال الله تعالى : « يا عبدي أنفق أُنفِق عليك » .
وقد حذر الله تعالى من البخل والشح فقال : " وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ".
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما : اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً».
أيها المسلمون : لما كان الكرم من الأخلاق المحبوبة إلى الله تعالى، التزم به الفضلاء والأولياء، حتى خالط نفوسهم وأرواحهم، وفي مقابل ذلك هجروا البخل والشُّح، وتخلَّصوا منهما، حتى إن أحدهم ليكرم المحتاج بثوبه الذي يلي جسده ولا يجد غيره ، ولا يرضى أن يتصف مرَّة واحدة بالبخل.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله أحدهم بردةً كانت عليه، فيدفعها إليه دون تردد، ويقول لبلال: « أنفق بلالاً، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً».
وهذا أبو الأنبياء إبراهيم صلى الله عليه وسلم سُمِّي بأبي الضيفان لعظيم كرمه، وإحسانه لمن يدخل عليه.
وهذا أبو بَكْر رضي الله عنه لا يدَّخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، أنفق ماله كلَّه، وأعتق المضطهدين، وستر المساكين، وأطعم الجائعين.
وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه لا يترك باباً للنفقة إلا ولجه، في السلاح والطعام والدواب والماء، حتى وجبت له الجنة والمغفرة.
وهذا جعفر بن أبي طَالِب رضي الله عنهما من كثرة نفقته وحبه للصدقة سُمِّي : أبا المساكين.
وهذا ابن عمر رضي الله عنهما ما مات حتى أعتق ألف مملوك، وكان إذا أعجبه شيء من ماله تصدق به، يتمثل قوله تعالى: " لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ".(5)
وهذا الحسن بن علي رضي الله عنهما ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُعطي الرجل الواحد مائة ألف درهم.
ولما سُئل : من الجَواد ؟ قال : « الذي لو كانت الدنيا له فأنفقها لرأى على نفسه بعد ذلك حقوقاً ».
أيها المسلمون : يقول الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ".(6)
إن الله لا يقبل صدقة إلا من كسب طيب، فإذا كانت كذلك وقعت في يمين الرحمن ، فتربو في يده سبحانه حتى تكون أعظم من الجبل.
وإن من القبيــح أن يتوجَّه الرجــل إلى الرديء من ماله، أو الخبيث من ممتلكاته: فيتصدق به ؛ فإن الله غني عن مثل هذا.
كما أن من القبيح أن يمنَّ بصدقته على المسكين، ويظن أن له عليه فضلاً، فإن الفضل لله وحده.
إن المسلمين اليوم في حاجة مُلِحَّة للصدقة والنفقات، فكم هو جميل أن يتعاون المسلمون فيما بينهم، كل حسب استطاعته.
وإن من المُسَلَّمِ به أن المسلمين لو أخرجوا من أموالهم الواجب عليهم لانتهت أزمة المسلمين الاقتصادية في العالم ، إلا أن الواقع ينبئ بغير هذا .
لقد غلب الشح على الأكثرين ، فبخلوا بالواجب من النفقات وأمسكوا عن المفروض من الزكوات : فوقع المحتاجون من المسلمين في حرج شديد.
الأسباب الحقيقية للأزمات الاقتصادية
منذ أول الدهر ارتبطت أوضاع الناس الطيبة والسيئة بأعمالهم الصالحة والفاسدة .فبقدر ما تكون أعمال العباد حسنة : تكون أحوالهم طيبة، وبقدر ما تكون أعمالهم قبيحة: تكون أحوالهم سيئة.
فالرابطة في غاية القوة بين صلاح الأعمال وصلاح الأحوال، وبين فساد الأعمال وفساد الأحوال.
حتى إن الأعمال الصالحة تكون سبباً في ازدهار الحياة، وكثرة الخيرات، وظهور البركات، وسعة الأرزاق.
وفي الجانب الآخر : فإن الأعمال السيئة تكون سبباً في ضيق العيش، وقلَّة الخيرات، وفساد الأحوال.
وهذا التاريخ الإنساني شاهد على أقوام شكروا الله تعالى ، وأقاموا دينهم، وأطاعوا ربهم: فازدهرت أحوالهم.
- كما شهد التاريخ على آخرين، فرَّطوا في حق الله تعالى، وخالفوا رسله: فأذاقهم الله بأسه الذي لا يُرد عن القوم المجرمين.
" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِما كَانُواْ يَكْسِبُونَ ".(7)
أيها الإخوة : لقد أقام الله الحياة الإنسانية على سنن ثابتة لا تتخلَّف، من عمل بها وصل إلى نتيجتها حتماً.
فمن سننه الثابتة التي لا تتخلَّف : أن من عمل بطاعته: سَعِدَ في الدنيا والآخرة ، حتى وإن كان في ضيق من العيش.
ومن عمل بغير طاعته : تعس في الدنيا والآخرة، حتى وإن كان في سعة من العيش، وبحبوحة من الرزق.
لقد مرَّ على الحياة أناس قاموا بحق الله : فشرح الله صدورهم، وملأ بالرضا قلوبهم، رغم ضيق العيش، وشدة المؤونة.
وكم من أناس خالفوا أمر الله، وفرطوا في دينهم: فضاقت عليهم نفوسهم، وتكدَّر عيشهم، رغم سعة أرزاقهم ، وكثرة أموالهم.
إن الغنى في الحقيقة هو غنى القلوب، حين يملؤها الله بالرضا، والفقر-في الحقيقة- هو فقر القلوب، حين تُملأ باليأس والضجر.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربط الحجر على بطنه من الجوع، وهو أسعدُ الناس نفساً، وأشرحُهم صدراً، وأزكاهم روحاً.
لقد كان أبو هريرة رضي الله عنه يسقط صريعاً من شدة الجوع، ومع ذلك لا يسأل أحداً شيئاً، لقد ملأ الله قلبه بالإيمان، ونفسه بالرضا.
أيها الإخوة : يشكو الناس من ارتفاع الأسعار، وضيق الأرزاق، وكثرة التكاليف، وقلَّة الموارد.
ولا شك أن هذا وضع مؤلم، يُعاني المجتمع من قسوته وشدَّته، فإن أحدهم قد لا يجد مؤونة شهر، حتى يضطر إلى الدَّين.
بل إن بعضهم قد لا يجد ما يكفيه لأسبوع واحد، بل ربما لا يجد بعضهم قوت يومه وليلته في ظل هذه الظروف الاقتصادية القاسية.
إن هذه الأزمة الاقتصادية الحادة التي أصابت الناس: لها أسباب ظاهرة، وأسباب أخرى باطنة.
فأما الأسباب الظاهرة فهي ما يتناقله الناس ويعبِّرون عنه من: انخفاض العملة، وارتفاع أسعار النفط، وجشع التجار ونحوها.
وأما الأسباب الباطنة ، التي يغفل عنها كثير من الناس وربما استنكرها، وهي – في الحقيقة- الأساس وراء كلِّ أزمة ومشكلة : إنما هي المعصية.
حينما يجاهر بها الناس في المجتمع، ولا يجدون من ينكر عليهم، ويأخذ على أيديهم، فهؤلاء يصبحون شؤماً على المجتمع.
يستجلبون بمنكراتهم غضب الله تعالى وسخطه، فيأخذ الله الجميع بذنب الخاصة منهم حين سكتوا ، ورضوا بأفعالهم.
فلننظر في أنفسنا، ولنتساءل : كم هو حجم التقصير الذي وقعنا فيه في جنب الله تعالى؟
كم هي المعاصي التي اعتدنا عليها، وأصبحت جزءاً من حياتنا، لا نستنكرها ولا نستقبحها؟!
إن الصلاة والصيام والحج طاعة من بين الطاعات الكثيرة التي أمرنا الله تعالى بالقيام بها.
فالدين الذي ألزمنا اللهُ به ليس مجردَ صلاة وصيام وحج فقط، بل هو منهج الحياة بأكملها، في جزئياتها وكلياتها.
لقد كلَّفنا الله القيام بدين ينتظم الدنيا كلَّها، لا يغيب عن ذلك شيء: " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ".
إنه الدين الشامل الذي أمرنا الله بالدخول فيه، والصِّبغةُ الربانية التي أمرنا أن نصبغَ بها حياتنا.
فما قيمة الشعائر التعبدية إذا كانت الحياة تقوم على غير منهج الله؟ فإما أن يكون الدين كلُّه لله، أو يكون لغير الله ؛ فإن هذا الدين لا يقبل الشركة.
لنعودَ إلى أنفسنا، ونتلمَّس الخلل الذي كان وراء أزماتنا الاقتصادية، لننظر في تفريطنا وتقصيرنا ، هذا خير لنا من كثير الكلام ، وخير لنا من إلقاء اللوم على الآخرين.
إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يقع فيه، وكذلك المجتمع إن تواطأ الناس على معصية وجاهروا بها: حُرموا جميعاً الرزق ، وأتاهم من شدة المؤونة ما يقلقهم.
ومن ظنَّ من الناس أنه لا علاقة للمعصية بالأزمات الاقتصادية، فقد جانب الصواب، وضلَّ الطريق.
اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، ونتبرَّأ من حولنا وقوتنا، فأنت الرزاق ذو القوة المتين.
اللهم وسِّع أرزاقنا، ورخِّص أسعارنا، وبارك لنا فيما رزقتنا يا رب العالمين.
المصادر:
1- سورة محمد : 12
2- النساء : 124
3- البقرة : 3
4- البقرة : 261
5- آل عمران : 92
6- البقرة : 267 ، 268
7- الاعراف : 96
/ج