الزکاة

تسعى الأمَمُ قاطبةً نحوَ التنميةِ الاقتصاديةِ الشاملةِ, وتُقدِّمُ في سبيل تحقيقها جهوداً كبيرة رغبةً في الاكتفاء الذاتي, والبلوغِ بالمواطنِ درجةً عاليةً من الرفاهيةِ الاقتصاديةِ, والوفرةِ المالية.
Sunday, January 3, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
موارد بیشتر برای شما
الزکاة
 الزکاة

 






 

تسعى الأمَمُ قاطبةً نحوَ التنميةِ الاقتصاديةِ الشاملةِ, وتُقدِّمُ في سبيل تحقيقها جهوداً كبيرة رغبةً في الاكتفاء الذاتي, والبلوغِ بالمواطنِ درجةً عاليةً من الرفاهيةِ الاقتصاديةِ, والوفرةِ المالية.
وعلى الرغم من الجهودِ المضنيةِ التي تُقدِّمها الأممُ والشعوبُ لتحقيق هذه الرفاهية والوفرة فإنَّ درجاتٍ كبيرةً من الإخفاق قد لحقت بهذه الجهود, إلا في دولٍ معـدودةٍ في هذا العالم, فما زالت دولٌ كثــيرةٌ ولا سيما فيما يُسمَّى بالعالم الثالث, ترزحُ تحت ثالوث الفقرِ والمرضِ والجهلِ, لم يتحقَّق من آمالها وأهدافها الاقتصادية شيء يُذكر, تنتقل من تخلُّفٍ إلى تخلف, ومن أزمة إلى أزمة, قد تبدَّدت أحلامُ شعوبها, وضاعت آمالُها ضمن أمانيَّ من الدعايةِ الفارغةِ, والوعودِ الكاذبةِ.
إنَّ جماعاتٍ كاملةً من خلق الله, تعيش اليوم في فقر مُدقع, قد يصل عددهم إلى نصفِ سكانِ العالمِ, لا يجدون من رديء الطعامِ ما يسدُ جوْعَتَهم, ولا يجدونَ من عَكَرِ الماءِ ما يروي ظمأهم, فضلاً عن أن يجدوا المسكنَ المريحَ, والمركبَ الهنيءَ, والتعليمَ المناسبَ, والعلاجَ المفيدَ.
لقد أثبت الواقع المعاصر إخفاقَ نماذجِ التنميةِ الاقتصاديةِ التي ينصَحُ بها المستشارونَ في الصناديق والبنوك الدولية, فلم تزدْ هذه الاستشاراتُ والنصائحُ الدولَ الناميةَ إلا تخلفاً وتعثراً.
إنَّ صراعَ التسابقِ الاقتصادي, والتنافسِ المحمومِ بين الدول المتقدمة على مواقع النفوذ التجاري, والسعي نحو السيطرةِ على الأسواق العالمية والإقليمية والمحلية, كلُّ ذلكَ لا يسمحُ لهذه الدول المتنفِّذة بمزيد منافسين لهم من الدول النامية, المتطلِّعة نحو التنمية الاقتصادية, إنَّ مصلحتَهُم الاقتصاديةَ أن يبقى الفقير فقيراً, والمعْدِمُ معْدِماً, لا يشكِّلُ خطراً على مصالحِهِم الاقتصادية.
أيُّ مصلحة تتحققُ للدول الكبيرة حين تنجحُ الدولُ الناميةُ في تحقيق درجات عالية من الاكتفاء الذاتي, والتنمية الشاملة؟ أين سوفَ تجدُ الدولُ الكبيرةُ أسواقاً لمنتجاتها الاستهلاكية حين تُغلق أسواق الدول النامية لاكتفائها الذاتي؟
إنَّ الوجهةَ العالميةَ في ظل العولمةِ الاقتصادية تتوجَّهُ بقوةٍ إلى انقسام العالم إلى قسمين, قسمٌ أغنياءُ مُنتجون, وقسمٌ فقراءُ مُستهلكون.
لقد أثبتت التجاربُ أنَّ التنميةَ الاقتصاديةَ لا تأتي من الخارج, وإنَّما هي إرادةٌ صادقةٌ من أعماق الشعب نحو التحرر من التخلف, والرغبة الأكيدة في التقدم والازدهار, إنها انطلاقةٌ من الداخل نحو الانفلاتِ من ربقَة التخلُّف والتبعيَّةِ, نحو آفاقِ العلمِ والمعرفةِ, إنَّ التنميةَ انطلاقةٌ واعيةٌ نحو حُسْنِ التعاملِ مع سنن الله تعالى التي بثَّها في الكون, والتوجُّه ببصيرةٍ نحو الاستفادة من الكنوز التي ادَّخرها اللهُ للمؤمنين, وليست التنميةُ تقليداً للآخرين, أو مجاملة للكافرين, رغبةً في جلبِ استثماراتهم الاقتصادية.
إنَّ الاستثماراتِ الأجنبية التي تُقام في بلاد المسلمين غارقةٌ في المحرمات, ملوثةٌ بالموبقات, وأنَّى للمالِ الغربي أن ينجوَ من الربا, والخمرِ, والاحتكارِ, والدعايةِ الممنوعة, لقد درجَ الاستثمارُ الغربي وتعوَّد على أن يلتقطَ رزقَهُ ملوثاً بالحرام, والمؤمنُ يأبى القرشَ الحرامَ أن يخالطَ ماله.
نعم قد يُحقِّقُ الاستثمارُ الأجنبيُّ شيئاً من المصلحة الاقتصادية, ولكن كم هو حجم المفسدة الإيمانيةِ والأخلاقيةِ منه؟ إن توافق المسلمين الفكري والأخلاقي مع الغرب في أنشطتِهِ المختلفةِ أمرٌ يكاد يكون مستحيلاً, إلا في حالةٍ واحدة حين يذوبُ أحدُهُما في الآخر, فلا يبقى لأحدِهِما ما يتميَّزُ به عن الآخر, وهذا وضعٌ لا يرضاهُ المؤمنُ, ولا يتقبَّلُهُ الكافر.
لئن جازَ لأمَّةٍ من الأمم أن تنطلقَ بتنميتها في غير الاتجاه الصحيح, فإنَّ هذا لا يجوز للأمةِ المسلمةِ التي تحمل الهدى والنور, وتعرفُ بالتحديدِ الاتجاهَ الصحيحَ للتنميةِ الذي وضَعَهُ اللهُ لها.
إنَّ الطبيعةَ المسخَّرة بإذن الله تعالى لن تبخلَ بكنوزها على الأمَّةِ المسلمةِ بعد أن أكرمت بها الأممَ الجاهلية, أَمِنَ المعقول أن يُكرمَ اللهُ أهلَ الكفر والشركِ، ويفتحَ عليهم كنوز الأرض, ثم هو بعد ذلك يحرِمُ أهلَ الإيمان والتوحيد من بركات الأرض؟ إن هذا لا يكونُ إلا حينَ يفرِّطُ المسلمونَ في تمسُّكِهِم بدينهم, ويخطِئون الطريقَ الصحيحَ للتنميةِ الاقتصاديةِ, فعندها لابد من العقوبةِ بشيءٍ من الجوعِ ونقصِ الثمارِ, لعلهم يستيقظونَ من غفلتهم, ويعودونَ إلى ربهم. َ
إنَّ كنوزَ الأرضِ وخيراتِهَا بيد الله تعالى وحده, يُؤتيها من يشاء, وإنما يُستجلبُ رزقُهُ وفضلُهُ بطاعته, وتنفيذ أوامره, وليس بمعصيته, ومخالفة أمره وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )(1) ، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ )(2).

نظام الزكاة في لإسلام

لقد نظم الإسلام حياة الناس في كلِّ جانب من جوانبها، بحيث تشمل كلَّ جزيئة من جزيئات الحياة.
ومما شمله الإسلام بنظامه المحكم: المال وكيف يُكسب، وكيف يُنفق، وشروط استثماره.
ولما كان المال صُلب الحياة، وأساسَ عمارة الأرض: تأصَّل حبُّهُ في النفوس، واستحكم في القلوب.
ولما كانت النفوس مجبولة على حبِّ المال ، والاستكثار منه : كان حرصها على جمعه وكنزه كبيراً، فتفوت الضعفاء حاجتهم من هذا المال، ويكون حكراً على الأغنياء.
ومن هنا شرع الإسلام نظام الزكاة: تطهيراً للمال ولأصحابه من جهة، وسداً لحاجات المساكين والمحتاجين من جهة أخرى.
وجعل الشارع الحكيم الزكاة ركناً من أركان الإسلام، يكفر جاحده، وألزم السلطان جمعها والإشراف عليها بقوة ما آتاه الله من السلطان.
ولهذا لما بخل بها بعض الناس في زمن أبي بكر رضي الله عنه حاربهم حرباً لا هوادة فيها، فكانت أوَّلُ حرب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لصالح الفقراء والمساكين ضدَّ مانعي الزكاة.
وهدَّد المولى عز وجل مانعي الزكاة في زمن ضــعف السلاطين أو إهمالهم فقال تعالى( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُـمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ )(3) .
وقد أرصد الله تعالى لمانعـي الزكاة يوم القيامة شجاعاً أقرع (ثعبان) لا يتركه في عرصات يوم القيامة .
وقد توَّعد المولى مانعي الزكاة من أهل السائمة بأن يُؤتى به في ساحة من الأرض ، فتدوسه بخفافها وأظلافها طَوال ذلك اليوم، حتى يُقضى بين الخلائق، ثم يرى سبيله إلى جنة أو نار.
وفي الجانب الآخر فقد وعد المولى عز وجل المخرجين للزكاة بالثواب، وطهارة أموالهم ، وحفظها من التلف, وذهاب شرِّ نفوسهم, فمن أدَّى زكاة ماله فقد ذهب عنه شرُّه, وقد وعدهم بالخلف فما نقص مال من صدقة, والله عز وجل يقبل الصدقة وإن كانت قليلة، ويربيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل.
وقد كان الصحابة يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم في الإنفاق، فقد كان عليه السلام لا يقول لأحد : لا, وكانوا على منهجه فهذا عثمان, وهذا عبد الرحمن بن عوف, وهذه عائشة, وهذه زينب بنت جحش رضي الله عنهم ، أنفقوا النفقات العظيمة، حتى إن بعضهم كان لا يترك لنفسه شيئاً.
ما أحوجنا في هذا العصر إلى نظام الزكاة, فالأمة المسلمة اليوم تضمُّ أفقر أهل الأرض، وأكثرهم حاجة وعوزاً.
لو أخرج الناس زكاة أموالهم لما بقي فقير, ولكن جُبلت النفوس على البخل, وضعُف السلطان عن إلزام الناس بالزكاة.
تصدقوا أيها المسلمون فإن « في الجنة غرفاً يُرى ظاهرُها من باطنها، وباطنها من ظاهرها أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام ، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام «.
واعلموا أنه سوف يأتي على الناس زمان يخرج أحدهم بصدقته فلا يجد أحداً يقبلها.
أيها المسلمون : للزكاة آداب لابد أن يراعيها المُخرج للزكاة ومنها:
أن يخرجها طيبةً بها نفسه, فلا تتبعها نفسه.
ويخرجها من أفضل ماله أو أوسطه, ولا يخرجها من رديء ماله.
أن يتحرى بها أهلها ، فلا يُوقعها عند غيرهم, والأفضل أن تكون في الأقارب المحتاجين ، فإنها صدقة وصلة.
لا يمنُّ بها على المسكين, فهو أحوجُ لثواب صدقته من المسكين إلى هذا المال.
أن لا يستكثرها, بل يشعر بأنه إنما أخرج القليل.
لابد أن يعتقد بوجوبها عليه, وأنه إنما يُخرج فرضاً لا فضل له فيه.
أن يعتقد أن المال مال الله, لا فضل له فيه, وإنما هو مُستخلف فيه.
أن يختار أهل التعفف والصلاح والعلم، ولا يحابي بها ويرائي.
أن يخرجها سراً ، إلا أن يكون في الجهر مصلحة.
كلمة للمتسولين فإن السؤال لا يجوز إلا عن حاجة وضرورة, وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على عدم السؤال.
المسألة خدوش في الوجه يوم القيامة، فليستكثر السائل أو يقل. وليتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: « اليد العليا خير من اليد السفلى «.

قصة واقعية

كان شخص مسكين – فيما يظهر للناس- ليس له أقارب، وكان الناس يتصدَّقون عليه ، وكان يأخذ أيضاً من الضمان الاجتماعي، ثم مات الرجل، ففتحوا بيته، فإذا بأكياس وعلب كثيرة قد مُلئت بالنقود، من عملات مختلفة ، قديمة وحديثة، تصل إلى مئات الألوف.
الذي يسأل الناس فقد عرف الطريق, فلا خوف عليه ، ولن يموت جوعاً، ولكن المشكلة في المتعفف، الذي لا يسأل الناس، ولا يتفطَّنون له فيُعطونه، فعن هؤلاء ابحثوا ونقِّبوا.

التنمية الإقتصادية المشكلة والحل

إن الناظر في واقع الأمة الاقتصادي يجده في تراجع مستمر, وتخلُّف شامل ، على جميع المستويات الحضارية المختلفة.
والمتأمل في تاريخ الأمة في زمن عافيتها يجد الفرق الواضح بين إنجازاتها الحضارية السابقة، وتخلُّفها اليوم.
والمنصف العاقل يعلم أنَّ تفوق الأمة وازدهارها مرتبط بدرجة تمسُّكها بدينها, وتخلُّفها مرتبط أيضاً بدرجة تفلُّتها من دينها.
ورغم وضوح هذا الارتباط بين الدين والتفوق ، فإن فئات من المسلمين لا تزال تعتقد أن تخلُّف المسلمين سببه التمسك بالدين.
إن مقولة (الدين سبب التخلف) لا تنطبق على دين الإسلام, وإنما تنطبق على دين النصارى واليهود المحرَّف المبدَّل.
لقد نهضت الأمة المسلمة في الزمن الأول حين تمسَّكت بدينها الحق, في حين نهضت أمَّةُ الغرب حين نبذت دينها المحرَّف.
والفرق بينهما كبير, فالإسلام يعتبر العلم قربة إلى الله, ورُهبان النصارى يعتبرون العلم كفراً وفجوراً , لهذا نهضوا لما نبذوا دينهم المحرَّف، الذي كان يقف في وجه تقدمهم الحضاري.
إن الاقتصاد جزء من نظام الإسلام الشامل الذي تحكمه إرادة الله تعالى: أمره ونهيه.
وغاية التنمية الاقتصادية في الإسلام هي تحقيق العبودية الخالصة لله تعالى, فكلُّ خطط التنمية – بكلياتها وجزئياتها- لابد أن تصبَّ في مرضاة الله.
لابد أن تهدف جهود التنمية ، بكلياتها وجزئياتها، إلى مساعدة الإنسان على تحقيق أقصى درجات العبودية لله تعالى.
كما أنَّ من أهم أهداف التنمية في الإسلام : تحقيق رفاهية وسلامة الإنسان، حتى يتمكَّن من عبادة ربِّه عز وجل.
فالإنسان هو المقصود من التسخير الكوني, فلابد أن تكون الأنشطة الاقتصادية خادمة للإنسان ، وليس الإنسان خادماً لها.
إن الغربيين يفرضون على العالم نموذجهم للتنمية الاقتصادية ، على أنه النموذج الوحيد لمن أراد التقدم والنهضة، كما دلَّت على ذلك تقاريرهم الصادرة عن البنوك والصناديق الدولية.
وقد أثبت الواقع الاقتصادي إخفاق هذا النموذج الغربي في بلاد المسلمين, فبالأمس القريب سقط النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي على أثره في الزوال، فلن يدوم طويلاً، فإن هذه الأنظمة الجاهلية تحمل في بنائها بذور هدمها وزوالها.
ثم إن التنمية الاقتصادية في هذا العالم لا تأتي للأمة المسلمة من الخارج, وإنما هي إرادة وطنية خالصة ، تنبعث من الداخل نحو التقدم والتحرر.
ثم إن النظم الاقتصادية في هذا العالم ليست قواسم مشتركة بين الأمم, فما يصلح للغرب ليس بالضرورة يصلح للشرق.
كما أن النموذج الغربي ليس هو النموذج الوحيد المتفوق في العالم اليوم ، فهذه دول شرق آسيا تفوَّقت هي الأخرى، ولكن بفلسفة اقتصادية مختلفة.
إن من الضروري إعادة النظر في خططنا التنموية، ومحاولة ابتداع نموذج تنموي جديد ، يتنكَّب النموذج الغربي, بل ويتنكَّب كلَّ نموذج جاهلي, يحقِّق العبودية لله تعالى, ويحقِّق سعادة الإنسان, ويجمع له بين خيري الدنيا والآخرة.
قد يتعجب بعض الناس من هذا الأمل, في ابتداع نموذج اقتصادي تنموي جديد ، على غير أنماط النماذج المعاصرة، وكأنه لا طريق للنهضة إلا عن طريق الغرب، إن الطبيعة المسخرة بإذن الله تعالى لن تبخل على الأمة الإسلامية – حين تصدق – بما أكرمت به أمم الكفر والضلال, فإن خيرات الدنيا إنما هي للمؤمنين وليست للكافرين، كما قال تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )(4).
إن مجاراة الغرب في تقدمه، ومحاولة التفوق عليه في ميدانه: أمر بعيد, وهو لا يزيد الأمة إلا عبودية وذلاً للغرب, حين يستعبدون الأمة من جديد بالخبرة والخبراء, فيأخذون عصارة جهد الأمة وكدِّها ، ليقدموا لها بعد ذلك فتات موائدهم الصناعية، التي لا تبني صناعةً ولا حضارة.
إن النموذج الاقتصادي الغربي نموذج ظالم, فهذا العالم الصناعي يستهلك 80% من طاقة العالم وهم يمثلون فقط 27% من سكان العالم.
وأغنى ثلاثة رجال عندهم يملكون من الثروة ما يعادل الناتج القومي لخمسٍ وثلاثين دولة نامية، بسكانها البالغين ستمائة مليون نسمة.
إن الواقع الغربي لا يُؤهله لأن يكون النموذج الذي يُحتذى ويقتدى به, ولكن غياب النموذج الإسلامي أبرز النماذج الباطلة الزائفة.
لقد أثبت الواقــــع والتجارب الكثيرة أن الغرب لا يمكن أن يتعامل مع المسلمين بصدق وأمانة, بل يهمُّه بقاؤهم في تخلف مستمر.
ثم إن الأمة التي تعتمد في تقدمها على غيرها لابد أن تدفع مقابل ذلك من دينها وأخلاقها، ولهذا قال أحد العرب المبطلين، ممن أعمى الله بصره وبصيرته : إذا أردنا التقدم لابد أن نأخذ كل شيء من الغرب.
إن تراث الأمة ذاخر بالنماذج الاقتصادية المتفوقة، وقد أثبتت نجاحها في نقل الفرد من أشدِّ حالات الفقر والعوز، إلى أعلى مراتب التقدم والرفاهية.
لقد استطاعت الأمة في زمنها الأول أن تتقدم وتنهض، وتستفيد من غيرها، مع حفاظها على ثوابتها الفكرية والأخلاقية والعقدية، لقد كانت تنتقي عن غيرها الانتقاء الراشد، تأخذ الصالح، وتترك الخبيث.
لقد عجز الغربيون على أن يصطحبوا عقائدهم المحرفة في نهضتهم الحديثة ، حتى اضطروا إلى نبذها وتركها، في الوقت الذي نهضت أمة الإسلام متمسِّكة بكل تفصيلات وكليات دينها.
لقد استطاع اليابانيون أن ينهضوا ويستفيدوا من الغرب ، دون أن يبدِّلوا تراثهم الياباني, بل واستطاع الأوروبيون النهضة والاستفادة من المسلمين في السابق ، دون أن يأخذوا شيئاً من تراث الإسلام , ألا نستطيع نحن ذلك اليوم ؟
إن الأمة لا يمكن أن تنهض حتى تعتمد على ذاتها بعد الله تعالى ؛ فإن الأمة في مجموعها تملك من المال والعلم والأرض والناس ، ما يُغنيها عن الغرب والشرق، ولكن لابد من الوحدة السياسية والاقتصادية لتحقيق ذلك.
المصادر :
1- الاعراف : 96
2- المائدة : 65 ، 66
3- التوبية : 34 ، 35
4- الاعراف : 32


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.