مقبولة عمر بن حنظلة

ابو صخر عمر بن حنظلة العجلي الكوفي. عده الشيخ الطوسي والبرقي من اصحاب الامامين الباقر والصادق (عليه السلام). عمر بن حنظلة احد الرواة المشهورين، قد روى عنه كبار الاصحاب مثل زرارة، وهشام بن سالم، وعبدالله بن بكير، وعبدالله بن مسكان،
Tuesday, April 12, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
مقبولة عمر بن حنظلة
 مقبولة عمر بن حنظلة

 






 

ابو صخر عمر بن حنظلة العجلي الكوفي. عده الشيخ الطوسي والبرقي من اصحاب الامامين الباقر والصادق (عليه السلام). عمر بن حنظلة احد الرواة المشهورين، قد روى عنه كبار الاصحاب مثل زرارة، وهشام بن سالم، وعبدالله بن بكير، وعبدالله بن مسكان، وصفوان بن يحيى... وهذا كاف في توثيقه. هذا بالاضافة إلى ان رواية يزيد بن خليفة تدل على مدحه.روي محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة قال: سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم اليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذه سحتاً وإن كان حقاً ثابتاً له، لأنه بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يكفر به. قال الله تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}. قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم قد روى حديثاً، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا.. فليرضوا به حكماً. فاني قد جعلته عليكم حاكماً"(1).
كما يتحصل من صدر وذيل هذه الرواية، ومن استشهاد الامام (عليه السلام) بالآية الشريفة، فإن موضوع السؤال كان حكماً عاماً، كما أن الامام (عليه السلام) قد بين التكليف العام. وقد ذكرت الرجوع في الدعأوي الحقوقية والجزائية إلى القضاة، وإلى المسؤولين التنفيذيين والحكوميين بشكل عام.
فالرجوع إلى القضاة يكون لأجل اثبات الحق، وفصل الخصومات، وتعيين العقوبة. والرجوع إلى السلطة لأجل إلزام الطرف الآخر في الدعوى بقبول النتيجة، أو لتنفيذ الحكم الحقوقي أو الجزائي. ففي هذه الرواية يُسأل الامام (عليه السلام) عن جواز الرجوع إلى سلاطين الجور وقضاتهم.

تحريم التحاكم إلى السلطات غير الشرعية

ويجيب الامام (عليه السلام) بالنهي عن الرجوع إلى دوائر الحكومات غير الشرعية، سواء التنفيذية أو القضائية. ويقول بأنه على الشعب المسلم ألا يرجع في أموره إلى سلاطين وحكام الجور والقضاة العاملين لديهم، حتى لو كان حق الشخص المراجع ثابتاً، ويريد الرجوع لاحقاقه وتحصيله. فإذا قتل ابن المسلم، أو نهب بيته، فلا حق له أيضاً في الرجوع إلى حكام الجور للتقاضي. كما أنه لو كان دائناً وعنده شاهد حي، فلا يستطيع الرجوع إلى القضاة التابعين للظلمة العاملين لديهم. ومن رجع إليهم في موارد كهذه فقد رجع إلى الطاغوت، أي السلطات غير الشرعية. وما يأخذه من حق بواسطتهم فإنما يأخذه سحتاً، وإن كان حقاً ثابتاً له، فهو حرام، ولا حق له في التصرف فيه. حتى أن بعض الفقهاء قال بذلك في "الاعيان الشخصية" أيضاً، كما لو سرقت عباءة شخص مثلاً. فإذا استردها بواسطة حكام الجور فلا حق له في التصرف فيها(2).
ونحن إن لم نقل ذلك الحكم في موارد الاعيان الشخصية، لكن لاشك عندنا فيه بالنسبة للأعيان الكلية. ومثالها أن يكون للشخص دين في ذمة شخص آخر، ورجع من أجل استرداده إلى المرجع والحكومة غير الشرعية، وتوصل إلى حقه من خلالها، فالتصرف فيه حرام. وهذا ما تقتضيه موازين الشرع.

الحكم السياسي للإسلام

احتمل ذلك المحقق السبزواري في كفاية الأحكام..هذا حكم سياسي للإسلام. حكم يبعث على امتناع المسلمين عن الرجوع إلى السلطات غير الشرعية والقضاة التابعين لهم، وذلك لكي تتوقف الأجهزة الحكومية الجائرة وغير الإسلامية، وتتعطل هذه المحاكم الطويلة العريضة التي لا يعود للناس منها سوى التعب والمشقة، وتفتح الطريق إلى ائمة الهدى (عليه السلام) وإلى الاشخاص الموكل اليهم حق الحكم والقضأوة من قبلهم.
والهدف الأساسي هو عدم السماح للسلاطين والقضاة التابعين لهم بأن يكونوا مرجعاً للأمور، وبأن يتبعهم الناس في ذلك. فقد أعلن الأئمة (عليه السلام) للأمة الإسلامية أن هؤلاء ليسوا بمرجع، والله تعالى أمر الناس بالكفر بهم (وعصيانهم). والرجوع اليهم يتنافى مع الكفر بهم، فإذا كنت كافراً بهم وتراهم ظالمين وغير لائقين، فيجب ألا ترجع إليهم.

مرجع الأمور علماء الإسلام

بناءاً على هذا، فما هو تكليف الامة؟ وما الذي يجب عليهم عمله في الحوادث والمنازعات؟ وإلى من يرجعون؟
قال (عليه السلام) : "ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا". فالامام (عليه السلام) لم يترك شيئاً مبهماً ليقول البعض اذن فرواة الحديث هم المرجع والحاكم. بل ذكر كل الجهات وقيد (الرواة) بكونهم ممن نظر في الحلال والحرام وفقا للقواعد، وله معرفة بالأحكام، ويمتلك الموازين لتمييز الروايات الصادرة على خلاف الواقع للتقية أو لاسباب أخرى عن غيرها، ومن الواضح أن معرفة الأحكام ومعرفة الحديث أمر آخر غير نقل الحديث.

العلماء منصوبون للحكم

يقول (عليه السلام) : "فإني قد جعلته عليكم حاكماً" أي "منصوباً" من قبلي للحكم والامارة، وللقضاء بين المسلمين. ولا يحق للمسلمين أن يرجعوا إلى غيره.
وبناءاً عليه، فلو اعتدى أحدهم على مال لكم، فالمرجع في الشكوى هي السلطة التي عينها الامام (عليه السلام). وإذا تنازعتم مع أحد على دَين، واحتجتم إلى اثبات ذلك، فالمرجع هو ذلك القاضي الذي عينه (عليه السلام) أيضاً، ولا حق لكم في الرجوع إلى غيره. وهذه وظيفة جميع المسلمين، وليس تكليفاً خاصاً بعمر بن حنظلة حين يواجه تلك المشكلة.
فأمر الإمام (عليه السلام) هذا عام وكلي. فكما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) في زمان حكومته يعين الحكام والولاة والقضاة، وكان على جميع المسلمين أن يطيعوهم، فالإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً بما أنه "ولي الامر" المطلق، وله الولاية على جميع العلماء والفقهاء والناس، فهو يستطيع أن يعيّن الحكام والقضاة لزمان حياته، ولما بعد مماته. وقد قام بذلك وجعل هذا المنصب للفقهاء. وإنما قال "حاكماً" لكيلا يتوهم البعض أن الأمر مختص بالمسائل القضائية، ولا يشمل سائر أمور الحكم والدولة.
ويستفاد أيضاً من صدر وذيل الرواية والآية التي ذكرت فيها أن الموضوع ليس مجرد تعيين قاضٍ وحسب، فالامام لم يكتف بتعيين قاض فقط، دون أن يتعرض لبيان التكليف حول سائر أمور المسلمين الاخرى، بشكل يبقى أحد السؤالين ـ والذي يرجع إلى التحاكم عندالسلطات التنفيذية ـ بلا جواب.
هذه الرواية من الواضحات، وليس ثمة وسوسة في سندها ودلالتها فلا ترديد في أن الامام (عليه السلام) قد عين الفقهاء لأجل الحكومة والقضاء. وعلى جميع المسلمين إطاعة امر الامام (عليه السلام) هذا.
عن ابي خديجة قال: بعثني ابو عبدالله (عليه السلام) إلى أصحابنا فقال: "قل لهم: إياكم إذا وقعت بينكم خصومة، أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق. اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا؛ فإني قد جعلته عليكم قاضياً. وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر"(3)
فالمعنى أن لا ترجعوا إلى هؤلاء الفساق في الاختلافات الحقوقية والمنازعات والدعأوي. ومن قوله بعد ذلك "إني قد جعلته عليكم قاضياً" يتضح أن المقصود من "الفساق" هم القضاة المعينون من قبل سلاطين ذلك الوقت، والحكام غير الشرعيين. ويقول (عليه السلام) في ذيل الحديث: "وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر". أي لا ترجعوا في الأمور ذات العلاقة بالسلطة التنفيذية هؤلاء الحكام غير الشرعيين. ولئن كان "السلطان الجائر" هو كل حاكم جائز وغير شرعي بشكل عام، ويشمل جميع الحكام غير الإسلاميين، والسلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية جميعاً، لكن بالالتفات إلى أنه قد نهى قبل ذلك عن الرجوع إلى قضاة الجور، يتضح أن المراد بهذا النهي فريق آخر، وهم السلطة التنفيذية. والجملة الأخيرة بالطبع ليست تكراراً للكلام السابق، أي النهي عن الرجوع إلى الفساق، وذلك لأنه قد نهى أولاً عن الرجوع إلى القاضي الفاسق في الأمور المتعلقة به من التحقيق، وإقامة البيّنة، وامثال ذلك. وأوضح وظيفة اتباع القاضي الذي عينه.
ثم منع بعد ذلك من الرجوع إلى السلاطين أيضاً، مما يدل على أن باب «القضاء» غير باب الرجوع إلى السلاطين، وأنهما صنفان. وفي رواية عمر بن حنظلة حيث نهى عن التحاكم إلى السلاطين والقضاة أشار إلى كلا الصنفين.
غاية الأمر أنه هنا إنما عين القاضي فقط، بينما في رواية عمر بن حنظلة عين الحاكم المنفذ والقاضي كلاهما.

هل العلماء معزولون عن منصب الحكومة؟

لقد جعل الامام (عليه السلام) منصب القضاء في حياته للفقهاء ـ وفقاً لهذه الرواية ـ بينما جعل لهم منصب القضاء والرئاسة وفقاً لرواية عمر بن حنظلة. والآن يجب أن نرى أنه هل ينعزل الفقهاء بانفسهم عن هذه المناصب بموت الامام (عليه السلام) ؟ وهل ينعزل جميع القضاة والأمراء الذين ينصبهم الأئمة عن تلك المناصب بموتهم (عليه السلام) ؟بغض النظر عن كون وضع ولاية الامام (عليه السلام) تختلف عن الآخرين، وأن جميع أوامر الائمة (عليه السلام) وتعاليمهم واجبة الاتباع ـ بناءاً على مذهب الشيعة ـ سواءاً في حياة الائمة (عليه السلام) أو بعد مماتهم، فلنر وضع مناصب ومراكز الاشخاص في الدنيا بأي نحو؟
ففي انظمة الدنيا سواءاً في ـ الانظمة الملكية أو الجمهورية ـ لا تلغي المناصب والمراكز العسكرية والتنظيمية بمجرد وفاة رئيس الجمهورية أو السلطان، أو تبديل الأوضاع وتغيير النظام. فلا تلغى رتبة ذوي الرتب العسكرية، ولا يعزل السفراء من وظائفهم، وكذا المحافظ والقائمقام ومدير الناحية. نعم تستطيع الحكومة الجديدة أن تعزلهم، لكن لا ينعزلون تلقائياً. هناك بعض الأمور تلغى وتزول بنفسها مثل الاجارة الحسبية، أو الوكالة التي يعطيها الفقيه لشخص في بلد ما لإنجاز بعض الأمور. فهذه الأمور تبطل بموت الفقيه. أما لو عيَّن الفقيه قيِّماً للصغار مثلاً، أو متوليَّاً لبعض الأوقاف، فهذه المناصب لا تلغي بموته.
" الأمور الحسبية" هي الأمور المطلوبة التي يريد الشرع لها أن تتحقق في المجتمع، ولو قام البعض سقطت عن باقي افراد المجتمع. ويمكن ذكر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدفاع والقضاء من جملة مصاديق الأمور الحسبية.
وتولي هذه الأمور في عصر الغيبة في عهدة الفقيه العادل، ويستطيع هو أن يجيز بعض الاشخاص المناسبين في التصدي لها.وكذلك مقام الرئاسة والقضاء الذي عيَّنه الائمة (عليه السلام) لفقهاء الإسلام، فهو مستمر وباق. فالإمام (عليه السلام) الذي هو ملتفت لجميع الجهات، ولا إمكان للغفلة في عمله، يعرف أنه في حكومات الدنيا تبقى المناصب مستمرة حتى لو مات الرئيس. فلو كان يريد سلب حق الرئاسة والقضأوة من الفقهاء بعد وفاته لكان يجب أن يعلن أن ذلك المنصب للفقهاء إنما كان فترة حياته فحسب، وأنهم بعد رحيله معزولون. فظهر إذن أن الفقهاء منصوبون من قبل الامام (عليه السلام) لمنصب الحكومة والقضاء، وأن هذا المنصب لهم باق دائماً. واحتمال كون الامام المتأخر قد نقض هذا الحكم، وعزلهم عن ذلك المنصب، احتمال باطل.
إذ عندما ينهى الامام (عليه السلام) عن الرجوع إلى سلاطين الجور وقضاتهم، ويقول أن الرجوع اليهم رجوع إلى الطاغوت، ويتمسك بالآية الشريفة التي تأمر بالكفر بالطاغوت، ومن ثمَّ ينصب (الفقهاء) قضاة وحكاماً للناس، فلو ألغي الامام المتأخر هذا الحكم، ولم ينصب حاكماً وقاضياً آخر، فما هو تكليف المسلمين؟ ولمن يجب عليهم الرجوع في الاختلافات والمنازعات؟
هل يرجعون إلى الفساق والظلمة، والذي هو رجوع إلى الطاغوت، ومخالف لأمر الله؟ أم يبقون دون مرجع وملجأ، وتعمّ الفوضى؟ وليفعل كل امرئ ما يريد من اكل حق، أو سرقة أو سواها؟
نحن على يقين من ان الامام الصادق (عليه السلام) قد جعل هذا المنصب للفقهاء، وأن الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) والائمة المتأخرين عنه لم ينقضوه. إذ لا يمكن أن ينقضوه وينهوا عن الرجوع إلى الفقهاء العدول، أو يجيزوا الرجوع إلى السلاطين الجائرين، أو يأمروا بترك الحقوق تضيع دون مطالبة أو قيام بأي عمل. نعم لو نصب أحد الأئمة قاضياً لمدينة ما، يستطيع الامام المتأخر عنه أن يعزله، وينصب قاضياً آخر مكانه، لكنه لا يستطيع نسف كل المراتب والمناصب بشكل مطلق. وهذا من الواضحات.والآن نأتي ببعض الروايات التي تؤيد مسألتنا، والتي لو كان الدليل منحصراً بها لما استطعنا اثبات المدعى؛ لكن اساس المطلب قد فُرغ عنه، والروايات التي ذكرناها فيما مر كانت تامة الدلالة.

صحيحة القداح

روى علي بن ابراهيم، عن ابيه، عن حماد بن عيسى، عن القداح (عبد الله بن ميمون)( عبدالله بن ميمون بن الأسور القداح، من أصحاب الامامين الباقر والصادق (عليه السلام)، وقد عدَّه النجاشي والعلاّمة في خلاصته من جملة الثقات.) عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم): "من سلك طريقاً يطلب فيه علما، سلك الله به طريقا إلى الجنة. وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به. وإنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الارض، حتى الحوت في البحر. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على ساير النجوم ليلة البدر.
وإن العلماء ورثة الانبياء. إن الأنبياء لم يورِّثوا دينارا ولا درهما، ولكن ورَّثوا العلم. فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر"(4)
إن غايتنا من نقل هذه الرواية، والتي قد تمسك بها المرحوم النراقي أيضاً، هو توضيح معنى جملة "العلماء ورثة الانبياء" الواردة فيها. وهنا عدة ابحاث:
1ـ من هم المقصودون من "العلماء"؟ هل هم علماء الامة؟ أو الائمة (عليه السلام) ؟ إذ قد احتمل البعض أن المقصود هم الائمة (عليه السلام)(5) ونفس الحديث يدل على انه ليس المراد منهم الائمة (عليه السلام). اذ أن نمط المناقب الواردة للائمة (عليه السلام) يختلف، فهذه العبارات من قبيل "ان الانبياء انما أورثوا احاديث من أحاديثهم، فمن أخذ منه أخذ وافر" لا تصح لتعريف الائمة (عليه السلام). فهذه الجمل شاهدة على أن المراد علماء الامة. وكذلك ورد في رواية ابي البختري بعد جملة "العلماء ورثة الانبياء" قوله: "فانظروا علمكم هذا عمَّن تأخذونه". حيث يظهر منها أنه (عليه السلام) يريد أن يقول: العلماء ورثة الانبياء، فالقول بأن المراد هو أن الأئمة ورثة الانبياء، وأن الناس يجب أن يأخذوا علمهم عن الائمة خلاف للظاهر. وكل من لاحظ الروايات الواردة حول الائمة (عليه السلام) وعرف موقعهم عند رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)يلتفت إلى أنه ليس المراد من هذه الرواية الائمة (عليه السلام) وإنما المراد علماء الامة، كما أنه قد ورد الكثير من الروايات في أمثال هذه المناقب للعلماء مثل: "علماء أمتي كسائر أنبياء قَبلي". "وعلماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل"(6). وعلى اية حال فكون المراد هو علماء الامة أمر ظاهر.
2ـ يمكن ان يقال اننا لا نستطيع استفادة ولاية الفقيه من جملة "العلماء ورثة الانبياء" بمفردها. إذ أن الأنبياء فيهم جهة نبوة، وهي أنهم يتلقّون العلم من مبدأ أعلى بواسطة وحي أو الهام أو نحو آخر. لكن هذه الحيثية لا تقتضي الولاية على الناس والمؤمنين. وما لم يجعل الله تعالى لهم الإمامة والولاية فهم لا يمتلكونها، وإنما يكونون أنبياء فحسب. وإذا أمروا بالتبليغ، فعليهم ايصال ما لديهم للناس. وفي أحاديثنا قد فُرِّق بين النبي والرسول، بأن الرسول مأمور بالتبليغ، بينما النبي يتلقى فحسب(7).
وبما أن حيثية النبوة وحيثية الولاية تختلفان عن بعضهما، وفي عبارة "العلماء ورثة الانبياء" كان المراد الوصف العنواني للانبياء، وقد نُزِّل العلماء بلحاظ هذا الوصف العنواني منزلة الانبياء، وهذا الوصف لا يقتضي الولاية. فبناءاً عليه نحن لا نستطيع أن نستفيد ثبوت الولاية للعلماء من هذه الجمل. نعم لو كان قد قال (عليه السلام) أن العلماء بمنزلة موسى أو عيسى (عليه السلام) لفهمنا من ذلك أنه كما أن موسى (عليه السلام) كان يمتلك جميع الحيثيات التي منها الولاية، فالعلماء كذلك يمتلكون حيثية الولاية. لكن بما أنه (عليه السلام) لم يقل ذلك، ولم ينزِّل العلماء منزلة الشخص، فلا يمكننا ان نستفيد من هذه الجملة معنى كهذا.
والمراد أن الحديث ناظر إلى صفة "النبوة" فحسب. أي العلماء ورثة الانبياء، والأنبياء هم الذين يتلقون المطالب الدينية من مصدر الوحي. بناء عليه لا يستفاد من هذا الحديث أن مسؤولية الولاية والامامة التي كانت في عهدة بعض الانبياء راجعة إلى ورثة الانبياء أيضاً.جوابا على هذا الاشكال ينبغي أن نقول أن الميزان في فهم الروايات وظواهر الالفاظ هو العرف العام والفهم المتعارف للناس، لا ما تؤدي اليه التجزئة والتحليل العلمي. ونحن أيضاً نتبع فهم العرف.
فلو أراد الفقيه أن يدخل التدقيق العلمي في فهم الروايات لتوقف في كثير من المسائل. بناءاً عليه لو عرضنا عبارة "العلماء ورثة الانبياء" على العرف، فهل يرد في أذهانهم أن المراد هو الوصف العنواني للأنبياء، وأن التنزيل إنما هو بلحاظ هذا الوصف العنواني فقط؟ أم أن هذه الجملة تجعل أمارة على الاشخاص ؟ بحيث لو سئل العرف هل: أن الفقيه الفلاني بمنزلة موسى وعيسى (عليه السلام) لأجاب: وفقا لهذه الرواية نعم. لأن موسى وعيسى (عليه السلام) من الانبياء. أو لو سئل: هل الفقيه وارث لرسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)ام لا؟ لأجاب بالإيجاب. لأن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)من الانبياء.
بناءاً عليه لا نستطيع ان نأخذ "الانبياء" وصفا عنوانيا، خصوصا وأنها بصيغة الجمع. فلو جيء بها بلفظ المفرد لكان هناك احتمال. لكن عندما قال (عليه السلام) : "الانبياء" بصيغة الجمع، فهذا يعني كل فرد من الانبياء. وليس كل فرد من الانبياء بما هم أنبياء، ليكون الملحوظ الوصف العنواني ويفصل هذا الوصف العنواني عن باقي الأوصاف، ويقال: ان الفقيه بمنزلة النبي، لا بمنزلة الرسول، ولا بمنزلة الولي. فهذه التجزئة وهذا التحليل في باب الروايات هو خلاف لفهم العرف والعقلاء.
3ـ لنفرض أننا قبلنا أن التنزيل تم بلحاظ الوصف العنواني، وأن العلماء هم بمنزلة الانبياء ـ بما هم أنبياء ـ عندئذٍ يجب أن يثبت للعلماء بحسب هذا التنزيل الحكم الذي أثبته الله للانبياء.
"وكل فرد من الانبياء بما هم انبياء" بلحاظ كونه نبي ومن دون لحاظ كونه متوليا لوظيفة الامامة والولاية أيضاً أم لا.فلو قلنا مثلا: ان الشخص الفلاني عادل، ثم قلنا: ان اكرام العادل واجب. يُفهم من هذا الحكم والتنزيل وجوب إكرام ذلك الشخص. بناءاً على هذا يمكننا أن نستفيد من الآية الشريفة {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} ثبوت منصب الولاية للعلماء أيضاً. ببيان أن المراد من الأولوية: الولاية والإمارة. كما ينقل كتاب "مجمع البحرين" رواية عن الامام الباقر (عليه السلام) حول هذه الآية الشريفة يقول فيها: ان هذا الآية قد نزلت في الامارة(8) أي الحكومة والولاية. وبناءاً عليه فالنبي له ولاية وإمارة على المؤمنين، ونفس هذه الولاية والامارة ثابتة للعلماء أيضاً. لأنها وردت في الآية بلحاظ الوصف العنواني، كما تم التنزيل في الرواية على الوصف العنواني أيضاً.
وبالإضافة إلى ذلك، فإننا نستطيع الاستدلال بالآيات التي أثبتت للرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)بعض الأحكام، كقوله تعالى في الآية الشريفة: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. وذلك بأن نقول: أنه لا فرق بين "النبي" و"الرسول" بنظر العرف ـ وان كانت بعض الروايات قد فرقت بين الرسول والنبي في كيفية نزول الوحي(9) ـ لكن النبي والرسول في نظر العرف والعقلاء بمعنى واحد. فالنبي في نظر العرف هو الشخص الذي ينبئ من قبل الله. والرسول هو الشخص الذي يوصل ما أمره الله به إلى الناس.
4ـ يمكن القول بأن الأحكام التي تركها الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)بعد وفاته هي نوع من الميراث ـ وان كانت لا تسمى ميراثا بحسب الاصطلاح ـ والذين يأخذون هذه الأحكام هم ورثة النبي، لكن من أين يُعلَمُ أن منصب الولاية على جميع الناس الذي يمتلكه الرسول الأكرم (صلی الله عليه وآله وسلم)قابل لأن يورَّث ويكون ميراثاً؟ فلعل القابل للوراثة هي هذه الأحكام والأحاديث فحسب. وفي نفس هذه الرواية أيضاً قد ذكر أن الأنبياء يورِّثون العلم، وكذلك قال (عليه السلام) في رواية ابن البختري: "انما أورثوا احاديث من احاديثهم". مما يدل على انهم انما ورثوا احاديثهم، والولاية ليست قابلة للارث والميراث.
وهذا الأشكال أيضاً غير صحيح. وذلك لأن الولاية والامارة من الأمور الاعتبارية والعقلائية، وفي هذه الأمور يجب أن نرجع إلى العقلاء لنرى هل يعتبرون انتقال الولاية والحكومة من شخص إلى شخص آخر وراثة ام لا؟ فلو سئل عقلاء الدنيا مثلا عمن قد ورث السلطة الفلانية، فهل يجيبون بأن هذا المنصب لا يقبل الوراثة؟ أم يقولون أن فلان مثلا هو وريث العرش والتاج؟ وأساساً فإن هذه الجملة "وريث التاج والعرش" من العبارات المعروفة. فلاشك في أن الولاية في نظر العقلاء قابلة للانتقال، كمثل الأرث من الأموال التي تنتقل من شخص إلى آخر.
ومن يلاحظ الآية الشريفة {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} والرواية التي تقول "العلماء ورثة الانبياء" يلتفت إلى أن المراد هي نفس هذه الأمور الاعتبارية التي يرى قابلية انتقالها عقلا.لو كانت هذه العبارة "العلماء ورثة الانبياء" واردة في حق الائمة (عليه السلام) كما ورد في الرواية انهم (عليه السلام) ورثة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)في كل شيء(10)، لكنا ترددنا في القول: أن الأئمة (عليه السلام) ورثة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)في كل شيء. ولما قال أحد أن الوراثة هي في العلم والمسائل الشرعية فحسب.
بناءاً على هذا، لو كنّا نحن وجملة العلماء ورثة الانبياء فقط، وصرفنا النظر عن صدر الرواية وذيلها، فالظاهر أن جميع شؤون النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)القابلة للانتقال بعد وفاته ـ ومنها الامارة على الناس الثابتة للائمة (عليه السلام) من بعده ـ ثابتة للفقهاء أيضاً. ماعدا الشؤون التي تخرج بدليل آخر. ونحن نخرجها بمقدار ما يدل الدليل.
الجزء الاساسي الباقي من الاشكال المذكور هو: أن جملة «العلماء ورثة الانبياء» وقعت ضمن فقرات يمكن أن تكون قرينة على أن المراد من الميراث الاحاديث. إذ في صحيحة القداح: "ان الانبياء لم يورِّثوا درهما ولا دينارا ولكن ورَّثوا العلم"، وفي رواية ابي البختري يقول بعد جملة لم يورثوا درهما ولا دينارا: "وانما أورثوا أحاديث من أحاديثهم" فهذه العبارة قرينة على ان ميراث الانبياء هي الاحاديث، وأنه لا يبقى منهم شيء آخر يكون قابلا للارث. وخصوصا أنه قد صدرت الجملة "بإنما" مما يدل على الحصر.
وهذا الاشكال غير تام. إذ لو كان المراد أن النبي الأكرم (صلی الله عليه وآله وسلم)لم يترك شيئا يورث سوى أحاديثه، فهذا خلاف ضرورة مذهبنا. إذ أن الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)قد ترك أشياء تورث. ولا ترديد في أن الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)كان له ولاية على الأمة، وأن أمر الولاية انتقل بعده إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن بعده للأئمة (عليه السلام) الواحد تلو الآخر. وكلمة "إنما" هنا حتما ليست للحصر، وفي الاساس ليس من المعلوم أن لها دلالة على الحصر.
.هذا بالاضافة إلى عدم وجودها في صحيحة القداح، وهي وردت في رواية ابي البختري التي قلنا أنها ضعيفة السند.
فلنقرأ عبارة الصحيحة لنرى هل يمكن أن تكون فقراتها قرينة على أن ميراث الانبياء مختص بالاحاديث أم لا.
"من سلك طريقا يطلب فيه علما، سلك الله به طريقا إلى الجنة" هذه الجملة مدح للعلماء. ولا يتوهم أحد أن هذا الثناء يشمل كل عالم مهما كان وضعه. ارجعوا إلى الروايات الموجودة في الكافي حول أوصاف العلماء ووظائفهم(11) ليتضح لكم أن الإنسان لا يصير عالما ووريثا للانبياء بمجرد تحصيله لشيء من العلم، وانما له وظائف، مما يجعل المسألة أكثر تعقيدا.
"وان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضا به"، معنى "وضع الاجنحة" معلوم عند أهله(12) وليس محلا للبحث الآن. فهذا العمل من باب الاحترام وخفض الجناح والتواضع.
"وانه ليستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الارض، حتى الحوت في البحر".
وهذه الجملة تحتاج لشرح مفصل وهو خارج عن محل بحثنا الآن.
"وفضل العالم على العابد كفضل القمر على ساير النجوم ليلة البدر" ومعنى هذه الجملة أيضاً واضح.
"وان العلماء ورثة الانبياء" من بداية الرواية إلى هنا كان المقام مقام الثناء على العلماء، وبيان فضائلهم وأوصافهم. واحدى فضائلهم هي كونهم ورثة الانبياء. وإنما تكون وراثة الانبياء فضيلة لهم عندما تكون لهم ـ كالانبياء ـ ولاية وحاكمية على الناس، وتكون طاعتهم واجبة.
.وأما كون ذيل الرواية يتضمن: "ان الانبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً" فلا يعني أن الأنبياء لا يورثون شيئاً غير العلم والحديث، وإنما هذه الجملة كناية عن أنهم ـ مع كونهم أولياء للأمور وحكاما على الناس ـ فهم رجال إلهيون وليسوا بماديين لكي يسعوا وراء جمع زخارف الدنيا. وإن أسلوب حكومة الأنبياء يختلف عن الحكومة الملكية والحكومات المتعارفة، التي تتحول بالنسبة إلى المتصدي لها مصدرا لجمع المال وتخزينه. لقد كان نمط حياة الرسول الأكرم (صلی الله عليه وآله وسلم)في غاية البساطة. فلم يستفد من مقامه ومنصبه لصالح حياته المادية، لكي يخلِّف شيئا وراءه. وما يتركه حين يرحل هو: العلم الذي هو أشرف الاشياء، وخصوصا العلم الذي يكون من الله تعالى. وربما كان تخصيص "العلم" بالذكر في الرواية لهذا السبب.
بناءاً على هذا لا يمكن القول: بما أن أوصاف العلماء قد ذكرت في هذه الرواية، وذكر فيها وراثة العلم وعدم توريث المال، فهي ظاهرة في أن العلماء إنما يورثون العلم والحديث بشكل منحصر.
في بعض الموارد ذُيِّل هذا الحديث بجملة "ما تركناه صدقةً" وهي ليست من الحديث، وقد أضيفت إليه لغاية سياسية. إذ أن هذا الحديث موجود في فقه العامة أيضاً(13)
غاية ما يمكن أن يقال هنا أنه مع احتمال كون هذه الفقرات قرينة، فنحن لا نستطيع التمسك باطلاق جملة "العلماء ورثة الانبياء" ونقول: كل ما كان للانبياء فهو للعلماء. لكن ليس صحيحا كون احتمال قرينية هذه الفقرات يوجب القول بظهور الرواية في أن العلماء إنما يرثون من الانبياء العلم فقط. ومن ثم تقع المعارضة بين هذه الرواية والروايات التي ذكرناها فيما سلف، والتي تدل على مطلبنا. وان هذه الرواية تهدم تلك المطالب. اذ لا يستفاد شيء كهذا من هذه الرواية.

إثبات ولاية الفقيه عن طريق النص

واذا قيل ـ فرضاً ـ أنه يستفاد من الرواية أن الرسول الأكرم (صلی الله عليه وآله وسلم)لم يورث شيئا سوى العلم، وأن أمر الولاية والخلافة ليس إرثا، وأننا لا نستفيد من قول رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم): "علي وارثي" ان امير المؤمنين (عليه السلام) خليفته، فعند ذلك نضطر ـ لأجل اثبات خلافة أمير المؤمنين والائمة (عليه السلام) ـ إلى التشبث بالنص، والقول: أن الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)نصب أمير المؤمنين (عليه السلام) للخلافة، ونقول بنفس الشيء بالنسبة لولاية الفقيه. إذ بناءاً على تلك الرواية التي ذكرناها سابقا؛ فإن الفقهاء منصوبون من قبل رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)للحكومة والخلافة. وبهذا الطريق يجمع بين هذه الرواية والروايات الدالة على النصب.
مؤيد من الفقه الرضوي ويينقل المولى النراقي (رحمه الله) في عوائد الايام رواية عن "الفقه الرضوي بهذا المضمون: "منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الانبياء في بني اسرائيل(14) ونحن بالطبع لا نستطيع القول بأن الفقه الرضوي صادر عن الامام الرضا (عليه السلام)، لكن يمكننا التمسك به كمؤيد.
يجب أن يعلم أنه ليس المراد "بأنبياء بني اسرائيل" الفقهاء الذين كانوا في زمان النبي موسى (عليه السلام) والذين ربما وصفوا بالانبياء لجهة من الجهات. فالفقهاء الدين كانوا زمن النبي موسى (عليه السلام) كانوا كلهم تابعين له، ويعملون في ظل حاكميته. ولعل النبي موسى عندما كان يرسلهم إلى التبليغ في بعض الامكنة كان يجعلهم أولياء للامر أيضاً. نعم فنحن لا نمتلك اطلاعا دقيقا عن وضعهم، لكن من المعلوم أن موسى (عليه السلام) كان من أنبياء بني اسرائيل أيضاً، وأن كل ما هو للرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)فقد كان للنبي موسى (عليه السلام) أيضاً ـ طبعا مع الاختلاف في الرتبة والمقام والمنزلة ـ وبناءاً عليه فنحن نفهم من عموم "المنزلة" في الرواية أن ما كان للنبي موسى (عليه السلام) من أمر الحكومة والولاية على الناس فهو للفقهاء أيضاً.
ونقل رواية عن جامع الاخبار(15) أيضاً بأن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)قال: "افتخر يوم القيامة بعلماء أمتي". "وعلماء أمتي كسائر الأنبياء قبلي"(16) وهذه الرواية أيضاً من مؤيدات مطلبنا. وينقل في المستدرك(17) بهذا المضمون: " العلماء حكام على الناس"(18) كما نقلت أيضاً بلفظ "حكماء" على الناس. لكن يبدو أنه غير صحيح. إذ قيل أنها موجودة في نفس الغرر بلفظ "حكام" على الناس. وهذه الروايات لو كان سندها معتبرا(19) فدلالتها واضحة، وهي إحدى المؤيدات. وهناك روايات أخرى يمكن أن تذكر للتأييد.
.منها رواية تحف العقول بعنوان "مجاري الأمور والأحكام على ايدي العلماء" وهذه الرواية تتألف من قسمين: القسم الأول: الرواية المروية عن سيد الشهداء وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حول "الامر بالمعروف والنهي عن المنكر"، والقسم الثاني هو من كلام الامام الحسين (عليه السلام) حول "ولاية الفقيه" ووظائف ومسؤولياته الإسلامية. وقد ذكر (عليه السلام) هذا الكلام في "منى" حيث بيَّن من خلاله أسباب جهاده وثورته الداخلية ضد الحكم الأموي الجائر. ويتحصل من هذه الرواية أمران مهمان: الأول: "ولاية الفقيه" والثاني: أنه يجب على الفقهاء أن يفضحوا الحكام الجائرين، ويوقظوا الناس من خلال جهادهم وامرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، حتى تقوم الجماهير الواعية من خلال نهضتها الشاملة باسقاط الحكومة الجائرة، واقامة الحكومة الإسلامية. والرواية هي التالية:
الرواية منقولة عن غرر الحكم، وجميع روايات هذا الكتاب مرسلة.(اعتبروا ايها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإِثم}(20)
وقال: {لُعن الذين كفروا من بني اسرائيل} إلى قوله: {لبئس ما كانوا يفعلون}(21)
وإنما عاب الله ذلك عليهم، لأنهم كانوا يرون من الظَّلمَةِ بين أظهرهم المنكر والفساد، فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم ورهبة مما يحذرون، والله يقول: {فلا تخشوا الناس واخشونِ}(22)
وقال: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}(23)
فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه، لعلمه بأنها إذا أديت وأُقيمت استقامت الفرائض كلها، هينها وصعبها. وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام، مع رد المظالم، ومخالفة الظالم، وقسمة الفيء والغنائم، وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها.
.ثم انتم ايتها العصابة، عصابة بالعلم مشهورة، وبالخير مذكورة، وبالنصيحة معروفة، وبالله في أنفس الناس مهابة، يهابكم الشريف، ويكرمكم الضعيف، ويؤثركم من لا فضل لكم عليه ولا يد لكم عنده، تشفعون في الحوائج اذا امتنعت من طلابها، وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الاكابر، اليس كل ذلك انما نلتموه بما يُرجى عندكم من القيام بحق الله، وإن كنتم عن اكثر حقه تقصرون، فاستخففتم بحق الامة: فأما حق الضعفاء فضيَّعتم، وامّا حقكم بزعمكم فطلبتم. فلا مالاً بذلتموه، ولا نفساً خاطرتم بها للذي خلقها، ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله. انتم تتمنون على الله جنتهُ ومجأورة رسلِهِ واماناً من عذابه، لقد خشيت عليكم ايها المتمنون على الله أن تحل بكم نقمة من نقماته.
لأنكم بلغتم من كرامة الله منزلة فُضِّلتم بها ومن يُعرَف بالله لا تكرِمون، وانتم بالله في عباده تكرمون. وقد ترون عهودَ الله منقوضة فلا تفزعون، وانتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون، وذمة رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)محقورة، والعمي والبكمُ والزُمن في المدائن مهملة، ولا ترحمون، ولا في منزلتكم تعملون، ولا من عمل فيها تعينون، وبالإدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون.
كل ذلك مما امركم الله به من النهي والتناهي، وانتم عنه غافلون. وانتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسعون.
ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه. فأنتم المسلوبون تلك المنزلة. وما سلبتم ذلك، الا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السُّنة بعد البينة الواضحة. ولو صبرتم على الأذى، وتحملتم المؤونة في ذات الله، كانت أمور الله عليكم ترد، وعنكم تصدر، واليكم ترجع. ولكنكم مكَّنتم الظلمة من منزلتكم، واستسلمتم أمور الله في أيديهم، يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات. سلّطهم على ذلك فراركممن الموت، واعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم. فأسلمتم الضعفاء في أيديهم؛ فمن بين مستعبد مقهور، وبين مستضعف على معيشته مغلوب.
يتقلبون في الملك بآرائهم، ويستشعرون الخزي بأهوائهم، اقتداءً بالاشرار، وجرأة على الجبار. في كل بلد منهم على منبره خطيب يصقع، فالأرض له شاغرة، وأيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول، لا يدفعون يد لامسٍ، فمن بين جبار عنيد، وذي سطوة على الضعفة شديد، مطاع لا يعرف المبدئ المعيد. فيا عجباً، ومالي لا أعجب، والارض من غاش غشوم، ومتصدق ظلوم، وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم، فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا، والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا. اللهم انك تعلم انه لم يكن ما كان منا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام. ولكن لِنُري المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك فإن لم تنصرونا وتنصفونا قوِيَ الظلمة عليكم، وعملوا في اطفاء نور نبيكم. يقول (عليه السلام) : "اعتبروا ايها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الاحبار". هذا خطاب لجماعة خاصة، وللحاضرين في المجلس، ولأهل البلد، أو المدينة، أو أهل القطر والمملكة، أو لعامة أهل الدنيا في ذلك الوقت؟ بل إن هذا النداء يشمل كل من يسمعه في كل زمان. مثل الخطاب بـ"يا ايها الناس" الموجود في القرآن. لقد وعظ الله تعالى أولياءه من خلال ذمه للاحبار ـ أي علماء اليهود ـ وانكاره لنهجهم. والمراد من الأولياء هم الذين يعيشون مع الله، ولهم مسؤوليات في المجتمع لا الائمة (عليه السلام).
اذ يقول: {لولا ينهاهم الربانيون والاحبار عن قولهم الاثم وأكلهم السحت لبئس ماكانوا يصنعون} فالله تعالى يذم الربانيين والاحبار لعدم نهيهم الظالمين عن "قول الاثم" والذي هو اعم من الكذب والتهمة وتحريف الحقائق وأمثال ذلك، وعن أكل السحت، أي المال الحرام. ومن البديهي أن هذا الذم والتقبيح لا يختص بعلماء اليهود، ولا بعلماء النصارى، بل يشمل علماء المجتمع الإسلامي أيضاً، وجميع علماء الدين بشكل عام. وبناءاً عليه، فعلماء الدين الإسلامي مشمولون للذم والتقبيح الإلهي أيضاً فيما لو ظلوا ساكتين أمام سياسة الظلمة ونهجهم. وهذا الامر لا يخص السلف والاجيال الماضية، بل تتسأوى فيه الاجيال الماضية مع اجيال المستقبل. ولقد ذكر امير المؤمنين (عليه السلام) هذا الموضوع استنادا إلى القرآن، لكي يعتبر علماء المجتمع الإسلامي أيضاً، ويستيقظوا، ولا يتخلفوا عن القيام بوظيفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يسكتوا أمام أجهزة الحكام الظلمة والمنحرفين. فقد نبه (عليه السلام) باستشهاده بآية {لولا ينهاهم الربانيون...} إلى نقطتين:
1ـ ان تسأهل العلماء في وظائفهم ضرره أكثر من تقصير الآخرين في القيام بنفس تلك الوظائف المشتركة. إذ عندما يرتكب التاجر مخالفة ما، فإن ضررها يعود عليه، لكن إذا قصر العلماء في وظائفهم، فسكتوا مثلا أمام الظلمة، فإن الضرر يعود على الإسلام. وإذا عملوا بوظيفتهم، وتكلموا حيث يجب أن يتكلموا، فإن النفع سيعود على الإسلام أيضاً.2ـ لقد ذكر "قول الاثم" "واكل السحت" مع انه يجب النهي عن جميع الأمور التي تخالف الشرع. وذلك من أجل بيان أن هذين المنكرين أخطر من جميع المنكرات، ويجب أن يعمل على إنكارهما ومحاربتهما بشكل أكثر جدية. إذ أنه أحيانا يكون لأقاويل الانظمة الظالمة ودعاياتهم ضرر على الإسلام والمسلمين اكثر من عملهم سياستهم، وغالبا ما يعرّضون كرامة (واعتبار) الإسلام والمسلمين للهتك. فالله تعالى يؤاخذهم على عدم التصدي لأقاويل الباطل، ودعايات السوء للظلمة، وعلى عدم تكذيبهم لمن يدعي انه خليفة الله، وآلة لمشيئته، وأن الأحكام الالهية هي تلك التي يطبقها هو، والعدالة الإسلامية هي ما يقوله وينفذه. (مع كونه لا يخضع للعدالة اصلا) فأقاويل كهذه "قول إثم" فلِمَ لَمْ ينهوا الظلمة ويمنعوهم عن هذه المنكرات عندما ينطقون بكلام غير مشروع، أو يرتكبون خيانة ما، أو يبتدعون البدع في الإسلام، ويوجهون له الضربات؟لو قام شخص ما بتفسير الأحكام بنحو لا يرضي الله، أو بإحداث بدعة بذريعة أن العدل الإسلامي يقتضي ذلك، أو بتنفيذ أحكام مخالفة للإسلام، فيجب على العلماء أن يبدوا معارضتهم له.
فإذا لم يفعلوا، فإنهم ملعونون من الله تعالى، وهذا واضح من خلال هذه الآية الشريفة. وفي الحديث كذلك انه: "اذا ظهرت البدع، فللعالم أن يظهر علمه، وإلا فعليه لعنة الله"(24) فابداء المعارضة، وبيان الأحكام والتعاليم الالهية المخالفة للبدع والظلم والمعاصي مفيد في حد ذاته، لأنه يؤدي إلى اطلاع الناس على الفساد الاجتماعي، ومظالم الحكام الخونة والفسقة، أو الذين لا دين لهم. ومن ثم إلى القيام بمحاربتهم، والامتناع عن التعأون معهم، وعدم اطاعتهم. فإبداء المعارضة من قبل علماء الدين في موارد كهذه هو نهي عن المنكر من قبل القادة الدينيين للمجتمع، ويستتبع موجة من النهي عن المنكر، ونهضة معارضة وناهية عن المنكر، يشارك فيها جميع ابناء الشعب المتدينين والغيورين. وهذه النهضة إذا لم يرضخ لها الحكام الظلمة والمترفين، ولم يرجعوا إلى الصراط الإسلامي المستقيم في اتباع الأحكام الالهية، وأرادوا استعمال القوة المسلحة لاسكاتها، فانهم يكونون في الحقيقة قد قاموا ببغي واضح ومسلّم، وصاروا "فئة باغية". ومن الواجب على المسلمين أن يقوموا بالجهاد ضد الفئة لكي تكون سياسة المجتمع، ونهج الحكام مطابقة للاصول والأحكام الإسلامية.
إنهم يحاربونكم، فضجوا واصرخوا واعترضوا، ولا تستسلموا للظلم. فالاستسلام للظلم أسوأ من الظلم. استنكروا واعترضوا واصرخوا، وانفوا اكاذيبهم، يجب عليكم أن تؤسسوا اجهزة اعلامية مقابل اجهزتهم، لتفضح وتنفي جميع اكاذيبهم. وتظهر للملأ انهم يكذبون، وأن العدالة الإسلامية ليست ما يدّعون. يجب أن تُعلَن هذه الأمور لينتبه الناس، ولا تجعل الاجيال القادمة سكوت هذه الجماعة حجة، وتحسب أن أعمال ومناهج الظلمة كانت مطابقة للشرع، وأن الدين الإسلامي المبين قد اقتضى أن يقوم بأكل السحت وسرقة اموال الشعب.بما أن محور تفكير البعض لا يتجأوز محيط المسجد، إذ انهم لا يمتلكون سعة الافق فتراهم ـ عند الحديث عن اكل السحت ـ لا يخطر ببالهم سوى البقال القريب من المسجد الذي يطفف في البيع مثلاً والعياذ بالله. فلا يلتفتون إلى التطبيقات الواسعة والكبيرة لأكل السحت والنهب التي تتمثل ببعض الرأسماليين الكبار، أو من يختلسون بيت المال، وينهبون نفطنا، ويحولون بلادنا إلى سوق لبيع المنتوجات الاجنبية غير الضرورية، والغالية الثمن، لكونهم يمتلكون وكالات الشركات الاجنبية، ويملأون جيوبهم وجيوب المتمولين الاجانب من اموال الشعب عبر هذا السبيل. تنهب نفطنا عدة دول أجنبية بعد استخراجه .
المصادر :
من کتاب الحکومة الاسلامية للامام الراحل قدس سرة
1- اصول الكافي، ج1، ص86، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث، الحديث 10. ووسائل الشيعة، ج18 كتاب القضاء أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 1.
2- كتاب القضاء للمحقق الأشتياني، ص22
3- وسائل الشيعة، ج18، ص100، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 6.
4- اصول الكافي، ج1، ص42، كتاب فضل العلم، باب ثواب العالم والمتعلم، الحديث1.
5- بلغة الفقيه، ج3، ص226.
6- بحار الانوار، ج2، ص22، كتاب العلم، الباب8
7- اصول الكافي، ج1، ص245 ـ 246 كتاب الحجة، باب طبقات الانبياء والرسل والائمة (عليه السلام)، الحديث1.
8- مجمع البحرين، ج1، ص457.
9- اصول الكافي، ج1، ص7 ـ 176 كتاب الحجة، باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدث.
10- اصول الكافي، ج1، ص321 ـ 343 كتاب الحجة، باب ان "الائمة ورثة العلم يرث بعضهم بعضا" إلى باب "ما عند الائمة من سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومقامه"
11- اصول، ج1، ص42 ـ 45، كتاب فضل العلم، باب صفة العلماء.
12- الاربعين حديث، الامام الخميني (ره)، ص414 ـ 416، الحديث26
13- صحيح البخاري، ج1، ص25، وفي سنن الدارمي، ج1، ص110، باب في فضل العلم والعالم، الحديث 342. وسنن ابي داوود، ج4، ص57 كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، الحديث 3641، بدون اضافة "ما تركناه صدقه". وفي مسند الامام احمد بن حنبل، ج1، ص10
14- عوائد الايام، ص186، الحديث7.
15- كتاب الذريعة (ج5، ص33 ـ 37).
16- جامع الاخبار، ص38، الفصل العشرون.
17- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل للميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي بن الميرزا علي محمد الطبرسي النوري (1320 هـ ق)، وقد جمع فيه حوالي ثلاثة وعشرين ألف حديث.
18- غرر الحكم ودرر الكلم لأبي الفتح عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد الآمدي (510 هـ ق) يشمل المواعظ والكلمات القصار للامام علي (عليه السلام) ومرتب على الاحرف الابجدية.
19- غرر الحكم ودرر الكلم، الفصل الأول، الحديث 599. ومستدرك الوسائل، ج17، ص316، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب11، الحديث17
20- الذريعة (ج23، ص400).
21- سورة المائدة، الآية 63.
22- سورة المائدة، الآية 78 ـ 79.
23- سورة المائدة، الآية 44
24- اصول الكافي، ج1، ص54، كتاب فضل العلم، باب البدع، الحديث2.


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.