
نقطة النهاية ومركز الغاية لامتحان الدنيا وعقبات الآخرة هي : الجنّة ونعيمها للمؤمنين من الخلق حيث خلقهم الله تعالى ليرحمهم ، والنار وجحيمها لغير المؤمنين من الخلق الذين اختاروا الكفر والعصيان لأنفسهم.
فتمّت الكرامة للطائفة الاولى. (وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
وتحقق جزاء العذاب للطائفة الثانية ، (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ).
قال الشيخ الصدوق :
«إعتقادنا في الجنّة انّها دار البقاء ، ودار السلامة ، لاموت فيها ، ولا هرم ، ولا سقم ، ولا مرض ، ولا آفة ، ولا زوال ، ولا زمانة ، ولا غم ولاهم ، ولاحاجة ولا فقر ...
واعتقادنا في النار انها دار الهوان ، ودار الانتقال من أهل الكفر والعصيان ...
واعتقادنا في الجنة والنار أنّهما مخلوقتان ... واعتقادنا ان بالثواب يخلد أهل الجنّة في الجنّة ، وبالعقاب يخلد أهل النار في النار ...»
وقال العلّامة المجلسي :
«اعلم أنّ الايمان بالجنّة والنار على ما وردتا في الآيات والأخبار من غير تأويل ، من ضروريّات الدين ، ومنكرهما أو مؤلّهما بما أوّلت به الفلاسفة خارج عن الدين» .
وقال السيّد شبّر :«يجب الايمان بالجنّة والنار الجسمانيّتين على نحو ما تكاثرت به الآيات المتظافرة والأخبار المتواترة ، وذلك من ضروريّات الدين ، لم يخالف فيه أحد من المسلمين.
ومن أنكر وجودهما مطلقاً كالملاحدة ، أو أوّلهما بما يأتي كالفلاسفة فلا ريب في كفره» .
فعقيدة الجنّة والنار يقينيّة ، وقد دلّت عليها الأدلّة القطعيّة ، وأنّهما الآن مخلوقتان.
هذا وقد تقدّم في أوّل الكتاب انّ المعاد بالجسم والروح معاً فيكون دخول الجنّة والنار بالجسم والروح أيضاً.
ولا يصحّ ما قال به الفلاسفة من كون درك الثواب والعقاب بالروح فقط كعالم النوم واحساس اللذة والألم من المنام.
فكيف يتناسب هذا مع قوله تعالى : (طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) وقوله تعالى : (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) هل يكون هذا من المنام؟!
كما انه سيأتي في آخر هذا الفصل الاستدلال على أنّ الجنّة والنار كلتيهما دار الخلود ، فتكون الجنّة والنار كلتاهما خالدتين لأهلهما يعني خلود الجنّة للمؤمنين باللذّة والثواب وخلود الكافرين والمخالفين بالعذاب والعقاب فلا يصحّ دعوى انقلاب العذاب الى العذب كما ادّعاه بعض المنحرفين.
اثبات الجنّة والنار
اثبات الجنّة والنار من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة :أمّا الجنّة :
1 ـ في القرآن الكريم :
(فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ) وأخبر عنه المعصوم عليه السلام بحديثه : «فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» وهل يمكن درك حقيقة وغاية وكُنه ذلك النعيم.
فهو نظير أن يبين للطفل في بطن أُمّه ـ لو كان رابطة للانسان معه ـ لذائذ الأطعمة الشهيّة ، والأوراد الزاهية ، ونسيم الربيع ، ومناظر البحر الوسيع ، وجمال الطبيعة وآفاق الحقيقة في هذا العالم الذي لم يخرج إليه الطفل.
كم يدرك الطفل منها اذا كان يدرك؟
هكذا أدراكنا لما يكون في العالم الآخر ، ففي جنّتها نعيم يوصف ولكن لا يدرك كنهه.وكذلك ما يقابله من عذاب جهنّم وحميمها ولظاها وعقابها وآلامها هي فوق مستوى ان يدرك الانسان حقيقتها وكنهها اذ هي فوق مستوى المقياس الدنيوي.
والآيات المباركة في ذكر الجنّة التي ثبتت الجنة ضمن توصيفها كثيرة نختار منها باقة عطرة مثل :
1 ـ قوله تعالى :(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَـٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) .
2 ـ قوله تعالى :(وَعَدَ اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ..
3 ـ قوله تعالى :(وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ )
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) .
4 ـ قوله تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا).
5 ـ قوله تعالى :(الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ).
وأمّا النار :
فأدلّتها كثيرة وفيرة أيضاً في كتاب الله تعالى ، فلنذكر منها نبذة :والآيات الشريفة في ذكر النار كثيرة أيضاً ممّا تثبت النار بتوصيفها وبيان أهلها ، نختار منها عظة نافعة :
1 ـ قوله تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
2 ـ قوله تعالى :(إِنَّ اللَّـهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)
3 ـ قوله تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
4 ـ قوله تعالى :(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)
5 ـ قوله تعالى :(وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ)
6 ـ قوله تعالى :(فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)
7 ـ قوله تعالى :(إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)
8 ـ قوله تعالى :(إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ)
9 ـ قوله تعالى :(فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)
10 ـ قوله تعالى :(وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ )
11 ـ قوله تعالى :(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا * إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا)
12 ـ قوله تعالى :(وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ)
13 ـ قوله تعالى :(فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَٰلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّـهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ)
14 ـ قوله تعالى :(إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ... ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ * إِنَّ هَـٰذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ)
15 ـ قوله تعالى :(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ)
16 ـ قوله تعالى :(انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ * انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّـهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ)
17 ـ قوله تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)
2 ـ في الحديث الشريف :
الأحاديث الواردة في اثبات وتوصيف الجنّة والنار ، والمنقولة عن أهل بيت الوحي سلام الله عليهم ، والمجموعة في باب خاص من بحار الأنوار ، بالغة فوق حدّ التواتر.
ننقل منها ما يكفي للتذكّر والذكرى ، بدايةً بأحاديث الجنّة ثمّ أحاديث النار.
أمّا أحاديث الجنّة فمنها :
1 ـ حديث عبدالله بن علي أنّه لقي بلالاً مؤذّن رسول الله صلى الله عليه وآله ، فسأله عن وصف بناء الجنّة؟
فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :
«إن سور الجنّة لبنة من ذهب ، ولبنة من فضّة ، ولبنة من ياقوت ، وملاطها (الملاط هو الطين الذي يجعل بين سافَي البناء كما في مجمع البحرين : ص 366.) المسك الأذفر ، وشرفها (الشُرُف : جمع شرفة وهو من القصر ما أشرف من بنائه.) الياقوت الأحمر والأخضر والأصفر.
قلت : فما أبوابها؟
قال : أبوابها مختلفة ، باب الرحمة من ياقوتة حمراء.
قلت : فما حلقته؟
قال : ويحك كف عني فقد كلفتني شططاً (اي أمراً شاقّاً.) اي أمراً شاقّاً.
قلت : ما أنا بكاف عنك حتى تؤدي إلي ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك.
قال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم أما باب الصبر فباب صغير مصراع واحد من ياقوتة حمراء لا حلق له.
وأما باب الشكر فإنه من ياقوتة بيضاء لها مصراعان مسيرة ما بينهما خمسمائة عام ، له ضجيج وحنين يقول : اللهم جئني بأهلي.
قلت : هل يتكلم الباب؟
قال : نعم ينطقه ذو الجلال والإكرام.
وأما باب البلاء.
قلت : أليس باب البلاء هو باب الصبر؟
قال : لا.
قلت : فما البلاء؟
قال : المصائب والأسقام والأمراض والجذام ، وهو باب من ياقوتة صفراء مصراع واحد ما أقل من يدخل منه!
قلت : رحمك الله! زدني وتفضّل علي فإني فقير.
قال : يا غلام! لقد كلفتني شططاً ، أما الباب الأعظم فيدخل منه العباد الصالحون ، وهم أهل الزهد والورع والراغبون إلى الله عزّوجلّ المستأنسون به.
قلت : رحمك الله! فإذا دخلوا الجنّة ماذا يصنعون؟
قال : يسيرون على نهرين في مصاف في سفن الياقوت ، مجاذيفها اللؤلؤ ، فيها ملائكة من نور ، عليهم ثياب خضر شديدة خضرتها.
قلت : رحمك الله! هل يكون من النور أخضر؟
قال : إن الثياب هي خضر ولكن فيها نور من نور رب العالمين جلّ جلاله ، يسيرون على حافتي ذلك النهر.
قلت : فما اسم ذلك النهر؟
قال : جنة المأوى.
قلت : هل وسطها غير هذا؟
قال : نعم ، جنة عدن ، وهي في وسط الجنان ، فأما جنة عدن فسورها ياقوت أحمر ، وحصباؤها اللؤلؤ.
قلت : فهل فيها غيرها؟
قال : نعم ، جنة الفردوس.
قلت : وكيف سورها؟
قال : ويحك! كف عني حيرت على قلبي.
قلت : بل أنت الفاعل بي ذلك ، ما أنا بكاف عنك حتى تتم لي الصفة وتخبرني عن سورها.
قال : سورها نور.
قلت : والغرف التي هي فيها؟
قال : هي من نور رب العالمين.
قلت : زدني رحمك الله!
قال : ويحك إلى هذا انتهى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، طوبى لك إن أنت وصلت إلى بعض
هذه الصّفة ، وطوبى لمن يؤمن بهذا». الْخَبَرِ.
2 ـ حديث أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال :
«قال أميرالمؤمنين عليه السلام : طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار النبي صلى الله عليه وآله ، وليس من مؤمن إلا وفي داره غصن منها ، لا تخطر على قلبه شهوة شيء إلا أتاه به ذلك الغصن ، ولو أن راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام ما خرج منها ، ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتى يسقط هرما ، ألا ففي هذا فارغبوا».
3 ـ حديث أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام ، عن آبائه عن الامام أميرالمؤمنين عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، لا يسكنها من أمتي إلا من أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأفشى السلام ، وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام» (1).
4 ـ حديث الهروي قال : قلت للرضا عليه السلام : يابن رسول الله! أخبرني عن الجنّة والنار أهما اليوم مخلوقتان؟ فقال :
«نعم ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد دخل الجنة ورأى النار لما عرج به الى السماء.
قال : فقلت له : فإن قوما يقولون : إنهما اليوم مقدرتان غير مخلوقتين.
فقال عليه السلام : ما أولئك منا ولا نحن منهم ، من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذب النبي صلى الله عليه وآله وكذبنا وليس من ولايتنا على شيء ، وخلد في نار جهنم ، قال الله عزّوجلّ : (هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ)
وقال النبي صلى الله عليه وآله : لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي ... ففاطمة حوراء إنسية ، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة».
5 ـ حديث موسى بن إبراهيم ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر ، عن أبيه عن جده عليهم السلام قال :
قالت أم سلمة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وآله : بأبي أنت وأمي المرأة يكون لها زوجان فيموتون ويدخلون الجنة لأيهما تكون؟ فقال عليه السلام : يا أم سلمة! تخير أحسنهما خلقا وخيرهما لأهله ، يا أم سلمة! إن حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة» (2).
6 ـ حديث أبي بصير قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : جعلت فداك يا ابن رسول الله! شوقني فقال :
«يا أبا محمد! إن الجنة توجد ريحها من مسيرة ألف عام ، وإن أدنى أهل الجنة منزلا لو نزل به الثقلان الجن والإنس لوسعهم طعاما وشرابا ولا ينقص مما عنده شيء ، وإن أيسر أهل الجنة منزلة من يدخل الجنة فيرفع له ثلاث حدائق ، فإذا دخل أدناهن رأى فيها من الأزواج والخدم والأنهار والثمار ما شاء الله ، فإذا شكر الله وحمده قيل له : ارفع رأسك إلى الحديقة الثانية ، ففيها ما ليس في الأولى ، فيقول : يا رب! أعطني هذه. فيقول : لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها ، فيقول : رب! هذه هذه ، فإذا هو دخلها وعظمت مسرته شكر الله وحمده.
قال : فيقال : افتحوا له باب الجنة ، ويقال له : ارفع رأسك ، فإذا قد فتح له باب من الخلد ويرى أضعاف ما كان فيما قبل ، فيقول عند تضاعف مسراته : رب! لك الحمد الذي لايحصى إذ مننت علي بالجنان وأنجيتني من النيران ، فيقول : رب أدخلني الجنة وأنجني من النار.
قال أبو بصير : فبكيت وقلت له : جعلت فداك! زدني.
قال : يا أبا محمد! إن في الجنة نهرا في حافتيها جوار نابتات ، إذا مر المؤمن بجارية أعجبته قلعها وأنبت الله مكانها أخرى.
قلت : جعلت فداك! زدني.
قال : المؤمن يزوج ثمان مائة عذراء وأربعة آلاف ثيب وزوجتين من الحور العين.
قلت : جعلت فداك! ثمان مائة عذراء؟
قال : نعم ، ما يفترش منهن شيئا إلا وجدها كذلك.
قلت : جعلت فداك! من أي شيء خلقن الحور العين؟
قال : من الجنة ويرى مخ ساقيها من وراء سبعين حلة.
قلت جعلت فداك! ألهن كلام يتكلمن به في الجنة؟
قال : نعم كلام يتكلمن به لم يسمع الخلائق بمثله.
قلت ما هو؟
قال : يقلن : نحن الخالدات فلا نموت ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن المقيمات فلا نطعن ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، طوبى لمن خلق لنا.
وطوبى لمن خلقنا له ، نحن اللواتي (لو علق إحدانا في جو السماء لأغنى نورنا عن الشمس والقمر) لو أن قرن إحدانا علق في جو السماء لأغشى نوره الأبصار» (3).
7 ـ حديث محمّد بن الفضل الزرقي ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عَن جَدِّهِ ، عَنْ عَلِيٍّ أميرالمؤمنين عليه السلام قَالَ :
«إن للجنة ثمانية أبواب : باب يدخل منه النبيون والصديقون ، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون ، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا.
فلا أزال واقفا على الصراط أدعو وأقول : رب! سلم شيعتي ومحبي وأنصاري ومن توالاني في دار الدنيا ؛ فإذا النداء من بطنان العرش : قد أجيبت دعوتك وشفعت في شيعتك ، ويشفع كل رجل من شيعتي ومن تولاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألفا من جيرانه وأقربائه ؛ وباب يدخل منه سائر المسلمين ممن يشهد أن لا إله إلا الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرة من بغضنا أهل البيت»
8 ـ حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله قال :
«إن حلقة باب الجنة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب ، فإذا دقت الحلقة على الصفحة طنت وقالت : يا علي».
9 ـ حديث عمر بن عبدالله الثقفي قال : سأل نصراني الشام الباقر عليه السلام عن أهل الجنة : كيف صاروا يأكلون ولا يتغوطون؟ أعطني مثله في الدنيا.
فقال عليه السلام :
«هذا الجنين في بطن أمه يأكل مما تأكل أمه ولا يتغوط» (4).
10 ـ حديث ابن عباس قال : قدم يهوديان فسألا أميرالمؤمنين عليه السلام فقالا : أين تكون الجنة؟ وأين تكون النار؟
قال : «أما الجنة ففي السماء ، وأما النار ففي الأرض ، قالا : فما السبعة؟ قال : سبعة أبواب النار متطابقات ، قال : فما الثمانية؟ قال : ثمانية أبواب الجنة» .
11 ـ حديث سليمان بن داود رفعه قال : قال علي بن الحسين عليه السلام :
«عليك بالقرآن فإن الله خلق الجنة بيده لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، وجعل ملاطها المسك ، وترابها الزعفران ، وحصباءها اللؤلؤ ، وجعل درجاتها على قدر آيات القرآن ، فمن قرأ القرآن قال له : اقرأ وارق ، ومن دخل منهم الجنة لم يكن في الجنة أعلى درجة منه ما خلا النبيون والصديقون» (5).
12 ـ حديث هشام بن الحكم : سأل الزنديق أبا عبدالله عليه السلام فقال :
«من أين قالوا : إن أهل الجنة يأتي الرجل منهم إلى ثمرة يتناولها فإذا أكلها عادت كهيئتها؟
قال : نعم ذلك على قياس السراج يأتي القابس فيقتس منه فلا ينقص من ضوئه شيء وقد امتلأت الدنيا منه سرجا.
قال : أليسوا يأكلون ويشربون؟ وتزعم أنه لا تكون لهم الحاجة!
قال : بلى لأن غذاءهم رقيق لا ثقل له ، بل يخرج من أجسادهم بالعرق.
قال : فكيف تكون الحوراء في كل ما أتاها زوجها عذراء؟
قال : إنها خلقت من الطيب لا تعتريها عاهة ، ولا تخالط جسمها آفة ، ولا يجري في ثقبها شيء ، ولا يدنسها حيض ، فالرحم ملتزقة ، إذ ليس فيه لسوى الإحليل مجرى.
قال : فهي تلبس سبعين حلة ويرى زوجها مخ ساقها من وراء حللها وبدنها؟
قال : نعم كما يرى أحدكم الدراهم إذا ألقيت في ماء صاف قدره قيد رمح.
قال : فكيف ينعم أهل الجنة بما فيها من النعيم وما منهم أحد إلا وقد افتقد ابنه أو أباه أو حميمه أو أمه؟ فإذا افتقدوهم في الجنة لم يشكوا في مصيرهم إلى النار؟ فما يصنع بالنعيم من يعلم أن حميمه في النار يعذب؟
قال عليه السلام إن أهل العلم قالوا : إنهم ينسون ذكرهم وقال بعضهم : انظروا قدومهم ورجوا أن يكونوا بين الجنة والنار في أصحاب الأعراف
13 ـ ما عن تفسير الإمام العسكري عليه السلام :
«إن في الجنة طيورا كالبخاتي ، عليها من أنواع المواشي ، تصير ما بين سماء الجنة وأرضها ، فإذا تمنى مؤمن محب للنبي وآله صلى الله عليه وآله الأكل من شيء منها وقع ذلك بعينه بين يديه ، فتناثر ريشه وانشوى وانطبخ ، فأكل من جانب منه قديداً ومن جانب منه مشويّاً بلا نار ، فإذا قضى شهوته ونهمته قال : الحمد لله رب العالمين عادت كما كانت فطارت في الهواء ، وفخرت على سائر طيور الجنة تقول : من مثلي وقد أكل مني ولي الله عن أمر الله؟»
14 ـ حديث عبدالله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
«لما أسري بي إلى السماء قال لي جبرئيل عليه السلام : قد أمرت الجنة والنار أن تعرض عليك ، قال : فرأيت الجنة وما فيها من النعيم ، ورأيت النار وما فيها من العذاب ؛ والجنة فيها ثمانية أبواب ، على كل باب منها أربع كلمات ، كل كلمة خير من الدنيا وما فيها لمن يعلم ويعمل بها. وللنار سبعة أبواب ، على كل باب منها ثلاث كلمات ، كل كلمة خير من الدنيا وما فيها لمن يعلم ويعمل بها.
فقال لي جبرئيل عليه السلام : اقرأ يا محمد ما على الأبواب فقرأت ذلك.
أما أبواب الجنة فعلى أول باب منها مكتوب : (لا إله إِلّا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ، لكل شيء حيلة وحيلة العيش أربع خصال : القناعة ، وبذل الحق ، وترك الحقد ، ومجالسة أهل الخير).
وعلى الباب الثاني مكتوب : (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ، لكل شيء حيلة وحيلة السرور في الآخرة أربع خصال : مسح رءوس اليتامى ، والتعطف على الأرامل ، والسعي في حوائج المؤمنين ، والتفقد للفقراء والمساكين).
وعلى الباب الثالث مكتوب : (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ، لكل شيء حيلة وحيلة الصحة في الدنيا أربع خصال : قلة الكلام ، وقلة المنام ، وقلة المشي ، وقلة الطعام).
وعلى الباب الرابع مكتوب : (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم والديه ، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت).
وعلى الباب الخامس مكتوب : (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ، من أراد أن لا يظلم فلا يظلم ، ومن أراد أن لا يشتم فلا يشتم ومن أراد أن لا يذل فلا يذل ومن أراد أن يستمسك بالعروة الوثقى في الدنيا والآخرة فليقل : لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله).
وعلى الباب السادس مكتوب : (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ، من أراد أن يكون قبره وسيعا فسيحا فليبن المساجد ، ومن أراد أن لا تأكله الديدان تحت الأرض فليسكن المساجد ، ومن أحب أن يكون طرياً لا يبلى فليكنس المساجد ، ومن أحب أن يرى موضعه في الجنة فليكس المساجد بالبسط).
وعلى الباب السابع مكتوب : (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ، بياض القلب في أربع خصال : عيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وشراء الأكفان ، ورد القرض).
وعلى الباب الثامن مكتوب : (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ، من أراد الدخول من هذه الأبواب فليتمسك بأربع خصال : السخاء ، وحسن الخلق ، والصدقة ، والكف عن أذى عباد الله تعالى).
ورأيت على أبواب النار مكتوباً على الباب الأول ثلاث كلمات : (من رجا الله سعد ، ومن خاف الله أمن ، والهالك المغرور من رجا غير الله وخاف سواه).
وعلى الباب الثاني : (من أراد أن لا يكون عريانا يوم القيامة فليكس الجلود العارية في الدنيا ، من أراد أن لا يكون عطشانا يوم القيامة فليسق العطاش في الدنيا ، من أراد أن لا يكون يوم القيامة جائعاً فليطعم البطون الجائعة في الدنيا).
وعلى الباب الثالث مكتوب : (لعن الله الكاذبين ، لعن الله الباخلين ، لعن الله الظالمين).
وعلى الباب الرابع مكتوب ثلاث كلمات : (أذل الله من أهان الإسلام ، أذل الله من أهان أهل البيت ، أذل الله من أعان الظالمين على ظلمهم للمخلوقين).
وعلى الباب الخامس مكتوب ثلاث كلمات : (لا تتبعوا الهوى فالهوى يخالف الإيمان ، ولا تكثر منطقك فيما لا يعنيك فتسقط من رحمة الله ، ولا تكن عونا للظالمين).
وعلى الباب السادس مكتوب : (أنا حرام على المجتهدين ، أنا حرام على المتصدقين ، أنا حرام على الصائمين).
وعلى الباب السابع مكتوب ثلاث كلمات : (حاسبوا نفوسكم قبل أن تحاسبوا ، ووبخوا نفوسكم قبل أن توبخوا ، وادعوا الله عزّوجلّ قبل أن تردوا عليه ولا تقدروا على ذلك)» (6).
15 ـ حديث تنبيه الخواطر أنّه قَالَ رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله : يا أباالقاسم! أتزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟
قال :
«نعم والذي نفسي بيده إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب ، قال : فإن الذي يأكل تكون له الحاجة والجنة طيب لا خبث فيها؟ قال : عرق يفيض من أحدهم كرشح المسك فيضمر بطنه»
16 ـ حديث النهج الشريف أنّه قَالَ أميرالمؤمنين عليه السلام :
«واعلموا أن من يتق الله يجعل له مخرجاً من الفتن ، ونوراً من الظلم ، ويخلّده فيما اشتهت نفسه ، وينزله منزل الكرامة عنده ، في دار اصطنعها لنفسه ، ظلها عرشه ، ونورها بهجته ، وزوارها ملائكته ، ورفقاؤها رسله.
ثم قال عليه السلام : فبادروا بأعمالكم تكونوا مع جيران الله ، رافق بهم رسله ، وأزارهم ملائكته ، وأكرم أسماعهم عن أن تسمع حسيس نار أبداً ، وصان أجسادهم أن تلقى لغوباً ونصباً ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم»
17 ـ حديث تفسير فرات الكوفي ، عن سلمان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال :
«والله يا علي! إن شيعتك ليؤذن لهم في الدخول عليكم في كل جمعة ، وإنهم لينظرون إليكم من منازلهم يوم الجمعة كما ينظر أهل الدنيا إلى النجم في السماء ، وإنكم لفي أعلى عليين في غرفة ليس فوقها درجة أحد من خلقه» (7).
18 ـ حديث تفسير فرات الكوفي أيضاً عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ـ وساق الحديث في تجهيز النبي صلى الله عليه وآله سرية إلى جهاد قوم إلى أن قال ـ :
«فمن منكم يخرج إليهم قبل أن ينظر في ديارنا وحريمنا لعل الله أن يفتح على يديه وأضمن له على الله اثنا عشر قصرا في الجنة.
وساقه إلى أن قال :
فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : فداك أبي وأمي يا رسول الله! صف لي هذه القصور؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي! بناء هذه القصور لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، ملاطها المسك الأذفر والعنبر ، حصباؤها الدر والياقوت ، ترابها الزعفران ، كثيبها الكافور ، في صحن كل قصر من هذه القصور أربعة أنهار :
نهر من عسل ، ونهر من خمر ، ونهر من لبن ، ونهر من ماء ، محفوف بالأشجار من المرجان ، على حافتي كل نهر من هذه الأنهار خيم من درة بيضاء لا قطع فيه ولا فصل ، قال لها : كوني فكانت ، يرى باطنها من ظاهرها ، وظاهرها من باطنها ، في كل خيمة سرير مفصص بالياقوت الأحمر ، قوائمها من الزبرجد الأخضر ، على كل سرير حوراء من الحور العين ، على كل حور سبعون حلة خضراء ، وسبعون حلة صفراء ، يرى مخ ساقيها خلف عظمها وجلدها وحليها وحللها ، كما ترى الخمرة الصافية في الزجاجة البيضاء ، مكللة بالجواهر ، لكل حور سبعون ذؤابة ، كل ذؤابة بيد وصيف ، وبيد كل وصيف مجمر تبخر تلك الذؤابة ، يفوح من ذلك المجمر بخار لا يفوح بنار ولكن بقدرة الجبار»
19 ـ حديث الشيخ الصدوق في الأمالي بسنده عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن الإمام علي أميرالمؤمنين عليه السلام قال :
«كان لي عشر من رسول الله صلى الله عليه وآله لم يعطهن أحد قلبي ، ولا يعطاهن أحد بعدي ، قال لي : يا علي! أنت أخي في الآخرة ، وأنت أقرب الناس مني موقفا يوم القيامة ، ومنزلي ومنزلك في الجنة متواجهان كمنزل الأخوين»
20 ـ حديث إكمال الدين بإسناده عن أبي الطفيل ، عن الإمام علي عليه السلام في أجوبته عليه السلام عن مسائل اليهودي ـ إلى أن قال ـ :
«وأمّا منزل محمد صلى الله عليه وآله من الجنة في جنة عدن وهي وسط الجنان ، وأقربها من عرش الرحمن جل جلاله ، والذين يسكنون معه في الجنة هؤلاء الأئمة الاثنا عشر»
21 ـ حديث موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن عبي بن أبي طالب عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
«أدخلت الجنة فرأيت على بابها مكتوبا بالذهب : لا إله إلا الله ، محمد حبيب الله ، علي ولي الله ، فاطمة أمة الله ، الحسن والحسين صفوة الله ، على مبغضيهم لعنة الله»
22 ـ حديث عدّة الداعي أنّه قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
«لو أن ثوبا من ثياب أهل الجنة ألقي على أهل الدنيا لم يحتمله أبصارهم ولماتوا من شهوة النظر إليه».
وقد ورد عنهم عليه السلام : كل شيء من الدنيا سماعه أعظم من عيانه ، وكل شيء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه.
وفي الوحي القديم : أعددت لعبادي ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر بقلب بشر» (8).
23 ـ حديث الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) مسنداً عن أبي أمامة الباهلي ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال :
«ما من عبد يدخل الجنة إلا ويجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين تغنيانه بأحسن صوت سمعه الإنس والجن ، وليس بمزمار الشيطان ، ولكن بتمجيد الله وتقديسه».
24 ـ ما حكاه في تفسير المجمع :
«إن في الجنة لأشجاراً عليها أجراس من فضة ، فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله ريحاً من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار فتحرك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربا»
25 ـ حديث جابر عن أبي جعفر ـ الباقر ـ عليه السلام قال :
«إن أرض الجنة رخامها فضة ، وترابها الورس والزعفران ، وكنسها المسك ، ورضراضها الدر والياقوت»
26 ـ وعن جابر عن أبي جعفر ـ الباقر ـ عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
«إن أنهار الجنة تجري في غير أخدود ، أشد بياضا من الثلج ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، طين النهر مسك أذفر ، وحصاه الدر والياقوت ، تجري في عيونه وأنهاره حيث يشتهي ويريد في جنانه ولي الله.
فلو أضاف من في الدنيا من الجن والإنس لأوسعهم طعاما وشراباً وحللاً وحلياً لا ينقصه من ذلك شيء» (9).
27 ـ وعن جابر عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
«إن نخل الجنة جذوعها ذهب أحمر ، وكربها زبرجد أخضر ، وشماريخها در أبيض ، وسعفها حلل خضر ، ورطبها أشد بياضا من الفضة ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، ليس فيه عجم ، طول العذق اثنا عشر ذراعا ، منضودة من أعلاه إلى أسفله ، لا يؤخذ منه شيء إلّا أعاده الله كما كان ، وذلك قول الله : (لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ) ، وإن رطبها لأمثال القلال ، وموزها ورمانها أمثال الدلي ، وأمشاطهم الذهب ، ومجامرهم الدر»
28 ـ وعن جابر ، عن أبي جعفر ـ الباقر ـ عليه السلام قال :
«إن أهل الجنة يحيون فلا يموتون أبداً ، ويستيقظون فلا ينامون أبداً ، ويستغنون فلا يفتقرون أبداً ، ويفرحون فلا يحزنون أبداً ، ويضحكون فلا يبكون أبداً ، ويكرمون فلا يهانون أبداً ، ويفكهون ولا يقطبون أبداً ، ويحبرون ويسرون أبداً ، ويأكلون فلا يجوعون أبداً ، ويروون فلا يظمئون أبداً ، ويكسون فلا يعرون أبداً ، ويركبون ولا يتزاورون أبداً.
ويسلم عليهم الولدان المخلدون أبداً ، بأيديهم أباريق الفضة وآنية الذهب أبداً ، متكئين على سرر أبداً ، على الأرائك ينظرون أبداً ، يأتيهم التحية والتسليم من الله أبداً ، نسأل الله الجنة برحمته إنه على كل شيء قدير»
وأمّا الأحاديث الشريفة الاُخرى المبنيّة لجحيم النار أعاذنا الله منها ، فمن ذلك ما يلي ذكره :
1 ـ حديث أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال :
قلت له : يا ابن رسول الله! خوفني فإن قلبي قد قسا.
فقال :
«يا أبا محمد! استعد للحياة الطويلة ، فإن جبرئيل جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو قاطب وقد كان قبل ذلك يجيء وهو مبتسم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا جبرئيل! جئتني اليوم قاطباً.
فقال : يا محمداه! قد وضعت منافخ النار.
فقال : وما منافخ النار يا جبرئيل؟
فقال : يا محمد! إن الله عزّوجلّ أمر بالنار فنفخ عليها ألف عام حتى ابيضت ، ثم نفخ عليها ألف عام حتى احمرت ، ثم نفخ عليها ألف عام حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة ، لو أن قطرة من الضريع قطرت في شراب أهل الدنيا لمات أهلها من نتنها ، ولو أن حلقة واحدة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعاً وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرها ، ولو أن سربالا من سرابيل أهل النار علق بين السماء والأرض لمات أهل الدنيا من ريحه.
قال : فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وبكى جبرئيل ، فبعث الله إليهما ملكاً فقال لهما : إن ربكما يقرئكما السلام ويقول : قد أمنتكما أن تذنبا ذنباً أعذبكما عليه.
فقال أبو عبدالله عليه السلام : فما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله جبرئيل متبسماً بعد ذلك.
ثم قال : إن أهل النار يعظمون النار ، وإن أهل الجنة يعظمون الجنة والنعيم ، وإن جهنم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاماً ، فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد وأعيدوا في دركها ، فهذه حالهم ، وهو قول الله عزّوجلّ : (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) ثم تبدل جلودهم غير الجلود التي كانت عليهم.
قال أبو عبدالله عليه السلام حسبك؟ قلت : حسبي حسبي».
2 ـ حديث عمرو بن ثابت ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال :
«إن أهل النار يتعاوون فيها كما يتعاوى الكلاب والذئاب مما يلقون من أليم (ألم ـ خ ـ ل) العذاب ، فما ظنك ـ يا عمرو! ـ بقوم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ، عطاش فيها ، جياع ، كليلة أبصارهم ، صم بكم عمي ، مسودة وجوههم ، خاسئين فيها نادمين ، مغضوب عليهم ، فلا يرحمون من العذاب ، ولا يخفف عنهم ، وفي النار يسجرون ، ومن الحميم يشربون ، ومن الزقوم يأكلون ، وبكلاليب النار يحطمون ، وبالمقامع يضربون ، والملائكة الغلاظ الشداد لا يرحمون ، فهم في النار يسحبون على وجوههم ، مع الشياطين يقرنون ، وفي الأنكال والأغلال يصفدون ، إن دعوا لم يستجب لهم ، وإن سألوا حاجة لم تقض لهم هذه حال من دخل النار».
3 ـ حديث معاوية بن وهب قال : كنا عند أبي عبدالله عليه السلام فقرأ رجل (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، فقال الرجل :
«وما الفلق؟
قال : صدع في النار فيه سبعون ألف دار ، في كل دار سبعون ألف بيت ، في كل بيت سبعون ألف أسود ، في جوف كل أسود سبعون ألف جرة سم ، لابد لأهل النار أن يمروا عليها» (10).
4 ـ ما عن تفسير القمّي في قوله تعالى : (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) فقيل لأبي عبد الله عليه السلام :
5 ـ حديث أبي الجارود عن الإمام أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) يقول :
«ملازماً لا يفارق ، قوله : (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا).
قال : أثام ، واد من أودية جهنم من صفر مذاب قدامه حرة في جهنم ، يكون فيه من عبد غير الله ومن قتل النفس التي حرم الله وتكون فيه الزناة».
6 ـ حديث القمّي في قوله تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ).
قال :«يدخل في كل باب أهل ملّة ...».
وفي رواية أبي الجارود عن الإمام أبي جعفر عليه السلام في قوله : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) «فوقوفهم على الصراط ، وأمَّا : (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) فبلغني ـ والله أعلم ـ أن الله جعلها سبع دركات :
أعلاها الجحيم ؛ يقوم أهلها على الصفا منها ، تعلي أدمغتهم فيها كغلي القدور بما فيها.
والثانية : (لَظَىٰ * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ * وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ).
والثالثة : (سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ).
والرابعة : الحطمة ، ومنها يثور شرر كالقصر ، كأنها جمالات صفر ، تدق كل من صار إليها مثل الكحل ، فلا يموت الروح ، كلما صاروا مثل الكحل عادوا.
والخامسة : الهاوية ، فيها ملأ يدعون : يا مالك! أغثنا ، فإذا أغاثهم جعل لهم آنية من صفر من نار فيه صديد ماء يسيل من جلودهم كأنه مهل ، فإذا رفعوه ليشربوا منه تساقط لحم وجوههم فيها من شدّة حرها ، وهو قول الله تعالى : (وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) ، ومن هوى فيها هوى سبعين عاماً في النار ، كلما احترق جلده بدل جلداً غيره.
والسادسة : هي السعير ، فيها ثلاث مائة سرادق من نار ، في كل سرادق ثلاث مائة قصر من نار ، في كل قصر ثلاث مائة بيت من نار ، في كل بيت ثلاث مائة لون من عذاب النار فيها حيات من نار ، وعقارب من نار ، وجوامع من نار ، وسلاسل من نار ، وأغلال من نار ، وهو الذي يقول الله : (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا).
والسابعة : جهنم ، وفيها الفلق وهو جب في جهنم إذا فتح أسعر النار سعراً ، وهو أشد النار عذاباً.
وأما صعودا فجبل من صفر من نار وسط جهنم.
وأما أثاما فهو واد من صفر مذاب يجري حول الجبل فهو أشد النار عذاباً» (11).
7 ـ حديث منصور بن يونس ، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال :
«إن في النار لناراً تتعوذ منها أهل النار ، ما خلقت إلا لكل متكبر جبار عنيد ولكل شيطان مريد ، ولكل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ، وكل ناصب لآل محمد.
وقال : إن أهون الناس عذاباً يوم القيامة لرجل في ضحضاح من نار ، عليه نعلان من نار ، وشراكان من نار ، يعلي منها دماغه كما يعلي المرجل ، ما يرى أن في النار أحداً أشد عذاباً منه ، وما في النار أحدٌ أهون عذاباً منه»
8 ـ حديث تفسير القمي في قوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ).
قال :
«الفلق جب في جهنم يتعوذ أهل النار من شدّة حرّة ، سأل الله أن يأذن له أن يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم.
قال : وفي ذلك الجب صندوق من نار يتعوذ أهل تلك الجب من حر ذلك الصندوق ، وهو التابوت ، وفي ذلك التابوت ستة من الأولين وستة من الآخرين.
فأما الستة من الأولين ؛ فابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود إبراهيم الذي ألقى إبراهيم في النار ، وفرعون موسى ، والسامري الذي اتخذ العجل ، والذي هود اليهود ، والذي نصر النصارى.
وأما الستة من الآخرين فهو : الأول والثاني والثالث والرابع وصاحب الخوارج وابن ملجم» (12).
9 ـ حديث ميسر عن أبي جعفر ـ الباقر ـ عليه السلام قال :
«إن في جهنم لجبلاً يقال له : الصعدا ، وإن في الصعدا لوادياً يقال له : سقر ، وإن في سقر لجباً يقال له : هبهب ، كلما كشف غطاء ذلك الجب ضج أهل النار من حره ، ذلك منازل الجبارين».
10 ـ حديث تفسير الامام العسكري عليه السلام في قوله تعالى : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) :
«حجارة الكبريت أشد الأشياء حرّاً (أُعِدَّتْ) تلك النار (لِلْكَافِرِينَ) بمحمد والشاكين في نوته ، والدافعين لحق أخيه علي والجاحدين لإمامته عليه السلام».
11 ـ حديث الدروع الواقية أنَّهُ لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) بكى النبي صلى الله عليه وآله بكاءً شديداً ، وبكت صحابته لبكائه ، ولم يدروا ما نزل به جبرئيل عليه السلام ولم يستطع أحد من صحابته أن يكلمه.
وكان النبي صلى الله عليه وآله أذا رأى فاطمة عليها السلام فرح بها ، فانطلق بعض أصحابه إلى باب بيتها فوجد بين يديها شعيراً وهي تطحن فيه وتقول : (وَمَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) فسلم عليها وأخبرها بخبر النبي صلى الله عليه وآله وبكائه.
فنهضت والتفت بشملة لها خلقة قد خطيت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل ، فلما خرجت نظر سلمان الفارسي إلى الشملة وبكى وقال : واحزناه! إن بنات قيصر وكسرى لفي السندس والحرير ، وابنه محمد صلى الله عليه وآله عليها شملة صوف خلقة قد خطيت في اثني عشر مكاناً ، فلما دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وآله قالت :
«يا رسول الله! إن سلمان تعجب من لباسي.فو الذي بعثك بالحق ما لي ولعلي منذ خمس سنين إلا مسك كبش نعلف عليها بالنهار بعيرنا فإذا كان الليل افترشناه.وإن مرفقتنا لمن أدم حشوها ليف.
فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا سلمان! إن ابنتي لفي الخيل السوابق.
ثم قالت : يا أبت! فديتك ما الذي أبكاك؟ فذكر لها ما نزل به جبرئيل من الآيتين المتقدمتين.
قال : فسقطت فاطمة عليها السلام على وجهها وهي تقول : الويل ثم الويل لمن دخل النار.
فسمع سلمان فقال : يا ليتني كنت كبشاً لأهلي فأكلوا لحمي ومزقوا جلدي ولم أسمع بذكر النار.
وقال أبوذر : يا ليت أمي كانت عاقراً ولم تلدني ولم أسمع بذكر النار.
وقال مقداد : يا ليتني كنت طائراً في الفقار ولم يكن علي حساب ولا عقاب ولم أسمع بذكر النار.
وقال علي عليه السلام : يا ليت السباع مزقت لحمي وليت أمي لم تلدني ولم أسمع بذكر النار.
ثم وضع علي عليه السلام يده على رأسه وجعل يبكي ويقول : وا بعد سفراه! وا قلة زاداه! في سفر القيامة يذهبون ، في النار يترددون ، وبكلاليب النار يتخطفون ، مرضى لا يعاد سقيمهم ، وجرح لا يداوى جريحهم ، وأسرى لا يفك أسرهم ، من النار يأكلون ، ومنها يشربون ، وبين أطباقها يتقلبون ، وبعد لبس القطن مقطعات النار يلبسون ، وبعد معانقة الأزواج مع الشياطين مقرنون».
12 ـ حديث موفق مولى أبي الحسن عليه السلام قال :
«كان مولاي أبو الحسن عليه السلام إذا أمر بشراء البقل يأمر بالإكثار منه ومن الجرجير فيشترى له ، وكان يقول عليه السلام : ما أحمق بعض الناس يقولون : إنه ينبت في واد في جهنم ، والله عزّوجلّ يقول : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) فكيف تنبت البقل» (13).
13 ـ جديث سيّدنا عبد العظيم بن عبدالله الحسني عن الإمام محمد بن علي الرضا عن آبائه عن أميرالمؤمنين علي عليهم السلام قال :
«دخلت أنا وفاطمة على رسول الله صلى الله عليه وآله فوجدته يبكي بكاءً شديداً.
فقلت له : فداك أبي وأمي يا رسول الله! ما الذي أبكاك؟
فقال : يا علي! ليلة أسري بي إلى السماء رأيت نساء من أمتي في عذاب شديد ، فأنكرت شأنهن فبكيت لما رأيت من شدّة عذابهن ، ـ ثم ذكر حالهن إلى أن قال :
فقالت : فاطمة حبيبي وقرة عيني أخبرني ما كان عملهن.
فقال : أما المعلقة بشعرها فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال ، وأما المعلقة بلسانها فإنها كانت تؤذي زوجها ، وأما المعلقة بذدييها فإنها كانت ترضع أولاد غير زوجها بغير إذنه وأما المعلقة برجليها فإنها كانت تخرج من بيتها بغير إذن زوجها ، وأما التي كانت تأكل لحم جسدها فإنها كانت تزين بدنها للناس ، وأما التي تشد يداها إلى رجليها وتسلط عليها الحيات والعقارب فإنها كانت قذرة الوضوء والثياب وكانت لا تغسل من الجنابة والحيض ولا تتنظف وكانت تستهين بالصلاة ، وأما العمياء الصماء الخرساء فإنها كانت تلد من الزنا فتعلقه في عنق زوجها ، وأما التي كانت تقرص لحمها بالمقاريض فإنها كانت تعرض نفسها على الرجال ، وأما التي كانت تحرق وجهها وبدنها وهي تجر أمعاءها فإنها كانت قوّادة ، وأما التي كان رأسها رأس خنزيروبدنها بدن الحمار فإنها كانت نمامة كذابة ، وأما التي كانت على صورة الكلب والنار تدخل في دبرها وتخرج من فيها فإنها كانت قينة نواحة حاسدة.
ثم قال عليه السلام : ويل لامرأة اغضبت زوجها ، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها».
14 ـ حديث مشعدة بن زياد ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه عليهم السلام أن علياً عليه السلام قال :
«إن في جهنم رحى تطحن خمساً ، أفلا تسألوني ما طحنها؟
فقيل له : وما طحنها يا أميرالمؤمنين؟
قال : العلماء الفجرة ، والقراء الفسقة ، والجبابرة الظلمة ، والوزراء الخونة ، والعرفاء الكذبة.
وإن في النار لمدينة يقال لها : الحصينة ، فلا تسألوني ما فيها؟ فقيل : وما فيها يا أميرالمؤمنين؟ فقال : فيها أيدي الناكثين»
15 ـ حديث محمد بن أحمد ، عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال :
«قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم : يا علي! إن جبرئيل عليه السلام أخبرني أن أمتي يغدر بك من بعدي فويل ثم ويل ثم ويل لهم ـ ثلاث مرات ـ
قلت : يا رسول الله! وما ويل؟
قال : واد في جهنم أكثر أهله معادوك ، والقاتلون لذريتك ، والناكثون لبيعتك ، فطوبى ثم طوبى ثم طوبى ـ ثلاث مرات ـ لمن أحبك ووالاك.
قلت : يا رسول الله! وما طوبى؟
قال : شجرة في دارك في الجنة ، ليس دار من دور شيعتك في الجنة إلا وفيها غصن من تلك الشجرة ، تهدل عليهم بكل ما يشتهون» (14).
16 ـ حديث أبي عبيدة ، عن أبي جعفر ـ الباقر ـ عليه السلام قال :
«إن في جهنم لواد يقال له : غساق ، فيه ثلاثون وثلاث مائة قصر ، في كل قصر ثلاثون وثلاث مائة بيت ، في كل بيت ثلاثون وثلاث مائة عقرب ، في حمة كل عقرب ثلاثون وثلاث مائة قلة سم ، لو أن عقرباً منها نضحت سمها على أهل جهنم لوسعتهم سماً».
الخلود في الجنان والنيران
ممّا لا شكّ فيه وتطابقت الأدلّة عليه أنّ أهل الجنّة مخلّدون أبداً في الجنّة ، وأنّ الكفّار والمنافقين أيضاً مخلّدون أبداً في النار.دلّ على ذلك صريح القرآن الكريم ، ومتواتر الحديث السليم ، والاجماع الذي لم يخالف فيه أيّ عالم مستقيم.
الدليل الأوّل : القرآن الكريم :
آيات الخلود في الجنّة والنار في القرآن الحكيم كثيرة جدّاً ، وصريحة حقّاً ، وليس فيها مجال للتشكيك أبداً.
فقال عزّوجلّ :(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
وقال جلّ جلاله :(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
وقال : (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا)
وقد اُحصيت آي الذكر الحكيم المصرّحة بالخلود في الجنّة والنار ، فكانت آيات الخلود في الجنّة 37 آية كريمة ، وآيات الخلود في النار 36 آية كريمة .
ومع صراحة الخلود في كلا المقامين الجنّة والنار ، لا في آية واحدة بل في هذه الكثرة من الآيات في مختلف الكفار والعصاة كييف يمكن انكار الخلود أو توجيهه بما لا يقبله العقل بل يأباه الكتاب والسنّة ممّا سيأتي التعرّض إليه في دليل الاجماع.
الدليل الثاني : الحديث الشريف :
أحاديث الخلود في الجنّة والنار متظافرة متواترة ، وقد تقدّم بعضها في أدلّة السنّة المتقدّمة على الجنّة والنار ، وذكر العلّامة المجلسي جملة كثيرة منها في بابين من المجلد الثامن من البحار ، باب ذبح الموت بين الجنّة والنار ، والخلود فيهما وعلته ، وباب من يخلّد في النار ومن يخرج منها ، يكفيك من ذلك مثل :
1 ـ حديث حمران قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام :
«إنه بلغنا أنه يأتي على جهنم حين يصطفق أبوابها فقال لا والله إنه الخلود» (15).
2 ـ حديث أبي ولّاد الحنّاط :
عن الامام الصادق عليه السلام أنه : سئل عن قوله : (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) الآية قال :
«ينادي مناد من عند الله ـ وذلك بعد ما صار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ـ يا أهل الجنة ويا أهل النار هل ترفون الموت في صورة من الصور؟
فيقولون : لا ، فيؤتي بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ، ثم ينادون جميعاً : أشرفوا وانظروا إلى الموت.
فيشرفون ثم يأمر الله به فيذبح ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت أبداً ويا أهل النار خلود فلا موت أبداً وهو قوله : (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) أي : قضي على أهل الجنة بالخلود فيها وقضي على أهل النار بالخلود فيها» (16).
3 ـ حديث أبي هاشم قال :
سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الخلود في الجنّة والنار؟
فقال عليه السلام :
«إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبداً.
وإنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبداً فبالنيات خلد هؤلاء ثم تلا قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ) قال : على نيته» (17).
4 ـ حديث منصور بن حازم قال :
قلت لأبي عبدالله عليه السلام : (وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)؟
قال عليه السلام :
«أعداء عليّ عليه السلام هم المخلّدون في النار أبد الآبدين ودهر الداهرين» (18).
5 ـ حديث أبي حمزة : عن أحدهما عليهما السلام في قوله تعالى : (بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) قال عليه السلام :
«إذا جحد إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون» (19).
الدليل الثالث : اجماع المسلمين :
المستفاد من كلماتهم اجماع المسلمين على الخلود في الجنّة والنار ، وعدم الخلاف في ذلك إلّا من بعض الشاذّين.
بل إنّ مسئلة الخلود من ضروريّات الدين ، ومن البديهيّات عند الديّانين.
فالمؤمنون خالدون في الجنان ، والكفّار والمنافقون خالدون في النيران بضروري الدين واجماع المسلمين.
علماً بأن جاحدي امامة أميرالمؤمنين عليه السلام أو أحد من الأئمّة المعصومين معدودون من الكفّار ومن المخلّدين في النار.
قال الشيخ الصدوق بعد بيانه المتقدّم في الجنّة والنار بأن اعتقادنا كون الجنّة دار البقاء ، والناعر دار الانتقام والخلود للكفّار والمشركين قال ما نصّه :
«اعتقادنا في الظالمين أنّهم ملعونون والبراءة منهم واجبة ... واعتقادنا فيمن جحد امامة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب والأئمّة من بعده عليهم السلام إنّه بمنزلة من جحد نبوّة جميع الأنبياء ... واعتقادنا في البراءة انها واجبة من الأوثان الأربعة ومن الأنداد الأربعة ومن جميع أشياعهم وأتباعهم ... واعتقادنا في قتلة الأنبياء وقتلة الأئمّة أنّهم كفّار مشركون مخلّدون في أسفل دركٍ من النار» (20).
وقال العلّامة المجلسي :
«اعلم أنّ خلود أهل الجنّة في الجنّة ممّا أجمعت عليه المسلمون وكذا خلود الكفّار في النار ودوام تعذيبهم»
ثمّ أضاف بعد ذلك :
«أقول : القول بعدم خلودهم في النار نشأ من عدم تتبعهم للأخبار» (21).
وقال السيّد شبّر :
وبذلك تعرف بدليل الكتاب والسنّة والاجماع أنّ المؤمنين مخلّدون في الجنان ، وأنّ الكفّار بمن اندرج فيهم جميعاً والمنافقين مخلّدون في النيران
ويحسن التنبيه هنا على نكتة في المقام نافعة للمرام وهو بيان وجه الخلود ، يعني لِمَ يخلّد أهل الجنّة في الجنّة وأهل النار في النار مع انّ عملهم في الدنيا كان محدوداً مؤقتاً؟
والجواب :
أوّلاً : أنّ خلود أهل الجنّة لطفٌ وفضلٌ وإحسانٌ من الله تعالى ولا شك في حسنه.
وخلود أهل النار هو للكافر والمنافق ـ كما عرفت ـ للاستحقاق ممّن لم يُبقوا لأنفسهم بجحودهم مجالاً للتفضل عليهم حتّى يدخلوا الجنّة كما قال تعالى :
(بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
ثانياً : انّ خلود كلا الفريقين وأبديّتهما في الجنّة والنار بواسطة أبديّة نيّتهما في الخير والشرّ ، فيجزون بنيّتهما كما يستفاد من حديث أبي هاشم المتقدّم.
«إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبداً».
ثالثاً : انّ عِظَم حجم المعصية والكفير والجحود تناسب العذاب الخالد المؤيّد الذي لا نهاية له ، فالعصيان العظيم يقتضي العذاب العظيم تناسب الجزاء مع الذنب حيث جُحد الخالق المتفضّل والمالك الحقيقي والمنعم المبتدي بالنعم ، وعُصي من لا نهاية لعظمته فيناسب أن يكون لا نهاية في عقاب معصيته.
«أنا صاحب الدواهي العظمى ، أنا الذي على سيده اجترى ، أنا الذي عصيت جبار السماء».
خصوصاً وان بعض المعاصي اعلان الحرب مع الله تعالى كقضيّة قارون الواردة في البحار : ج 13 ، ص 256 الذي كان يريد هدم دين موسى الذي كان دين الله تعالى.
قال المحقّق الكراجكي في مناظراته كما في المناظرات : ج 1 ، ص 102 (انّ المعاصي تتعاظم في نفوسنا على قدر نعم المَعصىّ).
رابعاً : أنّ دوام الجزاء وخلوده نتيجة لنفس عمل الانسان ، وأثرٌ طبيعي لفعل شخص العامل خيراً أو شرّاً.
فبعض الأعمال الصالحة تتجسّم إلى نعيم دائم لعامله ككلمة لا إله إلّا الله والصلاة ، وبعض الأعمال السيّئة تتجسّم إلى عذابٍ دائم لفاعله كآكل مال اليتيم
ويكون هذا العمل صالحاً أو سيّئاً بفعل نفسه وصنع نفس المكلّف ، من دون أن يكون ظلمٌ من الله جلّ جلاله ، فالدنيا مزرعة الآخرة.
نظير الأعمال في هذه الدنيا المتعقبة لدوام النتيجة ..
ترى أن الرجل الصالح يشيّد مؤسسة رفاهيّة في يومٍ واحد يتمتّع بها طول عمره ، أو يزرع نواة تمرة وحدة يستلذ بتمره طول حياته.
وفي مقابله ترى أنّ الرجل العاصي قد ينادم شرب الخمر اسبوعاً يبتلي معه لقرحة في معدته تؤلمه طول حياته ، أو يرتكب جناية في دقيقة واحدة فيُعمى بصره وتظلم الدنيا لديه جميع أيّام عُمره ، أو يشرب قليلاً من السم فيفقد دائماً حياته ، فالدنيا مزرعة الآخرة يحصد الانسان في آخرته ما يزرعه في دنياه من خيرٍ دائم أو شرّ دائم ..
فبذور خيره تنتج له النعم المخلّدة في الجنّة.
وبذور شرّه تعقّب له العقوبات المخلّدة في النار.
فنفس الأعمال الصالحة والسيّئة تعقّب الخير والشر ، لكن لا بنحو العليّة والمعلوليّة بحيث لا تتخلّف بل بنحو الاقتضاء ، فالأعمار الشريرة بنفسها تقتضي الخلود في النار
وقد يستفاد من آي الكتاب الحكيم ، وأحاديث من الهداة المعصومين انّ العذاب أثر نفس العمل بل تجسّمه.
فمن الكتاب مثل :
1 ـ قوله تعالى : (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ)
2 ـ قوله تعالى : (وَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)
3 ـ قوله تعالى : (فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
4 ـ قوله تعالى : (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ)
5 ـ قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
ومن الحديث مثل :
1 ـ حدريث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله :
«لمّا أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قيعاناً ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة وربما أمسكوا.
فقلت لهم : ما لكم قد أمسكتم؟
قالوا : حتى تجيئنا النفقة.
فقلت : وما نفقتكم؟
قالوا : قول المؤمن سبحان الله ، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإذا قال بنينا وإذا سكت أمسكنا» (22).
2 ـ حديث النبوي الشريف :
«الدنيا مزرعةُ الآخرة» (23).
3 ـ حديث العلوي المبارك :
«وكما تزرع تحصد وكما قدّمت اليوم تقدّم عليه غداً ، فامهد لقدمك ، وقدّم ليومك» (24).
4 ـ حديث سدير الصيرفي عن الامام الصادق عليه السلام :
«إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدم أمامه ، كلما رأى المؤمن هولاً من أهوال يوم القيامة قال له المثال : لا تفزع ولا تحزن وأبشر بالسرور والكرامة من الله عزّوجلّ حتى يقف بين يدي الله عزّوجلّ فيحاسبه حساباً يسيراً ويأمر به إلى الجنة والمثال أمامه.
فيقول له المؤمن : يرحمك الله نعم الخارج خرجت معي من قبري وما زلت تبشرني بالسرور والكرامة من الله حتى رأيت ذلك ، من أنت؟
فيقول أنا السرور الذي كنت أدخلت على أخيك المؤمن في الدنيا خلقني الله عزّوجلّ منه لأبشرك» (25).
5 ـ حديث أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال :
«إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستة صور فيهن صورة أحسنهن وجهاً ، وأبهاهن هيئة ، وأطيبهن ريحا ، وأنظفهن صورة ، فيقف صورة عن يمينه ، وأخرى عن يساره ، وأخرى بين يديه ، وأخرى خلفه ، وأخرى عند رجله وتقف التي هي أحسنهن فوق رأسه ...
فتقول أحسنهن صورة : من أنتم جزاكم الله عني خيرا؟ فتقول التي عن يمين العبد :
أنا الصلاة ، وتقول التي عن يساره : أنا الزكاة ، وتقول التي بين يديه : أنا الصيام ، وتقول التي خلفه : أنا الحج والعمرة ، وتقول التي عند رجليه : أنا بر من وصلت من إخوانك.
ثم يقلن من أنت فأنت أحسننا وجها وأطيبنا ريحا وأبهانا هيئة؟ فتقول : أنا الولاية لآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين» (26).
6 ـ حديث الحسين بن زيد عن الامام الصادق عليه السلام عن آبائه الطاهرين عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث المناهي قال :
«من علق سوطا بين يدي سلطان جائر جعل الله ذلك السوط يوم القيامة ثعبانا من نار طوله سبعون ذراعاً ، يسلطه الله عليه في نار جهنم وبئس المصير».
7 ـ حديث المناهي الذي جاء فيه :
«من خان جاره شبراً من الأرض جعله الله طوقاً في عنقه من تخوم الأرض السابعة حتّى يلقى الله مطوّقاً ، إلّا أن يتوب ويرجع» (27).
8 ـ حديث محمّد بن سالم عن الامام الباقر عليه السلام جاء فيه :
«وأنزل في مال اليتيم ، من أكله ظلماً : وذلك أن آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة والنار تلتهب في بطنه حتى يخرج لهب النار من فيه حتى يعرفه كل أهل الجمع أنه آكل مال اليتيم» (28).
أصحاب الأعراف
هُوَذا مسك الختام ، في بيان آخر مقام من مقامات الآخرة والمنزلة الأخيرة : جنّة المطيعين رزقنا الله إيّاها ، ونار العاصين أبعدنا الله منها.
ويحسن بالمناسبة الاشارة في آخر المطاف إلى أصحاب الأعراف .. الذين يعرفون كلّاً بسيماهم ، ويشفعون لأوليائهم.
والذين من عرفهم دخل الجنّة ، ومن أنكرهم دخل النار.
والذين لا يُعرف الله إلّا بسبيل معرفتهم.
أعني بهم الرسول الأكرم وعترته الطيّبين سلام الله عليهم أجمعين الذين هم أصحاب الأعراف في يوم الدين.
قال الشيخ الصدوق :
«اعتقادنا في الأعراف أنه سور بين الجنة والنار عليه رجال يعرفون كلا بسيماهم والرجال هم النبي وأوصياؤه عليهم السلام ، لا يدخل الجنّة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه».
والأعراف ورد به الكتاب والسنّة.
ففي الكتاب الكريم :
قال تعالى : (وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ)
وقال عزّ اسمه :
(وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ)
وفي حديث سلمان رضوان الله عليه قال : سمت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام أكثر من عشر مرّات :
«يا علي إنك والأوصياء من بعدك أعرف بين الجنة والنار لا يدخل الجنة إلا من عرفكم وعرفتموه ولا يدخل النار إلا من أنكركم وأنكرتموه»
2 ـ حديث تفسير الامام العسكري عليه السلام عن الامام الصادق عليه السلام أنّه قال :
«فأما في يوم القيامة فإنا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء ليكونن على الأعراف بين الجنة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام والطيبون من آلهم.
فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات فمن كان منهم مقصرا في بعض شدائدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ونظرائهم في العصر الذي يليهم وفي كل عصر إلى يوم القيامة فينقضون عليهم كالبزاة والصقور ويتناولونهم كما يتناول البراة والصقور صيدها فيزفونهم إلى الجنة زفا» (29).
هذا وممّا يلزم التوجّه إليه والاعتقاد به وجود العقبات في يوم المعاد ، اسم كلّ عقبة منها اسم فرض ، أو أمر ، أو نهي ، كعقبة الولاية ، والصلاة والحج.
كلّما انتهى الانسان إلى عقبة منها وكان قد قصّر فيها ، حبس عندها وطولب بحقّ الله فيها كما أفاده الشيخ الصدوق في الاعتقادات : ص 71.
وختاماً ليعلم ان أعظم ما ينفع في التخلّص من عقبات يوم القيامة وصعوباتها ومواقفها المجهدة هي ولاية أهل البيت وحبّ آل محمّد والأعمال الصالحة.
خصوصاً محبّة الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام النافعة في مأة موطن كما تلاحظه في الأحاديث
المصادر :
1- بحار الأنوار : ج 8 ، ص 116 ـ 117 - 118 ص 119 .
2- بحار الأنوار : ج 8 ، ص 119 .
3- بحار الأنوار : ج 8 ، ص 120 ـ 121 ، ب 23 ، ح 11.
4- بحار الأنوار : ج 8 ، ص 121 ـ 122 .
5- بحار الأنوار : ج 8 ، ص 128 ، ص 133 ، ب 23 ، ح 39.
6- بحار الأنوار : ج 8 ، ص 144 ـ 146 ، ب 23 ، ح 67.
7- بحار الأنوار : ج 8 ، ص 149 ، ص 163 ، ص 172 ، ب 23 ، ح 121.
8- بحار الأنوار : ج 18 ، ص 185 ، ص 189 ، ص 191
9- بحار الأنوار : ج 8 ، ص 195 ، ص 196 ، ص 218 ، ص 219 ، ب 23 ، ح 211.
10- بحار الأنوار : ج 8 ، ص 280 ، ص 281 ، ص 287 ، ب 24 ، ح 17.
11- بحار الأنوار : ج 8 ، ص 289 ، ب 24 ، ح 27.
12- بحار الأنوار : ج 8 ، ص 295 ، ص 296 ، ب 24 ، ح 46.
13- بحار الأنوار : ج 8 ، ص 306 ، ب 24 ، ح 65.
14- بحار الأنوار : ج 8 ، ص 309 ، ص 311 ، ص 312 ، ب 24 ، ح 82.
15- كتاب الزهد : ص 98 ، ح 265.
16- تفسير القمي : ج 2 ، ص 50.
17- علل الشرائع : ص 523 ، ب 299 ، ح 1.
18- تفسير العيّاشي : ج 1 ، ص 73 ، ح 145.
19- البحار : ج 8 ، ص 358 ، ب 27 ، ح 20.
20- شرح التجريد : ص 250.
21- البحار : ج 8 ، ص 350، ص 365.
22- إرشاد القلوب : ص 77.
23- تنبيه الخواطر عنه تجسم الأعمال : ص 257 وعوالي اللئالي : ج 1 ، ص 267 ، ح 66.
24- نهج البلاغة ، الخطبة 149 ، ج 2 ، ص 56 من الطبعة المصريّة.
25- اصول الكافي : ج 2 ، ص 190 ، ح 8.
26- المحاسن ، كتاب مصابيح الظلم : ص 232 ، ح 432.
27- الوسائل : ج 12 ، ص 130 ، ب 42 ، ح 10.(3) الوسائل : ج 11 ، ص 309 ، ب 1 ، ح 2.
28- اصول الكافي : ج 2 ، ص 31 ، ح 1.
29- البحار : ج 8 ، ص ، ص 337 ، ب 25 ، ح 13.