ان لبن الام انفع للولد من اي لبن آخر .ان الام المرضعة لها الحق في المطالبة باجر الرضاع من الزوج . فمعنى العوض في النكاح الاسلامي يعني بيع المرأة جسدها للرجل بمبلغ من المال ؛ لان العوض في الرضاع اذن يعني بيع المرأة جسدها لولدها الرضيع ، وهو يناقض اصل فكرة المعاوضة التي تعبر عن عدالة الاسلام في الحقوق والواجبات ضمن اطار النظام العائلي .
ان ارضاع المرأة لرضيع آخر يختلف عنها على الصعيد البيولوجي ينشر تحريماً للزواج تماماً كما ينشر الولد النسبي ذلك التحريم . ويتحقق مسمى الارتضاع بامتصاص الرضيع اللبن من ثدي امه او مرضعته . وقد ورد في الروايات ما يحبب رضاع الطفل من ثدي امه ، فعن الامام أمير المؤمنين (عليه السلام): ( ما من لبن رضع به الصبي اعظم بركة عليه من لبن امه ) (1) .
وورد ايضا ما يحدد مدة الرضاعة ، فقد حدد الشرع مدة الرضاعة بحولين ، واجاز نقصانها الى واحد وعشرين شهراً ، لقوله تعالى : ( وَالوالِداتُ يُرضِعْنَ اَولادَهُنَّ حَولَينِ كامِلَينِ لِمَن اَرادَ اَن يُتِمَّ الرضاعَة وَعلى المَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكسوَتُهِنَّ بِالمَعرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفسُ اِلا وسعَها لا تُضارُّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَولُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ) (2) ، وقوله تعالى : ( وَحملُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهراً ) (3) ، فاذا حملت به تسعة اشهر كما هو الظاهر كانت مدة الرضاع واحداً وعشرين شهراً .
وللأم الحق بالمطالبة باجور ارضاع ولدها ، لقوله تعالى : ( فَاِن اَرضَعنَ لَكُم فَآتوهُنَّ اُجُورَهُنَّ ) (4) .
وعلى اساس ذلك اتفق الفقهاء على ان الام لا تجبر على ارضاع ولدها كما ورد في الحديث عنه (عليه السلام)، الاّ اذا تضرّر الطفل من جراء ذلك ، فيجب عليها ـ حينئذ ـ الرضاعة . واذا كان الاب موسراً فعليه دفع اجرة الرضاعة ، واذاكان فقيراً فعلى الام ان تتحمل مسؤولية ذلك . وفي حالة تطليقها قبل ان تضع حملها ، فعليه الانفاق حتى تضع ، بل لابد له من تحمل اجور الرضاعة بعد ذلك ، للروايات المروية عن ائمة اهل البيت (عليه السلام)؛ ومنها ما روي عن الامام جعفر بن محمد (عليه السلام): ( المطلقة الحبلى ينفق عليها حتى تضع حملها وهي احق بولدها ان ترضعه بما تقبله امرأة اخرى ، يقول الله عز وجل : ( لا تُضارُّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَولُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلى الوارِثِ مِثلُ ذلِكَ ) (5) ، لا يضار بالصبي ولا يضار بامّه في ارضاعه ، وليس لها ان تأخذ في رضاعه فوق حولين فاذا ارادا الفصال عن تراضٍ منهما كان حسناً ) (6)
ولا شك ان الرضاع من غير الأم ينشر تحريماً للزواج . والاصل في ذلك قوله تعالى : ( وَاُمَّهاتكُم اللاتي اَرضَعنَكُم وَأخواتكُم مِنَ الرّضاعَة ) (7) ، وما تواتر عن الرسول الكريم (صلی الله عليه وآله وسلم): ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) (8)
ولما كان للرضاع الموجب للتحريم تأثير اجتماعي فيما يتعلق بالانساب والقضايا الزوجية والارث ، فقد وضع الاسلام له شروطاً واجبة ، منها :
اولاً : ان يكون اللبن الذي يرضعه الطفل لبناً متكوناً من امرأة متزوجة زواجاً شرعياً . والمشهور « الحاق اللبن الذي [ نتج ] عن نكاح الشبهة باللبن الذي [ نتج ] عن النكاح الصحيح ، لان نكاح الشبهة موجب للنسب ، كالنكاح الصحيح ، واللبن تابع للنسب » (39) ، حيث ان « نكاح الشبهة كالنكاح الصحيح اي الوطء بالعقد الصحيح ، وفاقاً للاكثر ، بل لم نجد فيه خلافاً محققاً » (10) .
واللبن الذي تدره المرأة من غير حمل ولا ولادة حتى لو كانت متزوجة زواجاً شرعياً لا ينشر الحرمة ، لقوله (عليه السلام)عندما سئل عن امرأة در لبنها من غير ولادة ، فارضعت ذكرانا واناثاً ، أيحرم من ذلك ما يحرم من الرضاع ؟ قال : ( لا ) (11) . و « لا يعتبر في نشر الحرمة بقاء المرأة في حبال الرجل قطعاً واجماعاً ، فلو طلق الزوج ، وهي حامل منه ، ثم وضعت بعد ذلك ، او ارضعت وهي حامل ، او طلقها وهي مرضع او مات عنها كذلك فارضعت ولدا نشر هذا الرضاع الحرمة ، كما لو كانت في حباله ، بلا خلاف ، والاجماع على ذلك . ولا فرق بين ان يرتضع في العدة او بعدها ، ولا بين ان يستمر اللبن او ينقطع ثم يعود » (12)
ثانياً : امتصاص الرضيع اللبن من ثدي المرضعة مباشرة ، حيث « لابد من ارتضاعه من الثدي في قول مشهور ، تحقيقاً لمسمى الارتضاع ، فلو وجر في حلقه ، او وصل الى جوفه بحقنة ، وما شاكلها لم تنتشر الحرمة ، لعدم صدق الارتضاع ولخبر زرارة عن الصادق (عليه السلام): ( لا يحرم من الرضاع الاما ارتضع من ثدي واحد ) . وكذا لو مزج اللبن بغيره ، كما لو اُلقي في فم الصبي مائع فرضع فامتزج حتى خرج عن كونه لبناً ، اما اذا لم يخرج اللبن عن الاسم بالامتزاج فيجري عليه حكم اللبن الذي يوجب التحريم » (13)
ثالثاً : استيفاء المرتضع عدد الرضعات الشرعية قبل ان يكمل الحولين ، ولا اثر لرضاعة بعدهما ، للنص المجيد : ( وَالوالِدات يرضعنَ اَولادَهُنَّ حَولَينِ كامِلَينِ لِمَن اَرادَ اَن يُتِمَّ الرّضاعَة ) (14) ولقوله (صلی الله عليه وآله وسلم): ( لا رضاع بعد فطام ) (15) ، وقوله (عليه السلام): ( الرضاع قبل الحولين قبل ان يفطم ) (16)
رابعاً : ان يؤدي الرضاع الى شد العظم وانبات اللحم ، كما في رواية حماد بن عثمان عن الصادق (عليه السلام)صحيحاً : ( لا يحرم من الرضاع الا ما انبت اللحم والدم ) (17) . وجوابه عندما سئل عما يحرم من الرضاع ؟ قال (عليه السلام): ( ما انبت اللحم وشد العظم . قيل : فيحرم عشر رضعات ؟ قال : لا . لأنه لا تنبت اللحم ولا تشد العظم ) (18) .
وحدد الرضاع ايضاً بالعدد والزمن . اما بالنسبة للعدد ، فيجب ان يرضع الطفل خمس عشرة رضعة من امرأة واحدة لا يفصل بينها رضاع من امرأة اخرى ، ولابد من التوالي بين الرضعات . واما الزمن فهو الرضع من امرأة واحدة يوماً وليلة ، للرواية عن الامام محمد الباقر (عليه السلام): ( لايحرم الرضاع اقل من يوم وليلة ، او خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد ، لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها ، فلو ان امرأة ارضعت غلاماً ، او جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وارضعتهما امرأة اخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما )
خامساً : حياة المرضعة عند جميع الرضعات ، فلو ارضعته اربع عشرة رضعة ثم ماتت لم تثبت الحرمة ، لانتفاء اسم الارتضاع بعد الموت .
سادساً : ان يكون اللبن لفحل واحد وهو زوج المرضعة ، كما جاء في الرواية الآنفة الذكر : ( ... أو خمس عشرة رضعة من امرأة واحدة من لبن فحل واحد .. ) (19) . فلو فارقها زوجها وتزوجت بغيره ولم تتم رضعات ذلك الطفل لم تثبت الحرمة بين المرضعة والرضيع . وكذلك « لو ارضعت اثنين مثلاً بلبن فحلين الرضاع المحرم ، لم يحرم احدهما على الآخر على المشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة كادت [ أن ] تكون اجماعاً » (20)
و« يعتبر في الرضعات قيود ثلاثة : كمال الرضعة ، وامتصاصها من الثدي ، وان لا يفصل بين الرضعات برضاع غير المرضعة . وللشيخ [ الطوسي ] في الكمالية ، قولان ، احدهما : المرجع الى العرف ، لان كل لفظ اطلقه الشارع ولم يعين له حداً يرجع فيه الى العرف . وثانيهما : ان يروي الطفل ويصدر من قبل نفسه ، فلو ترك الثدي ثم عاود فان كان للتنفس او لالتفات الى ملاعب او الانتقال الى ثدي آخر او الراحة او منع منه فالكل رضعة ، وان كان للاعراض فالاولى رضعة مستقلة »(21)
واذا تحققت الشروط السابقة اصبح الرضيع ابناً للمرضعة ولزوجها المعروف شرعاً بصاحب اللبن ، وتترتب على ذلك نفس احكام الولد النسبي في انتشار الحرمة ، وتصبح اصولهما من الاباء والاجداد اصولاً له ، وفروعهما من الابناء اخوة له . والخلاصة ان « موضوع المحرم بالرضاع هو موضوع المحرم بالنسب ، فتقول بدل تحريم الاخت من النسب تحريم الاخت من الرضاع والبنت كذلك ، وهكذا في حليلة الابن والاب ، والجمع بين الاختين وغير ذلك » (22)
الحضانة
ولما كان حق الطفل في النمو السليم والتكامل الجسدي والعقلي من القضايا الموضوعية التي ينبغي ان يتحملها الابوان حفظاً للنظام الاجتماعي ، لاحظت الشريعة الاسلامية ضرورة رعاية مصلحة الطفل في الحضانة واوكلتها لابوين في حالة استقرار الزواج . والحضانة من حضن الطير بيضه مبالغة في الاحتياط والمراعاة ، وشرعاً رعاية مصلحة هذا الفرد الصغير عن طريق الاعتناء بتربيته ، و « هي بالانثى اليق منها بالرجل لمزيد شفقتها ، وخلقها المعَدّ لذلك » . والمشهور بين الفقهاء ان الحضانة للام والاب ما لم يقع الطلاق . فاذا وقع اطلاق تصبح الام أحق بالذكر حتى يكمل السنتين ، واحق بالانثى حتى تكمل سبع سنين ، واذا تزوجت الام قبل ذلك سقطت حضانتها . ولكن لا دليل على هذه الشهرة من ناحية النصوص الشرعية ، فقد « اختلف الفقهاء في مستحق الحضانة من الابوين ، لا ختلاف الاخبار : ففي بعضها ان الأم احق بالولد مطلقاً ما لم تتزوج ، وفي بعضها انها أحق به الى سبع سنين ، وفي آخر الى تسع ، وفي بعضها ان الاب احق به ، وليس في الجميع فرق بين الذكر والانثى ، وليس في الباب خبر صحيح ، بل هي بين ضعيف ومرسل وموقوف » (23) . ولعل الحق ان الامر ينبغي ارجاعه الى الحاكم الشرعي لتحديد ذلك بعد تعيين مصلحة الطفل .ويشترط في الحاضنة ان تكون حرة ، مسلمة ، عاقلة ، وغير متزوجة بعد طلاقها من زوجها الاول ، كما ورد في الروايات عن اهل البيت (عليه السلام): « المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوج » (24) . ويشترط ايضاً ان تكون على درجة من الوعي والادراك بمصلحة الطفل . ومع ان الحضانة بيد الام ، الاان الولاية الشرعية تبقى بيد الاب حتى مع الطلاق .
واذا ماتت الام ، انتقلت حضانة الطفل الى الاب . واذا مات الاب انتقلت الحضانة الى الجد من طرف الاب ، واذا فقد الجد ولم يكن له وصي فالحضانة لأقارب الطفل على ترتيب الميراث .
والحضانة حق موضوعي تستطيع المرأة اسقاطه متى شاءت ، لانه ليس حكماً ، بدليل « التعليق على مشيئتها والتعبير بالاحقية ، بل ظاهرها كون هذه الاحقية مثلها في الرضاع ، وجينئذٍ لايكون ذلك واجباً عليها ، ولها اسقاطه والمطالبة باجرته » (25)
احكام الصبي
وليس هناك شك من ان الصبيان وهم براعم المستقبل ، وهم المؤهلون للتكليف الشرعي لاحقاً ، يحتاجون ـ اكثر من غيرهم ـ الى عين تحفظ مصالحهم الشخصية وحقوقهم المادية والادبية . وبطبيعة الحال ، فان حقوق الصبي والصبية تدخل ضمن الاطارالشرعي الذي جاء به الاسلام : فأمر بحفظها رعاية لمصلحتهما وحفظاً لشخصيتهما الاجتماعية حتى يصلا مرحلة الرشد والبلوغ . وهذه الحقوق تشمل احكاماً في الولاية والوصاية والعبادات والمعاملات .ألف ـ الحَجر قبل البلوغ
فقد اقر الاسلام شرعية الحجر ، وهو منع الانسان من التصرف في امواله كلياً او جزئياً لمختلف الاسباب : ومنها : المرض ، والافلاس ، والسفه ، والجنون ، والصغر ، وهو ثابت اجماعاً ونصاً ، ومنه قوله تعالى : ( وَلا تَأتُوا السُّفَهاءَ اَموالَكُم الّتي جَعَلَ اللهُ لَكُم قِياماً وَارزقُوهُم فِيها وَاكسُوهُم وَقُولُوا لَهُم قَولاً مَعروفاً وَابتَلُوا اليَتامى حَتّى اِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَاِن آنَستُم مِنهُم رُشداً فَادفَعُوا اِلَيهِم اَموالَهُم ) (26) . وما ورد عن الامام جعفر بن محمد (عليه السلام)في الرواية : ( انقطاع يتم اليتيم الاحتلام وهو رشده ، وان احتلم ولم يؤنس منه رشد وكان سفيها او ضعيفاً فليمسك عنه وليه ماله ) (27)واجمع الفقهاء على ان الصغير ممنوع من التصرفات المالية حتى يحصل له البلوغ الرشد .
ب ـ عبادات ومعاملات الصبي
والمشهور بين فقهاء الامامية ان عبادة الصبي ، كأداء الصلاة والصوم والحج ، شرعية لا تمرينية : لان ادلة التكاليف غير الملزمة لا مانع من شمولها للصبي ، كما قال بعض الفقهاء ، باعتبار ان العبادة حسنة بذاتها ، وان السبب الموجب لشرعيتها هو ادراك الصبي بانه يتقرب بها الى الله سبحانه وتعالى .ومن الواضح ان وصية الصبي المميز وصدقته في وجوه الخير جائزة ، شرط ان يبلغ عشراً ، كما ورد في روايات ائمة اهل البيت (عليه السلام)؛ ومنها رواية عن الامام جعفر بن محمد (عليه السلام): ( اذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته ) (28) . ورواية اخرى : ( اذا أتى على الغلام عشر سنين فانه يجوز له في ماله ما اعتق ، او تصدق ، او اوصى على حد معروف وحق فهو جائز ) (29) . وهو المشهور بين علماء الامامية .
ولاشك ان الصبي يؤدب على ما يرتكبه من الكبائر . ويغرم في ماله ما يحدث في مال الغير من تلف او عيب ، باعتبار ان الحكم الوضعي الذي يتجه نحو صحة العمل وفساده يخص الصبيان كما يخص البالغين .
وللصبي جواز التملك فيما يحوزه من المباحات ، وله الحق فيما يحييه من ارض الموات . اذن ، فان عبادة الصبي ووصيته وتملكه جائزة عند الفقهاء . ولكن الذي اختلف فيه هو العقد الذي يعقده الصبي ، أهو جائز ام لا ؟ انقسم فقهاء الامامية في الاجابة على هذا السؤال الى فريقين :
الاول : المشهور بينهم ان عقد الصبي المميز باطل حتى مع اذن الولي ، عدا ما استثني من الصدقة والوصية ، كما جاء في الرواية عن الامام (عليه السلام)المذكورة آنفاً . وكما ورد ايضاً في رواية اخرى : ( عمد الصبي وخطأه واحد ) (30) . فـ « اذا جمعنا الادلة بعضها الى بعض فمقتضاها عدم الاعتبار بما يصدر عن الصبي من الافعال التي يعتبر فيها القصد ، كانشاء العقود اصالة ووكالة ، والقبض والاقباض ، وكل التزام على نفسه من ضمان او اقرار او نذر او ايجاز » (31)
الثاني : قالوا بجواز معاملة الصبي المميز وصحتها مع اذن الولي . فـ « لا يبعد القول بصحة عقد الصبي اذا كان باذن الولي ، كما اختاره جماعة ، منهم المحقق الاردبيلي ، وقبله فخر المحققين في الايضاح » (32) .
وقد « نُسِبَ الى الشيخ تارة ، وبعض الاصحاب اخرى جواز بيعه اذا بلغ عشراً عاقلاً .. والموجود في كتاب المبسوط روي انه اذا بلغ عشر سنين وكان رشيداً كان جائز التصرف » (33) . و « اذا جاز عتق الصبي ووصيته بالمعروف ، وغيرها كما هو ظاهر الكثير من الروايات فلا يبعد جواز بيعه وشرائه ، وسائر معاملاته اذا كان بصيراً رشيداً مميزاً ، يعرف نفعه وضره في المال ، وطريق الحفظ والتصرف ، كما نجده في كثير من الصبيان ، فانه قد يوجد بينهم من هو اعظم في هذه الامور من آبائهم ، فلا مانع ان يوقع الصغير العقد خصوصاً مع اذن الولي ، وحضوره بعد تعيين الثمن » (34)
ج ـ الولاية والوصاية
ولا يتم الحجر الا بوجود ولي او قيّم يرعى الصبي نيابة عن صاحبه . فتثبت الولاية بالدرجة الاولى للاب والجد في مرتبة واحدة على الصغير ، والمجنون المتصل جنونه بالصغر . واذا فقدا معاً تكون الولاية لوصي احدهما ، والجد اولى من وصي الاب ، واذا افتقد الوصي فالولاية للحاكم الشرعي . حيث ان « الولاية ثابتة للاب والجد له من النسب شرعاً ، فلا ولاية للاب رضاعاً ، ولا لمن اولده سفاحاً ، وثبوت الولاية لهما بالاشتراك بينهما مورد اتفاق النص والفتوى ، وان اختص الاب في اكثر النصوص الا ان المراد منه ما يشمل الجد ، بل يقدم عقده على عقد الاب مع المعارضة . اما الولاية للوصي المنصوب من الموصي قيّماً على اطفاله فهي ثابتة بالنص والاجماع ، ولكن بحسب ما هو مجعول له من الموصي من حيث الاطلاق والتقييد . فان اطلق فلا اشكال في نفوذ ما يتولى من مصالحهم في حفظ نفوسهم واموالهم ، واخذ الحقوق الراجعة اليهم ، وغير ذلك من بيع واجارة ومزارعة ومساقاة ونحو ذلك ، كما لا اشكال في المنع عن فعل بعض ما كان للاب جوازه من حيث الابوة ... ولعل من ذلك تزويج الصغير والصغيرة ، وان كان قيماً » (35ويشترط في الولي والوصي البلوغ ، والرشد ، والاتحاد في الدين . ويضاف الى ذلك شرط العدالة بالنسبة للحاكام الشرعي . والمدار ان يكون التصرف في مال القاصر من قبل الولي او الوصي على اساس مصلحة القاصر . واتفق الفقهاء على ان تصرفات الولي اذا كانت نفعاً للمولى عليه فانها تنفذ ، واذا كانت ضرراً عليه فانها لا تنفذ لمنافاتها الغرض الذي من اجله شرعت الولاية ، كما يستشعر ذلك من قوله (صلی الله عليه وآله وسلم): ( انت ومالك لابيك ... لانحب ان يأخذ الاب من مال ابنه الاّ ما يحتاج اليه مما لابد منه ، ان الله لا يحب المفسدين ) . وللولي ان يتجر بمال القاصر باي شكل من الاشكال التي تجر ربحاً يصب في مصلحة الصبي . وعليه ان ينفق على الصبي بالمعروف دون تقتير او اسراف . وان كان الولي فقيراً يحق له ان يأكل من مال الصبي بالمعروف ، ولا يحق له ذلك ان كان غنياً ، لقوله تعالى : ( وَمَن كانَ غَنِيّاً فَليَستَعفف ، وَمَن كانَ فَقيراً فَليَأكُل بِالمَعرُوفِ ) (36) .
ويشترط ايضاً تعيين الوصي بالذات ، وتعيين الموصى به ، كما في رواية عمار بن مروان ، قال : قلت لابي عبد الله (عليه السلام): ان ابي حضره الموت ، فقيل له : اوص . فقال : هذا ابني يعني عمر ، فما صنع فهو جائز ؟ قال ابو عبد الله (عليه السلام): ( فقد اوصى ابوك ، واوجز ) (37)
ويحق للاب والجد تزويج الصبي ، ولا يحق للوصي ذلك . ولايحق للابوين ولا للحاكام الطلاق عن الصبي ، لعموم ( الطلاق بيد من أخذ بالساق ) . وفي الحالات الاستثنائية كدفع الاذى ، او انقاذ نفس يستطيع الولي « ان يرشي الظالم من مال القاصر لتخليصه واطلاقه ، بل لو طمع الظالم في ماله وجب عليه ان يعطيه ما لايقدر على دفعه الا به » (38)
اما الوصاية ، ويعبر عنها بالوصية العهدية ايضاً ، فهي « ولاية على اخراج حق او استيفائه ، او على طفل ، او مجنون يملك الموصي الولاية عليه بالاصالة كالاب والجد ، او بالواسطة كالوصي المأذون في الايصاء » (39) .
والوصاية ايقاع ، ونوع من انواع الولاية فلا يجوز للوصي ، الذي عهده الموصي برعاية اطفاله ووفاء ديونه ، بالتنازل عنها والاستقالة منها لانها حكم لا يسقط بالاسقاط . ولكن للموصي ان يرجع عن الوصاية ما دام حياً ، اما الوصي فتصبح الوصاية ملزمة له اذا علم بها ولم يردّ ، وكذلك اذا تعذر ابلاغ الموصي الرد لغيابه او موته ، حيث ورد عن الامام الصادق (عليه السلام): « اذا اوصى الرجل الى اخيه ، وهو غائب فليس له ان يرد وصيته ، لانه لو كان شاهداً وأبى ان يقبلها طلب غيره » (40) .
ولا تثبت الوصاية الاّ بشهادة عدلين ، ولا تقبل شهادة النساء منفردات ولا منضمات ، ولاشهادة رجل مع اليمين .
واذا خان الوصي ، فقد انعزل تلقائيا ؛ حيث تبطل جميع تصرفاته دون تدخل الحاكم الشرعي ، لان الوصاية تستدعي الامانة وحفظ مصلحة الطفل شرعاً ، والمشروط عدم عند عدم شرطه ، كما يقول الفقهاء . ولا يضمن الوصي الاّ مع التعدي والتفريط ، حيث ورد ان رجلاً اوصى الى رجل وأمره ان يعتق عنه نسمة بستمائة درهم من ثلثه ، فانطلق الوصي ، واعطى الستمائة درهم رجلاً يحج بها عنه ؟ فقال ابو عبد الله (عليه السلام): ( يغرم الوصي ستمائة درهم من ماله ، ويجعله فيما اوصى الميت في عتق نسمة ) (41) . وللوصي ان يأخذ اجرة المثل من المال الموصى به للطفل ، كما جاء في جواب الامام جعفر بن محمد (عليه السلام)عمن تولى مال اليتيم ، هل له ان يأكل منه ؟ قال : ( ينظر الى ما كان غيره يقوم به من الاجر فليأكل بقدر ذلك ) .
واذا مات الاب بلا وصية ، او مات الوصي ، وكان للميت اطفال ، اُرجع النظر في امرهم الى الحاكم الشرعي ، لانه ولي من لا ولي له . واذا تعذر ذلك قام الامناء الصالحون من المؤمنين « على ما هو المشهور بين الفقهاء من ثبوت الولاية لهم على مثل ذلك للنصوص المعتبرة المستفيضة المؤيدة بما دل على الحسبة » .
د ـ البلوغ والرشد الشرعي
والبلوغ هو سن التكليف الشرعي للذكر والانثى . وهو ليس موضوعاً من الموضاعات الشرعية ، بل هو من الامور البيولوجية الطبيعية . وقد ذكر الفقهاء ان من علامات البلوغ : الاحتلام وهو خروج المني للذكر والانثى في اي سن كان ، في اليقظة او في المنام ، للنص الحكيم : ( وَاِذا بَلَغَ الاَطفالُ مِنكُم الحُلُم فَليَستَأذِنُوا ) ، ( وَابتَلُوا اليَتامى حَتّى اِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ) ، والمشهور من قول رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم): ( رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ ) (42) .ومن علاماته ايضاً ظهور الشعر الخشن على العانة . فـ « لا عبرة بالشعر الضعيف الذي ينبت قبل الخشن ، ثم يزول ، ويعبر عنه بالزغب . وقيدوا الشعر بشعر العانة لعدم اعتبار غيره كشعر الابط والشارب واللحية ، فلا عبرة بشيء من ذلك عندنا اذ لم يثبت كون ذلك دليلاً على البلوغ ، وان كان الاغلب تأخرها عنه »
اما الانثى بالخصوص ، فان دليل بلوغها اضافة الى الاحتلام ، هو الحيض والحمل . فـ « لا خلاف كونهما دليلين على سبق البلوغ ، اما الحيض فقد علق الشارع احكام المكلف عليه في عدة اخبار ، منها قول الرسول الاعظم (صلی الله عليه وآله وسلم): لا تقبل صلاة الاّ بخمار ، وقوله : اذا بلغت المحيض لا يصلح ان يرى منها الا هذا ، واشار الى الوجه والكفين ، اما الحمل فهو مسبوق بالانزال ، لان الولد لا يخلق الاّ من ماء الرجل وماء المرأة ، كما نبه عليه تعالى بقوله : من نطفة امشاج ، اي مختلطة من ماء الرجل والمرأة ، فهو دليل على سبق البلوغ ) (43)
واذا اشتبه البلوغ فانه يرجع الى الشارع في معرفة السن ، حيث ثبت عن اهل البيت (عليه السلام)ان سن بلوغ الذكر خمس عشرة سنة ، وسن بلوغ الانثى تسع سنين ، وهذا هو المشهور ، كما ورد في قوله (عليه السلام)عندما سئل متى يؤخذ الذكر او الانثى في الحدود التامة ؟ قال : ( ان الجارية ليست مثل الغلام . ان الجارية اذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ، ودفع اليها مالها وجاز امرها في الشراء والبيع واقيمت عليها الحدود التامة واخذت لها وبها . والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ، ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة او يحتلم او يشعر او ينبت قبل ذلك ) (44)
ويثبت بلوغ الصبية والصبي بمجرد اقرارهما عن غير يمين اذا ادعيا البلوغ بالاحتلام في وقت يكون من المحتمل بلوغهما فيه . ويثبت رشده او رشدها بالاختيار ، والتواتر ، وشهادة رجلين عدلين في الذكر ، وشهادة رجل وامرأتين او اربع نساء في الاثنى ، على المشهور .
ومجمل القول « ان البلوغ من الامور الطبيعية المعروفة في اللغة والعرف ، وليس من الموضعات الشرعية التي لا تعلم الاّ من جهة الشارع ، كالفاظ العبادات . بل ذكر اهل اللغة ترتيب احوال الانسان ، وان له في كلّ حال اسماً مخصوصاً في الرجال والنساء من اول الخلقة الى حال الشيخوخة ... وعلى كل حال فلا يخفى على من لاحظ كلماتهم ان من المعلوم لغة وعرفاً ان الغلام متى احتلم بلغ وادرك وخرج عن حد الطفولة او دخل الى حد الرجولة . وكذا الجارية اذا ادركت واعصرت فانها تكون امرأة كغيرها من النساء . نعم يرجع الى الشرع في مبدأ السن الذي يحصل به البلوغ ، مثلاً اذا حصل فيه الاشتباه بخلاف الاحتلام والحيض والحمل ونحوهما مما لا ريب في صدق البلوغ معها لغة وعرفاً ، ولو للتلازم بينهما »
المصادر :
1- الكافي : ج 2 ص 92 .
2- البقرة : 233 .
3- الاحقاف : 15 .
4- الطلاق : 6 .
5- البقرة : 233 .
6- من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 167 .
7- النساء : 23 .
8- من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 155 .
9- الحدائق ـ باب الرضاع .
10- الجواهر : ج 29 ص 266 .
11- من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 156 .
12- الجواهر : ج 29 ص 267 .
13- الجواهر : ج 29 ص 294 .
14- البقرة : 233 .
15- التهذيب : ج 2 ص 204 .
16- الكافي : ج 2 ص 41 .
17- التهذيب : ج 7 ص 312 .
18- الاستبصار : ج 2 ص 195 .
19- التهذيب : ج 2 ص 204 .
20- الجواهر : ج 29 ص 303 .
21- التنقيح الرائع : ج 3 ص 47 .
22- الجواهر ـ باب الرضاع .
23- المسالك ـ باب الحضانة .
24- الكافي : ج2 ص 93 .
25- الجواهر : ج 31 ص 284 .
26- النساء : 5 .
27- التهذيب : ج 2 ص 385 .
28- الكافي : ج 2 ص 242 .
29- من لا يحضره الفقيه . ج 2 ص 272 .
30- التهذيب : ج 10 ص 233 .
31- المكاسب للشيخ الانصاري .
32- نهج الفقاهة للسيد الحكيم : ص 183 .
33- مفتاح الكرامة كتاب المتاجر : ص 170 .
34- شرح الارشاد للاردبيلي .
35- بلغة الفقيه للسيد بحر العلوم .
36- النساء : 6 .
37- التهذيب : ج 2 ص 399 .
38- مفتاح الكرامة ـ باب الوصية .
39- الجواهر ـ باب الوصية .
40- من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 282 .
41- من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 277 .
42- سفينة البحار للقمي : ص 530 .
43- المسالك للشهيد الثاني .
44- ـ الكافي : ج 2 ص 292 .