تاريخ الاستيلاء على الحكم بالقوة

ابتداء قانون الاستيلاء على الحكم بالقوة والتغلب، عندما كان النبي صلی الله عليه وآله وسلم على فراش الموت، وكتل عمر بن الخطاب جماعته وحزبه ودخلوا بمواجهة مكشوفة مع النبي صلی الله عليه وآله وسلم نفسه!
Thursday, July 14, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
تاريخ الاستيلاء على الحكم بالقوة
 تاريخ الاستيلاء على الحكم بالقوة

 





 

ابتداء قانون الاستيلاء على الحكم بالقوة والتغلب، عندما كان النبي صلی الله عليه وآله وسلم على فراش الموت، وكتل عمر بن الخطاب جماعته وحزبه ودخلوا بمواجهة مكشوفة مع النبي صلی الله عليه وآله وسلم نفسه!
قال النبي صلی الله عليه وآله وسلم: قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقال عمر وحزبه: لا حاجة لنا بهذا الكتاب، (حسبنا كتاب الله)!
وعندما كرر النبي صلی الله عليه وآله وسلم طلبه قال حزب عمر: إن رسول الله قد هجر - حاشا له - فانتصرت القوة، وغلبت الشرعية!
وبعد يوم انتقل النبي صلی الله عليه وآله وسلم إلى جوار ربه واستمر عمر وحزبه انتصارهم بمواجهة النبي صلی الله عليه وآله وسلم، وتجاهلوا الإمام المعين من الله ورسوله، وعينوا خليفة بالقوة بدلا منه!
لو قبل عمر ونصب الإمام الشرعي
لو أن أبا بكر وعمر سافرا من المدينة إلى مؤتة في جيش أسامة الذي جهزه النبي صلی الله عليه وآله وسلم وأمرهما أن يكونا فيه، وأمر بتعجيل إنفاذه ولعن من تخلف عنه.
ولو أن عمر وحزبه لم يواجهوا النبي صلی الله عليه وآله وسلم، وقبلوا قيادة الولي الذي عينه الله وأعلنه رسوله وليا من بعده، لما اختلف عليه اثنان قط، ولاستقرت مؤسسة الإمامة أو رئاسة الدولة ولانتصرت الشرعية، ولما تفرقت الأمة، وبقيت متحدة إلى يوم الدين، ولما طمع بالإمامة طامع، ولما قامت الحروب، ولما ساد على وجه الأرض نظام غير النظام الإلهي، عندئذ تتبع القوة للشرعية وتصبح القوة والغلبة جنديا من جنود الشرعية.
ولكن عمر فتح باب التغلب والاستيلاء على الحكم بالقوة والتغلب، لحكمة رآها هو وبطون قريش!
عندما غلب عمر وعين أبا بكر خليفة استقام أبو بكر ما وسعته الاستقامة، واستقام عمر ما وسعته ذلك، ولم يتميزا عن الناس، بمستوى المعيشة، فقارن الناس سيرتهما بسيرة غيرهما من الخلفاء، وسلوكهما بسلوك غيرهما من الخلفاء، فوجدوا الفارق عظيما، فارتفعت أسسهم الخليفتين شعبيا إلى مستوى لا يصدق، فقول أبي بكر وعمر وفعلهما وتقريرهما بمثابة شرع، حتى ولو اختلفا مع الشرع بل ومع الآيات المحكمات!
فسهم المؤلفة قلوبهم المنصوص عليه بآية محكمة ألغاه عمر، فأشار الناس بحكمته!
والرسول كان يعطي بالتساوي فميز عمر بالعطاء، فاستحسن الناس هذا الإبداع، ثم قال عمر لئن استقبلت من عمري ما استدبرت لأردن فضل أموال الأغنياء على الفقراء، مع أنه هو الذي أوجد الأغنياء وأوجد الفقراء، فهلل الناس وترقبوا خطوة عمر التاريخية!
ثم إن أبا بكر وعمر أول من أشاع بأن رسول الله خلى على الناس أمرهم ولم يعين وليا للأمة من بعده، واكتشف الخليفتان أن ترك الأمة بلا راع دمار حقيقي، فعهد أبو بكر وعهد عمر، وأوجدا سنة العهد، فجعل الناس ذلك شرعا واجب الاتباع!
بل ويكفيك أن تعلم أنه كان من واجب الخليفة أن يعلن التزامه بسنة رسول الله وسيرة الشيخين، كأن سنة رسول الله لا تكفي، فجاءت سيرة الشيخين لتكمل سنة رسول الله!
وإن كنت في شك من ذلك فاطلع على صورة المواثيق التي طرحها عبد الرحمن بن عوف على عثمان وعلى الإمام الشرعي علي... إلخ.
ومن العجيب أن الناس لم يقارنوا سيرة الشيخين بسيرة رسول الله وهو نبي، إنما قارنوا سيرتهما بسيرة غيرهما من الخلفاء!
والخلاصة أن عمر قد فتح باب التغلب والاستيلاء على الحكم بالقوة، فصار هو الطريق الوحيد للوصول إلى منصب رئاسة الدولة الإسلامية، عندئذ تستقر الأمور فيعهد الغالب لأحد أفراد حزبه أو لأحد أبنائه أو أقاربه.... حتى يأتي غالب جديد، فيعيد الكرة!
وهكذا قوضت القوة والتغلب دعائم الشرعية في الإسلام، وفتحت شهية الطامعين بالخلافة، فأخذ كل طامع يعد العدة ويكون حزبه تمهيدا للاستيلاء على السلطة بالقوة والتغلب!! ولله عاقبة الأمور.
المؤمنون خول وعبيد للغالب الذي يستولي على السلطة
قال الطبري في تاريخه (فدعا الناس للبيعة على أنهم خول ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء) وقال المسعودي في التنبيه والإشراف ومروج الذهب (وبايع من بقي من أهل المدينة على أنه قن ليزيد بن معاوية، ومن أبى أمره إلى السيف)!
وقال المسعودي (فسار الحصين ومن معه حتى أتى مكة وأحاط بها ونصبوا المجانيق ورمى الكعبة بالنار والنفط ومشاقات الكتان، وغير ذلك من المحروقات، فانهدمت الكعبة التي تحصن بها أعداء الخليفة الذين لم يبايعوه، (1)
ما هو موقف الرسول من أفعال الغالب؟
زعموا أن الرسول يؤيد الغالب، فقد روى مسلم في صحيحه مجلد 6 صفحة 20 - 22 باب الأمر بلزوم الجماعة أن الرسول قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين، قال فقلت: يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع.
قال النووي في شرحه - باب لزوم طاعة الأمراء في غير معصية (وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: لا ينعزل الحاكم بالفسق والظلم وتعطيل الحدود، ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظه، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين! (2)
قال الباقلاني في كتاب التمهيد (قال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحديث:
لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال، وضرب الأبشار، وتناول النفوس المحرمة، وتضييع الحقوق، وتعطيل الحدود، ولا يجب الخروج عليه.
وهكذا غطوا بغطاء الشرعية كل أعمال الغالب، فكل ما يعمله الغالب مباح له، ويمكن للغالب أن يهدم الكعبة، ويمكن للغالب أن يستبيح المدينة المنورة نفسها، ويمكن للغالب أن يحتم أعناق الصحابة الكرام، ويمكن للغالب أن يحرق بيت فاطمة بنت محمد وأن يقتل فراخ محمد نفسه، وأن يقتل الحسين وأن يسم الحسن، وأن يبيد ذرية الرسول في كربلاء!
قال أبو الخير الشافعي في حق يزيد (ذلك إمام مجتهد)!
ونقل ابن حجر في صواعقه صفحة 221 (بأنه لا يجوز لعن يزيد... فإنه من جملة المؤمنين وأمره إلى مشيئة الله!!
فإذا اقتنعت بكل ذلك فأنت مسلم ومؤمن ومع الجماعة، وإذا لم يقتنع عقلك بذلك فأنت رافضي خبيث، أو متشيع فاسد لأهل البيت الكرام، وبالتالي شاق عصا الطاعة، ومفارق للجمعة والجماعة، وخارج على أمير المؤمنين الغالب للأمة كلها!!
عزل أهل بيت النبوة الكرام
الف - أهل البيت الكرام شرف الآل الكرام
1 - لأن الله عز وجل جعل القيادة السياسة والمرجعية فيهم، فأعدهم لذلك إعدادا إلهيا.
2 - لأنهم قرابة النبي صلی الله عليه وآله وسلم، ولأنهم أفضل البطون البشرية بالنص الشرعي.
3 - لأنهم احتضنوا النبي صلی الله عليه وآله وسلم ودعوته وتحملوا في سبيله ما لم يتحمله أي بطن من البطون وحصار قريش للهاشميين لا يخفى على أحد.
4 - لأنهم أحد الثقلين فكتاب الله الثقل الأول، وعترة النبي صلی الله عليه وآله وسلم أهل بيته الثقل الثاني، ومن المستحيل بعد النبي صلی الله عليه وآله وسلم أن تهتدي الأمة إلا إذا تمسكت بهذين الثقلين، ومن المستحيل أن تنجو الأمة من الضلالة إلا إذا تمسكت بهذين الثقلين معا.
فالقرآن الكريم وبيان النبي صلی الله عليه وآله وسلم لهذا القرآن هما القانون النافذ، وأهل البيت العترة الطاهرة هم القيادة السياسية والمرجعية!
وقد ترسخت هذه البنى الدستورية إبان حياة النبي صلی الله عليه وآله وسلم، واقتنع المجتمع المسلم بسلامتها.
ب - ليس من عند الرسول إنما من أوامر الله
تميز أهل البيت الكرام، وفضلهم المبرز وكونهم أحد الثقلين، وأفضليتهم، هذا المزايا وغيرها لم يقررها الرسول من عند نفسه، حاشاه، إنما تلقاها رسول الله من الله عز وجل، وأمر الرسول بتبليغها باعتبارها جزءا من الذكر الحكيم، ومقطعا من مقاطع المنظومة الإلهية. وهكذا فهما المجتمع المسلم.
ج - لبطون قريش تصور آخر
بطون قريش وعلى رأسها عمر كأن لها رأي آخر، فقد اعتقدت أن هذه الترتيبات لا يعقل أن تكون من عند الله، فهل يعقل أن يعطى الهاشميون النبوة والخلافة ويحوزوا الفضلين معا، ولا ينال بطون قريش منها شيئا؟
تصوروا ذلك وهم يعلمون أن الله آتى آل إبراهيم الكتاب والحكمة والنبوة والملك وهم يعلمون أن محمدا أفضل من إبراهيم، وأن آل محمد هم أفضل من آل إبراهيم، ولكنهم لم يستكثروا على آل إبراهيم ذلك واستكثروا أن يجمع الآل الكرام كل ذلك.
د - القرابة كانت هي الحجة الأولى لأبي بكر وعمر
قال أبو بكر في سقيفة بني ساعدة (نحن عشيرة رسول الله).
وقال عمر مخاطبا الأنصار (والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم، لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين، من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل، أو متجانف لإثم، أو متورط في هلكة) (3)
هـ - التسليم للحق
ما قاله أبو بكر وعمر حق، فقالت الأنصار لا نبايع إلا عليا، وقال بعض الأنصار لا نبايع إلا عليا. راجع تاريخ الطبري مجلد 3 صفحة 198، وراجع الإمامة والسياسة صفحة 8، وراجع مجلد 2 صفحة 269 من شرح النهج، على اعتبار أن عليا هو أقرب المقربين للرسول، وعلى اعتبار أن الولي الذي أعلن الرسول ولايته للمؤمنين أمام جمع يزيد على ماءة ألف مسلم، وعلى اعتبار أنه الأعلم والأفهم والأفضل بالنص الشرعي.
و - لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة رأي آخر
أبو بكر من بني تيم، وعمر من بني عدي، ومحمد من بني هاشم، احتجوا بأنهم قرابة النبي صلی الله عليه وآله وسلم، فقالت الأنصار نحن مع قرابة النبي صلی الله عليه وآله وسلم فعلا، ونبايع عليا لأنه سيد القرابة، وأقرب القرابة للنبي، فلم يرق هذا الجواب للثلاثة، خاصة لأبي بكر ولعمر لأنهما أرادا من الأنصار أن يوافقوهم القول بأنهما قرابة النبي صلی الله عليه وآله وسلم والأولى به!
ز - الإلتفاف على الحجة
لما اقتنعت الأنصار بأن أهل محمد وقرابته أولى بسلطانه، واقترحت البيعة لعلي التف أبو بكر وعمر على هذا الاقتراح، فقال أبو بكر: هذا عمر، وهذا أبو عبيدة، بايعوا من شئتم! فقالا نبايعك أنت، فانقض بشير بن سعد وبايع أبا بكر! ثم بايعه عمر وأبو عبيدة، وتوالى المبايعون. ويبدو واضحا أن الترتيب هو أن يكون أبو بكر الخليفة الأول، وأن يكون عمر هو الخليفة الثاني، وأن يكون أبو عبيدة هو الخليفة الثالث، فطالما قال عمر لو كان أبو عبيدة حيا لوليته واستخلفته!
ويبدو واضحا أن بشير بن سعد وأسيد بن حضير من أركان الذين اشتركوا بهذا الترتيب!
وعندما انتقل رسول الله إلى جوار ربه لم يكن أبو بكر حاضرا فأخذ عمر يهدد بتقطيع أطراف من يزعم بأن الرسول قد مات، واجتمع الناس حوله وأخذوا يسمعون له، فلما حضر أبو بكر استفاق عمر كأن لم يكن به شئ، فكان غاية عمر أن يلهي الناس ريثما يحضر أبو بكر، ويرتبا معا ويخططا معا.
وقد أشار ابن أبي الحديد لهذه الناحية، وبين أن قصد عمر كان كسب الوقت ليحضر أبو بكر.
ک - القصد ابتزاز الحق باسم القرابة أو بأي اسم
عرف الجميع أن قرابة محمد أولى بميراثه وسلطانه، وأن سيد القرابة والمعلنة ولايته هو علي، وأنه هو صاحب الحق بالميراث وسلطان النبي صلی الله عليه وآله وسلم.
هذا الترتيب لم يرق لا لعمر ولا لأبي بكر ولا لبطون قريش، فأرادت وصممت أن تبتز الحق من أهله، فلوحت بالقرابة ورفعت هذا الشعار، حتى أصغى الحاضرون لها، لأن الجموع المسلمة مسكونة بمبدأ القرابة، وعندما أصغوا لهما رفعا شعار البيعة، ثم صار الاستيلاء على السلطة أمرا واقعيا، وأدرك الناس أن أقواتهم ومستقبلهم مع الغالب، وأن الشرعية قد هزمت فعلا، وأن الضربة لمن يضربها فعلا!
الذين بايعوا أبا بكر تحولوا إلى جيش يحميه ويدافع عنه وينفذ أوامره، وتحول عمر إلى نائب أول للخليفة، وأبو عبيدة إلى نائب ثاني للخليفة، فخرجوا معا وزفوا الخليفة زفا حتى جاءوا به إلى آل محمد، ولم يكن هناك داع للاحتجاج بالقرابة على آل محمد فاحتج الخليفة بأن الأنصار قد بايعته بالشورى، ونسي أمر القرابة!
قال علي احتججتم على الأنصار بالقرابة من رسول الله، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى برسول الله حيا وميتا فأنصفونا إن كنتم مؤمنين وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون! فقيل لعلي لقد اختار الأنصار أبا بكر بالشورى، فقال علي:
فإن كنت بالقربى ملكت أمورهم * فغيرك أولى بالنبي وأقرب
وإن كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بذلك والمشيرون غيب
السلطة تصب جام غضبها مع أهل البيت
استقامت أمور العاصمة، لأن أبا بكر وعمر لم يأخذ حق أحد من سكان العاصمة، إنما أخذا حق أهل البيت فقط، وابتزا هذا الحق على حد تعبير معاوية برسالته التي ذكرناها أكثر من مرة.
فمن الطبيعي أن صاحب الحق سيبذل جهده ليسترد حقه السليب، ومن الطبيعي الذي ابتز الحق لن ينام قرير العين، ما دام للحق صاحب يطلبه!!
لماذا يطالبون بحقهم، لماذا لم يسلموا للغالب الذي ابتز هذا الحق على حد تعبير معاوية، لماذا يقلقون السلطة التي أخذت هذا الحق، كيف تفعل السلطة بهم؟
الحل أن يهدد علي بالقتل فإذا قتل علي قطع رأس المعارضة؟
وفعلا هددوه بالقتل، ولكن مثل ولي الله لا يرهب التهديد بالقتل!
الحل الثاني هو تفتيت أهل البيت، فذهبوا إلى العباس ووعدوه بجزء من الأمر له ولعقبه إن تخلى عن دعم الإمام علي، فرفض العباس هذا العرض رفضا قاطعا!
إذا لا حل أمام السلطة سوى أن تحرق بيت علي بن أبي طالب على فاطمة والحسن والحسين معا، أو تهدد على الأقل بحرق البيت، فيعلم سكان العاصمة أن هذا البيت مشبوه، وأن من يتردد عليه غير آمن فتنقطع الصلة بين هذا البيت وبين سكان العاصمة، ويحاصر سكان البيت ويعزلون!
وبالفعل أمر عمر بن الخطاب بجمع الحطب ووضعه حول البيت، وقال إنه إن لم يخرج من في البيت فإنه سيحرقه على ما فيه، فقيل له: إن فيه فاطمة والحسن والحسين فقال وإن!
وهذه رسالة ضمنية لكل من تسول له نفسه بمعارضة السلطة الجديدة فهو لن يكون أعظم من فاطمة ولا من علي ولا من الحسن ولا من الحسين، ومع هذا فالسلطة قادرة على حرق بيت هؤلاء على من فيه!
وعندما اكتشفت السلطة أن هذه الإجراءات لم تردع أهل البيت الكرام عن طلب حقه، صادرت على الفور المنح التي منحها الرسول لهم كفدك، وقررت حرمان أهل البيت من تركة الرسول وميراثه وأعطت أهل البيت حذاء الرسول ودابته وآلته فقط، وبنفس الوقت ألغت الخمس المخصص لهم بآية محكمة.
عندئذ توقف أهل البيت عن المطالبة بحقهم موقتا، لأنهم لو استمروا بالمطالبة فإن السلطة الجديدة ستمنع عنهم الأكل والشرب وسيموتون جوعا!! وقد وثقنا ذلك أكثر من مرة.
فاستقامت أمور السلطة تماما عندما اضطر صاحب الحق على السكوت، وعدم إزعاج الذين ابتزوا حقه.
الآثار التي ترتبت على مطالبة صاحب الحق بحقه
انزعج أبو بكر وانزعجت معه بنو تيم، وانزعج عمر وانزعجت معه بنو عدي وانزعجت لانزعاجهم بطون قريش، فاعتبروا أن معارضة أهل البيت الكرام لملك بني تيم وملك بني عدي هو معارضة لحق البطون في السلطة، وأضمروا في نفوسهم معارضة أهل البيت انتقاما لمعارضتهم، وتأخير أهل البيت لأنهم رفضوا التقدم الذي أحرزته البطون.
وأخذت كل البطون تنظر نظرة حذر وامتعاض لأهل البيت خاصة، ولبني هاشم عامة!!
خرج علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وجعل يمشي في أسواق دمشق بعد مجزرة كربلاء (فاستقبله المنهال بن عمرو الصحابي فقال له: كيف أمسيت يا ابن رسول الله؟ فقال زين العابدين (عليه السلام): أمسينا كبني إسرائيل في آل فرعون، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم! يا منهال أمست العرب تفتخر على العجم بأن محمدا منهم، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمدا منها، وأمسينا أهل بيت محمد ونحن مغصوبون، مظلومون مقهورون، مثبورون مطرودون! فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أمسينا فيه يا منهال!). (4)
قالوا إن رسول الله قال (بأن الأئمة من قريش) لماذا لأن قريشا عشيرة النبي صلی الله عليه وآله وسلم، وقفزوا عن البطن الهاشمي مع أنهم الأقرب، واعتبروا أن الأئمة من قريش مع أنها الأبعد!
ثم احتجوا في ما بعد بحجة ابن خلدون لأن قريشا مركز القوة والعصبية فطوقوا العصبية مع القرابة! لكن ابن خلدون ينسى بأن عصبية قريش لم تغن عنها شيئا يوم حاربت دعوة النبي صلی الله عليه وآله وسلم ودولته 21 عاما!
وباختصار فإن المبرر لزعامة قريش على العرب هو أن النبي صلی الله عليه وآله وسلم من قريش، وبالتالي فقريش عشيرته وهم الأولى بميراثه وسلطانه، ولكنهم ورثوا البعيد، وحرموا القريب.
إن الغالب يتشبث بكل شئ ليبرر غلبته، والذين يبتزون الحقوق يتذرعون بكل وسيلة للحفاظ على ما ابتزوه.
أبو جعفر محمد بن علي الباقر يلخص قصة القرابة
قال أبو جعفر لبعض أصحابه يا فلان، ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبض، وقد أخبرنا أننا أولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش، حتى أخرجت الأمر من معدنه، واحتجت على الأنصار بحجتنا، ثم تداولتها قريش، واحد بعد واحد حتى رجعت إلينا فنكثت بيعتنا، ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتى قتل، فبويع الحسن ابنه، وعوهد ثم غدر به وأسلم، ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه، ونهبت عسكره، وعولجت خلاخيل أمهات أولاده، فوادع معاوية وحقن دماء أهل بيته وهم قليل حق قليل.
ثم بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفا، ثم غدروا به وخرجوا عليه، وبيعته في أعناقهم!
ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستظام، ونقصى ونمتهن، ونحرم، ونقتل ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء في كل بلدة، فحدثوا بالأحاديث الموضوعة المكذوبة وزوروا علينا ما لم نقله ليبغضونا إلى الناس، وكان عظم ذلك وكبره في زمن معاوية بعد موت الحسن، فقتلت شيعتنا في كل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة، وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره!
ثم لم يزل البلاء يشتد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين.
ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة، وأخذهم بكل ظنة وتهمة، حتى أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال شيعة علي... راجع المجلد 3 صفحة 595 من شرح النهج.
القرابة شعار للوصول إلى السلطة أو لتثبيت السلطة
بطون قريش التي ادعت في ما بعد أنها الأولى بالخلافة لأن محمدا منها، والتي افتخرت على العرب بكون النبي صلی الله عليه وآله وسلم منها وأنها الأولى بميراثه وسلطانه، لأنها قرابة الرسول... هذه البطون هي نفسها التي قاومت دعوة النبي صلی الله عليه وآله وسلم 13 سنة في مكة، وهي نفسها التي اشتركت بمؤامرة لقتل النبي صلی الله عليه وآله وسلم، وهي نفسها التي أرغمت النبي صلی الله عليه وآله وسلم على الخروج من مكة، وهي نفسها التي حاربت النبي صلی الله عليه وآله وسلم ثماني سنوات بعد إخراجه، ولم تتوقف عن حربه إلا بعد أن هزمت عسكريا وأحيط بها وحصرت تماما، فدخلت في دين الله كارهة! ثم رفعت في ما بعد شعار القرابة لتولى على السلطة، ولتأخذ الحق من أهله الذين هم القرابة الحقيقية.
والقرابة الحقيقية هي قرابة بني هاشم الذين حموا الدعوة، وحموا الداعية أثناء وجوده في مكة، ووقفوا إلى جانبه يوم وقفت بطون قريش ضده، والقرابة الحقيقية هي التي حوصرت في شعاب أبي طالب ثلاث سنوات حتى أكلوا ورق الشجر من الجوع، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب!
القرابة الحقيقية هم الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل نصرة النبي صلی الله عليه وآله وسلم، ونصرة دينه، وهم الذين أخضعوا العرب برماحهم وتنمرهم في ذات الله!!
المصادر :
1- الطبري في مجلد 7 صفحة 13 و المسعودي في التنبيه والإشراف صفحة 264 ومروج الذهب مجلد 3 صفحة 71 راجع مروج الذهب مجلد 3 صفحة 71 - 72، وراجع تاريخ الخميس مجلد 2 صفحة 303 وتاريخ السيوطي صفحة 2
2- راجع مجلد 12 صفحة 229 من شرح النووي على صحيح مسلم، وراجع سنن البيهقي مجلد 8 صفحة 158 - 159
3- الإمامة والسياسة لابن قتيبة صفحة 6 الإمامة والسياسة صفحة 7 – 8
4- فتوح بن أعثم مجلد 5 صفحة 247 - 249 ومقتل الخوارزمي مجلد 2 صفحة 69 - 71 ومعالم المدرسين للعسكري مجلد 3 صفحة 166 - 167

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.