علي عليه السلام اخ و صحابي و رفيق

علي يعرف اشياء كثيرة ... منذ عشرين سنة وهو يرافق رجلاً اختارته السماء ، انه لا يرافقه فحسب بل يذوب فيه يندمج معه .. لهذا فهو يعرف سرّ العالم .
Sunday, August 14, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
علي عليه السلام اخ و صحابي و رفيق
  علي عليه السلام  اخ  و صحابي و رفيق

 





 

علي يعرف اشياء كثيرة ... منذ عشرين سنة وهو يرافق رجلاً اختارته السماء ، انه لا يرافقه فحسب بل يذوب فيه يندمج معه .. لهذا فهو يعرف سرّ العالم .
شيء واحد كان يجهله تماماً لا يعرف له معنى هو الخوف ، لقد وقف الإنسان عاجزاً أمام لغز الموت نهاية كل الحيوات ، هل هو نهاية ؟ أم بداية ، ولكن علياً الذي اكتشف نبع الخلود قهر الموت أكثر من مرّة وكان الموت يهرب منه ، يفرّ من بين يديه كلما اراد عناقه .
لقد التحف قبل أيام ببردة النبي واغمض عينيه في فراش تغمره رائحة الفردوس ، انه يقدّم نفسه قرباناً لأخر الأنبياء في تاريخ الإنسان ؛ وإذا كان اسماعيل قد اسلم وجهه لله فأنّه كان يدرك أن أباه سيذبحه على هون ، ولكن علي أغمض عينيه ليفتحمها على عشرات الخناجر المسمومة ولسوف تبضعه وسوف تتدفق دماؤه من خلال مئات الجراح .
لقد تنافست الملائكة من أجل الحياة ، لم يفد جبريل ميكال اختار كلاهما الحياة ولكن الإنسان الذي صاغتة السماء حطّم حاجز الموت كسّر قضبان الزمن الصدئة واختار الفداء « أوحى الله إلى جبريل وميكائيل اني قضيت على احدكما بالموت ، فايكما يفدي صاحبه ؟ فاختار كلاهما الحياة ؛ فاوحى إليهما هلا كنتما كعلي لقد آخيت بينه وبين محمد وجعلت عمر أحدهما اطول من الآخر فاختار علي الموت وآثر محمداً بالحياة ، اهبطا فاحفظاه من عدوه » (1 ) .
القافلة تطوي المسافات حتى إذا وصلت قريباً من « ضجنان » ادركها « الطلب » واذا بثمانية فرسان يعترضون القافلة يريدون اعادة التاريخ إلى الوراء ، وفي ذلك المكان فوجئت جزيرة العرب بـ « ذو الفقار » يتألق في دنيا الفروسية ؛ كانوا ثمانية فرسان يريدون اعادة القافلة ألى مكّة .. إلى القرية الظالم أهلها .. العيون تبرق حقداً ؛ هتف فارس لم يكتشف علياً بعد :
ـ أظننت يا غدّار أنك ناج بالنسوة .. ارجع لا أباً لك .
اجاب علي بثبات جبل حراء :
ـ فان لم أفعل ؟
ـ لترجعن راغماً .
واغار « جناح » (مولى لحرب بن أمية .) على النوق لا ثا رتها فاعترضه علي فاهوى عليه جناح بضربة تفاداها علي وسدّد له ضربة جبّارة ، « فقضى عليه » ؛ تسمر الباقون وقد اذهلتهم المفاجأة انهم لم يروا في حياتهم ضربة كهذه ؛ صاح احدهم وقد رأى الفتى يستعد لشنّ هجوم معاكس :
ـ احبس نفسك عنّا يا ابن ابي طالب .
وهتف علي كأنما يتحدّى العالم الوثني باسره :
ـ اني منطلق إلى أخي وابن عمّي رسول الله .
وانطلقت القافلة صوب يثرب ، وكان رسول الله ما يزال ينتظر في قبا ؛ ووقف التاريخ الإنساني ينتظر قبل أن يلج عهداً جديداً من فصوله المثيرة في المنعطفات التي تغيّر فيها المدن اسماءها (اكتسبت يثرب اسماً جديداً هو « مدينة الرسول » . ) .
وفي السادس عشر من ربيع الأول الموافق 20 أيلول عام 622 للميلاد وصلت قافلة التاريخ الهجري مدينة يثرب وكانت الحشود المسلمة تحدّق في « ثنيّات الوداع » تترقب وصول آخر الأنبياء في تاريخ البشرية .
وكانت « القصوى » تشق طريقها إلى بقعة اختارتها السماء لتكون ؛ منزلاً ومسجداً وطهورا ؛ وتوقفت الناقة في « مربد » (مكان يجفّف فيه التمر .) لغلامين يتيمين من بني النجار .
وبوشر العمل في بناء مسجد النبي صلى الله عليه وآله وكان ذلك ايذاناً بميلاد امّة جديدة ؛ وانسابت كلمات الأذان معبّرة أخّاذة كلحن قادم من السماء .
ومرّ عام :
استقبلت المدينة المنورة عامها الثاني بالأمل فالحياة الجديدة تتدفق والمسلمون امّة واحدة ؛ وفي الخامس عشر من شعبان هبط جبريل يعلن تحوّل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ؛ وفي غمرة هذا العام المبارك تقدّم عليّ الذي بلغ من عمر خمسة وعشرين سنة إلى خطبة فاطمة بنت رسول الله وتم الزواج المبارك في مراسم غاية في البساطة رعاها النبي بنفسه ، وقد بلغ من البساطة والشفافية أن ترك بصماته واضحة في التاريخ الإسلامي ؛ وانتقل الزوجان إلى بيت دافئ مفعم بالمحبّة والسلام (عن علي عليه السلام قال صاح بي رسول الله : يا علي ، فقلت لبيك يا رسول الله ، فقال : ادخل بيتك وألطف بزوجتك وارفق بها ، فان فاطمة مضعة مني يؤلمني ما يؤلمها ويسرّني ما يسرّها :
يقول علي عليه السلام : فوالله ما اغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزوجل ولا اغضبتني ولا عصت لي امراً ، ولقد كنت انظر اليها فتنكشف عني الهموم والأحزان .) .
وتمضي الحياة هادئة كنهر تنثال مياهه على الشطآن ، والمجتمع الوليد ينمو ، يتفتح للعطاو كشجرة اصلها ثابت وفرعها في السماء ؛ ولكن الذين تآمروا في المكّة لاطفاء النور كبر عليهم نجاح محمد لهذا فكّروا ودبّروا فلم يجدو سوى الحصار التجاري سلاحاً لتوجيع شعب آمن بالله وكفر بالأوثان .
وهكذا شحّت الموادّ الغذائية في المدينة وارتفعت الأسعار وتلاعب اليهود بالسوق ؛ ولم يقف سيدنا محمداً مكتوف الأيدي فردّ كيد المكّة إلى نحرها وجرّد حملة عسكرية وقد أُذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير (في أواخر السنة الأولى من الهجرة هبط الوحي يأذن للمسلمين بقتال المشركين ،) . (2)
وكان هدف الحملة العسكرية اعتراض قافلة تجارية مؤلفة من ألف بعير وتضمّ رؤوس أموال ضخمة ؛ وفي مصادرة هذه القافلة يكون المسلمون المهاجرون الذين صودرت ممتلكاتهم قد استرجعوا جزءً من حقوقهم المغتصبة .
وتسارعت الأحداث بشكل مثير ، واذا بالأنباء تفيد عن تحرك عسكري خطير في مكّة وتقدم جيش مؤلف من الف مقاتل ؛ وكان أمام جيش النبي المؤلف من ثلاثمئة وثلاثة عشر مقاتل من المشاة باستثناء فارس واحد (المقداد بن عمرو الكندي .) ان يحسم موقفه بين الانسحاب أو المواجهة ؛ وأراد سيدنا محمد معرفة مدى الاستعداد القتالي لاصحابه فوجد لدى المهاجرين عزماً على القتال حتى النهاية ولدى الانصار حماساً في الطاعة يصل إلى اجتياز البحر الأحمر (اشارة إلى خطبة سعد بن معاذ الحماسية .) ، وفي فجر السابع عشر من رمضان وقرب آبار بدر التحم الجيشان في معركة ضارية اسفرت عن انتصار ساحق للجيش الإسلامي وسقوط سبعين قتيلاً من المشركين ؛ وفي ذلك اليوم الخالد ارتفع اسم علي عالياً في سماء الشجاعة والفروسية (عدّ القتلى بسيف علي فكانوا خمسة وثلاثين .) .
إلا ذو الفقار :
نجم عن هزيمة المشركين الساحقة في بدر ان غيّرت قريش طرقها التجارية من الشام إلى العراق ، وبالرغم من صعوبة ذلك وجهل قريش بالطرق الجديدة إلا أنها فضّلت ذلك مرغمة بعد أن اصبحت قوافلها التجارية على طريق الشام مهددة .
وفي مكّة كانت هند زوجة أبي سفيان تتحرّق حقداً وتترقب ساعة الانتقام والثأر وكان حقدها ينصب على ثلاثة نفر هم محمد صلى الله عليه وآله وعلي وحمزة ؛ وقد رفضت تلك المرأة البكاء والنوح على أبيها عتبة وأبنيه لتحتفظ بأكبر مخزون من الحقد وروح الانتقام ، ويمكن القول ان معركة أحد ، انما جاءت استجابة عمياء لروح الثأر التي ينطوي عليها عرب الجاهلية ، وبقف هند وراء حماس ابي سفيان في صراعه مع الإسلام مع ان البيت السفياني لم يكن اقلّ حقداً من غيره على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله (كانت أم جميل اخت ابي سفيان تحرّض زوجها أبا لهب ضد النبي صلى الله عليه وآله وهو ابن اخيه حتى نزلت سورة المسد فيهما) .
وفي شوّال وقد مرّت الذكرى الأولى لأكبر وأول انتصار اسلامي قرب عيون بدر بدأ المشركون بقيادة أبي سفيان زحفهم باتجاه المدينة ، وقد خرجت هند ومعها بعض النسوة يحملن الدفوف وينشدن اشعار الثأر ، التي تخرج عن دائرة الحياء (انشدت هند قبيل الاشتباك : نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق الدر في المخانق والمسك في المفارق .. ان تقبلوا نعانق ونفرش النمارق .. أو تدبروا نفارق فراق غير وامق .) .
تلقّت المدينة الانباء وبدأت الاستعدادات للمواجهة بعد جدل في المسجد ولكن النبي صلى الله عليه وآله وقد رأى حماس الشباب في القتال خارج المدينة لبس لامة حربه وحسم الأمر ، وتحرّك الجيش الإسلامي ؛ المؤلف من ألف مقاتل ، ولكن رأس النفاق اتن أبي سلول قرر العودة ومعه ثلاثمئة مقاتل محدثاً بذلك شرخاً واسعاً في صفوف القوات الإسلامية وهي على وشك الاشتباك وقد رأى بعض الصحابة مواجهتهم ولكن النبي رفض ذلك وفي جبل أحد (قال فيه رسول الله : جبل يحبّنا ونحبّه . ) التقى الجمعان ، وضع النبي صلى الله عليه وآله خطة المواجهة مؤكداً على احتلال مرتفعات جبل « عينين » وتمركز قوّة من امهر الرماة مؤلفة من خمسين جندي مهمتها الدفاع وحماية مؤخرة الجيش الإسلامي من حركة التفاف قد يقوم بها العدو .
رتب المشركون قواتهم في صفوف مستفيدين من تجربتهم المرير في بدر مقلّدين بذلك الجيش الإسلامي فهي استراتيجية اسلامية في القتال .
اشتعلت المعركة وكانت الجولة الأولى للمسلمين وقد استبسل علي في القتال فكان ينقض على اصحاب اللواء من بني عبد الدار فتساقطوا الواد بعد الآخر ، وعندما سقط اللواء للمرّة الأخيرة دبّت الهزيمة في قوّات الشرك ، واطلقت هند ساقيها للريح وهي ترى احلامها تذروها رياح الغضب الإسلامي .
وفي تلك اللحظات المثيرة تناسى الرماة وصايا النبي صلى الله عليه وآله وغادروا مواقعهم من اجل الغنازم رغم صيحات قائدهم .
وهنا انتهز خالد بن الوليد الفرصة فقاد فرسانه في حركة التفاف سريعة مفاجئاً مؤخرة جيش المسلمين فحدثت الفوضى وعمّ الارتباك صفوف المقاتلين ، ومن ثم الهزيمة وانتشرت شائعة حول مصرع النبي ، وفي غمرة هذه الفوضى كان سيدنا محمد ومعه بعض اصحابه وفي طليعتهم علي بن أبي طالب يسطرون أكبر ملحمة في المقاومة ، وكانت كتائب الشرك تهاجم بعنف مركز القيادة وكان علي والزبير وطلحة وأبو دجانة والحمزة وحذيفة ومصعب بن عمير وغيرهم يقاتلون ببسالة ، وسقط مصعب شهيداً فاخذ علي اللواء ، وسقط حمزة سيد الشهداء ، والملحمة مستمرة ، والكتائب تندفع نحو رسول الله ، وهو يهتف بعلي : دونك الكتيبة ، واغمي على النبي من شدّة الجراح وأفاق النبي صلى الله عليه وآله ، وقال لعلي : ما فعل الناس فاجاب : لقد نقضوا العهد وولوا الدبر ؛ وفي تلك الاثناء انقضت كتيبة مؤلفة من خمسين فارساً فهتف النبي بابن عمه :
ـ أكفني هؤلاء .
فانبرى علي وتصدّى لها بمفرده واجبرها على التراجع ؛ وفي تلك اللحظات وفي غمرة الغبار والقتال هبط جبريل قائلاً :
ـ يا محمد ان هذه لهي المواساة !
فقال النبي صلى الله عليه وآله :
ـ وما يمنعه من ذلك وهو مني وأنا منه .
فقال جبريل :
وأنا منكما .
وسمعت الأذن البشرية في تلك البقعة الملتهبة من دنيا الله صيحة سماوية تملأ الفضاء :
ـ لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي !
ويوم زاغت الأبصار :
اسفرت معركة أحد عن زعزعة هيبة المسلمين في الجزيرة العربية إلى حد ما (وجد المنافقون واليهود فرصة للنيل من الإسلام وراحوا يرددون ساخرين : إذا كانت بدر آية من الله فماذا عسى أن تكون أية أحد ؟ ! وألبس اليهود الحادث ثوباً دينياً قائلين : ما اصيب بمثل هذا نبي قط . ) ، ولكن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله اتخذ ما من شأنه استرداد مجد الإسلام ، إذا عبأ النبي صلى الله عليه وآله جيشه بعد يوم واحد فقط من المعركة وقاد حملة لمطاردة جيش المشركين الذين فضلوا الانسحاب مكتفين بما حققوه من نجاح مؤقت ؛ وقد رابط النبي صلى الله عليه وآله في « حمراء الاسد » مدّة ثلاثة أيام والجيش الإسلامي يشعل النيران ليلاً امعاناً في تحّي المشركين الذين عسكروا في وادي الروحاء لاتخاذ قرار حمل مهاجمة المدينة المنورة ، ولقد كان أبو سفيان يدرك قبل غيره أن النصر الذي احرزه جيشه في أحد كان بسبب مغادرة رماة الجيش الإسلامي مواقعهم ، لهذا قرر العودة إلى مكّة منحنياً للعاصفة .
وما يؤكد هذا الرأي أن قوافل قريش التجارية ظلّت تسلك طرق العراق الأكثر صعوبة ، ومع كل هذا فقد بدأ المسلمون يهددون هذه الطرق أيضاً مما جعل المشركين يشعرون بالذعر ، فالتجارة كانت عصب الحياة في قريش .
وفي السنة الرابعة للهجرة وقع حادث خطير عندما حاول يهود « بني النضير » اغتيال النبي صلى الله عليه وآله ، وقد اخفقت المحاولة في اللحظات الأخيره ونتيجة لهذا الانتهاك السافر لمعاهدة بينهم وبين المسلمين فقد قرر الرسول صلى الله عليه وآله تأديبهم ، فحوصرت قلاعهم ، وانبرى « عزّوك » لصبّ سهامه على خيمة النبي فابعدت قليلاً عن مرمى السهام ، وقد سقط عزوك في كمين نصبه علي بن أبي طالب فقتل هو وعشرة من أفراده ، واخيراً استسلم يهود بني النضير فتم ترحيلهم من المدينة (افترقوا إلى قسمين قسم اختار الشام والأخر توجه إلى « الخيبر » . ) ، ويبدو أن حيّ بن اخطب زعيم بني النضير قد اختار خيبر وفي رأسه فكرة رهيبة للقضاء على الإسلام .
العدوان
يمكن القول ان فكرة غزو المدينة على النحو الذي وقع في شوّال من العام الخامس الهجري هي فكرة يهودية وبالتحديد فكرة حي بن اخطب ، الذي وظف ثلاثة عناصر هامّة المال اليهودي ، والحقد القريشي الوثني ، والاطماع الغطفانية بكل عمقها البشري الهائل (حشدت قبائل غطفان لوحدها ستة آلاف مقاتل . ).
وهكذا فوجئت المدينة المنورة بانباء مثيرة حول تجمع قبلي ضخم يرتو على العشرة آلاف مقاتل .
وثار جدل واسع حول اسلوب مواجهة هذا الزحف الكبير وفي غمرة النقاش طرح الجليل سلمان الفارسي فكرة الخندق ، وهي فكرة لم يألفها العقل العربي في تلك الحقبة من الزمن ، وقد حظيت الفكرة بحماس الجميع وتحول سلمان في نظر المسلمين إلى بطل (هتف المهاجرون : سلمان منا ، وصاح الأنصار : سلمان منا فقال النبي صلى الله عليه وآله حينئذ قولته المعروفة : سلمان منّا أهل البيت . ) .
وفي ظروف بالغة القسوة بوشر العمل بحفر الخندق في الجهة الشمالية من المدنية وهي المنطقة المكشوفة التي تشكل نقطة الضعف في دفاعات المدينة .
كان الفصل شتاءّ والرياح القارسة تعصف بعنف ، والعام عام مجاعة ، وكان المسلمون لا يجدون في بعض الأحيان ما يسدّ رمقهم (جاءت فاطمة عليها السلام برغيف إلى أبيها العظيم فتمتم شاكراً : انه لأول طعام يذيقه أبوك بعد ثلاثة أيام !! ) على أننا لا ننسى ان شهر رمضان المبارك الذي استوعب مدّة الحفر قد منح المؤمنين ارادة جبّارة جعلت من كل تلك المعاناة عبادة وتقرّبا إلى الله . كما لا ننسى مدى الألم الذي يستشعره المؤمنون وهم يسمعون الشائعات التي يبثها اليهود والمنافقون ، والتي اتخذت في بعض الأحيان طابع السخرية اللاذعة (سخر أحد المنافقين وقد سمع النبي يتحدث عن الفتح الإسلامي القادم ، وافتتاح بلاد الروم والفارس قائلاً : ان محمداً يمنينا كنوز فارس وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط . ) .
وبالرغم من كل الظروف المريرة فقد استكمل المسلمون حفر الخندق قبل ثلاثة أيام من وصول جيوش الغزو ، وفوجيء أبو سفيان بخندق هائل يحول بينه وبين كل احلامه المريضة في القضاء على الإسلام .
عسكرت القوات الزاحفة ، وهيأت نفسها لضرب الحصار ومرّت الأيام قلقة مثيرة للأعصاب ؛ رابطت القوات الإسلامية قريباً من الخندق ، وحدثت مناوشات بالسهام وفي غمرة الحصار تناهت إلى النبي صلى الله عليه وآله انباء حول تحركات مشبوهة لبني قريظة ونقضهم معاهدة الدفاع المشترك بل ونيتهم في الانضمام إلى قوات الغزو ، وكانت قلاعهم داخل المدينة مما يتيح لهم طعن الجيش الإسلامي في خاصرته ، سيّما وانّهم يشكلون قوّة عسكرية ضاربة مجهزة باحسن الأسلحة ومؤلفة من ألف مقاتل .
وتفاقمت الأخطار ، وراح المنافقون والذين في قلوبهم مرض يتسللون من المعسكر الأسلامي ليلاً ، فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وآله سوى ألف مقاتل فقط .
وفجأة حدث تطور عسكري خطير عندما نفّذ عدّة فرسان من المشركين مغامرة جريئة في اقتحام الخندق والعبور إلى الجهة الأخرى ، وليس هناك افضل من هذه الآيات في رسم الحالة الخطيرة التي عاشها المسلمون في واحدة من أخطر المنعطفات التاريخية : « يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فارسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا * إذ جاءوكم من فوقكم ومن اسفل منكم واذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً » (يستمر تيار الآيات في التنديد بمواقف المنافقين وبعض الذين تزلزل ايمانهم ، ثم ينتهي إلى تمجيد موقف المؤمنين .) . (3)
راح الفارس المغامر يخطر في مشيته ويقوم باستعراضات استفزازية متحدّياً الإسلام والمسلمين ، وقد وصل به الاستهتار أن هتف ساخراً .
ـ ألا من مشتاق إلى جنته ؟!
وللأسف فقد سجّلت معنويات المسلمين ادنى مستوىً لها باستثناء فتى الإسلام علي بن أبي طالب الذي نهض منذ اللحظات الأولى للمواجهة ، فانقذ بذلك الكرامة الإسلامية وسوف ينقذ المصير الإسلامي من أكبر كارثة .
نهض علي بثباته المعروف وشجاعته وتقدم نحو سيدنا محمد الذي اشرف شخصياً على تجهيزه للصراع) ورد في السيرة انه ناوله سيفه ذا الفقار وعممه بعمامته وشيعه بكلمات خالدة قائلاً : « برز الايمان كله إلى الشرك كلّه » .) .
وعندما انطلق علي إلى ميدان المواجهة الخالدة رفع النبي صلى الله عليه وآله يديه إلأى السماء لتخترق دعواته الغيوم المتراكمة :
ـ اللهم انك قد اخذت مني عبيدة يوم بدر وحمزة يوم أحد وهذا علي أخي وابن عمي فلا تذرني فرداً وانت خير الوارثين .
وكان من تقاليد القتال الفردي أن يعرّف كل طرف نفسه إلى الآخر ، سأل الفارس المعلّم خصمه :
ـ من أنت ؟
ـ علي بن أبي طالب .
وهنا تغيرت نبرة الخطاب لدى عمرو بن عبد ودّ العامري فتظاهر بالاشفاق قائلاً :
ـ ليبرز إلي غيرك يابن أخي ... انني اكره ان اقتلك لأن أباك كان صديقاً لي (يعدّ عمرو بن عبد ودّ من فرسان العرب المبرّزين قاتل مع المشركين في معركة بدر واصيب بجروح بليغة منعته من حضور معركة أحد ، ولهذا خرج يوم الأحزاب مُعَلّماً ليعرف ، ويبدو من خلال التأمل في حيثيات مواجهته لعليّ ان شجاعته قد خانته في اللحظات الأخيرة بعد أن عرف أن نصف قتلى المشركين البالغ عددهم سبعين مقاتل قد لقوا مصارعهم على يد علي وحده . ) .
ودار حوار قصير فقد عرض علي ثلاثة نقاط على خصمه قائلاً : ان قريشاً تتحدث انك تقول : لا يدعوني أحد إلى ثلاث خلال إلا اجبته ولو إلى واحدة .
ـ أجل .
ـ فاني ادعوك إلى الإسلام .
قال ابن عبد ودّ :
ـ دع منك هذه .
ـ ادعوك ان ترجع بمن يتبعك من قريش إلى مكّة .
قال الفارس بكبرياء :
ـ اذن تتحدث عني نساء مكّة بالجبن .
وهنا قال علي متحدّياً الوثنية كلّها :
ـ اذن ادعوك إلى المبارزة .
وغلت عروق الفارس المعلّم ، فقفز من فوق فرسه وسدّد ضربة إلى فعقره وهذا يعني انه سيقاتل حتى النهاية .
كان عمرو ما يزال في فورة الغيظ فهجم على خصمه وسدّد له ضربة جبّارة اتقاها علي بدرقته ونشب السيف في الحديد وهنا ردّ علي بالمثل فانشب ذا الفقار عاتق الرجل الوثني فسقط على الأرض وانطلقت صيحة نصر من قلب الغبار :
ـ الله اكبر .
وادرك الجيش الإسلامي أن علياً قد قتل خصمه العنيد فانطلقت صيحات التكبير وفي غمرة الذهول فرّ رفاق الفارس القتيل متجهين إلى الثغرة التي عبروا منها وسقط أحدهم في اعماق الخندق وراح المسلمون يمطرونه بالحجارة فهتف وهو يتقي الحجارة بيده .
يا معشر المسلمين قتلة اكرم من هذه (سقط نوفل بن عبد الله في الخندق ؛ واستجاب علي عليه السلام فنزل اليه ولم يحرمه من فرصة المبارزة الكريمة .
وقد اسفرت المواجهة عن نتائج هائلة إذ تغيّر ميزان القوى لصالح المسلمين سيّما وأن علياً قد رابط ومعه مفرزة من المقاتلين عند الثغرة التي عبر منها المشركون وبهذا يكون قد فوّت آخر فرصة للعدوّ في اقتحام الخندق واجتياح المدينة ومن ثم القضاو على رسالة الإسلام إلى الأبد . وعاد بطل الإسلام إلى معسكره يبشر رسول السماء بالنصر واستقبله عمر بن خطاب قائلاً :
هلا سلبته درعه فانه ليس في العرب درع مثلها فقال علي مجسّداً مثل الفروسية والإنسانية :
ـ استحييت أن اكشف سوءته .
المصادر :
1- تاريخ اليعقوبي ، اسد الغابة لابن الأثير ، احياء علوم الدين للغزالي .
2- الآية : 31 من سورة الحج .
3- الآيات 9 ـ 25 سورة الأحزاب .

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.