وظهر في الاسلام سبع مائة مذهب، امها ثلاثة وسبعون . وجميع ذلك لعلى وأولاده (عليه افضل الصلاة والسلام) والصحابة، ابي بكر وعمر وعثمان . ووجدنا اللّه تعالى يقول : (عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ). وقال : (قل هو نبأ عظيم انتم عنه معرضون ). (1) فالنبأ العظيم هو على بن أبى طالب (عليه افضل الصلاة والسلام) (2) الذي اختلف فيه الناس . فقال قوم : بامامته بعد النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) بلافصل (3).
و قوم قالوا بإمامته بعد الصحابة .
وقوم قالوا انه رسول اللّه ومحمد (صلی الله عليه وآله وسلم) كان نائبه و وكيله في القيام بالامر(4).
وقوم قالوا بالهيته.
وقوم قالوا بعصمته مع العدالة.
وقال قوم : انه عدل بغير عصمة
وورد في ذلك الاخبار عن الاخيار: أن النبأ العظيم هو علي (عليه افضل الصلاة والسلام) يصدقه شعر عمرو بن العاص حيث قال من أبياته في مدحه (شعر):
إذا نادت صوارمه نفوسا *** فليس لها سوى (نعم) جواب
هو النبأ العظيم وفلك نوح *** وباب اللّه وانقطع الخطاب
فعند ذلك أقول بفضل ذي الجلال : دع نفسك و تعال، و اعلم أن اللّه تعالى أخبر بأن الانسان مختبر، (5) فكثير منهم يرتد على الاعقاب قهقرى، لما قال اللّه تعالى : (الم احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا امنا وهم لا يفتنون )، (6) وقال تعالى : (أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم )(7).
وقال : (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي اللّه بقوم يحبهم و يحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين )(8).
وقال : (وما يؤمن أكثرهم باللّه الا وهم مشركون)(9).
وأمثالها في القرآن كثيرة. فوجب وقوعه رفعا للكذب عن اللّه تعالى، فإذا ثبت هذا وجب على العاقل تتبع الاحوال حتى يعلم، من المرتد عن دينه ؟
انكار الامامة بمنزلة الارتداد
سئل القائم (عليه افضل الصلاة والسلام) عن المرتدين . فقال (عليه افضل الصلاة والسلام): مثل الرسول كمثل تاجر نزل على باب بلدة، وزعم أنه يمشي إلى البلد الذي بناه السلطان الفلانى كذا وكذا، نزهة وخصبا، ورحب العرصة وسعة المعيشة على وجه لم يوجد مثلها في الدنيا، فتبعه قوم ليشاهدوا تلك السعة و ذلك الخصب، فمات التاجر في الطريق و ندم هؤلاء التبع، فقالوا: كان قول هذا التاجرمن أساطير الاولين، و من جاء من تلك البلدة ؟، و من رآها؟.
فرجعوا إلى بلدة كانوا فيها.فهذا التاجر هو النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)، والمخبر عنه الجنة . فلما مات ندم القوم ، ورجعوا إلى ما كانوا فيه من عالم الشرك . ويدل على ما قاله [(عليه افضل الصلاة والسلام)] قول يزيد اللعين حيث يقول بعد قتل الامام الحسين عليه السلام و أقربائه وأصحابه (عليهم السلام) شعر:
ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الاسل
فأهلوا واستهلوا فرحا *** ثم قالوا: يا يزيد لا تشل
لست من خندف ان لم انتقم *** من بني أحمد ما كان فعل
ثم قال :
لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل (10)
بعض الاحداث الواقعة في السقيفة و بعدها
قيل : دخل خضر على علي (عليه افضل الصلاة والسلام) يوم السقيفة وقال : رأيت ابليس على قارعة الطريق يرقص و يقول : (يوم كيوم آدم). (11)ويصدقه قول اللّه تعالى : (و لقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين). (12) وقال نقلا عن ابليس : (فبعزتك لا غوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ). (13)
فعلى ذلك لما كان محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) صاحب القرآن العظيم، وذا كثرة (14) بالاقرباء والقرناء والتأييد السماوي لإظهار الدين لم يقدروا أن يظهروا فيه ما كانوا يبطنونه، لكن تواطؤوا أن لا يمكنوا عليا (عليه افضل الصلاة والسلام) بعده، و يقتلوه لو انتهزوا الفرصة، (15) حتى قال اللّه تعالى فيه لخوفه منهم ومن اغتيالهم : (وتوكل على اللّه وكفى باللّه وكيلا) (16)،
(وتوكل على العزيز الرحيم )، (17) (و اللّه يعصمك من الناس )، (18) (وتخشى الناس واللّه أحق ان تخشاه )، (19) ونحوها.
فاشتغل علي (عليه افضل الصلاة والسلام) بتجهيز الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) ودفنه مع بني هاشم وجماعة من صلحائهم. (20) وقاموا بالامر، ويكرر الاول مع الثاني، عمر (البدار البدار قبل البوار). (21)
فأخذوا البيعة من القوم باللمى (22) والبراطيل (23) و المواعيد الحسنة، حتى قيل : انهم كتبوا في يومين أربعمائة كتاب لاربعمائة نفس من القوم، لكل على قبيلة، و على بلدة وصقع، وعين والكل من يلتفت إلى كلامه بين الناس شغلا جسيما وعملا عظيما، أما في الجباية أو الخرانة أو الولاية . فتفرق الناس في العالم مع كتبهم مكتوبا على رأسه : من خليفة رسول اللّه إلى الفلان أو لفلان ، أو من أمير المؤمنين(24).
وكان الناس عبيد الدنيا. وقال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم): جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها(25).
فعلى هذا اغتر القوم بالدنيا وقاموا بمعونتهم، وتذليل أهل البيت وتحقيرهم، وإظهار مقاماتهم التي افتروها. فمن كان في المدينة من أقربائهم تعاونوهم طمعا في المال من جمع المال . والناس الاباعد بحسن الظن لم يتفحصوا حقيقة الامر، كما قال اللّه تعالى : (وأنه كان يقول سفيهنا على اللّه شططا و انا ظننا ان لن تقول الانس و الجن على اللّه كذبا). (26)
ثم أذاعوا بين الناس أن عليا من أعداء الخلفاء، وبني عاشم من معاديهم، حتى لايسمع الكلام منهم مما عليهم . وشهروا بين الناس أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) [ما]مات . (27)
وترفض على بن أبي طالب (عليه افضل الصلاة والسلام) مع سبعة عشر نفرا من المهاجرين والانصار (28) ولقبوهم بالرفض .
ولما منعت بنو حنيفة زكاتهم منهم سموهم بأهل الردة، وبعثوا خالدا إليهم حتى قتل رئيسهم مالك بن نويرة، وقتلهم جميعا، وسبى ذراريهم، وجمع أموالهم، وسموه سيف اللّه . (29)
فلما رأى الناس تلك الحالة لم يجسر أحد بعد ذلك، التأبي عليهم خوفا من أن يصيب بهم ما أصاب ببني حنيفة، فاشتغلوا بالصلاة، فلما رأى ذلك القوم في الصلاة هجم عليهم، وقتل إلى آخرهم راكعين ساجدين مستشهدين(30).
أما عمر فأخذ من تلك الغنيمة لكن لم يتصرف فيها، وردها إلى ورثة المقتولين زمان خلافته، و أمر برد الاسارى إليهم. زمان خلافته، و أمر برد الاسارى إليهم . (31).
البدع الحادثة في عهد بني امية
روى أبو بكر بن مردويه الاصفهاني في كتاب (المناقب) في مناقب على (عليه افضل الصلاة والسلام): أن ابن عباس روى أن ثلاثة وثلاثين ألف حديث وردت عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) في حق على (عليه افضل الصلاة والسلام)، فلما علمت الصحابة هذه لعلي (عليه افضل الصلاة والسلام) قالوا: فربما يسمعها العامة ويقدموه عليهم، أو يسوء الظن بهم بذلك، فغروا جماعة قلائل البضائع في الدين غير المحسنين فيه، (كأبي هريرة)، و(أنس) حتى افتروا على النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) أنه قال فيهم : كذا وكذا ـ و سنورد بعضا منها مع الجواب عنها أو بذلوا لهم لكل حديث دينارا حتى يقال : ان أبا هريرة افترى أربعمائة حديث(32).وكانت عائشة يوما على غرفة فمر أبو هريرة في الدنيا قالت : (من هذا؟) حتى يعد بهذه الجلالة، فسمع أبو هريرة منها كلامها، فالتفت إليها قائلا: (يا ستي افتريت على النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) أربعمائة حديث لأبيك منتحلامن مناقب على بن أبي طالب (عليه افضل الصلاة والسلام) أعبر على هذه الحلية).
فسمعت كلامه و سكتت(33).
وأذاعوها بين الناس، وقبلها الناس بحسن الظن منهم في حقهم، حتى آل الامر إلى معاوية، عين الادباء ووظف لهم الوظائف، وأمر بتدوين المفتريات وتعليم الصبيان بها دفعا لطعن الطاعن عنهم وحفظا لأغراظهم وأغراض السلف (34).
يقال: ان الرجل يكتب من ذلك، ويذهب الكتاب، ويزينه، ويبيع ويرهن في الاسواق بأدنى شيء. وكان المشتري والمرتهن يغتنمه، ويعالجه ويعلم أولاده، ويوصي بعده بالتدين بذلك . ومنه قوله تعالى : (ان هذا الا افك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما و زورا) (35).
ونادوا أن من روى حديثا في علي (عليه افضل الصلاة والسلام) يقتل في الحال، ويُسرَى أولاده، وينهب ماله(36).
وقال معاوية : (معروف بين الناس فضائل على (عليه افضل الصلاة والسلام) ومناقبه وسبقه في الاسلام، وأنا ظلمت عليه وعلى أولاده، فربما يلعنني الناس بعدي ) فأقوم بما يدفع هذا وسن في الدنيا لعن على والناس على دين ملوكهم (37)
فاشتهرت لعنة على وأولاده في الاسلام حتى صارت سنة، والسني منسوب إليها. ومعنى السنة لعنته، لاسنة النبي [(صلی الله عليه وآله وسلم)]، لان الناس شرع في سنته حتى اذا رفعت تلك البدعة قال الناس : (كفر الخليفة برفع السنة ). وكل من كان في ذلك الزمان يقول : (غيرت السنة وبدلت السنة ). (38)
وحكموا ألف شهر بأن من يسمي ولده عليا، أو يذكر عليا يقتل . فمثل الحسن البصري وغيره، كانوا يقولون في روايتهم عنه : روى لي أبو زينب، ورورى قرشى . (39)
يقال : ان عالما ذكر عليا (عليه افضل الصلاة والسلام) في منبر دمشق وانهي إلى عبدالملك بن مروان بالخبر فأمر بقطع لسان ذلك العالم، وقال : عجبا ان اسم على بقي في خواطر الخلائق، وما نسوه ؟ (40)
وأفشوا أن أبا تراب ويعنون به علياـ كان كذا وكذا، عداوة مع الخلفاء، وخرب بيت النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)، وشرعه . وفي اللعن يلعنونه بأبي تراب(41).
وجه تسمية علي (عليه افضل الصلاة والسلام) بأبي تراب
سئل الصادق (عليه افضل الصلاة والسلام) عن تسميته بأبي تراب ؟ قال : لان التراب يقوم مقام الماء في الطهارة، فإذا انقضى محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) فإن عليا (عليه افضل الصلاة والسلام) قام مقامه، كما يقوم التراب مقام الماء. (42)وسبب تسميته به أنه غاب علي (عليه افضل الصلاة والسلام) يوما، فطلبه النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وجميع أصحابه، فوجدوه في الصحراء ساجدا للّه تعالى نائما على التراب في سجدته، فلما وصل إليه النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) انتبه وقام ووجهه كان متلطخا بالتراب .
فلما كان ذلك باطلا (يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره) ، رفعه اللّه واشتهر اسم على (عليه افضل الصلاة والسلام) ومناقبه وفضائله، حتى صنفوا فيه ألوفا من الكتب .
وجميع تصانيف الطوائف يشهد على منقبته وفضله، وعاد لعنه إلى معاوية، وبقي ذلك بين الشيعة إلى يوم القيامة . بسبب تكثر أهل السنة في الدنيا، و قلة الشيعة و التزامهم التقية، كان هذا الذي ذكرته الآن. (43)
المصادر :
1- ارشاد الطالبين : 388, اللوامع الالهية : 273.
2- اعتقادات فرق المسلمين و المشركين : 60.
3- نفس المصدر: 57.
4- القولين في : الاربعين في أصول الدين : 433 ـ 437.
5- الغدير4 : 26و 27, نقلا عن الناشئ الصغير, حق اليقين للسيد عبدالله شبّر 1: 209.
6- العنكبوت / 1 و2.
7- آل عمران /144.
8- المائدة / 54.
9- يوسف /106.
10- الفتوح لابن أعثم 5: 150.
11- كتاب سليم بن قيس : 80, علم اليقين : 2: 677, بتفاوت .
12- سباء/20.
13- سورة ص / 82 و 83.
14- النسختان : وذو كثرة .
15- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17: 273.
16- الاحزاب /3.
17- الشعراء/217.
18- المائدة / 67.
19- الاحزاب /37.
20- 324الطبقات الكبرى 2: 70 ـ 78.
21- المسترشد: 8.
22- لـمـا يلمو لموا: أخذه بأجمعه . واللمة , أي : الجماعة و الاصحاب من الثلاثة إلى العشرة. والملمّ هو الشديد من كل شيء (محيط المحيط: 826).
23- البرطيل واحد البراطيل , أي : الرشوة . (محيط المحيط: 36).
24- المسترشد: 8.
25- حلية الاولياء 4: 121, من لايحضره الفقيه 4: 273, تحف العقول : 36 و52.
26- الجن /4و5.
27- تاريخ الطبرى 2: 442, الكامل في التاريخ 2: 9, الملل والنحل 1: 29, شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 178 و 12: 195، التمهيد للباقلاني: 192.
28- الإمامة و السياسة 11ـ 12, معالم المدستين 1: 58ـ59.
29- الفتوح لابن أعثم 1: 24 ـ 26, حبيب السير1: 450, فرق الشيعه : 4.
30- الـكـامل في التاريخ 2: 32, مروج الذهب 2: 301, شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديث 2: 54 ـ 157.
31- الملل و النحل 1: 31.
32- تبصرة العوام : 250.
33- النقض : 629, تبصرة العوام : 250.
34- شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد 4: 63, نهج الحق وكشف الصدق : 310, تبصرة العوام: 231.
35- الفرقان /4.
36- تبصرة العوام : 195و231.
37- : تاريخ وصاف : 241.
38- تبصرة العوام 29 و101, شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13: 221ـ222.
39- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 73, مناقب آل أبي طالب 2: 351.
40- ما يقرب من ذلك في حبيب السير, 2: 136.
41- صحيح مسلم 4: 1874, بحار الأنوار 5: 65 نقلا عنه .
42- مؤداه في : مناقب آل ابي طالب 3: 270.
43- المناقب للخوارزمى : 7, بحار الأنوار 35: 61 نقلا عن الطبرى وابن مردويه .