نستعرض في هذا المقال بعض أقوال علماء المسلمين وأئمتهم على اختلاف نزعاتهم وميولهم ومذاهبهم، وقد أجمعوا على تعظيمه والإطراء على علمه وتقواه وزهده وعبادته وسيرته وسلوكه ورسوخ يقينه، وقد تقدم طرف من ذلك في سيرته ومكارم أخلاقه ( عليه السلام)، وسنزيد هنا بعض الأقوال مرتبة وفقا للتسلسل التأريخي لوفياتهم:
قال فيه جده الإمام الصادق (عليه السلام) قبل ولادته: غوث هذه الأمة وغياثها، وعلمها ونورها، وفهمها وحكمها، خير مولود وخير ناشئ، يحقن الله به الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلم به الشعث، ويشعب به الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع، ويؤمن به الخائف، وينزل به القطر، ويأتمر له العباد، خير كهل وخير ناشئ، قوله حكم، وصحته علم، يبين للناس ما يختلفون فيه (1).
وقال المأمون العباسي في جوابه للعباسيين: وأما ما ذكرتم من استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فما بايع له المأمون إلا مستبصرا في أمره، عالما بأنه لم يبق أحد على ظهرها أبين فضلا، ولا أظهر عفة، ولا أورع ورعا، ولا أزهد زهدا في الدنيا، ولا أطلق نفسا، ولا أرضى في الخاصة والعامة، ولا أشد في ذات الله منه (2).
وقال في موضع آخر مخاطبا محمد بن جعفر الصادق (عليه السلام): إن ابن أخيك من أهل بيت النبي الذين قال فيهم (صلى الله عليه وآله): ألا إن أبرار عترتي وأطايب أرومتي، أحلم الناس صغارا، وأعلم الناس كبارا، لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، لا يخرجونكم من باب هدى، ولا يدخلونكم في باب ضلال (3).
وقال الحافظ ابن حبان المتوفى سنة 354 ه: أبو الحسن، من سادات أهل البيت وعقلائهم، وأجلة الهاشميين ونبلائهم، ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون، فمات من ساعته، وذلك يوم السبت آخر يوم من سنة 203، وقبره بسناباد، خارج النوقان، مشهور يزار، بجنب قبر الرشيد (4).
ص 5434 - وقال المفيد (رحمه الله) المتوفى سنة 413 ه: وكان الإمام بعد أبي الحسن موسى بن جعفر ابنه أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) لفضله على جماعة إخوته وأهل بيته، وظهور علمه وحلمه وورعه واجتهاده، واجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه، ومعرفتهم به منه، وبنص أبيه على إمامته (عليه السلام) من بعده، وإشارته إليه بذلك دون جماعة إخوته وأهل بيته (5).
وقال السمعاني المتوفى سنة 562 ه: والرضا كان من أهل العلم والفضل مع شرف النسب (6).
وقال الشيخ كمال الدين بن طلحة الشافعي، المتوفى سنة 652 ه: قد تقدم القول في أمير المؤمنين علي، وفي زين العابدين علي، وجاء هذا علي الرضا ثالثهما، ومن أمعن نظره وفكره وجده في الحقيقة وارثهما، فيحكم أنه ثالث العليين، نما إيمانه، وعلا شأنه، وارتفع مكانه، واتسع إمكانه، وكثر أعوانه، وظهر برهانه، حتى أحله الخليفة المأمون محل مهجته، وشركه في مملكته، وفوض إليه أمر خلافته، وعقد له على رؤوس الأشهاد عقد نكاح ابنته، وكانت مناقبه علية، وصفاته الشريفة سنية، ومكارمه حاتمية، وشنشنته أخزمية، وأخلاقه عربية، ونفسه الشريفة هاشمية، وأرومته الكريمة نبوية، فمهما عد من مزاياه كان (عليه السلام) أعظم منها، ومهما فصل من مناقبه كان أعلى رتبة منها (7).
وقال ابن خلكان - المتوفى سنة 681 ه-: أبو الحسن علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين، وهو أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية. وكان المأمون قد زوجه ابنته أم حبيب في سنة 202 ه، وجعله ولي عهده، وضرب اسمه على الدينار والدرهم، وكان السبب في ذلك أنه استحضر أولاد العباس الرجال منهم والنساء، وهو بمدينة مرو من بلاد خراسان، وكان عددهم ثلاثة وثلاثين ألفا، ما بين الكبار والصغار، واستدعى عليا المذكور، فأنزله أحسن منزلة، وجمع خواص الأولياء، وأخبرهم أنه نظر في أولاد العباس وأولاد علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فلم يجد في وقته أحدا أفضل ولا أحق بالأمر من علي الرضا (عليه السلام)، فبايعه (8).
قال علي بن عيسى الإربلي سنة 692 ه: مناقب الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) رضا في المناقب، وأمداد فضله متوالية توالي المقانب، وموالاته محمودة المبادي مباركة العواقب، وعجائب أوصافه من غرائب العجائب، وشرفه ونبله قد حلا من الشرف في الذروة والغارب، وصيت سؤدده قد شاع وذاع في المشارق والمغارب، فلمواليه السعدالطالع، ولشانيه النحس الغارب.
أما شرف الآباء، فأشهر من الصباح المنير، وأضوأ من عارض الشمس المستدير، وأما أخلاقه وسماته وسيرته وصفاته ودلائله وعلاماته ونفسه الشريفة وذاته، فناهيك من فخار، وحسبك من علو منار، وقدك (أي: حسبك.) من سمو مقدار يجاري الهواء كرم أخلاق، ويجاوز السماء طهارة أعراق. لو ولج السماء شريف ولجها بشرفه، أو طال الملائكة الكرام لطالهم بنفسه الزاكية وسلفه، وفضلهم بولده وخلفه، نور مشرق من أنوار، وسلالة طاهرة من أطهار، وغصن فخر من سرحة فخار، وثمرة جنية من الدوحة الكريمة العليا، ونبعة ناضرة قويمة من الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.
أخباره (عليه السلام) كلها عيون، وسيرته السرية كاللؤلؤ الموصون، ومقالاته ومقاماته قيد القلوب وجلاء الأسماع ونزهة العيون، ومعارفه الإلهية واحدة في العلم بما كان وما يكون، محدث في خاطره الشريف بالسر المكتوم والعلم المكنون، ملهم بمعرفة الظاهر المشهور والباطن المخزون، مطلع على خفايا لا تتخيلها الأفكار ولا تخيلها الظنون، جار من فضائله وفواضله على طريقة ورثها عن الآباء وورثها عنه البنون، فهم جميعا في كرم الأرومة وزكاء الجرثومة كأسنان المشط متعادلون.
فشرفا لهذا البيت العظيم الرتبة، العلي المحلة، السامي المكانة، لقد طال السماء علاء ونبلا، وسما على الثوابت منزلة ومحلا، واستوفى صفات الكمال فيما يستثنى في شيء منه لغيره، وإلا انتظم هؤلاء الأئمة (عليهم السلام) انتظام اللآلئ، وتنافسوا في الشرف فاستوى المقدم والتالي، ونالوا مرتبة مجد هلك دونها المقصر والغالي، وحين اقتسمت شمل مراتب السيادة كان لغيرهم السافل ولهم العالي، كم اجتهد الأعداء في خفض منارهم والله يرفعه، وكم ركبوا الصعب والذلول في تشتيت شمل عزهم والله يجمعه، وكم ضيعوا من حقوقهم ما لا يهمله الله ولا يضيعه. ومع كثرة عداتهم، وتظاهر الناس عليهم، وغلبة شناءتهم، ومدهم أيدي القهر إليهم، لم يزدادوا على الاختبار إلا صبرا واحتسابا، وعلى القتل والتشريد إلا إغراقا في الحمد وإطنابا، وتحصيلا للأجر واكتسابا، واعتزاء إلى أعلى منازل الطاعة وانتسابا، حتى خلصوا خلوص الذهب من النار، وسلموا في أعراضهم وأديانهم من العاب والعار، فالولي والعدو يشهدان لهم بعلو المنصب وسمو المقدار:
قال فيه البليغ ما قال ذو * العي فكل بفضله منطيق
وكذلك العدو لم يعد أن * قال جميلا كما يقول الصديق
وهذا الإمام الرضا هو لله سبحانه رضى، وقد قضى من شرفه ومجده بما قضى، ونصبه دليلا لمن يأتي وعلى من مضى، فظهر من فضائله وأخباره، واشتهر من صفاته وآثاره ما كان أمضى من السيف المنتضى، وأبى أن يكون هذا النعت الرضى إلا لذلك السيد المرتضى، ولم أزل مذ كنت حدثا أهش لذكره، وأطرب لما يبلغني من خلاله وسجاياه، وسمو قدره، فرزقني الله - وله الحمد - أن أثبت شيئا من مناقبه، وشاهدت بعين الاعتبار جملة من عجائبه، وأعجبتني نفسي حين عرفت اختيارها في حالة الشباب، وسرني أن عددت من واصفي فضله وفضل آبائه وأبنائه .
والمنة لله تعالى، فهو الذي أمد بالتوفيق، وهدى إلى الطريق، ولا منة عليهم (عليهم السلام)، فإن الواجب على العبد مدح سيده، ووصف فخاره وسؤدده، والذب عنه بلسانه ويده (9).
أما الجويني إبراهيم بن محمد بن المؤيد أبي بكر، شيخ خراسان الشافعي الصوفي المتوفى سنة 573، فقد وصف الإمام الرضا في الباب التاسع والثلاثين، من كتابه (فرائد السمطين)، فقال: مظهر خفيات الأسرار، ومبرز خبيات الأمور الكوامن، منبع المكارم والميامن، ومنبع الأعالي الخضارم والأيامن، منيع الجناب، رفيع القباب، وسيع الرحاب، هتون السحاب، عزيز الألطاف، غزير الأكناف، أمير الأشراف، قرة عين آل ياسين وآل عبد مناف، السيد، الطاهر، المعصوم، والعارف بحقائق العلوم، والواقف على غوامض أسرار السر المكتوم، والمخبر بما هو آت وعما غبر ومضى، المرضي عند الله سبحانه برضاه عنه في جميع الأحوال، ولذا لقب بالرضا علي بن موسى، صلوات الله على محمد وآله، خصوصا عليه، ما سح سحاب وهمى، وطلع نبات ونما... (10).
قال الذهبي - المتوفى سنة 748 ه-: الإمام السيد أبو الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين الهاشمي العلوي المدني، كان من العلم والدين والسؤدد بمكان. يقال: أفتى وهو شاب في أيام مالك (11).
وقال: وقد كان علي الرضا كبير الشأن، أهلا للخلافة (12).
وقال في موضع آخر: وكان سيد بني هاشم في زمانه، وأجلهم وأنبلهم، وكان المأمون يعظمه ويخضع له، ويتغالى فيه، حتى إنه جعله ولي عهده من بعده، وكتب بذلك إلى الآفاق (13).
وقال الصفدي، المتوفى سنة 764 ه: وهو أحد الأئمة الاثني عشر، كان سيد بني هاشم في زمانه، وكان المأمون يخضع له ويتغالى فيه، حتى إنه جعله ولي عهده من بعده، وكتب إلى الآفاق بذلك (14).
قال اليافعي، المتوفى سنة 768 ه: فيها (أي سنة 203) توفي الإمام الجليل المعظم، سلالة السادة الأكارم، أبو الحسن علي بن موسى الكاظم، أحد الأئمة الاثني عشر، أولي المناقب، الذين انتسبت الإمامية إليهم، وقصروا بناء مذهبهم عليهم (15).
قال ابن الصباغ المالكي، المتوفى سنة 855 ه: قال بعض الأئمة من أهل العلم، مناقب علي بن موسى الرضا من أجل المناقب، وأمداد فضائله وفواضله متوالية كتوالي الكتائب، وموالاته محمودة البوادي والعواقب، وعجائب أوصافه من غرائب العجائب، وسؤدده ونبله قد حل من الشرف في الذروة والمغارب، فلمواليه السعد الطالع، ولمناويه النحس الغارب.
أما شرف آبائه فأشهر من الصباح المنير، وأضوأ من عارض الشمس المستدير، وأما أخلاقه وسماته وسيرته وصفاته ودلائله وعلاماته فناهيك من فخار، وحسبك من علو مقدار، جاز على طريقة ورثها عن الآباء، وورثها عنه البنون، فهم جميعا في كرم الأرومة، وطيب الجرثومة، كأسنان المشط متعادلون، فشرفا لهذا البيت العالي الرتبة، السامي المحلة (16).
وقال صفي الدين الخزرجي المتوفى بعد سنة 923 ه: كان سيد بني هاشم، وكان المأمون يعظمه ويجله، وعهد له بالخلافة، وأخذ له العهد (17). وقال الشيخ يوسف إسماعيل النبهاني الشافعي، المتوفى سنة 1350 ه:
علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، أحد أكابر الأئمة، ومصابيح الأمة، من أهل بيت النبوة، ومعادن العلم والعرفان، والكرم، والفتوة، كان عظيم القدر، مشهور الذكر، وله كرامات كثيرة... (18).
اقتطفنا هذه الشذرات مما دبجته يراعات كبار العلماء، كنماذج من مناقب وفضائل إمامنا المفدى عليه وعلى آبائه آلاف التحيات والسلام .
المصادر:
1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 23 / 9، بحار الأنوار 48: 12 / 1.
2- العوالم 22: 333.
3- بحار الأنوار 49: 180.
4- الثقات 8: 456.
5- الإرشاد 2: 247.
6- الأنساب 3: 74.
7- مطالب السؤول: 84، الفصول المهمة: 240، كشف الغمة 3: 49.
8- وفيات الأعيان 3: 269 / 423.
9- كشف الغمة 3: 129 - 131.
10- فرائد السمطين 2: 187.
11- سير أعلام النبلاء 9: 387 / 125.
12- سير أعلام النبلاء 9: 392.
13- تأريخ الإسلام، الرقم 281، حوادث سنة 203، الصفحة 270.
14- الوافي بالوفيات 22: 248.
15- مرآة الجنان 2: 10 - 11.
16- الفصول المهمة: 260.
17- خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 2: 257 / 5054.
18- جامع كرامات الأولياء 2: 256.