دفن الامام الرضا عليه السلام في قرية سناباذ، وهي قرية صغيرة تابعة لطوس القديمة، ودار حميد كانت في بستان يسكنها الأمراء ورجال الدولة العباسية، وبعد دفن الإمام (عليه السلام) فيها تحولت قرية سناباذ إلى مدينة عامرة اشتهرت باسم مشهد الرضا (عليه السلام) أو مشهد طوس.
وكانت في طوس مدينتان رئيسيتان، هما نوقان وطابران، فلما دفن الإمام الرضا (عليه السلام) في سناباذ، قصدها الناس من الضواحي مهاجرين من نوقان وطابران، فسكنوا عند مشهده متبركين بمجاورته، فعمروا عند قبره أسواقا ودورا لهم ولزوار القبر، فأصبحت نوقان محلة من محال المشهد، أما طابران فقد خربت تماما بعد أن هجرها ما بقي فيها من الأهالي، ولاذوا بقبر الإمام (عليه السلام)، وتحصنوا بقربه نتيجة هجوم تيمورلنك المغولي عليها (1).
وهكذا أخذت مشهد الرضا (عليه السلام) تتسع يوما بعد يوم، لتأخذ مكان مدينة طوس القديمة، التي تبعد عنها نحو أربعين فرسخا، حتى غدت قاعدة بلاد خراسان وحاضرتها، ومن أمهات مدن إيران، ومن أكبر المزارات وأشهر العتبات المقدسة. ومشهد الرضا (عليه السلام) اليوم مدينة عصرية جميلة وكبيرة، يختلف إليها زوار الإمام (عليه السلام) على مدار السنة، ولا تكاد تخلو يوما واحدا منهم، حيث يقصدها المسلمون ومحبو أهل البيت (عليهم السلام) للتبرك والزيارة من أطراف المعمورة وشاسع الآفاق ومختلف الديار، هذا فضلا عن أن المدينة تزدحم بالمساجد والمدارس الدينية والمعاهد والجامعات العلمية، التي يختلف إليها طلبة العلم من شتى الديار، ينعمون ببركة جوار الإمام، وينهلون من علوم ومعارف أهل بيت النبوة (عليهم السلام).
فضل هذه البقعة:
وقد ورد في فضل هذه البقعة المباركة كثير من الأحاديث عن أهل البيت (عليهم السلام)، اخترنا منها ما يلي:
1 - عن أبي هاشم الجعفري، قال: سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: إن بين جبلي طوس قبضة قبضت من الجنة، من دخلها كان آمنا يوم القيامة من النار (2).
2 - وعن الصادق (عليه السلام) قال: أربع بقاع ضجت إلى الله تعالى أيام الطوفان: البيت المعمور فرفعه الله، والغري، وكربلاء، وطوس (3).
3 - ونقل العلامة المجلسي (رحمه الله) عن كتاب (فصل الخطاب) عن الرضا (عليه السلام) أنه قال: هذه البقعة روضة من رياض الجنة، ومختلف الملائكة، لا يزال فوج ينزل وفوج يصعد إلى أن ينفخ في الصور (4).
4 - وعن الصقر بن دلف (5)، قال: سمعت سيدي علي بن محمد بن علي الرضا (عليه السلام) يقول: من كانت له إلى الله حاجة، فليزر قبر جدي الرضا (عليه السلام) بطوس، وهو على غسل، وليصل عند رأسه ركعتين، وليسأل الله حاجته في قنوته، فإنه يستجيب له، ما لم يسأل في مأثم أو قطيعة رحم، وإن موضع قبره لبقعة من بقاع الجنة، لا يزورها مؤمن إلا أعتقه الله من النار، وأحله إلى دار القرار (6)
بركة مشهده (عليه السلام):
وفي ما يلي نورد أقوال بعض العلماء الذين أقروا أو شاهدوا كرامات الإمام (عليه السلام) بعد وفاته، في استجابة الدعوات، وقضاء الحاجات، وكشف الملمات، وشفاء المرضى، مما لا يحصى كثرة:
1 - قال الإمام الحافظ ابن حبان في (الثقات): قد زرته مرارا كثيرة، وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس، فزرت قبر علي بن موسى الرضا (صلوات الله على جده وعليه)، ودعوت الله إزالتها عني، إلا استجيبت لي، وزالت عني تلك الشدة، وهذا شيء جربته فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته (صلى الله عليه وعليهم أجمعين) (7).
2 - ونقل ابن حجر في (تهذيب التهذيب) عن الحاكم في (تأريخ نيسابور)، قال: سمعت أبا بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول: خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا، وهم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بطوس، قال: فرأيت من تعظيمه لتلك البقعة، وتواضعه لها، وتضرعه عندها ما تحيرنا (8). وزاد الجويني في (الفرائد): وذلك بمشهد من عدة من آل السلطان، وآل شاذان بن نعيم، وآل الشنقشين، وبحضرة جماعة من العلوية من أهل نيسابور وهرات وطوس وسرخس، فدونوا شمائل أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة عند الزيارة، وفرحوا وتصدقوا شكرا لله على ما ظهر من إمام العلماء عند ذلك الإمام والمشهد، وقالوا بأجمعهم: لو لم يعلم هذا الإمام أنه سنة وفضيلة لما فعل هذا. قال: ثم انصرفنا من الزيارة في ربيع الآخر سنة 309 (9).
3 - وفي (فرائد السمطين) عن الحاكم، قال: سمعت أبا الحسين بن أبي بكر الفقيه يقول: قد أجاب الله لي في كل دعوة دعوت بها عند مشهد الرضا (عليه السلام) حتى إني دعوت الله أن يرزقني ولدا، فرزقت ولدا بعد الإياس منه (10).
4 - وفيه أيضا عن الحاكم، قال: سمعت أبا الحسن محمد بن علي بن سهل الفقيه يقول: ما عرض لي مهم من أمر الدين والدنيا، فقصدت قبر الرضا (عليه السلام) لتلك الحاجة، ودعوت عند القبر إلا قضيت لي تلك الحاجة، وفرج الله عني ذلك المهم. ثم قال أبو الحسن (رحمه الله): وقد صارت إلي هذه العادة أن أخرج إلى ذلك المشهد في جميع ما يعرض لي، فإنه عندي مجرب (11).
5 - وقال الطبرسي (رحمه الله): وأما ما ظهر للناس بعد وفاته من بركة مشهده المقدس وعلاماته، والعجائب التي شاهدها الخلق فيه، وأذعن العام والخاص له، وأقر المخالف والمؤالف به إلى يومنا هذا، فكثير خارج عن حد الإحصاء والعد. ولقد أبرأ فيه الأكمه والأبرص، واستجيبت الدعوات، وقضيت ببركته الحاجات، وكشفت الملمات، وشاهدنا كثيرا من ذلك وتيقناه، وعلمناه علما لا يتخالج الشك والريب في معناه، فلو ذهبنا نخوض في إيراد ذلك لخرجنا عن الغرض في هذا الكتاب (12).
6 - وقال الشيخ الحر العاملي (قدس سره) في (إثبات الهداة) بعد نقل هذا الكلام من (الأعلام): ولقد رأيت وشاهدت كثيرا من ذلك وتيقنته، كما شاهده الطبرسي وتيقنه في مدة مجاورتي لمشهد الرضا (عليه السلام)، وذلك ست وعشرون سنة، وسمعت من الأخبار في ذلك ما تجاوز حد التواتر، وليس في خاطري أنني دعوت في هذا المشهد وطلبت فيه من الله تعالى حاجة إلا وقضيت لي، والحمد لله، وتفصيل ذلك يضيق عنه المجال، ويطول فيه المقال، فلذلك اكتفيت بالإجمال، ومن ذلك أن بنتا من جيراننا كانت خرساء، ثم زارت قبر الرضا (عليه السلام) يوما، فرأت عند القبر رجلا حسن الهيئة، ظنت أنه الرضا (عليه السلام)، فقال لها: ما لك لا تتكلمين، تكلمي، فنطقت في الحال، وزال عنها الخرس بالكلية، فقلت فيها هذه الأبيات: يا كليم الرضا (عليه السلام)* وعليك السلام والإكرام كلميني عسى أكون كليما * لكليم الرضا (عليه السلام) (13)
7 - وقال الشيخ عباس القمي (رحمه الله): ولقد رأيت وشاهدت في مدة مجاورتي لهذا المشهد المقدس خصوصا في هذا التأريخ، وهو شوال سنة 1343 هثلاث وأربعين بعد ألف وثلاثمائة كثيرا من ذلك وتيقنته، وعلمت علما لا يخالج الشك والريب في معناه، فلو ذهبت للخوض في إيراد ذلك، لخرجت عن الغرض في هذا الكتاب، ولقد صدق شيخنا العاملي في قوله:
وما بدا من بركات مشهده * في كل يوم أمسه مثل غده
وكشفاء العمي والمرضى به * إجابة الدعاء في أعتابه (14)
بركات الروضة الرضوية:
وفيما يلي نورد بعض الأخبار التي تناقلتها مصادرنا القديمة في بركات الروضة الرضوية على مشرفها آلاف التحية والثناء: 1 - روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) بإسناده عن محمد بن عمر النوقاني، قال: بينا أنا نائم بنوقان في علية لنا، في ليلة ظلماء، إذ انتبهت فنظرت إلى الناحية التي فيها مشهد علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بسناباد، فرأيت نورا قد علا حتى امتلأ منه المشهد، وصار مضيئا كأنه نهار، فكنت شاكا في أمر الرضا (عليه السلام)، ولم أكن علمت أنه حق. فقالت لي أمي وكانت مخالفة: ما لك؟ فقلت لها: رأيت نورا ساطعا قد امتلأ منه المشهد بسناباد، فقالت أمي: ليس ذلك بشيء، وإنما هذا من عمل الشيطان. قال: فرأيت ليلة أخرى مظلمة أشد ظلمة من الليلة الأولى مثل ما كنت رأيت من النور، والمشهد قد امتلأ به، فأعلمت أمي ذلك، وجئت بها إلى المكان الذي كنت فيه حتى رأت ما رأيت من النور، وامتلأ المشهد منه، فاستعظمت ذلك، وأخذت في الحمد لله عز وجل، إلا أنها لم تؤمن به كإيماني. فقصدت إلى المشهد، فوجدت الباب مغلقا، فقلت: اللهم إن كان أمر الرضا (عليه السلام) حقا، فافتح لي هذا الباب، ثم دفعته بيدي فانفتح، فقلت في نفسي: لعله لم يكن مغلقا على ما وجب، فغلقته حتى علمت أنه لم يكن فتحه إلا بمفتح، ثم قلت: اللهم إن كان أمر الرضا (عليه السلام) حقا، فافتح لي هذا الباب، ثم دفعته بيدي فانفتح، فدخلت وزرت وصليت، واستبصرت في أمر الرضا (عليه السلام)، فكنت أقصده بعد ذلك كل جمعة زائرا من نوقان، واصلي عنده إلى وقتي هذا (15).
وعنه بإسناده عن أبي طالب الحسين بن عبد الله بن بنان الطائي، قال: سمعت أبا منصور عبد الرزاق يقول لحاكم طوس المعروف بالبيوردي: هل لك ولد؟ فقال: لا. فقال له أبو منصور: لم لا تقصد مشهد الرضا (عليه السلام)، وتدعو الله عنده حتى يرزقك ولدا؟ فإني سألت الله تعالى هناك في حوائج فقضيت لي. قال الحاكم: فقصدت المشهد (على ساكنه السلام)، ودعوت الله تعالى عند الإمام الرضا (عليه السلام) أن يرزقني ولدا، فرزقني الله عز وجل ولدا ذكرا، فجئت إلى أبي منصور بن عبد الرزاق، وأخبرته باستجابة الله تعالى لي في المشهد، فوهب لي وأعطاني وأكرمني على ذلك. قال الصدوق (رحمه الله): لما استأذنت الأمير السعيد ركن الدولة في زيارة مشهد الإمام الرضا (عليه السلام)، أذن لي في ذلك في رجب من سنة 352، فلما انقلبت عنه ردني، فقال لي: هذا مشهد مبارك، قد زرته، وسألت الله تعالى حوائج كانت في نفسي، فقضاها لي، فلا تقصر في الدعاء لي هناك والزيارة عني، فإن الدعاء فيه مستجاب، فضمنت ذلك له، ووفيت به، فلما عدت من المشهد (على ساكنه التحية والسلام) ودخلت إليه، قال لي: هل دعوت لنا، وزرت عنا؟ فقلت: نعم. فقال: قد أحسنت، فقد صح لي أن الدعاء في ذلك المشهد مستجاب (16).
وعنه بإسناده، عن أبي نصر أحمد بن الحسين الضبي - قال: وما لقيت أنصب منه، وبلغ من نصبه أنه كان يقول: اللهم صل على محمد فردا، ويمتنع عن الصلاة على آله - قال: سمعت أبا بكر الحمامي الفراء في سكة حرب بنيسابور - وكان من أصحاب الحديث - يقول: أودعني بعض الناس وديعة فدفنتها، ونسيت موضعها، فلما أتى على ذلك مدة، جاءني صاحب الوديعة يطالبني بها، فلم أعرف موضعها، وتحيرت، واتهمني صاحب الوديعة. فخرجت من بيتي مغموما متحيرا، ورأيت جماعة من الناس يتوجهون إلى مشهد الرضا (عليه السلام)، فخرجت معهم إلى المشهد، وزرت ودعوت الله تعالى أن يبين لي موضع الوديعة. فرأيت هناك فيما يرى النائم، كأن آت أتاني فقال لي: دفنت الوديعة في موضع كذا وكذا. فرجعت إلى صاحب الوديعة، فأرشدته إلى ذلك الموضع الذي رأيته في المنام، وأنا غير مصدق بما رأيت، فقصد صاحب الوديعة ذلك المكان، فحفره واستخرج منه الوديعة بختم صاحبها، فكان الرجل بعد ذلك يحدث الناس بهذا الحديث، ويحثهم على زيارة هذا المشهد (على ساكنه التحية والسلام) (17).
وعنه، بإسناده عن أبي الحسن علي بن الحسن القهستاني، قال: كنت بمرو الرود، فلقيت بها رجلا من أهل مصر مجتازا اسمه حمزة، فذكر أنه خرج من مصر زائرا إلى مشهد الرضا (عليه السلام) بطوس، وأنه لما دخل المشهد كان قرب غروب الشمس، فزار وصلى، ولم يكن ذلك اليوم زائرا غيره، فلما صلى العتمة، أراد خادم القبر أن يخرجه ويغلق الباب، فسأله أن يغلق عليه الباب، ويدعه في المشهد
ليصلي فيه، فإنه جاء من بلد شاسع ولا يخرجه، وأنه لا حاجة له في الخروج، فتركه وغلق عليه الباب، وأنه كان يصلي وحده إلى أن أعيا، فجلس ووضع رأسه على ركبتيه ليستريح ساعة، فلما رفع رأسه رأى في الجدار مواجهة وجهه رقعة عليها هذان البيتان: من سره أن يرى قبرا برؤيته * يفرج الله عمن زاره كربه فليأت ذا القبر إن الله أسكنه * سلالة من نبي الله منتجبه قال: فقمت وأخذت في الصلاة إلى وقت السحر، ثم جلست كجلستي الأولى، ووضعت رأسي على ركبتي، فلما رفعت رأسي، لم أر ما على الجدار شيئا، وكأن الذي أراه مكتوبا رطبا، كأنه كتب في تلك الساعة.
قال: فانفلق الصبح، وفتح الباب، وخرجت من هناك (18).
وعنه، بإسناده عن أبي الحسن محمد بن أبي عبد الله الهروي، قال: حضر المشهد رجل من أهل بلخ ومعه مملوك له، فزار هو ومملوكه الرضا (عليه السلام)، وقام الرجل عند رأسه يصلي، ومملوكه يصلي عند رجليه، فلما فرغا من صلاتهما، سجدا فأطالا سجودهما، فرفع الرجل رأسه من السجود، وقال: لبيك يا مولاي،.
فقال له: تريد الحرية؟ فقال: نعم. فقال: أنت حر لوجه الله تعالى، ومملوكتي فلانة ببلخ حرة لوجه الله، وقد زوجتها منك بكذا وكذا من الصداق، وضمنت لها ذلك عنك، وضيعتي الفلانية وقف عليكما وعلى أولادكما وأولاد أولادكما ما تناسلوا بشهادة هذا الإمام (عليه السلام). فبكى الغلام، وحلف بالله تعالى وبالإمام (عليه السلام) أنه ما كان يسأل في سجوده إلا هذه الحاجة بعينها، وقد تعرفت الإجابة من الله تعالى بهذه السرعة (19).
وعنه، بالإسناد عن أبي النصر المؤذن النيسابوري، قال: أصابتني علة شديدة ثقل منها لساني، فلم أقدر على الكلام، فخطر ببالي أن أزور الرضا (عليه السلام)، وأدعو الله تعالى عنده، وأجعله شفيعي إليه حتى يعافيني من علتي ويطلق لساني. فركبت حمارا، وقصدت المشهد، وزرت الرضا (عليه السلام)، وقمت عند رأسه، وصليت ركعتين وسجدت، وكنت في الدعاء والتضرع مستشفعا بصاحب هذا القبر إلى الله تعالى أن يعافيني من علتي ويحل عقدة لساني. فذهب بي النوم في سجودي، فرأيت في المنام كأن القبر قد انفرج، وخرج منه رجل كهل آدم (أي: أسمر) شديد الأدمة، فدنا مني، وقال لي: يا أبا النصر، قل لا إله إلا الله. قال: فأومأت إليه: كيف أقول ذلك ولساني منغلق! فصاح علي صيحة، فقال: أتنكر لله قدرة؟! قل: لا إله إلا الله.
قال: فانطلق لساني، فقلت: لا إله إلا الله، ورجعت إلى منزلي راجلا، وكنت أقول: لا إله إلا الله، وانطلق لساني، ولم ينغلق بعد ذلك (20).
وروى الجويني بالإسناد عن زيد الفارسي، قال: كنت بمرو الرود منقرسا (النقرس: ورم يحدث في مفاصل القدم وفي إبهامها) مدة سنتين، لا أقدر أن أقوم قائما، ولا أن أصلي قائما، فأريت في المنام: ألا تمر بقبر الرضا (عليه السلام) وتمسح رجليك به، وتدعو الله تعالى عند القبر حتى يذهب ما بك؟ قال: فاكتريت دابة وجئت إلى طوس، ومسحت رجلي بالقبر، ودعوت الله عز وجل، فذهب عني ذلك النقرس والوجع، فأنا ها هنا منذ سنتين وما نقرست (21).
وعنه، قال الحاكم: وقد عرفني الله من كرامات التربة خير كرامة منها أني كنت منقرسا لا أتحرك إلا بجهد، فخرجت وزرت، وانصرفت إلى نوقان بخفين من كرابيس (الكرباس: قماش غليظ من القطن، وكربس الرجل: مشى مشية المقيد.)، فأصبحت من الغد بنوقان، وقد ذهب ذلك الوجع، وانصرفت سالما إلى نيسابور (22).
وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن أبي النصر المؤذن، قال: امتلأ السيل يوما بسناباد، وكان الوادي أعلى من المشهد، فأقبل السيل حتى إذا قرب من المشهد خفنا على المشهد منه، فارتفع بإذن الله وقدرته تعالى، ووقع في قناة أعلى من الوادي، ولم يقع في المشهد منه شيء (23).
وروى الجويني بإسناده عن محمد بن أبي علي الصائغ، يقول: سمعت رجلا عند قبر الرضا (عليه السلام) يقول: كنت أفكر في شرف القبر وشرف من توارى فيه، فتخالج في قلبي الإنكار على بعض من بها، فضربت بيدي إلى المصحف متفئلا، فخرجت هذه الآية *(ويستنبؤونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق)*(24)، حتى ضربت ثلاث مرات، فخرج في كلها هذه الآية.
وروى الصدوق بالإسناد عن الحاكم الرازي صاحب أبي جعفر العتبي، قال: بعثني أبو جعفر العتبي رسولا إلى أبي منصور بن عبد الرزاق، فلما كان يوم الخميس، استأذنته في زيارة الرضا (عليه السلام)، فقال: اسمع مني ما أحدثك به في أمر هذا المشهد: كنت في أيام شبابي أتصعب على أهل هذا المذهب، وأتعرض الزوار في الطريق، وأسلب ثيابهم ونفقاتهم ومرقعاتهم. فخرجت متصيدا ذات يوم، وأرسلت فهدا على غزال، فما زال يتبعه حتى ألجأه إلى حائط المشهد، فوقف الغزال، ووقف الفهد مقابله لا يدنو منه، فجهدنا كل الجهد بالفهد أن يدنو منه، فلم ينبعث، وكان متى فارق الغزال موضعه يتبعه الفهد، فإذا التجأ إلى الحائط رجع عنه. فدخل الغزال حجرا في حائط المشهد، فدخلت الرباط، فقلت لأبي النصر المقرئ: أين الغزال الذي دخل ها هنا الآن؟ فقال: لم أره.
فدخلت المكان الذي دخله، فرأيت بعر الغزال وأثر البول، ولم أر الغزال وفقدته، فنذرت لله تعالى أن لا أؤذي الزوار بعد ذلك، ولا أتعرض لهم إلا بسبيل الخير، وكنت متى دهمني أمر فزعت إلى هذا المشهد فزرته، وسألت الله تعالى في حاجتي فيقضيها لي. وقد سألت الله أن يرزقني ولدا ذكرا، فرزقني ابنا، حتى إذا بلغ وقتل عدت إلى مكاني من المشهد، وسألت الله أن يرزقني ولدا ذكرا، فرزقني ابنا آخر، ولم أسأل الله تعالى هناك حاجة إلا قضاها لي. فهذا ما ظهر لي من بركة هذا المشهد (على ساكنه السلام) (25).
وروى بالإسناد عن أبي العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين الحاكم، قال: سمعت أبا علي عامر بن عبد الله البيوردي الحاكم بمرو الرود، وكان من أصحاب الحديث، يقول: حضرت مشهد الرضا (عليه السلام) بطوس، فرأيت رجلا تركيا قد دخل القبة، ووقف عند الرأس، وجعل يبكي ويدعو بالتركية، ويقول: يا رب، إن كان ابني حيا فاجمع بيني وبينه، وإن كان ميتا فاجعلني من خبره على علم ومعرفة. قال: وكنت أعرف اللغة التركية، فقلت له: أيها الرجل ما لك؟ فقال: كان لي ابن، وكان معي في حرب (إسحاق آباد) ففقدته ولا أعرف خبره، وله أم تديم البكاء عليه، فأنا أدعو الله تعالى ها هنا في ذلك، فإني سمعت أن الدعاء في هذا المشهد مستجاب. قال: فرحمته، وأخذته بيده، وأخرجته لأضيفه ذلك اليوم، فلما خرجنا من المسجد لقينا رجلا طويلا مختطا (اختط الغلام: نبت شعر وجهه.) عليه مرقعة، فلما أبصر بذلك التركي وثب إليه فعانقه وبكى، وعرف كل واحد منهما صاحبه، فإذا هو ابنه الذي كان يدعو الله تعالى أن يجمع بينه وبينه، أو يجعله من خبره على علم، عند قبر الرضا (عليه السلام).
قال: فسألته كيف وقعت إلى هذا الموضع؟ قال: فقال: وقعت إلى طبرستان بعد حرب (إسحاق آباد)، ورباني ديلمي هناك، فالآن لما كبرت خرجت في طلب أبي وأمي، فقد كان خفي علي خبرهما، وكنت مع قوم أخذوا الطريق إلى ها هنا، فجئت معهم. فقال ذلك التركي: لقد ظهر لي من أمر هذا المشهد ما صح لي به يقيني، وقد آليت على نفسي أن لا أفارق هذا المشهد ما بقيت (26).
وروى الصدوق بالإسناد عن محمد بن أحمد السناني النيسابوري، قال: كنت في خدمة الأمير أبي نصر بن أبي علي الصغاني صاحب الجيش، وكان محسنا إلي، فصحبته إلى صغانيان، وكان أصحابه يحسدونني على ميله إلي وإكرامه لي، فسلم إلي في بعض الأوقات كيسا فيه ثلاثة آلاف درهم وختمه، وأمرني أن أسلمه في خزانته، فخرجت من عنده، فجلست في المكان الذي يجلس فيه الحجاب، ووضعت الكيس عندي، وجعلت أحدث الناس في شغل لي، فسرق ذلك الكيس ولم أشعر به.
وكان للأمير أبي نصر غلام يقال له خطلخ تاش، وكان حاضرا، فلما نظرت لم أر الكيس، فأنكر جميعهم أن يعرفوا له خبرا، وقالوا لي: ما وضعت ها هنا شيئا، فما وضعت هذا إلا افتعالا، وكنت عارفا بحسدهم لي، فكرهت تعريف الأمير أبي نصر الصغاني لذلك، خشية أن يتهمني، وبقيت متحيرا متفكرا لا أدري من أخذ الكيس، وكان أبي إذا وقع له أمر يحزنه فزع إلى مشهد الرضا (عليه السلام) فزاره، ودعا الله عز وجل عنده، وكان يكفى ذلك عنده، ويفرج عنه.
فدخلت إلى الأمير أبي نصر من الغد، فقلت: أيها الأمير، تأذن لي في الخروج إلى طوس، فلي بها شغل؟ فقال لي: وما هو؟ قلت: كان لي غلام طوسي فهرب مني، وقد فقدت الكيس، وأنا أتهمه به. فقال لي: أنظر أن لا تفسد حالك عندنا. فقلت: أعوذ بالله من ذلك. فقال لي: ومن يضمن لي الكيس إن تأخرت؟ فقلت له: إن لم أعد بعد أربعين يوما، فمنزلي وملكي بين يديك، فكتب إلى أبي الحسن الخزاعي بالقبض على جميع أسبابي بطوس، فأذن لي.
فخرجت وكنت أكتري من منزل إلى منزل، حتى وافيت المشهد (على ساكنه السلام) فزرت ودعوت الله تعالى عند رأس القبر أن يطلعني على موضع الكيس.
فذهب بي النوم هناك، فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام، يقول لي: قم، فقد قضى الله تعالى حاجتك. فقمت فجددت الوضوء، وصليت ما شاء الله ودعوت، فذهب بي النوم، فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام، فقال لي: الكيس سرقه خطلخ تاش، ودفنه تحت الكانون (الكانون: موضع النار، أو الموقد) في بيته، وهو هناك بختم أبي نصر الصغاني.
قال: فانصرفت إلى الأمير أبي نصر الصغاني، قبل الميعاد بثلاثة أيام، فلما دخلت عليه، قلت: قد قضيت حاجتي، فقال: الحمد لله، فخرجت وغيرت ثيابي وعدت إليه، فقال: أين الكيس؟ فقلت له: الكيس مع خطلخ تاش، فقال: من أين علمت؟ فقلت: أخبرني به رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي عند قبر الرضا (عليه السلام).
قال: فاقشعر بدنه لذلك، وأمر بإحضار خطلخ تاش، فقال له: أين الكيس الذي أخذته من بين يديه؟ فأنكر، وكان من أعز غلمانه، فأمر أن يهدد بالضرب، فقلت: أيها الأمير، لا تأمر بضربه، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخبرني بالموضع الذي وضعه فيه. قال: وأين هو؟ قلت: هو في بيته مدفون تحت الكانون بختم الأمير.
فبعث إلى منزله بثقة له، وأمره أن يحفر موضع الكانون، فتوجه إلى منزله وحفر، فأخرج الكيس مختوما، فوضعه بين يديه، فلما نظر الأمير إلى الكيس وختمه عليه قال لي: يا أبا نصر، لم أكن عرفت فضلك قبل هذا الوقت، وسأزيد في برك وإكرامك وتقديمك، ولو عرفتني أنك تريد قصد المشهد لحملتك على دابة من دوابي. قال أبو نصر: فخشيت أولئك الأتراك أن يحقدوا علي ما جرى، فيوقعوني في بلية، فاستأذنت الأمير، وجئت إلى نيسابور، وجلست في الحانوت أبيع التين إلى وقتي هذا (27).
وفي روضات الجنات: أن أنو شيروان المجوسي الإصفهاني، كان بمنزلة عند خوارزم شاه، فأرسله رسولا إلى حضرة السلطان سنجر بن ملك شاه، وكان به برص فاحش، وكان يهاب أن يدخل على السلطان لما عرف من نفور الطبائع منه.
فلما وصل إلى حضرة الرضا (عليه السلام) بطوس، قال له بعض الناس: لو دخلت قبته وزرته وتضرعت حول قبره، وتشفعت إلى الله سبحانه به، أجابك إليه، وأزال ذلك عنك. فقال: إني رجل ذمي، ولعل خدم المشهد يمنعوني من الدخول في حضرته. فقيل له: غير زيك، وادخلها من حيث لا يطلع على حالك أحد، ففعل واستجار بقبره، وتضرع في الدعاء، وابتهل، وجعله وسيلة إلى الله تعالى، فلما خرج نظر إلى يده، فلم ير فيها أثر البرص، ثم نزع ثوبه وتفقد بدنه، فلم يجد به أثرا، فغشي عليه، وأسلم وحسن إسلامه، وقد جعل للقبر شبه صندوق من الفضة، وأنفق عليه مالا، وهذا مشهور شائع، رآه خلق كثير من أهل خراسان (28).
ولقد شاهد الناس، وعلى مر العصور، كثيرا من كرامات الإمام الرضا (عليه السلام) في استجابة الدعاء، وقضاء الحاجات، وشفاء العاهات، وذلك بالتوسل إلى الله تعالى بمنزلة صاحب هذه البقعة المباركة عنده تعالى، وفي عصرنا الحاضر، شاهدنا وسمعنا ما لا يحصى من هذه الكرامات، ولو تطرقنا إليها جميعا لخرجنا عن الغرض في الكتاب.
المصادر :
1- موسوعة العتبات المقدسة 11: 204 - 205.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 256، بحار الأنوار 102: 37 / 24.
3- بحار الأنوار 102: 40 / 38.
4- بحار الأنوار 102: 44 / 51.
5- معجم رجال الحديث 9: 144، الصقر بن أبي دلف.
6- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 262 / 32، فرائد السمطين 2: 262 / 32، بحار الأنوار 102: 49 / 4.
7- الثقات 8: 457.
8- تهذيب التهذيب 7: 388.
9- فرائد السمطين 2: 198.
10- فرائد السمطين 2: 220 / 498.
11- فرائد السمطين 2: 220 / 496.
12- إعلام الورى: 326.
13- إثبات الهداة 6: 126.
14- الأنوار البهية: 206.
15- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 278 / 1، بحار الأنوار 49: 326 / 1.
16- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 279 / 2، بحار الأنوار 49: 327 / 2.
17- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 279 / 3، بحار الأنوار 49: 327 / 3.
18- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 280 / 4، بحار الأنوار 49: 328 / 4.
19- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 282 / 7، بحار الأنوار 49: 330 / 7..
20- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 283 / 2، بحار الأنوار 49: 331 / 8
21- فرائد السمطين 2: 219 / 494.
22- فرائد السمطين 2: 220 / 497.
23- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 283 / 9، بحار الأنوار 49: 331 / 10.
24- يونس: 53. / فرائد السمطين 2: 218 / 493.
25- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 285 / 11، بحار الأنوار 49: 333 / 12.
26- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 287 / 13، بحار الأنوار 49: 336 / 14.
27- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 284 / 10، بحار الأنوار 49: 331 / 11.
28- روضات الجنات 6: 273.