مسألة : وجدنا طالوت أن اللّه تعالى نصبه ملكا وخليفة، ومنعه بني اسرائيل بأنه لم يؤت سعة من المال فأقامه تعالى ملكا ووليا معللا بقوله : (ان اللّه اصطفيه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم ). وكما قال المخالف : ان النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) قال : (كائن في امتي ما كان في بني اسرائيل حذواالنعل بالنعل ) وجب علينا المشي بسيرتهم في نصب الامامة، كما قال اللّه تعالى بعد ذكر الانبياء في (الانعام ): (أولئك الذين هدى اللّه فبهديهم اقتده ). وقال : (سل بني اسرائيل كم اتيناهم من اية بينة ومن يبدل نعمة اللّه من بعدما جاءته فان اللّه شديد العقاب ). وقال : (سنة من قد ارسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا). يعني : في نصب الرسول والخليفة .
فالعلتان اللتان علل بهما سبحانه وتعالى لخلافة طالوت، لم توجدا في متقدميه، لا ن الا ول منهم لم يرو عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) سوى أحد عشر حديثا، (1)
وأما الثاني فكان أبداسائلا عن المعضلات من على (عليه افضل الصلاة والسلام) ويقول : (لو لا على لهلك عمر). (ولولاك يا ابا الحسن لافتضحنا). (2)
باتفاق الخصم . ولا يعرف معنى (الاب ) في قوله تعالى : (وفاكهة وأبا). والشجاعة [أيضا] ظاهرة في على (عليه افضل الصلاة والسلام) وكانتا في على جمعا، فوجب الاقتداء به دون غيره بالخبر المذكور والايات المذكورة عند التنازع، كما قال (صلی الله عليه وآله وسلم): دع ما يريبك إلى مالا يريبك .
أوصياء الانبياء هم الخلفاء
وجدنا أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) قال : من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية . (3)ووجدنا أن الانبياء بأسرهم نصوا أوصياء، كدم لهبة اللّه، ونوح لسام : وابراهيم لاسماعيل واسحاق، وموسى لهارون، ويوشع لداود، وداود لسليمان . قال اللّه تعالى عنهم : (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). وقال : (ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب ). إلى آخر الاية وأمثالها في القرآن .
فبحكم (اولئك الذين هدى اللّه فبهدهم اقتده ) لابد أن يكون لمحمد(صلی الله عليه وآله وسلم) أيضاوصى .
وبالاتفاق كان وصيه عليا(عليه افضل الصلاة والسلام) عندنا وعندالخصم لكفنه ودفنه، وعلى عياله . وجمع المخالف والمؤالف كتبا في وصاياه لعلى واليه . وجميع الاوصياء للانبياء خلفاؤهم .
فينبغي أن يكون هنا كذلك بنص : (قل ما كنت بدعا من الرسل ).
سيرة العقلاء في نصب الخليفة
وجدنا جميع عقلاء الدنيا من الملوك والسلاطين والرؤساء، والضعفاء، حتى الرعاة المفارقين عن مواشيهم، وجدناهم لايفارقون عن مقر أمرهم الا ونصبوا خليفة معتمدا ضابطا بملكه وماله وعرضه . وكان النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وصى امته بأن ينبغي أن لاينام الرجل الا ووصيته تحت وسادته، (4)فكيف ان يدخل النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) تحت قوله تعالى :(اتأمرون الناس بالبز وتنسون انفسكم ) أويخالفجميع عقلاء الدنياوعقلاء الدنيا من امته يخالفونه ؟، وقال :(صلی الله عليه وآله وسلم): لاتجتمع امتي على الضلالة . فلما ثبت أنه وجب له القيام بالوصاية، أجمع الناس على أنه لم يوص الا عليا(عليه افضل الصلاة والسلام)، (5)
فوجب علينا الاقتداء بمن نصبه الرسول .
تعيين من له الوصاية
وجدنا أبابكر أنه وصى إلى عمر، وعمر وصى إلىالشورى من الستة، فان كانت الوصاية منهما حقة وجب أن يكون النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) أيضا قام بها، وان كانت باطلة فانهما خالفا أمراللّه وأمر رسوله (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا). وقال (صلی الله عليه وآله وسلم) بزعم الخصم : (اقتدوا باللذين من بعدي ). (6)وهما ماتا موصيين فلابد من كونه أيضا مثلهما في الوصاية، والوصاية لاتثبت الا في حق على (عليه افضل الصلاة والسلام)فوجب الاقتداء بعد النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) به .
حديث افتراق الامة
لا يمكن أن يقال كان النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) جاهلا بحال امته من بعده، من تشعبهم شعبا سبع مائة فرقة، أصلها ثلاث وسبعون بدليل أنه قال : (ستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة ). و علم أن الحق واحد منهم لا ن اللّه تعالى قال : (فماذا بعدالحق الا الضلال ). وقال اللّه تعالى في صفته : (لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيزعليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ). فهذه الرأفة اقتضت له أن يصلح أمرالامة وينصب لهم الامام، كما كان يفعله في حياته عن كل غيبته . (7)وكان هو أشفق عليهم منهم بأنفسهم بدليل قوله تعالى : (النبى اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم ). فلما علم شدة اختلافهم وتفاوت آرائهم ووقوع الفتن بينهم في أمر الخلافة وجب عليه القيام به .
وبالاجماع لم ينصب غير على (عليه افضل الصلاة والسلام) لهذا الشأن .
آل محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) ومناقبهم
وجدنا الامة باء نهم اتفقوا على قولهم : (اللهم صل على محمد و آل محمد). والال هاهنا عترته لاغيرهم لوجوه :الاول : أن اللّه تعالى قال : (سلام على آل يسين ) وبالاجماع ياسين المراد به محمد(صلی الله عليه وآله وسلم). ووجدنا اللّه في قرآنه أنه لم يسلم الا على الانبياء والائمة، كما قال :(سلام على موسى وهرون ). وقال : (سلام على نوح في العالمين ) فعلى هذا ينبغي أن يكون لال محمد(صلی الله عليه وآله وسلم) أيضا مرتبة الانبياء والائمة سوى الوحي .
الثاني : وجدناه تعالى أنه أراد بجميع الال الذين ذكرهم اللّه تعالى، نسبته إلى الانبياء، وكانوا أنبياء أوصياء، كما قال اللّه تعالى : (ان اللّه اصطفى ءادم ونوحا و ال ابراهيم و ال عمران على العالمين ). وقال : (الا ال لوط). وقال : (اعملوا ال داود شكرا). وآل ابراهيم كانوا اسماعيل واسحاق . وآل عمران، موسى و هارون . وآل داود سليمان .وآل لوط بناته . ولم يجئ آل في امة لنبى . فوجب كون آل محمد مثلهم في النصب والعصمة .
الثالث : أن آل الرجل ما يؤول إليه بالنسبة ـ مشتق من الاول، وهو الرجوع ـ و إلى قريب من المضاف إليه .
الرابع : أن الال لو تناول الامة لصح الاظهار حتى يقال : اللهم صل على محمد وأصحاب محمد، أو على محمد وأبي بكر وخالد وعمروبن العاص وهذا مما لايقال أبدا، كما يقال جهارا عيانا: اللهم صل على محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين .
الخامس : وجدنا الامة في أنهم خصوا الرضوان للصحابة وسكتوا عن العترة . فصح أنهم فهموا أن الال عترته، فاكتفوا بذلك عن افرادهم . السادس : قال اللّه تعالى : (آل عمران ) و(آل ابراهيم ) ولم يقل : (آل آدم ) و(آل نوح )، لماعلم في آلهم من غير معصوم . ثم قال : (سلام على آل ياسين )، كما قال : (آل عمران ): لما علم أن هؤلاء معصومون لا في ذلك الصوب . السابع : أن الرجل اذا قال : آل زياد وآل مروان وآل عباس لايفهم من هذا الا أولادهم، لارعاياهم وأصحابهم .
فائدة : ورد في تفسير الشيرازي أن أنسا قال : قال رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم): (كل تقى آل محمد)، وأومأ إلى بيت فاطمة .
وفيه : أنه سئل الشافعي عن آل محمد، فقال : ان لم يكن على وفاطمة والحسن والحسين فلا أعلم من هم ؟ وكذلك آل لوط كانوا أولاده، لأنه لم يكن له امة في ملك (سدوم ) وقال اللّه تعالى فيهم : (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ). أما قوله تعالى : (وقال رجل مؤمن من ال فرعون يكتم ايمانه ) كان اسمه حزبيل ابن خالته وقيل : ابن عمته . وأما قوله تعالى : (فالتقطه ال فرعون )، وقوله : (ادخلوا آل فرعون اشدالعذاب )، وقوله : (واذ نجيناكم من ال فرعون ) هؤلاء كلهم كانوا أقرباءه وخاصته، لأنه سبق الفهم اليها. والسبق إلى الفهم من أقوى دلائل الوضع . ويدل على ذلك أنه قال في رعيته : (ان فرعون وهامان وجنودهما)، وقال : (قوم فرعون )، (ومن معه ) و(آله)، فهذه الاربع اختصاص لكل واحد ودلالة على أن الال غير هؤلاء الثلاثة، والا ذكرهم بلفظ واحد.
ولوقال الرجل في صلاته في التشهد (اللهم صل على محمد وعترته ) لا يحكم ببطلان صلاته، ولوقال (صل على محمد وخالد بن الوليد ومعاوية )ـ عليهما اللعنة ـ يحكم ببطلانها، وبعدم قبول صلاته لا ن آل محمد من المنزلات الالهية . وأما قولنا: معاوية وخالد وعمروبن العاص ليست من المنزلات .
وجاء في مهذب الشافعى في أ ول الجلد: أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) قال : (ان صلاتنا هذه لايصلح فيها شيء من كلام الادميين). ولذلك لانقول آخر الحمد (آمين )، لأنه أيضاكلام الادمي . فهذا دليل على أن مناصبهم كماهي للنبي، فكما لايصح الصلاة الا بذكرهم لا يصح سائر الطاعات الا بمحبتهم .
آية التطهير
لم يرد القرآن بطهارة جماعة الا لعلى وفاطمة والحسن والحسين (عليه افضل الصلاة والسلام) في آية، (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). وأكثر المفسرين والمحدثين عليه . (8)الا محمد بن سائب (9) فانه روى عن شهر بن حوشب (10)،
وكان محمد بن سائب مشهورا باللواطة بأولاد المسلمين، وأما شهر بن حوشب فانه سرق جرابا من الدقيق من جاره واتهم به، فحلف في دار القضاء أنه بري ء منها ثم أخذ من بعد حلفه ذلك الجراب بدقيقه من داره . ولايقبل المحصلون روايتهما في تفسيرهما، والصالحاني في مجتباه، وابن مردويه في مناقبه، ومنتجب الدين أبوالفتوح العجلي الاصفهاني في (فصوله )، ومحمد بن جرير الطبرى في كتابه (المسترشد)، وأصيل الدين عبدالعلي القطان الاصفهاني في كتابه منتهى المرب، وأبوعبداللّه الدامغاني في كتابه (سوق العروس ) وفي تفسير الثعلبي وغير ذلك .
ووجه ذلك أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) كان في بيت ام سلمة، وكانت ترتبت له حساء ليشرب، فدخل على وفاطمة والحسن والحسين وجلسوا حوالي الرسول وكان نائما.فلما استيقظ فرح فرحا بمحضرهم واستبشر فنظر إلى كسرالبيت فرأى هناك كساء، فأخده وكساهم به، وقال : اللهم ان لكل نبى أهل بيت فهؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فنزلت الاية . (11)
وفي سوق العروس أبيات في ذلك، ومن بعضها:
ان يوم الطهور يوم عظيم *** فاز بالفضل فيه أهل الكساء
قام فيه النبي مبتهلا ضا *** رعا إلى ربه بحسن رجاء
قال : يا رب انهم أهل بيتي *** فاستجب فيهم الهي دعائي
ولما دعا النبي لهم واستجابة اللّه . قالت ام سلمة : ألست من أهل بيتك يا رسول اللّه ؟ قال: انك على خير، وهؤلاء أهل بيتي (12).
المصادر :
1- الغدير 7: 1080, نقلا عن صحيح البخاري , وشرح رياض الصالحين للصديقي 2: 23.
2- النقض : 163, شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 18, المناقب للخوارزمي : 48, كـنـز الـعمال 1: 154, / ترجمة الامام علي بن أبي طالب 3: 40.
3- مشكاة الانوار: 335. ويوجد مؤداه في كنز العمال 16: 619.
4- سنن الدارمي : 402, مشكاة الانوار: 335, بحار الأنوار: 103: 194, نقلا عن روضة الواعظين .
5- ترجمة الامام علي بن أبي طالب 3: 5, المناقب للخوارزمي : 147, المناقب لابن المغازلي : 201.
6- سنن الترمذي 5: 271.
7- المغازي للواقدي 1: 7ـ8, الكامل في التاريخ 1: 543 و549, التنبيه والاشراف : 202 و 213. وانظر تفصيلها في معالم المدرستين 1: 138.
8- مجمع البيان 4: 356, الدر المنثور 5: 198, سنن الترمذي 5: 328, المستدرك على الصحيحين 2: 416.
9- ولعله الذي نسب في ميزان الاعتدال 3: 558, إلى الكذب وعدم جواز النظر في كلامه .
10- تهذيب التهذيب 4: 372. وانظر بعض الثناء عليه في : الغدير 1: 402.
11- : مـسـنـد أحمد 6:292, 298, 304, سنن الترمذي 5: 330, 328 و361.
12- مسند أحمد 6: 292, 298, مجمع البيان 4: 356.