
بلاد الكفر ما كان الاسلام فيه مخفيا، ولا يتمكن الرجل من اظهار اسلامه وأحكام الشرع، وان كان المسلمون فيها كثيرين . وذلك، كمكة قبل الفتح .
وبلاد الاسلام ما كان المسلم يتمكن من اظهار الاسلام هنالك، وان كان المسلمون فيها قلائل، كالمدينة بعدالهجرة .
واختلف العلماء في أنه هل يجوز اقامة المسلمين بين الكفرة أم لا؟ قال المانع : قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم): (من كثر سواد قوم فهو منهم ). (1)
وقال : (من أصبح بين قوم أربعين صباحا فهو منهم ). وقال : (من تشبه بقوم فهومنهم ). (2)
والمقيم فيهم لابد له من التشبه بهم .
وقال اللّه تعالى : (ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا). والمقيم بينهم لابدله من التقية، فاذا اتقى لابد له من افترائه على اللّه .
وقال اللّه تعالى : (لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة ). والرسول لما لم يتمكن من اظهار الحق هنالك أمره تعالى بالهجرة .
وقال المجيز: قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم): (ما من عبادة أفضل عنداللّه من اظهار كلمة الحق عند أميرجائر). (3) وأقول : لو علم أن أولاده بعده ينحرفون إلى آراء تلك البلدة يجب عليه الخروج عنهم .وان لم يتمكن هو من ذلك فالخروج أولى على كل حال .
التقية
عن الصادق (عليه افضل الصلاة والسلام): (التقية [من] ديني ودين آبائي). (4) .
وقال : (من لم يتق فليس منا). (5) .
وقال الصادق (عليه افضل الصلاة والسلام) لولا التقية لم يعرف الاولياء من الاعداء). (6) .
وقال : (7) مثل مؤمن لا تقية له كمثل بدن لارأس له ). (8)
وقال : (اءلا من لا تقية له فلا دين له). (9)
والعقل يعضد وجوب التقية، لا ن فيها صلاح المتقى في نفسه وعرضه وماله وحياته .
أنهي إلى جبار الصادق أنه ينال المتقدمين، فأرسل إليه اللعين، فسأل منه اللعين : ماتقول في الشيخين ؟ فقال : (امامان عادلان قاسطان، ماتا ورحمة اللّه عليهما). فلما خرج السائل عاتبه المحبون .
فقال : أ ما (امامان )، فهو من قوله تعالى : (فقاتلوا أئمة الكفر). وأما (عادلان ) فهومن قوله تعالى : (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ). وأما (قاسطان ) فهو من قوله : (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا).
وأما (ماتا ورحمة اللّه عليهما)فرحمة اللّه هي رسول اللّه، كما قال اللّه تعالى : (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ) فماتا والرسول غضبان عليهما(10).
فصل في آية الغار
ليس اسم الص احب له مدحا، لان كلب أصحاب الكهف صحب الفتية في غارهم، (11)
وحشرات العالم وسباعه صحبت نوحا في سفينته أربعة أشهر، (12) ومحمد(صلی الله عليه وآله وسلم) صحب أباطالب وأبويه وظئيره في صلبهما وثديهما يأكل على زعم المخالف . وقال اللّه تعالى : (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة ). وقال : (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك ) سمى الصاحب كافرا.
والوساوس الشيطانية والشرور وفضلات الانسان صواحب المؤمنين . أليس موسى وعيسى وعزير ودانيال ويحيى (عليه افضل الصلاة والسلام) وآسية بنت مزاحم وشمعون بن حمون صحبواالكفار وهم أصحابهم ؟.
وقوله : (ان اللّه معنا) ليس له مدح فيه، لأنه تعالى قال : (ما يكون من نجوى ثلا ثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر الا هو معهم أينماكانوا) وقال : (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) ولا ينفع قرب اللّه من الكافر شيئا الا الخسارة، مع أن الجمال كان معه ودليله في طريقه كان معه . (13)
وأيضا ان كان هو صاحبه كان على خليفته ونزل فيه قوله تعالى : (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه )، ولايذكرون هذا أبدا ويكتبون آية الغار بالذهب مع أنه تعالى قال : (معنا) ولم يقل (معك ) وذلك لأنه قال : (اني يارسول اللّه خائف على على ). فقال : أللّه معي ومع على .
ورسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) منعه من الحزن ولم يثق به، والرسول لايمنع الا من المعصية .فقال أبوبكر فيه:
فلما ولجت الغار قال محمد: *** أمنت فثق من كل ممس ومدلج
فلا تحزنن فالحزن لاشك فتنة *** واثم على ذي اللهجة المتخرج
وأبانن أن الحزن كان معصية . ولم يثق بالرسول وقوله ـ (عليه افضل الصلاة والسلام).
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى *** ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول إله الخلق اذ مكروا به *** فنجاه ذو الطول الكريم من المكر
وبت أراعيهم وما يثبتونني *** وقد صبرت نفسي على القتل والاسر
ويعرف العاقل الفرق بين هذا وذاك الذي قال صاحبه، بونا بعيدا.
ما قيل في مدح بعض الصحابة
قال المخالف انه كان اذا جلس النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) جلس عن يمينه أويساره ؟ الجواب : ليس هذا بمدح، لأنه تعالى قال (فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين ). ويقال : عمركان حاضرا قدامه وأبو بكر عن يساره، فشرب واءعطى سؤره أعرابيا عن يمينه .
فقال عمر: ما منعك يا رسول اللّه أن تعطي أبابكر؟ فقال : وكان الكأس مجريها اليمينا. كما ذكر أبوالفتوح الهمداني في كتابه المنهج . قيل : انه كان في عريشه ؟ الجواب : لن يأمن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) منه أن يبعثه في سرية خوفا من انهزامه، كما فعل بخيبر، أو أنه لم يرد أن يحصل له فضيلة الجهاد أو أن يشاهد شوكة الكفارويميل اليهم، كما كانوا قصدوا به يوم احد اذ طلبوا رسولا يرسل إلى أبي سفيان طلباللاستيمان . (14)
قيل : كان النبي ـ (عليه افضل الصلاة والسلام) اذا سار سار معه، واذا وقف في الحرب وقف خلفه .
الجواب : المسايرة ليست بمدح . والوقوف خلفه لانه جعله جنة ليقع عليه السهم والرمح ويقوم هو خلفه .
1- الفردوس بمأثور الخطاب , رقم الحديث 5621.
2- مسند أحمد 2: 50, غوالي اللا لي 1: 165.
3- بحار الانوار 100: 93ـ نقلا عن مشكاة الانوار: 51, بتفاوت .
4- الـحـديـث مـع زيادة في : الأصول من الكافي 2: 219, نقلا عن أبي جعفر(عليه افضل الصلاة والسلام), وبحار الأنوار 75: 422, نقلا عن مشكاة الانوار: 40.
5- بحار الأنوار 75: 395: / نفس المصدر 75: 412,
6- بـحـار الانوار 75: 415, نقلا عن تفسير الامام العسكري (عليه افضل الصلاة والسلام): 127, .
7- في المصدر الاتي : (قال رسول اللّه صلی الله عليه وآله وسلم): (مثل مؤمن لاتقية له كمثل جسد لا رأس له ...).
8- بحار الانوار 74: 229, نقلا عن جامع الاخبار: 110, وأيضا 75: 414,
9- مـشكاة الانوار: 42, وعبارته هكذا: (لادين لمن لا تقية له). وراجع أيضا مـؤداه فـي : الأصول مـن الكافي 2: 217,بحار الأنوار,75:412, نقلا عن جامع الاخبار: 110, وأيضا 75: 414, .
10- الصراط المستقيم 3: 73, وفي مسند أحمد 3: 219ـ220: / نهج الحق وكشف الصدق : 339.
11- مجمع البيان 3: 454.
12- مجمع البيان 3: 160, ذيل الاية 40 من سورة هود.
13- السيرة النبوية لابن هشام 2: 133, اعلام الوري : 73, بحار الأنوار 19: 41, نقلا عن (المنتقى في مولود المصطفى),وأيضا 19:69, نقلا عن اعلام الورى .
14- الـكـامـل فـي الـتاريخ 1: 553, تاريخ الطبري 2: 201, عدة رسائل للمفيد: 121ـ122.