في كتاب (الملل والنحل ): أن المتقدمين لم يحضروا جنازة الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)، بل جاؤوا إلى قبره بعد ثلاثة أيام، وصلوا عليه . (1)
وذلك لانتهاز فرصتهم .
وقال الاول مع الثاني : (البدار البدار، قبل البوار). (2)
ولم يدر أن التعجيل من الشيطان والتأني من الرحمن . واذا أراد اللّه استخلاف آدم (عليه افضل الصلاة والسلام)، أعلم الملائكة قبله بسنين .
ولذلك قال عمر: (كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقى اللّه شرها، فمن عادالى مثلهافاقتلوه ). (3)
وقالوا: (لو فرغ بنو هاشم عن عزاء النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) لما مكنونا بهذا الامر). فلذلك بادروا إلى الامر.
اعلام الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) أمر الخلافة
لم يخرج النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) من الدنيا حتى علم أ مته كل شي ء. قيل لسلمان : ماخرج نبيكم من بينكم حتى علم كل شيء حتى الخراءة ـ (4) بكسر الخاءـ. (5)وقال : انما أنا لكم كالوالد لولده، فاذا أراد أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولايستدبرها. فكيف يظن السني بمن كان حاله هكذا أن يخرج من بين الامة ولا ينصب لهم اماما، مع علو شأن هذا الامر.
استنارة قرآنية على لزوم نصب الامام
قال اللّه تعالى : (يدبر الامر من السماء إلى الا رض ). والاية عامة . فكيف يجوز منه تعالى أن يدبر كل شيء من أمور الدنيا ولا يدبر أمر الاخرة ؟ غرضه بالخلق عبادة العباد، كما قال : (وما خلقت الجن والا نس الا ليعبدون ). فعجبا ممن يقول : انه تعالى يدبر مصالح الدنيا ولا يلتفت إلى مصالح العقبى .التقية عند الفريقين والجواب عن بعض الشبه هنا
مسألة : كيف الحال ان لم يتق النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وعلى (عليه افضل الصلاة والسلام) اتقى ؟ الجواب : كيف كان أن موسى (عليه افضل الصلاة والسلام) لم يتق وهارون اتقى ؟ ومعنى التقية : رعاية صلاح الدين والدنيا باظهار الكفر والنفاق وابطان الاسلام والايمان .والمخالف يقول : كانت التقية واجبة في صدر الاسلام، وأما بعد قوته فحرمت.
الجواب : ان وجوبها في ذلك الاوان بسبب أو لا بسبب ؟ والثاني باطل، فصح الاو ل . وكل موضع قام فيه ذلك السبب وجب حصول ذلك المسبب .
قال اللّه تعالى فيها: (لا يتخذالمؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء الا أن تتقوا منهم تقية ) وروي (تقية ). والتقية لحفظ الروح وحفظ المال .
أليس شمعون بن حمون كان يتقي في صحبة جبار أنطاكية،ودانيال في صحبة بخت نصر، وعزير في صحبة ابنه، ويوسف مع عزيز مصر، وموسى مع فرعون سنين، وآسية مع فرعون سنين وقال اللّه تعالى :(وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه ).
ولكن المعاريض خير من التقية، وهو أن يقول شيئا يشبه أمرا ويريد به غيره .
وهوالتورية، كما أن عليا(عليه افضل الصلاة والسلام) كان على دكة بيته، فمر عليه رجل جان فقام منه، وجلس إلى دكة اخرى، فجاء قوم يستخبرون منه، فقال (عليه افضل الصلاة والسلام): مامر بي أحد منذ كنت هاهنا.
وجميع الانبياء كانوا خائفين من الكفار حتى نزل في ذلك قوله تعالى : (لا اكراه في الدين )، و(لكم دينكم ولي دين ) ونحو ذلك . سؤال : علم الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) عجزه عن القيام بالامر، فنصبه كان عبثا؟ الجواب : لم يعلم النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) عجزه، وانما علم ظلم الظالمين عليه، ومنعه من القيام بأمره .
وأيضا هذا باطل بهارون (عليه افضل الصلاة والسلام)، فان موسى (عليه افضل الصلاة والسلام) علم عجزه، وبعد ذلك استخلفه على قومه .
ترك الحرمين وهجرته (عليه افضل الصلاة والسلام) إلى الكوفة
ترك علي مهاجر النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) لوجوه :أ ولها: أنه (عليه افضل الصلاة والسلام) أراد أن يكون له حرم . فمكة حرم اللّه والمدينة حرم الرسول، فالكوفة حرمه.
وهكذا ينبغي، لأن اللّه تعالى شاركه مع ذاته ورسوله في آية الولاية، وفي آية الخمس، وفي آية اولي الامر . فهذا التفضيل يقتضي هذا التحريم .
والثاني : أراد أن يكون له زوار ظاهرون كما يشاهده العالمون، لايخلو قط طريقه من الز وار ذهابا ومجيئا، ألوفا في ألوف .
والثالث : أراد أن يشاهد الناس كراماته ومعجزاته بعد موته أيضا، كما يشاهد أن تربته قضاء حوائج العالمين، من الابرص والاعمى والاعرج وسائر الامراض يستشفون عندها .
والرابع : لومات في المدينة لكان دخوله في روضة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) غير مرخص بظاهر القرآن.
وأما دفنه في غيرها لقال الناس : (ان عليا اخرج عن روضة النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وادخل فيها متقدماه). وكان ذلك غضاضة له عن علو بشأنه .
في التحكيم
كتب على (عليه افضل الصلاة والسلام) إلى معاوية : (من أميرالمؤمنين على بن أبي طالب إلى معاوية بن صخر، وعمرو بن العاص ومن قبلهما من الناكثين ).فردا إليه معللين : (لو اعترفنا أ نك أميرالمؤمنين ما حربناك، فاكتب : من على بن أبي طالب .
فمحا اسمه عن أميرالمؤمنين . وهذا دليل أنه لم يكن أميرالمؤمنين، والا لمامحا؟ الجواب : قال اللّه تعالى : (لقد كان لكم في رسول اللّه اسوة حسنة ).
كتب النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) يوم حديبية : بسم اللّه الرحمن الرحيم، من محمد رسول اللّه إلى صخر بن حرب وسهيل بن عمرو ومن قبلهما من المشركين . فردا عليه : انا لو اعترفنااء نك رسول اللّه ما حاربناك، ومانعرف بسم اللّه الرحمن الرحيم سوى رحمن اليمامة .فاكتب : باسمك اللهم، ومن محمد بن عبداللّه .
فقال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم): أمح يا على (بسم اللّه الرحمن لرحيم )، واسم الرسالة، واكتب : باسمك اللهم، فانه أيضا من أسماء اللّه، واكتب من محمد بن عبداللّه .
وكان كاتبه عليا فأشار إليه بذلك، فقال على (عليه افضل الصلاة والسلام): أنا استحيي محو البسملة والرسالة، فمحا النبي ذلك بيده، فكتب على : باسمك اللهم، من محمد بن عبداللّه إلى صخر بن حرب وسهيل بن عمرو. ثم قال : (يا على ستضطر بما اضطررت إليه ). وأخبره على حال معاوية . (6)
فكما أن محو البسملة ورسالة محمد لا يدل على كذبهما وبطلانهما، كذلك لايدل هاهنا محوه اسم أميرالمؤمنين على كذب امامته .
المصادر :
1- الملل والنحل 1: 30ـ31, علم اليقين 2: 671.
2- المسترشد للطبري الامالى : 8.
3- مسند أحمد 1: 55, صحيح البخاري 8: 25ـ26, شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 26 و29, الملل والنحل 1:30.
4- جـأالحديث بألفاظ مختلفة , وما اتفق عليه مسند أحمد 5: 439 و سنن الترمذي 1: 13 هذا: (قيل لسلمان : قد علمكم نبيكم (صلی الله عليه وآله وسلم) كل شي ء حتى الخرأة .فقال سلمان : أجل ...).
5- خرئ يخراء خرءا وخرأة : تغوط. (محيط المحيط: 221).
6- المعيار والموازنة : 200, اعلام الورى : 106, النقض : 341, الكامل في التاريخ 1: 585, وأيضا 2: 388.
