مدرسة الامام جعفر الصادق عليه السلام

إن العلوم والمعارف في مدرسة الامام جعفر الصادق (عليه السلام) قد أرسيت قواعدها على أربع دعائم ، ولكن أهم خصائص هذه المدرسة والتي ساعدت على انتشارها وذيوع علومها تأكيدها على الابتعاد عن كل تزمت وتعصب وضيق صدر وافق ،
Tuesday, November 8, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
مدرسة الامام جعفر الصادق عليه السلام
 مدرسة الامام جعفر الصادق عليه السلام

 





 

إن العلوم والمعارف في مدرسة الامام جعفر الصادق (عليه السلام) قد أرسيت قواعدها على أربع دعائم ، ولكن أهم خصائص هذه المدرسة والتي ساعدت على انتشارها وذيوع علومها تأكيدها على الابتعاد عن كل تزمت وتعصب وضيق صدر وافق ، ذلك أن الإمام الصادق (عليه السلام) لم يعط أتباعه ذريعة واحدة لتكفير من يخالفونهم في الرأي ، أو اعتبارهم منشقين أو مارقين ، ولو حدث هذا لقضي دون ريب على كيان الشيعة الفكري والثقافي .
وكان الصادق (عليه السلام) عند حديثه عن جده رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) أو آبائه ، يتحدث عنهم باعتبارهم بشرا سويا ، فلا وضع أحدا منهم في مقام الله ، ولا عدهم فوق البشر أو وسطاء يشفعون للناس عند الله (الشفاعة كمبدأ موجودة في القرآن الكريم ولكنها لا تعني - كما لا تستلزم ضرورة - كون الشفعاء من جنس آخر فوق البشر.) ، ولو فاه بشيء من هذا ، لأحدث انشقاقا بين الشيعة ، كما هو الحال عند المسيحيين .
ومع أن الصادق (عليه السلام) لم يفه مرة واحدة بما يجعل لجده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولآبائه الأئمة (عليهم السلام) طبيعة تختلف عن طبيعة البشر أو تسمو بأجسامهم على الطبيعة البشرية ، ومع أنه لم يغال في إيراد صفاتهم المعنوية ، كل ذلك لم يحل دون ظهور فرق دينية وصوفية بين الشيعة منذ القرن الثالث الهجري ، وكل واحدة منها تتعصب لرأيها وتناوئ غيرها من الفرق وكأنها تنتمي إلى مذهب مستقل .
ولئن كان العرفان دعامة من الدعائم الأربع التي تقوم عليها المعارف الجعفرية ، فإن عرفان الصادق (عليه السلام) كان يلتزم حدود الاعتدال ، يتوخى معرفة الدين على الوجه الصحيح والمذهب النقي كذلك وتبصير الناس بحدودهم ومهامهم . ولكن الصادق (عليه السلام) لم يكن يريد للعرفان أن يصبح مذهبا شائعا مستقلا عن الدين .
ومع ذلك ، أخذت المذاهب والفرق الشيعية تتكاثر وتتشعب منذ القرن الثالث للهجرة ، وغالى بعضها غلوا شديدا حتى قال بوحدة الوجود ، أي وحدة الخالق والمخلوق ، وهو ما يعتبر شركا وكفرا في عقيدة الشيعة (هذه الفرق في الحقيقة لم تكن شيعية وحتى لم تسلم ، لكنما السياسة الزمنية فرضتها ، فتسترت بغطاء الشيعة ، والشيعة منهم براء) .
والذي يعنينا من هذه الظاهرة ، أن حرية البحث والكتابة كانت منهاجا مرعيا من أتباع الإمام الصادق (عليه السلام) ، ولم يتعرض أحد لإيذاء أو عقوبة لأنه أبدى رأيا خالف به أيا من الآراء والنظريات التي كانت سائدة في هذه المدرسة ، سواء أكانت دينية أم علمية أم فلسفية . لقد كان تلامذة الصادق (عليه السلام) يطرحون عليه الأسئلة ، وينتقدون هذا الرأي أو ذاك ، ويعارضون ما يساق في المدرسة من حجج ، وكان يتقبل ذلك منهم برحابة صدر وبشاشة وجه ، وفي كتب الحديث والسيرة سجل واف لما جرى بين الإمام الصادق (عليه السلام) وناقديه ومعارضيه من محاجات ومناقشات ومحاضرات .
وقد توسعت الفرق الكلامية والصوفية في الحديث عن الخالق ووحدة الوجود ، وكان من رأي بعض هذه الفرق أن المخلوق لا يختلف عن خالقه في القدرات المقدرة - طبعا بالقدرة لا بالفعل - بينما رأى بعضها الآخر بأن للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة مراتب تعلو على مراتب المخلوق وإن كانت دون مرتبة الخالق طبعا . بل إن فرقا أخرى من الصوفية وضعت المرشد والقطب في مرتبة عالية ، تتحد أحيانا مع وجود الخالق أو تكون مماثلة لهذا الوجود وللقدرة الإلهية .
وكانت تعظم هؤلاء الأقطاب وترفع من مقدارهم فوق مراتب الأئمة والأنبياء ، وتراعي ذلك في سلوكها وعقائدها دون أن تصرح به ، إما استحياء من القول بأن مقام قطبهم أعلى من مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإما خوفا من أن يرموا بتهمة التكفير . وعقيدة هذه الفرق الصوفية شبيهة بعقائد المصريين القدامى في اوزيريس وإيزيس ، ومعروف أن قدامى المصريين كانوا يؤمنون بتعدد الآلهة مع تفضيل الإله آمون باعتباره سيد الآلهة ، ولئن كانت إيزيس - وهي إلاهة الموت - في مرتبة دون مرتبة آمون فإن المصريين القدامى كانوا يرون أن سلطانها أكبر من سلطان آمون ، لأن إيزيس كانت قادرة على إنزال الموت حتى بآمون وهو سيد الآلهة .
نسبية الزمن عند الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) من القضايا الهامة التي نوقشت في مدرسة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قضية الزمن التي تناولها الإمام ضمن ما تناول من مسائل فلسفية مختلفة ، وأبدى فيها ما ارتآه من آراء ، وقد عني فلاسفة اليونان من أقدم العصور بهذه القضية الفلسفية الهامة ، وما زالت تستأثر بالبحث والتحقيق إلى يومنا هذا .
وكان من رأي بعض فلاسفة اليونان أن الزمن ليست له حقيقة أو وجود خارجي ، في حين رأى البعض الآخر أن الزمن حقيقة ثابتة تقام الدلائل والبراهين على تأكيدها . والفلاسفة الذين أنكروا حقيقة الزمن قالوا إنه غير موجود ، سواء بصورة ذاتية أو بصورة تبعية . وفي رأيهم أن الزمن فاصل بين حركتين ، وإن الإنسان أو أي كائن حي ذي شعور لا يحس بهذه الفاصلة حتى وإن تابع سير الحركة ، واستنادا إلى هذا ، قطعوا بأن الزمن منعدم الوجود ، سواء في صورته الذاتية أو في صورته التبعية .
وتساءل فلاسفة اليونان عما إذا كان الحيوان يدرك الزمن ويعرف مقاطعه . فقال بعضهم إن هناك قسما من الحيوان يحس بالزمن ويدرك مقاطعه وفواصله ، وما هذه المقاطع والفواصل إلا جوع الحيوان أو عطشه أو حلول الظلام بغروب الشمس ، أو غير ذلك من الظواهر الطبيعية الأخرى .
أما الذين ينكرون أن للزمن وجودا ذاتيا ، فيقيمون براهين كثيرة على ذلك ، منها قولهم إن الإنسان إن فقد وعيه ، لم يعد يحس بالزمن أو يشعر بمروره مهما طال ، ومتى عاد إلى وعيه ، لم يعرف كم انقضى عليه من ساعات أو أيام . ولو كان للزمن وجود ذاتي ، لأدرك الإنسان مقدار الفاصل الزمني الذي مر عليه . وهذا نفسه يقال عن النائم مهما طال رقاده ، إذ يجهل مقدار الوقت الذي مر عليه إلا من الظواهر الشمسية أو آثار الليل .
أما الفريق الآخر الذي يقول إن للزمن وجودا ذاتيا ، فقد صنف الزمن اليوناني الارتقاء بالإنسان إلى مرتبة الآلهة ، وهو ما حاوله كثير من عرفاء الإغريق وفلاسفتهم ، كل بأسلوبه الخاص . فالفيلسوف اليوناني زينون (1)
الذي أسس المذهب الرواقي نسبة إلى هيكل أثينا الذي كان يعلم فيه الفلسفة ، يرى أن الخير هو السعادة ، وإن الإنسان يبلغ السعادة عن طريق الفضيلة ، وأما الفضيلة نفسها فهي ثمرة الإرادة المعتمدة على العقل ، ومن الفضيلة تحمل المشاق في سبيل الوصول إلى الخير وتحقيقه .
ومما قاله زينون إنه لا يسع الإنسان أن يظفر بالحرية الكاملة في الدولة الديمقراطية كأثينا بالقانون وحده ، وإنما الحرية تكتسب بالجهاد الأكبر ، وهو جهاد النفس ، فإذا قتلت النفس الشريرة ارتاح الناس ، ولم يعتد أحد من ذوي النفوس المهذبة على حقوق الغير ، والكل يتمتع بالحرية .
وكان الفيلسوف أبيقور (341 - 270 ق . م) يرى أن الزمن الأبدي والسعادة المطلقة يتم التوصل إليهما عندما يتمتع الإنسان بكل ما وهب في حدود الاعتدال . وكان من رأيه أن دراسة الفلسفة إنما تراد للحصول على اللذة المصاحبة لمعرفة هذا العلم . وفي مذهب أبيقور أن النفس إذا عملت خيرا ورد عليها سرور وفرح ، وإذا عملت شرا ورد عليها حزن وترح ، وإنما يكثر سرور كل نفس بالاجتماع بالأنفس الأخرى .
وهناك فيلسوف يوناني آخر عاصر أبيقور وكان له رأي مخالف لرأي معاصره ، وهو ديوجين الفيلسوف ومن مذهبه أن التكامل البشري ووصول الإنسان إلى الزمن الثابت الأبدي ، وبالتالي إلى الآلهة ، يتطلبان ترك الدنيا وملذاتها والاكتفاء بالقدر الضروري والقليل من وسائل العيش . وقد روي أنه شاهد طفلا يشرب الماء بكفيه مستغنيا عن الكأس الوحيدة المتاحة للشرب ، فقال إن زخارف الدنيا تحول دون الالتحاق بالآلهة . ونلاحظ أن هناك وجها مشتركا في العرفان بين فلسفة اليونان والعرفان الشرقي ، يتمثل في أن الطريق إلى الله يمر بكبح جماح النفس والنأي عن الملذات .
ولا فرق من هذه الناحية بين فكر اليونان القديم وفكر الشرق القديم ، اللهم إلا في حدود هذا الامتناع ومداه . وكان من رأي بعض فلاسفة اليونان ، ومنهم ديوجين ، أن احتفاظ الطالب العارف بأكثر من قميص واحد يستر العورة أمر لا يجوز ، وهو يقف حائلا بينه وبين الوصول إلى الآلهة .
ومثل هذه الفكرة نجدها في الشرق ، ينادي بها العرفاء والصوفية . فمن أين جاء هذا التشابه أو اللقاء بين الفكرين ؟ معروف أن الشرق لم يلتق باليونان قبل قيام دارا ملك الفرس الأخميني (الهخامنشي) في عام 460 ق . م . بالهجوم على اليونان . فهل حدث اللقاء بين الفكرين اليوناني والشرقي منذ هذا التأريخ ؟ وهل انتقلت فكرة الجهاد مع النفس للوصول إلى الآلهة من الشرق إلى اليونان ، أو عكس ذلك ؟ الواقع إننا لا نجد أثرا لهذه الفكرة لا في التعاليم الأصلية لكونفوشيوس في الصين ، ولا في تعاليم بوذا في الهند ، ولا في تعاليم زرادشت في فارس . فلم يدع أحد منهم إلى قتل النفس للوصول إلى مرتبة الآلهة . ولكن هذه الفكرة انتشرت في الشرق وفي اليونان دون أن تكون بينهما علاقات ثقافية أو روابط أخرى .
فهل لنا أن نستخلص من هذا أن فكرة الجهاد مع النفس وترك الملذات للوصول إلى الله أو السعادة الأبدية قد وجدت وتبلورت عند الشعوب الفقيرة الكادحة التي لا تجد ما يكفيها لسد احتياجاتها ؟ ولو أن العرفاء والمتفلسفين في مناطق العالم المختلفة كانوا من طبقة الأغنياء أو السراة ، فهل كانوا يشترون بطريق آخر للوصول إلى الله أو الآلهة ؟
هذا التساؤل لا يعني طبعا أن التأريخ قد خلا من أغنياء أو أصحاب جاه تركوا ملذات الدنيا ونبذوا أهواء النفس لكي يصلوا إلى هذه الغاية ، ولا يعني أن فكرة مجاهدة النفس كانت خاصة بالفقراء والمعدمين وحدهم . ونعود إلى فكرة الزمن ، فنقول إن الدور قد جاء على حكماء أوروبا وفلاسفتها في القرون المتأخرة ليدلوا بآرائهم في هذه القضية ، فمنهم من أنكر وجود الزمن إنكارا باتا حتى في القرن التاسع عشر الميلادي قائلين إن الموجود هو المكان .
ومنهم من أنكر المكان قائلا إنه يوجد تابعا للمادة ، ولا وجود له في حد ذاته ، وحيثما وجدت المادة وجد المكان ، وإلا فلا . وكانالناس في سوادهم يرون في هذا القول إنكارا للمشاهدات المحسوسة ، فهم يشاهدون في حياتهم اليومية الغرفة التي يعيشون فيها أو ينامون ، وهي ذات عرض وطول وارتفاع . فكيف يسوغ إنكار هذه الحقيقة المادية الملموسة المتجلية بأوضح صورها في المأوى اليومي ؟ كما كانت في القرن الماضي مجموعة من العلماء تنكر وجود المكان ، ومن مؤدى نظريتهم أن المكان بلا وجود أو حقيقة ، وإن ما تحسبه العين مكانا ذا أبعاد أربعة إن هو إلا المادة ، والمادة هي التي تخلق المكان ، أي بعبارة أخرى ، إن المادة هي المكان ، وحيثما وجدت وجد المكان ، وإلا انعدم .
ولو سئل واحد من هؤلاء العلماء : وماذا تقول في الطائرة التي تقلع من مكان وتنتقل بسرعة فائقة إلى حيث تحط في مكان آخر ؟ وما القول في سفينة الفضاء ، وأين هي تطير ؟ لجاء الجواب : إنها تطير في المادة ! ويشك البعض في صحة هذه النظرية ، لأن المعروف أن الهواء ينتشر في الفضاء بأجزائه وذراته على امتداد مسافة معينة قد لا تتجاوز ثلاثة آلاف كيلومتر ، يليها الفضاء الطلق الفسيح الذي لا توجد فيه إلا أمواج الأثير كأشعة الضوء أو الأمواج الكهربائية أو الجاذبية المغناطيسية ، ولا أثر للمادة في هذا الفضاء الفسيح حتى تسبح فيه سفن الفضاء .
ولكن المنكرين لهذه النظرية يقولون إن الفضاء الذي تسبح فيه سفن الفضاء هو في حقيقته الحد الفاصل بين نواة الذرة وألكتروناتها ، وإن الحد الفاصل بين نواة الذرة وأجزائها من الألكترونات هو في حقيقته كالحد الفاصل بين قرص الشمس والسيارات . وهذه الفاصلة (سواء أكانت في الوحدة الذرية أم وجدت بين الشمس وبينالأرض أو الزهرة وغيرها من الأجرام) هي جزء من المادة ، والدليل على ذلك أن الجاذبية تمر فيها ، وقوة الجاذبية لا تنفصل عن المادة ، ولا تنفصل المادة عنها .
ولسنا نرى في هذه النظرية فرقا بين الطاقة والمادة ، وكلتاهما تعتبران أمرا واحدا ، ولكنهم كانوا يقولون إن للمادة خواص تختلف عن خواص الطاقة ، والواقع المؤكد هو أن العلماء منذ القرن الثامن عشر انتهوا في أبحاثهم إلى أن المادة والطاقة وجهان لشيء واحد ، في حين إن تعريف المادة والطاقة في علم الفيزياء الحديث يتخذ أبعادا أخرى . وإلى بداية القرن العشرين ، كان من الجائز تعريف المادة بأنها طاقة متراكمة أو مكثفة ، وإن الطاقة مادة موجية ، ولكن هذا التعريف لكل من المادة والطاقة لا يفي بمطالب العلم الحديث وما انتهى إليه من نتائج .
ولو قلنا إن قوة الجاذبية هي المادة ، لأصبحت المادة التي عرفناها بأنها طاقة متراكمة ، مادة مواجة غير متناهية ، ولاضطررنا إلى الاعتراف بأن الوجود ليس فيه سوى المادة ، ولسلمنا بالرأي القائل أن الطائرات وسفن الفضاء تطير في المادة . ومما لا ريب فيه أن سرعة أشعة قوة الجاذبية تجعل الجرم لا متناهيا ، وتصبح المادة بناء على هذه النظرية لا متناهية بدورها .
ومنذ مطلع القرن الحالي ، وبعد رحلات الفضاء التي قام بها الإنسان ، تجمعت لدى علماء الفيزياء معلومات هامة أخرى عن المادة ، منها أن جميع العناصر الموجودة في الكرة الأرضية تنبعث منها الأشعة فوق البنفسجية بصورة مستمرة ، وفي حين أن العلماء قبل هذه الرحلات كانوا يعتقدون أن الأشعة لا تنبعث إلا من الأجسام الدافئة وحدها . فإن سفن الفضاء والأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض بصورة مستمرة أثبتت أن الأشعة فوق البنفسجية لا تنبعث من الجسم الدافئ وحده ، بل تنبعث حتى من الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي (تبين للعلماء من رحلات الفضاء والتجارب العلمية أن الفضاء الخارجي مشحون بقوى وطاقات هائلة من الذرات المؤينة (المعروفة علميا اسم البلازما) واهتدوا إلى حزام هائل من الأشعة الرهيبة يحيط بالكرة الأرضية على طبقتين ، وقد عرف علميا باسم (حزام فان آلن) ، وتتألف هذه الأشعة من (ألكترونات) و(بوزيترونات) مشحونة ، وهي تتحرك بسرعة هائلة بالإضافة إلى أشعة (غاما) و(الأشعة الكونية) التي تخترق الأجسام مهما يكن سمكها أو طبيعتها)(2)
وقد أجريت تجارب دقيقة في مختبرات علمية على أجسام بردت إلى درجة متناهية في البرودة ، فتبين أن الأشعة لا تنقطع بسبب البرد الشديد ، وأدت هذه التجارب إلى ظهور قانون فيزيائي هو أن الأجسام والعناصر الموجودة في الكرة الأرضية لا تكف عن الإشعاع إلا إذا هبطت درجة الحرارة إلى الصفر .
ودرجة الصفر هي الدرجة التي عندها تتوقف حركة الجزئ في المادة . وبفضل هذه الأشعة يستطيع الإنسان رؤية كل شيء في الظلام مستعينا بالمنظار المجهز بالأشعة البنفسجية ، وهو منظار لا يحتجب عنه شيء . وقد دلت التجارب على أن الأشعة التي تنبعث من النباتات النضرة والأجسام الحية للإنسان والحيوان تفوق في مقدارها الأشعة المنبعثة من النباتات أو الحيوانات الميتة . (ومما يذكر أن هذا المنظار يستخدم في جبهات القتال ليلا لمعرفة تحركات العدو وآلياته) .
وعند علماء الفيزياء أن المقصود بدرجة الصفر في البرودة هو هبوط درجة البرودة إلى 1 ، 273 درجة سنتيغراد أو 6 ، 459 فهرنهيت . غير أن هؤلاء العلماء لم يستطيعوا الوصول إلى هذه الدرجة من البرودة في المعامل الضخمة التي أقيمت للأغراض العلمية ، وإنما استطاعوا الوصول بدرجة البرودة إلى 220 درجة تحت الصفر مقيسة بميزان الحرارة المئوي (سنتيغراد) .
وبعد وصولهم إلى هذا الحد الهائل من البرودة ، يواجهون عقبات كثيرة في سبيل الهبوط بدرجة البرودة إلى ما بعد ذلك . وصفوة القول إنهم لم يستطيعوا الوصول إلى درجة البرودة المطلقة ، أي الصفر ، لكي يتبينوا آثار التوقف الكامل لحركة الجزئ في الأجسام ، وهل يؤثر هذا التوقف في الذرة أو لا .
وفي حين تتواصل التجارب العلمية على المادة وتستمر وتميط اللثام عن كل جديد وغريب في هذا الكون ، يبدو أن النظرية القائلة بأن الوجود هو المادة اللامتناهية ، وأن ما يبدو في أعيننا كالخلاء هو مجال إشعاع المادة ، هي نظرية غير بعيدة عن الواقع ، وخليق بالعلماء أن يتأملوها ويتابعوها . وللعالم الفيزيائي المعاصر إسحاق أزيموف (الواقع أن اسم هذا العالم اسم عربي فهو إسحاق عظيم اوف ، وهو من المسلمين الروس) الذي ولد في روسيا وهاجر إلى الولايات المتحدة ، نظرية علمية عن المكان تجدر الإشارة إليها .
يقول أزيموف : إن المكان هو المادة وإشعاعاتها ، وإن المادة الأصلية هي نواة الذرة أو النواة المجتمعة ، وإن الأمواج المشعة الصادرة من هذه النواة يزيد ضغطها ووزنها باقترابها من النواة ، وينقص بابتعادها عنها ، دون أن يقلل ذلك من سرعتها .
ويمكن تشبيه النواة بمصباح ينشر الضوء في ما حواليه . فإذا ابتعدنا عنه ، قل الضوء دون أن تقل سرعته (وسرعة الضوء هي 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة) . بل إننا إذا ابتعدنا عن المصباح حتى لم نعد نرى ضوءه ، ظل الضوء موجودا ومحتفظا بسرعته المعتادة يتحرك وينتشر حول المصباح . وهو لا يصل إلينا لأن لأعيننا وآذاننا وحاسة اللمس عند الإنسان قدرات معينة لاستقبال الموجات لا تتعداها ، فإن ابتعدنا عن المصباح المضئ في الدار حتى غاب نوره عن أعيننا ، فنوره باق ، وهو ينطلق بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية ، كما قلنا قبلا ، وإن كانت عيوننا لا تدركه حتى ولو انحنى في أثناء سيره .
وكان الاعتقاد السائد في الماضي أن موجات الضوء تسير في اتجاه مستقيم ، غير أن التجارب الحديثة برهنت على أن هذه الموجات قد تنحني إذا ما اعترضتها أجرام ذات قوة جاذبية شديدة ، كما برهنت على أن نور المصباح متى ابتعد عن الكرة الأرضية انحنى أمامها الضوء الساطع ، تجذب الضوء إليها ؟ إن الرد في علم الفيزياء هو : لا ، وهو رد يحير العلماء الذين يتساءلون قائلين : كيف تعجز الشمس بقوة جاذبيتها الفائقة عن اجتذاب ضوء المصباح إليها في حين إن الضوء ينحني عندها ؟
نعم ، إن لكل نجم قوة جاذبية تتناسب مع جرم هذا النجم ، وأجرام الشمس هي على درجة من الكثرة تقل تلقاءها أجرام المنظومة الشمسية بأسرها ، إذ أن مجموع أجرام المنظومة الشمسية يعادل أربعة عشر بالمائة من واحد من المائة من جرم الشمس . أي إننا إذا قسمنا أجرام الشمس إلى مائة وحدة ، ثم جمعنا أجرام النجوم والسيارات الأخرى في المنظومة الشمسية ، لوجدنا أنها تساوي 14 % من كل وحدة من وحدات جرم الشمس المائة . وينبغي ألا يكون هناك لبس في فهم الجرم ، إذ هو يختلف عن الحجم ، فجرم الشمس يقاس بالوزن أو بالحس ، وكلما ثقل وزن جسم كبر جرمه ، وكلما كبر جرم جسم ما ، ازدادت قوة جاذبيته ، ولأن أجرام الشمس كثيرة ومتكاثفة ، فجاذبيتها أقوى وأشد .
ومع ذلك ، فالشمس لا تجذب موجات الضوء المنبعث من مصابيحنا ، ولكنها تجعلها تنحرف عن مسارها . وسبب ذلك أن للضوء سرعة قدرها 300 ألف كيلومتر في الثانية - كما سبق أن ذكرنا - وبهذه السرعة الفائقة ينطلق الضوء قاطعا مسافات شاسعة ، مارا من الشمس إلى كرة شمسية أخرى ، حتى يصل إلى مجموعة النيازك التي يطلق عليها اسم (كوتوله) .
وقد أطلق الفلكيون هذا الاسم على مجموعة من الشهب والنجوم التي تراكمت أجرامها وتزايدت قدرة جاذبيتها بحيث أن الضوء لا يستطيع تجاوزها ، فيصل إليها وينجذب نحوها على الفور .
والأجرام التي تضمها مجموعة (كوتولة) متراكمة بكثرة يتعذر تصورها . وسبب تراكم الأجرام في هذه المجموعات النيزكية هو أن لذراتها نواة ، ولكن ليس لها ألكترون . ومعروف أن الذرة هي أصغر جزء في المادة ، وأنها تشبه فضاء خاليا كالمنظومة الشمسية تماما ، وهناك نواة ، وهي الجزء الجوهري في الذرة ، والباقي فضاء خال تدور فيه الألكترونات حول النواة ، تماما كما تدور السيارات حول الشمس في منظومتنا . ولو أزيل الفاصل بين الألكترون والنواة بحيث تبقى النواة وحدها ، لأصبح جرم الكرة الأرضية ككرة اللعب ، أما وزنها فيساوي وزن الكرة الأرضية .
فالذرات في المجموعات المسماة (كوتولة) فقدت فضاءها الخالي ، وفقدت الألكترونات أيضا ، ولم تبق فيها إلا النوى المتراكمة المندمج بعضها في البعض الآخر بحيث يتألف منها جرم متراكم واحد ، ولو حدث هذا في الكرة الأرضية مثلا ، لكان وزنها معادلا لوزن كرة اللعب ، ولأن قوة الجاذبية تتناسب مع الجرم ، فلهذه المجموعات جاذبية كبيرة لا تسمح لشعاع الضوء بتجاوزها ، وهذا هو سر إظلام هذه المجموعة ، ذلك أن الضوء يفقد موجاته حولها بسبب انجذابها نحوها . ويقول إسحاق أزيموف أن الطريق - أي المكان - لا وجود له ، وإن الضوء هو الذي يوجد المكان ، وإن أشعة الضوء وموجاته هي المكان .
فمن رأي هذا العالم الفيزيائي الروسي الأصل أن المكان ليس له وجود أو حقيقة ، إلى أن ينطلق فيه الضوء ، وعندئذ يتسبب الضوء نفسه وبأمواجه في إيجاد المكان ، ولو سألنا عن مقدار المسافات التي يقطعها الضوء ، أو عن مقدار المسافات التي يوجدها ، لأجاب علماء الفيزياء قائلين : لا نهاية لذلك .
ولأضافوا : أن موجات الضوء تظل تتذبذب وتقطع المسافات إلى أن تتحول إلى مادة . وثمةسؤال آخر يطرح للباحث هو : كيف يستطاع تحويل الضوء (ضوء المصباح مثلا) من طاقة إلى مادة ؟ إلى هذا اليوم ، لم يوفق علم الفيزياء للاهتداء إلى جواب عن هذا السؤال ، ولو حدث في أية لحظة أن اهتدى العلم إلى جواب عن هذا السؤال ، لقطع بذلك مائة ألف سنة من التقدم في طرفة عين . ففي هذا السؤال يتمثل سر الأسرار في الفيزياء ، بل سر الخليقة وسر الوجود ، فكيف السبيل إلى تحويل الطاقة إلى مادة ؟
لقد نجح العلم في تحويل المادة إلى طاقة ، وأصبح هذا أمرا مألوفا نرى منه ألوانا شتى ليلا ونهارا في المصانع والطائرات والسفن والسيارات والمنازل ، وحتى في الجسم البشري الذي تتحول فيه المادة إلى طاقة . أما تحويل الطاقة إلى مادة ، فهو أمر ما زال متعذرا حتى الآن ، ولا نعرف تعليلا لحدوثه في الكون . والشمس ظاهرة من أبرز ظواهر الخليقة الماثلة أمام أعيننا .
وما يحدث في الشمس نفسها هو أن الطاقة لا تنقلب إلى مادة ، وإنما المادة تنقلب إلى مادة أخرى ، ذلك بأن عنصر الهيدروجين في الشمس ينقلب إلى عنصر الهليوم ، فيتسبب ذلك في توليد حرارة شديدة . وإلى هذا اليوم لا يعرف العلماء كيف وجدت الشمس ، وقصارى ما قيل في هذا الباب لا يعدو النظريات الافتراضية التي تفتقر إلى البرهان والإثبات .
وصفوة القول إن إسحاق أزيموف - وهو كما قلنا عالم فيزيائي معاصر يعمل أستاذا في جامعات أميركا - ينكر وجود المكان ولا يرى حقيقة له ، ويقول : إن ما نراه ونحس به هو المادة أو أمواجها وأشعتها ، وإن إحساس البشر بالمكان سببه الأشعة المنبعثة من المادة . فإن كنت جالسا في غرفة أو في مكتب وشعرت بأنك جالس في مكان ، فسبب ذلك أن هناك أمواجا وأشعة تحيط بك وتكتنفك ، وإن انعدمت انعدم شعورك بالمكان . ولكن ، هل من المستطاع وقف هذه الأمواج ، فنفقد بالتالي شعورنا بالمكان كما يقول أزيموف ؟
علم الفيزياء يقول في الرد على هذا التساؤل : لا ، لأن أمواج الضوء تحيط بنا وتكتنفنا حتى في الليالي المظلمة وإن لم نر الضوء ، ولأن أمواج الصوت تتحرك من حولنا حتى في أهدأ الأجواء ، ولأن بعضها يصل إلينا ويعبر من أجسامنا . ولو انقطعت الموجات جميعا ، فموجات الجاذبية لا تنقطع في أي وقت حتى في المنطقة الخارجة عن نطاق جاذبية الأرض ، وهي جاذبية يتعرض لها رواد سفن الفضاء في الجو ، ولكن التوازن الذي تحدثه مع سرعة السفن المنطلقة هو الذي يحول دون سقوطها .
وليس صحيحا الاعتقاد بأن للسفن الفضائية في الداخل أو الخارج مناعة من قوة الجاذبية . ذلك لأن من حقائق علم الفيزياء أن قوة الجاذبية مرتبطة بالمادة ارتباطا من شأنه انتفاء المادة تماما إذا جردت من هذه القوة ، ولو انقطعت موجات الجاذبية لما بقي على قيد الحياة كائن حي ، ولا بقي في الدنيا جسم جامد ولو للحظة واحدة .
أوردنا في ما تقدم خلاصة للنظريات التي قال بها علماء الفيزياء في القرن التاسع عشر والقرن العشرين بشأن الزمان والمكان . فإن عرفنا بعد ذلك أن رجلا جاء قبل اثني عشر قرنا ونصف القرن وتبنى مثل هذه النظرية بشأن المكان والزمان ، أفلا يستحق منا تقديرا وإجلالا ؟
أو ليس هذا دليلا على أنه ذا عقلية سبق بها عصره وعصورا أخرى كثيرة ، وإنه كان فذا في تفكيره الكاشف ؟ إن هذا الرجل هو جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) الذي عاش في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة ، وساق نظريات حول الزمان والمكان تتفق مع نظريات العلماء المعاصرين ، ناهيك عن أن تعريف الزمان والمكان لدى الصادق (عليه السلام) كان خلوا من المصطلحات والمعادلات العلمية الحديثة ، وكان مصوغا في قالب سهل المأتى ، واضح المعنى .
ففي رأي الصادق (عليه السلام) أن الزمان غير موجود بذاته ، ولكنه يكتسب واقعيته وأثره من شعورنا وإحساسنا ، كما إن الزمان هو حد فاصل بين واقعتين أو وحدتين . وهو يرى أن الليل والنهار ليسا من أسباب تشخيص الزمان ومعرفته ، وإنما هما حقيقتان مستقلتان عن الزمان ، يضاف إلى ذلك أن الليل والنهار ليس لهما طول ثابت ، فالليل يقصر في الصيف ويطول في الشتاء ، والنهار على عكسه ، وهما يتعادلان أحيانا . وفي رأي الصادق (عليه السلام) أيضا أن للمكان وجودا تبعيا لا ذاتيا ، وهو يتراءى لنا بالطول والعرض والارتفاع ، ولكن وجوده التبعي يختلف باختلاف مراحل العمر ، ومن ذلك مثلا أن الطفل الذي يعيش في بيت صغير ، يرى بخياله وأحلامه أن فضاء البيت ساحة كبرى .
ومتى بلغ هذا الطفل العشرين من عمره ، رأى هذه الدار مكانا صغيرا جدا ، وأدهشه أنه كان يراها واسعة رحيبة في طفولته . فللمكان ، بناء على ذلك ، وجود تبعي لا حقيقي ، وفي هذا اتفقت آراء علماء الفيزياء في القرن العشرين مع رأي الإمام الصادق في القرن السابع الميلادي .
المصادر:
1- زينون القبرسي من أعلام العصر الهليني في تأريخ الفلسفة الإغريقية ، وهو زعيم مذهب الرواقيين الذي كانوا يرون بماديتهم أن جميع المعارف حسية . توفي سنة 263 ق . م (راجع تأريخ الفكر العربي لعمر فروخ : 122)
2- راجع العلوم الطبيعية في القرآن ليوسف مروة : 170 - 171

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.