ثورة الحسين عليه السلام و ازقة التاريخ

لا ينفصل الحديث عن نهضة الإمام الحسين عليه‌السلام عن المنعطفات الخطيرة التي شهدها تاريخ الإسلام السياسي بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ ليس من المعقول أن تحتضر المبادئ والقيم الإسلامية في زمان الإمام الحسين عليه‌السلام
Tuesday, November 29, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
ثورة الحسين عليه السلام و ازقة التاريخ
 ثورة الحسين عليه السلام و ازقة التاريخ

 

 
 


 

لا ينفصل الحديث عن نهضة الإمام الحسين عليه‌السلام عن المنعطفات الخطيرة التي شهدها تاريخ الإسلام السياسي بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ ليس من المعقول أن تحتضر المبادئ والقيم الإسلامية في زمان الإمام الحسين عليه‌السلام دون أن تكون هناك علاقة وثيقة بين حجم تلك المؤامرة على الإسلام وبين تلك المنعطفات السياسية التي ألمّت به من قبل .
ولو كانت الفترة ما بين الرسول وسبطه صلى‌الله‌عليه‌وآله مكرّسة لتعميق الخطّ المحمّدي في نفوس الأمّة لما حصل هذا الإنقلاب دون أن تنبس الأمّة ببنت شفة ، على أنّ هناك نقاط التقاء كثيرة بين أسباب نهضة الإمام الحسين عليه‌السلام والمنعطفات السياسية التي شهدها تاريخ الإسلام السياسي في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد رحيله أيضا.
فالسقيفة ـ مثلاً ـ لم تبعد أصحاب القرار الأموي الحاسم في التعايش نفاقا مع الإسلام بعد فتح مكّة عن السلطة ، بل عملت على الضدّ من ذلك إذ أتاحت لهم الفرصة السانحة إلى ما يبتغون يوم تجاوزت النصّ ، ولم تضع في حساباتها أيّا من العلم ، أو الاستقامة ، أو العدل ، أو السابقة ، أو القرابة ، أو الشورى كشروط للخلافة
واكتفت بشرط واحد فقط وجعلته فوق كلّ اعتبار وهو أن لا تجتمع النبوّة والخلافة في بيت واحد! وبهذا مهّدت الطريق لكلّ من دبّ وهب للوصول إلى الخلافة ، واستامها كلّ مفلس بما ذلك الطلقاء.
والعجيب في الأمر أنّ السقيفة لم تقف عند هذا الحدّ بل استمالت الطلقاء منذ اليوم الأوّل لانعقادها ، فرشت أبا سفيان وقلّدت أولاده مناصبَ خطيرةً في دولة الإسلام ، ولم تكتف بهذا حتى قلّدت الأمر ـ بحيلة مكشوفة ـ إلى الأموي عثمان!!
وهكذا كانت تلك الفترة مليئة بالأحداث التي كانت تجري على نسق واحد وترتيب واحد إلى أن انتهت بنتائجها الحتمية بوصول الوغد معاوية بن أبي سفيان إلى الخلافة!!
وبدلاً من أن ينصهر معاوية وأسرته في الدين الجديد الذي حكم الأمّة باسمه ، وينسى ما كان يقوله لأبيه :
يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا / بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا
خالي وعمي وعمّ الأمّ ثالثهم / وحنضل الخير قد أهدى لنا الأرقا
لا تركننّ إلى أمر يكلّفنا / والراقصات في مكّة الخرقا
فالموت أهون من قول العداة : لقد / حاد ابن حرب عن العزّى إذا فَرَقا
فبدلاً من أن ينسى ذلك ظلّ وصف الطلقاء يلاحق مخيلته ، وقرار الاستسلام ماثلاً أمام عينيه ، متجسّدا في سلوكه وتصرّفاته ، وضلّ يواري ما تحمله الشجرة الملعونة في جوانحها من أحقاد على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله باعتباره المسؤول الأوّل عن هزائم أبي سفيان كلّها ، وعلى علي عليه‌السلام باعتباره فتى الإسلام الأوّل الذي أذاق تلك الأسرة المنافقة ما تقدّم في شعر معاوية نفسه ، ومن هنا جاء أمره بشتم الوصي عليه‌السلام على منابر المسلمين .
وانتهى الأمر بأخذه البيعة إلى مثل يزيد الفاسق الفاجر الملعون.
وهكذا كانت السقيفة البوّابة الطبيعية التي نفذ منها يزيد إلى الملك العضوض. وما كان الإمام الحسين عليه‌السلام ليقف مكتوف الأيدي أمام هذا التحدّي الخطير الذي أطاح بكلّ ما تبقى من قيم الإسلام ومثله ، وما كان عليه‌السلام ليستسلم أمام محاولة معاوية بجعل المنهج الأموي بديلاً عن الإسلام .
ومن هنا ولدت نهضة الحسين عليه‌السلام لتدين لها كلّ المواقع المشرقة في تاريخ الإسلام لأنّها هي التي صنعت بالدماء الزاكيات تاريخا جديدا له.
لقد تجسّد الإسلام كلّه في نهضة الحسين ، واجتمع الحقّ كلّه في ثورته على الطغاة المردة ، حتى صارت تلك الثورة الحمراء القانية رمزا لكلّ حركة حرّة ترفض الضيم والخضوع للظلم والاستعباد والاضطهاد ، وصارت شعارا لكلّ الثورات الإسلامية التي لا ترى حرمة وقدسية لكلّ حاكم مستبد مزيّف ما لم يلتزم الإسلام عقيدة ونظاما ، وكانت فتحا جديدا بكلّ مقاييس الرسالة .
ولهذا قال مفجّرها العظيم :
ومن تخلّف عني لم يبلغ الفتح.
وهكذا استطاعت تلك الملحمة الحسينية أن تحقّق أهدافها الرسالية وبأكثر من اتّجاه وصعيد ، حيث أيقضت روح المقاومة لدى المسلمين فكانت الثورات والانتفاضات الشعبية التي قادها العلويون تترى للإطاحة بعرش الطاغوت.
كما بعثت نهضة سيد الشهداء عليه‌السلام من جديد قيم الرسالة ومفاهيم الإسلام التي طُمِست وطواها النسيان ، وماكان الإسلام ليصل موقعه الذي نرى لولا تلك النهضة ، حيث أعادت للدين الحنيف قوّته بعد احتضاره ، واستطاعت بكلّ فخر أن تعرّي الواقع التاريخي المزيّف المتخم بالمؤامرات ضدّ آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والخطط المتراكمة في إقصائهم ما سالموا ، وتصفيتهم ما قاوموا باعتبارهم قطب الدين الأوحد وقادته وحماته .
وأيقضت الأمّة من سباتها ونبّهتها على أنّه لا حرمة في القاموس الأموي لأي دم في الإسلام ولو كان الدم دم الحسين عليه‌السلام ، على أنّ الشجرة الملعونة قد حاولت ـ قبل ذلك ـ سفك دم الوصي علي عليه‌السلام ، وسعت ـ من قبل ـ إلى إراقة دم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .(1)
إن ثورة الحسين عليه‌السلام ليست مجرّد حادثة تاريخية وقعت في تاريخ المسلمين ثم انتهت ، وحينئذ فلا نحتاج إلاّ أن نقيّم نهضة الإمام الحسين عليه‌السلام للإطاحة بعرش الطاغوت من ناحية مسؤوليته ونقف عند ذلك ، وإنّما نعتقد أن ثورة الحسين عليه‌السلام وحركته قضية تتجدد على مرّ العصور والأيام .
ولا زالت هذه القضية ـ إلى يومنا هذا ـ تمدنا بالعطاء والقوة والعزيمة والقدرة.
وشأن قضية الحسين عليه‌السلام شأن القرآن الكريم الذي لا يختص مضمونه بعصر نزوله ، وإنما يتجدد في كل عصر ويعالج قضايا كل عصر ، فهو حي متجدد كالشمس والقمر ، كما ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام. والحسين عليه‌السلام هو قرآن ناطق لذا فإنّ قضيته وحركته لابدّ من أن نفهمها في كل عصر.
ونهضة الحسين عليه‌السلام سجلت فخرا للمسلمين ، وقد عنى بها العلماء والكُتاب من مختلف الطوائف ، واحتلت مكان الصدارة في الأحداث التي غيرت مجرى التاريخ ، وستبقى بمُثلها وقيمها ومواقفها مدرسة للاجيال تضيء لها الطريق ، وتوفر لها العطاء ، وهي ندية تتفجر بينابيع الخير والاصلاح حتى يرث اللّه الأرض ومن عليها.
علما بان هذه النهضة قد تغلغلت في أعماق الوجدان الشعبي للأمة بوجه عام وللمسلمين الشيعة بوجه خاص ، بحيث غدت جزءا من الجو الثقافي العام للإنسان الشيعي ، وأسهمت ، ولاتزال تُسهم حتى الآن ، بدور هام في تكوين شخصيته الثقافية ، وأخلاقياته الإجتماعية والسياسية.
ويلاحظ أن نهضة الحسين من بين جميع الثورات في تاريخ الإسلام الحافل بالثورات ، هي النهضة الوحيدة التي لا تزال ذكراها حيَّة غضَّة في حاضر المسلمين كما كانت كذلك في ماضيهم ، وهي الوحيدة من بين الثورات ، الثورة التي دخلت في أعماق الوجدان الشعبي وكانت واعزا وحافزا لما تلاها من ثورات ، يقول الكاتب والأديب :
« لم تنقضِ ستّ سنوات على مصرع الحسين حتى حاق الجزاء بكل رجل أصابه في كربلاء ، فلم يكد يسلم منهم أحد من القتل والتنكيل مع سوء السمعة ووسواس الضمير.
ولم تعمر دولة بني أمية بعدها عمر رجل واحد مديد الأجل ، فلم يتم لها بعد مصرع الحسين نيف وستون سنة! وكان مصرع الحسين هو الداء القاتل الذي سكن في جثمانها حتى قضى عليها ، وأصبحت ثارات الحسين نداء كل دولة تفتح لها طريقاً إلى الأسماع والقلوب » (2).
جدير بالذكر يركز البعض من الكُتاب والباحثين على بُعد واحد من أبعاد نهضة الحسين عليه‌السلام ، فيتناولونه بالبحث والتحقيق وكأنه البعد الفريد في النهضة المباركة ، وفات هؤلاء خطأ النظرة الاحادية الجانب ، التي تسهب في جانب أو بُعد واحد على حساب باقي الأبعاد العديدة.
المصادر :
1- مقدمة کتاب ابعاد النهضة الحسينية / مرکز الرسالة
2- من المجموعة الكاملة لأعمال العقاد ـ الحسين عليه ‌السلام أبو الشهداء ٢ : ٢٣٠.

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.