
إنّ الساحة التاريخية ، ساحة اهتمامات المؤرخين ، لا تستوعبها سنن التاريخ ؛ لأن هذه الساحة تشتمل علىََ ظواهر كونية وطبيعية وفيزيائية وحياتية وفسلجية أيضاً ، هذه الظواهر تحكمها قوانينها النوعية علىََ الرغم من أنّ بعض هذه الظواهر ذات أهمية بالناظور التاريخي ، من منظار المؤرّخين تعتبر حوادث ذات أهمية ، لها بُعد زمني في امتداد وتيار الحوادث التاريخية ، ولكنّها مع هذا لا تحكمها سنن التاريخ بل تحكمها سننها الخاصة .
سنن التاريخ تحكم ميداناً معيناً من الساحة التاريخية . هذا الميدان يشتمل علىََ ظواهر متميّزة تميّزاً نوعياً عن سائر الظواهر الكونية والطبيعية ، وباعتبار هذا التميّز النوعي استحقّت سنناً متميّزة أيضاً تميّزاً نوعياً عن سنن بقية الساحات الكونية .
1 - علاقة الظاهرة بالهدف :
المميّز العام للظواهر التي تدخل في نطاق سنن التاريخ هو أنّ هذه الظواهر تحمل علاقة جديدة لم تكن موجودة في سائر الظواهر الاُخرىََ الكونية والطبيعية والبشرية . الظواهر الكونية والطبيعية كلها تحمل علاقة ظاهرة بسبب ، مسبَّب بسبب ، نتيجة بمقدمات ، هذه العلاقة موجودة في كل الظواهر الكونية والطبيعية .الغليان ظاهرة طبيعية مرتبطة بظروف معينة ، بدرجة حرارة معينة ، بدرجة معينة من قرب هذا الماء من النار ، هذا الارتباط ارتباط المسبب بالسبب ، العلاقة هنا علاقة السببية ، علاقة الحاضر بالماضي ، بالظروف المسبقة المنجزة .
لكن هناك ظواهر علىََ الساحة التاريخية تحمل علاقة من نمط آخر وهي علاقة ظاهرة بهدف ، علاقة نشاط بغاية أو ما يسميّه الفلاسفة بالعلّة الغائية تمييزاً عن العلة الفاعلية . هذه العلاقة علاقة جديدة متميزة . غليان الماء بالحرارة يحمل علاقة مع سببه ، مع ماضيه ، لكن لا يحمل علاقة مع غاية ومع هدف ما لم يتحوّل إلىََ فعل إنساني ، إلىََ جهد بشري ، بينما العمل الإنساني الهادف يحتوي علىََ علاقة لا فقط مع السبب ، لا فقط مع الماضي ، بل مع الغاية التي هي غير موجودة حين إنجاز هذا العمل ، وإنّما يترقب وجودها .
أي العلاقة هنا علاقة مع المستقبل لا مع الماضي ، الغاية دائماً تمثل المستقبل بالنسبة إلىََ العمل ، بينما السبب يمثل الماضي بالنسبة إلىََ هذا العمل .
فالعلاقة التي يتميّز بها العمل التاريخي ، العمل الذي تحكمه سنن التاريخ هو أ نّه عمل هادف ، عمل يرتبط بعلة غائية سواء كانت هذه الغاية صالحة أو طالحة ، نظيفة أو غير نظيفة ، على أي حال هذا يعتبر عملاً هادفاً ، يعتبر نشاطاً تأريخياً يدخل في نطاق سنن التاريخ علىََ هذا الأساس ، وهذه الغايات التي يرتبط بها هذا العمل الهادف المسؤول ، هذه الغايات حيث إنّها مستقبلية بالنسبة إلىََ العمل ، فهي تؤثّر من خلال وجودها الذهني في العامل لا محالة ؛ لأنّها بوجودها الخارجي ، بوجودها الواقعي ، طموح وتطلّع إلىََ المستقبل ، ليست موجودة وجوداً حقيقياً ، وإنّما تؤثّر من خلال وجودها الذهني في الفاعل .
إذن فالمستقبل أو الهدف الذي يشكل الغاية للنشاط التاريخي يؤثّر في تحريك هذا النشاط وفي بلورة هذا النشاط من خلال الوجود الذهني ، أي من خلال الفكر ، الفكر الذي يتمثّل فيه الوجود الذهني للغاية ضمن شروط ومواصفات ، حينئذٍ يؤثّر في إيجاد هذا النشاط . إذن حصلنا الآن علىََ مميّز نوعي للعمل التاريخي ، للظاهرة علىََ الساحة التاريخية .
هذا المميّز غير موجود بالنسبة إلىََ سائر الظواهر الاُخرىََ علىََ ساحات الطبيعة المختلفة . هذا المميّز ظهور علاقة فعل بغاية ، نشاط بهدف ، بالتعبير الفلسفي : ظهور دور العلة الغائية ، كون هذا الفعل متطلّعاً إلىََ المستقبل ، كون المستقبل محرّكاً لهذا الفعل من خلال الوجود الذهني الذي يرسم للفاعل غايته ، أي من خلال الفكر .
إذن هذا هو في الحقيقة دائرة السنن النوعية للتاريخ . السنن النوعية للتاريخ موضوعها ذلك الجزء من الساحة التاريخية الذي يمثّل عملاً له غاية ، عملاً يحمل علاقة إضافية إلىََ العلاقات الموجودة في الظواهر الطبيعية وهي العلاقة بالغاية والهدف ، بالعلة الغائية .
2 - علاقة العمل بالمجتمع :
لكن ينبغي أن نعرف هنا أيضاً أ نّه ليس كل عمل له غاية فهو عمل تاريخي ، هو عمل تجري عليه سنن التاريخ ، بل يوجد بُعد ثالث لابدّ أن يتوفّر لهذا العمل لكي يكون عملاً تاريخياً ، أي عملاً تحكمه سنن التاريخ . البعد الأول كان هو الفاعل ( السبب ) والبعد الثاني كان هو الغاية ( الهدف ) .لابدّ من بُعد ثالث لكي يكون هذا العمل داخلاً في نطاق سنن التاريخ ، هذا البعد الثالث هو أن يكون لهذا العمل أرضية تتجاوز ذات العمل ، أن تكون أرضية العمل هي عبارة عن المجتمع . العمل الذي يخلق موجاً ، هذا الموج يتعدّىََ الفاعل نفسه ، ويكون أرضيته الجماعة التي يكون هذا الفرد جزءاً منها .
طبعاً الأمواج علىََ اختلاف درجاتها ، هناك موج محدود ، هناك موج كبير ، لكن العمل لا يكون عملاً تاريخياً إلّاإذا كان له موج يتعدّىََ حدود العامل الفردي . قد يأكل الفرد إذا جاع ، قد يشرب إذا عطش ، قد ينام إذا أحسّ بحاجة إلىََ النوم ، لكن هذه الأعمال علىََ الرغم من أ نّها أعمال هادفة أيضاً تريد أن تحقق غايات ، ولكنها أعمال لا يمتد موجها أكثر من العامل ، خلافاً لعمل يقوم به الإنسان من خلال نشاط اجتماعي وعلاقات متبادلة مع أفراد جماعته .
التاجر حينما يعمل عملاً تجارياً ، القائد حينما يعمل عملاً حربياً ، السياسي حينما يمارس عملاً سياسياً ، المفكر حينما يتبنّىََ وجهة نظر في الكون والحياة ، هذه الأعمال لها موج يتعدّىََ شخص العامل ، هذا الموج يتّخذ من المجتمع أرضية له أيضاً . يمكن أن نستعين بمصطلحات الفلاسفة فنقول : المجتمع يشكل علّة مادية لهذا العمل .
نتذكّر من مصطلحات الفلاسفة التمييز الأرسطي بين العلّة الفاعلية والعلّة الغائية والعلّة المادية . هنا نستعين بهذه المصطلحات لتوضيح الفكرة : يعني المجتمع يشكّل علّة مادية لهذا العمل ، أرضية لهذا العمل . في حالة من هذا القبيل يعتبر هذا العمل عملاً تاريخياً ، يعتبر عملاً للاُمة ، عملاً للمجتمع وإن كان الفاعل المباشر له في جملة من الأحيان لا يكون إلّافرداً واحداً أو يكون مجموعة أو عدداً من الأفراد ، ولكن باعتبار الموج يعتبر عمل المجتمع .
إذن العمل التاريخي الذي تحكمه سنن التاريخ هو العمل الذي يكون حاملاً لعلاقة مع هدف وغاية ، ويكون في نفس الوقت ذا أرضية أوسع من حدود الفرد ، ذا موج يتّخذ من المجتع علّة مادّية له وبهذا يكون عمل المجتمع .
الفرق بين عمل الفرد وعمل الجماعة :
وفي القرآن الكريم نجد تمييزاً بين عمل الفرد وعمل المجتمع ، ونلاحظ في القرآن الكريم أ نّه من خلال استعراضه للكتب الغيبية الإحصائية ، تحدّث القرآن عن كتاب للفرد ، وتحدّث عن كتاب للاُمة ، عن كتاب يحصي علىََ الفرد عمله ، وعن كتاب يحصي علىََ الاُمّة عملها ، وهذا تمييز دقيق بين العمل الفردي الذي يُنسب إلىََ الفرد وبين عمل الاُمّة ، أي العمل الذي له ثلاثة أبعاد ، والعمل الذي له بعدان . العمل الذي له بعدان لا يدخل إلّافي كتاب الفرد ، وأمّا العمل الذي له ثلاثة أبعاد فهو يدخل في الكتابين معاً . باعتبار البعدين يدخل في كتاب الفرد ويحاسب الفرد عليه ، وباعتبار البعد الثالث يدخل في كتاب الاُمّة ويعرض علىََ الاُمّة وتحاسب الاُمّة علىََ أساسه .
لاحظوا قوله سبحانه تعالىََ : «وتَرىََ كُلّ اُمّة جاثِيةً كلُّ اُمّةٍ تُدعىََ إلىََ كِتابِها اليومَ تُجزَونَ ما كُنتُم تَعملُونَ * هذا كتابُنا ينطِقُ عَلَيكُمْ بالحقّ إنّا كنّا نستَنسِخُ ما كُنتُمْ تَعمَلُونَ »(1).
هنا القرآن الكريم يتحدّث عن كتاب للاُمة ، اُمّة جاثية بين يدي ربّها ويقدّم لها كتابها ، يقدّم لها سجل نشاطها ، حياتها التي مارستها كاُمة ، هذا العمل الهادف ذو الأبعاد الثلاثة يحتويه هذا الكتاب ، وهذا الكتاب - انظروا إلىََ العبارة - يقول : «إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون »هذا الكتاب ليس تاريخ الطبري ، لا يسجّل الوقائع الطبيعية ، الفسلجية ، الفيزيائية ، يحدّد ، يستنسخ ما كانوا يعملون كاُمة ، ما كانت الاُمّة تعمله كاُمّة ، يعني العمل الهادف ذوالموج بحيث ينسب للاُمة وتكون الاُمّة مدعوّة إلىََ كتابها .
هذا العمل هو الذي يحويه هذا الكتاب ، بينما في آية اُخرىََ نستمع إلىََ قوله سبحانه وتعالىََ :
«وكُلَّ إنسانٍ ألزَمناهُ طائرَهُ في عُنُقِهِ ونُخرِجُ له يَومَ القيامةِ كِتاباً يَلقاهُ مَنشُوراً * اقرَأ كِتابَكَ كَفىََ بِنَفسِكَ اليومَ عَلَيكَ حَسِيباً »(2).
هنا الموقف يختلف ، هنا كل إنسان مرهون بكتابه ، لكل إنسان كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من أعماله ، من حسناته وسيئاته ، من هفواته وسقطاته ، من صعوده ونزوله إلّاوهو محصيٌّ في ذلك الكتاب ، الكتاب الذي كتب بعلم من لا يعزب عن علمه مثقال ذّرة في الأرض والسماء .
كل إنسان قد يفكّر أنّ بامكانه أن يخفي نقطة ضعف ، أن يخفي ذنباً ، أن يخفي سيئة عن جيرانه عن قومه عن اُمته عن أولاده ، قد يحاول أن يخفي ذلك حتىََ عن نفسه ، يخدع نفسه ويُري نفسه أ نّه لم يرتكب سيئة ولكن هذا الكتاب الحق لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّاأحصاها ، في ذلك اليوم يقال : أنت حاسب نفسك ؛ لأنّ هذه الأعمال التي مارستها سوف تواجهها في هذا الكتاب . أن تحكم علىََ نفسك بموازين ومقاييس الحق في يوم القيامة .
في ذلك اليوم لا يمكن لأيّ إنسان أن يخفي شيئاً عن الموقف ، عن اللَّه سبحانه وتعالىََ ، عن نفسه .
هذا كتاب الفرد ، ذاك كتاب الاُمّة . هناك كتاب لاُمّة جاثية بين يدي ربّها ، وهنا لكل فرد كتاب . هذا التمييز النوعي القرآني بين كتاب الاُمّة وكتاب الفرد هو تعبير آخر عمّا قلناه من أنّ العمل التاريخي هو ذاك العمل الذي يتمثل في كتاب الاُمّة ، العمل الذي له أبعاد ثلاثة . بل إنّ الذي يُستظهَر و يُلاحَظ من عدد آخر من الآيات القرآنية الكريمة أ نّه ليس فقط يوجد كتاب للفرد ويوجد كتاب للاُمة ، بل يوجد إحضار للفرد ويوجد إحضار للاُمة . هناك احضاران بين يدي اللَّه سبحانه وتعالىََ :
الإحضار الفردي يأتي فيه كل إنسان فرداً فرداً لا يملك ناصراً ولا معيناً ، لا يملك شيئاً يستعين به في ذلك الموقف إلّاالعمل الصالح والقلب السليم والإيمان باللَّه وملائكته وكتبه ورسله . هذا هو الإحضار الفردي . قال اللَّه سبحانه وتعالىََ : «اِن كُلُّ مَن في السماوات والأرضِ إلّاآتِي الرحمنِ عَبداً * لَقد أحصَاهُم وعَدّهُمْ عَدّاً * وكُلّهُم آتِيهِ يومَ القِيامة فرداً »(3).
هذا الإحضار إحضار فردي بين يدي اللَّه سبحانه وتعالىََ .
وهناك إحضار آخر ، إحضار للفرد في وسط الجماعة ، إحضار للاُمة بين يدي اللَّه ، كما يوجد هناك سجلّان ، كذلك يوجد إحضاران كما تقدم . ترىََ كل اُمّة جاثية ، كل اُمّة تدعىََ إلىََ كتابها . ذاك إحضار للجماعة ، والمستأنس به من سياق الآيات الكريمة أنّ هذا الإحضار الثاني يكون من أجل إعادة العلاقات إلىََ نصابها الحق .
العلاقات في داخل كل اُمّة قد تكون غير قائمة علىََ أساس الحق ، قد يكون الإنسان المستضعف فيها جديراً بأن يكون في أعلىََ الاُمّة ، هذه الاُمّة تعاد فيها العلاقات إلىََ نصابها الحق . هذا هو اليوم الذي سمّاه القرآن الكريم بيوم التغابن ، كيف يحصل التغابن ؟
يحصل التغابن عن طريق اجتماع المجموعة ثم كل إنسان كان مغبوناً في موقعه في الاُمّة ، في وجوده في الاُمّة ، بقدر ما كان مغبوناً في موقعه في الاُمّة يأخذ حقّه ، يأخذ حقّه يوم لا كلمة إلّاللحق . استمعوا إلىََ قوله تعالىََ : «يَومَ يجمَعُكُمْ لِيومِ الجمْعِ ذلكَ يومُ التغابُنِ »(4).
إذن فهناك سجلّان : هناك سجلّ لعمل الفرد ، وهناك سجلّ لعمل الاُمّة ، وعمل الاُمّة هو عبارة عمّا قلناه من العمل الذي يكون له ثلاثة أبعاد :
بُعد من ناحية العامل ، ما يسميه أرسطو بـ « العلّة الفاعلية » .
بُعد من ناحية الهدف ، ما يسميه أرسطو بـ « العلّة الغائية » .
بُعد من ناحية الأرضية وامتداد الموج ، ما يسمّونه بـ « العلّة المادية » .
هذا العمل ذو الأبعاد الثلاثة هو موضوع سنن التاريخ ، هذا هو عمل المجتمع .
المجتمع ليس كائناً في قبال الفرد :
لكن لا ينبغي أن يوهم ذلك ما توهّمه عدد من المفكرين الفلاسفة الاُوروبيين من أنّ المجتمع كائن عملاق له وجود وحدوي عضوي متميّز عن سائر الأفراد ، وكل فرد ليس إلّابمثابة الخلية في هذا العملاق الكبير .
هكذا تصوّر ( هيجل ) مثلاً وجملة من الفلاسفة الاُوروبيين ، تصوّروا عمل المجتمع بهذا النحو ، أرادوا أن يميّزوا بين عمل المجتمع وعمل الفرد ، فقالوا بأنه يوجد عندنا كائن عضوي واحد عملاق ، هذا الكائن الواحد هو في الحقيقة يلفّ في أحشائه كل الأفراد ، تندمج في كيانه كل الأفراد ، كل فرد يشكل خلية في هذا العملاق الواحد ، وهو يتّخذ من كل فرد نافذة علىََ الواقع ، علىََ العالم بقدر ما يمكن أن يجسّد في هذا الفرد من قابلياته هو ، ومن إبداعه هو .
إذن كل قابلية وكل إبداع وكل فكر هو قابلية ذلك العملاق وإبداع ذلك العملاق وفكر ذلك العملاق الطاغية ، وكل فرد إنّما هو تعبير عن نافذة من النوافذ التي يعبّر عنها ذلك العملاق الهيجلي .
هذا التصور اعتقد به جملة من الفلاسفة الاُوروبيين تمييزاً لعمل المجتمع عن عمل الفرد ، إلّاأنّ هذا التصور ليس صحيحاً ولسنا بحاجة إليه ، إلىََ الإغراق في الخيال إلىََ هذه الدرجة لكي ننحت هذا العملاق الاُسطوري من هؤلاء الأفراد ، ليس عندنا إلّاالأفراد ، إلّازيد وبكر وخالد ، ليس عندنا ذلك العملاق المستتر من ورائهم . طبعاً مناقشة ( هيجل ) من الزاوية الفلسفية يخرج عن حدود
هذا البحث ، متروك إلىََ بحث آخر ، لأنّ هذا التفسير الهيجلي للمجتمع مرتبط بحسب الحقيقة بكامل الهيكل النظري لفلسفته ، إلّاأنّ الشيء الذي نريد أن نعرفه ، نعرف موقع أقدامنا من هذا التصور .
هذا التصور ليس صحيحاً . نحن لسنا بحاجة إلىََ مثل هذا الافتراض الاُسطوري لكي نميز بين عمل الفرد وعمل المجتمع . التمييز بين عمل الفرد وعمل المجتمع يتمّ من خلال ما أوضحناه من البعد الثالث .
عمل الفرد هو العمل الذي يكون له بُعدان ، فإن اكتسب بُعداً ثالثاً كان عمل المجتمع باعتبار أنّ المجتمع يشكّل أرضية له ، يشكل علّة مادية له ، يدخل حينئذٍ في سجلّ كتاب الاُمّة الجاثية بين يدي ربّها . هذا هو ميزان الفرق بين العملين .
إذن الشيء الذي نستخلصه ممّا تقدّم : أنّ موضوع السنن التاريخية هو العمل الهادف الذي يشكل أرضية ويتّخذ من المجتمع أو الاُمّة أرضية له علىََ اختلاف سعة الموجة وضيق الموجة ، اتساعها وضيقها ، هذا هو موضوع السنن التاريخية .
المصادر :
1- الجاثية : 28 - 29
2- الإسراء : 13 - 14
3- مريم : 93 - 95
4- التغابن : 9