رغم ان البشارة هي الخبر المسّر المفرح الذي يرتاح اليه الانسان وكل ما كانت البشارة من جليل او عظيم كانت هي الأخرى أجل واعظم وذات قيمة كبيرة. ومن هنا يعلم أن اكبر البشائر هي ما كانت من المصدر الا لاهي ، والتي يبشر بها الخلاق المتعال.
لكن ، مع ذلك كلّه ، ترى أن من البشائر ما يعكس فيها المطلوب فيبدل الفرح بالحزن ، والسرور بالهم والغم ، وذلك كما كان في زمن الجاهلية الأولى. والقرآن الكريم يحدثنا بكلا الأمرين.
١ ـ اذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه ، اسمه المسيح عيسى بن مريم ، وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين * و يكلّم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين * قالت ربّ أنّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ، قال كذلك الله يخلق ما يشاء ، اذا قضى أمرا فانّما يقول له كن فيكون (1).
٢ ـ ويجعلون لله البنات سبحانه ، ولهم ما يشتهون * واذا بشر احدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداّ وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب ؟ ألا ساء ما يحكمون (2).
وليمة المولود
كل انسان لا بد له من سرور يدخله عند اسباغ نعمة من الله تعالى عليه ، وأي نعمة بعد الايمان بالله تعالى هي اعظم واكبر من نعمة ولد صالح يستعين به الأب على دينه ودنياه ، والولد هو السبب المباشر الوحيد في بقاء نسل الأب ، وهو أقرب الأرحام اليه ، وقد جاء في الكتاب العزيز آيات عديدة في الرحم وصلتها ، فلأجل هذا كلّه يفرح الوالد يوم له الولد ، وقد سن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما يعبر عن الفرح والسرور عند الوالدين ، الا وهي الوليمة.١ ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضياللهعنه قال : حدثنا الاعمّى محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن سجادة العابد واسمه الحسن بن علي بن أبي عثمان ، عن موسى بن بكر ، قال ابو الحسن الاول عليه الصلاة والسلام : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا وليمة الاّ في خمس : أ : في عرس. ب : او غرس. ج : او عذار. د : او وكار. ه : او ركاز. فأما العرس : فالتزويج ، والغرس : النفاس بالولد : والعذار : الختان. والوكار : الرجل يشتري الدار. والركاز : الذي يقدم من مكّة (3)
تسمية الاولاد
احدى موارد التعارف هو الاسم ، وهو أهم من بقية اسباب التعارف ، فالناس أنه لولا الاسم لما احضرت المعاني الكلية والجزئيه باسهل مؤنة في الذهن ، مثلا لو كنت في بلد ما ، واردت احضار الفيل في ذهن صاحبك ، كبف يمكن تناوله من غاباب الهند ، وكيف يمكنك ادخاله في ذهن صاحبك ، فتبين أن الاسم له اهمية كبيرة جدا بالنسبة الى جميع الاشياء والموجودات ، فمن هذا يلزم أن نسمي كل شيء ليعرف وجوده الخارجي بوجوده اللفظي ، منه الجنين في بطن أمّه فيستحب أن يسمى كي يثبت في الامة المرحومة ...١ ـ قال أمير المؤمنين عليهالسلام : سمّوا اولادكم ، فان لم تدروا أذكرهم أم انثى فسموّهم بالأسماء التي تكون للذكر والانثى ، فان اسقاطكم اذا لقوكم في القيامة ولم تسمّوهم ، يقول لأبيه الا سمّيتني و قد سمّى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم محسناً قبل أن يولد ..(4).
الكنية من الادب
ان العرف قد جعل لكل موضوع علاقات ، وجعل علامات للاحترام بالنسبة الى الآخرين ، فمثلا : جعل علامة احترام الوارد ، القيام أمامه واحترام الراجل أن يبدأه الراكب بالسلام ، وهلّم جرّا علامات الاحترام كثيرة وكثيرة جدا. وقد قرر الإسلام العظيم ما لا ينافيه من أعراف الناس ، فقلّل وكثّر ، وجرح واعدل ، ونفى وأثبت ، وأسس ما لم يكن يدركه الناس من قبل ، وكل ذلك بأمر من السماء ، على لسان خير البريّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وآله الميامين عليهم صلوات الملك العلاّم. فمن تعاليهم السّامية ، الأدب الرفيع ، حيث أن الرجل ينادي بكنيته اجلالا واعظاما له. فتمسّك بهم تسعد.١ ـ علي بن ابراهيم ، عن ابيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : من السنّة والبر ان يكنّى الرجل بأسم أبيه ... (5)
الولد الصّالح
يخلف المرء في ثلاثة احدهما الولد ، فان من لم يكن له ولد لا ذكر له بعد الموت ، ولو أن هناك آثار أخرى تكون ذكرى له ، ولكن الولد اثر اكبر واكبر لا سيّما ان كان من الصالحين ، فانه يحيى والده في كل حين ، ربي لا تذرني فرداً وانت خير الوارثين ، فعليه امرنا بطلب الولد كي يكون لنا ثمرا جنيّا ان شاء الله تعالى.١ ـ قال أمير المؤمنين عليه افضل تحيات رب العالمين : عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : اكاثر بكم الأمم غداً ... (6)
٢ ـ هنالك دعا زكريّا ربّه ، قال ربّ هب لي من لدنك ذرّية طيّبة أنك سميع الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ، ان الله يبشرك بيحيى مصدّقا بكلمة من الله ، وسيّدا وحصورا ونبيّا من الصالحين * قال ربّ أنّى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرا ، قال كذلك الله يفعل ما يشاء (7)
الكمال
لكل شيء زينة في الدنيا وزينة المرء كمال الأدب.مما يجب على الولد أن يكون مؤدبّا في كل حال وكل حين ، لا سيما وبالخصوص عند والديه ، فان الأدب عند الوالدين مما يزيد في توفيق الانسان ، لذا ترى القرآن الكريم ينادي بأعلى صوته :
١ ـ وقضى ربّك الاّ تعبدوا الاّ ايّاه ، وبالوالدين احسانا امّا يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما ، فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذّل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيّاني صغيراً ... (8).
٢ ـ قال ـ اي ابو ولاد الحناط ـ ثم قال ابو عبد الله عليه الصلاة والسلام : وأمّا قول الله تعالى ( امّا يبلغّن عندك الكبر احدهما او كلاهما ، فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ) قال عليهالسلام : ان اضجراك فلا تقل لهما أف ، ولا تنهرهما ان ضرباك. قال عليهالسلام : ( وقل لهما قولا كريما ) : قال عليهالسلام : ان ضرباك فقل لهما غفر الله لكما ، فذلك منك قول كريم(9).
٣ ـ قال مجاهد معناه ان بلغا عندك من الكبر ما يبولان ويحدثان فلا تتقذّرهما ، وامط عنهما كما كانا يميطان عنك في حال الصغر، والمتبرم ويكثر قول أف ، وهي كلمة تدل على الضجر ... مجمع البيان ج ٦ ، ص ٤٠٩ ، ذيل آية ( وقضى ربك ) من سورة بني اسرائيل.
افضل الاعمال للولد
الأعمال على شطرين : اعمال ذات فضيلة ، واعمال ذات رذيلة. أما الرذائل فلسنا هنا بصددها. وأما الفضائل : فهي من الكلّي المشك ، أي لها مراتب متعددة ، فبعضها أفضل من البعض الآخر. ان قلت : كيف نرتّب هذا الترتيب ؟. قلنا هذا ترتيب رتّبه المولى جلّ وعلا شأنه ، وهو أعلم بالمصالح ، فكلما كانت المصلحة فيها أتم وأكمل فهي افضل ، وهذا ما يحكم به العقل و النقل. وما بعد الحّق الاّ الضلال.١ ـ حدثنا أبي رضياللهعنه قال : حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي ، عن احمد بن أبي الله البرقي ، عن محمد بن احمد الأيادي ، عن عبد الله بم محمد عن عمرو بن شمر ، عن ابان بن محمد عن محمد بن علي عليهماالسلام ، قال : ما من عمل افضل يوم النحر من دم مسفوك ، او مشى في بر الوالدين ، أو ذي رحم قاطع يأخذ عليه بالفضل ويبدأه بالسلام ، او رجل اطعم من صالح نسكه ودعا الى بقيّتها جيرانه من اليتامى واهل المسكنة والمملوك ، وتعاهد الأسراء. ... (10)
المصادر :
1- آل عمران ـ ٤٧
2- النحل ـ ٥٩
3- الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢٥٤ ، الحديث ٩١. ومثله الحديث ٩٢ فراجع.
4- المواعظ العددية ، باب الاربعمائة ، ص ٣٠٥.
5- الكافي ، ج ٢ ، ص ١٣٠ ، باب البر ، الحديث ١٦.
6- المواعظ العددية باب الاربعمائة ، ص ٢٩١.
7- ( آل عمران ـ ٤٠
8- بني اسرائيل ـ ٢٣
9- ذرايع البيان ، الآفه الثامنة ، ص ١٧٤
10- الخصال ، باب الخمسة ، ص ٢٤٢ ، الحديث ٨٦.