التکفيريون و الفساد في الارض

التكفير لغة هو الستر و التغطية. و منه سمي الكفر الذي هو ضد الايمان كفراً لان فيه تغطية للحق بجحد أو بغيره و سمي الكافر كافراً لأنه قد غطى قلبه بالكفر
Monday, December 12, 2016
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
التکفيريون و الفساد في الارض
 التکفيريون و الفساد في الارض

 
 

بقلم: الشيخ الدكتور فؤاد کاظم المقدادي






 

 

التكفير لغة هو الستر و التغطية. و منه سمي الكفر الذي هو ضد الايمان كفراً لان فيه تغطية للحق بجحد أو بغيره و سمي الكافر كافراً لأنه قد غطى قلبه بالكفر (1)
و هو الجحود مقابل الايمان، فهو ضد الايمان و يناقض الاسلام و من کفر خرج من ملّة الاسلام.
و موطن التكفير هو القلب أولاً، و ما ينعكس عنه من سلوك تكفيري فإنّما هو مما اعتقده القلب.
و للتكفير أُصول و جذور سنأتي عليها لغرض بيانها.
و الفساد في الارض، هو المصطلح الفرالي، الذي يقابله مصطلح الارهاب (terrorism) ، و الذي شاع استعماله كرديف و لصيق بالوهابية و التكفير، و الذي اشتق من مادة (رَهِبَ) في اللغة العربية، و الثقافة الاسلامية، ولا ينحصر في الدلالة على الخوف و الفزع و الرعب كما هو في اللغة و الثقافة الغربية، و لو استعمل في هذه المعاني، فليس بالضرورة ان يكون مقترنا بالقتل و إراقة الدماء و التعذيب و مصادرة الاموال و امثالها، كما هو الاصل في الاطلاق الاستعمالي في اللغة و الثقافة الغربية.
ان صور الاطلاق الاستعمالي لمصطلح (terrorism) في الثقافة الغربية هو: ما كان للدلالة على اسلوب الحكم الذي لجأت اليه الثورة الفرنسية، أثناء حكومة الجمهورية الجاكوبية بين عامي (1793-1799 م ) . في مواجهة تحالف الملكيين و البرو جوازيين المعادين للثورة آنذاك، و الذي نتج عنها اعتقال ما يزيد عن ثلاثمائة ألف من المشتبه بهم، و أُعدم حوالي سبعة عشر ألفا، مضافا الى موت آلآف آخرين في السجون بلا محاكمة, وقد اطلِقَ على هذه المرحلة المتسمة بالارهاب الدموي. (Reign of Terror)
و تحصل لنا مما تقدم أن الاستعمال اللغوي المعاصر و التأريخي لكلمة أو مصطلح ( terrorism) منحصرُ في الاطلاق على حالات الفزع و الرعب و الهول، الملازم عادة للقتل و سفك الدماء و التعذيب و مصادرة الاموال و أمثال ذلك. (2)
و قد اعتمدنا المصطلح القرآني (الفساد في الأرض ) بديلا لكلمة (terrorism) لانه أصدق تعبيراً عن جوهر ما تعنيه الكلمة في الثقافة الغربية.
و الآية (27) من سورة البقرة تشير إلى هذا المصطلح في قوله تعالى: (الَّذِينَ ينْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يوصَلَ وَيفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) و قوله تعالى في سورة الشعراء الآيات (150-152) : (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ*الَّذِينَ يفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يصْلِحُونَ) ... و انظر إلى سورة المائدة المباركة الآية 33 ودقة مصداقيتها و شمولها الأ وسع للتعبير عن الفكرة: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يقَتَّلُوا أَوْ يصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ ينْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْي فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
ضابط الخروج عن أصل الدين
إن المسائل العقائدية على قسمين:
القسم الاول: أصول الدين، حيث يجب تحصيل العلم بها، وكذلك يجب الاعتقاد بها، من أجل أن يكون الانسان مسلماً. و طرق اثباتها عقلية، ولا يكفي التقليد فيها، كما لا يصح التعبد لها للادلة النقلية من الآيات و الروايات، ففي العروة الوثقى (محل التقليد و مورده هوالاحکام الفرعية العملية فلا يجري في أصول الدين) . (3)
القسم الثاني: سائر المسائل العقائدية ( التفصيلية) ، حيث يجوز الاعتماد في اثباتها على الادلة النقلية.
إذن فلأجل التوصل للعلم و الاعتقاد بالاصول، لا بد من بذل الجهد و الاستدلال، و لكن بعد الايمان بالله تعالى أو بالنبي (صلي الله عليه و آله و سلم) من خلال الأدلة فما يتيقن بصدوره منهم، و ما كان من الضروريات و المسلمات و اليقينيات فلا يجوز إنكاره أو الاجتهاد فيه لمعنى امكان اختلاف الآراء حوله، وكذلك لا يصح التقليد فيه ففي العروة الوثقى (في الضروريات لا حاجة الى التقليد، و كذا في اليقينيات إذا حصل له اليقين) . (4)
نعم يمكن البحث حول مدى ضروريته أو كونه من المسلمات أو اليقينيات، و لكن بعد ثبوت ذلك فلا يجوز انكاره للمعتقد بالأصول، لان ذلك يعني إنكاره للرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) أو تكذيبه، لذلك كانت أصول الدين أو ضروريات الدين بالنسبة للمعتقدين بالدين ضرورية لا يجوز إنكارها مع العلم بضروريتها و صدورها عن الشارع المقدس.
فأنّ من أنكر الله أو الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) ، لم يعتبر من أبناء الدين، وإن كان إنكاره عن قصور لا عن تعمد.
وكذلك من علم بضرورية حكم أو معتقد أو كونه من المسلمات، و أنكره عن علم لا عن شبهة، فهذا يستلزم إنكار و تكذيب الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) ، و بذلك يخرج عن الدين لما ذكرناه من أن من أنكر الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) لا يعتبر من أبناء الدين و لا فرق في ذلك بين إنكاره مباشرة، أو إنكار ما يقطع بصدوره عنه بحيث يستلزم انکاره و تکذيبه.
و إنما يتصور الاجتهادات و القراءات المختلفة أو الآراء المتعددة من المعتقدين بالدين في تلك المعتقدات و الأحكام الضنتية و الخلافية التي يمكن اختلاف الآراء حولها. أو تعدد القراءة و الاجتهاد فيها، حسب اختلاف الفهم و الاستنباط من النصوص الضنية غير القطعية سنداً و دلالة، فلا تخضع لاختلاف الآراء حولها, فهل يمكن للمعتقد أن يبحث حول وجوب الصلاة من حيث قبولها و إنكارها ؟ و أنها واجبة أم لا ؟ بحيث يقبل اختلاف الرأي و الاجتهاد حوله، فيصبح رأي من يذهب لوجوبها، ورأي من يذهب لعدم وجوبها ؟ وكذلك بالنسبة لوجود الله تعالى، أو النبوة أو المعاد، فيصح قول من يذهب لوجوده، و رأي من يذهب لعدم وجوده ؟
فإن المعتقد بالدين لا يصح منه اختلاف الاجتهادات والآراء حول الضروريات، مع اثبات ضروريتها، و صدورها من الشارع المقدس فان ذلك يستلزم إنكار الشارع أو تکذيبه و الخروج عن أصل الدين.
جذور خروج التكفير عن أصوله في الاسلام :
1. أصل الظاهرة هم الخوارج لأنهم خرجوا من مكة الاسلام أي خرجوا عن طاعة الامام علي (عليه السلام)
الواجب الطاعة المتفق على إمامته الشرعية و مبايعته.
و هنا يعني أن من خرج عن طاعة الامام علي طيّة فهو خارجي باغ.
و عليه فأن أصل التكفير و بدايته يؤرخ لها في واقعة صفين، و أن أول من بُويع له بامامة التكفير هو عبد الله بن وهب الراسبي.
2. يرافق الفكر التكفيري للخوارج ظاهرة التزمت، الانغلاق، الرؤية الواحدة و من جانب واحد و عدم الانفتاح على الآخرين و هي صفة الفكر التكفيري فضلا عن أن أصحابه يكفّرون كلّ من  خالفهم في الاعتقاد و يرتبون عليه كلّ آثار الكفر. (5)
3. و مادمنا عرّجنا على أصل الظاهرة (ظاهرة التكفير) , فيمكن أن نشير الى أن قضية العنف التدميري الذي رافق هذه الظاهرة، قد يفسّر الطبيعة المغلقة التي ينظرون من خلالها للنصوص الدينية الاسلامية و الفكرة الاصولية عن الجهاد و الدعوة و ما يتعلق بفرعي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و التي جاء بها منظّرو الظاهرة و مفكروها، و وجوب إقامة حكومة الخلافة الإسلامية، في واقع سادت فيه الدول الكبرى و فرضت هيمنتها على شتى بقاع العالم، و هي تمتلك ترسانة ضخمة من السلاح و الأساطيل و الامكانيات الكبيرة، كلّ هذه الأمور تتطلب، بل تستوجب التشدد في السعي لتحقيق هذا الهدف الكبير طبقا للموروث الذي خلفته الحياة القاسية في بادية نجدٍ و الحجاز (باعتبارها منطلق هذه الافكار و حضنها الأول) , و ما دام هناك من يشر عن هذه الاساليب اعتمادا على فتاوى فقهاء الوهابية، فلم يبق من الامر إلاّ الفوز بالانخراط في العمل الجهادي هذا، و إلا فالذبح و الجحيم، هذا بافتراض صدق الولاء للاسلام، و عدم التبعية للكفرة المستعمرين الذين رسموا منهجية الحكم القادم بما يحقق استراتيجيتهم الغادرة.
4. اتسع مفهوم التکفير عند من يُکّفِر، فبعد أن کان التکفير يعني عدم الايمان بالتوحيد و بالخروج من الاسلام فقد أصبح عند التكفيريين يطلق اسم الكافر على كل من ارتكب كبيرة و أصّر عليها و لم يتب، هذا من حيث الفكر و المفهوم أما من حيث الاشخاص فاتسع ليشمل الحكّام لأنهم لم يحكموا بما أمر الله تعالى- على شرعتهم المنحرفة- و يشمل ذلك المحكومين لأنهم رضوا بذلك و لم يحاربوه. و قد أباحوا دم و مال و عرض كلّ من لم ينضمّ إليهم.
5. إنّ ترتيب آثار التكفير تنحصر بالطرف الذي يكّفر الآخر و الذي قصر ذهنه و عقله عن الادراك السليم، ولا يعني أنّ الطرف الذي تمّ تكفيره يرتب نفس الآثار بالمقابل.
ففي مثلنا أعلاه عن تكفير الخوارج لعلي (عليه السلام) و هو الامام المفترض الطاعة باجماع المسلمين، فان الامام علي (عليه السلام) لم يکّفرهم ورفض أن يتهم الخوارج بالكفر و هم خصومه الذين كفروه، بل قال كلمته المشهورة (إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم ببغيهم علينا) (6)
و واضح أن منحى الخوارج هو سياسي و هو موقف لا يعتمد الثوابت الشرعية قدر اعتماده على الفتاوى المنحرفة و المواقف النفسية المزاجية التي اعتمدت و لاغراض سياسية، التأويل و التحريف لا حاديث النبي الاکرم (صلي الله عليه و آله و سلم) بما يحقق مرادهم.
6. هذه البداية و هذه النشأة و إن كانت تفتقد الاساس العقائدي و الشرعي (الفقهي) و مع ما رافقتها من انحرافات عقائدية و سلوكية، لأنها و بمرور الزمن بدأت تتنامى على شكل مدارس تمخّض عنها تيارات متطرفة تستهوي عقول الجهلة من المسلمين مما أدى إلى خطورة واضحة على الاسلام و المسلمين خصوصاً بعد أن ظهر هناك من يدعي العلم و الفصاحة ليشرعن هذا الانحراف و يضع له أساساً على شكل فتاوى يتم تلقينها إلى هؤلاء الجهلة ليصبح تنفيذها واجباً شرعياً (عن طريق التقليد) دون النظر إلى ما يقوم عليه من أُسس عقلية و شرعية.
كما و أن هذه البداية (في التحكيم و ظهور الخوارج) أخذت قالباً يصعب الخروج منه لانّ كسر هذا الطوق أو تكذيبه، يعني أُفول وانهيار بناء يراد له أن يكون خيمة طوارى سيلجأ إليها روّاد هذه المدرسة لاحقا، و على مرّ الزمن، و لأنه سيؤدي إلى إبراز ضلال الخوارج و كفرهم، و هذا ما تأباه نفوسهم المريضة التي دأبت على الصاق التكفير بمن يخالفهم من المسلمين على وجه التخصيص، و هذا ما أكدته قوادم
الأيام. و وفقاً للتفكير الاسلامي السليم في البحث عن صحة الأساس العقائدي و الشرعي (الفقهي) و الايمان بالاسلام و كون عملية البحث سليمة و صحيحة لأنها اعتمدت معايير المنهجية العلمية و الانفتاح العقلي الذي يبحث عن سلامة البحث و موضوعيته، أما إذا دخل على خط البحث الجهلة من علماء السوء ممن يعتمدون لوي عنق النص ليحقق النتيجة الضالّة التي تمّ تحديدها مسبقاً لعدم اعتبار أن قضية الايمان بالخالق سبحانه، و بالنبوة و الجزاء في الحياة الاخرى، هي من كليات و أصول العقيدة الاسلامية التي يُتوصل إليها بالعقل و موطنها القلب، فمن المعلوم أنّ الايمان بهذه الاصول لا يمكن أن يصل إليها الانسان بالتقليد و التلقين.
كما و أنّ من لم يؤمن و يعتقد بالاسلام ديناً و منهجاً حياتياً لا يصح إجباره على الايمان (لا إكراه في الدين) لما قلنا أن طريق العقيدة العقل و موطنها القلب، كما لا يمكن اعتبار صاحب الشبهة في العقيدة كافراً ولا يجوز ترتيب آثار الكفر عليه والتي من جملتها القتل.
7. نقطة أخيرة لا بد أن نشير إليها لكي لا يأخذ البحث بعدا واحداً، ذلك هو الاجابة على سؤال: إذا كان التكفير يعني شمول كلّ من لا يعتقد بالاسلام ديناً و منهجاً حياتياً، فمعنى ذلك كما يُفهم، يشمل إضافة الى المسلمين أتباع الديانات الاخرى غير الاسلام، فلماذا إذاً لم تطحن سيوف الوهابية و التكفيريين في تاريخها القديم و الحديث، إلاّ رقاب المسلمين، بل فئة معينة من المسلمين ؟ ألم يكن هناك أعداءاً تأريخيين يحاولون وأد الاسلام ديناً و منهجاً للحياة و يحاولون اجتثاثهم و سلب جغرافيتهم من الوجود، فلماذا لم تصل سيوف مدعي الايمان إلى رقاب هؤلاء؟حتى أنّ أدبياتهم و شعاراتهم و إعلامهم تتجاهل هذا كليا !! كما لم نقرأ أو نسمع يوما أنّ هناك غزواً وهابياً لدولة الشر و العدوان اللقيطة إسرائيل، أو أن هناك تهديداً و لو بالاعلام الكاذب لهذه الدولة الغاصبة و المنتهكة لكلّ القيم و الاعراف و مبادئ الانسانية؟
ماذا أفرز التكفيريون من مناهج ضالة
لوكان التكفير عملية فردية (شخصية) تتعلق بذات الفرد مجرداً عن السياسة و ما يحيط بهذا الانسان من أُمور يفرضها عليه الواقع الاجتماعي و السياسي لكان الامر جدُّ يسير و لما استوجب كلّ هذا العناء و المعاناة سواءاً في العيش أو التعايش معه أو كان هذا العناء في البحث الفقهي أو الفكري، و لما استوجب الحال كذلك ظهور منظمات دولية كبيرة و مؤسسات علمية متعددة لدرء أخطار التكفير و ما يخبئه تحت خيمته الظلامية.
إنّ الاستراتيجيات الخبيثة التي أفرزها التكفير آلت إلى نتيجة خطيرة تلك هي أن التكفير أصبح داءاً عضالاً و سرطاناً فتاكاً سريع التوالد والتكاثر و مغلقًا بسياسات دولية و اقليمية توفر له إضافة إلى الحفظ، الحاضنات الداعمة و التي تجعله يلعب دوره الفاعل في تنفيذ مناهجها التدميرية و تهيء المجال لدول الاستكبار لحكم العالم و التأثير في سياساته الداخلية و الخارجية و من هذه المنهجيات الخبيثة:
أ- علاقة الفساد في الأرض بالتكفير، إذ أصبحا و جهان لعملة واحدة، ذلك لان القتل و التدمير هو السبيل المفضل عند التكفيرين لمقارعة خصومهم, و لأن خصم التكفير بالدرجة الاولى هو الاسلام و المسلمين الخارجين عن نهجهم، لذا فقد أصبح القتل و التدمير أول ما يهدد هؤلاء المسلمين المخالفين لهم باعتبارهم الخصوم الألداء للتكفير.
إنّ اليقضة الاسلامية الكبرى و الوعي العميق الذي أفرزته الثورة الاسلامية الكبرى في إيران في نهاية العقد الثامن من القرن العشرين و تحديداً في عام 1979م و التي حققت حلم الانبياء كما أطلق عليها فيلسوف العصر السيد محمد باقر الصدر (رضي الله عنه) ، فحينما برزت إلى الساحة الاسلامية و الدولية الجمهورية الاسلامية في إيران و جهت صانعة معلم للاستكبار العالمي و أوجدت حالة لوت عنق الاستکبار العالمي و کادت أن تكسره فجعلته يحسب لهذا الوعي و هذه الثورة ألف حساب، لذا فالبحث عن منهجيات جديدة لمواجهة هذا الوعي أصبحت واردة جداً، و ليس أفضل من أن تبعث الحياة في جراثيم السرطان التكفيري ليمارس دوره القذر باعتباره الحل المذخور لمثل هذا اليوم.
ففي حكم الإمام علي (عليه السلام) و بجهود كبيرة من أساطين مدرسة بني أمية و سدنتها المنافقون تمّ إيجاد الحاضنة المناسبة لتفريخ من اطلق عليهم الخوارج الذين لم يألوا جهداً في مقارعة كلّ ما يمت إلى حكم علي و ولاية علي و منهج علي و أتباع علي.
و في حكم القائد الراحل آية الله العظمى مفجر الثورة الاسلامية الامام الخميني الكبير تمّ الايعاز لهذه الحاضنة أن تفرخ مجرمين عتاة جدد كابن لادن و أمثاله مجاميع تشربت نفوسهم بالضلال و الحقد على الاسلام و لكل ما يمتّ لمدرسة أهل البيت (عليه السلام) أو يتناغم معها من علماء و أتباع المذاهب الاسلامية الاخرى.. ليمارسوا دورهم الخبيث في خدمة أسيادهم حكام العالم الجدد. فهم بهذه أعطوا إلى دول الاستكبار العالمي فرصة لوضع استراتيجية جديدة توفر لهم الغطاء للتدخل بحجة حماية الشعوب الاسلامية من خطر الارهاب الذي هم حماته و داعموه.
ب- ثاني المنهجيات الخبيثة هو بروز ما يسمى بالتكفير السياسي الذي أصبح ملازماً للتكفير الديني و ظلاً له ولا ينفك عنه.
و من الواضح أنّ السياسة هي الأداة الفعّالة لحكم العالم، و لان مفهوم السياسة قد يعني الرعاية و الاصلاح و خدمة الشعوب، لذا فهي شعار مناسب جداً لأن يُرفع ليجد له مؤيدين و دعاة وروّاد.
و لأنّ التكفير أول ما يطال الحكام الذين (لم يحكموا بما انزل الله وفق شرعتهم المنحرفة) مهما كان أولئك الحكام، أمّا إذا كان أولئك الحکام ممن يتبعون مذهب أهل البيت فهذه هي الطامّة الكبرى و هذه ستكون حجّة دامغة عليهم أن يدفعوا الثمن غالياً و إلاّ فآليات التكفير يجب أن تلعب دورها القبيح ضدّهم و مشكلة هذه المنهجية، إنها فعّالة و مؤثرة لأنها، و من الممكن جداً، أن تجد لها حضناً مناسباً متمثلاً بمن يقارع الحكم أولاً، وبمن يتناغم (طائفياً) مع أولئك التكفيرين ثانياً و بمن له راية معينة يتحين الفرص لرفعها ثالثاً.
إنّ خطورة هذه الاستراتيجية إنها تستعمل للكيل بموازين عدة حسبما تتطلبه مراحل سيطرتهم و فرض أجندتها الخبيثة.
ج- المنهجية الثالثة هي تدمير كل ما من شانه إرساء ثوابت الاسلام الحق ليصبح مناراً للعالم بأسره، و ليصرف العالم نظره إلى الممارسات الجديدة التي تلصق بالاسلام و هي غريبة عنه و دخيلة عليه بدءاً من حقوق الانسان التي أولاها الاسلام لا بل كلّ الشرائع الالهية عنايةً خاصة و انتهاءاً بتخريب الحضارات التي أثارت إعجاب العالم بأسره، و وصل الحال إلى تدمير السلوك الاسلامي السامي كالصدق و الأمانة و الإيثار و رعاية حقوق الانسان و استبدلوا هذه المكارم النبيلة باظهار القسوة و الغلظة ليحولوا الانظار إلى شكليات متحجرة من السلوك، فكلّ من يحلق راسه أو ذقنه يجلد، وكلُّ من يتعاطى السكائر يجلد، و كلّ من ينظر إلى التلفاز يجلد، وكلُّ من تسفر عن وجهها تقتل، وكلُّ من يصنع منتوجات جديدة لم تكن مألوفة في العصور السابقة يحاكم، و الشواهد کثيرة.
و لا يعرف العالم كله ما هو الموجود في قواميس التكفيريين، و الذي يحفظ كرامة الانسان و حقوقه غير الاكراه أو إقامة الحد بالقتل أو الذبح أو الجلد بغير ما أنزل الله.
د- تدمير كلّ ما من شأنه أن يسهم في بناء و إعمار و إشادة صروح المدنية و الحضارة سواءاً في الجانب الزراعي، أو الصناعي أو التجاري أو الخدمي أو الاعلامي، و يصعب على الانسان أن يعرف فيما إذا كان في قاموس التكفير مصطلح اسمه الدولة العصرية، أو الدولة الصناعية، أو الدبلوماسية الحرة، أو اتفاقات المصالح المتبادلة. أو برامج الاعمار و التمدن و الحضارة.
هـ - تدمير العلاقات الدولية، علاقات الدول بعضها مع بعض، إذ كيف يستطيع التكفيري أن يبني علاقات دولية أو إقليمية و ماذا يعني لديه دول الجوار.
و السؤال هنا هل يستطيع هذا العالم الكبير الذي صيرّته التكنولوجيا الحديثة قرية صغيرة أن يعيش آمناً و سعيداً، و أن يسمح بدخول قريته هذه من يفتعل الأزمات و لا يحمل في أجندات حکمه غير الذبح و التدمير و التحجر؟
ثم: هل يوجد في مسار التاريخ الطوايل حکم هيمن علي مقاليد سلطته التکفيريون يصلح أن يكون تجربة يمكن الاستهداء بها لبناء دولة الانسان الحر الكريم ؟ قد يُدّعى هناك دولة واحدة لا أكثر يمكن أن يشار إليها على أنها (دولة تكفيرية) يحكمها الوهابيون و لكن هل يرتضي التكفيريون هذه التجربة...؟ و هل فعلاً أنّها دولة تكفيرية!!
الدولة التكفيرية و الفساد في الارض
لا دولة للتكفير، فدولة التكفير هي منظمة هلامية لا يحدها شكل معين محدد و لا تتحدد بجغرافيا معلومة الحدود و الابعاد، لها جهاز إداري مركزي واحد موزع الصلاحيات، و ليس لها جيش معين واحد، إنما هي مجموعة منظمات كلُّ في جغرافية مفتوحة.
مملكة التكفير، كملكة دابة الارض (الأرضة) ، حينما تستقر في مكانها ترسل عمالها- قادتها و جنودها - إلى مناطق أخرى عبر أنفاق مظلمة غير مرئية لتمارس أعمالها الاجرامية لتوسيع رقعتها الجغرافية لتحكم سيطرتها عليها تمهيداً لاقامة دولتها المنشودة، سلاحها القتل و الذبح و التدمير لكل من لا يؤمن بأفكارها بلا تمييز، بدون أيّ وازع ديني، أو أخلاقي، أو إنساني، و اللذة الكبيرة بالقتل و الذبح، و الفرح بالتهجير و هتك الاعراض و السعادة الغامرة ببكاء الاطفال و السرور الكبير بصرخات الامهات الثكلى و الارامل و البهجة العارمة بجيوش الايتام.
هذه اللذّة، و هذا الفرح و السعادة و السرور والبهجة تتضاعف بمتوالية هندسية كلما زاد عدد الضحايا من کلّ صنف.
الوهابية و التكفير و جهان لعملة واحدة
الوهابية: مصطلح اطلق على حركة اسلامية سياسية ظهرت في منطقة نجد وسط الجزيرة العربية عام 1745 م و هي تنسب الي محمد بن عبدالوهاب بن سليمان النجدي 1111 هـ - 1206 هـ (ولد محمد بن عبدالوهاب النجدي سنة 1704 م من عائلة دينية، كان والده قاضيا شرعيا، رحل في شبابه الى البصرة ثم بغداد فکردستان و همدان و قضي سبع سنوات في اصفهان في حکم نادر شاه و عاش في مدن ايرانية و قم و قضي ستة اشهر في حلب و سنة في دمشق و بعض الوقت في القاهرة ثم عاد الى نجد سنة 1737 م . يذكر من يؤرخ له انه كان يغير اسمه طوال الوقت , ففي البصرة اسمه عبدالله، و في بغداد احمد، و في کردستان محمد، و في همدان کان اسمه يوسف. توفي عام 1792 م، و کان له عشرون زوجة انجب منهن ثمانية عشر ولدا )
 و الذي كان مولعاً بمطالعة أخبار مدعي النبوة كمسيلمة الكذاب و سجاح و الاسود العنسي و طليحة الاسدي، و ظهر منه أيام دراسته زيغ و انحراف کبير و ذلک في سنة 1143 ه- حين کان عمره 32 سنه حيث أظهر الدعوة في مذهبه الجديد فوقف في وجهه أبوه و مشايخه و أبطلوا أقواله ففرّ إلى العينين و ضاق أهلها به ذرعاً فطردوه فذهب إلى الدرعية شرقي نجد (و هذه هي بلاد مسيلمة الکذاب التي انطلقت منها أحزاب الردّة) فراجت أقواله.
و الوهابيون هم اتباع محمد بن عبد الوهاب الذي بنى منهجه (الاصلاحي كما كان يدعي) علي اربع مبادي:
1- تکفير کلّ المسلمين ممن لا يقول بمقالته و مجاهدته و قتله و هو في موقفه هذا يتشبه فرقة الازارقة من الخوارج الذين يكفّرون و يفتون بقتل كلّ من لا يتبنى موقفهم هذا.
2- تفسير نشأة التشيع اعتماداً على الاسطورة السبأية التي نقلها سيف بن عمر والتي تقول أنّ أحد اليهود اليمانيون و اسمه عبد الله بن سبأ، أسلم زمن عثمان و نشر عقيدة الوصية لعلي، و الطعن بالخلفاء بأنهم اغتصبوا حقه، و أنتهم دعوا الحسين لينصروه فقتلوه ثم بكوا عليه، و شرّعوا عقيدة البكاء عليه ليتوارثها الشيعة بعدها.
3- الولاء لبني أُمية واعتبارهم الوريث الشرعي لهم.
4- العودة إلى الينابيع الاولى للاسلام و محاربة البدع و أبرزها بزعمهم بناء قبور الصالحين، و زيارتها و طلب الشفاعة ببرکة راقديها.
اتبع محمد بن عبد الوهاب منهج ابن تيمية و خاصة كتابه (منهاج السنة النبوية ) بتمحّل تأويلات اجتهد بها لنفسه، وبدأ يسعى لبثّ أفكاره في هذه المنطقة بإقناع القبائل العربية بأفكاره و قد تزامن ظهوره هذا في هذه المنطقة مع بروز حاكم المنطقة (الدرعية) محمد بن سعود و الذي كان يسعى لبسط نفوذه على هذه المنطقة و كان يريد أن يضفي جانب الشرعية على حكمه هذا فوجد في محمد بن عبد الوهاب ضالته المنشودة وسعى للتحالف معه لنشر الدعوة الوهابية السلفية وفقاً لمنهج تأويلاته لمقولات بن تيمية، فكان لدعوتهما هذه جناحين الاول الجناح السياسي ممثلاً بحاكم الدرعية محمد بن سعود و الآخر هو و الجناح الديني ممثلاً بمحمد بن عبد الوهاب.
لقد قامت الدولة السعودية الأولى على أساس التحالف التاريخي بين الشيخ و الأمير، (محمد بن عبدالوهاب و محمد بن سعود) و اتُفق علي هذا التحالف في اللقاء الذي جمع الرجلين في الدرعية، و يروي عثمان بن بشر أحد أهم مؤرخي الدولة السعودية الأولى و تطور الدعوة الوهابية إلى جانب حسين بن غنام في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، أن الأمير محمد بن سعود قال للشيخ: «أبشر ببلادٍ، خير من بلادك و بالعز و النعمة. فقال له الشيخ:
و أنا أبشرك بالعز و التمكين و النصر المبين، و هذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلهم، فمن تمسك بها و عمل بها و نصرها، ملك بها البلاد و العباد و أنت ترى نجداً كلها وأقطارها أطبقت على الشرك و الجهل و الفرقة و القتال لبعضهم البعض، فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون و ذريتك من بعدك.
يشير هذا الحوار إلى المزاوجة بين الدعوة و الدولة، إذ يتحدث ابن عبدالوهاب عن النصر و مُلك البلاد و الإمامة، وهو يتأمل أن يجد دولة تنصر الدعوة، أي أنه لا يكتفي بالدعوة إلى إصلاح الدين كما يرى، بل يعمل لإيجاد كيان سياسى يحمل طابعاً رسالياً، ويعنى هذا أنه لابد من إقامة الدعوة بقوة الدولة، و أن انتصار الدعوة لا يكون بغير دولة تنصرها. (7)
و لأن سبيل الوصول إلى نشر هذه الدعوة هو فرض السيطرة للوصول للسلطه بدعوى ولاية الأمر وفقاً لمنهج ابن تيمية الذي تبناه محمد بن عبد الوهاب فقد أصدر فتاوى تنص على تكفير المسلمين الذين يخالفون آراءه و لا يعتنقونها و التي تنّص أحدها على أن (من ولي الخلافة و اجتمع عليه الناس و رضوا به و غلبهم بسيفه حتى صار خليفة، وجبت طاعته و حرم الخروج عليه) .
فقام بعدها بشن غارات (غزوات) على خصومه صادر فيها أموالهم و قتل العديد منهم معتبراً أنهم خصومه و أن أموالهم هي غنائم حرب.
و قد اعتبرت الخلافة العثمانية هذا السلوك المشين خروجاً عن طاعتها فى حين اعتبرها محمد بن عبد الوهاب بأنتها السبيل لاقامة دولة التوحيد و نشر العقيدة السليمة و تطهير الامة الاسلامية من الشرک و المشرکين، و بهذا انتهج نفس طريق الخوارج الذين خرجوا عن طاعة ولي الله الامام علي (عليه السلام) في حكمه- مع الفارق الكبير- و بعد واقعة صفين شنوا الغارات و نهبوا الاموال.
و بهذا فقد أصبحت الوهابية حركة سياسية متطرفة بدأت مشوارها في منطقة الدرعية وسط شبه الجزيرة العربية عام 1747 م.
نشأة الوهابية و الحكم السعودي و دور الإنجليز في ظهورهما عاملان أساسيان فتحا شهية بريطاليا العظمى على توطيد أواصر علاقتها مع محمد بن سعود، ثم ابنه عبد العزيز اللذان يمثلان الزعامة السياسة و محمد بن عبد الوهاب الذي يمثل الزعامة الدينية.
هذان العاملان هما :
1. العامل الديني، الاسلامي المذهبي الذي كانت تمتلكه الخلافة العثمانية في القرنين الثامن و التاسع عشر، و الذي كانت الهوية الاسلامية هي السمة الظاهرية له، و قد أحست بريطانيا العظمى بأنّ هذه السمة (المذهبية) - و إن غلب عليها الاستبداد و الجهل- إلاّ أنها تشكل خطراً على طموحاتها و أحلامها سيّما و إنّها تراهن على معطيات الثورة الصناعية التي فجّرت أحلام بريطانيا في أن تكون الدولة الاولى في العالم، و أن أحلاماً كهذه لابد و أن تتعارض مع ما يحمله الاسلام من هوية متجذرة في عقول و قلوب المسلمين. لذا لابد من ايجاد دولة قوية تمثل دور الشرطي الذي يحقق طموحات امبراطورية الشر هذه فكان مسقط نظرها على محمد بن سعود هذا.
2. العامل الثاني هو العامل الاقتصادي المتمثل بكون شبه الجزيرة العربية تمتلك الخزين الهائل من النفط و هو أكبر مصدر للطاقة يمكن أن يمدّ بريطانيا العظمى بما تريد و يحقق لها الكفاية (ضمان الاكتفاء) .
بتاثير العاملين المذکورين، سعت بريطانيا لدقّ أسفين داخل الدولة الاسلامية بايجاد نظام يخضع لهمجيتها و سطوتها ليكون أداة طيّعة بيدها يحقق ما تريده فاختارت محمد بن سعود المدعوم بمحمد بن عبد الوهاب فأمدته بالمال و السلاح و زّينت له الاستيلاء على أكبر بقعة جغرافية من الاراضي الخاضعة لسلطان الخلافة العثمانية و مكّنته من اظهار العداء لهذه الخلافة و رفع السيف بوجهها و مقاتلتها و التوسع جنوباً إلى الكويت سنة 1788م و احتلالها ثم حاصروا بغداد و توجهوا جنوباً لغرض الاستيلاء على كربلاء المقدسة بهدف هدم مرقد الامام الحسين (عليه السلام) في آذار 1802 م - الي 20 نيسان 1802 م المصادف 18ذي الحجة 1216هـ (يوم الغدير) حيث توجه 12000 جندي وهابي و بعد حصار لم يدم طويلاً فُتحت المدينة و استباح الوهابيون المدينة بالقتل و النهب و شمل القتل جميع الاعمار حتى الاطفال و النساء و الشيوخ و هُدم قبر الحسين (عليه السلام) و سُلبت الجواهر و الذهب و الثروات التي لا تعد و لا تحصى و ربما لا يوجد لها مثيل حتى في كنوز الشاه الفارسي و قد تقاسم الغزاة هذه الاموال و حملوها، وكان عدد القتلى أكثر من 8000 شخص و نقل الوهابيون ما نهبوه علي اکثر من 4000 جمل (8)
 ثم شنو هجوماً علي مکة عام 1803م و احتلوها و سقطت المدينة المنورة بأيديهم عام 1804م فهدموا القباب الضخمة التي تظلل قبر الرسول الاكرم (صلي الله عليه و آله و سلم) ثم اتجهوا الى الشام و هاجموا مدينة دمشق سنة 1810م كما و هاجموا النجف الاشرف و لم يفلحوا في السيطرة عليها، هذه الحملة الوهابية الكبيرة لم تكن لتحقق قدرتها و سلطانها لو لا الدعم الهائل من بريطانيا بالمال و السلاح، و أصبح من الواضح جداً ارتباط محمد بن سعود و صاحبه الامام محمد بن عبد الوهاب بالانكليز و إن كان الثاني يعمل في ظل الاول حيث لم يكن لمحمد عبد الوهاب علاقة مباشرة بالانكليز و قد استغلت بريطانيا الفكر التكفيري لمحمد بن عبد الوهاب و العداء لكل المذاهب الاسلامية في تحقيق مرادها هذا.
الدور البريطاني في انشاء الحكم الوهابي
كانت إنجلترا قد حاولت عن طريق عبد العزيز بن محمد بن سُعود ضرب الخلافة العثمانية من الداخل، و قد وجد للوهابيين كيان داخل دولة الخلافة الإسلامية بزعامة محمد بن سعود، ثم ابنه عبد العزيز، فأمدَّتهم إنجلترا بالسلاح و المال، و اندفعوا على أساس النهج الوهابي المتطرف للاستيلاء على البلاد الإسلامية الخاضعة لسلطان الخلافة العثمانية، أي رفعوا السيف في وجه الخليفة العثماني، و قاتلوا الجيش الإسلامي العثماني بتحريض من الإنجليز و إمداد منهم. وذلك لأخذ البلاد من الخليفة العثماني و حكمها حسب منهجهم المتطرف، و إزالة ما أحدثته المذاهب الإسلامية الأخرى بالقوة وحدِّ السيف و كان معروفاً أنّ هذه الحملة الوهابية عمل إنجليزي، لأن آل سعود تحت نفوذ الإنجليز، و قد استغلوا الوهابية المتطرفة معتبرين أن محمد بن عبد الوهاب مجتهد من المجتهدين استُغلّ في أعمال سياسية لضرب الخلافة العثمانية، و الاصطدام مع المذاهب الاخري.
 لإثارة حروب مذهبية داخل الدولة العثمانية، دون أن يدرك ذلك أتباع الوهابية، و لکن عن إدراک و وهي من الأمير السعودي و آل سعود و ذلک أن محمد بن عبد الوهاب الذي کان حنبلي المذهب قد اجتهد في بعض المسائل، و رأى أنّ ما عليه المسلمون من أصحاب المذاهب الأخرى يخالف رأيه في هذه المسائل. فأخذ يدعو لآرائه و يعمل لها، و يهاجم الآراء الإسلامية الأخرى بعنف. فَجُوبهَ بالمعارضة و الصدّ من العلماء و الأمراء و وجوه الناس، باعتبار آرائه تخالف ما فهموه من الكتاب و السنة. فمثلاً هو يقول: إن زيارة قبر الرسول الأعظم محمد (صلي الله عليه و آله و سلم) حرام و هي معصية من المعاصي، حتى إنّ من يذهب لزيارة قبر الرسول لا يجوز له أن يقصر الصلاة في سفره لأنه مسافر في معصية و هذا خلاف ما اجمعت عليه المذاهب الاسلامية.
كما لا يخفى إن الجزيرة العربية تمتلك خزيناً هائلاً من النفط، وأنّ هذا يعتبر من أول مصادر الطاقة التي يحتاج إليها الغرب ليواكب مسيرة الثروه الصناعية التي بدأت في أقطار العالم، لذا فقد بدأت بلدان العالم الاوربي المتحضر البحث عن مصادر الطاقة التي يدير لها عجلتها الاقتصادية و قد لفت أنظار دول الاستعمار الكبرى ما تتميز به الجزيرة من امكانات هائلة في توفر الخزين المضخم من هذه المصادر لذا فقد بادرت وزارة المستعمرات البريطانية لمدّ اخطبوطها القذر باحتواء الجناحين السياسي بزعامة محمد بن سعود و الديني بزعامة محمد بن عبد الوهاب و دعمهما و تمكينهما من نشر دعوتهما في ربوع شبه الجزيرة العربية و فرض سلطتها على أكبر مساحة جغرافية لتكون المصدر المموّن للطاقة لبريطانيا العظمى و بأسهل الطرق، فكانت هذه الخطوة كافية لتنبيه الدول الكبرى سيّما الصناعية منها لأن ترسم استراتيجيتها على الأمد البعيد و توجد لها موطئ قدم يمكّنها من الحصول على أكبر حصّة من مصدر الطاقة هذا.
هل الوهابية مذهب كباقي المذاهب؟  
لم تكن الوهابية مذهباً اسلامياً مستقلاً كباقي المذاهب إنّما هي اتجاه متطرف داخل المذهب الحنبلي.. فقد اخذت الوهابية عقائدها من قسمين قامت بابتداعها:
الاول- مما ورد في الكتاب و السنه فزعموا أنهم يأخذونه مباشره منهما دون الرجوع إلى اجتهاد المجتهدين في معناهما سواء كانوا من الصحابة أو التابعين أو غيرهم من أئمة الاجتهاد.
الثاني- فيما لم يرد نص فيه و زعموا أنهم يرجعون فيه إلى فقه الامام أحمد بن حنبل و ابن تيمية. ولكنهم اخفقوا في القسمين معاً لانهم جمدوا على معان فهموها هم من ظواهر بعض النصوص فخالفوا الاصول و الاجماع و من هنا وصفهم الشيخ محمد عبده بأنهم أضيقُ أُفقاً وأحرج صدراً من المقلدين، فهم يتفيدون بظاهر اللفظ الوارد دون الالتفات الى ما تقتضيه الاصول التي قام عليها الدين، كما خالفوا الامام أحمد بن حنبل صراحة في تكفير من خالفهم من المسلمين في حين لم يجدوا في فتاوي الامام ما يشهد لعقيدتهم هذه بل بالعکس کانت سيرته و فتاواه كلها بخلاف ذلك، فابن حنبل لايكفر أحداً من أهل القبله بذنب كبير أو صغير إلأ بترك الصلاة.
فضلاً من أنهم لم يجدوا عند ابن تيمية. مايشهد لعقيدتهم من تكفير مخالفيه في مسائل الآراء و الاجتهادات و حلية قتال أهل الفرقة و الاختلاف.
كما و توجد هناك مسائل خلافية كثيرة يختلف فيها الوهابية عن الحنابلة يمكن مراجعتها في مضانها.
أنّ التطرف الذي يتبناه الفكر الوهابي يجعل من الصعوبة أن يتعامل مع أيّ من المذاهب الاسلامية الاخرى بشكل يحقق الوحدة الاسلامية أو التعايش معهم، بل وصل هم الامر إلي أنهم حکموا بالشرک و هدر الدماء و الاموال حتي علي الامام أحمد بن حنبل و من عاصره و من کان قبلهم من السلف الذين كانوا يجوزون زيارة المشاهد الدينية أو طلب الشفاعة من النبي الاكرم (صلي الله عليه و آله و سلم) و حكموا على جلّ الصحابة بالكفر و الشرك, وأما زعمهم أنهم يعظمون الصحابة و يجلونهم فانهم يريدون بذلك إغواء البسطاء و تضليل سواد المسلمين.

المصادر :
1-    ابن منظور، لسان العرب، ج15، 133.
2-    الاسلام بين الاصالة و التغريب، الناشر مجمع الثقلين العلمي، ط2، 1420ق، الفصل الثالث، ص149.
3-    العروة الوثقى، مسائل التقليد، المسالة 67 .
4-    العروة الوثقى، مسائل التقليد، المسالة 6؛ منهاج الصالحين، المسالة 1.
5-    أحمد محمد بوقرين، كتاب التكفير، مفهومه و اخطاره و ضوابطه، ص 13.
6-    معتزلي، شرح نهج البلاغه، ج2، ص310.
7-    بدر الابراهيم، داعش و الوهابية و التكفير؟ الاختلاف و التشابه، ص 5.
8-    سلمان هادي آل طعمة، کربلاء في الذاکرة بغداد، 1988.

 

 

 

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.