
إنّ كلّ معرفة لها مصادرات ، وهي ما نصطلح عليه في علم الاُصول بـ ( الاُصول الموضوعيّة ) . وهذه الاُصول الموضوعيّة تؤخذ في البحوث أخذ المسلّمات ولا يقام عليها برهان ، وهي تسمّى في العرف الحديث بـ ( المصادرات ) .
وهذه المصادرات على قسمين : فمنها ما تشترك فيه جميع حقول المعرفة البشريّة - من قبيل الأوّليّات - ، ومنها ما يختصُّ ببعض الفروع دون البعض الآخر .
ولنأخذ مثالاً على ذلك من علم الهندسة : فإقليدس اعتبر أنّ هناك مجموعة من القواعد مسلّمة الصحّة ولم يقم عليها برهاناً ، بل ادّعى أ نّها بديهيّة وبنى عليها المعارف الهندسيّة الاُخرى ، من قبيل قوله : « إنّ الخطّ المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين »(1) ، حيث فرغ عن صحّتها وبنى عليها مسائل هندسيّة اُخرى .
ونذكر مثالاً آخر من علم الحساب : فقولهم : « إنّ مساوي المساوي مساوٍ لما يساويه ذلك المساوي » عبارة عن مصادرة اعتبروها من مبادئ علم الحساب الأوّليّة التي لا يقام عليها برهان ، وبنوا عليها مسائل حسابيّة اُخرى .
وهنا نأتي إلى تحديد مصادرات المنطق الذاتي التي لا يكون مطالباً بالبرهنة عليها ، وهي عبارة عن ثلاث مصادرات ، نتناولها في الأبحاث التالية :
1 - المصادرة الاُولى:حصول العلم بوصفه أمراً مفروغاً عنه:
المصادرة الاُولى من مصادرات المنطق الذاتي هي حصول العلم والجزم لدى الإنسان ، بمعنى أنّ المنطق الذاتي يأخذ حصول العلم لدى الإنسان أمراً مفروغاً عنه ولا يسعى للبرهنة عليه وإيجاده عند من لم يحصل لديه . فعند اقتران زوال الصداع بتناول الأسبرين لمرّات عديدة ، يحصل العلم لدى الإنسان بأنّ تناول الأسبرين علّة لزوال الصداع ، وليس من وظيفة المنطق الذاتي البرهنة على حصول هذا العلم أو إيجاده لدى الإنسان ، وإنّما يتعامل معه بوصفه أمراً مفروغاً عنه ، ثمّ تبدأ وظيفته من حيث يحصل العلم المذكور ليفلسف الموضوع ويقدّم تفسيراً لحصوله .
ثمّ إنّ المنطق الذاتي عندما يتحدّث عن العلم لا يقصد به اليقين بالمصطلح المنطقي ، وهو الموصوف هناك بأ نّه « مضمون الحقّانيّة » ، وإنّما يتحدّث عن العلم بمعناه اللغوي ، وهو الجزم الذي لا لبس فيه ولا شكّ(2) .
فالإنسان عندما يضع الماء على النار ، لا يحتمل أنّ الماء سيبقى على حاله من عدم الغليان حتّى لو طال بقاؤه على النار ، بل يجزم بأ نّه سوف يغلي . وجزمه بغليان الماء يستوي مع جزمه بسائر المحسوسات ، من قبيل جزمه بالنار مثلاً .
إذن : حصول العلم - بمعنى الجزم لا بمعنى اليقين المنطقي - يؤخذ في بحثنا بوصفه أصلاً موضوعيّاً . ولذلك ، لو أتانا من ينكر حصول الجزم لديه بأنّ النار علّة لغليان الماء ، مدّعياً أنّ ذلك مردّه إلى الصدفة ، فعندها لا يمكن للمنطق الذاتي أن يقدّم له شيئاً أو يزيل هذا الشكّ من نفسه . إلّاأ نّنا مع ذلك نعتقد بأنّ الشكّ في هذه الاُمور لا يحصل لدى الناس ، وإنّما كثيرٌ منهم اصطنعوه .
وعلى أيّة حال ، فالواجب علينا أن ننظر في مدى تقبّل الناس لهذه المصادرة ،
أي في مدى تقبّلهم لفكرة أنّ التجربة يمكن أن تفيدنا بأنّ ( أ) علّة لـ ( ب ) .
ونحن نجد أنّ هذا الأمر متسالمٌ عليه في بلادنا وفي ثقافتنا ، كما نجد أنّ الفلاسفة العقليّين التابعين لأرسطو تلقّوا هذا الأمر على نحو القبول ، حيث قالوا : إنّ التجربيّات قضايا جزميّة لا مجال للشكّ فيها ، وعدّوها ضمن اليقينيّات .
وفي مقابل هذا التيّار ظهر تيّارٌ قويٌّ لا يستهان به في أوساط الفلاسفة التجريبيّين الذين آمنوا بالتجربة واعتبروها مصدر المعرفة البشريّة ، وهذا التيّار أنكر فكرة العلّيّة والسببيّة ، وقصر اعترافه بحصول الجزم على مجال التجربة الحسّيّة المباشرة فحسب ، وما يقع في حدود الحسّ المباشر هو نفس النار لا علّيّتها للإحراق .
ومن هنا نجد أنّ جماعةً من التجريبيّين ذهبوا إلى أنّ المعارف الحاصلة من التجربة عبارة عن قوانين ثابتة على نحو الاحتمال لا على نحو الجزم . وإذا ضممنا إلى هذا الاعتقاد اعتقادهم بأنّ جميع المعارف البشريّة قائمة على أساس التجربة ، خرجنا بنتيجة ، وهي أنّ كلّ معارفنا عرضة للشكّ ، حتّى المعارف الرياضيّة من قبيل أنّ « الواحد نصف الاثنين » الناتجة - عندهم - عن التجربة ، فحتّى هذه عرضة للشكّ ، شأنها في ذلك تماماً شأن القضيّة القائلة بأنّ « كلّ نار محرقة » .
والحقيقة أنّ المجال لا يسع للدخول في هذا البحث بشكل مفصّل لبيان مختلف الاتّجاهات الموجودة لدى تيّارات المنطق التجريبي ومدى اعتراف كلٍّ منها بالشكّ واليقين ، فإنّه بحثٌ مفصّل(3) ؛
غير أ نّنا نكتفي بالإشارة إلى مسألة ، وهي أ نّه من المحتمل - احتمالاً قويّاً - أن يكون عجز الفلاسفة التجريبيّين عن تفسير حصول العلم هو الذي يقف وراء إنكارهم له ، فكأ نّهم إثر عجزهم عن ذلك اُصيبوا ببلبلة في فكرهم ، فأدّت بهم إلى إنكار أصل حصول العلم .
وهذا الإنكار يمكن تفسيره على أساس ما ذكرناه ، وأنّ حالة الشكّ الحاصلة لديهم ناجمة عن انحراف في سير فكرهم ، فإنّهم من ناحية أنكروا وجود معارف عقليّة أوّليّة ، ومن ناحية اُخرى أرجعوا جميع المعارف إلى التجربة ، ومن ناحية ثالثة رأوا أنّ دائرة الكلّيّات أوسع من دائرة التجربة ، فما كان منهم إلّاأن أنكروا من رأس حصول العلم .
إذن : مسألة الإنكار لديهم لم تعد مشكلة منطقيّة بقدر ما تعبّر عن مشكلة نفسيّة عاشوها ، وإلّا فهل يشكُّ أحدٌ حقيقةً في أنّ عنق الإنسان إذا حزّت فإنّه يموت ؟ ! أو في أنّ من يدخل النار يحترق ؟ !
وهنا يأتي دور المنطق الذاتي ليعالج المشكلة النفسيّة التي عاشها هذا الاتّجاه من التجريبيّين . ولو استطاع هذا المنطق أن يقدّم تفسيراً معقولاً يقبله هؤلاء حول كيفيّة حصول العلم من خلال التجربة ، فإنّ هذا سيعيد بصيص الأمل في رجوعهم إلى حظيرة اليقين .
2 - المصادرة الثانية:عدم كون العلم الحاصل وهما:
بعد افتراض حصول العلم بأنّ ( أ ) علّة لـ ( ب ) ، يأتي دور الحديث عن المصادرة الثانية من مصادرات المنطق الذاتي . وحاصل هذه المصادرة هو الاعتراف بأنّ هذا الجزم الحاصل ليس مجرّد وهم يعيشه الإنسان نتيجةً لغفلته عن برهان عقلي ، وإنّما هو بالفعل ناتج عن قوّة العقل .
وتوضيح ذلك : أنّ الفلاسفة العقليّين ذكروا أنّ لدى الإنسان - إلى جانب مَلَكة العقل - ملكةً اُخرى يطلقون عليها : ( ملكة الوهم ) ، وهذه الملكة تدعو الإنسان إلى الاعتقاد بجملة من الاُمور اعتقاداً أوّليّاً ، بمعنى أ نّها تنتج اعتقاداتها مباشرةً وابتداءً ، دون أن تفترض اعتقادات سابقة عليها كانت سبباً في حصولها .
وكثيراً ما يخيّل للإنسان الذي لم يمارس صناعة البرهان أنّ معطيات الوهم عبارة عن معطيّات العقل الأوّل ، وأ نّها معارف عقليّة أوّليّة لا كلام فيها . ويبقى الحال على ما هو عليه إلى أن يأتي دور العقل في ممارسة ما يشبه الحيلة ، ليفسد بذلك على الوهم ما هو فيه ، فيبدأ بترتيب المقدّمات ثمّ يصل منها إلى النتائج ، والوهم غافلٌ أثناء ذلك عمّا يدبّره له العقل . وتستمرّ عمليّة البرهان بين العقل الأوّل والثاني إلى أن يفضي الأمر إلى نتيجة تتصادم مع بعض معطيات الوهم الأوّليّة .
وهنا بالتحديد يستيقظ الإنسان من غفلته ، ويعي أنّ ما قدّمه له الوهم بصفته مبادئ عقليّة ومعارف أوّليّة لم يكن كذلك ، وإنّما كان مجرّد وهم ، وهو لا يستطيع البقاء على موقفه السابق من تلك المعارف ؛ لأنّ الفرض أنّ النتيجة التي توصّل إليها العقل وتصادمت مع هذه المعارف كانت نتيجة مبرهناً عليها وموضع قبول لديه ، وحيث إنّ العقل لا يكذّب نفسه ، فلا يبقى حينئذٍ شكٌّ في أنّ ما حسبه من المعارف العقليّة الأوّليّة لم يكن كذلك .
ومن باب المثال نقول : إنّ قوّة الوهم لا تتصوّر أن يكون العالم متناهياً ، بحيث يتاح للإنسان أن يصل إلى مكانٍ يمدّ يده خارجه فتقع خارج هذا العالم . ولذلك نجد أنّ هذه القوّة تقذف في نفس الإنسان وتنفث فيها بأنّ العالم غير متناهٍ .
هنا يأتي العقل - كما قلنا - ليحتال على الوهم ، فيبدأ بترتيب المقدّمات والوصول إلى النتائج ، إلى أن يقيم البراهين القاطعة على تناهي الكمّيّات المتّصلة . وخلال هذه العمليّة تكون النفس بصدد مواكبة ما يجري والمصادقة عليه حتّى تصادق على النتيجة ، بينما تصادق قوّة الوهم على المقدّمات وترفض الإذعان للنتيجة . وهنا يظهر للنفس أنّ ما تلقّته بوصفه من مدركات العقل الأوّل لم يكن سوى مجرّد وهم .
ومع تكرّر هذه العمليّة واُنس النفس بالبرهان ، تزداد قوّتها على التمييز بين مدركات العقل الأوّل وبين مدركات الوهم ، حتّى اعتبر بعض فلاسفتنا أنّ علم المنطق هو صناعة يميّز بها بين مدركات العقل الأوّل وبين مدركات الوهم ، وأنّ الغرض من تأليف هذا العلم هو ترويض النفس على هذا التمييز(4) .
وفي ذيل الحديث عن قوّة الوهم لا بأس بالإشارة إلى أنّ السيطرة على هذه القوّة ليست بالعمليّة السهلة ، وهي مرتبطة بما يمنحه اللَّه تعالى للإنسان من قدرة على السيطرة عليها أكثر من ارتباطها بإقامة البرهان على كونها مجرّد وهم ؛ فإقامة البرهان العقلي على كون شيء وهماً لا يكفي على الإطلاق لاجتثاث جذور هذا الوهم من النفس .
ومن هنا نجد أنّ الإنسان الذي يعلم - بالوجدان أو البرهان - أنّ الموتى لا يمكن أن يرقصوا أمامه ، يخيّل له عندما يذهب إلى المقبرة أ نّهم يفعلون ذلك ، اللهمّ إلّاقوي الجنان ، وهذا معنى ما ذكرناه من أنّ العمليّة مرتبطة بما يمنحه اللَّه تعالى للإنسان .
ومن هذه المقدّمات نخرج بنتيجة ، وهي أ نّنا عندما نتحدّث عن المعرفة الوهميّة فإنّنا نقصد منها تلك المعرفة التي يحكم العقل الأوّل ببطلانها لدى إعمالنا الطريقة البرهانيّة في التفكير .
وهنا نعود إلى أصل المصادرة الثانية التي ذكرناها ، وهي أن لا يكون العلم بعلّيّة ( أ ) لـ ( ب ) الناتج عن تكرّر الاقتران علماً ولّدته قوّة الوهم ، بحيث يزول إذا لجأ العقل الأوّل إلى صناعته البرهانيّة ، بل أن يكون علماً يحصل لدى الإنسان فيما لو عُزل تماماً عن قوّة وهمه . ومن هنا تتحدّد وظيفة المنطق الذاتي بتفسير العلوم غير الناتجة عن الوهم .
وقبل الانتقال إلى الحديث عن المصادرة الثالثة ، يبقى أن نشير إلى موقف كلٍّ من المنطق العقلي والمنطق التجريبي من هذه المصادرة :
1 - أمّا المنطق العقلي فهو يصادق على ما قلناه ؛ لأنّه يعترف بأنّ العلم الحاصل هو عبارة عن معرفة عقليّة صحيحة وليس وهماً ، فلا يمكن أن تخالفه أحكام العقل الاُخرى ؛ لأنّ العقل لا يعارض نفسه .
2 - وأمّا التجريبيّون فهم على قسمين ، تبعاً لموقفهم من أصل حصول العلم :
أ - فمن أنكر منهم أصل وجود هذا العلم ، لم يعد من الممكن لديه الحديث حول منشئه ، وهل أ نّه من مدركات العقل أم مدركات الوهم .
ب - وأمّا بعض من يعترف منهم بحصول علمٍ من هذا القبيل ، فيفسّره بما يقرب من الوهم ؛ لأنّه في الحقيقة يفسّره على أساس العادة ، والعادة قريبة إلى الوهم (5) .
وعلى أيّة حال ، سيأتي التعرّض لهذا الموضوع في الأبحاث القادمة بإذن اللَّه تعالى مع بقيّة الإشكالات والتفاصيل .
3 - المصادرة الثالثة:الإيمان بالعقل الأوّل:
المصادرة الثالثة من مصادرات المنطق الذاتي عبارة عن فرض الإيمان بالعقل الأوّل ، على فروق سوف تظهر بين المعارف المولّدة بالمنطق الذاتي من حيث مساحة المبادئ العقليّة الأوّليّة التي تتطلّبها ؛ فبعضها يتوقّف على مبادئ أوّليّة أكثر ممّا يتوقّف عليه البعض الآخر : فكلّ تطبيقات المنطق الذاتي تتوقّف على مبدأ استحالة اجتماع المتناقضين ، وهو المبدأ الذي لا تتمّ بدونه معرفة على الإطلاق ، بينما يزيد بعضها في توقّفه كذلك على مبدأ العلّيّة الذي هو أيضاً من مكتشفات العقل الأوّل .
وحينما نشرح المنطق الذاتي وكيفيّة تفسيره للعلم التجريبي ، سوف تتّضح حينئذٍ الحاجة إلى فرض هذه المبادئ الأوّليّة ، التي هي عبارة عن مصادرة بالنسبة إلى المنطق الذاتي(6) .
تعميم حصول العلم على حدوث العالَم:
وفي هذا المقام يمكن أن نستفيد فائدة دينّية مهمة ، وذلك انطلاقاً من تفسير المنطق الذاتي لطريقة حصول العلم من خلال التجربة ؛ فإنّ المنطق الذاتي يفترض مبدأ العلّيّة في مرحلة متقدّمة على التجربة ، وهذا يعني أنّ مبدأ العلّيّة مبدأ عقلي وليس مبدأ تجريبيّاً ، وهذا يعني بدوره عدم إمكانيّة تفسير العلوم الطبيعيّة بمعزلٍ عن هذا المبدأ .
هنا نقول : إنّنا إذا تناولنا شخصاً يعتقد بحصول العلم من خلال التجربة وأنّ ما ينتج منها ليس وهماً ، ثمّ استطعنا أن نبيّن له أ نّه لا يمكن تفسير هذا العلم إلّا على أساس الاعتراف بمبدأ عقلي أوّلي سابق على التجربة هو مبدأ العلّيّة ، فإنّ ذلك سيكون من ناحيةٍ تأييداً للإلهيّين الذين يعتقدون بهذه الفكرة ، ومن ناحية اُخرى سيكون من الممكن تعميم هذا المبدأ إلى أصل العالم وإلى أصل الكون ، باعتباره قانوناً من قوانين العقل العامّة(7) .
وأمّا إذا فرضنا أنّ مبدأ العلّيّة مستفاد من التجربة ، فإنّ التعميم سيكون مرهوناً بمقدار ما تسمح به التجربة من التعميم .
مبادئ العقل الأوّل من وجهة نظر المنطق العقلي :
عندما نتحدّث عن العقل الأوّل ، فإنّنا نتّفق مع المنطق الأرسطي من بعض الجهات حول المراد منه ، ونختلف معه من جهات اُخرى :
أمّا المقدار الذي نتّفق فيه معه فهو أنّ العقل الأوّل عبارة عن المعلومات الثابتة في النفس دون برهان ، فلو كانت كلّ معرفة ثابتة ببرهان للزم التسلسل أو الدور كما يقولون ، فلا بدّ أخيراً من الانتهاء إلى معارف غير مكتسبة عن طريق البرهان ، ومن هنا اُطلق على هذا العقل اسم : ( العقل الأوّل ) .
إلى هنا نحن متّفقون مع المنطق العقلي في إطلاق ( العقل الأوّل ) علىالمعارف الأوّليّة التي لم تكتسب عن طريق البرهان . إلّاأنّ اختلافنا معه يكمن في تحديد أصناف العقل الأوّل وأنواعه . والمعروف عند المنطق العقلي أنّ معارف العقل الأوّل عبارة عن ستِّ معارف :
1 - الأوّليّات : وذلك من قبيل استحالة اجتماع النقيضين .
2 - المشاهدات : أو المحسوسات ، وهي عبارة عمّا يحكم بوجوده الإنسان عن طريق الحسّ في الخارج ، من قبيل الحسّ بوجه زيد في الخارج ، وهكذا ..
3 - التجربيّات : من قبيل حكم الإنسان على النار بأ نّها علّة للحرارة ، وذلك عن طريق وضع الورقة على النار مرّات كثيرة ، فيرى أ نّه متى ما وضعها على النار احترقت .
4 - المتواترات : وهي القضايا التي يقطع بها الإنسان عن طريق كثرة النقل الذي يصل حدّاً يمتنع معه تواطؤ الناقلين على الكذب ، من قبيل الإخبار عن وجود الكعبة .
5 - الفطريّات : وهي القضايا التي تكون قياساتها معها ، من قبيل أنّ الاثنين نصف الأربعة .
6 - الحدسيّات : وهي كالتجربيّات ، إلّاأنّ الفرق بينهما بحسب المنطق الأرسطي يكمن في أنّ الحدسيّات فيها حدسٌ قائم على أساس المشاهدة ، من قبيل أ نّه كلّما حلّ فصل الشتاء أصبح الجوّ بارداً ، حيث توجد مشاهدة صرفة ، بينما في التجربيّات لدينا ممارسة لعمل ، كوضع الورقة على النار لمرّات متعدّدة .
المصادر :
1- فلسفتنا : 163 ، نسبيّة ( كانت )
2- « العلم : اليقين الذي لا يدخله الاحتمال ، هذا هو الأصل فيه لغةً وشرعاً وعرفاً » ( مجمع البحرين : 120 )
3- الاُسس المنطقيّة للاستقراء : 550 وما بعد .
4- المباحثات : 347 ، كذا ورد النصّ ) .
5- يقصد الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم ( 1711 - 1776 م ) صاحب النزعة السيكولوجيّة في المذهب التجريبي /راجع الاُسس المنطقيّة للاستقراء : 117 - 125 ، والمصدر نفسه : 307 ، وراجع : ديفيد هيوم : 81 - 82 ، وقد سبقه إلى ما يقرب منه جابر بن حيّان ( ت 200 هـ 815 م ) ، فراجع : جابر بن حيّان : 66
6- وقد استثنى الشهيد الصدر قدس سره من مُثبَتات الدليل الاستقرائي مبدأ عدم التناقض وبديهيّات حساب الاحتمال ، فراجع : الاُسس المنطقيّة للاستقراء : 540
7- وهذا ما استهدفه الشهيد الصدر قدس سره من تأليف كتاب ( الاُسس المنطقيّة للاستقراء ) ، فراجع : المصدر السابق : 577 ، الكلمة الأخيرة