خروج علي عليه السلام من النخيلة

أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، قال : أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه في ربيع الآخر من سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، قال أبو يعلى أحمد
Wednesday, January 11, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
خروج علي عليه السلام من النخيلة
 خروج علي عليه السلام من النخيلة

 





 

بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، قال : أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه في ربيع الآخر من سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، قال أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر ، قال أبو الحسن محمد بن ثابت ابن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي ، قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة ، قال أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز قال أبو الفضل نصر بن مزاحم :
خروج علي عليه السلام من النخيلة
عمرو بن شمر ، وعمر بن سعد ، ومحمد بن عبد الله ، قال عمر : حدثني رجل من الأنصار عن الحارث بن كعب الوالبي ، عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود ، قال : لما أراد علي الشخوص من النخيلة قام في الناس لخمس مضين من شوال يوم الأربعاء فقال :
الحمد لله غير مفقود النعم (1) ولا مكافأ الإفضال ، وأشهد ألا إله إلا الله ونحن على ذلكم من الشاهدين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. أما بعد ذلكم فإني قد بعثت مقدماتي ، وأمرتهم بلزوم هذا الملطاط حتى يأتيهم أمري ، فقد أردت أن أقطع هذه النطفة إلى شرذمة منكم موطنين بأكناف دجلة، فأنهضهم معكم إلى أعداء الله ، إن شاء الله ، وقد أمرت على المصر عقبة بن عمرو الأنصاري ، ولم الكم (2) ولا نفسي. فإياكم والتخلف والتربص ؛ فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي ، وأمرته ألا يترك متخلفا إلا ألحقه بكم عاجلا إن شاء الله.
فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال : يا أمير المؤمنين ، والله لا يتخلف عنك إلا ظنين ، ولا يتربص بك إلا منافق. فأمر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق المتخلفين. قال علي : قد أمرته بأمرى ؛ وليس مقصرا في أمري إن شاء الله. وأراد قوم أن يتكلموا فدعا بدابته فجاءته ، فلما أراد أن يركب وضع رجله في الركاب وقال : « بسم الله ». فلما جلس على ظهرها قال : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون ). ثم قال : اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، والحيرة بعد اليقين ، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد. اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، ولا يجمعهما غيرك ، لأن المستخلف لا يكون مستصحبا ؛ والمستصحب لا يكون مستخلفا.
ثم خرج وخرج أمامه الحر بن سهم بن طريف الربعي ( ربيعة تميم ) وهو يقول :
يا فرسي سيري وأمي الشاما / وقطعي الحزون والأعلاما (3)
ونابذى من خالف الإماما / إنى لأرجو إن لقينا العاما
جمع بني أمية الطعاما / أن نقتل العاصي والهماما
وأن نزيل من رجال هاما
قال : وقال مالك بن حبيب ـ وهو على شرطة علي ـ وهو آخذ بعنان دابته عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين ، أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد والقتال وتخلفني في حشر الرجال؟ فقال له علي : إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئا إلا كنت شريكهم فيه ، وأنت هاهنا أعظم غناء منك عنهم لو كنت معهم. فقال : سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين. فخرج علي حتى إذا جاز حد الكوفة صلى ركعتين.
نصر : إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، أن عليا صلى بين القنطرة والجسر ركعتين.
نصر : عمرو بن خالد ، عن أبي الحسين زيد بن علي ، عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال. خرج علي وهو يريد صفين حتى إذا قطع النهر أمر مناديه فنادى بالصلاة. قال : فتقدم فصلى ركعتين ، حتى إذا قضى الصلاة أقبل علينا فقال :
يأيها الناس ، ألا من كان مشيعا أو مقيما فليتم الصلاة فإنا قوم على سفر ، ومن صحبنا فلا يصم المفروض. والصلاة [ المفروضة ] ركعتان.
قال : ثم رجع إلى حديث عمر بن سعد ، قال :
ثم خرج حتى أتى دير أبي موسى ، وهو من الكوفة على فرسخين ، فصلى بها العصر ، فلما انصرف من الصلاة قال : « سبحان ذي الطول والنعم ، سبحان ذي القدرة والإفضال. أسأل الله الرضا بقضائه ، والعمل بطاعته ، والإنابة إلى أمره ، فإنه سميع الدعاء ». ثم خرج حتى نزل على شاطئ نرس ، بين موضع حمام أبى بردة وحمام عمر ، فصلى بالناس المغرب فلما انصرف قال :
« الحمد لله الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، [ و ] الحمد لله كلما وقب ليل وغسق ، والحمد لله كلما لاح نجم وخفق ».
ثم أقام حتى صلى الغداة ، ثم شخص حتى بلغ قبة قبين ، [ و ] فيها نخل طوال إلى جانب البيعة من وراء النهر. فلما رآها قال : ( والنخل باسقات لها طلع نضيد ). ثم أقحم دابته النهر فعبر إلى تلك البيعة فنزلها فمكث بها قدر الغداة.
نصر : عمر ، عن رجل ـ يعني أبا مخنف (4) ـ عن عمه ابن مخنف (5) قال : إني لأنظر إلى أبي ، مخنف بن سليم (6) وهو يساير عليا ببابل ، وهو يقول. إن ببابل أرضا قد خسف بها ، فحرك دابتك لعلنا أن نصلى العصر خارجا منها. قال : فحرك دابته وحرك الناس دوابهم في أثره ، فلما جاز جسر الصراة نزل فصلى بالناس العصر.
نصر : عمر ، حدثني عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي ، عن أبيه
عن عبد خير (7) قال : كنت مع علي أسير في أرض بابل. قال : وحضرت الصلاة صلاة العصر. قال : فجعلنا لا نأتي مكانا إلا رأيناه أفيح من الآخر. قال : حتى أتينا على مكان أحسن ما رأينا ، وقد كادت الشمس أن تغيب. قال : فنزل علي ونزلت معه. قال : فدعا الله فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر. قال : فصلينا العصر ، ثم غابت الشمس ، ثم خرج حتى أتى دير كعب ، ثم خرج منها فبات بساباط ، فأتاه دهاقينها يعرضون عليه النزل والطعام ، فقال : لا ، ليس ذلك لنا عليكم. فلما أصبح وهو بمظلم ساباط قال : (أتبنون بكل ريع آية تعبثون ).
قال : وبلغ عمرو بن العاص مسيره فقال :
لا تحسبني يا علي غافلا / لأوردن الكوفة القنابلا
بجمعي العام وجمعي قابلا
فقال علي عليه السلام :
لأوردن العاصي بن العاصي / سبعين ألفا عاقدي النواصي
مستحقبين حلق الدلاص / قد جنبوا الخيل مع القلاص (8)
أسود غيل حين لا مناص (9)
قال : وكتب علي إلى معاوية :
أصبحت منى يا ابن حرب جاهلا / إن لم نرام منكم الكواهلا
بالحق والحق يزيل الباطلا / هذا لك العام وعام قابلا
قال : وبلغ أهل العراق مسير معاوية إلى صفين ونشطوا وجدوا ، غير أنه كان من الأشعث بن قيس شئ عند عزل علي إياه عن الرياسة ، وذلك أن رياسة كندة وربيعة كانت للأشعث ، فدعا علي حسان بن مخدوج ، فجعل له تلك الرياسة ، فتكلم في ذلك أناس من أهل اليمن ، منهم الأشتر ، وعدي الطائي ، وزحر بن قيس وهانئ بن عروة ، فقاموا إلى علي فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إن رياسة الأشعث لا تصلح إلا لمثله ، وما حسان بن مخدوج مثل الأشعث. فغضب ربيعة ، فقال حريث بن جابر : يا هؤلاء رجل برجل ، وليس بصاحبنا عجز في شرفه وموضعه ، ونجدته وبأسه ، ولسنا ندفع فضل صاحبكم وشرفه. فقال النجاشي في ذلك :
رضينا بما يرضى علي لنا به / وإن كان فيما يأت جدع المناخر
وصي رسول الله من دون أهله / ووارثه بعد العموم الأكابر
رضى بابن مخدوج فقلنا الرضا به / رضاك وحسان الرضا للعشائر
وللأشعث الكندي في الناس فضله / توارثه من كابر بعد كابر
متوج آباء كرام أعزة / إذ الملك في أولاد عمرو بن عامر
فلولا أمير المؤمنين وحقه / علينا لأشجينا حريث بن جابر
فلا تطلبنا يا حريث فإننا / لفومك؟؟ ردء في الأمور الغوامر
وما بابن مخدوج بن ذهل نقيصة / ولا قومنا في وائل بعوائر
وليس لنا إلا الرضا بابن حرة / أشم طويل الساعدين مهاجر
على أن في تلك النفوس حزازة / وصدعا يؤتيه أكف الجوابر
قال : وغضب رجال اليمنية ، فأتاهم سعيد بن قيس الهمداني فقال : ما رأيت قوما أبعد رأيا منكم ، أرأيتم إن عصيتم على علي هل لكم إلي عدوه وسيلة؟ وهل في معاوية عوض منه ، أو هل لكم بالشام من بدله بالعراق ، أو تجد ربيعة ناصرا من مضر؟ القول ما قال ، والرأي ما صنع.
قال : فتكلم حريث بن جابر فقال : يا هؤلاء ، لا تجزعوا ؛ فإنه إن كان الأشعث ملكا في الجاهلية وسيدا في الإسلام فإن صاحبنا أهل هذه الرياسة وما هو أفضل منها. فقال حسان للأشعث : لك راية كندة ، ولي راية ربيعة. فقال : معاذ الله ، لا يكون هذا أبدا ، ما كان لك فهو لي ، وما كان لي فهو لك.
وبلغ معاوية ما صنع بالأشعث فدعا مالك بن هبيرة فقال : اقذفوا إلى الأشعث شيئا تهيجونه على علي. فدعوا شاعرا لهم فقال هذه الأبيات ، فكتب بها مالك بن هبيرة إلى الأشعث ، وكان له صديقا ، وكان كنديا :
من كان في القوم مثلوجا بأسرته / فالله يعلم أني غير مثلوج
زالت عن الأشعث الكندي رياسته / واستجمع الأمر حسان بن مخدوج
يا للرجال لعار ليس يغسله / ماء الفرات وكرب غير مفروج
إن ترض كندة حسانا بصاحبها / يرض الدناة وما قحطان بالهوج
هذا لعمرك عار ليس ينكره / أهل العراق وعار غير ممزوج
كان ابن قيس هماما في أرومته / ضخما يبوء بملك غير مفلوج
ثم استقل بعار في ذوي يمن / والقوم أعداء ياجوج وماجوج
إن الذين تولوا بالعراق له /لا يستطيعون طرا ذبح فروج
ليست ربيعة أولى بالذي حذيت / من حق كندة ، حق غير محجوج
قال : فلما انتهى الشعر إلى أهل اليمن قال شريح بن هانئ : يا أهل اليمن ما يريد صاحبكم إلا أن يفرق بينكم وبين ربيعة. وإن حسان بن مخدوج مشى إلى الأشعث بن قيس برايته حتى ركزها في داره ، فقال الأشعث : إن هذه الراية عظمت على علي ، وهو والله أخف علي من زف النعام ، ومعاذ الله أن يغيرني ذلك لكم. قال : فعرض عليه علي بن أبي طالب أن يعيدها عليه فأبي وقال : يا أمير المؤمنين ، إن يكن أولها شرفا فإنه ليس آخرها بعار. فقال له علي : أنا أشركك فيه. فقال له الأشعث : ذلك إليك. فولاه على ميمنته ، وهي ميمنة أهل العراق.
وقال : وأخذ مالك بن حبيب رجلا وقد تخلف عن علي فضرب عنقه فبلغ ذلك قومه فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى مالك فنتسقطه لعله أن يقر لنا بقتله ؛ فإنه رجل أهوج. فجاءوا فقالوا : يا مالك ، قتلت الرجل؟ قال : أخبركم أن الناقة ترأم ولدها. اخرجوا عني قبحكم الله. أخبرتكم أني قتلته.
قال : حدثني مصعب بن سلام (10) ، قال أبو حيان التميمي ، عن أبي عبيدة ، عن هرثمة بن سليم قال : غزونا مع علي بن أبي طالب غزوة صفين ، فلما نزلنا بكربلا صلى بنا صلاة ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب. فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعلي ـ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجبك من صديقك أبي الحسن؟ لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمها وقال : واها لك يا تربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب وما علمه بالغيب؟ فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا. فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن علي وأصحابه ، قال : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزل الذي نزل بنا علي فيه والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري ، فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين ، فسلمت عليه ، وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل ، فقال الحسين : معنا أنت أو علينا؟ فقلت : يا ابن رسول الله. لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي أخاف عليهم من ابن زياد. فقال الحسين : فول هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فوالذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار. قال : فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله.
نصر : مصعب بن سلام قال : حدثنا الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبي جحيفة قال جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب. فسأله وأنا أسمع فقال : حديث حدثتنيه عن علي بن أبي طالب. قال : نعم ، بعثني مخنف بن سليم إلى علي. فأتيته بكربلاء : فوجدته يشير بيده ويقول : هاهنا هاهنا. فقال له رجل : وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال : ثقل لآل محمد ينزل هاهنا فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم. فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال : ويل لهم منكم : تقتلونهم ، وويل لكم منهم : يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.
وقد روى هذا الكلام على وجه آخر : أنه عليه‌السلام قال : فويل [ لكم منهم ، وويل ] لكم عليهم. قال الرجل : أما ويل لنا منهم فقد عرفت : وويل لنا عليهم ما هو؟ قال : ترونهم يقتلون ولا تستطيعون نصرهم.
نصر : سعيد بن حكيم العبسي : عن الحسن بن كثير عن أبيه : أن عليا أتى كربلاء فوقف بها ، فقيل يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء. قال : ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى مكان فقال : هاهنا موضع رحالهم ، ومناخ ركابهم وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال : هاهنا مهراق دمائهم.
ثم رجع إلى حديث عمر بن سعد ، قال : ثم مضى نحو ساباط حتى انتهى إلى مدينة بهر سير ، وإذا رجل من أصحابه يقال له حر بن سهم بن طريف من بني ربيعة بن مالك (11) ، ينظر إلى آثار كسرى ، وهو يتمثل قول ابن يعفر التميمي (12) :
جرت الرياح على مكان ديارهم / فكأنما كانوا على ميعاد
فقال علي : أفلا قلت : ( كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قوما آخرين. فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ). إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين ، إن هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية. إياكم وكفر النعم لا تحل بكم النقم. ثم قال : انزلوا بهذه النجوة.
نصر : عمر بن سعد ، حدثني مسلم الأعور ، عن حبة العرني ( رجل من عرينة ) قال : أمر علي بن أبي طالب الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن : من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر. فوافره في تلك الساعة ، فحمد الله وأثنى عليه وقال :
أما بعد فإني قد تعجبت من تخلفكم عن دعوتكم ، وانقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها ، والهالك أكثر سكانها لا معروفا تأمرون به ، ولا منكرا تنهون عنه. قالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا كنا ننتظر أمرك ورأيك ، مرنا بما أحببت. فسار وخلف عليهم عدي بن حاتم ، فأقام عليهم ثلاثا ثم خرج في ثمانمائة ، وخلف ابنه يزيد فلحقه في أربعمائة رجل منهم ، ثم لحق عليا ، وجاء علي حتى مر بالأنبار ، فاستقبله بنو خشنوشك دهاقنتها.
قال سليمان (هو أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي ) :
« خش : طيب. نوشك : راض. يعني بني الطيب الراضي ، بالفارسية ».
فلما استقبلوه نزلوا ثم جاءوا يشتدون معه قال : ما هذه الدواب التي معكم؟ وما أردتم بهذا الذي صنعتم؟ قالوا : أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء. وأما هذه البراذين فهدية لك. وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما ، وهيأنا لدوابكم علفا كثيرا. قال : أما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظمون به الأمراء فوالله ما ينفع هذا الأمراء ، وإنكم لتشقون به على أنفسكم وأبدانكم ، فلا تعودوا له. وأما دوابكم هذه فإن أحببتم أن نأخذها منكم فنحسبها من خراجكم أخذناها منكم. وأما طعامكم الذي صنعتم لنا فإنا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا إلا بثمن. قالوا : يا أمير المؤمنين ، نحن نقومه ثم نقبل ثمنه. قال : إذا لا تقومونه قيمته ، نحن نكتفي بما دونه. قالوا : يا أمير المؤمنين فإن لنا من العرب موالي ومعارف ، فتمنعنا أن نهدى لهم وتمنعهم أن يقبلوا منا؟ قال : كل العرب لكم موال ، وليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم. وإن غصبكم أحد فأعلمونا. قالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا. قال لهم : ويحكم ، نحن أغنى منكم. فتركهم ثم سار.
نصر : عبد العزيز بن سياه ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال أبو سعيد التيمي ، المعروف بعقيصا (13) ، قال : كنا مع علي في مسيره إلى الشام ، حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد ـ قال : ـ عطش الناس واحتاجوا إلى الماء ، فانطلق بنا على حي أتى بنا على صخرة ضرس من الأرض ، كأنها ربضة عنز ، فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا ماء ، فشرب الناس منه وارتووا. قال : ثم أمرنا فأكفأناها عليه. قال : وسار الناس حتى إذا مضينا قليلا قال علي : منكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه؟ قالوا : نعم يا أمير المؤمنين. قال : فانطلقوا إليه. قال : فانطلق منا رجال ركبانا ومشاة ، فاقتصصنا الطريق [ إليه ] حتى انتهينا إلي المكان الذي نرى أنه فيه. قال : فطلبناها فلم نقدر على شيء ، حثى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منا فسألناهم : أين الماء الذي هو عندكم؟ قالوا : ما قربنا ماء. قالوا : بلى ، إنا شربنا منه. قالوا : أنتم شربتم منه؟ قلنا : نعم : قال [ صاحب الدير ] : ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء ، وما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي.
ثم رجع إلى الحديث. قال ثم مضى أمير المؤمنين حتى نزل بأرض الجزيرة ، فاستقبله بنو تغلب والنمر بن قاسط بالجزيرة. قال : قال علي ليزيد ابن قيس لأرحبي : يا يزيد بن قيس. قال : لبيك يا أمير المؤمنين. قال : هؤلاء قومك ، من طعامهم فاطعم ، ومن شرابهم فاشرب.
نصر : عمر بن سعد ، عن الكلبي ، عن الأصبغ بن نباتة ، أن رجلا سأل عليا بالمدائن عن وضوء رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فدعا بمخضب من برام قد نصفه الماء. قال علي : من السائل عن وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقام الرجل ، فتوضأ علي ثلاثا ثلاثا ، ومسح برأسه واحدة ، وقال : هكذا رأيت رسول الله يتوضأ.
ثم رجع إلى الحديث الأول ، حديث يزيد بن قيس الأرحبي. ثم قال : والله إني لشاهد إذ أتاه وفد بني تغلب فصالحوه على أن يقرهم على دينهم ، ولا يضعوا أبناءهم في النصرانية. قال : وقد بلغني أنهم قد تركوا ذلك ، وايم الله لئن ظهرت عليهم لأقتلن مقاتلتهم ، ولأسبين ذراريهم. فلما دخل بلادهم استقبلته مسلمة لهم كثيرة ، فسر بما رأى من ذلك ، وثناه عن رأيه. ثم سار أمير المؤمنين حتى أتى الرقة وجل أهلها العثمانية الذين فروا من الكوفة برأيهم وأهوائهم إلى معاوية فغلقوا أبوابها وتحصنوا فيها ، وكان أميرهم سماك بن مخرمة الأسدي في طاعة معاوية ، وقد كان فارق عليا في نحو من مائة رجل من بني أسد ، ثم أخذ يكاتب قومه حتى لحق به منهم سبعمائة رجل.
المصادر :
1- في الأصل : « غير معقود النعم » صوابه في نهج البلاغة ( ١ : ٢٨٧ ) بشرح ابن أبي الحديد.
2- يقال ما يألو الشيء : أي ما يتركه. في الأصل : « ولم آلوكم » ، صوابه في ح ( ١ : ٢٨٧ ).
3- انظر الأغاني ( ١١ : ١٣٠ ).
4- أبو مخنف ، هو لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي الغامدي ، شيخ من أصحاب الأخبار بالكوفة. روي عن الصعق بن زهير ، وجابر الجعفي ، ومجالد ، وروي عنه المدائني ، وعبد الرحمن بن مغراء. ومات قبل السبعين ومائة. منتهي المقال ٢٤٨ ولسان الميزان ( ٤ : ٢٩٢ ) وابن النديم ٩٣ ليبسك.
5- لمخنف أولاد ، أحدهم أبو رملة عامر بن مخنف بن سليم الأزدي. ذكره صاحب منتهى المقال في ٢٩٩ وقال إنه روى عن أبيه مخنف. والآخر حبيب بن مخنف ذكره الحافظ أبو عمرو. وثالث ذكره صاحب لسان الميزان ( ٥ : ٣٧٥ ) وهو محمد بن مخنف.
6- مخنف ، بكسر الميم ، وسليم ، بضم السين ، كما في الاشتقاق ٢٨٩ ومنتهى المقال ٢٩٩. وهو صحابي ترجم له في الإصابة ٧٨٤٢.
7- هو عبد خير بن يزيد الهمداني ، أبي عمارة الكوفي. أدرك الجاهلية وأدرك زمن النبي ولم يسمع منه. الإصابة ٦٣٦٠ وتهذيب التهذيب.
8- انظر المفضليات الخمس ٣٩.
9- انظر لأقوال النحاة في مثل هذه العبارة خزانة البغدادي ( ٢ : ٩٠ بولاق ).
10- في الأصل : « سلم » تحريف. وترجمة مصعب في تاريخ بغداد ( ١٣ : ١٠٨ ).
11- ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. انظر ١٣٣ ونهاية الأرب ( ٢ : ٣٤٤ ).
12- هو الأسود بن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن زيد مناة بن تميم. شاعر جاهلي مقدم ، كان ينادم النعمان بن المنذر. والبيت من قصيدة له في المفضليات ( ٢ : ١٥ ـ ٢٠ طبع المعارف ). وفي الأصل : « ابن يعقوب التميمي » والصواب ما أثبت. وفي ح : « بقول الأسود بن يعفر ».
13- في القاموس : « وعقيصى مقصورا : لقب أبي سعيد التيمي التابعي ». وفي منتهى المقال ١٣٢ : « دينار ، يكنى أبا سعيد ، ولقبه عقيصا ، وإنما لقب بذلك لشعر قاله » فجعل اسمه « دينارا ». في الأصل : « التميمي » تحريف. وفي ح : « حدثنا سعيد التيمي المعروف يعقيصاء » ، نقص وتحريف.

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.