الاعجاز في القرآن

الناس لا يؤمنون بدون دليل ، فلا يمكن للنبي ان يدعوهم الى‏ََ الايمان به وبرسالته ، ويكلفهم بذلك ما لم يقدم لهم الدليل الذي يبرهن على‏ََ صدق دعواه ، وكونه رسولاً حقاً من قبل اللَّه تعالى‏ََ ، فكما لا نصدق في حياتنا الاعتيادية شخصاً يدعي تمثيل جهة رسمية مثلاً ، ما لم
Saturday, January 28, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الاعجاز في القرآن
 الاعجاز في القرآن

 





 

الناس لا يؤمنون بدون دليل ، فلا يمكن للنبي ان يدعوهم الى‏ََ الايمان به وبرسالته ، ويكلفهم بذلك ما لم يقدم لهم الدليل الذي يبرهن على‏ََ صدق دعواه ، وكونه رسولاً حقاً من قبل اللَّه تعالى‏ََ ، فكما لا نصدق في حياتنا الاعتيادية شخصاً يدعي تمثيل جهة رسمية مثلاً ، ما لم يدعم دعواه بالدليل على‏ََ صدقه ، ونرفض مطالبته لنا بتصديقه من دون برهان ، كذلك لا يمكن للانسان أن يؤمن برسالة النبي ونبوته الّا على‏ََ اساس الدليل .
والقران فيه ما لايعد ولا يحصی من الادلة فجمع القرآن بمعنى‏ََ حفظه واستظهاره في لوح القلب فقد اوتيه رسول اللَّه قبل الجمع ، فكان صلى الله عليه و آله سيد الحفّاظ واُول الجمّاع كما كان يرغّب المسلمين باستمرار في حفظ القرآن وتدارسه واستظهاره ، ويدفع كل مهاجر جديد الى‏ََ احد الحفاظ من الصحابة ليعلمه القرآن ، ويستعمل مختلف اساليب التشجيع لتعميم حفظ القرآن وإشاعة تلاوته ، حتى‏ََ اصبح مسجد الرسول صلى الله عليه و آله نادياً عامراً بتلاوة القرآن يضج بأصوات القراء ، فأمرهم النبي صلى الله عليه و آله ان يخفظوا أصواتهم لئلا يتغالطوا .
وشاعت قراءة القرآن في كل مكان في المجتمع الاسلامي ، وافتتن المسلمون بتلاوته وشغفوا بقراءته والاستماع اليه ، وكان همهم الذي ملك عليهم قلوبهم ، حتى‏ََ روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أ نّه قال :
« اني لأعرف اصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون واعرف منازلهم من اصواتهم بالليل ، وان كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار »(1) .
وكان تدارس القرآن واستظهاره رائجاً بين الرجال والنساء .
أما جمعه بمعنى‏ََ كتابته وتسجيله فقد عرفنا في بحث ثبوت النص القرآني أنّ القرآن الكريم قد تم جمعه زمن الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله ، ولكن الرأي السائد في ابحاث علوم القرآن أنّ جمعه قد تم في عهد الشيخين .

ما هي المعجزة :

النبي - أيّ نبي - صاحب رسالة يريد أن ينفذ بها الى‏ََ قلوب الناس وعقولهم ، ليصنع الانسان الأفضل الذي يريده اللَّه على‏ََ وجه الارض ، ولا يمكنه أن يحقق هذا الهدف ما لم يكسب ايمان الناس بنبوته ، واعتقادهم بصدق دعواه ، لكي يتاح له أن يستلم زمام قيادتهم ويغذيهم برسالته ومفاهيمها ومبادئها .
والناس لا يؤمنون بدون دليل ، فلا يمكن للنبي ان يدعوهم الى‏ََ الايمان به وبرسالته ، ويكلفهم بذلك ما لم يقدم لهم الدليل الذي يبرهن على‏ََ صدق دعواه ، وكونه رسولاً حقاً من قبل اللَّه تعالى‏ََ ، فكما لا نصدق في حياتنا الاعتيادية شخصاً يدعي تمثيل جهة رسمية مثلاً ، ما لم يدعم دعواه بالدليل على‏ََ صدقه ، ونرفض مطالبته لنا بتصديقه من دون برهان ، كذلك لا يمكن للانسان أن يؤمن برسالة النبي ونبوته الّا على‏ََ اساس الدليل .
والدليل الذي يبرهن على‏ََ صدق النبي في دعواه هو المعجزة ، وهي : ان يحدث النبي تغييراً في الكون يتحدى‏ََ به القوانين الطبيعية التي ثبتت عن طريق الحس والتجربة ، فمن وضع الماء على‏ََ النار ليكون حاراً فارتفعت درجة حرارته يطبق قانوناً طبيعياً عرفه الناس عن طريق الحس والتجربة ، وهو انتقال الحرارة من الجسم الحار الى‏ََ الجسم الذي يجاوره .
وأما من ادعى‏ََ أنه يجعل الماء حاراً بدون الاستعانة بأي طاقة حرارية ، وحقق ذلك فعلاً فهو يتحدى‏ََ قوانين الطبيعة التي يكشف عنها الحس والتجربة ، ومن أبرأ مريضاً باعطائه مادة مضادة للميكروب الذي أمرضه ، يطبق قانوناً طبيعياً يعرفه بالتجربة ، وهو أنّ هذه المادة بطبيعتها تقتل الميكروب الخاص ، وأمّا من أبرأ المريض بدون اعطاء اي مادة مضادة فهو يتحدى‏ََ قوانين الطبيعة التي يعرفها الناس بالتجربة ، ويحقق المعجزة .
فاذا أتى‏ََ النبي بمعجزة من هذا القبيل كانت برهاناً على‏ََ ارتباطه باللَّه تعالى‏ََ ، وصدقه في دعوى‏ََ النبوة ، لأنّ الانسان بقدرته الاعتيادية لا يمكنه ان يغير في الكون شيئاً ، إلّابالاستفادة من القوانين الكونية التي يعرفها عن طريق الحس والتجربة ، فاذا استطاع الفرد أن يحقق تغييراً يتحدى‏ََ به هذه القوانين ، فهو انسان يستمد قدرة استثنائية من اللَّه تعالى‏ََ ، ويرتبط به ارتباطاً يميزه عن الآخرين ، الامر الذي يفرض علينا تصديقه اذا ادعى‏ََ النبوة .

الفرق بين المعجزة والابتكار العلمي :

وعلى ضوء ما قلناه نعرف أنّ سبق النوابغ من العلماء في الحقول العلمية ، لا يعتبر معجزة ، فاذا افترضنا أنّ شخصاً من العلماء اليوم سبق انداده ، ونجح في اكتشاف الميكروب السرطاني مثلاً ، والمادة التي تقضي عليه فهو يستطيع بحكم اكتشافه ان يبرئ مريضاً من السرطان ، بينما يعجز عن ذلك جميع العلماء الآخرين ، ولكن عمله هذا ليس معجزة لأنه انما يتحدى‏ََ جهل العلماء الآخرين بالسر ليس إلّا، ولا يتحدى‏ََ القوانين الكونية التي تثبت بالحس والتجربة ، بل هو انما استطاع ان يبرئ المريض من السرطان على‏ََ اساس تجربة فذة قام بها في مختبره العلمي ، فاكتشف قانوناً لم يعرفه غيره حتى‏ََ الآن .
ومن الواضح أنّ معرفته بالقانون الطبيعي عن طريق التجربة ، ليست تحدياً للقانون ، وانما تحدى‏ََ بذلك زملاءه الذين عجزوا عن اكتشاف القانون قبله .

القرآن هو المعجزة الكبرى‏ََ :

وما دمنا قد عرفنا أنّ المعجزة هي أن يحدث النبي تغييراً في الكون يتحدى‏ََ به القوانين الطبيعية فمن الميسور أن نطبق فكرتنا هذه عن المعجزة على‏ََ ( القرآن الكريم ) ، الذي احدث تغييراً هائلاً ، وثورة كبرى‏ََ في حياة الانسان لا تتفق مع المألوف والمجرب من القوانين الكونية للمجتمع .
فنحن اذا درسنا الوضع العالمي ، والوضع العربي والحجازي بصورة خاصة ، وحياة النبي قبل البعثة ، ومختلف العوامل والمؤثرات التي كانت متوفرة في بيئته ومحيطه ، ثم قارنا ذلك بما جاء به الكتاب الكريم ، من رسالة عظمى‏ََ تتحدى‏ََ كل تلك العوامل والمؤثرات ، وما احدثه هذا الكتاب من تغيير شامل كامل ، وبناء لاُمة تملك اعظم المقومات والمؤهلات ، اذا لاحظنا كل ذلك وجدنا أنّ القرآن معجزة كبرى‏ََ ، ليس لها نظير لأنه لم يكن نتيجة طبيعية لتلك البيئة المنخفضة بكل ما تضم من عوامل ومؤثرات ، فوجوده إذن يتحدى‏ََ القوانين الطبيعية ويعلو عليها ، وهدايته وعمق تأثيره لا تفسره تلك العوامل والمؤثرات .
ولكي يتجلّى‏ََ ذلك بوضوح يمكننا ان نستعرض البيئة التي ادى‏ََ فيها القرآن رسالته الكبرى‏ََ ونقارن بينها وبين البيئة التي صنعها ، والاُمّة التي أوجدها .

بعض أدلة اعجاز القرآن :

وبهذا الصدد يجب أن نأخذ النقاط التالية بعين الاعتبار :
1 - ان القرآن شعّ على‏ََ العالم من جزيرة العرب ، ومن مكة بصورة خاصة ، وهي منطقة لم تمارس أي لون من ألوان الحضارة والمدنية ، التي مارستها مختلف المجتمعات الراقية نسبياً يومئذ ؛ وكانت هذه اُولى‏ََ المفارقات التي برهنت على‏ََ أنّ الكتاب لم يجرِ وفق القوانين الطبيعية الاعتيادية ، لأن هذه القوانين تحكم بأنّ الكتاب مرآة لثقافة عصره ومجتمعه ، الذي عاشه صاحب الكتاب ، وتثقف فيه ، فهو يعبر عن مستوى‏ََ من مستويات الثقافة في ذلك المجتمع ، أو يعبر على‏ََ أفضل تقدير عن خطوة الى‏ََ الامام في تلك الثقافة ، وأما ان يطفر الكتاب طفرة هائلة ، ويأتي - بدون سابق مقدمات وبلا ارهاصات - بثقافة من نوع آخر لا تمت الى‏ََ الافكار السائدة بصلة ولا تستلهمها ، وانما تقلبها رأساً على‏ََ عقب ، فهذا ما لا يتفق مع طبيعة الاشياء في حدود التجربة التي عاشها الناس في كل عصر .
وهذا ما وقع للقرآن تماماً فانه اختار اكثر المناطق والمجتمعات تأخراً وبدائية ، وضيق افق ، وبعداً عن التيارات الفلسفية والعلمية ، ليفاجئ العالم بثقافة جديدة ، كان العالم كلّه بحاجة اليها ، وليثبت أ نّه ليس تعبيراً عن الفكر السائد في مجتمعه ، ولا خطوة محدودة الى‏ََ الامام ، وانما هو شي‏ء جديد بدون سابق مقدمات .
وهكذا نعرف أنّ اختيار البيئة والمجتمع ، كان هو التحدي الاول للقوانين الطبيعية التي تقتضي ان تولد الثقافة الجديدة في ارقى‏ََ البيئات من الناحية الفكرية والاجتماعية .
2 - إنّ القرآن بشّر به وأعلنه على‏ََ العالم فَرْدٌ من أفراد المجتمع المكي ، ممن لم ينل ما يناله حتى‏ََ المكيون من الوان التعلم والتثقيف ، فهو اُمي ، لا يقرأ ولا يكتب ، وقد عاش بين قومه اربعين سنة فلم تؤثر عنه طيلة هذه المدة محاولة تعلم أو اثارة من علم أو ادب :
«وما كنت تتلو من قبله من كتابٍ ولا تخطّه بيمينكَ إذاً لارتاب المبطلون »(2).
«قل لو شاء اللَّه ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون »(3).
وهذا يعتبر تحدياً آخر من القرآن للقوانين الطبيعية ، اذ لو كان القرآن جارياً وفق هذه القوانين ، لما كان من الممكن ان يجي‏ء به فرد اُمي ، لم يشارك حتى‏ََ في ثقافة مجتمعه ، بالرغم من بساطتها ، ولم يؤثر عنه اي بروز في عالم اللغة بمختلف مجالاتها ، فيبذ به الانتاج الادبي كله ويبهر بروعته وحكمته وبلاغته ، أعاظم البلغاء والعلماء .
فهل رأيت في مجرى‏ََ القوانين الطبيعية شخصاً جاهلاً بالطب لم يدرس عنه شيئاً يتقدم بكتاب في الطب يبهر عقول الاطباء بما يضم من اسرار العلم وآياته ؟ وهل رأيت في مجراها شخصاً لا يحسن أن يكتب في لغة ما ، ولا يجيد شيئاً من علومها يأتي بالرائعة التأريخية في حياة تلك اللغة ، ويكشف عن امكانيات ادبية هائلة في تلك اللغة لم تكن تخطر على‏ََ بال حتى‏ََ يتصور الناس أ نّه ساحر ؟
والواقع أنّ المشركين في عصر ( البعثة ) أحسوا بهذا التحدي العظيم وكانوا حائرين في كيفية تفسيره ، ولا يجدون تفسيراً معقولاً له وفق القوانين الطبيعية ، ولدينا عدة نصوص تأريخية تصور حيرتهم في تفسير القرآن وموقفهم ، القلق من تحديه للقوانين والعادات الطبيعية .
فمن ذلك أنّ الوليد بن المغيرة استمع يوماً الى‏ََ النبي في المسجد الحرام وهو يقرأ القرآن فانطلق الى‏ََ مجلس قومه بني مخزوم فقال : « واللَّه لقد سمعت‏ من‏ محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن وانّ له لحلاوة وانّ‏ عليه لطلاوة وانّ أعلاه لمثمر وانّ أسفله لمعذق وانه ليعلو وما يعلى‏ََ » ثم انصرف الى‏ََ منزله فقالت قريش : صبا واللَّه الوليد واللَّه ليصبأن قريش كلهم ، فقال ابو جهل : انا أكفيكموه ، فانطلق فقعد الى‏ََ جنب الوليد حزيناً ، فقال له الوليد ما لي اراك حزيناً يابن أخي ؟
فقال له : هذه قريش يصيبونك على‏ََ كبر سنك ، ويزعمون انك زينت كلام محمد ، فقام الوليد مع ابي جهل حتى‏ََ اتى‏ََ مجلس قومه ، فقال لهم : تزعمون أنّ محمداً مجنون فهل رأيتموه يخنق قط ؟ ! فقالوا : اللهم لا ، فقال : تزعمون أ نّه كاهن ، فهل رأيتم عليه شيئاً من ذلك ؟ ! قالوا : اللهم لا ، فقال : تزعمون أ نّه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط ؟ ! قالوا : اللهم لا ، قال : تزعمون أ نّه كذاب فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب ؟ !
فقالوا : اللهم لا ، فما هو اذن ؟ فغرق الوليد في الفكر ثم قال : ما هو الا ساحر ! أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ، فنزل قوله تعالى‏ََ : «انّه فكّر وقدّر * فقُتِلَ كيف قدّر * ثمّ قُتِلَ كيف قدّر * ثمّ نظر * ثمّ عبس وبسر * ثمّ أدبر واستكبر * فقال إنْ هذا إلّا سحرٌ يؤثر »(4).
وقد افترض بعض العرب - أمام تحدي القرآن لهم بنزوله على‏ََ شخص اُمي - ان يكون أحد من البشر قد علَّم النبي القرآن ، ولم يجرؤا وهم الاميّون على‏ََ دعوى‏ََ تعلمه من احد منهم ، فقد ادركوا بالفطرة أنّ الجاهل لا يعلم الناس شيئاً ، وانما زعموا أنّ غلاماً رومياً أعجمياً نصرانياً ، يشتغل في مكة قيناً ( حداداً ) يصنع السيوف ، هو الذي علم النبي القرآن ، وكان ذلك الغلام على‏ََ عاميته يعرف القراءة والكتابة .
وقد تحدث القرآن الكريم عن افتراض العرب هذا ، وردّ عليه‏ رداً بديهياً قال تعالى‏ََ : «... لسان الذي يلحدون إليه أعجميّ وهذا لسانٌ عربيّ مبين »(5).
3 - إنّ القرآن الكريم يمتد بنظره الى‏ََ الغيب المجهول في الماضي البعيد وفي المستقبل على‏ََ السواء ، فهو يقص أحسن القصص عن اُمم خلت ، وما وقع في حياتها من عظات وعبر، ومااكتنفها من مضاعفات، يتحدث عن كل ذلك حديث من شاهد الاحداث كلها، وراقب جريانها، وعاش في عصرها بين اصحابها، قال اللَّه تعالى‏ََ : «تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إنّ العاقبة للمتّقين »(6).
وقال : «وما كنت بجانب الغربيّ إذ قضينا إلى‏ََ موسى‏ََ الأمر وما كنت من الشاهدين * ولكنّا أنشأنا قروناً فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاوياً في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنّا كنّا مرسلين »(7).
وقال : «ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أ يّهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون »(8).
وكل هذه الآيات الكريمة تؤكد تحدي القرآن للقوانين الطبيعية في استيعابه لتلك الاحداث ، واحاطته بالماضي المجهول ، اذ كيف يمكن بحكم القوانين الطبيعية أن يتحدث شخص في كتاب عن أحداث اُمم في الماضي السحيق لم يعشها ولم يعاصرها ؟
وقد احسَّ المشركون بهذا التحدي أيضاً : «وقالوا أساطير الاولين اكتتبها فهي تُملى‏ََ عليه بكرةً واصيلاً »(9).
وكانت حياة محمد صلى الله عليه و آله رداً مفحماً لهم ، فقد عاش في مكة ولم تتهيأ له أية دراسة لأساطير الاولين ، أو كتب العهدين : التوراة والانجيل ، ولم يخرج من المنطقة إلّامرتين ، سافر فيهما الى‏ََ الشام ، احداهما : في طفولته مع عمه لقي فيها بحيرا ، وهو ابن تسع سنين ، فقال هذا الراهب لعمّه : « سيكون لابن اخيك هذا شأن عظيم »(10) .
والاُخرى‏ََ : في تجارة خديجة وهو شاب وكان بصحبته ميسرة غلام خديجة ، ولم يتجاوز صلى الله عليه و آله سوى‏ََ مدينة بصرى‏ََ ، في كلتا الرحلتين القصيرتين ؛ فأين تأتَّى‏ََ للنبي ان يدرس التوراة أو يكتب أساطير الأوّلين ؟ !
والحقيقة انّ مقارنة القصص التي جاءت في القرآن الكريم بالعهد القديم تؤكد التحدي ، اذ تبرز اعجاز القرآن بصورة اوضح ، لأنّ التوراة التي شهد القرآن بتحريفها كانت قصصها وأحاديثها - عن ماضي الاُمم واحداثها - مشحونة بالخرافات والاساطير وما يُسي‏ء الى‏ََ كرامة الانبياء ، ويبتعد بالقصة عن اهداف التبليغ والدعوة ، بينما نجد قصص تلك الاُمم في القرآن ، قد نقيت من تلك العناصر الغريبة ، واُبرزت فيها الجوانب التي تتصل بأهداف التبليغ ، واستعرضت بوصفها عظة وعبرة لا مجرد تجميع اعمى‏ََ للمعلومات .
وكما كان القرآن محيطاً بالماضي ، كذلك كان محيطاً بالمستقبل ، فكم من خبر مستقبل كشف القرآن حجابه فتحقق وفقاً لما أخبر به ، ورآه المشركون ؛ ومن هذا القبيل إخبار القرآن بانتصار الروم على‏ََ الفرس في بضع سنين ، اذ قال تعالى‏ََ : « غُلبت الرّوم * في أدنى‏ََ الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين ... »(11).
وقد أخبر القرآن بذلك على‏ََ أعقاب هزيمة فضيعة مُني بها الروم ، وانتصار ساحق سجّله الفرس عليهم ، ففرح المشركون بذلك لأنهم رأوا فيه انتصاراً للشرك والوثنية على‏ََ رسالات السماء ، نظراً الى‏ََ أنّ الفرس المنتصرين كانوا وثنيين والروم كانوا نصارى‏ََ ، فنزل القرآن يؤكّد انتصار الروم في المستقبل القريب ، فهل يمكن لكتاب غير نازل من اللَّه تعالى‏ََ ان يؤكد خبراً غيبياً من هذا القبيل ، ويربط كرامته ومصيره بالغيب المجهول ، وهو يهدّد مستقبله بالفضيحة اذا ظهر كذبه في نبوءته ؟
وهكذا نجد أنّ القرآن يتحدى‏ََ الغيب في الماضي والمستقبل على‏ََ السواء ، ويتحدث بلغة المطمئن الواثق ، الذي لا يخالجه شك فيما يقوله ، وهذا ما لا يقدر عليه انسان ، أو كتاب انسان وفقاً للقوانين الطبيعية .


المصادر :
1- كنز العمّال 12 : 56 ، الاشعريون
2- العنكبوت : 48
3- يونس : 16
4- البداية والنهاية 3 : 78 . والآيات من سورة المدّثّر : 18 - 24
5- النمل : 103
6- هود : 49
7- القصص : 44 ، 45
8- آل عمران : 44
9- الفرقان : 5
10- بحار الانوار 35 : 139
11- الروم : 2 - 4

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.