مواجهة صفين

اصطف اهل الشام في أحد عشر صفا وخرج اليهم أهل العراق فاصطفوا أحد عشر صفا. فخرجوا أول يوم من صفر ( من سنة سبع وثلاثين ) ، وذلك يوم الأربعاء ، فاقتتلوا ، وعلى من خرج يومئذ من أهل الكوفة الأشتر ، وعلى أهل الشام حبيب بن
Saturday, February 4, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
مواجهة صفين
 مواجهة صفين

 





 

اصطف اهل الشام في أحد عشر صفا وخرج اليهم أهل العراق فاصطفوا أحد عشر صفا. فخرجوا أول يوم من صفر ( من سنة سبع وثلاثين ) ، وذلك يوم الأربعاء ، فاقتتلوا ، وعلى من خرج يومئذ من أهل الكوفة الأشتر ، وعلى أهل الشام حبيب بن مسلمة ، فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار ، ثم تراجعوا وقد انتصف بعضهم من بعض.
ثم خرج ( في اليوم الثاني ) هاشم بن عتبة في خيل ورجال حسن عددها وعدتها ، وخرج إليه من أهل الشام أبو الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك ، تحمل الخيل على الخيل ، والرجال على الرجال ، ثم انصرفوا وقد صبر القوم بعضهم لبعض. وخرج اليوم الثالث عمار بن ياسر ، وخرج إليه عمرو بن العاص فاقتتل الناس كأشد القتال .
وجعل عمار يقول : « يا أهل الإسلام ، أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين ، فلما أراد الله أن يظهر دينه وينصر رسوله أتى النبي صلى الله عليه ، فأسلم وهو والله فيما يرى راهب غير راغب ، وقبض الله رسوله صلى الله عليه وإنا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المجرم؟ ألا وإنه معاوية ، فالعنوه لعنه الله ، وقاتلوه فإنه ممن يطفيء نور الله ، ويظاهر أعداء الله ».
وكان مع عمار زياد بن النضر على الخيل ، فأمره أن يحمل في الخيل ، فحمل وصبروا له ، وشد عمار في الرجالة فأزال عمرو بن العاص عن موقفه ، وبارز يومئذ زياد بن النضر أخا له لأمه من بني عامر يقال له معاوية بن عمرو العقيلي ـ وكانت أمهما هند امرأة من بني زبيد ـ فلما التقيا تساءلا وتواقفا ، ثم انصرف كل واحد منها عن صاحبه ، ورجع الناس يومهم ذاك.
نصر : أبو عبد الرحمن المسعودي ، حدثني يونس بن الأرقم بن عوف ، عن شيخ من بكر بن وائل قال :
كنا مع علي بصفين ، فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء في رأس رمح ، فقال ناس : هذا لواء عقده له رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يزالوا كذلك حتى بلغ عليا ، فقال : هل تدرون ما أمر هذا اللواء؟ إن عدو الله عمرو بن العاص أخرج له رسول الله هذه الشقة فقال : « من يأخذها بما فيها؟ » ، فقال عمرو : وما فيها يا رسول الله؟ قال : « فيها أن لا تقاتل به مسلما ، ولا تقربه من كافر » فأخذها ، فقد والله قربه من المشركين ، وقاتل به اليوم المسلمين: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا ، وأسروا الكفر ، فلما وجدوا أعوانا رجعوا إلى عدواتهم منا ، إلا أنهم لم يدعوا الصلاة.
نصر : أخبرني عبد العزيز بن سياه ؛ عن حبيب بن أبي ثابت قال : لما كان قتال صفين قال رجل لعمار : يا أبا اليقظان : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قاتلوا الناس حتى يسلموا ، فإذا أسلموا عصموا منى دماءهم وأموالهم »؟ قال : بلى ولكن والله ما أسلموا ولكن استسلموا ، وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا.
نصر : عبد العزيز ، قال حبيب بن أبي ثابت قال : حدثني منذر الثوري قال : قال محمد بن الحنفية : لما أتاهم رسول الله من أعلى الوادي ومن أسفله ، وملأ الأودية كتائب استسلموا حتى وجدوا أعوانا.
نصر ، عن فطر بن خليفة (1) ، عن منذر الثوري قال عمار بن ياسر : والله ما أسلم القوم ولكن استسلموا وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا.
نصر ، عن الحكم بن ظهير ، عن إسماعيل ، عن الحسن ، و قال : وحدثنا الحكم أيضا ، عن عاصم بن أبي النجود (2)
عن زر بن حبيش (3) ، عن عبد الله بن مسعود قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. « إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه ». قال الحسن : فما فعلوا ولا أفلحوا.
نصر : عمرو بن ثابت ، عن إسماعيل ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه ». قال : فحدثني بعضهم قال : قال أبو سعيد الخدري : فلم نفعل ولم نفلح.
نصر ، عن يحيى بن يعلى ، عن الأعمش ، عن خيثمة قال : قال عبد الله بن عمر : إن معاوية في تابوت في الدرك الأسفل من النار. ولولا كلمة فرعون : ( أنا ربكم الأعلى ) ما كان أحدا أسفل من معاوية.
نصر ، عن يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن سالم بن أبي الجعد عن أبي حرب بن أبي الأسود عن رجل من أهل الشام عن أبيه قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « شر خلق الله خمسة : إبليس ، وإبن آدم الذي قتل أخاه ، وفرعون ذو الأوتاد ، ورجل من بني إسرائيل ردهم عن دينهم ، ورجل من هذه الأمة يبايع على كفره عند باب لد ». قال الرجل : إني لما رأيت معاوية بايع عند باب لد ذكرت قول رسول الله ، فلحقت بعلي فكنت معه.
نصر ، عن جعفر الأحمر ، عن ليث عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يموت معاوية على غير الإسلام ».
عن جعفر الأجمر ، عن ليث ، عن محارب بن زياد ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يموت معاوية على غير ملتي ».
نصر ، عن عبد الغفار بن القاسم ، عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال : أقبل أبو سفيان ومعه معاوية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« اللهم العن التابع والمتبوع. اللهم عليك بالأقيعس ». فقال ابن البراء لأبيه : من الأقيعس؟ قال معاوية.
نصر ، عن قيس بن الربيع وسليمان بن قرم ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن الحارث بن سعيد ، عن علي قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ، فشكوت إليه ما لقيت من أمته من الأود واللدد ، فقال : « انظر! » ، فإذا عمرو بن العاص ومعاوية معلقين منكسين تشدخ رؤوسهما بالصخر.
نصر ، عمر حدثني يحيى بن يعلى بن عبد الجبار بن عباس ، عن عمار الدهني ، عن أبي المثنى ، عن عبد الله بن عمر قال : ما بين تابوت معاوية وتابوت فرعون إلا درجة؟ وما انخفضت تلك الدرجة إلا أنه قال : ( أنا ربكم الأعلى ).
نصر ، عن أبي عبد الرحمن قال : حدثني العلاء بن يزيد القرشي ، عن جعفر بن محمد قال : دخل زيد بن أرقم على معاوية ، فإذا عمرو بن العاص جالس معه على السرير ، فلما رأى ذلك زيد جاء حتى رمى بنفسه بينهما ، فقال له عمرو بن العاص : أما وجدت لك مجلسا إلا أن تقطع بيني وبين أمير المؤمنين؟ فقال زيد : إن رسول الله غزا غزوة وأنتما معه ، فرأكما مجتمعين فنظر إليكما نظرا شديدا ، ثم رأكما اليوم الثاني واليوم الثالث ، كل ذلك يديم النظر إليكما ، فقال في اليوم الثالث : « إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص مجتمعين ففرقوا بينهما ؛ فإنهما لن يجتمعا على خير ».
نصر ، عن محمد بن فضيل ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص الأزدي قال : أخبرني أبو هلال أنه سمع أبا برزة الأسلمي يقول : إنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعوا غناء فتشرفوا له ، فقام رجل فاستمع له ، وذاك قبل أن تحرم الخمر ، فأتاهم ثم رجع فقال : هذا معاوية وعمرو بن العاص يجيب أحدهما الآخر وهو يقول :
يزال حواري تلوح عظامه / زوى الحرب عنه أن يحس فيقبرا
فرفع رسول الله يديه فقال : « اللهم أركسهم في الفتنة ركسا. اللهم دعهم إلى النار دعا ».
نصر ، عن محمد بن فضيل ، ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن عبد الله بن عمر قال : إن تابوت معاوية في النار فوق تابوت فرعون ، وذلك بأن فرعون قال : ( أنا ربكم الأعلى ).
نصر : شريك ، عن ليث ، عن طاوس ، عن عبد الله بن عمر قال :
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : « يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت حين يموت وهو على غير سنتي ». فشق علي ذلك وتركت أبي يلبس ثيابه ويجيء ، فطلع معاوية.
نصر ، عن بليد بن سليمان ، حدثني الأعمش ، عن علي بن الأقمرقال : وفدنا على معاوية وقضينا حوائجنا ثم قلنا : لو مررنا برجل قد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاينه. فأتينا عبد الله بن عمر فقلنا : يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حدثنا ما شهدت ورأيت. قال : إن هذا أرسل إلي ـ يعني معاوية ـ فقال : لئن بلغني أنك تحدث لأضربن عنقك. فجثوت على ركبتي بين يديه ثم قلت : وددت أن أحد سيف في جندك على عنقي. فقال : والله ما كنت لأقاتلك ولا أقتلك. وأيم الله ما يمنعني أن أحدثكم ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه.
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه يدعوه ـ وكان يكتب بين يديه ـ فجاء الرسول فقال : هو يأكل. فقال : لا أشبع الله بطنه فهل ترونه يشبع؟ قال : وخرج من فج فنظر رسول الله إلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه ، أحدهما قائد والآخر سائق ، فلما نظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « اللهم العن القائد والسائق والراكب ». قلنا : أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم ، وإلا فصمتا أذناي ، كما عميتا عيناي.
نصر ، عن عبد العزيز بن الخطاب ، عن صالح بن أبي الأسود ، عن إسماعيل ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتم معاوية على منبري يخطب فاقتلوه ».
قال نصر : ثم رجع إلى حديث عمرو بن شمر ، قال :
فلما كان من الغد خرج محمد بن علي بن أبي طالب ، وخرج إليه عبيد الله بن عمر بن الخطاب في جمعين عظيمين فاقتتلوا كأشد القتال. ثم إن عبيد الله بن عمر أرسل إلى محمد بن الحنفية (4) :
أن اخرج إلى أبارزك. قال له : نعم. ثم خرج إليه يمشي ، فبصر به علي فقال : من هذان المتبارزان؟ فقيل له : ابن الحنفية وابن عمر. فحرك علي دابته ثم دعا محمدا فوقف له فقال : أمسك دابتي. فأمسكها له ثم مشى إليه فقال : أنا أبارزك فهلم إلى. قال : ليس لي في مبارزتك حاجة. قال : فرجع ابن عمر وأخذ ابن الحنفية يقول لأبيه : منعتني من مبارزته ، فوالله لو تركتني لرجوت أن أقتله. قال : يا بني ، لو بارزته أنا لقتلته ، ولو بارزته أنت لرجوت أن تقتله ، وما كنت آمن أن يقتلك. ثم قال : يا أبه أتبرز بنفسك إلى هذا الفاسق اللئيم عدو الله؟ والله لو أبوه يسألك المبارزة لرغبت بك عنه. فقال : يا بنى لا تذكر أباه ولا تقل فيه إلا خيرا. يرحم الله أباه.
ثم إن الناس تحاجزوا وتراجعوا. فلما أن كان اليوم الخامس خرج عبد الله بن العباس والوليد بن عقبة فاقتتلوا قتالا شديدا ، ودنا ابن عباس
من الوليد بن عقبة ، فأخذ الوليد يسب بني عبد المطلب وأخذ يقول : يا ابن عباس قطعتم أرحامكم ، وقتلتم إمامكم ، فكيف رأيتم صنع الله بكم ، لم تعطوا ما طلبتم ، ولم تدركوا ما أملتم ، والله ـ إن شاء الله ـ مهلككم وناصرنا عليكم.
فأرسل إليه ابن عباس : أن ابرز إلى. فأبي أن يفعل ، وقاتل ابن عباس يومئذ قتالا شديدا. ثم انصرفوا عند الظهر وكل غير غالب. وذلك يوم الأحد.
نصر ، عن عمر بن سعد ، قال : أبو يحيى عن الزهري قال :
وخرج في ذلك اليوم شمر بن أبرهة بن الصباح الحميري ، فلحق بعلي عليه‌السلام في ناس من قراء أهل الشام ، ففت ذلك في عضد معاوية وعمرو بن العاص ، وقال عمرو : يا معاوية ، إنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد صلى الله عليه وسلم قرابة قريبة ، ورحم ماسة ، وقدم في الإسلام لا يعتد أحد بمثله ، ونجدة في الحرب لم تكن لأحد من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنه قد سار إليك بأصحاب محمد صلى الله عليه المعدودين ، وفرسانهم وقرائهم وأشرافهم وقدمائهم في الإسلام ، ولهم في النفوس مهابة. فبادر بأهل الشام مخاشن الوعر ، ومضايق الغيض ؛ واحملهم على الجهد ، وأتهم من باب الطمع قبل أن ترفههم فيحدث عندهم طول المقام مللا ، فيظهر فيهم كآبة الخذلان. ومهما نسيت فلا تنس أنك على باطل.
فلما قال عمرو لمعاوية ذلك زوق معاوية خطبة ، وأمر بالمنبر فأخرج ، ثم أمر أجناد أهل الشام فحضروا خطبته ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
أيها الناس أعيرونا أنفسكم وجماجمكم ، لا تفشلوا ولا تخاذلوا ؛ فإن اليوم يوم خطار ، ويوم حقيقة وحفاظ ؛ فإنكم على حق وبأيديكم حجة وإنما تقاتلون من نكث البيعة ، وسفك الدم الحرام ، فليس له في السماء عاذر.
ثم صعد عمرو بن العاص مرقاتين من المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (5) :
أيها الناس ، قدموا المستلئمة ، وأخروا الحاسر ، وأعيروا جماجمكم ساعة ؛ فقد بلغ الحق مقطعه ، وإنما هو ظالم ومظلوم.
نصر : عمر بن سعد ، عن أبي يحيى ، عن محمد بن طلحة ، عن أبي سنان الأسلمي قال : لما أخبر علي بخطبة معاوية وعمرو ، وتحريضهما الناس عليه أمر الناس فجمعوا. قال : وكأني أنظر إلى علي متوكئا على قوسه ، وقد جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه عنده ، فهم يلونه. و كأنه أحب أن يعلم الناس أن أصحاب رسول الله متوافرون عليه ، فحمد الله ثم قال :
أيها الناس ، اسمعوا مقالتي ، وعوا كلامي ؛ فإن الخيلاء من التجبر ، وإن النخوة من التكبر ، وإن الشيطان عدو حاضر ، يعدكم الباطل. ألا إن المسلم أخو المسلم ، ف‍ لا تنابذوا ولا تخاذلوا ؛ فإن شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة ، من أخذ بها لحق ، ومن تركها مرق ، ومن فارقها محق. ليس المسلم بالخائن إذا اؤتمن ولا بالمخلف إذا وعد ، ولا بالكذاب إذا نطق. نحن أهل بيت الرحمة ، وقولنا الصدق ، ومن فعالنا القصد، ومنا خاتم النبيين ، وفينا قادة الإسلام ، ومنا قراء الكتاب ، ندعوكم إلى الله وإلى رسوله ، وإلى جهاد عدوه ، والشدة في أمره ، وابتغاء رضوانه ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ، وتوفير الفئ لأهله. ألا وإن من أعجب العجائب أن معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص السهمي ، أصبحا يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما.
وقد علمتم أني لم أخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ، ولم أعصه في أمر قط. أقيه بنفسي في المواطن التي ينكص فيها الأبطال ، وترعد فيها الفرائص. نجدة أكرمني الله بها ، فله الحمد ولقد قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن رأسه لفي حجري ، ولقد وليت غسله بيدي وحدي ، تقلبه الملائكة المقربون معي. وايم الله ما اختلفت أمة قط بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها ، إلا ما شاء الله.
قال : فقال أبو سنان الأسلمي : فسمعت عمار بن ياسر يقول : أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن الأمة لن تستقيم عليه أولا ، وأنها لن تستقيم عليه آخرا . ثم تفرق الناس وقد نفذت بصائرهم في قتال عدوهم ، فتأهبوا واستعدوا .
نصر : عمرو بن شمر ، عن مالك بن أعين ، عن يزيد بن وهب ، أن عليا قال في هذه الليلة : « حتى متى لا نناهض القوم بأجمعنا؟ ». قال : فقام في الناس عشية الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد العصر فقال :
الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض ، ولا ينقض ما أبرم. ولو شاء ما اختلف اثنان من هذه الأمة ولا من خلقه ، ولا تنازعت الأمة في شئ من أمره ، ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله. وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار حتى لفت بيننا في هذا المكان ، فنحن من ربنا بمرأى ومسمع ، فلو شاء لعجل النقمة ولكان منه التغيير حتى يكذب الله الظالم ويعلم الحق أين مصيره ، ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال ، وجعل الآخرة عنده دار الجزاء والقرار ، ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ). ألا إنكم لاقو العدو غدا إن شاء الله. فأطيلوا الليلة القيام ، وأكثروا تلاوة القرآن ، واسألوا الله الصبر والنصر ، والقوهم بالجد والحزم ، وكونوا صادقين.
ثم انصرف ووثب الناس إلى سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها ، فمر عليهم كعب بن جعيل التغلبي وهو يقول :
أصبحت الأمة في أمر عجب / والملك مجموع غدا لمن غلب
فقلت قولا صادقا غير كذب / إن غدا يهلك أعلام العرب
غدا نلاقي ربنا فنحتسب / يا رب لا تشمت بنا ولا تصب
من خلع الأنداد كلا والصلب / غدا يكونون رمادا قد كثب
بعد الجمال والحياء والحسب
فلما كان الليل خرج علي فعبأ الناس ليلته كلها حتى أصبح ، وعقد الأولوية وأمر الأمراء ، وكتب الكتائب. وبعث علي مناديا فنادى : يا أهل الشام ، اغدوا على مصافكم. فضج أهل الشام في عسكرهم ، واجتمعوا إلى معاوية ، فعبأ خيله وعقد الألوية وأمر الأمراء ، وكتب الكتائب ، ثم نادى معاوية : أين الجند المقدم؟
فخرج أهل حمص في رايتهم عليهم ذو الكلاع الحميري. ثم نودي : أين أهل الأردن؟ فخرجوا في راياتهم عليهم أبو الأعور سفيان بن عمرو السلمي. ثم نودي : أين أهل قنسرين؟ فجاءوا في راياتهم عليهم زفر بن الحارث. ثم نودي : أين جند الأمير؟ فجاء أهل دمشق على راياتهم وهم القلب ، وعليهم الضحاك بن قيس الفهري ، فأطافوا بمعاوية. وسار أبو الأعور وسار عمرو بن العاص ومن معهما حتى وقفوا قريبا من أهل العراق ، فنظر إليهم عمرو فاستقلهم وطمع فيهم ، وكان أهل الشام أكثر من أهل العراق بالضعف. ثم رجع عمرو بن العاص إلى معاوية فقال : قد عرفت وعلمت ما بيننا من العهد والعقد ، فاعصب هذا الامر برأسي ، وأرسل إلى أبي الأعور فنحه عني ودعني والقوم. فأرسل معاوية إلى أبي الأعور : إن لأبي عبد الله رأيا
وتجربة ليست لي ولا لك ، وقد وليته أعنة الخيل ، فسر حتى تقف أنت وخيلك على تل كذا ، ودعه والقوم. فسار أبو الأعور ، فأقبل عمرو بن العاص ثم نادى ابنه : يا عبد الله بن عمرو. قال : لبيك. وقال : يا محمد بن عمرو. قال : لبيك. قال : قدما لي هذه الدرع وأخرا عني هذه الحسر ، وأقيما الصف قص الشارب ؛ فإن هؤلاء قد جاءوا بخطة بلغت السماء. فمشيا براياتهما وعدلا الصفوف ، وسار بينهما عمرو حتى عدل الصفوف ، وأحسن الصف ثانية ، ثم حمل قيسا وكلبا وكنانة على الخيول ، ورجل سائر الناس ؛ وقعد على منبره وأحاط به أهل اليمن وقال : لا يقربن هذا المنبر أحد إلا قتلتموه كائنا من كان.
نصر ، عن عمر ، عن الحارث بن حصيرة وغيره قال : لما قام أهل الشام وأهل العراق وتواقفوا وأخذوا مصافهم للقتال ، قال معاوية : من هؤلاء في الميسرة؟ ميسرة أهل العراق. قالوا : ربيعة. فلم يجد في أهل الشام ربيعة. فجاء بحمير فجعلهم بإزاء ربيعة على قرعة أقرعها من حمير وعك ، فقال ذو الكلاع : « باستك من سهم لم تبغ الضراب ».
كأنه أنف من أن تكون حمير بإزاء ربيعة ، فبلغ ذلك الخندف الحنفي، فحلف بالله لئن عاينه ليقتلنه أو ليموتن دونه. فجاءت حمير حتى وقفت بإزاء ربيعة ، وجعل السكون والسكاسك بإزاء كندة وعليها الأشعث ، وجعل بإزاء همدان من أهل العراق الأزد وبجيلة ، وبإزاء مذحج من أهل العراق عكا.
وجعل بإزاء التيم من أهل العراق هوازن وغطفان وسليما ، وقد قيدت عك أرجلها بالعمائم ، ثم طرحوا حجرا بين أيديهم وقالوا : لا نفر حتى يفر هذا الحكر ( بالكاف ). وعك تقلب الجيم كافا. وصف القلب خمسة صفوف ، وفعل أهل العراق أيضا كذلك .
قال : وبات على ليلته كلها يعبي الناس ، حتى إذا أصبح زحف بالناس وخرج إليه معاوية في أهل الشام ، فأخذ علي يقول : من هذه القبيلة؟ ومن هذه القبيلة؟ يعني قبائل أهل الشام ـ فيسمون له. حتى إذا عرفهم وعرف مراكزهم قال للأزد : اكفوني الأزد. وقال لخثعم : اكفوني خثعما. وأمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام ، إلا قبيلة ليس منهم بالشام أحد ، مثل بجيلة لم يكن بالشام منهم إلا عدد يسير ، فصرفهم إلى لخم (6).
ثم تناهض القوم يوم الأربعاء فاقتتلوا اقتتالا شديدا نهارهم كله ، وانصرفوا عند المساء وكل غير غالب. وكان علي يركب بغلا له يستلذه ، فلما حضرت الحرب قال : ائتوني بفرس. فأتوه بفرس له ذنوب أدهم يقاد بشطنين يبحث الأرض بيديه جميعا ، له حمحمة وصهيل ، فركبه وقال : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن تميم ، قال : كان علي إذا سار إلي القتال ذكر اسم الله حين يركب ، ثم يقول : الحمد لله على نعمه علينا وفضله العظيم ، ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون ). ثم يستقبل القبلة ويرفع يديه إلى الله ثم يقول : اللهم إليك نقلت الأقدام ، وأتعبت الأبدان ، وأفضت القلوب ، ورفعت الأيدي ، وشخصت الأبصار.
( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ). سيروا علي بركة الله. ثم يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر. يا الله يا أحد يا صمد ، يا رب محمد. بسم الله الرحمن الرحيم ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ( الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين . إياك نعبد وإياك نستعين ). اللهم كف عنا بأس الظالمين. فكان هذا شعاره بصفين.
نصر : عمرو بن شمر ، عن عمران ، عن سلام بن سويد قال : كان علي إذا أراد أن يسير إلى الحرب قعد على دابته وقال : « الحمد لله رب العالمين على نعمه علينا وفضله العظيم. ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) ». ثم يوجه دابته إلى القبيلة ، ثم يرفع يديه إلى السماء ثم يقول : « اللهم إليك نقلت الأقدام ، وأفضت القلوب ورفعت الأيدي ، وشخصت الأبصار. نشكو إليك غيبة نبينا ، وكثرة عدونا ، وتشتت أهوائنا. ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ). سيروا على بركة الله ». ثم يحمل ف‍ يورد والله من اتبعه ومن حاده حياض الموت.
نصر ، عن عمر بن سعد ، عن عبد الرحمن بن جندب ، عن أبيه قال : لما كان غداة الخميس لسبع خلوان من صفر من سنة سبع وثلاثين صلى علي فغلس بالغداة ، ما رأيت عليا غلس بالغداة أشد من تغليسه يومئذ ، ثم خرج بالناس إلى أهل الشام فزحف إليهم ، وكان هو يبدؤهم فيسير إليهم ، فإذا رأوه وقد زحف استقبلوه بزحوفهم.
قال : نصر فحدثني عمر بن سعد ، عن مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب أن عليا خرج إليهم فاستقبلوه فقال : « اللهم رب هذا السقف المحفوظ المكفوف ، الذي جعلته مغيضا لليل والنهار (7)
وجعلت فيه مجري الشمس والقمر ، ومنازل الكواكب والنجوم ، وجعلت سكانه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة ؛ ورب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام والهوام والأنعام وما لا يحصى مما يرى ومما لا يرى من خلقك العظيم ؛ ورب الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ؛ ورب السحاب المسخر بين السماء والأرض ، ورب البحر المسجور المحيط بالعالمين ، ورب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا وللخلق متاعا ؛ إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي ، وسددنا للحق ؛ وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة ، واعصم بقية أصحابي من الفتنة ».
قال : فلما رأوه وقد أقبل خرجوا إليه بزحوفهم ، وكان على ميمنته يومئذ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وعلى ميسرته عبد الله بن العباس وقراء العراق مع ثلاثة نفر : مع عمار بن ياسر ، ومع قيس بن سعد ، ومع عبد الله بن بديل. والناس على راياتهم ومراكزهم ، وعلي في القلب في أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة ، وعظم من معه من أهل المدينة الأنصار ، ومعه من خزاعة عدد حسن ، ومن كنانة وغيرهم من أهل المدينة.
وكان علي رجلا دحداحا ، أدعج العينين ، كأن وجهه القمر ليلة البدر حسنا ، ضخم البطن ، عريض المسربة ، شثن الكفين ، ضخم الكسور، كأن عنقه إبريق فضة ، أصلع ليس في رأسه شعر إلا خفاف من خلفه ؛ لمنكبيه مشاش كمشاش السبع الضاري ، إذا مشى تكفأ به ومار به جسده ؛ له سنام كسنام الثور ، لا تبين عضده من ساعده ، قد أدمجت إدماجا ، لم يمسك بذراع رجل قط إلا أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس. وهو إلى السمرة ، أذلف الأنف ، إذا مشى إلى الحرب هرول ، وقد أيده الله بالعز والنصر.
ثم زحف علي بالناس إليهم ، ورفع معاوية قبة له عظيمة قد ألقى عليها الكرابيس وجلس تحتها ، وزحف عبد الله بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة وهو على ميسرة أهل الشام ، فلم يزل يحوزه (8)
ويكشف خيله من الميسرة حتى اضطرهم إلى قبة معاوية عند الظهر.
نصر ، عن عمر ، عن مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب ، أن عبد الله بن بديل قام في أصحابه فقال : إن معاوية ادعى ما ليس له ، ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله ، وجادل بالباطل ليدحض به الحق ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب ، وزين لهم الضلالة ، وزرع في قلوبهم حب الفتنة ، ولبس عليهم الأمر ، وزادهم رجسا إلى رجسهم ، وأنتم والله على نور من ربكم وبرهان مبين. قاتلوا الطغام الجفاة ولا تخشوهم. وكيف تخشونهم وفي أيديكم كتاب من ربكم ظاهر مبروز ؟! ( أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين. قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ). وقد قاتلتهم مع النبي صلى الله عليه والله ما هم في هذه بأزكى ولا أتقى ولا أبر. قوموا إلى عدو الله وعدوكم.
المصادر :
1- تهذيب التهذيب والمعارف ومشارق الأنوار ( ٢ : ١٦٨ ). وفي الأصل : « قطرب » تحريف.
2- تهذيب التهذيب والمعارف ٢٣١.
3- تهذيب التهذيب والمعارف ١٨٨ والإصابة ٢٩٦٥.
4- وفيات الأعيان ( ١ : ٤٤٩ ) وطبقات ابن سعد ( ٥ : ٦٦ ).
5- وانظر البيان والتبيين ٢ : ٢٨٥.
6- الطبري ٦ : ٨
7- الطبري ( ٦ : ٨ ).
8- الطبري ( ٦ : ٩ ).

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.