
الصوم عند الإماميَّة ركن من أركان الشريعة الإسلامية ، والتزام الشيعة به لا ينكر ، بل قد تجاوزوا ما يراد منهم شرعاً ، فيبلغ الواحد أو الواحدة منهم من المرض أو من العطش ، حّداً لا يجوز له الصوم؛ وهو لا يتركه.
ويجب علىٰ كل مكلِّف خالٍ من الموانع ، كالحيض والنفاس ، والسفر ، والمرض الإمساك ـ متقرِّباً لله ـ عن تعمّد الأكل والشرب ، وعن الجماع مطلقاً ، وعن الاستمناء ، وعن البقاء على الجنابة حتّىٰ يطلع الفجر. ومثله الحيض ، والنفاس ، والاستحاضة ـ مع النقاء ـ قبل طلوعه. وعن معاودة الجنب النوم مرّتين ، بعد انتباهتين. وعن إيصال الغبار الغليظ إلى الجوف.
فلو تعمَّد الإخلال بشيء من هذه الاُمور ، وجب عليه القضاء والكفارة. أما لو تعمَّد الاحتقان.. بالمائع ، أو تعمَّد القيء ، وجب عليه القضاء دون الكفارة. وكذلك لو عاود النوم بعد انتباهة واحدة.
والأقوىٰ حرمة الرمس في الماء ، والكذب على الله ورسوله والأئمة صلوات الله عليهم. والأحوط القضاء معهما.
والنيَّة فيه ـ كما عرفت ـ هي الداعي بلا لفظ ولا إخطار. ووقتها في أوّل الليل ، وتتضيَّق عند الفجر. وفي قضاء شهر رمضان وغيره إلى الزوال. ولا بدّ من تعيين النيَّة في غير رمضان.
طرق ثبوت شهر رمضان
ويثبت شهر رمضان بأحد خمسة طرق :
1 ـ برؤية الهلال.
2 ـ بشهادة عدلين.
3 ـ بحكم المجتهد الجامع للشرائط.
4 ـ بإكمال عدة شعبان.
5 ـ بالشياع.
ولو نوىٰ فيه غيره لم يقع عنه ولا عن غيره. وينوي صوم يوم الشكِّ بنية القربة من دون تعيين ، ويجزي لو صادفه. ولا يلزم التعيين في رمضان ، بل ينوي الصوم لكل يوم متقرِّباً إلى الله.
وكفارة من أفطر في رمضان عتق رقبة ، أو صيام ستّين يوماً ، أو إطعام ستّين مسكيناً ، مخيَّراً في ذلك. ومن كان إفطاره علىٰ محرَّم وجب عليه الجميع : العتق ، والصيام ، والإطعام.
والظاهر أن كفارة النذر كفارة يمين ، وهي عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، فإنْ لم يتمكَّن فصيام ثلاثة أيام.
ويجوز للشيخ والشيخة وذي العطاش والحامل المقرب والمرضعة قليلة اللبن الإفطار ، وتلزم الفدية عن كل يوم بمدٍّ.
ويجب على المرتِّد ـ دون الكافر الأصلي والمخالف إذا استبصر ـ قضاء زمان الردَّة. وعند الإمامية أن قاضي شهر رمضان له الإفطار ، قبل الزوال ، إذا كان الوقت متِّسعاً ، فإنْ أفطر بعد الزوال مع الضيق كفَّر. فاتضّح أن حكم الصوم عند الإمامية أقسام ثلاثة :
واجب وهو يكون واجباً بأصل الشرع كصوم شهر رمضان ، ويكون واجباً بالعرض كصوم الكفّارة ، والنذر ، وبدل الهدي ، والنيابة. ومستحبّ كصوم شعبان ورجب ، وهو كثير. وحرام كصوم العيدين وأيّام التشريق. وأزاد بعضهم قسماً رابعاً ، قال : ومكروه كصوم يوم عرفة (1) ويوم عاشوراء (2).
وللصوم عندهم شرائط وموانع وآداب كثيرة ، من أرادها فليراجع كتبهم التي لا تعدُّ ولا تحصر.
الزكاة
وهي عند الشيعة اُخت الصلاة ، ووجوبها عندهم من ضروريات الدين ، ومنكرها مندرج في الكافرين ، والمانع لها ليس من المؤمنين ولا من المسلمين ، وليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً (3)
بل في بعض أخبارهم أن من لا زكاة له لا صلاة له (4).
ما تجب فيه الزكاة
وهي كما عند عامّة المسلمين واجبة في تسعة أشياء :
الأنعام الثلاثة : الإبل ، والبقر ، والغنم.
وفي الغلات الأربع : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب.
والنقدين : الذهب ، والفضة.
وتستحب في المال المتاجر به ، وفي الخيل.
شرائط من تجب عليه الزكاة وما تجب فيه
وتجب عندهم بشرائط ، لا شيء منها إلّا وهو موافق لأحد المذاهب ، وهي : البلوغ ، والعقل ، والحرِّيَّة ، والملكيَّة ، والتمكُّن من التصرُّف. وهذه شرائط من تجب عليه.
أما شرائط ما تجب فيه؛ ففي الأنعام ، مضافاً إلى الخمسة السابقة أربعة اُمور :
1 ـ النصاب.
2 ـ السوم.
3 ـ الحول.
4 ـ ألّا تكون عوامل.
وأما شرائط زكاة الغلات ، فيعتبر فيها مضافاً إلى الشروط العامة أمران : النصاب ، وأنْ يكون التملُّك لها قبل وقت تعلّق الوجوب؛ وهو على ظاهر في الحنطة والشعير صدق الاسم ، ويتحقق بانعقاد الحبِّ ، ووقت التعلُّق في التمر والزبيب صيرورتهما بسراً وحصرماً ، ويمكن القول باعتبار صدق الاسم. والاحتياط سبيل النجاة. ففيما إذا باع المالك الزرع أو ثمرة النخل ، عند انعقاد الحبّ وبدُوِّ الصلاح وقبل صدق الاسم ، فالزكاة في الأول على المالك ، وفي الثاني على المشتري.
وعلىٰ كلٍّ يلزم اعتبار اليبس في النصاب ، فلو كان الرطب بقدر النصاب دون اليابس فلا زكاة.
ووقت جواز مطالبة المالك هو وقت الأداء ، وهو غير وقت التعلُّق ، وهو عند التصفية وجذِّ التمر وقطف الزبيب ، وهو الموجب للضمان لو أخّر لا التأخير عن وقت التعلُّق. ولا يجوز تقديم الزكاة عليه ، إلّا علىٰ نحو القرض ، مع بقاء صفة الاستحقاق عند الاحتساب ، وبقاء الدافع والمال علىٰ صفة الوجوب.
ولا تجب الزكاة عند الشيعة ، إلّا بعد إخراج حقِّ السلطان والمؤن ، وبعدّ ذلك كلِّه يعتبر النصاب ، ولا يخفىٰ حسن الاحتياط.
موارد صرف الزكاة
أما من تُصرف إليه ، فهم ثمانية ، وقد صرحت بذلك الآية : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (5).
أما زكاة الأبدان ـ المسمّاة بزكاة الفطرة ـ التي يخشى الموت علىٰ من لم تدفع عنه ، وتقتضي قبول الصوم لمن دفعت عنه ، فهي واجبة علىٰ كل إنسان بالغ عاقل ، متمكنِّ عن نفسه وعمن يعوله صغيراً أو كبيراً ، من حرٍّ ومملوك.
وقدرها صاع من الحنطة ، أو الشعير ، أو التمر.ولها شرائط وأحكام لا يختلف مذهب الشيعة فيها عن سائر المذاهب.
المصادر :
1- شرائع الإسلام 189 : 1.
2- مستند الشيعة 514 : 10.
3- انظر المحاسن 169 : 1.
4- انظر دعائم الإسلام 305 : 1.
5- التوبة : 60.