الاذان زمن الصحابة

ماهو موقف عمر بن الخطاب وموقف غيره من المجتهدين في الأذان ، وهل لهؤلاء دور في هذا التغيير ، أم تقع تبعات التحريف على اللاحقين من بني أميّة وبني العبّاس ؟ وغيرهم من المتأخّرين حسب تعبير الصنعاني.
Saturday, February 25, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الاذان زمن الصحابة
 الاذان زمن الصحابة

 





 

ماهو موقف عمر بن الخطاب وموقف غيره من المجتهدين في الأذان ، وهل لهؤلاء دور في هذا التغيير ، أم تقع تبعات التحريف على اللاحقين من بني أميّة وبني العبّاس ؟ وغيرهم من المتأخّرين حسب تعبير الصنعاني.
کان هناک وجود اتّجاه في الصحابة وموقف من الأذان يقترح على الرسول أن يتّخذ ناقوساً مثل ناقوس النصارى ، أو بُوقاً مثل بوق اليهود ، فيستاء رسول الله من هذا ويغتمّ لاقتراحات هذا الاتجّاه من الصحابة الذين وصل الأمر بهم إلى أن يقترحوا على الرسول المصطفى إدخال بعض أحكام وأفكار شريعتي موسى أو عيسى المحرَّفتين في منهج الإسلام ، وكأنّ اطروحة الإسلام غير قادرة على أن تفي بالأعباء ؛ فقد رووا عن عمر أنّه قال للنبي صلى الله عليه وآله « يا رسول الله إنّي مررتُ بأخٍ لي من يهود فكتب لي جوامع من التوراة ، أفلا أعرضها عليك ؟ فتغيّر وجه رسول الله.
فقال عمر : رضيت بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمّد رسولاً ، فسُرّي عن النبيّ ، ثمّ قال صلى الله عليه وآله : والذي نفسي بيده ، لو أصبح فيكم موسى فاتّبعتموه وتركتموني لضللتم ، إنّكم حظّي من الأمم وأنا حظّكم من النبيّين »(1).
فهؤلاء المجتهدون في الصدر الأوّل كانوا يتعاملون مع الأحكام وفق ما عرفوه من الشرائع السابقة ، وكانوا يتصورون بأنّ الأمر بيدهم يفعلون ما يشاؤون ، فكانوا هم الذين اقترحوا على رسول الله البوق ، الناقوس « فتقسوا أو كادوا أن ينقسوا » حتى رأى عبد الله بن زيد أو غيره في المنام ....
إذاً فكرة كون تشريع الأذان كان ب ـ « رؤيا » جاءت من قبل الصحابة المجتهدين ، ثمّ تطوّرت حتّى وصل بها الأمر إلى ما وصل لاحقاً ، وهذا ما يجب الوقوف عليه في مطاوي بحوثنا..
إذ جاء عن كثير بن مرة الحضرمي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : أوّل من أذّن في السماء جبرئيل عليه السلام ، قال : فسمعه عمر وبلال ، فأقبل عمر فأخبر النبيّ بما سمع ، ثمّ أقبل بلال فأخبر النبيّ بما سمع ، فقال له رسول الله : سبقك عمر يا بلال....
أو قول ابن عمر : إنّ بلالاً كان يقول أوّل ما أذّن : « أشهد أن لا إله إلاّ الله ، حيّ على الصلاة » ، فقال له عمر : قل في أثرها « أشهد أنّ محمّداً رسول الله »...
نعم إنّهم رفعوا بضبع الصحابة الحالمين الرائين للأذان إلى مرتبة النبوة والمعاينة الحقيقيّة حتّى قال عبدالله : « يا رسول الله ، إنّي لَبينَ يقظان ونائم » ، وفي آخر : « لقلت : إني كنت يقظاناً غير نائم » ، وبعكس ذلك نراهم يحطّون من منزلة النبيّ صلى الله عليه وآله عن المعاينة الحقيقية في المعراج ـ ( دنى فتدلى فكانَ قابَ قوسَينِ أو أدنى ) ـ إلى مرتبة التشكيك ، مستخدمين العبارة نفسها « بين النائم واليقظان » ، ورووا ذلك في الصحيح!!
ففي صحيح مسلم بسنده عن قتادة ، عن أنس بن مالك ـ لعله قال : عن مالك بن صعصعة (رجل من قومه) ، قال ـ قال نبي الله صلى الله عليه وآله : بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان ...
ثمّ أتيت بدابة أبيض يقال له البُراق فوق الحمار ودون البغل يقع خطوه عند أقصى طرفه ، فحُمِلتُ عليه ، ثمّ انطلقنا حتّى أتَينا السماء الدنيا.... ثمّ سرد قصة المعراج(2).
بل في رواية شريك في حديثه عن أنس التصريح بأنّه صلى الله عليه وآله كان نائماً. قال : « وهو نائم بالمسجد الحرام » وذكر القصة الواردة ليلة الإسراء ، ثمّ قال في آخرها : « استيقظت » ـ أي انتبهت ـ من منامي وأنا في المسجد الحرام(3).
قال الصالحي الشامي : وهذا المذهب يعزى إلى معاوية بن أبي سفيان... ويُعزى أيضاً إلى عائشة(4).
بل صرّح إمام الشافعية القاضي أبو العبّاس بن سريج بوضع هذا الحديث على عائشة فقال : هذا حديث لا يصحّ وإنّما وُضِعَ ردّاً للحديث الصحيح(5).
ترى من هو الواضع ؟
وما هو غرضه من التحريف في مقابل ما هو أصيل ؟
ولماذا جَحْدُ منزلة النبيّ صلى الله عليه وآله ومحاولة جعل القضية مناماً عاديّاً ؟
ولماذا يختص ذلك بمعاوية وعائشة ؟!
وهل يكمن في ذلك إنكارٌ مُبَطَّن لرؤيا النبيّ بني أميّة ـ أو تيماً وعديّاً ـ يردون الناس عن الإسلام القهقرى ؟!(6)
إذ ليس في الرؤيا الماميّة كبير أمر ولا كثير طائل ، وإذا كان المعراج رؤيا فلماذا لم يَرَها الآخرون كما رأى الأذان سبعة أو أربعة عشر أو عشرون شخصاً ؟! لكي لا يكذّب المشركون النبيَّ صلى الله عليه وآله أو لكي لا يرتدّ من أسلم من المسلمين ؟ ألم يقولوا مثل هذا التعليل في سرّ رؤى الصحابة للأذان ؟!
فهذه النصوص ترفع هؤلاء إلى السماء وتجعلهم قرب الوحي ، وتحاول إنزال مقامات النبيّ صلى الله عليه وآله في المعراج إلى حدّ الرؤيا العادية ، فنحن لو لحظنا دور المجتهدين في الشريعة ووقفنا على اجتهادات الصحابة واقتراحاتهم على رسول الله في الأذان وغيرها ، وعرفنا الدواعي التي دفعت بعمر بن الخطّاب أن يرفع ( حيّ على خير العمل ) أو يضع ( الصلاة خير من النوم ) في الأذان لآمَنَّا بأن الشرارة الأولى لهذا التحريف جاءت من قبل هذا القسم من الصحابة ، وأن فكرة كون الأذان رؤيا تتّفق مع فكر هذا الصنف لا المتعبّدين ، وذلك لاجتهادهم وعدم تعبّدهم بالنصوص. ونظرة هؤلاء تختلف عن نظرة أهل البيت إلى الشريعة والإسراء والمعراج وغيرها.

الأمويّون والأذان

لقد تطوّرت فكرة الرؤيا وما جاء في تشريع الأذان في العهد الأموي وتأطّرت بإطارها الخاص ؛ إذ لو جمعنا القرائن والشواهد لعرفنا بأن معاوية ومن بعده هم الذين تبنوا هذه الفكرة وأنّهم كانوا قد سعوا لتثقيف الناس حسبما يريدونه ، وهذا ما نلاحظه في نصوص الأذان بعد الإمام عليّ ، إذ لم يشر عليّ عليه السلام إلى هذا التضاد في الأذان في ما رواه عن النبيّ ، بل لم يردنا خبرٌ صريحٌ في تكذيب الروايات المدّعية لثبوت تشريع الأذان بالرؤيا قبل الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام .
فأوّل ما تطالعنا النصوص بهذا الصدد هو كلام سفيان بن الليل حينما قدم على الإمام الحسن بعد الصلح ، قال : فتذاكرنا عنده الأذان فقال بعضنا : إنّما كان بدء الأذان برؤيا عبدالله بن زيد.
فقال له الحسن بن عليّ : إنّ شأن الأذان أعظم من ذلك ، أذَّن جبرئيل..
وهذا يرشدنا إلى تذاكر المسلمين في أمر الأذان بعد الصلح لقوله ( لما كان من أمر الحسن بن عليّ ومعاوية ما كان قدمت المدينة وهو جالس في أصحابه ).
فبعضهم في هذا الخبر يقول : ( إنّما كان بدء الأذان برؤيا عبدالله ) ، لكنّ الإمام الحسن صحّح رؤيتهم الخاطئة قائلاً : إن شأن الأذان أعظم من ذلك.
ونحن لو واصلنا السير التاريخي وانتقلنا من خبر الإمام الحسن إلى ما جاء عن الإمام الحسين وأنه سئل عمّا يقول الناس ؟ فقال عليه السلام : « الوحي ينزل على نبيكم ، وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زيد » ؛ لعرفنا استمرار هذا النزاع بين الناس وأهل البيت في كيفية نشوء وبدء تشريع الأذان.
وقد مر عليك كلام أبي العلاء سابقاً حيث قال : قلت لمحمّد بن الحنفية : إنا لنتحدث أنّ بدء الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الانصار في منامه.
قال : ففزع لذلك محمّد ابن الحنفية فزعاً شديداً وقال : عمدتم إلى ما هو الاصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنّه إنّما كان رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه يحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث أحلام.
قال : فقلت : هذا الحديث قد استفاض في الناس ؟
قال : هذا والله هو الباطل...
فبدءُ النزاع العلني وانتشاره كان في زمن معاوية بعد صلح الإمام الحسن ، وفزعُ محمّد بن الحنفية الفزع الشديد ، وإخبارهم إياه باستفاضة هذا الحديث ، ليدلاّن على أنّ وضع تلك الأحاديث الأذانية أو بدء انتشارها كان في زمان معاوية بن أبي سفيان ، الّذي كان حسّاساً إلى درجة كبيرة من ذكر النبيّ صلى الله عليه وآله ، إذ كيف يقرن اسم بشر « محمد » باسم رب العالمين « الله » ؟! (7)
مع أن كل الأنبياء الذين جاؤوا بشرائع سابقة لم يقرن اسم أحدهم باسم رب العزة في إعلامهم للطقوس الدينية ، بل كان الناقوس والبوق والشبّور .
إذن لم يكن معنىً ـ بنظر معاوية ـ لمقارنة اسم النبيّ لاسم الربّ في السماء وفي المعراج ، بل يكفي بذلك أن يكون مناماً ، أو اقتراحاً من عمر ، أو....
وعلى ذلك فلا ضير إذن في الزيادة أو الحذف في الأذان ، فلَكَ أن تحذف « حيّ على خير العمل » كما فعل عمر وتضع موضعها « الصلاة خير من النوم » ، ولك أن تفرد الإقامة ولا تثنّيها « لحاجة لَهُمْ » ، ولك أن تزيد النداء الثالث يوم الجمعة ، ووو.... إلى آخر هذه الاجتهادات ، إن كان لها آخِر.
ومن هذا الباب كان معاوية أوّل من أفشى مقولة التثويب الثاني ، وهي دعوة المؤذّن للخليفة أو الأمير ـ لكثرة مشاغله ـ إلى الصلاة بقوله « السلام على أمير المؤمنين ، الصلاة الصلاة رحمك الله » ، وسار المغيرة بن شعبة على نهج معاوية في هذا أيضاً ، بل قيل إنّه أوّل من فعل ذلك.
ولكن صرّح الأعلام بأنّ معاوية كان أوّل من أحدث هذا ، وتبعه المغيرة بن شعبة ومَن حذا حذوه(8).
فشاع الأمر واستفاض ، وصار كأنّه حقيقة لا مناص عن الإذعان لها ـ مع أنّ الحقيقة الإسلامية هي شيء آخر ـ وراحت أصداء هذا الحدث الأذاني تمتد وتمتد إلى العصر العباسي ، ومنه وصلت إلى يومنا الحاضر.
روى عبدالصمد بن بشير ، قال : ذُكر عند أبي عبدالله [ الصادق ] بدء الأذان فقيل : إنّ رجلاً من الأنصار رأى في منامه الأذان ، فقصه على رسول الله فأمره رسول الله أن يعلّمه بلالاً ، فقال أبو عبدالله : كذبوا ، إنّ رسول الله كان نائماً في ظلّ الكعبة فأتاه جبرئيل ومعه طاس فيه ماء من الجنَّة(9)....
ولو تدبرنا في هذه النصوص وما جاء في تاريخ بني أميّة لعرفنا إمكان تطابق هذه الرؤية معهم لما يحملون من أفكار أكثر من غيرهم ، خصوصاً بعد أن وقفنا على تاريخ النزاع وأنّه بدأ في عهدهم ، وإنّك لو تتبّعت مجريات الاحداث لعرفت تضاد بني أميّة مع رسالة الإسلام وعدم تطابق مفاهيمهم مع مفاهيم الوحي ورسول الله ، وأنّهم كانوا على طرفي نقيض مع بني هاشم في الجاهلية وفي الإسلام ، إذ التزم بنو أميّة جانب المشركين أمام بني هاشم الذين لم يفارقوا الرسول في جاهلية ولا إسلام.
فقد قال رسول الله عن بني هاشم : « أنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام ، وإنّما نحن وهم شيء واحد » وشبك بين أصابعه.(10)
نعم كان الأمر كذلك ، فرسول الله كان لا يرتضيهم ، وهُم لم يدخلوا الإسلام إلاّ مكرهين.
المصادر :
1- المصنّف لعبدالرزّاق 10 : 313 رقم 19213 ، مجمع الزوائد 1 : 174 وفيه : يا رسول الله ، جوامع من التوراة أخذتها مع أخٍ لي من بني زُرَيق ، فتغيّر وجه رسول الله...
2- صحيح مسلم 1 : 150 ، باب الإسراء من كتاب الإيمان ـ ح 264. وانظر : مثله في صحيح البخاري 4 : 549 ، كتاب بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم ، ح 1371.
3- سبل الهدى والرشاد 3 : 69 والنص عنه. وانظر : رواية شريك في صحيح البخاري 9 : 824 ـ 826 / كتاب التوحيد / باب قوله ( وكلم الله موسى تكليماً ) / ح 2316 ، وانظر : صحيح مسلم 1 : 148 ح 262 / كتاب الإيمان ـ باب الاسراء برسول الله.
4- سبل الهدى والرشاد 3 : 69.
5- سبل الهدى والرشاد 3 : 70 ، نقلاً عن المعارج الصغير لابن الخطاب بن دحية.
6- الكافي 8 : 343 ـ 345 باب رؤيا النبيّ صلى الله عليه وآله .
7- سيأتي خبر معاوية لاحقاً في صفحة 106/108 .
8- الوسائل إلى معرفة الاوائل ، للسيوطي : 26.
9- تفسير العيّاشي 1 : 157 ، ح 530.
10- سنن أبي داود 3 : 146 كتاب الخراج والامارة و.. ، باب في بيان مواضع قسم الخمس.. ، ح 2980 ، وانظر : سنن النسائي 7 : 131 كتاب قسم الفيء.

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.