![فتنه التکفير جذورها، و أطوارُها، و شرورُها فتنه التکفير جذورها، و أطوارُها، و شرورُها](https://rasekhoon.net/_files/thumb_images700/article_ar/Fetneh.jpg)
الحمد لله رب العالمين، رحيمٌ يُحب من عباده الرُّحماء سبحانه خلق الخلق من نفس واحدة و جعلهم شعوباً و قبائل ليتعارفوا إن أكرمهم عند الله أتقاهم و صلى الله وسلم و بارك على من بعثه الله بکلمة التوحيد لتوحيد الکمل فکان خير داع الي الله بالحکمة و الموعظة الحسنة: يُعلم و يبشر و لاينفر و لا يکفر لينعم عباد الله برحمة الله.
سيدنا محمد وآله الأطهار و صحبه الأخيار و من اتبع طريقهم و تخلق بأخلاقهم إلى يوم الدين.
و بعد
1. ما قَصّهُ علينا القرآن الكريم بشأن الخليل إبراهيم الذي كان حنيفاً مسلماً ولم يك من قال تعالى: َ«واذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيا* إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يسْمَعُ وَلَا يبْصِرُ وَلَا يغْنِي عَنْكَ شَيئًا* يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا* يا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيطَانَ إِنَّ الشَّيطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا* يا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيطَانِ وَلِيًّا* قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا* قَالَ سَلَامٌ عَلَيكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا» (الآية 37 من سورة مريم) فتأمل ماکان عليه أبوه (من اصرار علي الکفر، بل و بدعوة ابراهيم للدخول فيه و لكن الخليل إبراهيم (عليه السلام) بعد أن أفرغ جهده في إقناعه بالعقيدة الحق و الأب على غيه و ضلاله لم يصدر عنه حکم بالکفر بل قاله له: سلام عليک سأستغفر لک ربي إنه بي حفياً.
كما أنه لم يدخر جهداً في هداية قومه ودعوتهم إلى قراءة كتاب الله المنثور و هو النظر في الکون (الکوکب- القمر- الشمس) لاستدراجهم و اظهار الحجة علي بطلان کل ما يُعبد دون الله (وَ کَذَلِکَ نُرِي إِبراهيمَ مَلَکوتَ السَّمَاوَات والأَرضِ ولِيَكونَ مِنَ المُوقِنِينَ) فلما تأكد أنه أمام قلوب مغلقة موصدة ضاعت مفاتيحها تحول من الدعوة النظرية إلى الدعوة العلمية. قال تعالى: «فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ* فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ* مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ* فَرَاغَ عَلَيهِمْ ضَرْبًا بِالْيمِينِ* فَأَقْبَلُوا إِلَيهِ يزِفُّونَ* قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ* وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ* قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ* فَأَرَادُوا بِهِ كَيدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ» (الآية: 90-98 من سورة الصافات).
فالخليل إبراهيم واجه الأصنام بالتحطيم والتكسير ولكنه لم يواجه قومه بالقتل والتكفير.
2. و مع کليم الله موسي يخبرنا القرآن الکريم
«وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ» (الآية 138 من سورة الأعراف).
فتأمل قوله موسى لقومه: قال إنكم قوم «تجهلون» وليس «تكفرون» بل إنه لجاً إلى أسلوب النصح والتوجيه.
قال: « قَالَ أَغَيرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ» (الآية 140 من سورة الأعراف). فمما هو ثابت و معلوم عن نبينا المعصوم (صلي الله عليه و آله و سلم) أنه كان يُعلم و يُرشد و يبشر ولا يُعنف ولا يُنفر ولا يكفر لأنه بُعث بالحنيفية السمحه و الآيات المحكمة فقد ثبت عنه صلوات الله عليه وآله وسلّم:
1. عندما مرَّ الصحابة الكرام يوماً بشجرة كان الكفار يقدسونها و ينوطون بها أسلحتهم ويعكفون عليها. فطلبوا من رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) قائلين اجعل لنا هذه ذاتَ أنواط كما للكفار ذات أنواط فقال (صلي الله عليه و آله و سلم): الله أكبر: هذا كما قالت بنو إسرائيل « اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ» (الأعراف 138) إنكم ترکبون سُنَنَ ماکان قبلکم "رواه أحمد و صححه الترمذي". فقد أرشدهم و علمهم و لم يکفرهم.
2. عن ابن عباس قال: قال رجل للنبي (صلي الله عليه و آله و سلم) ما شاء الله و شئت، فقال: أجعلتني لله ندّاً قل ما شاء الله وحده "النسائي و ابن ماجة".
3- حديث الشاب الذي جاء يطلب من رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) ترخيصاً بالزنا: وكيف أنه أدناه و قربَه ثم قال له: أترضاه لأمك؟ قال: لا، فقال (صلي الله عليه و آله و سلم): كذلك الناس لا يرضونه لهؤلاء، فكيف ترضى لغيرك ما لا ترضاه لنفسك ؟ ثم وضع يده على صدره ودعا الله قائلاً اللهم طهر قلبه، وحصن فرجه و اغفر ذنبه... الحديث الصحيح: فعلمه و لم يكفره.
4. حديث الصحابي الذي أراد أن يهدي لرسول الله "رواية خمر" فقال (صلي الله عليه و آله و سلم): أما علمت أن الله قد حرمها؟ فقال الرجل: أفلا أهادي بها اليهود؟ فقال (صلي الله عليه و آله و سلم) أما علمت أن الذي حرمها حَرَّم أن هادي بها اليهود؟ فقال الرجل: فما آصنع بها؟ قال: شنها علي البطحاء، فشنها الرجل علي البطحاء: فقد علمه و لم يكفره (مسلم والنسائي)
5. قصة الصحابي: حاطب بن أبي بلتعه: عندما اقترف خطيئة كبرى تعتبر جريمة أمن دولة عليا، أمن الوطن، لأنه قام بالتخابر مع جهة أجنبية معادية للمسلمين وفي حالة حرب معلنة، وأرسل خطابه الشهير، يحذرهم من عزم رسول الله علي فتح مکة، و بعد أن فشلت خطته و اکتشاف آمره نهى الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) عن تكفيره أو قتله بل عفا عنه و قال: لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لکم.
6. موقفه من الرجل الذي أساء الأدب مع رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): وقال له: يا محمد اتق الله فما عَدَلت في هذه القسمة. ومع أن الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) قد أعلمه الله ومآله. و أنه رأس فتنة ستجلب الخراب و الدمار علي المسلمين و هم الخوارج و قال عنه : سيخرج من (ضِئضِئ) هذا قوم... ثم اگر صفات الخوارج و أفعالهم. و مع کل هذا عندما ثار أحد الصحابة و طالب بضرب رأسه: قال (صلي الله عليه و آله و سلم): لاتقتلوه، لعله يُصلي، فاعتبرالصلاة، حصناً مانعاً له من القتل و لوکان منافقاً. (و الحديث رواه مسلم في کتاب الزکاة باب ذکر الخوارج (رقم 1067)).
وفيه نزل قوله تعالى: «يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِياكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ» (الممتحنة: 1)
نعم: لم يرد في السنة النبوية من الأحاديث بشأن فرقة من الفرق ما ورد بشأن ما ورد بحق الخوارج بيان صفاتهم و التحذير من شرورهم وأفكارهم وسلوكهم نظراً لما تمثله هذه الفرقة من خطر كبير وشر على الإسلام ووحدة المسلمين لأنها تُعتبر مرضاً فكرياً عُضالا. لئلا تنزلق الأمة في دومة أفكارهم، و تصاب بسرطان فهمهم السقيم للنصوص النبوية والقرآنية.
و من مجموع ما تواتر من الآثار الصحيحة التي رواها الشيخان البخاري و مسلم و أصحاب السنن من أكثر من 40 طريقاً، يوضح الرسول الأكرم محمد (صلي الله عليه و آله و سلم) حالهم و صفاتهم فيقول: يأتي آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لايجاوز إيمانهم حناجرهم.
و في رواية مسلم: كتاب الزكاة: يبين المزيد من صفاتهم فيقول: يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليست قرائتکم الي قراء تهم بشياء و لا صلات کم الي صلاتهم بشئء، و لا صيامکم الي صيامهم بشيء يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم و هو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية.
وورد فيهم أيضاً يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد و ثمود.
وذكر (صلي الله عليه و آله و سلم) من صفاتهم أيضاً: يُحسنون القولَ و يسيئون العمل، سيماهم التحليق: "بكيفية لم تكن معهودة عند المسلمين" ، تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق.
هذه النصوص المتكاملة: رواها البخارى و مسلم و النسائي و الترمزي و أحمد و الحاكم و غيرهم. رؤوس الفتنة الخوارجية مع رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)
أخرج الامام مسلم في ذکر الخوارج و صفاتهم رقم (1064)
عن أبي برزة قال: أتي رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) بدنانير فجعل يقسمها (بين أصحابه) وعنده رجل أسود مطموم الشعر، عليه ثوبان أبيضان بين عينيه أثر السجود، غائر العينين، ناتئ الجبين کث اللحية، سارف الوجنتين محلوق (أي حليق شعر الرأس)، فقال: يا محمد: اتق الله: فإنك ما عدلت منذ اليوم القسمة، فغضب رسول الله غضباً شديداً، ثم قال: فمن يُطع الله إذا عصيتُه؟ أيأمنني على أهل الأرض، ولا تأمنونني؟ وفي رواية: والله لاتجدون أحداً أعدل عليكم مني (ثلاث مرات).
فلما وليَّ (أي ذهب هذ الرجل) قال (صلي الله عليه و آله و سلم): إن من ضِئضِئ هذا قوماً يقرأون القرآن لايجاوز مهاجر هم ثم ذکر الحديث السابق.
و لقد تحقق ما أخبر به المصطفى (صلي الله عليه و آله و سلم): فظهرت مبكراً هذه الفرقة زمن الفتنة بين الصحابة.
2. أشداء على المسلمين رحماء بالكافرين: يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الأوثان.
3- سراع في تفلتهم و مروقهم من الدين: يمرقون من الدين کماي مرق السهم من الرمية.
4- عُبّاد زهاد بلا حقيقة إيمان: يحقر أحدکم صلاته و صيامه مع صلاتهم و صيامهم.
5- مفارقون للحق خارجون على جماعة المسلمين: تقتلهم أولى الطائفتين بالحق.
6- أعمالهم تخالف أقوالهم: يحسنون القول و يسيئون العمل.
7- يکفرون ما لم يکفره الله و رسوله: حيث يکفرون المسلمين بفعل الکبائر.
8- يسيئون الأدب مع رسول الله و صحابته الأخيار: كما فعل جدهم الأول وكيف يتبرأ أحفاده الصحابيين عثمان و علي.
9- حلقوا الإيمان من قلوبهم و امتازوا بحلق رؤوسهم: سيماهم التحليق.
10- أجسام البغال و عقول العصافير: أحداث الأسنان سفهاء الأحلام.
أخبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى: عن علامة و صفة رجال من هؤلاء الخوارج منهم رجلاً له عضد وليست له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض.
فلما كان يوم قتالهم للإمام علي: التمسوا هذا الرجل المذكور بين القتلى فلم يجدوه فكادوا يرتابوا، حتى طلبه عليٌّ بنفسه فوجده على النحو الذي وصف رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) وعندما رآه الصحابة كبَّرَ الإمام علي و قال صدق الله و بَلَّغ رسولهُ: فقام إليه عبيدة السليماني، فقال: يا أمير المؤمنين، الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا الحديث في صفته من رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) فاستحلفه ثلاثاً فحلف بما سمعه.
المرحلة الأولى: البيئة الحاضنة التي نمى فيها الفكر التكفيري هي بيئة الخوارج الأوّل على النحو الذي آنفاً فأول فئة منحرفة أصَّلت وقَعَّدَت لهذا الفكر التكفيري هي فئة (الخوارج) وعلى الرغم من كونها جماعة سياسية في نشأتها، و قد نأت بنفسها عن حرب الفتنة التي نشبت يوم وقعة (صفين) سرعان ما أوغلوا في الشطط والانحراف و اختاروا لأنفسهم منهجاً فكرياً عقائدياً متفرداً و اطلّوا الأمة الإسلامية بمفاهيم و آراء شاذة في قضية الكفر والإيمان و من أهمها:
1. التلازم بين الإيمان و العمل وإنه ثلاثي الأركان (الإقرار القلبي، ثم التصديق اللساني، ثم التصديق العملي).
2. القول بكفر مرتكب الكبيرة لأنها تنفي الإيمان.
3. الحکم علي کل من يعارضهم و يخالفهم بالکفر و الشرک و من ثم فانهم کانوا يختبرون کل من ينضم لجماعتهم بالدليل العملي وهو أن يقتل مسلماً ممن وقع أسيراً تحت أيديهم من المسلمين إن قتله صَدَّقوه وإن أبى كذبوه وقتلوه.
4. قتل مخالفيهم (الكفار) و استحلال دماء أولادهم و نسائهم و أسرهم و أطفالهم مخلَّدون في النار.
5. الحکم علي بلاد مخالفيهم بإنها (دار کفر).
و اعتماداً على هذه الأصول الضالة سفكوا الدماء واستحلوا أرواح الأبرياء و أحدثوا في الدين ما ليس منه و ما الله و رسوله منه براء.
المرحلة الثانية: البَربَهاريَّة:
و على الرغم من غلو هذه الفرقة الخوارجية في الساحة الفكرية و العقدية إلا أن فكرهم سرعان ما اتجه نحو الأُفول والاضمحلال وكاد يغيب عن الساحة الإسلامية بالانحصار و الانكسار فلم يَعد له قوة و اثر فاعل يستقطب جماهير المسلمين في القرنين الثاني و الثالث الهجري.
فلما كان القرن الرابع ظهر على الساحة شخص اسمه حسن بن علي بن خلف البَربَهارية المولود 233 هـ أو 252 هـ فتولي کِبَر هذه الفرقة و أحيا فتنة التکفير من جديد، فادعي آنه حنبلي المذهب فكر غلاة الحنابلة و هم معروفون بتعصبهم و غلوهم و تكفيرهم للسواد الأعظم من المسلمين (الأشاعرة، و الماتريدية) و بالتالي فإن المذاهب الفقهية التابعة لهذين الإمامين (الأشعري- و الماتريدي) (في مسائل وهم المالكية والشافعية والحنفية كفار وإذا كان هؤلاء کفار و هم السواد الأعظم من أهل السنة فإن الإمامية والزيدية كفار من باب أولى حسب معتقداتهم.
و تمادى هذا [البربهاري] في تعصبه وغالى في تشدده فاعتنى بظاهرة التجسيم للذات الإلهية و أثار الشبهات لدي طلاب العلم بالخوض في آيات و آحاديث الصفات بهرطقة غير اسلامية و طريقة لم يخض فيها الرسول الأكرم و لا صحابته الأبرار منكراً المجازات اللغوية التي تضبط المفاهيم و تحمي عقول الأمة من الانتقاص والتجسيد الذي لا يليق بذات الله سبحانه و تعالى.
و تجاوز به الشطط أن دعا إلى تكوين جماعاتٍ (حسبية) للنهي عن المنكر ومحاربة ما رآه مخالفاً للمعتقدات الإسلامية و ذلك باللجوء إلى ظاهرة العنف والتخريب بإحراق المحلات و الحانات و اماکن الانحرافات و آلات الغناء.
و قد دَوَّن المؤرخ ابن الاثير في تاريخه مسجلاً سلوک انصار ابن [البر بهاري] و کيف آن صاحب الشرطة في ذلك العصر وهو (بدر الخرشنيُّ) قد اتخذ إجراءات أمنية لمواجهة غلو هذه الجماعة، أصدر قراراً بمنعهم من فرض أفكارهم على المسلمين بالقوة والعنف و منعهم من إمامة المساجد اشترط على أي إمام أن يجهر في صلاته بالبسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) و ازدادت المواجهات بين البربهارية و الشرطة و راجت الفتنة بين المسلمين، واستبشر الناس خيراً عندما علموا بموته بعد أن احتجب عن الظهور على الساحة عاماً أو أكثر، كما قال ابن الأثير.
هذا و قد دون المؤرخون الكثير من المآسي و العصبيات التي بلغت حتى التقاتل و المواجهات الدموية بين غلاة الحنابلة مع الشافعية من جهة و مع الحنفية من جهة أخرى مما يؤكد أن التعصب المذهبي إثم کبير و فتنة التکفير شرٌّ مستطير.
المرحلة الثالثة: الخوارجية العصرية و السطو على المصطلحات الشرعية:
قد لبست هذه الظاهرة التكفيرية ثوباً جديداً وتسللت إلى كيان الأمة تحت مُسميات حديثة و انتهجت فكر الاختزال و الاعتقال وشرعنت الإقصاء والإلغاء و مارست القرصنة و السطو على المصطلحات الشرعية و حتى تتضح معالم هذه الحالة، بلا تلبيس و لا تدليس و حتى لا نوسع هوة الخلاف و نقع فيما وقع فيه أولئك من سوء الظن بالمسلمين والنيل من أئمة وعلماء المسلمين، ينبغي علينا التماساً للحق و تبياناً للحقيقة أن نَذكُر و نُذكّر بالأمور الآتية:
أ. منشأ مصطلح (أهل السنة) وأطواره
باستنطاق كتب التاريخ نجد أن هذا اللفظ نشأ وتطوّر على النحو التالي:
1. الأول: زمان أواخر العهد الأموي ظهر فكر الاعتزال القائم على تقديس العقل و إهمال (النقل) ومع أن هذا الفكر لعب دوراً هاماً في مواجهة أفكار الملاحدة والمناطقة والمُثلّثة بالأدلة إلا أن العزوف عن النّصوص [النقلية] أدى إلى ظهور علماء غنوا باستخدام النصوص النبوية المغيبة. وتصدَّوا لمواجهة الفكر الاعتزالي وهم:
(1) عبدالله بن سعيد الكلاب. (2) والقلانسي. (3) و الحارث المحاسبي. وأُطلق علماء (أهل السنة) لعنايتهم بالحديث النّبوي والنهج الروائي و لكن لم يكن لهم حضور في علم (الكلام) وأصول العقائد التي عرفت بعلم التوحيد .
2. الثاني: الأشعرية: نسبة إلى (أبى الحسن الأشعري) المولود عام (260 هـ 874 م) والمتوفي (324 هـ 936 م). و قد نشأ الأشعري في بيئة (الاعتزال) و تتلمذ أربعين سنة على يد أبي علي الجبائي شيخ المعزلة: ثم ترك الاعتزال وانتهج طريقة الحديث. و هو المؤسس الأول والمنظر لأصول العقائد المناهضة لفكر المعتزلة وبالتالي فإنه أطلق على مدرسته (أهل السنة) وإليه ينتمي في العقائد (الشافعية- والمالكية).
3. و علي ذات الطريق ظهر العالم ابو منصور الماتريدي (الذي لم يعرف تاريخ مولوده و لکنه مات عام (333 هـ) فاهتم بالجانب العقلاني أكثر من الروائي لذلك عرفت مدرسته بمدرسة أهل (الرأي والقياس) و إن وافق الأشعري في كثير من مسائل العقيدة. و إلى هذه المدرسة ينتمي [الأحناف].
3. مدرسة الحديث أو الأثر: ويُعرفون (بالأثرية) وإمامهم أحمد بن حنبل و سمّو أيضاً بجماعة السنَّة) وإليهم ينتمي [الحنابلة].
5. إبان هذه المرحلة الأخيرة: ظهرت جماعة غلوائية متشددة و هم غلاة الحنابلة الذين كفروا (الأشاعرة) و نشبت بينهم حروب كلامية عقدية مازالت قائمة حتى الآن: ويقوم فكرها على الإيمان بنصوص آيات و أحاديث الصفات على ظاهرها بلا اعتبار لمجازات اللغة العربية: وقد عُرفت (بالمشبهة) ولكثرة استعمالهم للفظ (بلا كيف) سُمُّوا (بالبلكفية) ولإيمانهم بالمكانية لله و بذلك سيكون (حشو الكون) سُمُّوا أيضاً (بالحشوية).
ب. مرحلة السطو و الاختزال:
و تتمثل هذه المرحلة التي استشرت و استفحلت وأنتجت حالة تكفيرية جسيمة وكأنها الراعي الأكبر لإحياء تراث المدرسة الخوارجية التكفيرية الأولى.
وفى قرصنة و سطو على بعض المصطلحات الإسلامية أطلقوا على أنفسهم (جماعة أهل السنة + التوحيد + الفرقة الناجية) و باختزال و اعتقال، و إقصاء و إلغاء، ادعوا لأنفسهم الحق المطلق، و بالتالي فإن السواد الأعظم من المسلمين أهل ضلال و كفر و إشراك.
و أصحاب هذا الفكر أبوا إلا أن يفتئتوا على الشيخين [أحمد بن تيمية و محمد بن عبد الوهاب] و يشوهوا فكريهما وتاريخيهما، واستعداء المسلمين على هذين الشيخين.
وذلك بالتقاط أغلوطات، وانتحال مقولات، وتصيد سقطات مقطوعة من سياق موارد كلامهما، لا الاجتراء على تكفير المسلمين على مسائل خلافية بحجة سد الذرائع، فيحرمون أشياء مشروعة و يحكمون فاعلها بالكفر و هم لذلك كمن يفتي بتحريم العنب لأنه ذريعة إلى صناعه الخمر و بإخصاء الذكور غير المتزوجين لأنهم يملكون آلة الزنا و هكذا لأنَّ الأخذ بظاهر المعني يوقع في الغلط و تخطئة المسلم أو تكفيره و الحقيقة غير ذلك، فتأمل أدب أهل العلم في هذه اللطيفة.
طعم أبوحنيفة يوماً مع الإمام الصادق، فرفع الإمام الصادق، فرفع الإمام يده حمداً لله، ثم قال: "اللهم هذا منك و من رسولك"، قال أبو حنيفة، يا أبا عبد الله، أجعلت مع الله شريكا؟ قال الإمام: إن الله يقول في كتابه: «وَ لَو أَنَّهُم رَضُوامَا آتَاهُمُ اللهُ وَ رَسُولُهُ وَ قَالُوا حَسبُنَا اللهُ مِن فَضلِهّ و رَسُولُهُ إنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ» سبحانه: «يَحلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَ لَقَد قَالُوا كَلِمَةَ الكُفرِ وكَفَروا بَعْدَ إِسلاَمِهِم و هَمُّوا بِمَا لَم يَنَالُواو مَا نَقَمُوا إِلَّا أَن أَغنَاهُمُ اللهُ وَ رَسُولُهُ مِن فَضلِهِ» فقال أبو حنيفة: لكأني ما قرأتها قط في كتاب، ولا سمعتها إلا في الموقف.
ويقول أبو حنيفة: استأذنت عليه فحجبني (لحكمة فهمها أبو حنيفة فيما بعد) و جاء قوم من أهل الكوفة استأذنوا فإذن لهم فدخلت معهم، فلما صرت عنده قلت: يا ابن رسول الله لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) فإني تركت فيها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم! فقال: لا يقبلون مني، فقلت: و من لا يقبل منك وأنت ابن رسول الله؟ فقال الصادق: أنت أول لايقبل مني، دخالت بغير اذني و جلست بغير أمري، و تکلمت بغير رأيي، و قد بلغني أنک تقول بالقياس، فقلت: نعم أقول به فقال: و يحك يا نعمان، أول من قاس إبليس حين أمر بالسجود لآدم فأبى، وقال: خلقتنى من نار و خلقته من طين! أيهما أكبر يا نعمان: أيقاس لك هذا؟ قلت: لا قال: فأيهما أكبر: البول أو المني؟ قلت البول، قال: فلماذا أمر في البول بالوضوء وأمر في المنى بالغسل؟ أيقاس لك هذا؟ قلت: لا، قال أكبر الصلاة أم الصوم؟ قلت: الصلاة، قال فلم وجب على الحائض أن تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة؟ أيقاس ذلك؟ قلت: لا، قال: فأيهما أضعف: المرأة ام الرجل؟ قلت: المرأة، قال: فلم جعل الله للرجل سهمين في الميراث والمرأة سهماً أيقاس ذلک؟ قلت: لا.
و لوسأل الإمام الصادق أبا حنيفة عن حكمة كل حكم لأجاب لأنه صاحب الرأي الساطع و البيان القاطع لكنه أدب العلماء و احترام العترة الطاهرة.
هذا الأدب و الاحترام الذى جعل الإمام الشافعي يدع القنوت في صلاة الصبح عندما صلى في مسجد أبي حنيفة تأدباً واحتراماً له لأنه لا يرى القنوت في صلاة الصبح.
ج. موقفنا من العالمين [ابن تيمية، و ابن عبد الوهاب]
أن حالة السطحية و القشورية و الضبابية قد أوجدت و خلقت بيئة فكرية وأمزجة سوداوية تقوم بالتقاط فتاوي و أحکام صدرت عن الشيخين [ابن تيميه و ابن عبد الوهاب] في ظروف زمانية و مکانية معينة.
ثم يستنطقونها و يسخرونها في تکفير المسلمين، و کانهم الناطقون الرسميون المتحدثون باسم الشيخين فتأصل و شاع بين المسلمين أن [ابن تيمية و ابن عبد الوهاب] هما المصدر الأساس لفكر التکفير.
إن من يراجع كتب و فتاوى الإمام ابن تيمية يثبت له:
- أنه لم يدَّع لنفسه مرتبة الاجتهاد المطلق أو أنه صاحب مذهب فقهي خاص، لأنه كان على مذهب الإمام أحمد بن حنبل.
- و أنه كان يذكر أئمة المذاهب الإسلامية بكل الإجلال و الاحترام وحسبك كتاب (رفع الملام عن الأئمة الأعلام).
- و أنه لم يكن عدواً مبيناً للمتصوفة على الإطلاق، و أنه کان يثني علي علماء التصوف المنضبطين بالكتاب و السنة و إنما كان عداؤه للغلاة منهم و أصحاب نظريات الحلول أو إسقاط التکاليف الشرعيه و حسبک المجلد الخاص الکامل الذي آفرده في بيان [علم السلوک والتصوف في فتاويه الکبري].
- له جرأة و إقدام في إصدار الفتاوى التي يراها غير منسجمة مع الكتاب و صحيح السنة حتي و إن تعارضت مع المذاهب السُّنّية الأربعة. و في مقدمتها القول ببطلان الطلاق البدعي المخالف للكتاب و السنة في توافق كامل مع رأي المذهب الإمامي الجعفري و غير ذلك من محاسن الموقف و الآراء العلمية التي لا شك أنها تشكل إثراء وإضافة لتراثنا الفقهي.
و إن من يطالع موروثات الشيخ محمد بن عبد الوهاب يجده يقول بخلاف مايرجوهربتبناه المتطرّفون و المتشددون جهلاً و افتراء بغير علم. و الفتاوي و المواقف التي فرضتها ظواهر بدعية و انحرافات سلوكية من الجهلة والدهماء في عصره لا يجوز توظيفها واعتمادها سيفاً مشهراً على رقاب المسلمين علي مددي الأيام.
و خلاصة القول: أن العاقل إذا رأى جيفة أو حتى جيفاً تطفوا على سطح ماء بحر لجي عميق الأغوار كامن الأصداف و الأسرار لا يجوز أن يصفه بأنه مجمع الجيف و النفايات فالحسنات يذهبن السيئات و ليس العكس و الإنصاف العلمي يقتضي أن نقول بلا تهوين ولا تهويل أن الإمام ابن تيمية شيخ من شيوخ و علماء الإسلام. و ليس شيخاً للإسلام نذكره بالتقدير و الاحترام.
و نترحم عليه و على جميع موتى المسلمين الذين نحسن الظن بهم و أنهم ماتوا على كلمة التوحيد الله و رحمته.
و مع كامل احترامنا و تقديرنا للإمام ابن تيمية و الشيخ محمد بن عبد الوهاب و ما قاما به من جهود محمودة و أعمال طيبة في خدمة العلم و الدين. ولكن بصفتهما مسئولين عن إحياء هذا الكفر فلهما ما لهما و عليهما ما عليهما. و نسأل الله تعالى لنا و لهما الرحمة و المغفرة ولا نقول فيهما إلا خيراً.
إلا أننا و كبحاً لجماح الغلوائيين والمتعصبين الذين جعلوا من فكرهما و أقوالهما ديناً معصوماً يحقق صفات الفرقة الناجية و ما عداه هو الضلال المبين.
نقول إن العلماء الإعلام و الأئمة الكرام من ثقات الأمة قد ألّفوا عشرات المؤلفات و كتبوا مئات الكتب على هذين الشيخين منكرين و منتقدين حتى نعلم أن كل واحد من أهل العلم يؤخذ منه و يرد إلا الهادي المعصوم (صلي الله عليه و آله و سلم).
فقال الرجل: إننى صليت المغرب طاعة لله أولاً! ثم جئت فسلمت على السيدة زينب للتبارك؟ و سألك الله تعالى على مقربة من مكان سيدة صالحة من عترة الأل الأطهار. وقد يُكرمنى الله تعالي دعوئي بسبب حبي لها؟
فمقصدي لم يكن احتراماً ولا تعظيماً لهذه الجدار، وإنما حبّاً واحتراماً لمن سكن الديار فهذا أسواء ارتضينا سلوكه أم رفضناه؟ هل نحكم عليه بالشرك والكفر؟ و تأمل أخي الحبيب: قوله: أن مقصده التبارک لا العبادة.
و التبارك بالأنبياء و الصالحين عمل مشروع بالأدلة القاطعة و البراهين الساطعة كما سنورد لا حقاً، و جُمّاع القضية منحصرٌ في مسألة "سؤال الله تعالى بحبه أو حُبنّا للصالحين. وهى مسألة خلافية ينبغي علينا أن نوضح الدليل للعامة والجهلاء بالحكمة و الموعظة الحسنة، و بيان التعبد المَحض للواحد القريب المجيب.
و إذا كان الله تعالى يقول في محكم كتابه "وهو معكم أينما كنتم" فَهَل يُعقل أن نقول أن الله قد أغلق ابوابه، و امتنع بمعيته و قربه و رحمته عن هذه الأماکن أو المساجد التي تشتمل علي ضريح لنبي أو ولي من ثم يحرمُ دعاؤه فيها؟
إن الاعتقاد بهذا القول هو الكفر بعينه و العياذ بالله و من هنا و حرصاً على مسيرة دعوتنا و نجاحها سيّما و المرجفون والمتربصون و الحاقدون على المشروع الإسلامي من أعدائه في الداخل و الخارج يلتمسون الهفوات ويتتبعون لنا العورات و الزلات لإعلان الحرب على الدعوة و اطفاء نورها و إغلاق الأبواب في وجهها بالتضييق على دعاتها و القائمين عليها، فإنني أقول ناصحاً مُحباً و مشفقاً إن ما يخطط له بعض الإخوة الإسلاميين و ما قاموا به من نسف و تدمير للأضرحة في مصر (ضريح الشيخ زويد في محافظة سيناء) المرج بالقاهرة، وما أقدم عليه بعضهم في ليبيا مؤخراً إنما هو عمل إرهابى أحمق يضر بمصلحة الدعوة و يسئ إلى المشروع الإسلامى كله، ولا يخدم التوحيد لا من قريب ولا بعيد للأسباب والأدلة الشرعية الآتية:
1. إن هذا السلوك الأحمق سوف يؤصل لدى أعداء الإسلام و أدعيائه تهمة وصف و نعت الإسلاميين بالإرهاب و أعمال التخريب.
2. توجيه العداء و تعبئة الجماهير المسلمة و إيغار صدورهم كرهاً و نفوراً على الحركة السلفية قاطبة و الحكم عليها بمصطلح الوهابية، وإن هذا امتداد و إحياء لمواجع و فواجع تاريخية شهدتها بلادنا من قتل للمسلمين و تدمير لأضرخة و قبور الصحابة و الصالحين في مکة و المدينة و البقيع فنبش قبور التاريخ و ننكاً جراح الماضي و نفتح أبواب الفتنة بين المسلمين.
3. إن الإقدام على هذه الأعمال مرده إلى العلم القليل و الفهم الكليل للنصوص الدينية و جهل فادح فاضح بقاعدة إزالة المنكر وفقه الأولويات.
4. إن هذا التصرف الأهوج يمنح المتربصين ذريعة لدعم المزاعم القائلة.. إن قضية السلفيين و معرفتهم الکبري و الأساس مع سکان القبور، فيما يوالون و يداهنون سکان القصور.
5. هذا السلوک الذي جانب الحکمة يترتب عليه حشد الحشود و تأليب جموع المسلمين في شتي الأنحاء و الأصقاع، لتحجيم و تقزيم الحرکة السلفية و وصفها بالإرهاب و الخروج فهي في (جهة) وجموع قاطبة في جهة أخرى.
و حيث أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، فإن هذا العمل يُعدَّ و يحکم عليه بالخروج علي الاجماع و هوسبيل غير المؤمنين.
و من ثم قد يترتب عليه فساد أكبر و تنشب حرب ضروس ما بين الجبهتين السلفية والصوفية و إن كان عدد السلفية بالآلاف فإن أنصار و أتباع الصوفية بالملايين في سائر دول و قارات العالم العربي و غير العربي.
و تتحول المعركة من صراع مع من هم تحت الأرض إلى صراع دموي بين المسلمين القاطنين فوق الأرض، وهذا ما لا يقبل به ذو عقل سليم.
أخي الحبيب.
إن هناك أحاديث صحيحة يفيد ظاهرها حرمة اتخاذ القبور مساجد بل ولعن من يقوم بذلك، منها:
1. قوله (صلي الله عليه و آله و سلم): لعن الله اليهود و النصاري اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
2. ما روي أن علياً (صلي الله عليه و آله و سلم) قال لأبي الهياج الأسدي: ألا ابعثك على ما بعثني عليه رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لا تدع تمثالاَ إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته (أصحاب السنن إلا البخاري).
3. قوله (صلي الله عليه و آله و سلم): اللهم لا تجعل قبري و ثناً لعن الله قوماً اتخدوا قبور أنبيائهم أوثاناً (أحمد) فما هو المعني المراد من هذه الأحاديث؟
أ. أن كلمة (مساجد) جَمعُ مسجد، و معلوم أنه ليست لليهود ولا للنصارى مساجد وإنما لهم (کنائس و بيع و صوامع، ولا معني أنهم بنوا علي القبور أماکن للصلاة والعبادة و لاحظ عبارة علي و لم يقل بنوا عند قبورهم.
ب. روي ابن سعد و ابن هشام و الطبري و ابن الاثير في تواريخهم أن سيدنا اسماعيل و أمه هاجر مدفونان تحت الميزاب في حجر إسماعيل الذي هو في الأصل جزء من الكعبة وقد أثبتت الاثار أن في مسجد الخيف قبور سبعين نبياً، وأن ما بين زمزم والمقام دفن تسعون نبياً (أبو داود).
فلو كانت الصلاة في المساجد التي تحتوي على قبور باطلة؟ كانت الصلاة باطلة في أطهر الأماكن المقدسة و أكثرها بركة و ثواباً «المسجد الحرام- مسجد الخيف- الحرم في فلسطين".
هذا فضلاً عن مسجد رسول (صلي الله عليه و آله و سلم) في المدينة المنورة و معه صاحباه أبوبكر و عمر (رضي الله عنهما).
هو الذي أخبر بما هو کائن بعد وفاته (صلي الله عليه و آله و سلم) فقال: ما بين و منبري روضة من رياض الجنة.
ج. إن القوم وقتذاك كانوا قريبي عهد بالشرك و الجاهلية و أن مجرد زيارة القبور كان منهياً عنها فلما استقر الإيمان في قلوبهم أباح لهم ذلک فقال کنت نهيتکم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة.
و قد كان (صلي الله عليه و آله و سلم) يزور مقبرة البقيع و شهداء أحد و أن القبور التي أمر الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) بطمسها و إزالتها إنما هي قبور المشرکين التي کانوايقدسونها في الجاهلية و في الکفار بدليل ذکر التمائيل معها و إلا فالسنة و عمل الصحابة على خلاف ذلك بالنسبة لقبور المسلمين وقد ثبت أن قبور شهداء أحد و قبر حمزة و قبر عثمان بن مظعون الذي وضع النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) صخرة عظيمة ليعرف مكانة (أبو داود وغيره) کانت مرتفعة و معلومة إلى أن حدث هدمها.
وفي نوادر الأصول: إن فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) كانت تأتي قبر (حمزة بن عبد المطلب) في كل عام و اسلحه لئلا يندثر أثره فيخفي علي زائره.
و مما لا شك فيه أن من يسجد لصورة أو تمثال أو قبر فهو مشرك باتفاق و الحال أن المسلمين يسجدون و يصلون لله تعالى الذي جعل لهم الأرض كلها مسجداً و يزداد معنى الحديث الأول بما ورد في حديث
أن السيدتين (أم سلمة وأم حبيبة) وكانتا ممن هاجر إلى الحبشة أخبرتا رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) أنهما رأتا كنيسة بالحبشة فيها تصاوير و تماثيل يسجدون لها من دون الله فقال (صلي الله عليه و آله و سلم) أن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا علي قبره مسجداً و صور وافيه تلک الصور فأولئک شرارالخلق عند الله يوم القيام.
أما الحديث الأخير: اللهم لا تجعل قبري وثناً، فهو دعاء من رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) استجاب الله دعاءه فصان قبره و طهره من الشرک و التأليه و العبادة.
و من الخطأ المبين أن يعتقد عامة الشيعة أن أهل السنة جميعهم على فكر السلفية التكفيرية و أنهم بالنصب (أي يناصبون أهل البيت (عليهم السلام) البغض والعداء).
ومن الخطأ الفادح أيضاً أن نعمم مصطلح الرفض و الروافض على مطلق الشيعة ولو أننا علمنا أن علماء الشيعة الإمامية الجعفرية يرون كفر الروافض و أنهم أعداء الله و رسوله و آل بيته، و أنهم يتبرأون من معتقداتهم و أقوالهم لَما جاز لنا أن نخلط الحابل بالنابل ولا نميز ما بين غلاة الشيعة و الروافض و ما بين معتقدات عامتهم التي هاي علي خلاف ذلک.
و الحق أقول أن (القصور و التقصير) هو من وراء هذه الخندقة المذهبية.
القصور: الذي يعاني منه جُلُّ علماء و دعاة أهل السنة نتيجة الحصار المتوارث عبر مسيرة التاريخ فأوجد قصوراً و فراغاً فكرياً لايعرف حقيقة و أصول فقه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
و التقصير الذي يتحمله علماء و دعاة الشيعة الدين لم يُحسنوا عرض بضاعتهم و لم ينهضوا بواجبهم الدعوي لتعريف إخوانهم المسلمين السنّة و ربما كان عذرهم العوائق و العقبات التي تفرضها و تضعها هذا فضلاً عما يصدر من غلاتهم و متعصبيهم من تصريحات و تطاولات تعين على زيادة ثقافة التباغض بين المسلمين.
ندرأ الحدودَ بالشُّبهات أفلا ندرأُ دمَ المسلم بالشُّبهات
لقد أجمع أهل العلم على قاعدة فقهية أصولية مُستَنبَطة و مستوحاة من حديث نبوي صحيح و هي [إدرأوا الحدودَ بالشُّبهات] و ذلل بالتماس عذرٍ أو شبهة تصون و تحمي المسلم الذي اقترف جريمة كبيرة الكبائر تستوجب إقامة الحد الذي أوجبه الله تعالى بحق مرتكبها و من ثم فإنهم قالوا إذا صدر عن مسلم قول فعل يستلزم الخطأ أو الكفر من 99 وجهاً و يحتمل الصواب و الإيمان من وجه واحد حملناه على الوجه الذي يُبقى المسلمين في دائرة الإسلام و الإيمان، فَيحرم بهذا الوجه ادامه و مالُه و عرضُه.
و دليلهم و أسوتهم في ذلك هو موقف رسول (صلي الله عليه و آله و سلم) من الصحابي ماعز بن أقرن عندما أتاه معترفاً بارتكاب جريمة الزنا. و هي إثم كبير له حَدُّه و عقوبته في كتاب الله تعالى.
فما كان من أمر رسول (صلي الله عليه و آله و سلم) إلا أن حاول أن يوجد له شبهةً تدرأ عنه عقوبة الحد فقال له: لعلك قبَّلت أو فخَّذتَ؟ أي لعلك فعلت من المحرمات ما لم يبلغ حد الزنا الكامل الموجب... إلى آخر ما كان من إصرار الرجل على الاعتراف، والاعتراف سيدُ الأدلة كما يقول القانونيون.
فإذا كانت الحدود تُدرأ بالشبهات أفلا تكون هذه القاعدة أصلاً في درء استحلال الدماء و قتل الأبرياء بقواعد وأصول قَعَّدناها من عندياتنا ما أنزل الله بها من سلطان ؟؟
1. أبو جعفر الطحاوي في العقيدة الطحاوية: باب عقيدة أهل السنة و الجماعة "ص 20-21" أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين. ما داموا بما جاء به النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) معترفين و له ما قاله وأخبر مصدقين... ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله.
2. ابن حزم في الملل والنحل "الجزء 290/3 و ما بعدها" باب فيمن يُكَفِّر ولا يُكَفِّر اختلف الناس في هذا الباب فذهبت طائفة إلى أن من خالفهم في شيء من مسائل الاعتقاد أو في شيء من مسائل الفتيا فهو کافر، و ذهبت طائفة إلي إنه کافر في بعض ذلک فاسق غير کافر في بعضه علي حسب ما أدتهم إليهم عقولهم و ظنونهم، و ذهبت طائفة إلى أن من خالفهم في مسائل الاعتقاد فهو كافر و أن من خالفهم في مسائل الأحكام والعبادات فليس كافراً ولا فاسقاً ولكنه مجتهد معذور إن أخطأ مأجورٌ بنيّته... الخ.
و بعد أن نقل ابن حزم هذه الأقوال: ذكر رأيه ورأي كبار علماء أهل السنة فقال: و ذهبت طائفة إلى أنه لا يُكفَّر ولا يُفَسَّق مسلمٌ بقولِ في اعتقاد أو فتيا... و هذا قول ابن أبي ليلى، وأبي و الشافعي، و سفيان الثوري، و داوود بن علي رضي الله عنهم أجمعين و هو قول كل من عرفنا له قولاً في هذه المسألة من الصحابة رضي الله عنهم لا نعلم منهم في ذلك خلافاً اصلاً.
ثم ذهب إلى أبعد من ذلك إلى تضعيف حديث (الفِرَق) و حديث [القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة]. وقال: هذان حديثان لا يصحان أصلاً من طريق الإسناد. و على فرضية من يقول بصحتهما، فإن خبر الواحد لا يصح الاجتهاد به في قضايا الاعتقاد.
كما أن [السرخسى] الذي هو من أجل أصحاب أبي الحسن الأشعري: أخبر بما يلي: لما حضرت الشيخ أبا الحسن الأشعري الوفاة بداري في بغداد أمرني بجمع أصحابه فجمعتُهم له. فقال: اشهدوا عليَّ أنني لا أكفر أحداً من أهل القبلة بذنب لأني رأيتُهم كلَّهم يشيرون إلى معبود واحد يشملهم ويعمهم (خاتمة الصواعق- والشعراني في المواقيت و الجواهر ص 58).
3. ذكر المُلا علي القاري: في شرحه لكتاب أبي حنيفة "الفقه الأكبر" ص 425 وفي مرقاة شرح مشکاة المصابيح ج 1 ص 284.
بعد أن شرح قاعدة: لازم المذهب ليس بلازم: وبعد إيراد أقوال علماء أهل السنة حول التكفير. جمع بينها فقال: والقول المعتمد هو عدم جواز تكفير أهل القبلة حتى و إن (وُصِفوا بالضلال) إلا إنهم لم يقصدوا بما قالوه اختيار الكفر، و يشمل ذلك مسألة خلق القرآن و نفي رؤية الله تنزيها لله أو من ينال من الشيخين "لا سمح الله" كما نصَّ على ذلك القاضي عياض في كتاب [الشفا] الأول: أن الكفر لا يستحقه إلا من سَبَّ رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) فراجعه.
و عن الأوزاعي قال: و الله لئن نُشرتُ لا أقول بتكفير أحد من أهل الشهادتين.
عن ابن سيرين: أهل القبلة كلهم ناجون:
و سئل الحسن البصري عن أهل الأهواء؟ فقال: جميع أهل التوحيد من أمة نبينا (صلي الله عليه و آله و سلم)، يدخلون الجنة البَتَّة.
و سئل الزهري عَمَّن: لابس الفتن و قاتل فيها "أي زمن الصحابة" فقال القاتل و المقتول في الجنة، لأنهم (متأولون) "ومن أهل لا إله إلا الله، "راجع الملل والنحل".
4. سئل شيخ الاسلام / تقي الدين السبکي: أحد کبار الشافعية: عن حکم تکفير المسلم: فقال: أعلم يا أخي أن الإقدام على تكفير المؤمنين عسيرٌ جداً و كل من في قلبه إيمان يتعظم القول بتكفير الأهواء و البدع مع قولهم "لا اله إلا الله محمدٌ رسول الله" فإن التكفير أمرٌ هائل عظيم الخطر أن التكفير لا يكون إلا لمن اختاره ديناً و جحد الشهادتين و خرج عن دين الإسلام جملة. "راجع اليواقيت و الجواهر للشعراني".
5. مذهب الحنفية:
- البحر الرانق 125/5: و الذي تحرر أنه لايُفتي بتکفير مسلم أمکن حَملُ کلامه علي محمل حسن، أو في كفره اختلاف ولو في رواية ضعيفة.
- نفس المرجع ص 124: لا يخرج الرجل من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه، ثم ما تُيقن ردة يحکم به. و ما يُشکک أنه ردة لا يحکم به اذ الاسلام الثابت باليقين لايزول بالشک.
- الدر المختار: ج 224/4: الکفر شيء عظيم فلا أجعل المؤمن کافرا متي وجدتُ رواية لا يكفر، و لا يُكفَّر بالمحتمل: لأن الكفر نهاية في العقوبة. فيستدعي نهاية في الجناية، و مع الاحتمال لا نهاية.
6. مذهب المالكية:
- قال القرافي (في الذخيرة) ليس إراقة الدماء بسهل ولا القضاء بالتكفير.
7. مذهب الشافعية:
- الغزالي: إن استباحة الدماء و الأموال من المصلين إلى القبلة و المصرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، خطاً عظيم، و لاخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك من دم مسلم.
8. مذهب الحنابلة:
ابن تيمية (الفتاوي الکبري 282/3):
و لا يجوز تكفير المسلم بذنب و لا بخطاً أخطأ فيه كالمسائل التي يتنازع فيها أهل القبلة... أعظم الناس نهياً عن أن يُنسب مُعَينٌ إلى تكفير أو تفسيق أو معصية إلا إذا غلام أن قد قامت الحجة و الرسالة...
فمن كان من أهل الإسلام، و ينتمى إلى أهل السنة و الجماعة فهذه هي أقوال وآراء الثقاة من أئمة المذاهب جميعها.
فاين تذهبون؟ و أيَّ دين تتبعون ؟ و أي طريق تسلکون؟
ولكن قتل النفس أعظم وأكبر
و لمّا كان استحلال الدماء و إزهاق أرواح الأبرياء إنما هو نتاج عملي لظاهرة التكفير فمن ثم فإنه المهالک المؤدي الي اعلان الحرب علي الله تعالي بانتهاک حدوده و اقتحام حصنه و هدم بنيانه.
فالأدمي بُنيان الله و ملعون من هدمه، ولا يزال المرءُ في فُسحة من دينه ما لم يُصب دماً. فإن لقي الله تعالى مقترفاً قتل نفس بغير حق فإثمه عظيم و عقابه بين يدي الله أليم ذلك أن أول ما يُنظر فيه يوم القيامة الدماء فتأمل نَصَّ الحكم في قانون العقوبات المترتبة على قتل العباد كما ورد في قول الله وقول رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و علماء المسلمين:
أولاً: عقوبة جريمة قتل النفس في القرآن الكريم:
1. لمّا کانت کبيرة قتل النفس من أکبر الکبائر بعد الشرک بالله لِمَا تمثله من هدم و خراب و فساد للكون و للبشرية كلها، فإنّ القرآن الكريم يقص علينا نبأ أول جريمة اعتداء على نفس إنسانية عندما قتل قابيلٌ هابيلَ، حين غلبت عليه شقوته و طوعت له نفسه الأمارة قتل أخيه فقتله فكان أول من سن القتل و ما من جريمة قتل تقع على الأرض إلا كان لهذا القاتل كفلٌ منها.
القاتل يركب أحموقته و جهالته، و بدافع الحسد والغيرة و وسوسة الشيطان و تسويل النفس يتهدد أخاه بالقتل، ليکون من الخاسرين.
بينما المقتول و قد ألهمه الله تعالى سبيل الحكمة و النجاة: قال:
«لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَي يدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يدِي إِلَيكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ* إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ* فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (سورة المائدة 28-30)
2. من أجل هذا وحتى لا تتكرّر هذه الجريمة بين بني البشر، جعل الله تعالى «النفس الإنسانية مقابل: أنفس الإنسانية كلها، فقال تعالى:
«مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْياهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيا النَّاسَ جَمِيعًا» (المائدة 32)
3. إن آية في کتاب الله عز و جل، تکاد السموات يتفطرن من هولها و تنشق الارض و تخرّ الجبالُ و لو لم يُرد القرآن غيرَها لكانت أبلغ زاجر و رادع للكف عن قتل إنسان... مطلق إنسان فضلاً عن أن يكون مسلماً، حيث قرن الله تعالى القتل بالشرك- و أن جزاء القاتل جنهم- وأنه خالدٌ فيها- وإن له عذاب عظيم- و أن مع هذا الخلود و العذاب العظيم غضب الرَّب جلَّ و علا، و التوعد باللعن و هو الحرمان و الطرد من رحمة الله سبحانه. فقال تعالى: «وَمَنْ يقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا» (النساء 93).
ثانياً: عقوبة القتل في السنة النبوية المطهرة:
السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم: و لقد وردت عشرات الأحاديث الصحيحة التي تُجرّم و تُحرّم قتل النفس الإنسانية التي هي ملك لله وحده بل وحرَّمت ترويع المسلم و تخويفه فضلاً عن قتله ونورد بعضاً منها.
1. قوله (صلى الله عليه و آله و سلم): إذا أصبح إبليس بَثَّ جنوده فيقول: من أضل اليوم مسلماً البستُه التاج قال فيجيء هذا فيقول: لم أزل به حتي عَقَّ والديه فيقول: يوشک أن يبرهما، و يجيئ هذا فيقول: لم أزل به حتي قتل فيقول أنتَ أنتَ و يُلبسُه التاج "رواه ابن حبان في صحيحه و الحاکم في مستدرکه".
فتأمل كيف سُرَّ إبليس وقرّت عينُه بجريمة القتل وكيف كرَّم و توَّج القاتل وألبسه التاج.
2. الحديث: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً، أو الرجل يقتل مؤمناً متعمّداً أحمد والنسائي".
3. الحديث: من أعان علي قتل مؤمن بشطر کلمة لقي الله تعالي مکتوبٌ بين عينيه آيسٌ من رحمة الله (رواه أكثر من واحد و لكنه ضعيف).
4. الحديث: أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة (أبو داوود و النسائي و أحمد و هو صحيح).
5. الحديث: لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل مؤمن بغير حق (البيهقي و النسائي و هو صحيح). ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار "مسلم- و البيهقي- و النسائي و الترمذي: بروايات متعددة".
6. الحديث: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي و إن كان أخاه لأبيه وأمه و غيره).
7. الحديث: من قال لا إله إلا الله: وكفربما يُعبد من دون الله، حَرُّم مالُه و دمُه و حسابه على الله "أصحاب السنن".
8. الحديث: من صلى صلاتنا و استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله، و ذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته (البخاري وغيره).
و حسبنا هذان الحديثان اللذان يحرمان قتل المسلم حتى و إن كان كاذباً أو منافقاً أو مخادعاً.
9. حديث المقداد بن عمرو قال: قلتُ يا رسول الله: أرأيت ان لقيتُ رجلا من الکفار فاقتلنا، فضرب إحدى يَديّ بالسيف، فقطعها، ثم لاذ مِنّى بشجرة فقال: أسلمتُ لله، ألا أقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال: "لا تقتله" فقلتُ يا رسول الله: قطع إحدى يدي، ثم قال ذلك بعدما قطعها؟ فقال: لا تقتله فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله "أي أنه مسلم معصوم الدم". وإنك بمنزلته قبل يقول كلمتُه التي قال ((البخاري و مسلم وغيرهما)).
و لو لم يرد غير هذا الحديث لكان هذا أعظم زاجر على حرمة دم المسلم.
10. حديث: أسامه بن زيد المتفق عليه، قال:
"بعثنا رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) إلى بَطن من جينة فصبَّحنا القوم على مياههم، ولحقتُ أنا و رجلٌ من الأنصار رجلاً من المشركين، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكفَّ عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلتُه، فلما قدما المدينة بلغ ذلك النَّبي (صلي الله عليه و آله و سلم) فقال لي: يا أسامه أقتلتَه بعدما قال: لا إله إلا الله؟ فما زال يکررها عليَّ، حتي تمنَّيتُ أني لم اکن أسلمتُ قبل ذلک اليوم.
و في رواية أنه قال له: فماذا تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة.
ثالثاً، أقوال الأئمة الأعلام في حكم قاتل النفس:
و بعد قول الله و قول رسول الله لا نطلب قولاً و لا نلتمس دليلاً، حيث وردت في القضية الآيات الأحاديث الصحيحة الصريحة.
و حتي لا يطالعنا ذو علمٍ عقيم أو عقل سقيم بمفاهيم خاطنة و تأويلات باطلة لهذه النصوص القرانية و الأحاديث النبوية نورد بعضاً من أقوال الأئمة الأعلام في حكم الشقي الآثم الذي يستحل دم المسلم المقر بالشهادتين.
1. أورد ابن المنذر فقال: من قال لا اله الا الله و أن محمداً رسول الله و لم يزد علي ذلک شيئاً أنه مسلم" الإجماع ص 76"
2. القرافي من علماء المالكية: ليس إراقة الدماء بسهل ولا القضاء بالتكفير "الذخيرة 37/12"
3. إجماع أهل العلم على أن "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" أن المعنى: الفسوق لا يخرج من الإسلام ولا يحل قتله، وأن قتال المسلم عملٌ من أعمال الكفر في الجاهلية أو أن الكفر لمن يستحلش.
4. ما رواه القرطبي وغيره: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال بعد طعنه في المسجد و قد علمَ محاولة اغتياله كانت على يدي غلام مجوسي: الحمد الله الذي لم يجعل قتلي على يدِ رجل لا إله إلا الله: المعنى: إذا كان صاحب لا إله إلا الله له حجة، بحيث لوقتل الفاروق خليفة فأمر أهل التوحيد إذن أسهل فتأمل...
5. ابن حزم في الصواعق الجزء الثالث و نقله لأقوال العلماء.
6. ابن عينية: لئن تأكل السباع لحمي أحب إليَّ من أن ألقى الله تعالى بعداوة من يدين له الوحدانية و لمحمد (صلي الله عليه و آله و سلم) بالنبوة: لاحظ عداوة فضلاً عن القتل ولوراجعت أمَّهات الكتب المعتبرة عند أهل السنة في التفسير أو الأحاديث أو الفقه لوجدت عشرات الأقوال لأئمة المسلمين، التي تقطع بأن المسلم لا يُکفَّر إلا فيما أجمع عليه علماء الأمة أنه کفر، کما حکموا بنجاة من أقر بالشهادتين اعتماداً علي الأحاديث الصحيحة التي نصت علي لک.
هذا و بالله التوفيق و هو الهادي لسواء السبيل.
تاج الدين الهلالي خادم الوحدة الإسلامية
سيدنا محمد وآله الأطهار و صحبه الأخيار و من اتبع طريقهم و تخلق بأخلاقهم إلى يوم الدين.
و بعد
الهدي القرآني في حرمة التكفير
تأكيداً على أنّ حكم التكفير حق لله ولرسوله نستهدي ونسترشد بهدي القرآن الكريم لأنّه المنهج المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.1. ما قَصّهُ علينا القرآن الكريم بشأن الخليل إبراهيم الذي كان حنيفاً مسلماً ولم يك من قال تعالى: َ«واذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيا* إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يسْمَعُ وَلَا يبْصِرُ وَلَا يغْنِي عَنْكَ شَيئًا* يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا* يا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيطَانَ إِنَّ الشَّيطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا* يا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيطَانِ وَلِيًّا* قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا* قَالَ سَلَامٌ عَلَيكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا» (الآية 37 من سورة مريم) فتأمل ماکان عليه أبوه (من اصرار علي الکفر، بل و بدعوة ابراهيم للدخول فيه و لكن الخليل إبراهيم (عليه السلام) بعد أن أفرغ جهده في إقناعه بالعقيدة الحق و الأب على غيه و ضلاله لم يصدر عنه حکم بالکفر بل قاله له: سلام عليک سأستغفر لک ربي إنه بي حفياً.
كما أنه لم يدخر جهداً في هداية قومه ودعوتهم إلى قراءة كتاب الله المنثور و هو النظر في الکون (الکوکب- القمر- الشمس) لاستدراجهم و اظهار الحجة علي بطلان کل ما يُعبد دون الله (وَ کَذَلِکَ نُرِي إِبراهيمَ مَلَکوتَ السَّمَاوَات والأَرضِ ولِيَكونَ مِنَ المُوقِنِينَ) فلما تأكد أنه أمام قلوب مغلقة موصدة ضاعت مفاتيحها تحول من الدعوة النظرية إلى الدعوة العلمية. قال تعالى: «فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ* فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ* مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ* فَرَاغَ عَلَيهِمْ ضَرْبًا بِالْيمِينِ* فَأَقْبَلُوا إِلَيهِ يزِفُّونَ* قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ* وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ* قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ* فَأَرَادُوا بِهِ كَيدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ» (الآية: 90-98 من سورة الصافات).
فالخليل إبراهيم واجه الأصنام بالتحطيم والتكسير ولكنه لم يواجه قومه بالقتل والتكفير.
2. و مع کليم الله موسي يخبرنا القرآن الکريم
«وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ» (الآية 138 من سورة الأعراف).
فتأمل قوله موسى لقومه: قال إنكم قوم «تجهلون» وليس «تكفرون» بل إنه لجاً إلى أسلوب النصح والتوجيه.
قال: « قَالَ أَغَيرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ» (الآية 140 من سورة الأعراف). فمما هو ثابت و معلوم عن نبينا المعصوم (صلي الله عليه و آله و سلم) أنه كان يُعلم و يُرشد و يبشر ولا يُعنف ولا يُنفر ولا يكفر لأنه بُعث بالحنيفية السمحه و الآيات المحكمة فقد ثبت عنه صلوات الله عليه وآله وسلّم:
1. عندما مرَّ الصحابة الكرام يوماً بشجرة كان الكفار يقدسونها و ينوطون بها أسلحتهم ويعكفون عليها. فطلبوا من رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) قائلين اجعل لنا هذه ذاتَ أنواط كما للكفار ذات أنواط فقال (صلي الله عليه و آله و سلم): الله أكبر: هذا كما قالت بنو إسرائيل « اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ» (الأعراف 138) إنكم ترکبون سُنَنَ ماکان قبلکم "رواه أحمد و صححه الترمذي". فقد أرشدهم و علمهم و لم يکفرهم.
2. عن ابن عباس قال: قال رجل للنبي (صلي الله عليه و آله و سلم) ما شاء الله و شئت، فقال: أجعلتني لله ندّاً قل ما شاء الله وحده "النسائي و ابن ماجة".
3- حديث الشاب الذي جاء يطلب من رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) ترخيصاً بالزنا: وكيف أنه أدناه و قربَه ثم قال له: أترضاه لأمك؟ قال: لا، فقال (صلي الله عليه و آله و سلم): كذلك الناس لا يرضونه لهؤلاء، فكيف ترضى لغيرك ما لا ترضاه لنفسك ؟ ثم وضع يده على صدره ودعا الله قائلاً اللهم طهر قلبه، وحصن فرجه و اغفر ذنبه... الحديث الصحيح: فعلمه و لم يكفره.
4. حديث الصحابي الذي أراد أن يهدي لرسول الله "رواية خمر" فقال (صلي الله عليه و آله و سلم): أما علمت أن الله قد حرمها؟ فقال الرجل: أفلا أهادي بها اليهود؟ فقال (صلي الله عليه و آله و سلم) أما علمت أن الذي حرمها حَرَّم أن هادي بها اليهود؟ فقال الرجل: فما آصنع بها؟ قال: شنها علي البطحاء، فشنها الرجل علي البطحاء: فقد علمه و لم يكفره (مسلم والنسائي)
5. قصة الصحابي: حاطب بن أبي بلتعه: عندما اقترف خطيئة كبرى تعتبر جريمة أمن دولة عليا، أمن الوطن، لأنه قام بالتخابر مع جهة أجنبية معادية للمسلمين وفي حالة حرب معلنة، وأرسل خطابه الشهير، يحذرهم من عزم رسول الله علي فتح مکة، و بعد أن فشلت خطته و اکتشاف آمره نهى الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) عن تكفيره أو قتله بل عفا عنه و قال: لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لکم.
6. موقفه من الرجل الذي أساء الأدب مع رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): وقال له: يا محمد اتق الله فما عَدَلت في هذه القسمة. ومع أن الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) قد أعلمه الله ومآله. و أنه رأس فتنة ستجلب الخراب و الدمار علي المسلمين و هم الخوارج و قال عنه : سيخرج من (ضِئضِئ) هذا قوم... ثم اگر صفات الخوارج و أفعالهم. و مع کل هذا عندما ثار أحد الصحابة و طالب بضرب رأسه: قال (صلي الله عليه و آله و سلم): لاتقتلوه، لعله يُصلي، فاعتبرالصلاة، حصناً مانعاً له من القتل و لوکان منافقاً. (و الحديث رواه مسلم في کتاب الزکاة باب ذکر الخوارج (رقم 1067)).
وفيه نزل قوله تعالى: «يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِياكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ» (الممتحنة: 1)
و انطلقت شرارة التكفير
تحقيقاً لنبوءة الصادق الصدوق الذي لا ينطق عن الهوى: بدأت فكرة التكفير المنافية و المتعارضة مع سماحة الإسلام و نهج خير الأنام و أخلاق صحبه الكرام الذين اختلفوا بل و تنازعوا و اقتتلوا ولكن لم يكفر بعضهم بعضاً. وبدأت معالم فتنة التكفير على لسان جماعة خرجوا على إمام الأمة الشرعي علي بن أبي طالب (عليه السلام) و جماعة المسلمين قاطبة بعد حادثة التحكيم فكان ما کان من عنتهم و سفاهة أحلامهم و سوء تأويلهم علي تکفير من خالفهم و استحلوا دماء الموحدين.نعم: لم يرد في السنة النبوية من الأحاديث بشأن فرقة من الفرق ما ورد بشأن ما ورد بحق الخوارج بيان صفاتهم و التحذير من شرورهم وأفكارهم وسلوكهم نظراً لما تمثله هذه الفرقة من خطر كبير وشر على الإسلام ووحدة المسلمين لأنها تُعتبر مرضاً فكرياً عُضالا. لئلا تنزلق الأمة في دومة أفكارهم، و تصاب بسرطان فهمهم السقيم للنصوص النبوية والقرآنية.
و من مجموع ما تواتر من الآثار الصحيحة التي رواها الشيخان البخاري و مسلم و أصحاب السنن من أكثر من 40 طريقاً، يوضح الرسول الأكرم محمد (صلي الله عليه و آله و سلم) حالهم و صفاتهم فيقول: يأتي آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لايجاوز إيمانهم حناجرهم.
و في رواية مسلم: كتاب الزكاة: يبين المزيد من صفاتهم فيقول: يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليست قرائتکم الي قراء تهم بشياء و لا صلات کم الي صلاتهم بشئء، و لا صيامکم الي صيامهم بشيء يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم و هو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية.
وورد فيهم أيضاً يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد و ثمود.
وذكر (صلي الله عليه و آله و سلم) من صفاتهم أيضاً: يُحسنون القولَ و يسيئون العمل، سيماهم التحليق: "بكيفية لم تكن معهودة عند المسلمين" ، تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق.
هذه النصوص المتكاملة: رواها البخارى و مسلم و النسائي و الترمزي و أحمد و الحاكم و غيرهم. رؤوس الفتنة الخوارجية مع رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)
أخرج الامام مسلم في ذکر الخوارج و صفاتهم رقم (1064)
عن أبي برزة قال: أتي رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) بدنانير فجعل يقسمها (بين أصحابه) وعنده رجل أسود مطموم الشعر، عليه ثوبان أبيضان بين عينيه أثر السجود، غائر العينين، ناتئ الجبين کث اللحية، سارف الوجنتين محلوق (أي حليق شعر الرأس)، فقال: يا محمد: اتق الله: فإنك ما عدلت منذ اليوم القسمة، فغضب رسول الله غضباً شديداً، ثم قال: فمن يُطع الله إذا عصيتُه؟ أيأمنني على أهل الأرض، ولا تأمنونني؟ وفي رواية: والله لاتجدون أحداً أعدل عليكم مني (ثلاث مرات).
فلما وليَّ (أي ذهب هذ الرجل) قال (صلي الله عليه و آله و سلم): إن من ضِئضِئ هذا قوماً يقرأون القرآن لايجاوز مهاجر هم ثم ذکر الحديث السابق.
و لقد تحقق ما أخبر به المصطفى (صلي الله عليه و آله و سلم): فظهرت مبكراً هذه الفرقة زمن الفتنة بين الصحابة.
مجمل صفات الخوارج من واقع النصوص الإسلامية
1. علم عقيم و فهم سقيم للنصوص: يقرأون القران لايجاوز تراقيهم.2. أشداء على المسلمين رحماء بالكافرين: يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الأوثان.
3- سراع في تفلتهم و مروقهم من الدين: يمرقون من الدين کماي مرق السهم من الرمية.
4- عُبّاد زهاد بلا حقيقة إيمان: يحقر أحدکم صلاته و صيامه مع صلاتهم و صيامهم.
5- مفارقون للحق خارجون على جماعة المسلمين: تقتلهم أولى الطائفتين بالحق.
6- أعمالهم تخالف أقوالهم: يحسنون القول و يسيئون العمل.
7- يکفرون ما لم يکفره الله و رسوله: حيث يکفرون المسلمين بفعل الکبائر.
8- يسيئون الأدب مع رسول الله و صحابته الأخيار: كما فعل جدهم الأول وكيف يتبرأ أحفاده الصحابيين عثمان و علي.
9- حلقوا الإيمان من قلوبهم و امتازوا بحلق رؤوسهم: سيماهم التحليق.
10- أجسام البغال و عقول العصافير: أحداث الأسنان سفهاء الأحلام.
أخبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى: عن علامة و صفة رجال من هؤلاء الخوارج منهم رجلاً له عضد وليست له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض.
فلما كان يوم قتالهم للإمام علي: التمسوا هذا الرجل المذكور بين القتلى فلم يجدوه فكادوا يرتابوا، حتى طلبه عليٌّ بنفسه فوجده على النحو الذي وصف رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) وعندما رآه الصحابة كبَّرَ الإمام علي و قال صدق الله و بَلَّغ رسولهُ: فقام إليه عبيدة السليماني، فقال: يا أمير المؤمنين، الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا الحديث في صفته من رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) فاستحلفه ثلاثاً فحلف بما سمعه.
مراحل وأطوار الفكر التكفيري عبر تاريخ الإمة
مَرَّ الفکر التکفيري بمراحل و أطوار:المرحلة الأولى: البيئة الحاضنة التي نمى فيها الفكر التكفيري هي بيئة الخوارج الأوّل على النحو الذي آنفاً فأول فئة منحرفة أصَّلت وقَعَّدَت لهذا الفكر التكفيري هي فئة (الخوارج) وعلى الرغم من كونها جماعة سياسية في نشأتها، و قد نأت بنفسها عن حرب الفتنة التي نشبت يوم وقعة (صفين) سرعان ما أوغلوا في الشطط والانحراف و اختاروا لأنفسهم منهجاً فكرياً عقائدياً متفرداً و اطلّوا الأمة الإسلامية بمفاهيم و آراء شاذة في قضية الكفر والإيمان و من أهمها:
1. التلازم بين الإيمان و العمل وإنه ثلاثي الأركان (الإقرار القلبي، ثم التصديق اللساني، ثم التصديق العملي).
2. القول بكفر مرتكب الكبيرة لأنها تنفي الإيمان.
3. الحکم علي کل من يعارضهم و يخالفهم بالکفر و الشرک و من ثم فانهم کانوا يختبرون کل من ينضم لجماعتهم بالدليل العملي وهو أن يقتل مسلماً ممن وقع أسيراً تحت أيديهم من المسلمين إن قتله صَدَّقوه وإن أبى كذبوه وقتلوه.
4. قتل مخالفيهم (الكفار) و استحلال دماء أولادهم و نسائهم و أسرهم و أطفالهم مخلَّدون في النار.
5. الحکم علي بلاد مخالفيهم بإنها (دار کفر).
و اعتماداً على هذه الأصول الضالة سفكوا الدماء واستحلوا أرواح الأبرياء و أحدثوا في الدين ما ليس منه و ما الله و رسوله منه براء.
المرحلة الثانية: البَربَهاريَّة:
و على الرغم من غلو هذه الفرقة الخوارجية في الساحة الفكرية و العقدية إلا أن فكرهم سرعان ما اتجه نحو الأُفول والاضمحلال وكاد يغيب عن الساحة الإسلامية بالانحصار و الانكسار فلم يَعد له قوة و اثر فاعل يستقطب جماهير المسلمين في القرنين الثاني و الثالث الهجري.
فلما كان القرن الرابع ظهر على الساحة شخص اسمه حسن بن علي بن خلف البَربَهارية المولود 233 هـ أو 252 هـ فتولي کِبَر هذه الفرقة و أحيا فتنة التکفير من جديد، فادعي آنه حنبلي المذهب فكر غلاة الحنابلة و هم معروفون بتعصبهم و غلوهم و تكفيرهم للسواد الأعظم من المسلمين (الأشاعرة، و الماتريدية) و بالتالي فإن المذاهب الفقهية التابعة لهذين الإمامين (الأشعري- و الماتريدي) (في مسائل وهم المالكية والشافعية والحنفية كفار وإذا كان هؤلاء کفار و هم السواد الأعظم من أهل السنة فإن الإمامية والزيدية كفار من باب أولى حسب معتقداتهم.
و تمادى هذا [البربهاري] في تعصبه وغالى في تشدده فاعتنى بظاهرة التجسيم للذات الإلهية و أثار الشبهات لدي طلاب العلم بالخوض في آيات و آحاديث الصفات بهرطقة غير اسلامية و طريقة لم يخض فيها الرسول الأكرم و لا صحابته الأبرار منكراً المجازات اللغوية التي تضبط المفاهيم و تحمي عقول الأمة من الانتقاص والتجسيد الذي لا يليق بذات الله سبحانه و تعالى.
و تجاوز به الشطط أن دعا إلى تكوين جماعاتٍ (حسبية) للنهي عن المنكر ومحاربة ما رآه مخالفاً للمعتقدات الإسلامية و ذلك باللجوء إلى ظاهرة العنف والتخريب بإحراق المحلات و الحانات و اماکن الانحرافات و آلات الغناء.
و قد دَوَّن المؤرخ ابن الاثير في تاريخه مسجلاً سلوک انصار ابن [البر بهاري] و کيف آن صاحب الشرطة في ذلك العصر وهو (بدر الخرشنيُّ) قد اتخذ إجراءات أمنية لمواجهة غلو هذه الجماعة، أصدر قراراً بمنعهم من فرض أفكارهم على المسلمين بالقوة والعنف و منعهم من إمامة المساجد اشترط على أي إمام أن يجهر في صلاته بالبسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) و ازدادت المواجهات بين البربهارية و الشرطة و راجت الفتنة بين المسلمين، واستبشر الناس خيراً عندما علموا بموته بعد أن احتجب عن الظهور على الساحة عاماً أو أكثر، كما قال ابن الأثير.
هذا و قد دون المؤرخون الكثير من المآسي و العصبيات التي بلغت حتى التقاتل و المواجهات الدموية بين غلاة الحنابلة مع الشافعية من جهة و مع الحنفية من جهة أخرى مما يؤكد أن التعصب المذهبي إثم کبير و فتنة التکفير شرٌّ مستطير.
المرحلة الثالثة: الخوارجية العصرية و السطو على المصطلحات الشرعية:
قد لبست هذه الظاهرة التكفيرية ثوباً جديداً وتسللت إلى كيان الأمة تحت مُسميات حديثة و انتهجت فكر الاختزال و الاعتقال وشرعنت الإقصاء والإلغاء و مارست القرصنة و السطو على المصطلحات الشرعية و حتى تتضح معالم هذه الحالة، بلا تلبيس و لا تدليس و حتى لا نوسع هوة الخلاف و نقع فيما وقع فيه أولئك من سوء الظن بالمسلمين والنيل من أئمة وعلماء المسلمين، ينبغي علينا التماساً للحق و تبياناً للحقيقة أن نَذكُر و نُذكّر بالأمور الآتية:
أ. منشأ مصطلح (أهل السنة) وأطواره
باستنطاق كتب التاريخ نجد أن هذا اللفظ نشأ وتطوّر على النحو التالي:
1. الأول: زمان أواخر العهد الأموي ظهر فكر الاعتزال القائم على تقديس العقل و إهمال (النقل) ومع أن هذا الفكر لعب دوراً هاماً في مواجهة أفكار الملاحدة والمناطقة والمُثلّثة بالأدلة إلا أن العزوف عن النّصوص [النقلية] أدى إلى ظهور علماء غنوا باستخدام النصوص النبوية المغيبة. وتصدَّوا لمواجهة الفكر الاعتزالي وهم:
(1) عبدالله بن سعيد الكلاب. (2) والقلانسي. (3) و الحارث المحاسبي. وأُطلق علماء (أهل السنة) لعنايتهم بالحديث النّبوي والنهج الروائي و لكن لم يكن لهم حضور في علم (الكلام) وأصول العقائد التي عرفت بعلم التوحيد .
2. الثاني: الأشعرية: نسبة إلى (أبى الحسن الأشعري) المولود عام (260 هـ 874 م) والمتوفي (324 هـ 936 م). و قد نشأ الأشعري في بيئة (الاعتزال) و تتلمذ أربعين سنة على يد أبي علي الجبائي شيخ المعزلة: ثم ترك الاعتزال وانتهج طريقة الحديث. و هو المؤسس الأول والمنظر لأصول العقائد المناهضة لفكر المعتزلة وبالتالي فإنه أطلق على مدرسته (أهل السنة) وإليه ينتمي في العقائد (الشافعية- والمالكية).
3. و علي ذات الطريق ظهر العالم ابو منصور الماتريدي (الذي لم يعرف تاريخ مولوده و لکنه مات عام (333 هـ) فاهتم بالجانب العقلاني أكثر من الروائي لذلك عرفت مدرسته بمدرسة أهل (الرأي والقياس) و إن وافق الأشعري في كثير من مسائل العقيدة. و إلى هذه المدرسة ينتمي [الأحناف].
3. مدرسة الحديث أو الأثر: ويُعرفون (بالأثرية) وإمامهم أحمد بن حنبل و سمّو أيضاً بجماعة السنَّة) وإليهم ينتمي [الحنابلة].
5. إبان هذه المرحلة الأخيرة: ظهرت جماعة غلوائية متشددة و هم غلاة الحنابلة الذين كفروا (الأشاعرة) و نشبت بينهم حروب كلامية عقدية مازالت قائمة حتى الآن: ويقوم فكرها على الإيمان بنصوص آيات و أحاديث الصفات على ظاهرها بلا اعتبار لمجازات اللغة العربية: وقد عُرفت (بالمشبهة) ولكثرة استعمالهم للفظ (بلا كيف) سُمُّوا (بالبلكفية) ولإيمانهم بالمكانية لله و بذلك سيكون (حشو الكون) سُمُّوا أيضاً (بالحشوية).
ب. مرحلة السطو و الاختزال:
و تتمثل هذه المرحلة التي استشرت و استفحلت وأنتجت حالة تكفيرية جسيمة وكأنها الراعي الأكبر لإحياء تراث المدرسة الخوارجية التكفيرية الأولى.
وفى قرصنة و سطو على بعض المصطلحات الإسلامية أطلقوا على أنفسهم (جماعة أهل السنة + التوحيد + الفرقة الناجية) و باختزال و اعتقال، و إقصاء و إلغاء، ادعوا لأنفسهم الحق المطلق، و بالتالي فإن السواد الأعظم من المسلمين أهل ضلال و كفر و إشراك.
و أصحاب هذا الفكر أبوا إلا أن يفتئتوا على الشيخين [أحمد بن تيمية و محمد بن عبد الوهاب] و يشوهوا فكريهما وتاريخيهما، واستعداء المسلمين على هذين الشيخين.
وذلك بالتقاط أغلوطات، وانتحال مقولات، وتصيد سقطات مقطوعة من سياق موارد كلامهما، لا الاجتراء على تكفير المسلمين على مسائل خلافية بحجة سد الذرائع، فيحرمون أشياء مشروعة و يحكمون فاعلها بالكفر و هم لذلك كمن يفتي بتحريم العنب لأنه ذريعة إلى صناعه الخمر و بإخصاء الذكور غير المتزوجين لأنهم يملكون آلة الزنا و هكذا لأنَّ الأخذ بظاهر المعني يوقع في الغلط و تخطئة المسلم أو تكفيره و الحقيقة غير ذلك، فتأمل أدب أهل العلم في هذه اللطيفة.
طعم أبوحنيفة يوماً مع الإمام الصادق، فرفع الإمام الصادق، فرفع الإمام يده حمداً لله، ثم قال: "اللهم هذا منك و من رسولك"، قال أبو حنيفة، يا أبا عبد الله، أجعلت مع الله شريكا؟ قال الإمام: إن الله يقول في كتابه: «وَ لَو أَنَّهُم رَضُوامَا آتَاهُمُ اللهُ وَ رَسُولُهُ وَ قَالُوا حَسبُنَا اللهُ مِن فَضلِهّ و رَسُولُهُ إنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ» سبحانه: «يَحلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَ لَقَد قَالُوا كَلِمَةَ الكُفرِ وكَفَروا بَعْدَ إِسلاَمِهِم و هَمُّوا بِمَا لَم يَنَالُواو مَا نَقَمُوا إِلَّا أَن أَغنَاهُمُ اللهُ وَ رَسُولُهُ مِن فَضلِهِ» فقال أبو حنيفة: لكأني ما قرأتها قط في كتاب، ولا سمعتها إلا في الموقف.
ويقول أبو حنيفة: استأذنت عليه فحجبني (لحكمة فهمها أبو حنيفة فيما بعد) و جاء قوم من أهل الكوفة استأذنوا فإذن لهم فدخلت معهم، فلما صرت عنده قلت: يا ابن رسول الله لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) فإني تركت فيها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم! فقال: لا يقبلون مني، فقلت: و من لا يقبل منك وأنت ابن رسول الله؟ فقال الصادق: أنت أول لايقبل مني، دخالت بغير اذني و جلست بغير أمري، و تکلمت بغير رأيي، و قد بلغني أنک تقول بالقياس، فقلت: نعم أقول به فقال: و يحك يا نعمان، أول من قاس إبليس حين أمر بالسجود لآدم فأبى، وقال: خلقتنى من نار و خلقته من طين! أيهما أكبر يا نعمان: أيقاس لك هذا؟ قلت: لا قال: فأيهما أكبر: البول أو المني؟ قلت البول، قال: فلماذا أمر في البول بالوضوء وأمر في المنى بالغسل؟ أيقاس لك هذا؟ قلت: لا، قال أكبر الصلاة أم الصوم؟ قلت: الصلاة، قال فلم وجب على الحائض أن تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة؟ أيقاس ذلك؟ قلت: لا، قال: فأيهما أضعف: المرأة ام الرجل؟ قلت: المرأة، قال: فلم جعل الله للرجل سهمين في الميراث والمرأة سهماً أيقاس ذلک؟ قلت: لا.
و لوسأل الإمام الصادق أبا حنيفة عن حكمة كل حكم لأجاب لأنه صاحب الرأي الساطع و البيان القاطع لكنه أدب العلماء و احترام العترة الطاهرة.
هذا الأدب و الاحترام الذى جعل الإمام الشافعي يدع القنوت في صلاة الصبح عندما صلى في مسجد أبي حنيفة تأدباً واحتراماً له لأنه لا يرى القنوت في صلاة الصبح.
ج. موقفنا من العالمين [ابن تيمية، و ابن عبد الوهاب]
أن حالة السطحية و القشورية و الضبابية قد أوجدت و خلقت بيئة فكرية وأمزجة سوداوية تقوم بالتقاط فتاوي و أحکام صدرت عن الشيخين [ابن تيميه و ابن عبد الوهاب] في ظروف زمانية و مکانية معينة.
ثم يستنطقونها و يسخرونها في تکفير المسلمين، و کانهم الناطقون الرسميون المتحدثون باسم الشيخين فتأصل و شاع بين المسلمين أن [ابن تيمية و ابن عبد الوهاب] هما المصدر الأساس لفكر التکفير.
إن من يراجع كتب و فتاوى الإمام ابن تيمية يثبت له:
- أنه لم يدَّع لنفسه مرتبة الاجتهاد المطلق أو أنه صاحب مذهب فقهي خاص، لأنه كان على مذهب الإمام أحمد بن حنبل.
- و أنه كان يذكر أئمة المذاهب الإسلامية بكل الإجلال و الاحترام وحسبك كتاب (رفع الملام عن الأئمة الأعلام).
- و أنه لم يكن عدواً مبيناً للمتصوفة على الإطلاق، و أنه کان يثني علي علماء التصوف المنضبطين بالكتاب و السنة و إنما كان عداؤه للغلاة منهم و أصحاب نظريات الحلول أو إسقاط التکاليف الشرعيه و حسبک المجلد الخاص الکامل الذي آفرده في بيان [علم السلوک والتصوف في فتاويه الکبري].
- له جرأة و إقدام في إصدار الفتاوى التي يراها غير منسجمة مع الكتاب و صحيح السنة حتي و إن تعارضت مع المذاهب السُّنّية الأربعة. و في مقدمتها القول ببطلان الطلاق البدعي المخالف للكتاب و السنة في توافق كامل مع رأي المذهب الإمامي الجعفري و غير ذلك من محاسن الموقف و الآراء العلمية التي لا شك أنها تشكل إثراء وإضافة لتراثنا الفقهي.
و إن من يطالع موروثات الشيخ محمد بن عبد الوهاب يجده يقول بخلاف مايرجوهربتبناه المتطرّفون و المتشددون جهلاً و افتراء بغير علم. و الفتاوي و المواقف التي فرضتها ظواهر بدعية و انحرافات سلوكية من الجهلة والدهماء في عصره لا يجوز توظيفها واعتمادها سيفاً مشهراً على رقاب المسلمين علي مددي الأيام.
و خلاصة القول: أن العاقل إذا رأى جيفة أو حتى جيفاً تطفوا على سطح ماء بحر لجي عميق الأغوار كامن الأصداف و الأسرار لا يجوز أن يصفه بأنه مجمع الجيف و النفايات فالحسنات يذهبن السيئات و ليس العكس و الإنصاف العلمي يقتضي أن نقول بلا تهوين ولا تهويل أن الإمام ابن تيمية شيخ من شيوخ و علماء الإسلام. و ليس شيخاً للإسلام نذكره بالتقدير و الاحترام.
و نترحم عليه و على جميع موتى المسلمين الذين نحسن الظن بهم و أنهم ماتوا على كلمة التوحيد الله و رحمته.
و مع كامل احترامنا و تقديرنا للإمام ابن تيمية و الشيخ محمد بن عبد الوهاب و ما قاما به من جهود محمودة و أعمال طيبة في خدمة العلم و الدين. ولكن بصفتهما مسئولين عن إحياء هذا الكفر فلهما ما لهما و عليهما ما عليهما. و نسأل الله تعالى لنا و لهما الرحمة و المغفرة ولا نقول فيهما إلا خيراً.
إلا أننا و كبحاً لجماح الغلوائيين والمتعصبين الذين جعلوا من فكرهما و أقوالهما ديناً معصوماً يحقق صفات الفرقة الناجية و ما عداه هو الضلال المبين.
نقول إن العلماء الإعلام و الأئمة الكرام من ثقات الأمة قد ألّفوا عشرات المؤلفات و كتبوا مئات الكتب على هذين الشيخين منكرين و منتقدين حتى نعلم أن كل واحد من أهل العلم يؤخذ منه و يرد إلا الهادي المعصوم (صلي الله عليه و آله و سلم).
نسفُ المساجد و هدم الأضرحة جُنون و حماقة و عمل لا يخدم مصلحة الدعوة ولا يصحح العقيدة
لقد أعلنّا مراراً و تكراراً و صرحنا ليلاً و نهاراً و سِراً و جهاراً أن من يسجد لقبر أو يتوجه له بالدعاء أو العبادة فقد اقترف إثماً كبيراً و شركاً مستطيراً وإن قصده عامداً عارفاً بالحكم الشرعي فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه و العياذ بالله و أذكر أنني حضرت صلاة المغرب يوماً في مسجد السيدة زينب (رضى الله عنها) بمدينة القاهرة فرأيتُ أحد المسلمين ممسكاً بحديد (النافذة) المطلة على الضريح. فدفعني الفضول إلى التحدث إليه للوقوف على حقيقة هذا السلوك، فسلمتُ عليه و صافحتُه ثم بادرته سائلاً: لقد شاركتَ معنا في صلاة الجماعة، ولكنك عمدتَ إلى هذا "الشباك" و أمسكتَ بأعواد حديده، فأخبرني بربك ماذا قلتَ، و بِمَ دعوتَ و ماذا تقصد من وراء هذا العمل؟؟فقال الرجل: إننى صليت المغرب طاعة لله أولاً! ثم جئت فسلمت على السيدة زينب للتبارك؟ و سألك الله تعالى على مقربة من مكان سيدة صالحة من عترة الأل الأطهار. وقد يُكرمنى الله تعالي دعوئي بسبب حبي لها؟
فمقصدي لم يكن احتراماً ولا تعظيماً لهذه الجدار، وإنما حبّاً واحتراماً لمن سكن الديار فهذا أسواء ارتضينا سلوكه أم رفضناه؟ هل نحكم عليه بالشرك والكفر؟ و تأمل أخي الحبيب: قوله: أن مقصده التبارک لا العبادة.
و التبارك بالأنبياء و الصالحين عمل مشروع بالأدلة القاطعة و البراهين الساطعة كما سنورد لا حقاً، و جُمّاع القضية منحصرٌ في مسألة "سؤال الله تعالى بحبه أو حُبنّا للصالحين. وهى مسألة خلافية ينبغي علينا أن نوضح الدليل للعامة والجهلاء بالحكمة و الموعظة الحسنة، و بيان التعبد المَحض للواحد القريب المجيب.
و إذا كان الله تعالى يقول في محكم كتابه "وهو معكم أينما كنتم" فَهَل يُعقل أن نقول أن الله قد أغلق ابوابه، و امتنع بمعيته و قربه و رحمته عن هذه الأماکن أو المساجد التي تشتمل علي ضريح لنبي أو ولي من ثم يحرمُ دعاؤه فيها؟
إن الاعتقاد بهذا القول هو الكفر بعينه و العياذ بالله و من هنا و حرصاً على مسيرة دعوتنا و نجاحها سيّما و المرجفون والمتربصون و الحاقدون على المشروع الإسلامي من أعدائه في الداخل و الخارج يلتمسون الهفوات ويتتبعون لنا العورات و الزلات لإعلان الحرب على الدعوة و اطفاء نورها و إغلاق الأبواب في وجهها بالتضييق على دعاتها و القائمين عليها، فإنني أقول ناصحاً مُحباً و مشفقاً إن ما يخطط له بعض الإخوة الإسلاميين و ما قاموا به من نسف و تدمير للأضرحة في مصر (ضريح الشيخ زويد في محافظة سيناء) المرج بالقاهرة، وما أقدم عليه بعضهم في ليبيا مؤخراً إنما هو عمل إرهابى أحمق يضر بمصلحة الدعوة و يسئ إلى المشروع الإسلامى كله، ولا يخدم التوحيد لا من قريب ولا بعيد للأسباب والأدلة الشرعية الآتية:
1. إن هذا السلوك الأحمق سوف يؤصل لدى أعداء الإسلام و أدعيائه تهمة وصف و نعت الإسلاميين بالإرهاب و أعمال التخريب.
2. توجيه العداء و تعبئة الجماهير المسلمة و إيغار صدورهم كرهاً و نفوراً على الحركة السلفية قاطبة و الحكم عليها بمصطلح الوهابية، وإن هذا امتداد و إحياء لمواجع و فواجع تاريخية شهدتها بلادنا من قتل للمسلمين و تدمير لأضرخة و قبور الصحابة و الصالحين في مکة و المدينة و البقيع فنبش قبور التاريخ و ننكاً جراح الماضي و نفتح أبواب الفتنة بين المسلمين.
3. إن الإقدام على هذه الأعمال مرده إلى العلم القليل و الفهم الكليل للنصوص الدينية و جهل فادح فاضح بقاعدة إزالة المنكر وفقه الأولويات.
4. إن هذا التصرف الأهوج يمنح المتربصين ذريعة لدعم المزاعم القائلة.. إن قضية السلفيين و معرفتهم الکبري و الأساس مع سکان القبور، فيما يوالون و يداهنون سکان القصور.
5. هذا السلوک الذي جانب الحکمة يترتب عليه حشد الحشود و تأليب جموع المسلمين في شتي الأنحاء و الأصقاع، لتحجيم و تقزيم الحرکة السلفية و وصفها بالإرهاب و الخروج فهي في (جهة) وجموع قاطبة في جهة أخرى.
و حيث أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، فإن هذا العمل يُعدَّ و يحکم عليه بالخروج علي الاجماع و هوسبيل غير المؤمنين.
و من ثم قد يترتب عليه فساد أكبر و تنشب حرب ضروس ما بين الجبهتين السلفية والصوفية و إن كان عدد السلفية بالآلاف فإن أنصار و أتباع الصوفية بالملايين في سائر دول و قارات العالم العربي و غير العربي.
و تتحول المعركة من صراع مع من هم تحت الأرض إلى صراع دموي بين المسلمين القاطنين فوق الأرض، وهذا ما لا يقبل به ذو عقل سليم.
أخي الحبيب.
إن هناك أحاديث صحيحة يفيد ظاهرها حرمة اتخاذ القبور مساجد بل ولعن من يقوم بذلك، منها:
1. قوله (صلي الله عليه و آله و سلم): لعن الله اليهود و النصاري اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
2. ما روي أن علياً (صلي الله عليه و آله و سلم) قال لأبي الهياج الأسدي: ألا ابعثك على ما بعثني عليه رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لا تدع تمثالاَ إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته (أصحاب السنن إلا البخاري).
3. قوله (صلي الله عليه و آله و سلم): اللهم لا تجعل قبري و ثناً لعن الله قوماً اتخدوا قبور أنبيائهم أوثاناً (أحمد) فما هو المعني المراد من هذه الأحاديث؟
أ. أن كلمة (مساجد) جَمعُ مسجد، و معلوم أنه ليست لليهود ولا للنصارى مساجد وإنما لهم (کنائس و بيع و صوامع، ولا معني أنهم بنوا علي القبور أماکن للصلاة والعبادة و لاحظ عبارة علي و لم يقل بنوا عند قبورهم.
ب. روي ابن سعد و ابن هشام و الطبري و ابن الاثير في تواريخهم أن سيدنا اسماعيل و أمه هاجر مدفونان تحت الميزاب في حجر إسماعيل الذي هو في الأصل جزء من الكعبة وقد أثبتت الاثار أن في مسجد الخيف قبور سبعين نبياً، وأن ما بين زمزم والمقام دفن تسعون نبياً (أبو داود).
فلو كانت الصلاة في المساجد التي تحتوي على قبور باطلة؟ كانت الصلاة باطلة في أطهر الأماكن المقدسة و أكثرها بركة و ثواباً «المسجد الحرام- مسجد الخيف- الحرم في فلسطين".
هذا فضلاً عن مسجد رسول (صلي الله عليه و آله و سلم) في المدينة المنورة و معه صاحباه أبوبكر و عمر (رضي الله عنهما).
هو الذي أخبر بما هو کائن بعد وفاته (صلي الله عليه و آله و سلم) فقال: ما بين و منبري روضة من رياض الجنة.
ج. إن القوم وقتذاك كانوا قريبي عهد بالشرك و الجاهلية و أن مجرد زيارة القبور كان منهياً عنها فلما استقر الإيمان في قلوبهم أباح لهم ذلک فقال کنت نهيتکم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة.
و قد كان (صلي الله عليه و آله و سلم) يزور مقبرة البقيع و شهداء أحد و أن القبور التي أمر الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) بطمسها و إزالتها إنما هي قبور المشرکين التي کانوايقدسونها في الجاهلية و في الکفار بدليل ذکر التمائيل معها و إلا فالسنة و عمل الصحابة على خلاف ذلك بالنسبة لقبور المسلمين وقد ثبت أن قبور شهداء أحد و قبر حمزة و قبر عثمان بن مظعون الذي وضع النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) صخرة عظيمة ليعرف مكانة (أبو داود وغيره) کانت مرتفعة و معلومة إلى أن حدث هدمها.
وفي نوادر الأصول: إن فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) كانت تأتي قبر (حمزة بن عبد المطلب) في كل عام و اسلحه لئلا يندثر أثره فيخفي علي زائره.
و مما لا شك فيه أن من يسجد لصورة أو تمثال أو قبر فهو مشرك باتفاق و الحال أن المسلمين يسجدون و يصلون لله تعالى الذي جعل لهم الأرض كلها مسجداً و يزداد معنى الحديث الأول بما ورد في حديث
أن السيدتين (أم سلمة وأم حبيبة) وكانتا ممن هاجر إلى الحبشة أخبرتا رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) أنهما رأتا كنيسة بالحبشة فيها تصاوير و تماثيل يسجدون لها من دون الله فقال (صلي الله عليه و آله و سلم) أن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا علي قبره مسجداً و صور وافيه تلک الصور فأولئک شرارالخلق عند الله يوم القيام.
أما الحديث الأخير: اللهم لا تجعل قبري وثناً، فهو دعاء من رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) استجاب الله دعاءه فصان قبره و طهره من الشرک و التأليه و العبادة.
مواجهة بين عدوَّين وهمِيَّن و هما [النواصب و الروافض].
من أخطر معاول الهدم و الإفناء و من أشد مولدات شرور الفتنة بين المسلمين و هي مصدر كل بلاء و شقاء و عليها و بها تستحل الدماء و ما كان كل هذا ليحدث إلا اعتماداً على قناعات فكرية أشربت بها القلوب وحشيت بها العقول أن هذه الطائفة الأخرى كافرة بل أشد كفراً من اليهود و النّصاري.و من الخطأ المبين أن يعتقد عامة الشيعة أن أهل السنة جميعهم على فكر السلفية التكفيرية و أنهم بالنصب (أي يناصبون أهل البيت (عليهم السلام) البغض والعداء).
ومن الخطأ الفادح أيضاً أن نعمم مصطلح الرفض و الروافض على مطلق الشيعة ولو أننا علمنا أن علماء الشيعة الإمامية الجعفرية يرون كفر الروافض و أنهم أعداء الله و رسوله و آل بيته، و أنهم يتبرأون من معتقداتهم و أقوالهم لَما جاز لنا أن نخلط الحابل بالنابل ولا نميز ما بين غلاة الشيعة و الروافض و ما بين معتقدات عامتهم التي هاي علي خلاف ذلک.
و الحق أقول أن (القصور و التقصير) هو من وراء هذه الخندقة المذهبية.
القصور: الذي يعاني منه جُلُّ علماء و دعاة أهل السنة نتيجة الحصار المتوارث عبر مسيرة التاريخ فأوجد قصوراً و فراغاً فكرياً لايعرف حقيقة و أصول فقه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
و التقصير الذي يتحمله علماء و دعاة الشيعة الدين لم يُحسنوا عرض بضاعتهم و لم ينهضوا بواجبهم الدعوي لتعريف إخوانهم المسلمين السنّة و ربما كان عذرهم العوائق و العقبات التي تفرضها و تضعها هذا فضلاً عما يصدر من غلاتهم و متعصبيهم من تصريحات و تطاولات تعين على زيادة ثقافة التباغض بين المسلمين.
ندرأ الحدودَ بالشُّبهات أفلا ندرأُ دمَ المسلم بالشُّبهات
لقد أجمع أهل العلم على قاعدة فقهية أصولية مُستَنبَطة و مستوحاة من حديث نبوي صحيح و هي [إدرأوا الحدودَ بالشُّبهات] و ذلل بالتماس عذرٍ أو شبهة تصون و تحمي المسلم الذي اقترف جريمة كبيرة الكبائر تستوجب إقامة الحد الذي أوجبه الله تعالى بحق مرتكبها و من ثم فإنهم قالوا إذا صدر عن مسلم قول فعل يستلزم الخطأ أو الكفر من 99 وجهاً و يحتمل الصواب و الإيمان من وجه واحد حملناه على الوجه الذي يُبقى المسلمين في دائرة الإسلام و الإيمان، فَيحرم بهذا الوجه ادامه و مالُه و عرضُه.
و دليلهم و أسوتهم في ذلك هو موقف رسول (صلي الله عليه و آله و سلم) من الصحابي ماعز بن أقرن عندما أتاه معترفاً بارتكاب جريمة الزنا. و هي إثم كبير له حَدُّه و عقوبته في كتاب الله تعالى.
فما كان من أمر رسول (صلي الله عليه و آله و سلم) إلا أن حاول أن يوجد له شبهةً تدرأ عنه عقوبة الحد فقال له: لعلك قبَّلت أو فخَّذتَ؟ أي لعلك فعلت من المحرمات ما لم يبلغ حد الزنا الكامل الموجب... إلى آخر ما كان من إصرار الرجل على الاعتراف، والاعتراف سيدُ الأدلة كما يقول القانونيون.
فإذا كانت الحدود تُدرأ بالشبهات أفلا تكون هذه القاعدة أصلاً في درء استحلال الدماء و قتل الأبرياء بقواعد وأصول قَعَّدناها من عندياتنا ما أنزل الله بها من سلطان ؟؟
التكفير إثم عظيم و خطرٌ جسيم
ما أجمع علماء الأمة خلفاً عن سَلَفٍ إجماعهم على حرمة تكفير المسلم الذي ينطق بالشهادتين و هذه أقوال مختصرة لأئمة علماء المسلمين في جميع المذاهب الإسلامية.1. أبو جعفر الطحاوي في العقيدة الطحاوية: باب عقيدة أهل السنة و الجماعة "ص 20-21" أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين. ما داموا بما جاء به النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) معترفين و له ما قاله وأخبر مصدقين... ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله.
2. ابن حزم في الملل والنحل "الجزء 290/3 و ما بعدها" باب فيمن يُكَفِّر ولا يُكَفِّر اختلف الناس في هذا الباب فذهبت طائفة إلى أن من خالفهم في شيء من مسائل الاعتقاد أو في شيء من مسائل الفتيا فهو کافر، و ذهبت طائفة إلي إنه کافر في بعض ذلک فاسق غير کافر في بعضه علي حسب ما أدتهم إليهم عقولهم و ظنونهم، و ذهبت طائفة إلى أن من خالفهم في مسائل الاعتقاد فهو كافر و أن من خالفهم في مسائل الأحكام والعبادات فليس كافراً ولا فاسقاً ولكنه مجتهد معذور إن أخطأ مأجورٌ بنيّته... الخ.
و بعد أن نقل ابن حزم هذه الأقوال: ذكر رأيه ورأي كبار علماء أهل السنة فقال: و ذهبت طائفة إلى أنه لا يُكفَّر ولا يُفَسَّق مسلمٌ بقولِ في اعتقاد أو فتيا... و هذا قول ابن أبي ليلى، وأبي و الشافعي، و سفيان الثوري، و داوود بن علي رضي الله عنهم أجمعين و هو قول كل من عرفنا له قولاً في هذه المسألة من الصحابة رضي الله عنهم لا نعلم منهم في ذلك خلافاً اصلاً.
ثم ذهب إلى أبعد من ذلك إلى تضعيف حديث (الفِرَق) و حديث [القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة]. وقال: هذان حديثان لا يصحان أصلاً من طريق الإسناد. و على فرضية من يقول بصحتهما، فإن خبر الواحد لا يصح الاجتهاد به في قضايا الاعتقاد.
كما أن [السرخسى] الذي هو من أجل أصحاب أبي الحسن الأشعري: أخبر بما يلي: لما حضرت الشيخ أبا الحسن الأشعري الوفاة بداري في بغداد أمرني بجمع أصحابه فجمعتُهم له. فقال: اشهدوا عليَّ أنني لا أكفر أحداً من أهل القبلة بذنب لأني رأيتُهم كلَّهم يشيرون إلى معبود واحد يشملهم ويعمهم (خاتمة الصواعق- والشعراني في المواقيت و الجواهر ص 58).
3. ذكر المُلا علي القاري: في شرحه لكتاب أبي حنيفة "الفقه الأكبر" ص 425 وفي مرقاة شرح مشکاة المصابيح ج 1 ص 284.
بعد أن شرح قاعدة: لازم المذهب ليس بلازم: وبعد إيراد أقوال علماء أهل السنة حول التكفير. جمع بينها فقال: والقول المعتمد هو عدم جواز تكفير أهل القبلة حتى و إن (وُصِفوا بالضلال) إلا إنهم لم يقصدوا بما قالوه اختيار الكفر، و يشمل ذلك مسألة خلق القرآن و نفي رؤية الله تنزيها لله أو من ينال من الشيخين "لا سمح الله" كما نصَّ على ذلك القاضي عياض في كتاب [الشفا] الأول: أن الكفر لا يستحقه إلا من سَبَّ رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) فراجعه.
و عن الأوزاعي قال: و الله لئن نُشرتُ لا أقول بتكفير أحد من أهل الشهادتين.
عن ابن سيرين: أهل القبلة كلهم ناجون:
و سئل الحسن البصري عن أهل الأهواء؟ فقال: جميع أهل التوحيد من أمة نبينا (صلي الله عليه و آله و سلم)، يدخلون الجنة البَتَّة.
و سئل الزهري عَمَّن: لابس الفتن و قاتل فيها "أي زمن الصحابة" فقال القاتل و المقتول في الجنة، لأنهم (متأولون) "ومن أهل لا إله إلا الله، "راجع الملل والنحل".
4. سئل شيخ الاسلام / تقي الدين السبکي: أحد کبار الشافعية: عن حکم تکفير المسلم: فقال: أعلم يا أخي أن الإقدام على تكفير المؤمنين عسيرٌ جداً و كل من في قلبه إيمان يتعظم القول بتكفير الأهواء و البدع مع قولهم "لا اله إلا الله محمدٌ رسول الله" فإن التكفير أمرٌ هائل عظيم الخطر أن التكفير لا يكون إلا لمن اختاره ديناً و جحد الشهادتين و خرج عن دين الإسلام جملة. "راجع اليواقيت و الجواهر للشعراني".
5. مذهب الحنفية:
- البحر الرانق 125/5: و الذي تحرر أنه لايُفتي بتکفير مسلم أمکن حَملُ کلامه علي محمل حسن، أو في كفره اختلاف ولو في رواية ضعيفة.
- نفس المرجع ص 124: لا يخرج الرجل من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه، ثم ما تُيقن ردة يحکم به. و ما يُشکک أنه ردة لا يحکم به اذ الاسلام الثابت باليقين لايزول بالشک.
- الدر المختار: ج 224/4: الکفر شيء عظيم فلا أجعل المؤمن کافرا متي وجدتُ رواية لا يكفر، و لا يُكفَّر بالمحتمل: لأن الكفر نهاية في العقوبة. فيستدعي نهاية في الجناية، و مع الاحتمال لا نهاية.
6. مذهب المالكية:
- قال القرافي (في الذخيرة) ليس إراقة الدماء بسهل ولا القضاء بالتكفير.
7. مذهب الشافعية:
- الغزالي: إن استباحة الدماء و الأموال من المصلين إلى القبلة و المصرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، خطاً عظيم، و لاخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك من دم مسلم.
8. مذهب الحنابلة:
ابن تيمية (الفتاوي الکبري 282/3):
و لا يجوز تكفير المسلم بذنب و لا بخطاً أخطأ فيه كالمسائل التي يتنازع فيها أهل القبلة... أعظم الناس نهياً عن أن يُنسب مُعَينٌ إلى تكفير أو تفسيق أو معصية إلا إذا غلام أن قد قامت الحجة و الرسالة...
فمن كان من أهل الإسلام، و ينتمى إلى أهل السنة و الجماعة فهذه هي أقوال وآراء الثقاة من أئمة المذاهب جميعها.
فاين تذهبون؟ و أيَّ دين تتبعون ؟ و أي طريق تسلکون؟
ولكن قتل النفس أعظم وأكبر
و لمّا كان استحلال الدماء و إزهاق أرواح الأبرياء إنما هو نتاج عملي لظاهرة التكفير فمن ثم فإنه المهالک المؤدي الي اعلان الحرب علي الله تعالي بانتهاک حدوده و اقتحام حصنه و هدم بنيانه.
فالأدمي بُنيان الله و ملعون من هدمه، ولا يزال المرءُ في فُسحة من دينه ما لم يُصب دماً. فإن لقي الله تعالى مقترفاً قتل نفس بغير حق فإثمه عظيم و عقابه بين يدي الله أليم ذلك أن أول ما يُنظر فيه يوم القيامة الدماء فتأمل نَصَّ الحكم في قانون العقوبات المترتبة على قتل العباد كما ورد في قول الله وقول رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و علماء المسلمين:
أولاً: عقوبة جريمة قتل النفس في القرآن الكريم:
1. لمّا کانت کبيرة قتل النفس من أکبر الکبائر بعد الشرک بالله لِمَا تمثله من هدم و خراب و فساد للكون و للبشرية كلها، فإنّ القرآن الكريم يقص علينا نبأ أول جريمة اعتداء على نفس إنسانية عندما قتل قابيلٌ هابيلَ، حين غلبت عليه شقوته و طوعت له نفسه الأمارة قتل أخيه فقتله فكان أول من سن القتل و ما من جريمة قتل تقع على الأرض إلا كان لهذا القاتل كفلٌ منها.
القاتل يركب أحموقته و جهالته، و بدافع الحسد والغيرة و وسوسة الشيطان و تسويل النفس يتهدد أخاه بالقتل، ليکون من الخاسرين.
بينما المقتول و قد ألهمه الله تعالى سبيل الحكمة و النجاة: قال:
«لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَي يدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يدِي إِلَيكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ* إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ* فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (سورة المائدة 28-30)
2. من أجل هذا وحتى لا تتكرّر هذه الجريمة بين بني البشر، جعل الله تعالى «النفس الإنسانية مقابل: أنفس الإنسانية كلها، فقال تعالى:
«مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْياهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيا النَّاسَ جَمِيعًا» (المائدة 32)
3. إن آية في کتاب الله عز و جل، تکاد السموات يتفطرن من هولها و تنشق الارض و تخرّ الجبالُ و لو لم يُرد القرآن غيرَها لكانت أبلغ زاجر و رادع للكف عن قتل إنسان... مطلق إنسان فضلاً عن أن يكون مسلماً، حيث قرن الله تعالى القتل بالشرك- و أن جزاء القاتل جنهم- وأنه خالدٌ فيها- وإن له عذاب عظيم- و أن مع هذا الخلود و العذاب العظيم غضب الرَّب جلَّ و علا، و التوعد باللعن و هو الحرمان و الطرد من رحمة الله سبحانه. فقال تعالى: «وَمَنْ يقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا» (النساء 93).
ثانياً: عقوبة القتل في السنة النبوية المطهرة:
السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم: و لقد وردت عشرات الأحاديث الصحيحة التي تُجرّم و تُحرّم قتل النفس الإنسانية التي هي ملك لله وحده بل وحرَّمت ترويع المسلم و تخويفه فضلاً عن قتله ونورد بعضاً منها.
1. قوله (صلى الله عليه و آله و سلم): إذا أصبح إبليس بَثَّ جنوده فيقول: من أضل اليوم مسلماً البستُه التاج قال فيجيء هذا فيقول: لم أزل به حتي عَقَّ والديه فيقول: يوشک أن يبرهما، و يجيئ هذا فيقول: لم أزل به حتي قتل فيقول أنتَ أنتَ و يُلبسُه التاج "رواه ابن حبان في صحيحه و الحاکم في مستدرکه".
فتأمل كيف سُرَّ إبليس وقرّت عينُه بجريمة القتل وكيف كرَّم و توَّج القاتل وألبسه التاج.
2. الحديث: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً، أو الرجل يقتل مؤمناً متعمّداً أحمد والنسائي".
3. الحديث: من أعان علي قتل مؤمن بشطر کلمة لقي الله تعالي مکتوبٌ بين عينيه آيسٌ من رحمة الله (رواه أكثر من واحد و لكنه ضعيف).
4. الحديث: أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة (أبو داوود و النسائي و أحمد و هو صحيح).
5. الحديث: لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل مؤمن بغير حق (البيهقي و النسائي و هو صحيح). ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار "مسلم- و البيهقي- و النسائي و الترمذي: بروايات متعددة".
6. الحديث: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي و إن كان أخاه لأبيه وأمه و غيره).
7. الحديث: من قال لا إله إلا الله: وكفربما يُعبد من دون الله، حَرُّم مالُه و دمُه و حسابه على الله "أصحاب السنن".
8. الحديث: من صلى صلاتنا و استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله، و ذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته (البخاري وغيره).
و حسبنا هذان الحديثان اللذان يحرمان قتل المسلم حتى و إن كان كاذباً أو منافقاً أو مخادعاً.
9. حديث المقداد بن عمرو قال: قلتُ يا رسول الله: أرأيت ان لقيتُ رجلا من الکفار فاقتلنا، فضرب إحدى يَديّ بالسيف، فقطعها، ثم لاذ مِنّى بشجرة فقال: أسلمتُ لله، ألا أقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال: "لا تقتله" فقلتُ يا رسول الله: قطع إحدى يدي، ثم قال ذلك بعدما قطعها؟ فقال: لا تقتله فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله "أي أنه مسلم معصوم الدم". وإنك بمنزلته قبل يقول كلمتُه التي قال ((البخاري و مسلم وغيرهما)).
و لو لم يرد غير هذا الحديث لكان هذا أعظم زاجر على حرمة دم المسلم.
10. حديث: أسامه بن زيد المتفق عليه، قال:
"بعثنا رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) إلى بَطن من جينة فصبَّحنا القوم على مياههم، ولحقتُ أنا و رجلٌ من الأنصار رجلاً من المشركين، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكفَّ عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلتُه، فلما قدما المدينة بلغ ذلك النَّبي (صلي الله عليه و آله و سلم) فقال لي: يا أسامه أقتلتَه بعدما قال: لا إله إلا الله؟ فما زال يکررها عليَّ، حتي تمنَّيتُ أني لم اکن أسلمتُ قبل ذلک اليوم.
و في رواية أنه قال له: فماذا تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة.
ثالثاً، أقوال الأئمة الأعلام في حكم قاتل النفس:
و بعد قول الله و قول رسول الله لا نطلب قولاً و لا نلتمس دليلاً، حيث وردت في القضية الآيات الأحاديث الصحيحة الصريحة.
و حتي لا يطالعنا ذو علمٍ عقيم أو عقل سقيم بمفاهيم خاطنة و تأويلات باطلة لهذه النصوص القرانية و الأحاديث النبوية نورد بعضاً من أقوال الأئمة الأعلام في حكم الشقي الآثم الذي يستحل دم المسلم المقر بالشهادتين.
1. أورد ابن المنذر فقال: من قال لا اله الا الله و أن محمداً رسول الله و لم يزد علي ذلک شيئاً أنه مسلم" الإجماع ص 76"
2. القرافي من علماء المالكية: ليس إراقة الدماء بسهل ولا القضاء بالتكفير "الذخيرة 37/12"
3. إجماع أهل العلم على أن "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" أن المعنى: الفسوق لا يخرج من الإسلام ولا يحل قتله، وأن قتال المسلم عملٌ من أعمال الكفر في الجاهلية أو أن الكفر لمن يستحلش.
4. ما رواه القرطبي وغيره: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال بعد طعنه في المسجد و قد علمَ محاولة اغتياله كانت على يدي غلام مجوسي: الحمد الله الذي لم يجعل قتلي على يدِ رجل لا إله إلا الله: المعنى: إذا كان صاحب لا إله إلا الله له حجة، بحيث لوقتل الفاروق خليفة فأمر أهل التوحيد إذن أسهل فتأمل...
5. ابن حزم في الصواعق الجزء الثالث و نقله لأقوال العلماء.
6. ابن عينية: لئن تأكل السباع لحمي أحب إليَّ من أن ألقى الله تعالى بعداوة من يدين له الوحدانية و لمحمد (صلي الله عليه و آله و سلم) بالنبوة: لاحظ عداوة فضلاً عن القتل ولوراجعت أمَّهات الكتب المعتبرة عند أهل السنة في التفسير أو الأحاديث أو الفقه لوجدت عشرات الأقوال لأئمة المسلمين، التي تقطع بأن المسلم لا يُکفَّر إلا فيما أجمع عليه علماء الأمة أنه کفر، کما حکموا بنجاة من أقر بالشهادتين اعتماداً علي الأحاديث الصحيحة التي نصت علي لک.
هذا و بالله التوفيق و هو الهادي لسواء السبيل.
تاج الدين الهلالي خادم الوحدة الإسلامية