الدعاء هو العبادة، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على عظم هذه العبادة. وثمرات هذه العبادة مضمونة كما جاءت في الآيات والأحاديث الكثيرة. ولكن كيف يكون الإحسان في الدعاء؟
لمعرفة ذلك، دعونا نرجع إلى تعريف الإحسان، فالإحسان هو فعل الشيء على أكمل وجه، وبالتالي إذا استطعنا أن نؤدي الدعاء على أكمل وجه نكون قد حققنا الإحسان في الدعاء.
أولى هذه الأمور، هو التوجه إلى الله تعالى وحده، واليقين بأن الله تعالى هو وحده الذي يجيب الدعاء، فالله تعالى يقول: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖفَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " (1). وقال سبحانه: "وقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (2).
ومن الإحسان في الدعاء، التذلل الكامل بين يدي الله تعالى، والثناء عليه سبحانه بما هو أهله، ويدخل في ذلك الحرص على الدعاء باسم الله تعالى الأعظم والذي جاءت به بعض الأحاديث النبوية الصحيحة، فمن ذلك ما جاء عن عبدالله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ،ولم يكن له كفوا أحد ، فقال :"لقد سألت الله بالاسم الأعظم الذي إذا سئل به أعطى ،وإذا دعي به أجاب".(رواهأبوداود) .
ثم يأتي كذلك الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فكما جاء في الحديث عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، وَصَلِّ عَلَيَّ ، ثُمَّ ادْعُهُ".(رواه الترمذي).
ومن الإحسان في الدعاء، اليقين بأن الله تعالى سيستجيب الدعاء ولكن في الوقت الذي يريده الله تعالى وبالصورة التي يريدها الله تعالى. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله عز وجل يا أيها الناس، فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل".(رواه أحمد). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إمّا أن يعجل له دعوته، وإما أن يدّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها"، قالوا إذا نكثر، قال: "الله أكثر".(رواه أحمد).
ومن الإحسان في الدعاء، تخيّر الأوقات الفاضلة والتي يكون فيها الدعاء أدعى للإجابة، فمن ذلك الثلث الأخير من الليل كما جاء في الحديث الشريف: "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول: من يدعوني فأستجيب له ،من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له"(متفق عليه)، وبين الأذان والإقامة كما جاء في الحديث الشريف: "الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإقَامَةِ". (رواه أبوداود)، وفي السجود كما جاء في الحديث الشريف: "أقْرَبُ مَا يكونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ، فَأكْثِرُوا الدُّعَاءَ".(رواهمسلم)، وغير ذلك من المواضع والأوقات الفاضلة.
ومن الإحسان في الدعاء، عدم الاستعجال في الحصول على الإجابة، بل يترك الأمور كاملة لله تعالى، فالمؤمن يثق في الله تعالى ثقة كاملة بأن الله سيجيب دعاءه ولكن في الوقت الذي يريده الله تعالى. عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ : يقُولُ : قَدْ دَعْوتُ رَبِّي ، فَلَمْ يسْتَجب لِي".(متفق عليه).
ومن الإحسان في الدعاء، المحافظة على الأدعية النبوية الشريفة الجامعة فمن ذلك ما جاء في الحديث الشريف عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها هذا الدعاء:"اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم. اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك، وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك. اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل. وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا". (رواه ابن ماجه). ومن هذه الأدعية الجامعة كذلك ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : كَانَ مِن دعاءِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوالِ نِعْمَتِكَ، وتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وفُجَاءةِ نِقْمَتِكَ ، وَجَميعِ سَخَطِكَ". (رواه مسلم). وغيرها الكثير من الأدعية النبوية الجامعة.
ومن الإحسان في الدعاء الحرص على الابتعاد عن موانع استجابة الدعاء وأهمها الذنوب والمعاصي وأخطر هذه الذنوب هي التعامل مع المال الحرام كما جاء في الحديث الشريف: "أيُّهَا النَّاسُ ، إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إلاَّ طَيِّباً ، وإنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ . فقالَ تعالى : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً (3)، وقال تعالى : يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ (4).
ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعثَ أغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ : يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، ومَلبسُهُ حرامٌ ، وَغُذِّيَ بالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟". (رواه مسلم).
الدعاء عبادة عظيمة جدا، وهي من الأمور التي يحبّها الله تعالى كثيرا وبالتالي ينبغي الحرص على الإحسان فيه قدر الإمكان حتى يحصل الشخص على الثمرات المرجوة منه.
الإحسان في العلاقات الاجتماعية
• الإحسان إلى الوالدين:
الإحسان إلى الوالدين من أوجب الواجبات على كل مسلم، فقد ربط الله تعالى بين عبادته وبين الإحسان إليهما فقال تعالى: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا " (5).ولعل المصطلح الأكثر استعمالا هو بِرّ الوالدين، والبِرّ هو اسم جامع لكل أنواع الخير، وبالتالي مطلوب من كل مسلم أن يعمل جميع أنواع الخير لوالديه حتى يرضيهما. وقد أكّد النبي صلى الله عليه وسلم أهمية وفضل بر الوالدين والحذر من عقوقهما في أحاديث كثيرة، نذكر منها هذا الحديث الشريف، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد".(رواه الترمذي).
ووسائل الإحسان إلى الوالدين كثيرة جدا، والمعيار هنا هو فعل ما يرضيهما والبعد عن ما يغضبهما. وسبحان الله، حتى وإن دعا الوالدين إلى أسوأ شيء وهو الشرك بالله تعالى، فإن الله تعالى أمر بمصاحبتهما في الدنيا بالمعروف لفضلهما الكبير على الابن. "وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖوَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا " (6).
الإحسان إلى الوالدين أمر عظيم وواجب شرعي، والذي يؤديه يحصل على أجر كبير من الله تعالى، لأنه من أفضل الأعمال إلى الله تعالى.
• الإحسان إلى الزوج أو الزوجة:
من العجب أن ترى بعض الأشخاص من ذكر أو أنثى يحسنون في تعاملهم مع زملائهم في العمل، ولكنهم في البيت يتحولون إلى شخص آخر تماما!.ولعلي أوجه النداء إلى الأزواج أكثر من الزوجات، لأن لهم القوامة في النهاية، وعليهم مسؤولية الزوجة والبيت، وبالتالي يجب عليهم الإحسان إلى الزوجة وذلك بمعاشرتها بالمعروف وحسن التعامل معها. وإذا أردنا التعرف أكثر على معاني الإحسان مع الزوجة، فعلينا أن نرجع إلى سيرة خير الخلق صلى الله عليه وسلم وكيف كان يتعامل مع زوجاته فهو القدوة في ذلك، فقد ضرب صلى الله عليه وسلم أفضل معاني الإحسان في تعامله مع زوجاته، فكان صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله وكان يمازحهن ويلاطفهن ويسابقهن ويربّيهنّ ويأخذهنّ معه في غزواته وغير ذلك من معاني الإحسان، ويمكن الرجوع إلى الكتب التي تحدثت عن هذا المعنى الجميل، ويكفينا الحديث الشريف الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".(رواه الترمذي).
والنداء كذلك موجه إلى الزوجة، بأن تحسن إلى زوجها، وأجرها عظيم عند الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصّنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت". (رواه ابن حبان في صحيحه).
الإحسان المشترك بين الطرفين هو الذي يدفع لحياة سعيدة بعد توفيق الله تعالى، ويجب أن يعلم الزوجين بأن هذا الإحسان سبب لصلاح المجتمع، لأن المجتمع عبارة عن أسر، ومتى ما انتشرت معاني الإحسان داخل الأسرة، كان الإحسان منتشرا في المجتمع وسرنا في طريق النهضة بإذن الله تعالى.
• الإحسان في تربية الأبناء:
التربية من أهم الأمور التي يجب أن تهتم بها الدولة، لأنها الأساس في إخراج جيل قوي مؤثر منتج. وباهتمام الدولة بالتربية، فإنها تساعد الأسرة التي هي الأساس في التربية، وواجب الأسرة تنشئة أفرادها تربية صحيحة مبنية على القرآن الكريم والسنة النبوية.الإحسان في التربية يقتضي أن يشعر المربي أولا بواجب التربية وأنه المسؤول عن من يربيهم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتهِ : الإمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أهْلِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالمَرْأةُ رَاعِيَةٌ في بيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالخَادِمُ رَاعٍ في مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".(متفق عليه).
الإحسان في التربية يقتضي أن نربيّ جيلا ملتزما بدينه بحيث يحافظ على الفرائض ويكثر من النوافل ويحرص على تلاوة وحفظ القرآن الكريم ويكثر من ذكر الله عز وجل.
الإحسان في التربية يقتضي أن نربّي جيلا مرتبطا بالله تعالى ارتباطا قويا، بحيث تكون كل أعماله خالصة لله تعالى، يتوكل على الله وحده ويثق به ثقة كاملة مطلقة، ويخافه وحده ويرجوه وحده ويتذلل إليه سبحانه وتعالى.
الإحسان في التربية يقتضي أن نربيّ جيلا محبا لوطنه يساهم في تطوره ونهضته، ويكون كذلك حريصا على قضايا أمته يناصرها ويدافع عنها وينشرها بالأساليب الصحيحة.
الإحسان في التربية يقتضي أن نربيّ جيلا حريصا على العلم النافع بحيث يكون ملما بأساسيات العقيدة والفقه والسيرة النبوية وسير الصحابة والصالحين. ويكون كذلك قارئا للكتب، متميزا في دراسته.
الإحسان في التربية يقتضي أن نربيّ جيلا يحمل رسالة واضحة في الحياة، متخصصا في مجال معين، ينمّي ذاته ويحرص على التخطيط الصحيح لأهدافه ومسار حياته.
الإحسان في التربية يقتضي أن نربيّ جيلا ذات أخلاق كريمة، يتحلى بالصدق والأمانة والتواضع والشجاعة وغيرها من الأخلاق الكريمة ويبتعد عن الأخلاق السيئة كالكذب والخيانة والغرور والأنانية وغيرها.
الإحسان في التربية يقتضي بأن نربيّ جيلا مؤثرا وإيجابيا، مبادرا ومنتجا، واثقا بنفسه، قادرا على تحمل المسؤولية، بانياً للعلاقات الاجتماعية الصحيحة وقادرا على التواصل الإيجابي مع الآخرين.
كل هذا يضع على كاهل المربين مسؤولية ضخمة بأن يبذلوا جهودا جبارة في سبيل تربية النشء، وإذا ما استطاعوا تحقيق الأمور السابقة بعد توفيق الله تعالى، نستطيع أن نضمن جيلا محسنا يساهم بشكل فعال في نهضة الأمة الإسلامية ويسعى لعودتها لقيادة البشرية من جديد بإذن الله تعالى.
• الإحسان إلى الجار:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ". (رواه مسلم). وقال صلى الله عليه وسلم: "مَا زَالَ جِبْريلُ يُوصِيني بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُورِّثُهُ". (متفق عليه).الإحسان إلى الجار يتضمن السؤال عنهم ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم وعدم إيذائهم بأي شكل من الأشكال، عن أبي شريح الكعبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"واللهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ. قِيلَ: مَنْ يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : الَّذِي لاَ يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ".(متفق عليه). وفي الخلاصة فإن الإحسان يعني القيام بواجب الجيرة على أحسن وجه.
• الإحسان إلى الأصدقاء:
ويُطلق عليه كذلك (حقوق الأخوّة) وهي كثيرة جدا، وكما نذكر دائما بأن الإحسان هو أداء الشيء على أكمل وجه، وبالتالي فإن الشخص الذي يؤدي حقوق الأخوة على أكمل وجه يكون محسنا، وهذا الأمر ليس بالأمر السهل لأن الحقوق كثيرة، ولكن على الشخص أن يسعى أن يؤدي هذه الحقوق بقدر ما يستطيع.من هذه الحقوق، ما جاء في الحديث الشريف، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ : رَدُّ السَّلاَمِ ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ ، وَإجَابَةُ الدَّعْوَةِ ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ".(متفق عليه). وفي رواية أخرى "حَقُّ المُسْلِم عَلَى المُسْلِم ستٌّ : إِذَا لَقيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيهِ ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأجبْهُ ، وإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ ، وإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ الله فَشَمِّتْهُ ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ".(رواه مسلم).
ومن الإحسان كذلك ما جاء في الحديث الشريف: عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يُؤمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحبُّ لِنَفْسِهِ".(متفق عليه).
ومن الإحسان كذلك الابتعاد عن الأخلاق السيئة مع الأصدقاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، ولا تحسَّسوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَافَسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَاناً كَمَا أَمَرَكُمْ .المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلاَيَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ ، التَّقْوَى هاهُنَا التَّقْوَى هاهُنَا – وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ – بِحَسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَعِرْضُهُ، وَمَالُهُ". (رواه مسلم).
من الإحسان كذلك، الدفاع عنه ومناصرته، عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ردّ عن عرض أخيه، ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة".(رواه الترمذي).
من الإحسان كذلك، إعانة الصديق ومساعدته إذا احتاج، بل من الإحسان أن يعرف الشخص إن كان صديقه في مشكلة أم لا من دون أن يسأل هذا الصديق، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كَانَ في حَاجَة أخيه،كَانَ اللهُ في حَاجَته، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِم كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بها كُرْبَةًمِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيامَةِ".(متفق عليه).
ومن الإحسان كذلك، الدعاء له، جاء في الحديث الشريف: "دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ ، عِنْدَ رَأسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ : آمِينَ ، وَلَكَ بِمِثْلٍ".(رواه مسلم).
هذه بعض وسائل الإحسان، وكلام العلماء في هذا الباب – باب حقوق الأخوة – كثير ويمكن الرجوع إليه في كتبهم ومقالاتهم.
• الإحسان في الأخلاق:
يريد الإسلام من أتباعه أن يكونوا راقين دائما في كل شيء، ومسألة الأخلاق من أهم المسائل التي يحث عليها الإسلام. ولم يكتف الإسلام بالحث على الالتزام بالأخلاق فقط، بل دعا إلى الإحسان في الأخلاق، فقرن كلمة الخُلق بكلمة الحَسَن، فيقال في أغلب الأحيان، الالتزام بحسن الأخلاق، أو الأخلاق الحسنة.تأمل في قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ". (رواه أبوداود). فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن الخلق في منزلة الصلاة والصيام، وهذا دليل على أهمية الأخلاق لكل مسلم، ولاحِظ بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرن الخلق بالإحسان فقال بحسن خلقه، فالإحسان في الأخلاق أعلى مرتبة من الالتزام فقط بالأخلاق، وفي كل خير إن شاء الله تعالى.
ولنأخذ مثلا بعض الأمثلة على الإحسان في الأخلاق، يقول الله تعالى: "وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا " (النساء86). فالرد على التحية بمثلها من الأخلاق، ولكن الرد بأحسن منها هو الإحسان، وهو الذي يحصل عليه الشخص على أجر أكبر.
مثال آخر، يقول الله تعالى: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ " (المؤمنون96)، وفي الآية الأخرى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ "(فصلت34)، فيحث الله تعالى على الصفح والعفو مقابل الإساءة التي يحصل عليها الشخص، فقد يكون مجرد الإعراض وعدم الرد عليه من الأخلاق الحسنة، ولكن العفو والصفح من الإحسان التي يُؤجر عليها الشخص أجرا عظيما.
ولعل في حادثة الإفك ما يؤكد هذا المعنى، حين أخبر أنزل الله تعالى قوله: "وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " (النور22)، فاستجاب أبوبكر الصديق للنداء الرباني وعفا وصفح عن مسطح بن أثاثة الذي تكلم في عِرض ابنته عائشة رضي الله عنها، بل وأعاد النفقة عليه مع أنه كان يمكن له أن يُعرِض عنه فقط ولكنه الإحسان في الأخلاق والطمع بما عند الله تعالى من الدرجات العالية.
تأمل في هذا الحديث الجميل، عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كنت في مجلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم وسمرة وأبو أمامة فقال:"إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء، وإن أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا".(رواه أحمد). فهذا يدل على أن أهم معاييرأفضلية الناس هي بالأخلاق الحسنة مما يدل على أهمية الأخلاق بشكل عام والإحسان في الأخلاق بشكل خاص.
وتأمل في قول الله تعالى: "فَاصْبِرْصَبْراًجَمِيلاً" (المعارج5)، والذي يدل على أن الصبر الجميل أعلى مرتبة من الصبر فقط مع عظم أجر الصبر، فالصبر حين يرتبط بالجمال يكون أقوى وأعظم أجرا ولذلك أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، قال بعض المفسّرين: الصبر الجميل هو الصبر الذي لا جزع فيه ولا شكوى منه لغير الله تعالى.
ويقول تعالى في آية أخرى: "فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ" (الحجر85)، فيدل ذلك بأن الصفح الجميل أعلى من الصفح نفسه مع عظم أجر الصفح نفسه. قال بعض المفسّرين: الصفح الجميل هو الإعراض الحسن والعفو الحسن.
إذا ينبغي لنا أن نعلم بأن الإحسان في الأخلاق هو الذي يُنال به الدرجات العلا من الجنة مع أن الأخلاق بحد ذاتها لها أجر كبير، إلا إن عظم الأجر مع الإحسان.
المصادر :
1- البقرة186
2- غافر 60
3- المؤمنون : 51
4- البقرة : 172
5- الإسراء23
6- لقمان15