الإحسان في الشعائر التعبدية

المتأمل في التاريخ يرى بوضوح بأن الإحسان سبب رئيسي لنهضة وتفوق الأمم ولنأخذ تاريخنا الإسلامي على سبيل المثال، فنجد أنه حين اتّبع المسلمون الإحسان في أعمالهم كانوا قادة العالم، وحين تركوا الإحسان، ضعفوا وصاروا تابعين للأمم المحسنين.
Wednesday, March 29, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الإحسان في الشعائر التعبدية
الإحسان في الشعائر التعبدية

 





 

المتأمل في التاريخ يرى بوضوح بأن الإحسان سبب رئيسي لنهضة وتفوق الأمم ولنأخذ تاريخنا الإسلامي على سبيل المثال، فنجد أنه حين اتّبع المسلمون الإحسان في أعمالهم كانوا قادة العالم، وحين تركوا الإحسان، ضعفوا وصاروا تابعين للأمم المحسنين.
حين كان المسلمون محسنين في أعمالهم وأهدافهم ورؤيتهم،حين كان هدفهم إعلاء كلمة الله تعالى ونشر دينه في أرجاء المعمورة، حين كانوا يتّبعون آداب الجهاد في سبيل الله تعالى وأخلاقه الراقية، استطاعوا بفضل الله تعالى أن يفتحوا البلدان وينشروا دين الله تعالى في أرجاء الأرض رغم أعدادهم القليلة.
تأمل مثلا في معركة القادسية، وكيف استطاع المسلمون هزيمة الفرس رغم فارق العدد، وتقدموا بعد ذلك نحو المدائن عاصمة الفرس واستطاعوا هزيمتهم في معارك متعددة. كل ذلك لأنهم كانوا محسنين، فوفقهم الله تعالى ونصرهم.
ثم تأمل في الجهة الأخرى، وهي جهة الروم، فقد كان المسلمون كذلك في معارك ضارية مع الروم، وخذ مثلا معركة اليرموك والتي كان فيها الروم يفوقون فيها المسلمين بأعداد ضخمة، ورغم ذلك استطاع المسلمون الانتصار عليهم وفتح الشام وفلسطين.
ودعونا ننتقل إلى الدولة الأموية، وكيف استطاعوا الوصول إلى بلاد ما وراء النهر من جهة الشرق، والأندلس من جهة الغرب.
وإذا تحدثنا عن فتح الأندلس، فإنك تجد العجب العجاب، ولعل من أبرز المعارك في بداية الفتح، كانت معركة وادي برباط والتي استطاع فيها طارق بن زياد رحمه الله الانتصار على النصارى وتكملة فتح الأندلس بعد ذلك. والمعارك في الأندلس كثيرة واقرأ إن شئت عن عبدالرحمن الداخل وعبد الرحمن الناصر وعن دولة المرابطين والموحدين في المغرب، وكيف استطاعت في وقت عزتها السيطرة على بلاد المغرب والأندلس في نفس الوقت.
وننتقل بعد ذلك إلىالدولة الزنكية في عهد عماد الدين زنكي ونور الدين محمود رحمهما الله تعالى والدولة الأيوبية في عهد صلاح الدين رحمه الله تعالى وكيف استطاعوا التغلب على الإمارات الصليبية الموجودة في العالم الإسلامي.
وانظر بعد ذلك إلى المماليك، إلى سيف الدين قطز الذي استطاع إيقاف المد التتري وذلك بالتغلب عليهم في معركة عين جالوت، وجاء من بعده الظاهر بيبرس وغيرهم من القادة.
ثم انظر إلى الدولة العثمانية وكيف استطاعت في أوج قوتها فتح بلدان كثيرة في أوروبا، والأهم من ذلك فتح القسطنطينية بواسطة القائد الشاب محمد الفاتح رحمه الله تعالى.
وعكس ذلك تماما، حين تخلى المسلمين عن الإحسان في أعمالهم وأهدافهم، تسرّب الضعف إليهم واستطاع أعداؤهم التغلب عليهموأصبحوا في ذيل الأمم، واقرؤوا إن شئتم في تاريخ الأندلس والدولة العباسية والعثمانية وغيرها من الأمم التي كانت في يوم من الأيام قوة ضخمة، أصبحت ضعيفة وسقطت بعد ذلك لأنهم لم يحسنوا في أمورهم فتخلى الله تعالى عنهم.
وقد أحسن المسلمون كذلك في نواح أخرى كثيرة، انظر مثلا إلى الجانب العلمي، حين أحسن المسلمون في طلب العلم، خرج منهم علماء أثّروا في العالم أجمع.
انظر مثلا في مجال الفقه تجد كثيرا من الفقهاء برزوا في هذا المجال وقضوا أعمارهم في نشر العلم وتعليم الناس أمور دينهم، ولعل الأمثلة الأبرز تكمن في أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة، أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله جميعا رحمة واسعة. تأمل في حياة كل واحد منهم، وكيف أنهم أحسنوا في طلب العلم في بداية حياتهم، ثم أحسنوا في نشر العلم، وأحسنوا كذلك في الثبات في وجه التحديات والعوائق التي واجهتهم. حينما أحسنوا في هذه الأمور جميعا، استطاعوا أن يكونوا مؤثرين وتكونت لديهم مدارس فقهية باقية إلى زماننا هذه.
ومثال آخر، وهو مجال تفسير القرآن الكريم، وقد برز فيه علماء كثر أيضا، ولعل من أبرزهم الإمام القرطبي والإمام الطبري وابن كثير رحمهم الله تعالى.
وفي مجال الحديث الشريف وعلومه، برز كذلك الكثير من العلماء، وحين يقرأ الشخص في سير هؤلاء يجد جهدا جبارا في جمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لدرجة أن بعضهم كان يسافر المسافات الطويلة – مع عدم توفر وسائل المواصلات – فقط لكي يجمع أو يسمع حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ولعل من أبرز علماء الحديث البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه والنسائي وغيرهم رحمهم الله تعالى.
ولم يقتصر بروز المسلمين في العلوم الشرعية فقط، وإنما برزوا كذلك في العلوم الحياتية، بل وكانوا مرجعا للغرب لفترات طويلة، وفي الوقت الذي كان فيه الغرب يعيش في ظلام وجهل، كان المسلمون هم قادة الناس في العلوم في شتى مجالاتها. ففي الطب برز ابن سينا وابن النفيس مثلا وكانوا هم وكتبهم مراجع لهذا العلم الهام لفترات طويلة في الجامعات الغربية.
وفي الكيمياء برز جابر بن حيان، وفي الفيزياء برز ابن الهيثم، وفي الفلك برز الإدريسي.بل وحتى في مجال الطيران كان عباس بن فرناس أول من حاول الطيران. صحيح أنه فشل ولكنه كان صاحب الفكرة واستفاد منه الغرب بعد ذلك في فكرة الطيران بعد ذلك.
ومجال آخر كذلك برز فيه المسلمون وهو مجال العمران والبنيان، فحين أحسنوا في ذلك، استطاعوا أن يبنوا أمورا أذهلت العالم، والمتأمل في حضارة الأندلس والدول العباسية والعثمانية يجد العجب العجاب، حيث المباني والمساجد والدواوين والقلاع والحصون وغير ذلك.
حين أحسن المسلمون فيالدعوة إلى الله تعالى، دخل كثير من البشر في هذا الدين بعد أن أُعجبوا بالدعاة المحسنين وبما يدعون إليه. ولعل المثال الأبرز هو انتشار الإسلام في شرق آسيا كإندونيسيا، فقد انتشر الإسلام بفضل التجار المسلمين الذين أحسنوا التعامل مع الناس فدخلوا في هذا الدين العظيم.
وخلاصة الأمر تكمن في القاعدة الذهبية التالية: حين يحسن المسلمون في علاقتهم مع الله تعالى، ينصرهم الله تعالى على أعدائهم ويمكّن لهم في الأرض ويجعلهم قادة للبشرية.
ولا يُفهم من كلامي أبدا أنني أقلّل من صورة المسلمين في هذا الزمن، فهناك أناس كثيرون محسنون في أعمالهم، وأثّروا في مجالات كثيرة، وما ذكرناه من أمور في الماضي كان لكي نأخذ منه العبر والدروس ونسير على خطاهم لكي نصل إلى ما وصلوا إليه وزيادة. فالتاريخ ليس لمجرد ذكر القصص والأخبار وإنما لأخذ العبر والدروس، فكما يقالبأن التاريخ يعيد نفسه، وسنة الله تعالى ثابتة لا تتغير"فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَحْوِيلًا " (1).
ومتى ما تكررت الظروف والأسباب في فترة ما، تحققت سنة الله تعالى في ذلك، فمثلا إذا تعلقت قلوب المسلمين بالدنيا واختلّت علاقتهم مع الله تعالى، كان هذا نذير السقوط وانتصار الأعداء، وراجع قصص سقوط الدولة الأموية والعباسية والعثمانية والأندلس، تجد بأن الأسباب العامة للسقوط واحدة تقريبا وان اختلف الزمان والمكان والأشخاص.
ولأن سنة الله تعالى ثابتة، فإن أمر الإحسان ينطبق كذلك على غير المسلمين، وهي أن المحسن ينال جزاءه سواء كان مسلما أو كافرا، " مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ " (2).
فالمحسن ينال جزاءه سواء كان مسلما أو كافرا، والاختلاف يكمن في أن المسلم المحسن ينال جزاؤه في الدنيا والآخرة، أما غير المسلمين، فينالون جزاءهم في الدنيا فقط.
والمتأمل في التاريخ يجد أمثلة واضحة لأمم استطاعت بفضل إحسانهم مع ضعف المسلمين من أن يتغلبوا على المسلمين ويحتلوا أراضيهم. تأمل مثلا في قصة المغولوكيف استطاعوا بتخطيط ذكي وخطوات مدروسة إسقاط الدولة العباسية واستباحة بغداد.
مثال آخر، وهو تكوين الإمارات الصليبية في أرض المسلمين، وكيف استطاعوا أن يقيموا إمارات صليبية في أنطاكيا والرها وطرابلس بل ويحتلوا القدس ويؤسسوا مملكة هناك حتى حررها صلاح الدين بعد ذلك.
ولعل من أبرز الأمثلة كذلك، إسقاط الأندلس، وكيف استطاع النصارى طرد المسلمين من الأندلس والسيطرة على الأراضي الإسلامية الواحدة تلو الأخرى.
ومن الأندلس إلى إسقاط الخلاقة العثمانية، وكيف تآمر عليها الدول الغربية بالتعاون مع بعض العملاء لإسقاطها وإنهاء الخلافة الإسلامية.
ثم تأمل كيف استطاع اليهود تأسيس دولة إسرائيل في قلب العالم الإسلامي وكيف قام تيودور هرتزل والزعماء اليهود في خطوات مدروسة وسعي حثيث في إقامة دولة إسرائيل.
ويثبت التاريخ الحديث كذلك أنه حين أحسن الغرب والشرق في المجالات المختلفة، فإنهم تفوقوا وسادوا وقادوا العالم. انظر مثلا في المجال التقني والطبي والعسكري والثقافي، تجد بأن الغرب والشرق متفوقون على المسلمين.
وأؤكد مرة أخرى بأن تفوق الغرب والشرق على المسلمين، لم يكن بسبب إحسانهم فقط وإنما بسبب ضعف المسلمين بالدرجة الأولى، فلو قام المسلمون – وبالفعل بدؤوا بالقيام – بالإحسان في جميع أعمالهم لاستطاعوا التفوق على الغرب والشرق لأن الله تعالى سينصر عباده وسيوفقهم لكي يكونوا سادة الدنيا، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ "(3).

نماذج من الحث على الإحسان

أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بالإحسان في كل شيء كما ذكرنا من قبل في الآية الكريمة "إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ "(4)، وفي الحديث الشريف: "إنَّ الله كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ".(رواه مسلم).
وسنقف معا على بعض التوجيهات القرآنية والنبوية في هذا المجال، وسنرى بوضوح حجم هذه التوجيهات بل وفضل من يطبق الإحسان في عمله. وينبغي التنبيه إلى أنّه قد لا يأتي لفظ الإحسان أو مشتقاته في الآيات أو الأحاديث التي سنوردها، ولكن تأتي معاني الإحسان كالإتقان والتمام وغيرها.

الإحسان في الشعائر التعبدية

• الإحسان في الوضوء:
ونأتي بعد ذلك لنأخذ بعض الأمثلة على الشعائر التعبدية، ولنقف أولا على الوضوء والذي يؤديه المسلم في اليوم لمرات متعددة. وللأسف أصبح الوضوء لدى بعض المسلمين عادة لاعتيادهم على أدائه كل يوم، ولو تأمل المسلمون في الوضوء وفضله الكبير، لتلذذوا عند أدائه.
تأمل الحديث التالي: عنعثمانبنعفانرضياللهعنهقال: قالرسولاللهصلىاللهعليهوسلم: "من تَوَضَّأ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ، خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُج مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ".(رواهمسلم). هل بعد الفضل من فضل؟ تنقية كاملة من الذنوب والمعاصي في كل يوم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع شرطا هاما، ألا وهو الإحسان في الوضوء (فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ).
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الإحسان في حديث آخر حين قال: "وأيما رجل قام إلى الوضوء يريد الصلاة ، فأحصى الوضوء إلى أماكنه ، سلم من كل ذنب أو خطيئة له ، فإن قام إلى الصلاة رفعه الله بها درجة وإن قعد قعد سالماً ". (رواه أحمد). تأمل في جملة (فأحصى الوضوء إلى أماكنه) أي أحسن في وضوئه وأتقنه.
إن الإحسان في الوضوء ليس مجرد إتقان حركاته فقط، وإنما يتعدى إلى استشعار فضل الوضوء وقيمته وأهميته، فالشخص الذي يستشعر هذه العبادة العظيمة يشتاق إليها دائما، ومن اشتاق إلى الوضوء يشتاق بالطبع إلى الصلاة وهذا فضل كبير من الله تعالى.
حديث آخر يبيّن فضل الإحسان في الوضوء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم راح فوجد الناس قد صلّوا ،أعطاه الله مثل أجر من صلّاها وحضرها ،لاينقص ذلك من أجرهم شيئا". (رواه أبوداود). فضل عظيم جدا من الله تعالى بأن يعطي أجر المحسن في وضوئه إذا لم يلحق الجماعة كأجر من صلّى الجماعة. صحيح أن المسألة تحتاج إلى جهد، فالإحسان يتطلب جهدا وتركيزا، ولكن الفضل كبير والأجر عظيم، والعاقل هو الذي يستثمر مثل الأمور لأنه لا يرضى إلا بالدرجات العلا من الجنة.
الإسلام يريدنا أن نحسن في جميع أعمالنا ولذلك فهو يربّي أتباعه على معاني الإحسان في أمر يتكرر يوميا وهو الوضوء وبالتالي علينا الحرص على هذا الإحسان حتى يتحقق لنا الأجر وينعكس بعد ذلك هذا الإحسان على باقي حياتنا.
• الإحسان في الصلاة:
هذه العبادة التي هي عمود الدين فمن أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين. وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صَلُحَت، صلح سائر عمله، وإن فَسُدت، فسد سائر عمله. هذه العبادة العظيمة التي يجب أن نهتم بها أكثر من غيرها وأن تكون على رأس أولوياتنا في حياتنا ونحرص على تطبيق الإحسان فيها أشد الحرص.
الإحسان في هذه العبادة من أهم الأمور التي يجب أن نحافظ عليها، ولعلي أبدأ بالحديث المعروف بين أهل العلم بحديث (المسيء صلاته). عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد، فصلى ثم جاء فسلّم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعليك السلام، ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ"، فصلى ثم جاء فسلّم فقال: "وعليك السلام، ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ"، فصلى ثم جاء فسلّم فقال: "وعليك السلام، ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ". فقال في الثانية أو في التي تليها: علمني يا رسول الله فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تستوي قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". (متفق عليه). فتأمل معي معاني الإحسان الموجود في هذا الحديث ولعل أبرزها الاطمئنان الذي هو معنى رئيسي من معاني الإحسان.
يؤدي الاطمئنان إلى التركيز في كل حركة من حركات الصلاة، وإلى استشعار كل ما يقال في الصلاة، وإلى الشعور بأهمية هذه العبادة العظيمة. كل هذا وغيره لا شك من معاني الإحسان. فبغير الإحسان في الصلاة قد ينطبق على الشخص حديث (المسيء صلاته) ويُخشى عليه من عدم صحة صلاته والعياذ بالله.
وأمر آخر كذلك في الصلاة يبيّن لنا أهمية الإحسان، وهو أمر الخشوع، والخشوع ليس بالأمر السهل ويتطلب جهدا كبيرا من الشخص، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الشريف: "إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها".(رواه أبو داود). وبالتالي علينا أن نسعى جاهدين لكي ندرك أكبر قدر من أجر الصلاة ولا يكون ذلك إلا بالإحسان فيها.
ومن فضل الإحسان في الصلاة وأهميته ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث التالي، فعنعثمانبنعفانرضياللهعنهقال: سمعترسولاللهصلىاللهعليهوسلميقول: "مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاَةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءها ؛ وَخُشُوعَهَا، وَرُكُوعَهَا ، إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوب مَا لَمْ تُؤتَ كَبِيرةٌ ، وَذلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ".(رواهمسلم). فالإحسان في الصلاة ومن قبله الوضوء (فَيُحْسِنُ وُضُوءها ؛ وَخُشُوعَهَا، وَرُكُوعَهَا) سبب لمغفرة الذنوب وهذا لا شك فضل كبير من الله تعالى.
وجاء في حديث آخر ما يؤكد هذا المعنى والفضل أيضا، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خمس صلوات افترضهن الله عز وجل، من أحسن وضوءهن وصلّاهنّ لوقتهن وأتمّ ركوعهن وسجودهن وخشوعهن، كان له على الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه". (رواه أبو داود) فالشرط هنا واضح لتحقق مغفرة الذنوب وهو الإحسان (من أحسن وضوءهن وصلّاهنّ لوقتهن وأتمّ ركوعهن وسجودهن وخشوعهن).
وحتى في بعض الأمور المرتبطة بالصلاة، تجد إحسانا عجيبا، تأمل مثلا في وقوف المصلين في صف واحد وكيفية الاهتمام بمسألة الاستواء في الصف. ألا يُعدّ ذلك إحسانا؟ وتأمل في اقتداء المصلين بالإمام في جميع حركاته وعدم مسابقته. ألا يُعدّ ذلك إحسانا؟ وتأمل في حركات الصلاة، في تكبيرة الإحرام، في الركوع، في الرفع من الركوع، في السجود، في التشهد، في السلام، تأمل الدقة في كل هذه الحركات. ألا يُعدّ ذلك إحسانا؟
إذا فالإحسان في الصلاة مطلب أساسي وربما وقفت عليه صحة الصلاة من عدمها، ونقطة أخرى هامة ينبغي التنبيه عليها، وهي أن الله تعالى يدرّبنا في كل يوم خمس مرات على الأقل على الإحسان، وهي رسالة لنا بأن هذا الأمر - أي الإحسان - ينبغي أن ينعكس على أمور الحياة كلها، لأننا بيّنا قبل ذلك بأن الأمور التي نفعلها في العبادات ينبغي أن تنعكس على حياتنا كلها ولا نكون فقط محسنين في أداء الشعائر التعبدية كالوضوء والصلاة، وعندما نأتي إلى العمل وفي المعاملات اليومية نكون غير محسنين. فالإسلام دين شامل لجميع مناحي الحياة، وكما نطبّق أمر الله تعالى بالإحسان في الوضوء والصلاة، ينبغي لنا تطبيق الإحسان في البيت والعمل وفي كل شيء، ولعل الفضل الكبير للإحسان في الوضوء والصلاة بالذات، تدريب مستمر لنا لكي نكون محسنين في جميع أمورنا.
• الإحسان في تلاوة القرآن الكريم:
حثّ الله تعالى على الإحسان في تلاوة القرآن الكريم حيث قال سبحانه وتعالى: " وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا" (المزمل4)، فالترتيل يدخل في معانيه قراءة القرآن بصوت حسن وبهدوء، وإعطاء كل حرف حقه، وتطبيق أحكام التجويد، وهذا كله يدخل تحت الإحسان. ما هو الإحسان؟ الإحسان هو فعل الشيء على أكمل وجه، فالترتيل يعني قراءة القرآن بأفضل صورة ممكنة وهذا هو عين الإحسان.
القرآن الكريم كلام الله تعالى وليس كلام البشر، وبالتالي على القارئ أن يميّزه عن غيره من الكلام ويعطيه قدره، ولذلك جاءت النصوص على زيادة أجر من يحسن قراءة القرآن على غيره مع حصول الأجر لكل منهما. عن عائشةرضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أجْرَانِ".(متفق عليه). فالفضل كبير والأجر عظيم لمن أحسن قراءة القرآن الكريم.
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حثّ على التغنّي بالقرآن والذي هو من معاني الإحسان، بل وأبعد صلى الله عليه وسلم من لم يتغنّ بالقرآن عن نفسه وعن المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن". (رواد أبوداود). فالمسألة تتعدى الحصول على الأجر فقط إلى تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم بأن من لم يحسن يبتعد عنه صلى الله عليه وسلم وهذا لا شك خسارة كبيرة.
الإحسان في تلاوة القرآن يؤدي كذلك إلى تدبّر آياته، وهذا من أهداف القرآن الكريم كما بيّنه الله تعالى: "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ " (5).
لاحظ الذي يقرأ القرآن قراءة سريعة، فهو لا يركّز في الغالب في معانيه، أو بالأحرى لا يتعمق في معانيه وبالتالي لا يستفيد استفادة كاملة من القرآن الكريم رغم حصول أجر القراءة له بإذن الله تعالى، ولكننا نريد أكثر من ذلك، نريد التدبّر الذي يقود إلى تطبيق معاني القرآن في حياة الشخص.
الإحسان هام جدا في كل شيء، ولعلنا رأينا أهميته في قراءة القرآن، فحري بنا أن نطبقه حتى نحصل على الثمرات المرجوة بإذن الله تعالى.
• الإحسان في ذكر الله عز وجل:
ذكر الله تعالى من أعظم العبادات، والذاكر لله تعالى له أجر كبير منه سبحانه وتعالى، ويكفيه أن الله تعالى يذكره كما قال سبحانه: " فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" (6).
وكما جاء في الحديث الشريف: "يقول الله تَعَالَى : أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ، ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي ، وإنْ ذَكَرنِي في ملأٍ ذَكرتُهُ في مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ". (متفق عليه).
والإحسان في الذكر يكون بأدائه على أكمل صورة، فيكون الذكر بالقلب واللسان الذي هو أكمل حالات الذكر كما ذكر بذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: (النَّاسَ فِي الذِّكْرِ أَرْبَعُ طَبَقَاتٍ : إحْدَاهَا : الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ،والثَّانِي: الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ فَقَطْ ، فَإِنْ كَانَ مَعَ عَجْزِ اللِّسَانِ فَحَسَنٌ ، وَإِنْ كَانَ مَعَ قُدْرَتِهِ فَتَرْكٌ لِلْأَفْضَلِ، والثَّالِثُ : الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ ، وَهُوَ كَوْنُ لِسَانِهِ رَطْبًا بِذِكْرِ اللَّهِ، والرَّابِعُ :عَدَمُ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ حَالُ الْخَاسِرِينَ).
ومن الإحسان كذلك، ذكر الله تعالى في جميع الحالات ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فيحرص على أذكار الصباح والمساء وأذكار بعد الصلوات والأذكار المتعلقة بالأمور اليومية كالنوم والأكل ودخول المنزل والخروج منه ودخول الخلاء والخروج منه وغيرها من الأذكار.
كما يحرص على الأذكار العامة والتي وردت في الأحاديث النبوية الصحيحة مثل سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وغيرها من الأذكار.
وفي الخلاصة، إذا أراد الشخص الإحسان في الذكر فعلى لسانه أن يكون رطبا بذكر الله تعالى، "لا يَزالُ لِسَانُكَ رَطباً مِنْ ذِكْرِ الله".(رواه الترمذي). وعليه أن يجعل الذكر جزءا من حياته، فيذكر الله تعالى على جميع أحواله.
المصادر :
1- فاطر43
2- هود15
3- محمد7
4- النحل90
5- ص29
6- البقرة152

 



ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.