الدعوة إلى الله من الإحسان

وضعت الدعوة إلى الله تعالى تحت فقرة الإحسان في الأخلاق لأنني أعتقد بأن الدعوة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأخلاق، والدعوة من ألزم المواضع التي يحتاج فيها الشخص للإحسان، فالدعوة إلى الله تعالى فنّ لا يتقنه إلا من عرف
Tuesday, April 4, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الدعوة إلى الله من الإحسان
الدعوة إلى الله من الإحسان

 





 

وضعت الدعوة إلى الله تعالى تحت فقرة الإحسان في الأخلاق لأنني أعتقد بأن الدعوة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأخلاق، والدعوة من ألزم المواضع التي يحتاج فيها الشخص للإحسان، فالدعوة إلى الله تعالى فنّ لا يتقنه إلا من عرف آدابها وشروطها ومعانيها، وهذا يعني بأن الدعوة لا تحتاج إلى علم غزير وإنما تحتاج إلى فنّ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً" (رواه البخاري)، فأي أمر فيه خير يستطيع الشخص أن يوصي وينصح به، ولكن هذا يحتاج إلى فن، لأن النتيجة قد تكون عكسية إذا لم يحسن الداعي تبليغ دعوته.
الله تعالى يوصينا بالإحسان في الدعوة، فقد قال سبحانه وتعالى في آية رائعة: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " (1).
تأمل في وصية الله تعالى في هذه الآية حيث حثّ سبحانه على استخدام الحكمة، وهي معنى هام من معاني الإحسان، والحكمة تعني التصرف المناسب في المكان المناسب والزمان المناسب، والدعاة الناجحون هم الذين يتصفون بهذه الصفة الهامة ولعل ذلك أبرز أسباب نجاحهم بعد توفيق الله تعالى لهم.
ثم حثّ الله تعالى على استخدام الموعظة الحسنة، وأي وصف جميل للموعظة، فهي يجب أن تكون حسنة بمعنى أنها تحمل معاني اللطف واللين والطيب، وتأمل في أكثر قصص التائبين والراجعين إلى الله تعالى، تجد بأنهم قد تأثروا بموعظة حسنة من أحد الصالحين.والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "وَالكَلِمَةُ الطَيِّبَةُ صَدَقَةٌ" (متفق عليه)، ولاشكّ بأن الكلمة الطيبة من الإحسان.
ثم يأتي الحث الرباني على المجادلة بالتي هي أحسن، أي الالتزام بآداب المحاورة، لأن الأدب أو الإحسان في المحاورة يؤدي إلى نتائج رائعة وثمرات عديدة بعكس المحاورة السيئة أو المجادلة برفع الأصوات وعدم احترام الطرف الآخر، فإنه يؤدي إلى نتائج سيئة في أغلب الأحيان.
إذاً يريدنا الله تعالى بأن نكون محسنين في الدعوة إلى الله حتى نحقق أفضل النتائج، والمتتبّع لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والذي وُجّه إليه هذا الخطاب الرباني، يجد بأنه صلى الله عليه وسلم كان أفضل المحسنين في الدعوة إلى الله تعالى، وبالتالي فإن كثيرا من الناس دخل في هذا الدين العظيم بمجرد سماع كلمات قليلة من الرسول صلى الله عليه وسلم أو بمجرد رؤيته لبعض من أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم.
تأمل مثلا في تعامله مع كفار قريش، كموقفه مع الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة وغيرهما. تأمل مثلا تعامله مع الأعراب الذين كانوا يغلظون في التعامل معه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان حليما صبورا يرد برفق ولين ويدعوهم بأحسن الكلام، فيتبدل موفقهم.والأعجب من ذلك، موقفه صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام وتوجيهاته لهم، فقد كان كالأب الرحيم لهم والمعلم الرفيق بهم، فأحبوه أكثر من أي شيء.
وقد تبع هذا الأسلوب الصحابة والصالحون والدعاة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فأثّروا في الناس فدخل الكثير في دين الله أفواجا.
الإحسان في الدعوة أمر ضروري وحتمي لكل داعية بل لكل مسلم، لأن الجميع مأمورون بالدعوة، وبالتالي وجب على كل من يريد نصح أو تبليغ أي أمر، الإحسان في هذا الأمر حتى تُؤتي نتائجها بإذن الله تعالى.

• الإحسان في القول:

وربما كان هذا الأمر أعم وأشمل من التي سبقتها، فالله تعالى يأمرنا بأن نحسن في أقوالنا، أي في كل ما نقول "وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً" (2). وإنني على يقين بأنه إذا اتبع الناس هذا المنهج، منهج الإحسان في القول، لعاش الناس في سعادة وراحة حقيقية.
وأحسن الأقوال هو الذي جاء في الآية الكريمة "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ " (3).
فالدعوة إلى الله تعالى لها منزلة عالية عند الله تعالى، وكذلك تشير الآية بأن لا ينسَ الإنسان نفسه ويدعو الآخرين فقط، بل أكّدت الآية بأن الإنسان ينال المرتبة العالية إذا دعا الآخرين وعمل هو الصالحات، وهذا دليل على أن الإنسان يجب أن يقوّي نفسه دائما ويحرص على الطاعات ويبتعد عن المحرمات ومن ثم سيكون تأثيره في الناس كبيرا بإذن الله تعالى.
وكذلك لفتة جميلة أخرى في الآية السابقة وهي قوله تعالى (وقال إنني من المسلمين)، وفيها حثّ على عدم الخجل من الإعلان بين الناس بأنه مسلم بالدرجة الأولى وملتزم بدين الله عز وجل يظهر شعائر الله ويحارب البدع والمنكرات فمن أراد أن ينال مرتبة الأفضلية في الإحسان في القول عليه أن يظهر إيجابيته بين الناس قولا وقبل ذلك فعلا.
الإحسان في القول يعني أن نقول خيرا، ويدخل في هذا الخير، ذكر الله تعالى بمعناه الواسع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدلالة على الخير، وفي الخلاصة قول ما يرضي الله عز وجل. جاء في الحديث الشريف: "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَسْكُتْ". (رواه مسلم).
الإحسان في القول يعني أن نجتنب الشتم واللعن والسخرية والغيبة والنميمة والكذب وغير ذلك من الأخلاق السيئة. جاء في الحديث الشريف: "لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ، وَلاَ اللَّعَّانِ، وَلاَ الفَاحِشِ، وَلاَ البَذِيِّ". (رواه الترمذي).
الإحسان في القول يعني أن نتكلم باحترام مع أي شخص كان، وحتى وإن أخطأ في حقنا، فلا نقول إلا خيرا.
الإحسان في القول يعني أن ننتقي ألفاظنا فلا تجرّنا العاطفة إلى قول ما لا يليق أو ما لا يرضي الله تعالى، خاصة عند وقوع المصائب والكوارث.
الإحسان في القول أمر ربّاني، وحل لكثير من المشكلات التي تواجه الناس في الحياة، سواء بين الأزواج أو بين الأبناء وأولياء أمورهم، وفي العمل، وفي الشارع، وفي كل مكان.
وتأمل في قول الله تعالى: "وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا " (4)، تجد بأن الشيطان يسعى دائما أن يبعد عن الشخص الإحسان في القول حتى يوقعه في المعاصي والمشاكل. ولا شك بأن الشيطان يفرح كثيرا حين يجد شخصا لا يحسن في أقواله وألفاظه.
والمؤمنون الذين يريدون الحصول على الأجر الكبير والهداية من الله تعالى، يتّبعون أحسن الأقوال، قال الله تعالى: "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ " (5).
ولا شك بأن أحسن الأقوال هو كلام رب العالمين وكلام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
يقول الله تعالى: "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " (6).
فمطلوب منّا نحن المسلمين أن نحاور غير المسلمين بأحسن الأساليب والوسائل، وهذا من رقي الإسلام، فربما كان ذلك سببا لدخولهم الإسلام. فالأسلوب الحسن غالبا ما تكون نتائجه حسنة.
حينما نحسن في أقوالنا، فإننا نعطي صورة مشرقة لغير المسلمين، وقد يدفع ذلك لدخولهم في هذا الدين. وجدير بنا جميعا أن نحسن في أقوالنا حتى ننال أولا الأجر من الله تعالى، ومن ثم نرتقي بمجتمعنا وأمتنا.
الإحسان في مواضع أخرى

• الإحسان في العمل:

أصبح العمل جزءا أساسيا من حياة كثير من الأشخاص، ولا شك بأن هؤلاء يحتاجون بأن يعرفوا كيف يحسنون في أعمالهم.
فمن أولى وسائل الإحسان، الإخلاص لله تعالى وطلب رضاه سبحانه بهذا العمل، ويتبع ذلك اليقين بأنه سبحانه هو وحده الرازق وليس أحد غيره، والنفع والضر بيده وحده سبحانه، فإذا غُرس هذا الأمر في الإنسان، ذهب إلى عمله وهو مطمئن لأنه يعلم بأن رزقه سيأتيه لا محاله ولن يأخذه أحد. ولا يُفهم من ذلك أن يقعد الإنسان في بيته ويتعذر بأن الرزق آت، فهذا فهم خطأ، فالله تعالى أمرنا بأن نسعى في الأرض ونعمل ونتوكل عليه سبحانه "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " (الملك15).
ومن الإحسان كذلك في العمل، الإتقان فيه وأداء الإنسان لمهامه على أحسن وجه، وإعطاء صورة حسنة عن المسلم بأنه متميز في عمله. قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" (رواه البيهقي وحسّنه الألباني).
ومن الإحسان كذلك، الالتزام بالأخلاق الإسلامية والابتعاد عن الأخلاق السيئة سواء مع الموظفين أو مع العملاء وحتى مع الخدم. ومن الإحسان كذلك، الالتزام بنظم العمل، والحرص على الالتزام بوقت العمل.
هذه بعض وسائل الإحسان، والقاعدة في ذلك أن يؤدي الشخص عمله على أكمل وأحسن وجه.

• الإحسان في التعامل مع الحيوان:

كم هو رائع هذا الدين، فحتى في التعامل مع الحيوانات وضع لها قواعد بحيث يحسن الشخص التعامل معها. هذا لكي يثبت بأن هذا الدين قد سبق جميع المنظمات التي تُعنى بحقوق الحيوانات والدفاع عنها، فجاء الدين الإسلامي لكي يوضح لنا كيف نحسن مع الحيوانات.
الحديث الذي ذكرناه سابقا، "إنَّ الله كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإذَا قَتَلْتُم فَأحْسِنُوا القِتْلَة ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأحْسِنُوا الذِّبْحَةَ ، وَليُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَه ، وَلْيُرِح ذَبِيحَتَهُ".(رواه مسلم). يبين بوضوح بأن هناك إحسان حتى عند ذبح الحيوان، فلا يرى الحيوان المراد ذبحه السكين لئلا يخاف، ويجب أن يكون السكين حادا لكي يريح الحيوان المذبوح.
ومن الإحسان في التعامل كذلك، عدم إيذاء الحيوان، فقد جاء في الحديث الشريف، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْها حَتَّى مَاتَتْ ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا ، إذْ حَبَسَتْهَا ، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ".(متفق عليه). فأدى هذا الإيذاء إلى دخول النار والعياذ بالله تعالى.
ولعل المتتبع كذلك للسيرة النبوية، يجد مواقف رائعة للرسول صلى الله عليه وسلم مع الحيوانات تؤكّد مدى الإحسان الذي كان صلى الله عليه وسلم يتبعه مع هذه الحيوانات، وكذلك كيف كان يربّي أصحابه على ذلك. تأمل في هذا الحديث، عن أبي مسعود رضي الله عنه قال:كنَّا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ ، فانْطَلَقَ لحَاجَتِهِ ، فَرَأيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا ، فَجَاءتِ الحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَعْرِشُ، فَجَاءَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ فَجَعَ هذِهِ بِوَلَدِهَا؟ ، رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْها. ورأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا ، فَقَالَ: مَنْ حَرَّقَ هذِهِ ؟ قُلْنَا : نَحْنُ قَالَ : إنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يُعَذِّبَ بالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّار".(رواه أبو داود).
ومن روعة هذا الدين، أن جعل للإحسان إلى الحيوانات أجرا كبيرا عند الله تعالى، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"بَينَما رَجُلٌ يَمشي بِطَريقٍ اشْتَدَّ عَلَيهِ العَطَشُ ، فَوَجَدَ بِئراً فَنَزَلَ فِيهَا فَشربَ ، ثُمَّ خَرَجَ فإذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يأكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبُ مِنَ العَطَشِ مِثلُ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أمْسَكَهُ بفيهِ حَتَّى رَقِيَ ، فَسَقَى الكَلْبَ ، فَشَكَرَ الله لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ. قالوا : يَا رَسُول اللهِ، إنَّ لَنَا في البَهَائِمِ أَجْراً ؟ فقَالَ: في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ". (متفق عليه).
إنه فعلا دين عظيم، يدعو إلى الإحسان مع جميع الكائنات حتى يثبت للبشرية جمعاء بأنه دين كامل وشامل لأنه منزّل من رب السموات والأرض، رب العالمين.

• الإحسان في الطرقات:

انتشرت وسائل المواصلات بكثرة في هذا الزمن، ولا يكاد شخص إلا وعنده سيارة يتحرك بها.ومن روعة هذا الدين أن لم يترك أي مسألة إلا وبيّن أفضل الطرق فيها. وما نشهده هذه الأيام من أحداث في الطرقات، تؤكد لنا أنه ينبغي تذكير الناس بوسائل الإحسان في الطرقات.
فمن هذه الوسائل، عدم إيذاء الناس في طرقاتهم، سواء بالسرعة الزائدة أو القيادة المتهورة وغير ذلك. جاء في الحديث الشريف: "من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم". (رواه الطبراني وحسّنه الألباني).
ومن الوسائل كذلك، عدم السب والشتم والتلفظ بألفاظ بذيئة خاصة مع من يخطئ معك، وكذلك الابتسامة وعدم العبوس في وجه السائقين.
كذلك ينبغي غض البصر عن المحرّمات سواء كانت هذه المحرمات عبارة عن نساء موجودات في الشوارع أو في السيارات أو الصور التي لا تجوز النظر إليها– وخاصة للرجال -.
ومن الوسائل كذلك، الالتزام بقواعد السير وأنظمة المروروهي من الأمور الهامة التي يجب أن يحرص عليها الشخص حفاظا على حياته وعلى حياة الآخرين وتجنبا لأية مشاكل قد تحصل من عدم الالتزام. بل إن الالتزام بهذه القواعد تدخل – كما قال بعض العلماء - في طاعة ولي الأمر التي أمر الله تعالى بها في كتابه العزيز "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ". (7).
ومن الإحسان كذلك المحافظة على دعاء ركوب السيارة"سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلبُونَ" (رواه مسلم). بل ينبغي أن يكون أول ما يحرص عليه الشخص ويذكّر به كل من يركب السيارة ترديد دعاء الركوب.
ومن الإحسان كذلك، استثمار الوقت في السيارة بما هو مفيد من سماع للقرآن أو لمحاضرة أو برنامج مفيد، أو قراءة القرآن وترديد الأذكار، أو الحديث المفيد مع الأصحاب أو العائلة.
من الإحسان كذلك، العلم بأن هذه السيارة نعمة من الله تعالى ينبغي على الإنسان شكر الله تعالى عليها،ويكون هذا الشكر بأن يستخدمها في طاعته ويبتعد بها عن معصيته، ويجب العلم بأن الإنسان سوف يُسأل يوم القيامة عن هذه النعمة فينبغي أن يعد لهذا السؤال جوابا.

• الإحسان في دفن الموتى:

وهو أمر مشاهد لكل من حضر مراسم الدفن، ويدلّ هذا الأمر على رقيّ الإسلام في جميع أموره ابتداء من أول حياة الشخص حتى آخر لحظة من مغادرته لهذه الدنيا، ولذلك فالكل يحرص على الإتقان عند دفن الميت.
بل إن هذا الأمر يبدأ من وقت غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ثم أخذه إلى المقبرة لدفنه. وهناك يتم إنزال الميت إلى قبره، وفي إحسان جميل يتم دفنه بعد ذلك.
أردت ضرب هذا المثال في الإحسان لكي أوجه رسالة إلى جميع المسلمين بأنه كما تطبق أو تشاهد هذا الإحسان عند دفن الميت، فطبّق الإحسان في حياتك.
كانت هذه بعض النماذج من حث الإسلام على الإحسان، وإلا فهناك الكثير من النماذج الأخرى، فالله تعالى أمر الإحسان في كل شيء. والرسالة التي نريد أن نوصلها بعد عرضنا لهذه النماذج، بأننا يجب أن نمارس الإحسان كجزء أساسي من حياتنا، ونسعى للإحسان في كل شيء كما أمر الله تعالى، فالإحسان سبيل للنهضة والرقي لمجتمعاتنا وأمتنا، وإذا أردنا الريادة والقيادة، فلابد من الإحسان.
كيف نكون محسنين؟
بعد أن استعرضنا ثمرات الإحسان وأهميته وتطبيقه ونماذج منه، يأتي السؤال الهام، كيف نكون محسنين؟ ولتبسيط الإجابة على هذا السؤال، يمكننا أن نقول بأن الشخص إذا أراد أن يكون محسنا، فعليه أن يفعل ذلك في المجالات الثلاث الآتية:
مع ربه، ومع نفسه ومع الآخرين. فإذا حقق الإحسان في هذه المجالات الثلاث، اقترب من المحسنين أكثر وأكثر.
أما مع ربه عز وجل، فيطبق الإحسان أولا في توحيد الله عز وجل فلا يشرك به شيئا ويؤمن بألوهيته وأنه وحده سبحانه المستحق للعبادة، وأنه وحده سبحانه الضار النافع الرازق، ويؤمن بربوبيته وأنه وحده خالق كل شيء، ويؤمن بجميع أسمائه وصفاته.
ثم يحقق الإحسان في العبادات القلبية، فيحقق الإخلاص ويبتعد عن الرياء فيتوجه إليه وحده سبحانه ويدعوه وحده ويتعلق قلبه به وحده. ويتوكل على الله تعالى وحده مع اتخاذ الأسباب فيعتمد عليه وحده في كل شيء. ويثق بالله تعالى ثقة مطلقةويوقن بكل ما قاله الله تعالىويقدّم محبته سبحانه على محبة كل شيءويستعين بالله وحده ويخاف من الله تعالى وحده ويرجوه وحده ويحقق معاني الخشوع والخضوع والذل والإنابة له وحده سبحانه.
ويحقق الإحسان كذلك في عبادات الجوارح، فيحسن في الصلوات المفروضة، في أدائها وخشوعها ويحسن قبل ذلك في الاستعداد لها من وضوء وتبكير وغير ذلك.ويحسن كذلك في النوافل فيحرص على الإكثار منها. ويحسن كذلك في الإنفاق في سبيل الله تعالى فيؤدي الزكاة المفروضة ويخرج من ماله من أحسن ما يملك، ويساعد المحتاجين ويساهم في المشاريع الخيرية ويحرص على إدخال السرور على الآخرين.والصوم له نصيب من الإحسان أيضا سواء الفريضة منها والنوافل، والحج وقراءة القرآن والذكر وغير ذلك من العبادات.
أما مع نفسه، فالإحسان مع النفس يكون بتقديرها وتكريمها وعدم إهانتها، ويكون ذلك بفعل ما أمر الله به من طاعات واجتناب ما نهى الله عنه من معاصي ومنكرات.
ويكون الإحسان مع النفس كذلك بالحرص على تطويرها في مختلف الجوانب كالإيمانية والثقافية والأخلاقية والرياضية والصحية والاجتماعية وغيرها.
ويكون الإحسان مع النفس كذلك بتطوير مهاراتها وتنمية مواهبها وذلك بالحرص على القراءة المفيدة ومتابعة البرامج المرئية والمسموعة المفيدة، وحضور الدورات والمحاضرات والندوات.
ويكون الإحسان مع النفس كذلك بالمحافظة على سلامتها وصحتهاوالابتعاد عن أذيتها.
ويكون الإحسان مع النفسبمحاسبتها الدائمة ومراقبة أعمالها وأفعالها وأقوالها.
ويكون الإحسان مع النفس بالالتزام بالأخلاق الإسلامية الكريمة كالتواضع والصبر والابتعاد عن الأخلاق السيئة كالغرور والحقد وسوء الظن.
وأخيرا، فإن الإحسان مع الآخرين يتمثل في تطبيق الأخلاق الإسلامية الأصيلة واجتناب الأخلاق السيئة مع الآخرين.
فيحرص المحسن على الصدق والأمانة والتعاون والإيثار والشكر والوفاء ويبتعد عن الكذب والخيانة والأنانية.
فإذا استطاع الشخص تحقيق الإحسان في هذه المجالات الثلاث، كان أقرب بإذن الله تعالى إلى المحسنين، ويبقى قبل وبعد ذلك طلب التوفيق من الله تعالى بأن يوفقه لكي يكون من المحسنين.
وأخيرا: إن الله يحب المحسنين
وبعد هذا كله، يأتي السؤال الهام، هل نريد أن نكون من الذي قال الله تعالى فيهم: "إن الله يحب المحسنين"؟
هل نريد فعلا أن يحبّنا الله تعالى؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فلا يُكتفى القول وإنما ينبغي الفعل لأن الأفعال دليل الأقوال، وإلا فيستطيع كل واحد أن يدّعي ما يشاء، ولكن عندما نأتي إلى الأفعال، نجد القليل من يطبق أقواله.
الإحسان كما رأينا ليس بالأمر السهل، فهو مرتبة عالية بل إنه أعلى من الإسلام والإيمان كما جاء في حديث جبريل، وبالتالي فتطبيقه ليس بالأمر السهل ولكنه ليس بالمستحيل، ومن أراد فعلا أن يصل إلى هذه المرتبة، فسيصل بإذن الله تعالى، فالله تعالى يكافئ المجتهد دائما "وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا " (8).
إن أكثر ما يساعد على الإحسان – بعد توفيق الله تعالى – هو استشعار العبادات التي نؤديها، فجميع العبادات بها معنى الإحسان. وإذا قال قائل بأن الكفار محسنين مع أنهم لا يؤدون صلاة ولا زكاة ولا صياما، فنقول لهم بأننا أولا وقبل كل شيء مسلمون، والله تعالى أكرمنا بهذه النعمة العظيمة، وما نفعله من إحسان، فنحن مجازون عليه بإذن الله تعالى في الدنيا والآخرة إن أخلصنا النية لله تعالى.
والأمر الثاني، فالمسلمون مقصّرون في أمر الإحسان – للأسف الشديد- وحتى نقوّي هذه الناحية نقول لهم بأن هناك أدوات تدريب كثيرة يسّرها الله تعالى لنا بل إن بعضها مفروضة علينا حتى نتعلم معنى الإحسان، وليس كما يفعل البعض بأن يأخذ دورات عند غربيين عن معنى الإتقان والجودة – مع أننا لا نعارض أخذ الفوائد والتجارب الحسنة منهم ولكن لا نؤيد بأن يكون هذا هو الأساس لأن ديننا الإسلامي دين شامل كامل– مع جميع المعاني موجودة في ديننا الحنيف.
ومسألة أخرى تنبغي الإشارة إليها، وهي أنه قد يكون الغرب والشرق محسنون في أعمالهم، ولكن ماذا عن عباداتهم وأخلاقهم وأمورهم داخل أسرهم وعلاقاتهم مع أبنائهم.فالمتأمل في علاقتهم مع ربهم، يرى ابتعادا واضحا من الناس عن كنائسهم ومعابدهم، وهذا بشهادة رجال الدين عندهم، أما عن أخلاقهم فحدث ولا حرج، فمعدل انتشار الرذائل والفواحش في ازدياد، وحالات الزنا والاغتصاب وارتكاب المنكرات أكبر من أن تُحصى. صحيح أن لديهم بعض الأخلاق وخاصة في بيئة العمل ولكن الغالب هو ما ذكرناه من حالات الفساد الأخلاقي.
ثم انظر إلى العلاقات الأسرية فيما بينهم، فتجد بأنها منقطعة في أغلب الأحيان، وحتى يحفظوا ماء وجههم قاموا بوضع يوم للأم في السنة يقوم الأولاد فيه بالتواصل مع الأم! أما باقي أيام السنة فلا علاقة للأبناء بأمهاتهم وآبائهم وغالبا ما تنتهي العلاقة عند سن الثامنة عشرة، ويقوم الأبناء بتكوين علاقات خاصة فيهم بعيدا عن رقابة الآباء والأمهات.
أبعد كل هذا، ألا زلنا نريد أن نأخذ من الغرب والشرق كل ما عندهم؟ يمكننا أخذ المفيد والتجارب الناجحة ولكن ليس كل شيء كما ينادي البعض للأسف. عندنا نحن المسلمين كنوزا لو رآها الغرب والشرق لحسدونا عليها.
الإسلام دين شامل كامل صالح لكل زمان ومكان، ومعاني الإحسان في الإسلام منتشر في كل شيء ومأمور به كذلك، وهذا دليل بأن الإسلام دين راق في كل شيء.
(إن الله يحب المحسنين)، تأكيد من الله عز وجل بأنه سبحانه يحب المحسنين في أعمالهم وأقوالهم وجميع أمورهم، ومتى ما تحقق حب الله تعالى للعبد تحققت ثمرة عظيمة جدا كما بينا ذلك عندما تحدثنا عن ثمرات الإحسان، قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَحَبَّ اللهُ تَعَالَى العَبْدَ ، نَادَىجِبْريلَ : إنَّ الله تَعَالَى يُحِبُّ فُلاناً ، فَأَحْبِبْهُ ، فَيُحِبُّهُ جِبريلُ ، فَيُنَادِي في أَهْلِ السَّمَاءِ : إنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاناً ، فَأحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأرْضِ". (متفق عليه).
كم أتمنى من إخواني الدعاة إلى الله تعالى – وبالطبع من جميع المسلمين –أن يغيرّوا نظرتهم إلى الإحسان، وأنه ليس مقتصرا فقط بالشعائر التعبدية كالصلاة والصيام والحج. كم أتمنى أن أرى الدعاة إلى الله تعالى محسنين في دعوتهم إلى الناس كما يحسنون في صلاتهم وصيامهم، كم أتمنى أن أرى الدعاة إلى الله متميزين متفوقين في جميع المجالات ويُشار إليهم بالبنان لأنهم محسنون في أعمالهم، وأنا على يقين بأنه متى ما استطاع الدعاة إلى الله تعالى والمؤثّرون أن يكونوا محسنين في جميع أمورهم، فإن الأمة الإسلاميةستكون على الطريق الصحيح للنهضة والقيادة والريادة بإذن الله تعالى، لأن الناس تبع للأشخاص المؤثرين، ومتى ما رأى الناس قادتهم محسنين في أعمالهم، أصبحوا هم محسنين كذلك ونكون قد نهضنا بإذن الله تعالى.
أسأل الله تعالى أن يوفقن اإلى مافيه صلاح العباد والأمة ، وأسأله تعالى أن يعيد للأمة مجدها وعزها ، وأن يرزقنا الإخلاص والصدق في جميع الأقوال والأفعال ، وأن يكون هذا العمل في ميزان حسناتنا وحسنات كل من يقرأه ويطبق ما فيه.
هذا وإن كان من توفيق وسداد فمن الله تعالى وحده وإن كان من خطا فمن نفسي والشيطان وأسأل الله أن يغفر لنا ويعفو عنا زللنا وأخطاءنا . والحمد لله رب العالمين.
المصادر :
1- النحل125
2- البقرة83
3- فصلت33
4- الإسراء53
5- الزمر18
6- العنكبوت46
7- النساء 59
8- الإسراء19
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.