
المثال الاول : حصل معاوية على البيعة بالتقتيل والتدمير والتحريق وشتمه انصار رسول الله ، واستغل اموال المسلمين التي جمعها خلال عشرين عاماً بولايته على الشام لتوطيد سلطانه بعد ان اخرج اموال المسلمين عن مصارفها الشرعية . ورتب معاوية عطاء اسمه : رزق البيعة يعطي للجند عند تعيين خليفة جديد (1)
وتأكد ان المطلب الحقيقي لمعاوية هو الملك عندما كتب وصيته من بعده ليزيد ابنه واخذ له البيعة بالقوة (2)
وامره على صحابة رسول الله بالرغم من مجونه وقلة دينه وسوء خلقه .
المثال الثاني : اوصى معاوية بن ابي سفيان ابنه يزيد ( اذا ثار اهل المدينة فأرسل اليهم مسلمة بن عقبة ) وكان مع مسلمة قائمة بأسماء الطاهرين من الصحابة ليقتلهم واحداً واحداً واحداً . ويدخل عقبة عاصمة النبي ويفعل الافاعيل التي تضج منها السماء ، مروان دليل الجيش يؤشر وعقبة وجيشه المظفر ينفذ ويعدم بغير رحمة ، وتم تنفيذ ابشع مجزرة وكان من نتيجة هذه الوصية ان :
1 ـ ابيد من حضر من البدريين بالكامل .
2 ـ ابيد من قريش ومن الانصار سبعمائة رجل .
3 ـ ابيد من الموالي والعرب عشرة آلاف .
كان ذلك سنة 63 هـ في وقعة الحرة . هنالك قال عبد الله بن عمر ( نحن مع من غلب ) وتحول قوله الى قاعدة دستورية ، وكان معتزلاً عندما اشتد الصراع بين علي ومعاوية (3) .
المثال الثالث : ارسل معاوية بسر بن ارطاة في ثلاثة آلاف سنة 40 هـ وقدم المدينة فصعد المنبر وتهدد اهل المدينة بالقتل فأجابوه الى بيعة معاوية ، ومضى بسر الى مكة ثم سار الى اليمن ولم يجد واليها عبيد الله بن العباس ووجد طفليه الصغيرين عبد الرحمن وقاسم فقتلهما بسر وقتل معهما خالاً لهما من ثقيف ، وقتل بالمدينة وبين المسجدين خلقاً كثيراً ، وكذلك بالجوف قتل بها خلقاً كثيراً من رجال همدان وقتل بصنعاء خلقاً كثيراً من الابناء . ولم يبلغه عن احد انه يماليء علياً او يهواه الا قتله (4) .
وكانت جويرية ام ابني عبيد الله بن العباس الذين قتلهما بسر تدور حول البيت ناشرة شعرها وترثيهما بعاطفه تذيب الصلخد الصلد (5) .
المثال الرابع : ذكر ان امرأة الحسن بن علي عليه السلام جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سقته السم ، وكان معاوية دس اليها : انك ان احتلت في قتل الحسن وجهت اليك بمائة الف درهم وزوجتك من يزيد ، فكان ذلك الذي بعثها على سمه . فلما مات الحسن وفى لها معاوية بالمال وارسل اليها : انا نحب حياة يزيد ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه . وذكر ان الحسن قد قال عند موته ( لقد حاقت شربته وبلغ امنيته والله لا وفى لها بما وعد ، ولا صدق فيما قال ) .
وعن العباس بن عبد المطلب قال : كنت عند رسول الله اذ اقبل علي بن ابي طالب ، فلما رآه اسفر عن وجهه فقلت يا رسول الله انك لتسفر في وجه هذا الغلام فقال ( يا عم رسول الله والله لله اشد حباً له مني ، انه لم يكن نبي الا وذريته الباقية بعده من صلبه ، وان ذريتي بعدي من صلب هذا ) (6) .
وممن سمهم معاوية عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وذلك عندما شاور اهل الشام فيمن يعقد له من بعده فقالوا : رضينا بعبد الرحمن ، فشق ذلك على معاوية فسمه (7) وهذا ما فعله مع عبد الرحمن بن ابي بكر الصديق .
المثال الخامس : الفرحة الكبرى . حدث محمد بن جرير الطبري عن محمد بن حميد الرازي عن علي بن مجاهد عن محمد بن اسحاق عن الفضل بن عباس بن ربيعة قال : وفد عبد الله بن العباس على معاوية قال : فوالله اني لفي المسجد اذ كبر معاوية في الخضراء ، فكبر اهل الخضراء ثم كبر اهل المسجد بتكبير اهل الخضراء ، فخرجت فاختة بنت قرظة بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف من خوخة لها فقالت : سرك الله يا امير المؤمنين ما هذا الذي بلغك فسررت به ؟ فقال معاوية : موت الحسن بن علي ، فقالت : انا لله وانا اليه راجعون ، ثم بكت وقالت : مات سيد المسلمين وابن بنت رسول الله ، فقال معاوية : نعما والله ما فعلت ، انه كان كذلك اهلاً ان تبكي عليه . ثم بلغ الخبر ابن عباس فراح فدخل على معاوية ، قال : علمت يا ابن عباس ان الحسن توفي ؟ قال : الذلك كبرت ؟ قال : نعم (8) .
المثال السادس : تقدم الجيش بقيادة الصحابي عمرو بن سعد بن ابي وقاص ... ولما تكاثرت العساكر على الحسين عليه السلام ايقن انه لا محيص له ، فلم يزل يقاتل حتى قتل . وكان الذي تولى قتله رجل من مذحج واخذ رأس الحسين وانطلق به الى ابن زياد وهو يقول :
اوقر ركابي فضة وذهباً * أنا قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أما وأبا * وخيرهم اذ ينسبون نسبا
فسلبوه جبته وحذاءه كما يروي البلاذري في انساب الاشراف ، ولم يكتفوا بذلك انما امر الصحابي عمرو بن سعد بن ابي وقاص ان يوطئوا خيلهم جثة الحسين ، فانتدب لذلك اسحاق بن هبيرة الحضرمي في نفر منه فوطئوه بخيلهم (9) وعاد عمرو بن سعد بن ابي وقاص مظفراً ، بعد ان اباد ذرية محمد وماتوا وهم عطشى ، وبجانبهم الفرات حلال حتى الكلاب وحرام على ذرية محمد .
المثال السابع والاخير : قال الحسن عليه السلام اثناء اجتماعه بمعاوية ( ... يا أهل الكوفة لو لم تذهل نفسي عنكم الا لثلاث خصال لذهلت : مقتلكم ابي ، وسلبكم ثقلي ، وطعنكم في بطني ، واني قد بايعت معاوية ) (10) .
وكان عليه السلام بعد تولي الخلافة قد خرج في جيش قوامه اثني عشر الفاً وعسكر في المدائن فقام بعض من معه بمباغتنه وسلبوه رحله ، وتفرقوا عنه وخذلوه ، بل ان بعضهم اراد ان يوثقه ويسلمه لمعاوية موثقاً ، وبعضهم اراد قتله .
تحليل هذه الامثلة
التقتيل والتدمير والتحريق ، وابادة البدريين ، وقتل احد عشر الف مسلم بيوم واحد من اهل المدينة المنورة بلا ضرورة ، امر يناقض العدالة .
وقتل الاطفال وقتل كل من يظن انه يهوى ولي الله علياً امر لا يتفق ودعوى العدالة . وسم الحسن ، وقتل الحسين ، والدوس على جثته الطاهرة بسنابك الخيل ، وابادة آل محمد ومنعهم من ان يشربوا من ماء الفرات ، امر يناقض الزعم بالعدالة .
هذه الامور وامثالها مما لايحصى تنقض بوقوعها مزاعم كل الذين يقولون ان الصحابة كلهم عدول ، وانهم كلهم من اهل الجنة ولا يدخل احد منهم النار ، لاننا لو قلنا بذلك لكان فيه مكافأة للذين انتهكوا محارم الله .
ان سم الحسن وقتل الحسين وابادة اهل البيت ، وابادة افاضل الصحابة لا يمكن ان يكون اجتهاداً انما هو عدوان . ومن يفعل ذلك لا يمكن ان يكون من العدول بكل المعايير العقلية والدينية ووفق كل الشرائع الوضعية التي عرفها البشر ، يترفع اي قائد امريكي او فرنسي او روسي او وثني من ان يقوم بقتل طفلين صغيرين في غياب ابيهما كما فعل ابن ارطاة ، فقتل الطفلين لا يقدم ولا يؤخر في ملك معاوية او ملك ابنه ، وهذا العمل بكل المقاييس عمل وحشي لا يمكن تبريره ، فهل يعقل ان من يقوم بهذا العمل او يأمر به من الصحابة العدول ؟ وهل يعقل ان يدخله الله الجنة ؟
نعم بالتقليد يقبل كل غريب ولكن وفق قواعد الشرع الحنيف فانه غير مقبول . ومن هنا فان واقع الحال وما جرى بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم ينقض نقضاً كاملاً نظرية كل الصحابة عدول ، لان ما جرى يناقضها وما وجدث هذا النظرية اصلاً الا لغايات سياسية كما سنثبت ذلك ، ولتغطية الخروج على الشرعية ، ولتبرير توسيد الامر لغير اهله ، والله غالب على امره ، ثم تناقل الناس هذه النظرية تقليداً كتناقل الازياء .
4 ـ نظرية عدالة الصحابة تتعارض مع روح الاسلام العامة ، ومع حسن الخاتمة ومع الغاية من الحياة نفسها ، فا لله سبحانه وتعالى ما خلق الموت والحياة ، وما خلق الارض وما عليها الا ليمتحن خلقه ايهم احسن عملاً ، بدليل قوله تعالى ( انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملاً ) ( سورة الكهف ) ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا ) ( سورة الملك ) . فالحياة وجدت لتكون ميدان اختبار للمكلفين ، وكل ما في الحياة عنصر من عناصر عملية الاختبار ، وتبدأ عملية الاختبار بالتكليف المرتبط بالعقل والتمييز وتنتهي بالموت . فاذا كان كل الصحابة عدولاً لا يجوز عليهم الكذب ومحكوم بنزاهتم ، وانهم جميعا من اهل الجنة وانه لا يدخل احد منهم النار ، فهم خارجون تماماً عن عملية الابتلاء ولا داعي لامتحانهم ، وهذا يناقض الغاية من حياتهم ، اذ في ذلك ايقاف لعملية الابتلاء الالهية .
ثم انها تناقض روح الاسلام العامة لان الانسان في خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ، فقدر المسلم ان يكون ملتزماً بأوامر الله حتى يتوفاه الله ، واي خلل بهذا الالتزام يخرج من دائرة الاسلام ويجر عليه غضب الله بحجم هذا الخلل ، والعبرة دائماً بحسن الخاتمة .
فلو ان مسلما التزم بأوامر الله طوال حياته ، وقبل ان يموت بيوم واحد كفر بالله ، لما اغنى عنه التزامه السابق شيئا .
والرسول بفضل الله عليه على علم بما سيحدث بعده ، لذلك خاطب جميع المؤمنين في حجة الوداع قائلاً ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم اعناق بعض ) والخطاب موجه للصحابة بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي .
وروى البخاري عن ابن عباس عن النبي قال ( انكم تحشرون حفاة عراة ، وان أناساً من اصحابي يؤخذ بهم ذات اليمين وذات الشمال فأقول : اصحابي اصحابي فيقول : انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم ) .
وروى مسلم هذا الحديث بلفظ ( ليردن عليّ ناس من اصحابي حتى اذا عرفتهم اختلجوا من دوني فأقول اصحابي فيقول لا تدري ماذا احدثوا بعدك ؟ ) .
وروى البخاري عن النبي قال ( بينما انا قائم ، فاذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم قال : هلم ، قلت : أين ؟ قال : الى النار والله ، قلت : وما شأنهم ؟ قال : انهم ارتدوا بعدك على ادبارهم القهقرى ، فلا اراه يخلص منهم الا مثل همل النعم ـ اي القليل ) .
وفي رواية اخرى ان النبي قال : ( يرد عليّ يوم القيامة رهط من اصحابي فيحلّوّون عن الحوض فأقول : يا رب اصحابي ، فيقول : انك لا علم لك بما احدثوا ، انهم ارتدوا على ادبارهم القهقرى ) .
واخرج عن سهل بن سعد قال : قال النبي ( ليوردن عليّ اقوام اعرفهم ويعرفونني ، ثم يحال بيني وبينهم ) . قال ابو حازم : فسمعني النعمان بن ابي عياش فقال : هكذا سمعت من سهل فقلت : نعم ، فقال : أشهد على ابي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها ( فأقول انهم مني ، فيقال : انك لا تدري ما احدثوا بعدك فأقول : سحقاً سحقاً لمن غير بعدي ) .
واخرج من حديث ابن عباس جاء فيه ( وان اناساً من اصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : اصحابي اصحابي فيقال : انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم ) .
واخرج ابو يعقوب في مسند عمر مثل ذلك .
واخرج البخاري في باب غزوة الحديبية عن العلاء بن المسيب عن ابيه قال : لقيت البراء بن عازب فقلت له : طوبى لك صحبت النبي وبايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن اخي انك لا تدري ما احدثناه بعده .
واخرج عن عبد الله عن النبي ( انا فرطكم على الحوض وليرفض رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول : يا رب اصحابي فيقال : انك لا تدري ما احدثوا بعدك ) .
قال البخاري : تابعه عاصم عن ابي وائل وقال حصين عن ابي وائل عن حذيفة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
واخرج عن اسماء بنت ابي بكر ( اني على الحوض حتى انظر من يرد عليّ منكم ، وسيؤخذ ناس دوني فأقول : يا رب مني ومن امتي ، فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا يرجعون على اعقابهم ) .
قال البخاري فكان ابن مليكة يقول : اللهم انا نعوذ بك ان نرجع على اعقابنا ونفتن عن ديننا .
هذا بعض ما نقلناه من البخاري ومسلم وفي غيرهما كثير اعرضنا عنه خشية التطويل .
تحليل هذه النماذج من النصوص
ثبت من احاديث رسول الله التي سقناها ان قسماً من الصحابة سيبدلون من بعده وسيرتدون على اعقابهم وسيؤمر بهم الى النار . وممن اخرج هذه الاحاديث البخاري ومسلم ، وهما في نظر المقلدين يأتيان بعد القرآن في الصحة والاعتبار ، فكيف نوحد بين قولهم بأن الصحابة كلهم عدول وكلهم في الجنة ولا يدخل احد منهم النار ، وبين هذه النصوص النبوية القاطعة والمتواترة والتي يؤيدها واقع الحال ؟ وطالما انه لا يمكن التوحيد بين المزاعم والنصوص ، فان نظرية عدالة كل الصحابة منقوضة من اساسها ، لانها تتعارض مع الغاية من الحياة وهي الابتلاء ، وتتعارض مع روح الاسلام التي تربط الحياة القويمة بالعمل الصالح واستمرار التواصي بالحق والصبر عليه ، وتتوج كل ذلك بحسن الخاتمة .
المصادر :
1- نظام الحكم للقاسمي ص 283 .
2- النظام السياسي في الاسلام ص 182 .
3- الامامة والسياسة لابن قتيبة .
4- الامامة والسياسة وراجع مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 26 .
5- مروج الذهب ص 27 .
6- مروج الذهب للمسعودي ص 477 ج 2 .
7- راجع ترجمته في الاستيعاب وراجع ص 175 من كتاب شيخ المضيرة .
8- مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 478 ـ 479 .
9- مقتل الحسين في انساب الاشراف للبلاذري .
10- راجع مروج الذهب .