المسلمون خلف ابوبکر يصلون

قالت عائشة« لمّا مرض رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن، فقال : مروا أبابكر فليصلّ بالناس . فقيل له : إنّ أبابكر رجل أسيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلّى بالناس ؛ وأعاد
Saturday, May 13, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
المسلمون خلف ابوبکر يصلون
المسلمون خلف ابوبکر يصلون




 


قالت عائشة« لمّا مرض رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن، فقال : مروا أبابكر فليصلّ بالناس . فقيل له : إنّ أبابكر رجل أسيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلّى بالناس ؛ وأعاد فأعادوا له ، فأعاد الثالثة ، فقال : إنّكنّ صواحب يوسف ! مروا أبابكر فليصلّ بالناس .
ذکر الترمذي ستّة من الذین اخرجوا هذا الحدیث ، حيث قال بعد إخراجه عن عائشة : « وفي الباب عن : عبدالله بن مسعود ، وأبي موسى ، وابن عبّاس ، وسالم بن عبيد ، وعبدالله بن زمعة » (1) .
لكن العمدة حديث عائشة ... بل إنّ بعض ما جاء عن غيرها من الصحابة مرسل ، وإنّها هي الواسطة ... كما سنرى ...
فلنبدأ أوّلاً بالنظر في أسانيد الحديث عن غيرها ممن ذكرناه :

حديث أبي موسى الأشعري :

أمّا الحديث المذكور عن أبي موسى الاشعري ـ والذي اتّفق عليه البخاري ومسلم ، وأخرجه أحمد ـ ففيه :
1 ـ إنّه مرسل ، نصّ عليه ابن حجر وقال : « يحتمل أن يكون تلقّاه عن عائشة » (2) .
2 ـ إنّ الراوي عنه « أبو بردة » وهو ولده كما نصّ عليه ابن حجر (3) وهذا الرجل فاسق أثيم ، له ضلع في قتل حجر بن عديّ ، حيث شهد عليه ـ في جماعة شهادة زورٍ أدّت إلى شهادته (4) ... وروي أيضاً أنّه قال لأبي الغادية ـ قاتل عمّار ابن ياسر رضي الله تعالى عنه ـ : « أأنت قتلت عمّار بن ياسر؟ قال : نعم . قال : فناولني يدك . فقبّلها وقال : لا تمسّك النار أبداً ! » (5) .
3 ـ والراوي عنه : « عنه الملك بن عمير » :
وهو « مدلّس » و« مضطرب الحديث جدّاً » و« ضعيف جدّاً » و«كثير الغلط » :
قال أحمد : « مضطرب الحديث جدّاً مع قلّة روايته ، ما أرى له خمسمائة حديث ، وقد غلط في كثير منها » (6) .
وقال إسحاق بن منصور : « ضعّفه أحمد جدّاً » (7) .
وعن أحمد : « ضعيف يغلط » (8) .
وعبدالملك ـ هذا ـ هوالذي ذبح عبدالله بن يقطر أو قيس بن مسهر الصيداوي ، وهو رسول الإمام الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة ، فإنّه لمّا رمي بأمر ابن زياد من فوق القصر وبه رمق أتاه عبدالملك بن عمير فذبحه ، فلمّا عيب ذلك عليه قال : « إنّما أردت أن أريحه ! » (9) .
4 ـ ثمّ الكلام في أبي موسى الأشعري نفسه ، فإنّه من أشهر أعداء مولانا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد كان يوم الجمل يقعد بأهل الكوفة عن الجهاد مع الإمام علي عليه السلام ، وفي صفّين هوالذي خلع الإمام عليه السلام عن الخلافة . وقد بلغ به الحال أن كان الإمام عليه السلام يلعنه في قنوته مع معاوية وجماعة من أتباعه .
ثمّ إنّ أحمد روى هذا الحديث في فضائل أبي بكر بسنده عن زائدة ، عن عبدالملك بن عمير ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ... كذلك (10) .

حديث عبدالله بن عمر

وأمّا الحديث المذكور عن عبدالله بن عمر فالظاهر كونه عن عائشة كذلك ، كما رواه مسلم ، عن عبدالرزّاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن حمزة بن عبدالله بن عمر ، عن عائشة ... لكنّ البخاري رواه بسنده عن الزهري ، عن حمزة ، عن أبيه ، قال : « لمّا اشتدّ برسول الله رجعة ... » .
وعلى كلّ حال فإنّ مدار الطريقين على :
محمّد بن شهاب الزهري وهو رجل مجروح عند يحيى بن معين (11) وعبدالحقّ الدهلوي ، وكان من أشهر المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام ، ومن الرواة عن عمر بن سعد اللعين :
قال ابن أبي الحديد : « وكان الزهري من المنحرفين عنه ، وروى جرير بن عبدالحميد عن محمّد بن شيبة قال : شهدت مسجد المدينة ، فإذا الزهري وعروة ابن الزبير جالسان يذكران عليّاً فنالا منه . فبلغ ذلك عليّ بن الحسين فجاء حتى وقف عليهما فقال : أمّا أنت يا عروة ، فإنّ أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لأبي على أبيك ، وأمّا أنت يا زهريّ ، فلو كنت لأريتك كير أبيك » (12) .
قال : « وروى عاصم بن أبي عامر البجلي ، عن يحيى بن عروة ، قال : كان أبي إذا ذكر عليّاً نال منه » (13) .
ويؤكّد هذا سعيه وراء إنكار مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ـ كمنقبة سبقه إلى الإسلام ـ قال ابن عبدالبرّ : « وذكر معمر في جامعه عن الزهري قال : ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة . قال عبدالرزّاق : وما أعلم أحداً ذكره غير الزهري » (14) .
وقال الذهبي بترجمة عمر بن سعد : « وأرسل عنه الزهري وقتادة . قال ابن معين : كيف يكون من قتل الحسين ثقة ؟! » (15) .
وقال العلاّمة الشيخ عبدالحق الدهلوي بترجمة الزهري من « رجال المشكاة » : « إنّه قد ابتلي بصحبة الأمراء وبقلّة الديانة ، وكان أقرانه من العلماء والزّهاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه ، وكان يقول : أنا شريك في خيرهم دون شرّهم ! فيقولون : ألا ترى ما هم فيه وتسكت؟! »
وقال ابن حجر بترجمة الأعمش : « حكى الحاكم عن ابن معين أنّه قال : أجود الأسانيد : الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبدالله . فقال له إنسان : الأعمش مثل الزهري ؟! فقال : تريد من الأعمش أن يكون مثل الزهري ؟! الزهري يرى العرض والإجازة ويعمل لبني أميّة ؛ والأعمش فقير ، صبور ، مجانب للسلطان ، ورع ، عالم بالقرآن » (16) .
ولأجل كونه من عمّال بني أميّة ومشيّدي سلطانهم كتب إليه الإمام السجّاد عليه السلام كتاباً يعظه فيه ، جاء فيه : « إنّ ما كتمت ، وأخفّ ما احتملت ، أن آنست وحشة الظالم ، وسهّلت له الطريق الغيّ ... جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم ، وسلّماً إلى ضلالتهم ، داعياً إلى غيّهم ، سالكاً سبيلهم ، احذر ، فقد نبّئت ، وبادر فقد أجّلت ... » (17) .
ثمّ الكلام في عبدالله بن عمر نفسه :
فإنّه ممّن امتنع عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بعد عثمان ، وقعد عن نصرته ، وترك الخروج معه في حروبه ، ولكنّه لمّا ولي الحجّاج بن يوسف الحجاز من قبل عبدالملك جاءه ليلاً ليبايعه فقال له : ما أعجلك؟! فقال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم يقول : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية! فقال له : إنّ يدي مشغولة عنك ـ وكان يكتب فدونك رجلي ، فمسح على رجله وخرج!!
وأمّا حديث عبدالله بن زمعة ... فقد رواه أبو داود عنه بطريقين ، والمدار في كليهما على « الزهري » وقد عرفته .

حديث عبدالله بن عبّاس :

وأمّا حديث عبدالله بن عبّاس ... الذي رواه ابن ماجة وأحمد ، الأوّل رواه عن : إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الأرقم بن شرحبيل ، عن ابن عبّاس ، والثاني رواه عن يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن الأرقم ، عنه ... فمداره على :
أبي إسحاق ، عن الأرقم وقد قال البخاري : « لا نذكر لأبي إسحاق سماعاً من الأرقم بن شرحبيل »
وأبو إسحاق السبيعي : « قال بعض أهل العلم : كان قد اختلط ، وإنّما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه » (18) .
وكان مدلّساً » (19) .
وكان يروى عن عمر بن سعد قاتل الحسين عليه السلام (20) .
وكان يروي عن شمر بن ذي الجوشن الملعون (21) .
وفي سند أحمد مضافاً إلى ذلك :
1 ـ سماع « ذكريّا » من « أبي إسحاق » بعد اختلاطه كما ستعرف .
2 ـ « زكريّا بن أبي زائدة » قال أبو حاتم : « ليّن الحديث ، كان يدلّس » ورماه بالتدليس أيضاً أبو زرعة وأبو داود وابن حجر ... وعن أحمد : « إذا اختلف زكريّا وإسرائيل فإنّ زكريّا أحبّ إليّ في أبي إسحاق ، ثمّ قال : ما أقربهما ، وحديثهما عن أبي إسحاق ليّن سمعا منه بآخره » (22) .
أقول : فالعجب من أحمد يقول هذا وهو مع ذلك يروي الحديث عن زكريّا عن أبي إسحاق في « المسند » كما عرفت وفي « الفضائل » (23) .
نعم ، رواه لا عن هذا الطريق لكنّه عن ابن عبّاس عن العبّاس ، فقال مرةً : « حدّثنا يحيى بن آدم » وأخرى « حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم » عن قيس ابن الربيع ، عن عبدالله بن أبي السفر ، عن أرقم بن شرحبيل ، عن ابن عبّاس ، عن العبّاس بن عبدالمطلب : « إنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال في مرضه : « مروا أبابكر يصلّي بالناس ، فخرج أبوبكر فكبّر ووجد النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم راحته فخرج يهادي بين رجلين ، فلمّا رآه أبوبكر تأخّر ، فأشار إليه النبي مكانك ، ثمّ جلس رسول الله إلى جنب أبي بكر فاقترأ من المكان الذي بلغ أبوبكر من السورة » (24) .
لكنّ مداره على « قيس بن الربيع » الذي أورده البخاري في الضعفاء (25) .
وكذا النسائي (26) وابن حبّان في المجروحين (27) وضعّفه غير واحد ، بل عن أحمد أنّه تركه الناس ، بل عن يحيى بن معين تكذيبه (28) .

حديث عبدالله بن مسعود :

وأمّا الحديث المذكور عن ابن مسعود فأخرجه النسائي ، ورواه الهيثمي أيضاً وقال : « رواه أحمد وأبو يعلى » .
وفي سنده عند الجميع « عاصم بن أبي النجود » قال الهيثمي : « وفيه ضعف » (29) .
قلت : وذكر الحافظ ابن حجر عن ابن سعد : « كان كثير الخطأ في حديثه » وعن يعقوب بن سفيان : « في حديثه اضطراب » وعن أبي حاتم : « ليس محلّه أن يقال هو ثقة ولم يكن بالحافظ » وقد تكلّم فيه ابن عليّه فقال : « كلّ من اسمه عاصم سيّئ الحفظ » وعن ابن خراش : « في حديثه نكرة » وعن العقيلي : « لم يكن فيه إلاّ سوء الحفظ » والدار قطني : « في حفظه شيء » والبزّار : « لم يكن بالحافظ وحمّاد بن سلمة : « خلط في آخر عمره » وقال العجلي : « كان عثمانياً » (30) .

حديث بريدة الأسلمي :

وأمّا حديث بريدة الأسلمي الذي رواه أحمد بسنده عن ابن بريدة عن أبيه ، فمع غضّ النظر عمّا قيل في رواية ابن بريدة ـ سواء كان « عبدالله »أو « سليمان » ـ عن أبيه (31) فيه :
« عبدالملك بن عمير » وقد عرفته .

حديث سالم بن عبيد :

وأمّا حديث سالم بن عبيد الذي أخرجه ابن ماجة :
1 ـ فقد قال فيه ابن ماجة : « هذا حديث غريب » .
2 ـ وفي سنده نظر ... فإنّ « نعيم بن أبي هند » تركه مالك ولم يسمع منه ؛ لأنّه « كان يتناول عليّاً رضي الله عنه » (32) .
و« سلمة بن نبيط » لم يرو عنه البخاري ومسلم ، قال البخاري : « اختلط بآخره » (33) .
3 ـ ثمّ إنّ « سالم بن عبيد » لم يرو عنه في الصحاح ، وما روى له من أصحاب السنن غير حديثين ، وفي إسناد حديثه اختلاف!
قال ابن حجر : « سالم بن عبيد الأشجعي ، من أهل الصفّة ، ثمّ نزل الكوفة وروى له من أصحاب السنن حديثين بإسناده صحيح في العطاس . وله رواية عن عمر فيما قاله وصنعه عند وفاة النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وكلام أبي بكر في ذلك . أخرجه يونس بن بكير في زياداته .
روى عنه هلال بن يساف ونبيط بن شريط وخالد بن عرفطة » (34) .
وقال أيضاً : « الأربعة ـ سالم بن عبيد الأشجعي له صحبة ، وكان من أهل الصفّة ، يعدّ في الكوفيّين . روى عن النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في تشميت العاطس ، وعن عمر بن الخطّاب . روى عنه . خالد بن عرفجة ـ ويقال ابن عرفطة ـ وهلال بن يساف ونبيط بن شريط . وفي إسناد حديثه اختلاف » (35) .
أقول : يظهر من عبارة ابن حجر في كتابيه ، ومن مراجعة الرواية عند الهيثمي (36) أنّ حديث سالم بن عبيد حول صلاة أبي بكر هو الحديث الذي عن عمر « فيما قاله وصنعه عند وفاة النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ... لكنّ ابن ماجة ذكر بعضه ـ كما نصّ عليه الهيثمي ـ ، وظاهر عبارة ابن حجر في « الإصابة » عدم صحّة إسناده ، ولعلّة المقصود من قوله في « تهذيب التهذيب » : « وفي إسناد حديثه اختلاف » إذا القدر المتيقّن منه ما يرويه نبيط بن شريط عنه ، وهذا الحديث من ذاك!

حديث أنس بن مالك :

أمّا حديث أنس بن مالك ، فمنه ما عن الزهري عنه ، وقد أخرجه البخاري ومسلم وأحمد .
والزهري من قد عرفته .
مضافاً إلى أنّ الراوي عنه عند البخاري هو شعيب ، وهو : شعيب بن حمزة ، وهو كاتب الزهري وراويته (37) .
ويروي عن شعيب : أبو اليمان ، وهو : الحكم بن نافع .
وقد تكلّم العلماء في رواية أبي اليمان عن شعيب ، حتّى قيل : لم يسمع منه ولا كلمةً (38) .
والراوي عن « الزهري » عند أحمد : سفيان بن حسين ، وقد اتّفقوا على عدم الاعتماد على رواياته عن الزهري ، فقد ذكر ذلك ابن حجر عن : ابن معين وأحمد والنسائي وابن عديّ وابن حبّان ...
وعن يعقوب بن شيبة : « في حديثه ضعف » وعن عثمان بن أبي شيبة : « كان مضطرباً في الحديث قليلاً » وعن ابن خراش : « كان لينّ الحديث » وعن أبي حاتم : « لا يحتجّ به » وعن ابن سعد : « يخطئ في حديثه كثيراً » (39) .
هذا ، وقد روى الهيثمي هذا الحديث فقال : « رواه أحمد وفيه : سفيان بن حسين وهو ضعيف في الزهري ، وهذا من حديثه عنه » (40) .
ومنه ما عن حميد عن أنس ، وقد أخرجه النسائي وأحمد ، وحميد هو : حميد ابن أبي حميد الطويل ، وقد نصّوا على أنّه كان « مدلّساً » وعلى « أنّ أحاديثه عن أنس مدلّسة » (41) وهذا الحديث من تلك الأحاديث .
مضافاً إلى أنّ الراوي عنه ـ عند أحمد ـ هو سفيان بن حسين ، وقد عرفته .
هذا ، وسواء صحّت الطرق عن أنس أو لم تصحّ فالكلام في أنس نفسه :
فأول ما فيه كذبه ، وذلك في قضيّة حديث الطائر المشويّ ، حيث كان رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قد دعا الله سبحانه أن يأتي بعليّ عليه السلام ، وكان يترقّب حضوره ، فكان كلّما يجيء عليّ عليه السلام ليدخل على النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال أنس : « إنّ رسول الله على حاجة » حتى غضب رسول الله وقال له : « يا أنس ، ما حملك على ردّه؟! » (42) .
ثمّ كتمه الشهادة بالحقّ ، وذلك في قضية مناشدة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الناس عن حديث الغدير وطلبه الشهادة منهم به ، فشهد قوم وأبي آخرون ـ ومنهم أنس ـ فدعى عليهم فأصابتهم دعوته ... .
ومن العلوم أنّ الكاذب لا يقبل خبره ، وكتم الشهادة إثم كبير قادح في العدالة كذلك .

حديث عائشة :

وأمّا حديث عائشة ... فقد ذكرنا أنّه هو العمدة في هذه المسألة :
لكونها صاحبة القصة .
ولأنّ حديث غيرها إمّا ينتهي إليها ، وأمّا هو حكاية عمّا قالته وفعلته .
ولأنّ روايتها أكثر طرقاً من رواية غيرها ، وأصحّ إسناداً من سائر الأسانيد ، وأتمّ لفظاً وتفصيلاً للقصّة ...
وقد أوردنا الأهمّ من تلك الطرق ، والأتمّ من تلك الألفاظ ... فأمّا البحث حول ألفاظ ومتون الحديث ـ عنها ـ فسيأتي في الفصل اللاحق مع النظر في ألفاظ حديث غيرها .
وأمّا البحث حول سند حديثها ، فيكون تارةً بالكلام على رجال الأسانيد ، وأخرى بالكلام على عائشة نفسها .
أمّا رجال الأسانيد ... فإنّ طرق الأحاديث المذكورة عنها تنتهي إلى :
1 ـ الأسود بن يزيد النخعي .
2 ـ عروة بن الزبير بن العوّام .
3 ـ عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود .
4 ـ مسروق بن الأجدع .
ولا شيء من هذه الطرق بخالٍ عن الطعن والقدح المسقط عن الاعتبار والاحتجاج :
أمّا الحديث عن الأسود عن عائشة :
فإنّ « الأسود » من المنحرفين عن أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام (43) .
والراوي عنه في جميع الأسانيد المذكورة هو إبراهيم بن يزيد النخعي ، وهو من أعلام المدلّسين ... قال أبو عبدالله الحاكم ـ في الجنس الرابع من المدلّسين : قوم دلّسوا أحاديث رووها عن المجروحين فغيّروا أساميهم وكناهم كي لا يعرفوا ـ قال : « أخبرني عبدالله بن محمّد بن حمويه الدقيقي ، قال : حدّثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي ، قال : حدّثني خلف بن سالم ، قال : سمعت عدّة من مشايخ أصحابنا تذاكروا كثرة التدليس والمدلّسين ، فأخذنا في تمييز أخبارهم ، فاشتبه علينا تدليس الحسن بن أبي الحسن وإبراهيم بن يزيد النخعي ، لأنّ الحسن كثيراً ما يدخل بينه وبين الصحابة أقواماً مجهولين ، وربّما دلّس عن مثل عتي بن ضمرة وحنيف بن المنتجب ودغفل بن حنظلة وأمثالهم ؛ وإبراهيم أيضاً يدخل بينه وبين أصحاب عبدالله مثل هني بن نويرة وسهم بن منجاب وخزامة الطائي وربّما دلّس عنهم » (44) .
والراوي عن إبراهيم هو : « سليمان بن مهران الأعمش » . و« الأعمش » معروف بالتدليس (45) ، تلك التدليس القبيح القادح في العدالة ، قال السيوطي ـ في بيان تدليس التسوية ـ : قال الخطيب : وكان الأعمش وسفيان الثوري يفعلون مثل هذا . قال العلائي : فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقاً وشرّها . قال العراقي ـ وهو قادح فيمن تعمّد فعله . وقال شيخ الإسلام : لا شكّ أنّه جرح ،
وإن وصف بن الثوري والأعمش فلا اعتذار ... (46) .
قال الخطيب : « التدليس للحديث مكروه عند أهل العلم ، وقد عظّم بعضهم الشأن في ذمّه ، وتبجّج بعضهم بالبراءة منه » (47) .
ثمّ روى عن شعبة بن الحجّاج قوله : « التدليس أخو الكذب » .
وعنه : « التدليس في الحديث أشدّ من الزنا » .
وعنه : « لإن أسقط من السماء أحبّ إليّ من أن أدلّس » .
وعن أبي أسامة : « خرّب الله بيوت المدلّسين ، ما هم عندي إلاّ كذّابون » .
وعن ابن المبارك : لأن نخرّ من السماء أحبّ إليّ من أن ندلّس حديثاً » .
وعن وكيع : « نحن لا نستحلّ التدليس في الثياب فكيف في الحديث! » .
فإذن : يسقط هذا الحديث ، بهذا السند ، الذي اتّفقوا في الرواية به ، فلا حاجة إلى النظر في حال من قبل الأعمش من الرواة .
لكن مع ذلك نلاحظ أنّ الراوي عن الأعمش عند البخاري وأحمد ـ في إحدى طرقهما ـ وعند مسلم والنسائي هو « أبو معاوية » وهذا الرجل أيضاً من المدلّسين :
قال السيوطي : « قائدة : أردت أن أسرد أسماء من رمي ببدعةٍ ممّن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما :
وهم : إبراهيم بن طهمان ، أيّوب بن عائذ الطائي ، ذرّ بن عبدالله المرهبي ، شبابة بن سوار ، عبدالحميد بن عبدالرحمن ... محمّد بن حازم أبو معاوية الضرير ورقاء بن عمر اليشكري ... هؤلاء رموا بالأرجاء ، وهو تأخير القول في الحكم على مرتكب الكبائر بالنار ... » (48) .
وذكر ابن حجر عن غير واحد أنّه كان مرجئاً حبيثاً ، وأنّه كان يدعو إليه (49) .
والراوي عن « الأعمش » عند ابن ماجة وأحمد في طريقه الأخرى هو : وكيع ابن الجّراح ، وفيه : أنّه كان يشرب المسكر وكان ملازماً له (50) .
ثمّ إنّ الراوي عن أبي معاوية في إحدى طرق البخاري هو : حفص بن عياث ، وهو أيضاً من المدلّسين (51) .
مضافاً إلى أنّه كان قاضي الكوفة من قبل هارون ، وقد ذكروا عن أحمد أنّه : « كان وكيع صديقاً لحفص بن غياث فلمّا ولّي القضاء هجره » (52) .

وأمّا الحديث عن عروة بن الزبير :

فإنّ عروة بن الزبير ولد في خلافة عمر ، فالحديث مرسل ، ولابدّ أنّه يرويه عن عائشة .
وكان عروة من المشهورين بالبغض والعداء لأمير المؤمنين عليه السلام ـ كما عرفت من خبره مع الزهري ، والخبر عن ابنه ـ وحتّى حضر يوم الجمل على صغر سنّه (53) ، وقد كان هو والزهري يضعان الحديث في تنقيص الإمام والزهراء الطاهرة عليهما السلام ، فقد روى الهيثمي عنه حديثاً ـ وصحّحه ـ في فضل زينب بنت رسول الله جاء فيه أنّه كان يقول : « هي خير بناتي » قال : « فبلغ ذلك عليّ بن حسين ، فانطلق إليه فقال : ما حديث بلغني عنك أنّك تحدّثه تنقص حقّ فاطمة؟! فقال : لا أحدّث به أبداً » (54) .
والراوي عنه ولده « هشام » في رواية البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة ... وهو أيضاً من المدلّسين ، فقد قالوا : « كان ينسب إلى أبيه ما كان يسمعه من غيره ، وقد ذكروا أنّ مالكاً كان لا يرضاه ، قال ابن خراش : بلغني أنّ مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق ، قدم الكوفة ثلاث مرّات ، قدمةً كان يقول : حدّثني أبي ، قال : سمعت عائشة . وقدم الثانية فكان يقول : أخبرني أبي ، عن عائشة . وقدم الثالثة فكان يقول : أبي ، عن عائشة » (55) وهذا الحديث من تلك الأحاديث .

وأمّا الحديث عن عبيدالله بن عبدالله عن عائشة :

فإنّ الرّاوي عن « عبيدالله » عند البخاري ومسلم والنسائي هو « موسى بن أبي عائشة » وقد قال ابن أبي حاتم سمعت أبي (56) يقول : « تريبني رواية موسى بن أبي عائشة حديث عبيدالله بن عبدالله في مرض النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم » (57) .
وعند أبي داود وأحمد هو : الزهري ـ لكن عند الأول يرويه عن عبيدالله ، عن عبدالله بن زمعة ـ والزهري من قد عرفته سابقاً .
هذا مضافاً إلى ما في عبيدالله بن عبدالله نفسه ... فقد روى ابن سعد ، عن مالك بن أنس ، قال : « جاء عليّ بن حسين بن عليّ بن أبي طالب إلى عبيدالله ابن عبدالله بن عتبة بن مسعود يسأله عن بعض الشيء !! وأصحابه عنده وهو يصلّي ، فجلس حتّى فرغ من صلاته ثمّ أقبل عليه عبيدالله .
فقال أصحابه : أمتع الله بك ، جاءك هذا الرجل وهو ابن ابنة رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وفي موضعه ، يسألك عن بعض الشيء!! فلو أقبلت عليه فقضيت حاجته ثمّ أقبلت على ما أنت فيه !
فقال عبيدالله لهم : أيهات! لابدّ لمن طلب هذا الشأن من أن يتعنّى!! » (58) .

وأمّا الحديث عن مسروق بن الأجدع عن عائشة :

ففيه :
1 ـ « أبو وائل » وهو « شقيق بن سلمة » يرويه عن « مسروق » وقد قال عاصم ابن بهدلة : « قيل لأبي وائل : أيّهما أحبّ إليك : عليّ أو عثمان ؟ قال : كان عليّ أحبّ إليّ ثم صار عثمان!! » (59) .
2 ـ « نعيم بن أبي هند » يرويه عن « أبي وائل » عند النسائي وأحمد بن حنبل . و« نعيم » قد عرفته سابقاً .
ثمّ إنّ في أحدى طريقي أحمد عن « نعيم » المذكور : « شبابة بن سوار » وقد ذكروا بترجمة أنّه كان يرى الإرجاء ويدعو إليه ، فتركه أحمد وكان يحمل عليه ، وقال : أبو حاتم : لا يحتجّ بحديثه (60) وقد أورده السيوطي في الفائدة المذكورة ، وحكى ابن حجر في ترجمته ما يدلّ على بغضه لأهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم (61) .

المصادر :
1- صحيح الترمذي 5 / 573 .
2- فتح الباري 2 / 130 .
3- فتح الباري 2 / 130 .
4- تاريخ الطبري 4 / 199 ـ 200 .
5- شرح نهج البلاغة 4 / 99 .
6- تهذيب التهذيب 6 / 11 وغيره .
7- تهذيب التهذيب 6 / 412 ، ميزان الاعتدال 2 / 660 .
8- ميزان الاعتدال 6 / 660 .
9- تلخيص الشافي 3 / 35 ، روضة الواعظين : 177 ، مقتل الحسين ـ للمقرّم ـ : 185 .
10- فضائل الصحابة 1 / 106 .
11- هو من شيوخ البخاري ومسلم ، ومن أئمّة الجرح والتعديل ، أتّفقوا على أنّه أعلم أئمّة الحديث بصحيحه وسقيمه . توفّي سنة 302 هـ . ترجم له في : تذكره الحفّاظ 2 / 429 وغيرها .
12- شرح نهج البلاغة 6 / 102 .
13- شرح نهج البلاغة 4 / 102 .
14- الاستيعاب ، ترجمة زيد بن حارثة .
15- الكاشف 2 / 311 .
16- تهذيب التهذيب 4 / 195 .
17- تحف العقول عن آل الرسول : 198 ، للشيخ ابن شعبة الحرّاني وفي إحياء علوم الدين 2 / 143 .
18- ميزان الاعتدال 3 : 270 .
19- تهذيب التهذيب 8 : 56 .
20- الكاشف ، ميزان الاعتدال ، تهذيب التهذيب 7 / 396 .
21- ميزان الاعتدال 2 : 72 .
22- تهذيب التهذيب 3 / 285 ، الجرح والتعديل 1 : 2 / 593 .
23- فضائل الصحابة 1 / 106 .
24- فضائل الصحابة 1 / 108 ، 109 .
25- الضعفاء ـ للبخاري ـ : 273 .
26- الضعفاء ـ للنسائي : 401 .
27- كتاب المجروحين 2 / 216 .
28- تهذيب التهذيب 8 / 350 ، ميزان الاعتدال 3 / 393 ، لسان الميزان 4 / 477 .
29- مجمع الزوائد 5 / 183 .
30- تهذيب التهذيب 5 / 35 .
31- تهذيب التهذيب 5 / 138 .
32- تهذيب التهذيب 10 / 418 .
33- تهذيب التهذيب 4 / 140 .
34- الإصابة 2 / 5 .
35- تهذيب التهذيب 3 / 381 .
36- مجمع الزوائد 5 / 182 .
37- تهذيب التهذيب 4 / 307 .
38- تهذيب التهذيب 2 / 380 .
39- تهذيب التهذيب 4 / 96 .
40- مجمع الزوائد 5 / 181 .
41- تهذيب التهذيب 3 / 34 .
42- المستدرك 3 / 130 .
43- شرح النهج لابن أبي الحديد 4 / 97 .
44- معرفة علوم الحديث : 108 .
45- تقريب التهذيب 1 : 231 .
46- تدريب الراوي 1 : 226 .
47- الكفاية في علم الرواية 1 / 188 .
48- تدريب الراوي 1 / 278 ، وفي طبعة 1 / 328 .
49- تهذيب التهذيب 9 / 121 .
50- تذكرة الحفّاظ 1 / 308 ، ميزان الاعتدال 1 : 336 .
51- تهذيب التهذيب 2 / 358 .
52- تهذيب التهذيب 11 / 111 .
53- تهذيب التهذيب 7 / 166 .
54- مجمع الزوائد 9 / 213 .
55- تهذيب التهذيب 11 / 44 .
56- هو : محمّد بن إدريس الرازي ، أحد كبار الأئمّة الحفّاظ المعتمدين في الجرح والتعديل . توفّي سنة 207 هـ تقريباً . توجد ترجمته في : تذكره الحفّاظ 2 / 567 ، تاريخ بغداد 3 / 73 وغيرهما من المصادر الرجالية .
57- تهذيب التهذيب 10 / 314 .
58- طبقات ابن سعد 5 / 215 .
59- تهذيب التهذيب 4 / 317 .
60- تهذيب التهذيب 4 / 264 ، تاريخ بغداد 9 / 295 .
61- تهذيب التهذيب 4 / 265 .
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.