الصحابة في الكتاب والسنة

هل تجاوزت الشيعة في نقد أعمال بعض الصحابة حدود الكتاب والسنة ؟ إذ وجدوا في أعمالهم مخالفة ظاهرة ، لا يمكن لها التأويل والتسامح ، لأن عموم الصحبة لا يمنحهم سلطة التصرف بالأحكام ، ولا تسوغ لهم مخالفة تلك
Wednesday, May 17, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
الصحابة في الكتاب والسنة
 الصحابة في الكتاب والسنة



 

هل تجاوزت الشيعة في نقد أعمال بعض الصحابة حدود الكتاب والسنة ؟ إذ وجدوا في أعمالهم مخالفة ظاهرة ، لا يمكن لها التأويل والتسامح ، لأن عموم الصحبة لا يمنحهم سلطة التصرف بالأحكام ، ولا تسوغ لهم مخالفة تلك الحدود وإن الاجتهاد في مقابلة النص هو في الحقيقة طرح للأحكام ، ونبذ للقرآن وراء الظهور ، وإن كثيراً منهم حديثو عهد في الإسلام ، قد ألفت نفوسهم أشياء وطبعت عليها ، ومن الصعب أن تتحلل منها بسرعة .
وليس من الإنصاف أن يكون هؤلاء بمنزلة أهل السبق ، ومن رسخ الإيمان في قلوبهم فنشروا الإسلام ، وحملوا ألوية العدل ، ونشروا العقيدة الإسلامية ، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم عن نية صادقة ، وهاجروا عن إيمان خالص .
وقد قال النبي صلّى الله عليه وآله :
« إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه » (1).
وسأله ناس من أصحابه فقالوا : يارسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟
فقال صلّى الله عليه وآله :
« أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ به ، ومن أساء أخذ في الجاهلية والإسلام » (2) .
وعن صهيب مرفوعاً :
« ما آمن بالقرآن من استحل محارمه » (3) .
وعنه صلّى الله عليه وآله بلفظ : « من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ، ومن أساء في الإسلام اخذ في الأوّل ، والأخر » (4).
وعن ابن عمر قال :
صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال :
« يا معشر من اسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ، ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم . من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» (5).
وهكذا يتضح لنا على ضوء الأحاديث النبوية وآي القرآن الكريم مساواة الناس وشمول الأحكام لهم ، وأن ثبوت العدالة بالعمل ، ولا أثر لها بدونه ، والصحابة هم أولى بتنفيذها ، والقول في اجتهادهم مطلقاً يحتاج إلى مشقة في الإثبات ، والنتيجة عقيمة لا تثمر كثير فائدة ، والتأويل في مقابلة النص معناه طرح للأحكام . فلا يصح أن يتأولوها على خلاف ظاهرها ، ثم يستبيحوا لأنفسهم مخالفة الظاهر منها ، بل الأحكام شرعة واحدة بين الناس لتشملهم عدالتها . فلا مجال لأحد عن الخضوع لها وتطبيقها .
ولنا في سياسة الإمام علي بن أبي طالب ، وسيرته في عصر الخلفاء ، وفي عصره لأكبر دليل على ما نقول :
فقد كان يقيم الحد على من تعدّى حدود الله ، ويعامل كل واحد بما يقتضيه عمله ، وبقدر منزلته عند الله تعظم منزلته عنده .
وكم كان يدعو على أولئك الذين وسموا بالصحبة ، وخالفوا كتاب الله وسنة رسوله ، ونصبوا له الحرب .
وقد أعلن عليه السلام البراءة منهم على منبره لأنهم خالفوا كتاب الله وسنة نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم .
ومن وقف على عهوده عليه السلام لعماله ، ووصاياه لأمراء جيشه ، ورسائله لولاة أمره ، يعرف هناك عدم الالتزام بما ألزموا الأمة به ، من القيود التي فرضتها ظروف خاصة ، وهو القول بعدالة الصحابي ، وإن ارتكب ما حرّم الله .
والتحدث عن سيرة علي لا يتسع له مجال هذا الموضوع الذي خضناه بهذه العجالة ، والغرض أن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله لا بد أن يلتزموا باجتناب ما حرم الله تعالى ويهتدوا بهدي رسوله صلى الله عليه وآله ، ولم يفتحوا المجال لمتأول في مقابلة النص ، وللاجتهاد شروط ، ولعل في قصة قدامة أكبر دليل على ذلك قدامة بن مضعون :
قدامة بن مضعون بن حبيب المتوفى ( سنة 36هـ ) كان من السابقين الأولين ، وهاجر الهجرتين ، واستعمله عمر بن الخطاب على البحرين ، فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر بن الخطاب من البحرين ، وشهد على قدامة أنه شرب الخمر فسكر ، فقال : من يشهد معك فقال الجارود : أبو هريرة .
فقال عمر لأبي هريرة : بم تشهد ؟ قال : لم أره شرب الخمر ولكن رأيته سكران يقيء .
فقال عمر : لقد تنطعت في الشهادة ، ثم كتب إلى قدامة أن يقدم عليه من البحرين فقدم ، فقال الجارود : أقم على هذا حدّ الله .
فقال عمر : أخصم أنت أم شهيد ؟
فقال شهيد .
فقال : قد أديت شهادتك .
ثم غدا الجارود على عمر فقال :
أقم على هذا حدّ الله .
فقال عمر :
ما أراك إلا خصماً وما شهد معك إلا رجل واحد .
فقال الجارود : أنشدك الله .
فقال عمر : لتمسكن لسانك أو لأسوانك .
فقال : يا عمر ما ذالك بالحق أن يشرب ابن عمك الخمر وتسوءني .
فقال ابو هريرة : يااميرالمؤمنين إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الواليد فأسألها ـ وهي امرأة قدامة ـ فأرسل عمر إلى هند بنت الوليد ينشدها ، فأقامت الشهادة على زوجها .
فقال عمر لقدامة : إني حادّك ، فقال قدامة :
لوشربت كما تقول ما كان لكم أن تحدّني .
فقال عمر : لم ؟
قال قدامة : قال الله عزوجل : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناح فيما طعموا ... ) الآية .
فقال عمر : أخطأت التأويل أنت إذا اتقيت الله اجتنبت ماحرّم الله ، ثم أقبل عمر على الناس فقال :
ماترون في جلد قدامة ؟
فقالوا : لا نرى أن تجلده ما دام مريضاً . فسكت على ذلك أيّاماً ثم أصبح وقد عزم على جلده فقال : ما ترون في جلد قدامة . فقالوا : لا نرى أن تجلده ما دام وجعاً .
فقال عمر : لأن يلقى الله تحت السياط أحب إليّ من أن ألقاه وهو في عنقي ، ائتوني بسوط تام . فأمر به فجلد (6) .
هذه قصة قدامة ، وإقامة الحد عليه ، وتأويله فيما ارتكبه ، ولم نوردها لنحط من كرامته ، أو نطعن عليه في دينه ، فله شرف الهجرة
والسبق ، ولكنّا ذكرناها ليتضح لنا عدم صحة ما يقولون ، بعدم مؤاخذة المتأول ، وإن خالف الإجماع ، وما هو معلوم بالضرورة كقضيّة أبي الغادية وقتله لعمار بن ياسر مع اعترافه بأن ما ارتكبه جريمة توجب دخول النار .
وهناك جماعة من الصحابة تأوّلوا فأخطأوا ، فلم يدرأ تأويلهم الحد لوقوعهم في الخطأ . منهم :
أبو جندل ، وضرار بن الخطاب ، وأبو الأزور فقد وجدهم أبوعبيدة قد شربوا الخمر فأنكر عليهم . فقال أبو جندل :
( ليس على الذين آمنوا جناح فيما طعموا ... ) الآية ، ولم ينفعهم ذلك وأقام عليهم الحد .
فأين العدالة من إقامة عليهم الحد .
وكان عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب قد شرب الخمر بمصر فأقام الحد عليه عمرو بن العاص إلى كثير من ذلك (7) .
سياسة عمر تجاه بعض الصحابة
وهذا عمر بن الخطاب لم يثبت العدالة لأبي هريرة عندما استعمله على البحرين فقدم بعشرة آلاف فقال له عمر :
استأثرت بهذه الأموال يا عدوّ الله ، وعدو كتابه .
فقال أبوهريرة :
لست بعدوّ الله ، ولا عدوّ كتابه ، ولكن عدوّ من عاداهما .
فقال عمر : من أين لك ؟
قال : خيل نتجت ، وغلّة ، ورقيق لي ، وأعطية تتابعت (8) .
وفي لفظ ابن عبد ربه :
إنّ عمر دعا أبا هريرة فقال له :
علمت أني استعملتك على البحرين ، وأنت بلا نعلين ، ثم بلغني أنك ابتعت أفراساً بألف دينار وستمائة دينار قال :
كانت له أفراساً تناتجت ، وعطايا تلاحقت ، قال عمر :
قد حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل فأدّه .
قال أبو هريرة : ليس لك ذلك .
قال : بلى أوجع ظهرك ، ثم قام إليه بالدرّة فضربه حتى أدماه ، ثم قال :
ائت بها. قال احتسبتها عند الله .
قال : لو أخذتها من حلال ، وأدّيتها طائعاً ، أجئت من أقصى البحرين تجبي الناس لك لا لله ، ولا للمسلمين ؟ مارجعت به أميمة إلا لرعية الحمر ، وأميمة أم أبي هريرة (9) .
هكذا رأينا عمر يقابل أبا هريره بشدّة ، ويتهمه بخيانة أموال المسلمين ، وينسبه لعداء الله ، وعداء كتابه ، ولا يصدقه فيما يدّعيه . ولو كان أبو هريرة عادلاُ في نظر عمر لصدق قوله . ولقال أنت عادل ، أو مجتهد مخطىء ، وكذلك موقف عمر مع خالد بن الوليد في جنايته الكبرى مع مالك بن نويرة .
ويحدثنا البلاذري أن أبا المختار ، يزيد بن قيس ، رفع إلى عمر ابن الخطاب كلمة يشكو بها عمال الأهواز وغيرهم يقول فيه :
ابـلغ أمير الـمؤمنيـن رسـالـة *** فأنت أمين الله فـي النهـي والأمـر
وأنـت أمـين الله فيـنا ومن يكن *** أمينا لرب العرش يسلم لـه صـدري
فأرسل إلى الحجاج فاعرف حسابه *** وارسل إلى جزء وارسـل إلـى بشر
ولا تنـسيـن الـنـافعين كليهمـا *** ولا ابن غلاب من سراة بني نصر(10)
إلى آخر الرسالة وذكر فيها جماعة من عماله الذين استأثروا بالأموال ، وجلّهم من الصحابة ، فعاقبهم عمر ، واتهمهم بالخيانة ، والخيانة لا تجتمع مع العدالة .
ولا نطيل الحديث حول قاعدة أصالة العدالة لكل صحابي ، أو تأويل الأخطاء لهم على وجه يلزم السكوت عليه .
ما ذلك إلا تحدّ لنواميس الدين ، ومقدسات الشريعة ، ومجادلة بالباطل لحفظ كرامة معاوية وحزبه ( ها أنتم جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً ) (11) .
المصادر :
1- صحيح مسلم : 6/48 .
2- صحيح مسلم : 1/ 77 .
3- صحيح الترمذي : 2/151 .
4- صحيح مسلم : 1/77 .
5- صحيح الترمذي : 1/365 .
6- الإصابة في تمييز الصحابة : 3/228 .
7- الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 1/602ـ 05
8- تاريخ ابن كثير : 8/113 .
9- العقد الفريد : 1/26 .
10- فتوح البلدان : ص 227 .
11- سورة النساء : الآية 109 ، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1/605، 606 .

 
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.