
ذكر البغوي وغيره عن ابن عباس أنه قال : لم يكن رسول الله يعرف المنافقين حتى نزلت سورة براءة وكان قبلها يعرف بعض صفاتهم وأقوالهم ، وأفعالهم ممّا جاء عنهم في عدة سور نزلت قبل براءة ، منها سورة المنافقين ، والأحزاب ، والنساء ، والأنفال ، والقتال ، والحشر .
أما سورة براءة فقد فضحتهم ، وكشفت جميع أنواع نفاقهم الظاهرة ، والباطنة ومن أجل ذلك سميت ( الفاضحة ) والمبعثرة ، والمشردة ، والمخزية ، والمثيرة ، والحافرة ، والمنكّلة ، والمدمدمة ، وسورة العذاب !
وإليك بيان أمورهم في غزوة تبوك ، وحدها ، وأعمالهم ، وآيات نفاقهم ، وهتك أستارهم ، وعقابهم ، مرتبة على سياق آيات سورة التوبة لا على الحروف:
1ـ استئذانهم في التخلف وهو لا يقع من مؤمن ، وإنما يستأذن ترك الجهاد من لا يؤمن بالله ولا بالأخرة .
2ـ لو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدة .
3ـ إن الله كره انبعاثهم فثبطهم .
4ـ إنهم لو خرجوا في المؤمنين لم يزيدوهم إلاً خبالاً ، ويبغون فتنتهم .
5ـ إنهم اتبعوا الفتنة من قبل تبوك في غزوة أحد ، إذ أوقعوا الشقاق في المسلمين ، وثبطوا بعضهم .
6ـ إنهم قلبوا الأمور للنبي من أول الأمر إلى أن جاء الحق بنصره وظهور أمر الله وهم كارهون لذلك .
7ـ إن منهم من استأذن النبي في القعود متعذراً بأنه يخاف على نفسه الافتتان بجمال نساء الروم ، فسقطوا في فتنة معصية الله ورسوله بالفعل .
8ـ إن كل حسنة تصيب النبي تسؤوهم ، وكلّ مصيبة تعرض له تسرّهم ، ويرون أنهم أخذوا بالحزم في التخلّف .
9ـ إن المؤمنين يتربصون بالمنافقين عذاب الله مباشرة أو بأيديهم .
10ـ إن صدقاتهم لا تقبل لفسوقهم ، ولكفرهم ، وإتيانهم الصلاة وهم كسالى ، وإنفاق ما ينفقون وهم كارهون .
11ـ تعذيبهم بأموالهم وأولادهم في الدنيا وموتهم على كفرهم .
12ـ حلفهم للمؤمنين بأنهم منهم ، ووصف خيبتهم ، وفرقهم منهم .
13 ـ لمز بعضهم للرسول في الصدقات ، فإن أعطوا منها رضوا ، وإلا سخطوا .
14 ـ إيذاؤهم له ( صلی الله عليه وآله وسلم ) بقولهم : هو أذن .
15 ـ حلفهم للمؤمنين ليرضوهم دون إرضاء الله ورسوله .
16 ـ حذرهم إنزال سورة تنبئهم بما في قلوبهم ووعيدهم على استهزائهم باخراج ما يحذرون .
17ـ اعتذارهم عن استهزائهم بأنهم كانوا يقصدون الخوض واللعب ، وكون هذا الخوض عين الكفر ، ووعيدهم بتعذيب طائفة منهم بإصرارهم على إجرامهم ، واحتمال العفو عن طائفة أخرى .
18ـ بيان حال المنافقين وصفاتهم العامة ذكراناً ، وإناثاً ، وإيقادهم هم والكفار نار جهنم ولعنهم إلخ ..
19 ـ تشبيههم بمنافقي الأمم الغابرة في كونهم لا حظ لهم إلا الاستماع بما ذكروا في خوضهم بالباطل ، وحبوط أعمالهم في الدنيا والأخرة مثلهم وخسارهم التام . . وتذكيرهم بنبأ أقوام الأنبياء قلبهم .
20ـ ( إن المنافقين هم الفاسقون ) . .
21ـ قرنهم بالكفار في وجوب جهادهم والإغلاظ في معاملتهم ووعيدهم .
22ـ حلفهم على إنكار ما قالوا من كلمة الكفر ، وإثبات الله لما نفوه ( وهمهم بما لم ينالوا ) أي محاولة اغتياله (صلی الله عليه وآله و سلم).
23ـ من عاهد الله منهم على الصدقة في حالة العسر ، وإخلافه ، وكذبه ، بعد الغنى واليسر ، وإعقابهم ذلك نفاقا يصحبهم إلى الحشر ، وجهلهم علم الله بحالهم في السرّ والجهر .
24 ـ لمزهم وعيبهم للمؤمنين في الصدقات ، وسخريتهم منهم . .
25 ـ حرمانهم الانتفاع باستنفار الرسول لهم بكفرهم حتى بالله ورسوله لا يرجى اهتداؤهم بالرجوع عن قسوتهم .
26 ـ فرح المخلّفون منهم بمقعدهم خلاف رسول الله ، وتواصيهم بعدم النفر في الحر ، وتذكيرهم بحر جهنم .
27ـ كون الأجدر بهم أن يحزنوا ، ويضحكوا قليلاً ويبكوا كثيراً .
28 ـ نهيه (صلی الله عليه وآله و سلم) عن الصلاة على موتاهم ، وتعليله بكفرهم وموتهم عليه .
29 ـ استئذان أغنيائهم بالتخلف عن الجهاد كلما نزلت سورة تأمر بالجمع بين الإيمان والجهاد .
30ـ حال الأعراب ، واستئذان بعضهم بالقعود عن الجهاد ، وقعود الكاذبين بغير اعتذار ووعيدهم بعذاب أليم على الكفر .
نكتفي بذلك من صفات المنافقين في غزوة تبوك التي جاءت بسورة التوبة ومن أراد المزيد من معرفة سائر أعمال المنافقين فليرجع إلى سور : المنافقين ، والأحزاب ، والنساء ، والأنفال ، والقتال ، والحشر .
وفي الصحيحين من حديث الإفك أن أسيد بن الخضير قال لسعد ابن عبادة :
إنك منافق ، تجادل عن المنافقين . واختصم الفريقان فأصلح النبي بينهم ـ فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم :
إنك منافق ، ولم يكفر النبي لا هذا ، ولا ذاك .
والأخبار في ذلك كثيرة ومن شاء أن يقف على أسماء المنافقين من الخزرج والأوس فليرجع إلى الجزء الأول من ( أنساب الأشراف ) يجد أسماءهم قد ملأت عشر صفحات كاملة . (1)
يفضلون التجارة واللهو عن الصلاة
ولا بأس أن نورد هنا ما فعله الصحابة مع رسول الله ، وانفضاضهم من حوله إلى التجارة واللّهو ، وتفضيل ذلك على الصّلاة ، وتركهم إيّاه قائماً وحده يصلّي يوم الجمعة وذلك بعد أن أمرهم الله سبحانه بأن يسعوا إلى الصلاة ، ويتركوا البيع ، لأن ذلك خير لهم ( إن كانوا يعلمون ) فخالفوا عن أمر الله ، وانصرفوا إلى تجارتهم ، ولهوهم ، من حول رسول الله ! وإليك هذه الآية الكريمة التي تفضحهم قال تعالى :
( وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضّوا إليها وتركوك قائماً قل ماعند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين )(2).
نفاق الصحابة على عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وبعده
وإليك حديثاً رواه البخاري وغيره (3) عن حذيفة بن اليمان يبين فيه نفاق الصحابة على عهد النبي صلّى الله عليه وسلم وبعده .
قال حذيفة : إن المنافقين اليوم ، شرّ منهم على عهد النبي صلّى الله عليه وسلم ، كانوا يومئذ يسرون ، واليوم يجهرون ! وفي رواية أخرى للبخاري كذلك عنه :
قال : إنما كان النفاق على عهد النبي (صلی الله عليه وآله و سلم) ، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان . ( وفي رواية ) : فإنما هو الكفر والإيمان .
واخرج البزار عن أبي وائل ، قلت لحذيفة : النّفاق اليوم شر أم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ؟ قال :
فضرب به على جبهته وقال :
أوه : هو اليوم ظاهر ، إنما كانوا يستخفون على عهد رسول الله (4) !
المصادر :
1- أنساب الأشراف من ص 274 إلى ص 283 .
2- الجمعة : 11
3- فتح الباري : 13/62ـ 63 ط مصر .
4- أضواء على السنة المحمدية ص 356ـ 359 ط دار المعارف بمصر الطبعة الثالثة .