حربٌ على القبور

أن تحارب حيّاً فهذا ممكن وربما يحكم به العقلاء ، أو لا أقل تجد لنفسك مبرّراً لذلك ، ولكن أن تحارب الأموات فهذا الذي لا مبرّر له عند العقلاء!
Wednesday, May 24, 2017
الوقت المقدر للدراسة:
مؤلف: علی اکبر مظاهری
موارد بیشتر برای شما
حربٌ على القبور
حربٌ على القبور




 

أن تحارب حيّاً فهذا ممكن وربما يحكم به العقلاء ، أو لا أقل تجد لنفسك مبرّراً لذلك ، ولكن أن تحارب الأموات فهذا الذي لا مبرّر له عند العقلاء!
أن تحارب الله سبحانه وتعالى في رسالته ، ورسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذاته وذريّته الطاهرة في الحياة وفي الممات فهذا شيء عجاب والله!
نعم ، إنّ السلفية عامّة والوهابيّة خاصّة أعلنت حربها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بكلّ صلافة وجلافة باسم الدين ، فقالوا :
ـ لا يجوز أن نقول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّدنا أو سيّدي ، فنزعوا عنه السيادة!
ـ لا يجوز أن ترفع صوتك بالصلاة على محمد وآله ، بل إنّ ابن عبد الوهاب كان يجلد وربما قتل مَنْ رفع صوته بالصلاة أمامه!
ـ لا يجوز الاجتماع والجمع للذكر ، والصلاة من أعظم الذكر مهما كان السبب.
كلّ ذلك جاء باسم التوحيد وعدم الشرك ، ولكن كلّ ذلك لم يرق لهم ولم يشف غليل صدروهم ؛ لأنّهم يسمعون المؤذّن يشهد بالرسالة خمس مرّات ، ويصلّي ويسلّم على الحبيب المصطفى بعد الأذان ، فأمروا بإلغائها تماماً بعد الأذان!
ولم يكتفوا بذلك ؛ لأنّهم يرون الناس يضجّون ويعجّون إلى الله بالدعاء وهم طائفون حول قبر نبيّه الشريف وروضته النورانيّة المباركة ، فراحوا يحرِّضون الناس على عدم الزيارة ، ويمنعون الزائر من استلام الضريح ، أو حتّى الوصول إلى الرخام الموضوع حول القبر الشريف ، وفوق ذلك فهم يدوسونه بأحذيتهم!
لقد أعلنوها حرباً على القبور جميعاً ، وعلى المساجد والقباب التي فوقها ، فدمّروا الذي دمّروه دون وازع من ضمير ، أو رادع من دين ، أو احترام للميت أو الحي مهما كان دينه أو مذهبه ، فعملوا أعمالاً يندى لها جبين التاريخ وما زالوا يعملون!
وقبل الاستطراد بالحديث عن القبور المهدومة ، والحُرم المنتهكة من قبل الوهابيّة ، لا بأس بأن نقدّم كلماتهم وفتاويهم حول هذا الموضوع الذي يعتبرونه من الشرك الأكبر ، ويطلقون عليها (عبادة القبور) ، وعلى فاعليها (بالقبوريين).
اسمعه يقول : والشرك منه ما هو أكبر مُخرج عن ملّة الإسلام ، صاحبه مخلّد في النار إن مات على ذلك.
ومن مظاهر الشرك المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين :
ـ الاعتقاد بأنّ الأولياء الموتى يقضون الحاجات ، ويفرِّجون الكربات ، والاستعانة والاستغاثة بهم ، والله سبحانه وتعالى يقول : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ) (1).
ـ وكذلك دعاء الموتى من الأنبياء والصالحين أو غيرهم للشفاعة ، أو للتخليص من الشدائد ، والله يقول : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) (2).
ـ وبعضهم يتّخذ ذكر اسم الشيخ أو الوليّ عادته وديدنه إن قام وإن قعد وإن عثر ، وكلّما وقع في ورطة أو مصيبة وكربة ، فهذا يقول : يا محمد ، وهذا يقول : يا علي ، وهذا يقول : يا حسين ، وهذا يقول : يا بدوي ، وهذا يقول : يا جيلاني ، وهذا يقول : يا شاذلي ، وهذا يقول : يا رفاعي ، وهذا يدعو العيدروس ، وهذا يدعو السيدة زينب ، وذاك يدعو ابن علوان ...
والله يقول : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ) (3).
ـ وبعض عُبّاد القبور يطوفون بها ، ويستلمون أركانها ، ويتمسحون بها ، ويقبّلون أعتابها ، ويعفّرون وجوههم في تربتها ، ويسجدون لها إذا رأوها ، ويقفون أمامها خاشعين متذلّلين متضرّعين سائلين مطالبهم وحاجاتهم ، من شفاء مريض ، أو حصول ولد ، أو سدّ حاجة ، وربما نادى صاحب القبر : يا سيدي ، جئتك من بلد بعيد فلا تخيّبني ..
والله عزّ وجلّ يقول : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (4).
وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ مات وهو يدعو من دون الله ندّاً دخل النار» (5).
ـ وبعضهم يحلقون رؤوسهم عند القبور ، وعند بعضهم كتب بعناوين
مثل : (مناسك حجّ المشاهد) ويقصدون بالمشاهد : القبور وأضرحة الأولياء.
ـ وبعضهم يعتقد أنّ الأولياء يتصرّفون في الكون وأنّهم يضرّون وينفعون ..
والله عزّ وجلّ يقول : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) (6).
ـ وكذلك من الشرك النذر لغير الله ، كما يفعل الذين ينذرون الشموع والأنوار لأصحاب القبور (7).
نقلت هذه الفقرة بطولها لأختصر الطريق ، وأقيك عزيزي القارئ من التنقّل من كتاب إلى آخر فأوفّر عليك وقتك وجهدك ؛ لأنّ الرجل جاء برأي الجميع ، وهذا زبدة القول عندهم في هذه المسألة التي اتّخذوها ديناً دون دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّهم كفّروا الأُمّة كلّها ، ورموها بالشرك الأكبر نتيجة هذه العقيدة الفاسدة.
وإذا قلت لهم : وقبر النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان مهوى القلوب المؤمنة منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام قبل أن يجود علينا الزمان بكم؟
لقالوا العجب العجاب ، تأمّل أخي القارئ :
يقول الألباني : إنّ من بدع زيارة المدينة المنوّرة قصد قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله بالسفر ، وإبقاء القبر النبوي في مسجده ، وزيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الصلاة في مسجده ، والتوسّل به صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الله في الدعاء ، وطلب الشفاعة وغيرها منه ، وقصد القبر النبوي للسّلام عليه دبر كل صلاة (8).
وقوله : إنّ من البدع إبقاء قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد يعدّ من أشنع وأعظم الفواحش التي نطق بها هذا الرجل! وهل يتصوّر عاقل أنّ مَنْ ينطق بهذا يحترم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويحبّه ويوقّره؟!
لا سيما وهو يقول ذلك في كتابه ، ثمّ ليعلم أنّ هذه البدع ليست خطورتها في نسبة واحدة ، بل هي على درجات ؛ فبعضها شرك وكفّر صريح ـ كما سترى ـ وبعضها دون ذلك.
ولكن يجب أن يعلم أنّ أصغر بدعة يأتي بها الرجل في الدين هي محرّمة بعد تبيّن كونها بدعة ، فليس في البدع كما يتوهّم بعضهم ما هو في رتبة المكروه فقط ، كيف ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «كلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار» ، أي صاحبها ، فتأمّلوا يا مسلمين! أيّ بدعة أعظم ممّا جاء به السلفيّة بهذه الأفكار الجهنميّة؟!
ابن باز وزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله
وأيّ ضلال أكبر من ضلال مَنْ يدعو إلى قلع قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مسجده ، أو مَنْ يرى أنّ أعظم مصيبة عليه أن يرى قبّته النوراء تناطح عنان السماء ، أو مَنْ يعتقد أنّ ذلك كلّه بدعة وضلالة وانحراف عن دين الإسلام ومنبع الحبيب المصطفى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله!
وهل تعلم أنّ ابن باز وهو مفتي الديار السعودية لم يزر قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان يرفض زيارته ما دامت القبّة فوقه أو الضريح حوله؟! هل تتصوّر وجود مثل هذا الرجل في أُمّة الحبيب المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله؟!
وهل تعلم أنّهم يسمّونه (بالصنم) ويرفضون زيارته والوقوف على أعتابه؟!
ورغم كلّ الإهانات التي كانوا وما زالوا يوجّهونها إلى رسول الله وأهل بيته الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) حتّى كانت عصا أحدهم خيراً منه ؛ لأنّه يقتل بها الحيّة! وعند محمد بن عبد الوهاب ما هو إلاّ طارش! هل تعلم ما هي فتاواهم حول هذا الموضوع؟!
المصادر :
1- سورة الإسراء : الآية 23.
2- سورة النحل : الآية 62.
3- سورة الأعراف : الآية 194.
4- سورة الأحقاف : الآية 5.
5- صحيح البخاري 8 ص 176.
6- سورة يونس : الآية 107.
7- محرّمات استهان بها الناس ـ محمد صالح المنجد ص 12 ـ 14.
8- مناسك الحجّ والعمرة ـ للألباني ص 60 ، السلفية الوهابيّة ص 67.
 


ارسل تعليقاتك
با تشکر، نظر شما پس از بررسی و تایید در سایت قرار خواهد گرفت.
متاسفانه در برقراری ارتباط خطایی رخ داده. لطفاً دوباره تلاش کنید.