
إنّ مواقف علماء الإسلام ورجالات الدين الحنيف من الوهابيّة واضحة وضوح الشمس ؛ لأنّ الإنسان المسلم يتخلّق بأخلاق الدين ، ويعامل الناس على تلك الأسس والقواعد الأخلاقيّة الإسلاميّة الرائعة ، وسأكتفي بنموذجين وربما بثلاثة فقط.
ولكن للتذكير أقول : بأنّ الوهابيّة السلفيّة تكفّر أُمّة الحبيب المصطفى صلىاللهعليهوآله قاطبةً ، وتخرج الجميع ؛ السنّة والشيعة ، من الإسلام. ويستعملون (الإرهاب الفكري) بالسبّ والشتم والتكفير ، ويستعملون (الإرهاب العملي) بالحرب والقتل والهدم والتدمير ، فلا يسلم أحد من المسلمين على وجه الأرض!
فالشيعة كفّار ومشركون ، والسنّة كفّار متمذهبون إلاّ مَنْ لحقهم وتبع إمامهم محمد بن عبد الوهاب ، وهم يشدّدون النكير على الأحناف وإمامهم أبي حنيفة النعمان ، فهم شديدوا البغض لهم ؛ وذلك لأنّ الحنابلة يرون أنّ الإمام أبا حنيفة من أئمّة الضلال.
ويقول إسحاق بن منصور كوسج : قلت لأحمد بن حنبل : يؤجر الرجل على بغض أبي حنيفة وأصحابه؟ قال : إي والله.
ونقل عبد الله بن أحمد (بن حنبل) : أنّ الإمام أبا حنيفة كان جهمياً ، وأنّه كافر وزنديق ، وأنّه كان ينقض عُرى الإسلام عروة عروة ، وأنّه ما ولد في الإسلام مولود أشأم من أبي حنيفة ، وأنّه استتيب من الكفر مرتين (1).
وأمّا حديث الصوفية والتصوّف مع الوهابيّة فهو طويل وشائك ؛ فقد حرّم محمد بن عبد الوهاب الذكر كلّه ، ومنع من الاجتماع لأجل الذكر وقراءة القرآن ، وجلد وربما قتل مَنْ يجهر بالصلاة على النبي محمد صلىاللهعليهوآله رغم أنّها تُذهب النفاق وتطرد الشياطين ، فعلوا كلّ ذلك لقهر ومحاربة الصوفية والتصوّف كلّه.
ولذا فإنّ العلماء من كلّ المذاهب كتبوا وردّوا على الوهابيين بكلّ قوّة واقتدار وما زالوا يفعلون.
وقفة لسليمان بن عبد الوهاب مع أخيه :
أوّل مَنْ بادر إلى الرّد على محمد بن عبد الوهاب أخوه سليمان بن عبد الوهاب في كتاب أسماه (الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابيّة) يقول فيه بعد شرح لاُصول الدين : (إذا فهمتم ما تقدّم فإنّكم الآن تكفّرون مَنْ شهد أن لا إله إلاّ الله وحده ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وصام رمضان ، وحجّ البيت ، مؤمناً بالله وملائكته ، وكتبه ورسله ، ملتزماً لجميع شعائر الإسلام ، وتجعلونهم كفّاراً وبلادهم بلاد حرب.فنحن نسألكم : مَنْ إمامكم في ذلك؟
وممّنْ أخذتم هذا المذهب؟
إلى أن يقول : ولكن من أين لكم أنّ المسلم الذي يشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمداً عبده ورسوله إذا دعا غائباً أو ميتاً ، أو نذر له ، أو ذبح لغير الله ، أو تمسّح بقبرٍ ، أو أخذ ترابه أنّ هذا هو الشرك الأكبر الذي مَنْ فعله حبط عمله ، وحلَّ ماله ، ودمه؟!
وأنّه الذي أراده الله سبحانه من هذه الآية : (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (2) وغيرها من القرآن! وإن قلتم : فهمنا ذلك من الكتاب والسنّة.
قلنا : لا عبرة بمفهومكم ، ولا يجوز لكم ولا لمسلم الأخذ بمفهومكم ؛ فإنّ الأُمّة مجمعة ـ كما تقدّم ـ أنَّ الاستنباط مرتبة أهل الاجتهاد المطلق ، ومع هذا لو اجتمعت شروط الاجتهاد في رجل لم يجب على أحد الأخذ بقوله دون نظر.
إلى أن يقول : ولكنّ المطلوب منكم هو الرجوع إلى كلام أهل العلم ، والوقوف عند الحدود التي حدّدوها ؛ فإنّ أهل العلم ذكروا في كلّ مذهب من المذاهب الأقوال والأفعال التي يكون بها المسلم مرتداً ، ولم يقولوا : مَنْ نذر لغير الله فهو مرتد ، ولم يقولوا : مَنْ طلب من غير الله فهو مرتد. ولم يقولوا : مَنْ ذبح لغير الله فهو مرتد. ولم يقولوا : مَنْ تمسّح بالقبور وأخذ من ترابها فهو مرتد ، كما فعلتم أنتم.
فإن كان عندكم شيء فبيّنوه ؛ فإنّه لا يجوز كتم العلم ، ولكنّكم أخذتم هذا بمفاهيمكم ، وفارقتم الإجماع ، وكفّرتم أُمّة محمد صلىاللهعليهوآله كلّهم حيث قلتم : مَنْ فعل هذه الأفاعيل فهو كافر ، ومَنْ لم يكفِّره فهو كافر (3).
هذا كان النموذج الأوّل. وأمّا النموذج الثاني : فهو يتضمّن الردّ من شخصين مهمّين في العالم الإسلامي ، وهي عبارة عن نصائح كتبها السيّد يوسف هاشم الرفاعي من الوجهاء المعروفين في الكويت ، وقدَّم لها الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي من كبار علماء سورية.
الدكتور البوطي وموقفه من الوهابيّة :
في مقدمة كتاب (نصيحة لإخواننا علماء نجد) يتحدّث الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ، وهو من كبار علماء سوريا ، عن أفكار هذه الجماعة التي تطلق على نفسها تارة الوهابيّة ، وتارة أُخرى السلفيّة ، وعن عقائدهم التي منها تكفير كافة المسلمين واتهامهم بأنّهم أهل البدع والضلالة وما أشبه ذلك.وإليك بعض ما جاء في هذه المقدّمة :
وما أعلم أنّ العالم الإسلامي أجمع في استيائه من أمر من الأمور في عصر من العصور كاستيائه من هذا الذي يقدم عليه الإخوة مسؤولوا المملكة وعلماؤها اليوم ، من إخلاء مكة والمدينة وما حولها من سائر الآثار المتّصلة بحياة رسول الله صلىاللهعليهوآله الشخصيّة والنبويّة ، وما تبع ذلك من الإقدام على أمور تناقض الشرع ، وتناقض المنهج الذي كان عليه السلف الصالح ، كمنع المسلمين من زيارة البقيع ومنع الدفن فيه ، وتكفير سواد هذه الأُمّة بحجّة كونهم أشاعرة أو ماتريديّين! وهل كان الإمام الأشعري إلاّ نصير السلف الصالح بإجماع الأُمّة؟!والذي زاد من هذا الاستياء الذي بلغ اليوم ذروته ، أنّ هؤلاء الإخوة الذين يقدمون على هذه الفظائع المنكرة ، ماضون ومستمرون في ذلك في صمت وقدر كبير من اللامبالاة! وقد كان أدنى ما يقتضيه الالتزام بأوليات الدين الإسلامي والبديهيات المتفق عليها من أحكامه ، أن يبدأ هؤلاء الإخوة فينشرون بياناً يأتون به على سمع العالم الإسلامي وبصره ، يوضّحون فيه الدليل على ما قد تحقّق لديهم من وجوب هدم آثار النبوّة والقضاء عليها ، وملاحقتها بالمحو أيّاً كانت وأينما وجدت ، ومن ثمّ يعلنون عن عزمهم ـ بناء على ذلك ـ على تنفيذ ما يقتضيه الحكم الشرعي المقرون بدليله.
ولقد كنت ولا أزال واحداً من ملايين المسلمين الذين تأخذهم الدهشة لهذا الذي يجري في مكة والمدينة ، تحت أبصار المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، مع الاستخفاف بمشاعرهم وعلومهم ومعتقداتهم ، ودون تقديم أي معذرة بين يدي مغامراتهم العجيبة هذه ، من حجّة علمية يتمسّكون بها ، أو اجتهاد ديني حقّ لهم أن يجنحوا إليه!
بل لقد آثرت تحت تأثير هذه الدهشة أن أبدأ فأتّهم نفسي بالجهل ، وأن أفترض في معلوماتي الشرعية خطأ توهّمته صواباً ، أو حكماً غاب عنّي علمه ، وذلك ابتغاء المحافظة على ما هو واجب من حسن الظنّ بالإخوة المسلمين ، لا سيما العلماء منهم ، ما اتّسع السبيل إلى ذلك ؛ فرحت أنبش سيرة السلف الصالح وموقفهم ، بدءاً من عصر الصحابة فما بعد ، وأستجلي من جديد موقفهم من آثار النبوّة ؛ سواء منها العائدة إلى شخص رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أو ذات الدلالة على رسالته ونبوّته ، فلم أجد إلاّ الإجماع بدءاً من عصر الرسول صلىاللهعليهوآله على مشروعية التبرّك بآثاره ، بل رأيت الصحابة كلّهم يسعون ويتنافسون على ذلك. ولا ريب أنّ مشايخ نجد يعلمون ما نعلمه جميعاً من ورود الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما ، المتضّمنة تبرّك الصحابة بِعرَق رسول الله وشعره ، ووضوئه وبصاقه ، والقدح الذي كان يشرب فيه ، والأماكن التي صلّى فيها ، وجلس أو قال فيها.
ولا نشك في أنّهم يعلمون كما نعلم أنّ عصور السلف الثلاثة مرّت شاهدةً بإجماع على تبرّك اُولئك السلف بالبقايا التي تذكّرهم برسول الله صلىاللهعليهوآله من دار ولادته ، وبيت خديجة رضياللهعنها ، ودار أبي أيوب الأنصاري التي استقبلته فنزل فيها في أيّامه الأولى من هجرته إلى المدينة المنوّرة ، وغيرها من الآثار كبئر أريس وبئر ذي طوى ودار الأرقم.
ثمّ إنّ الأجيال التي جاءت فمرّت على أعقاب ذلك كانت خير حارس لها ، وشاهد أمين على ذلك الإجماع.
ثمّ إنّ العالم الإسلامي كلّه يُفاجأ اليوم بهذه البدعة التي يمزّق بها إخوتنا مشايخ نجد إجماع سلف المسلمين وخلفهم إلى يومنا هذا ؛ فدار ولادة رسول الله تُهدّم وتُحوّل إلى سوق للبهائم ، ودار ضيافة رسول الله صلىاللهعليهوآله في المدينة تحوّل إلى مراحيض! وتمرّ أيدي المحو والتدمير على كلّ الآثار التي تناوبت أجيال المسلمين كلّهم شرف رعايتها والمحافظة عليها.
والأعجب من هذا كلّه أنّ مشايخ نجد يرون مدى استنكار العالم الإسلامي وغليانه الوجداني لهذه البدعة التي تزدري إجماع المسلمين من قبل ، وتستخفّ بمشاعرهم الإيمانية دون أن يتوجّهوا إليهم بكلمة يبرّرون فيها عملهم ، ويشرحون فيها وجهة نظرهم. إذ المفروض إذا كانوا هم المصيبون في عملهم هذا ، وعلماء العالم الإسلامي قاطبة جاهلون ومخطئون أن يتوجّهوا إليهم ببيان هذا الذي يعرفونه ؛ حتّى يتنبهوا إلى خطئهم ، ويتحوّلوا إلى الصواب الذي امتازوا وانفردوا عن العالم كلّه بمعرفته ، وبذلك يكسبون أجر هدايتهم وإرشادهم إلى الحقّ الذي تاه عنه المسلمون خلال أجيالهم المتصرّمة كلّها.
وجاء في مكان آخر من حديثه عن أفكار هذه الجماعة :
فهلاّ تلمّستم يا علماء نجد مكان محبّة الله ورسوله من أفئدتكم ، وهلاّ استنبتّم هذه المحبّة أن رأيتموها ضامرة بمزيد من ذكر الله عزّ وجل ، إذن لدفعكم هذا الحبّ ـ والله ـ إلى حراسة آثار النبوّة وصاحبها بدلاً من محوها والقضاء عليها ، ولسلكتم في ذلك مسلك السلف الصالح (رضوان الله عليهم) ، وإذن لأقلعتم عن ترديد تلك الكلمة التي تظنّونها نصيحة وهي باطل من القول ، وتحسبونّها أمراً هيّناً ، وهي عند الله عظيم ، ألا وهي قولكم للحجيج في كثير من المناسبات : إيّاكم والغلو في محبّة رسول الله!
ولو قلتم ، كما قال رسول الله : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، لكان كلاماً مقبولاً ، ولكان ذلك نصيحة غالية. أمّا الحبّ الذي هو تعلّق القلب بالمحبوب على وجه الاستئناس بقربه والاستيحاش من بعده فلا يكون الغلوّ فيه عندما يكون المحبوب رسول الله صلىاللهعليهوآله إلاّ عنواناً على مزيد قرب من الله ، وقد علمنا أنّ الحبّ في الله من مستلزمات توحيد الله تعالى. ومهما غلا محبّ رسول الله صلىاللهعليهوآله في حبّه له أو بالغ فلن يصل إلى أبعد من القدر الذي أمر به رسول الله صلىاللهعليهوآله إذ قال فيما اتّفق عليه الشيخان : لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ماله وولده والناس أجمعين ، وفي رواية البخاري : ومن نفسه.
وإذا ازدهرت قلوبكم بهذه المحبّة فلسوف تعلمون أنّها مهما تلظّت بهذه المحبّة ، فلسوف تظلّ متقاصرة عن الحدّ الذي يستحقه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولسوف تنتعش نفوسكم لمرأى آثار النبوّة إن كان قد بقي منها بقيّة لديكم اليوم بدلاً
من أن تكرهوها ، وتسعوا سعيكم الحثيث للتخلّص منها وللقضاء عليها (4)!
نصيحة لإخواننا علماء نجد :
صاحب هذا الكتاب هو (يوسف بن السيّد هاشم الرفاعي) وهو من الوجهاء المعروفين في الكويت ، يبيّن في كتابه معاناته وآراءه تجاه هذه الجماعة أتباع محمد بن عبد الوهاب.
أخي القارئ : تأمّل في هذه الكلمات أو سميّها النصائح ، ترى كيف هذه الجماعة تكفّر كافة المسلمين ، وأنّهم جماعة شاذّة ومنبوذة من كافة المذاهب الإسلاميّة. فتعالوا معنا يا كرام ؛ لكي نقف ببصيرة مع بعض هذه الكلمات التي اقتطفناها من هذا الكتاب التي سمّاها المؤلف (نصيحة).
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسّلام على سيّدنا رسول الله وعلى آله وصحبه الكرام ومَنْ والاه.
وبعد ، فانطلاقاً من قول النبي (صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه) : «الدين النصيحة». قلنا : لِمَنْ؟ قال : «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم» (5).
فبعد صدور كتابي (الردّ المحكم المنيع) وصدور عدّة كتب لأهل العلم انتظرت لعلّه ينصلح أو يتغيّر شيء من تصرّفاتكم وأساليبكم ، ولكن لم يحصل من ذلك شيء.
وحيث إنّ الله تعالى يقول في سورة العصر :
(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (6) ؛ فقد عزمت بعد الاستخارة أن أتوجّه إليكم بهذه النصيحة التي أرجو أن تكون مقبولة ، سائلاً المولى تعالى أن يُرينا وإيّاكم الحقّ حقّاً ويرزقنا اتّباعه ، وأن يُرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، وأن لا يجعله علينا متشابهاً فنتّبع الهوى ، والله الهادي للصواب.
فأقول وبالله التوفيق :
1 ـ لا يجوز اتّهام المسلمين الموحّدين الذين يصلّون معكم ، ويصومون ويزكّون ، ويحجّون البيت ملبّين مردّدين : لبيك اللّهمّ لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
لا يجوز شرعاً اتّهامهم بالشرك كما تطفح كتبكم ومنشوراتكم ، وكما يجأر خطيبكم يوم الحجّ الأكبر من مسجد الخيف بمنى صباح عيد الحجّاج وكافة المسلمين ، وكذلك يروّع نظيره في المسجد الحرام يوم عيد الفطر بهذه التهجّمات والافتراءات أهل مكة والمعتمرين ، فانتهوا هداكم الله تعالى ، وترويع المسلم حرام ، لا سيما أهالي الحرمين الشريفين ، وفي هذا المعنى نصوص شريفة صحيحة.
2 ـ لقد كفّرتم الصوفيّة ثمّ الأشاعرة ، وأنكرتم واستنكرتم تقليد واتّباع الأئمّة الأربعة (أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل) في حين أنّ مقلّدي هؤلاء كانوا يمثّلون السواد الأعظم من المسلمين ، كما إنّ المنهج الرسمي لدولتكم والذي وضعه الملك عبد العزيز ينصّ على اعتماد واعتبار المذاهب الأربعة ، فانتهوا هداكم الله تعالى (7).
ومَنْ كان كافراً بعد إسلامه فهو في حكم المرتدّ الذي يُباح دمه ، فتذكّروا حديث نبيّكم المصطفى صلىاللهعليهوآله : «لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» (8).
3 ـ بعد أن فرغتم ممّن سبق ، سلّطتم من المرتزقة الذين تحتضنونهم مَنْ رَمَى بالضلال والغواية الجماعات والهيئات الإسلاميّة العاملة في حقل الدعوة ، والناشطة لإعلاء كلمة الله تعالى ، والآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر كالتبليغ ، والإخوان المسلمين ، والجماعة (الديوبندية) التي تمثّل أبرز علماء الهند
1 ـ في هذه الأيام بدأ النظام السعودي يتقرّب من باقي الفرق الإسلاميّة ؛ كالإمامية الاثني عشرية ، والإسماعيلية ، والزيدية وغيرها تحت عنوان المصالحة الوطنية ، وقد عكست الدولة السعودية ذلك في الإعلام ، ونأمل أن تكون هذه خطوة جيّدة لإعطاء باقي المسلمين في الجزيرة العربية (بلاد الحجاز) حريّتهم وحقوقهم المظلومة ، ولا سيما القاطنين في المنطقة الشرقية من بلاد الحجاز.
2 ـ رواه البخاري في صحيحه : الآية كتاب الفتن ، باب قول النبي صلىاللهعليهوآله : «مَنْ حمل علينا السّلاح فليس منّا» ، (9)
وباكستان وبنغلادش ، والجماعة (البريلوية) التي تمثّل السواد الأعظم من عامّة المسلمين في تلك البلاد ، مستخدمين في ذلك الكتب والأشرطة ونحوها ، وقمتم بترجمة هذه الكتب إلى مختلف اللغات وتوزيعها بوسائلكم الكثيرة مجاناً.
أمّا هجومكم على الأزهر الشريف وعلمائه فقد تواتر عنكم كثيراً.
4 ـ تردّدون جملة الحديث الشريف : «كلّ بدعة ضلالة» (1) بدون فهم ؛ للإنكار على غيركم ، بينما تقرّون بعض الأعمال المخالفة للسنّة النبويّة ولا تنكرونها ولا تعدّونها بدعة! سنذكر بعضاً منها فيما يلي :
5 ـ إنّكم تغلقون مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد صلاة العشاء مباشرةً وهو الذي لم يكن يُغلق قبلكم في حياة المسلمين ، وتمنعون الناس من الاعتكاف والتهجّد فيه ، وتنسون قول الله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا اُولئك مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (2).
6 ـ تفرضون على المؤذّنين الحجازيين أسلوباً معيناً في الأذان هو أسلوبكم في نجد ، وزمناً معيناً محدوداً ، وتطلبون عدم ترخيم الصوت وتحليته بنداء المسلمين لهذه الشعيرة العظيمة (الصلاة).
7 ـ تمنعون التدريس والوعظ في الحرمين الشريفين ، ولو كان المدرِّس من كبار علماء المسلمين حتّى لو كان من علماء الحجاز والإحساء ما لم يكن على مذهبكم ، وبإذن صريح منكم مكتوب ومختوم منكم فقط ، ويُمنع غيركم حتّى لو كان شيخ الأزهر الشريف ، فاتقوا الله ولا تغلوا في مذهبكم ، وأحسنوا الظنّ بإخوانكم من علماء المسلمين.
8 ـ تمنعون دفن المسلم الذي يموت خارج المدينة المنوّرة ومكّة المكّرمة من الدفن فيهما ، وهما من البقاع الطّيبة المباركة التي يحبّها الله ورسوله ، فتحرمون المسلمين ثواب الدفن في تلك البقاع الشريفة المباركة.
فعن عبد الله بن عدي الزهري عنه قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله على راحلته واقفاً بالحزورة يقول : «والله إنَّكِ لخير أرض الله ، وأحبّ أرض الله إلى الله ، ولولا أنّي اُخرجت منك ما خرجتُ» (10).
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «مَن استطاع أن يموت بالمدينة ، فليمت بها ؛ فإنّي أشفع لِمَنْ يموت بها» (11).
9 ـ تمنعون النساء من الوصول إلى المواجهة الشريفة أمام قبر النبي صلىاللهعليهوآله والسّلام عليه أسوة بالرجال ، ولو استطعتم لمنعتم النساء من الطواف مع محارمهنّ بالبيت الحرام ، خلافاً لما كان عليه السلف الصالح والمسلمون ، وتحقّرون النساء المؤمنات المحصنات القانتات ، تنهرونهنّ وتحجبونهنّ عن رؤية المسجد والإمام بحواجز كثيفة ، وتنظرون إليهنّ نظرة الشكّ والارتياب. وهذه بدعة شنيعة ؛ لأنّه إحداث ما لم يحدث في زمنه (عليه الصلاة والسّلام) والسلف الصالح ، فقد كان يلي الإمام صفوف الرجال ثمّ الصبيان ثمّ النساء ، يصلّون جميعاً وبلا حواجز خلفه (صلّى الله تعالى عليه وآله).
10 ـ أتيتم بالمرتزقة والجهّال من العابسين عند المواجهة الشريفة ، يستدبرون المصطفى صلىاللهعليهوآله بأقفيتهم وظهورهم ، ويستقبلون زواره المسلمين بوجوه عابسة مكفهرّة تنظر إليهم شزراً ، متّهمة إيّاهم بالشرك والابتداع يكادون أن يبطشوا بهم ، يوبّخون هذا وينتهرون ذاك ، ويضربون يد الثالث ويرفعون أصواتهم زاجرين متجاهلين وناسين قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ اُولئك الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (12).
كلّ هذا مع الكبر والاستمرار في إهانة أحباب المصطفى وزوّاره المؤمنين في حضرته الشريفة ، وقبالة مضجعه الشريف الذي اعتبره شيخ الحنابلة ابن عقيل أفضل بقعة على اليابسة كما نقل ذلك عنه الشيخ ابن القيم في كتابه (بدائع الفوائد) (13).
11 ـ تمنعون النساء من زيارة البقيع الشريف بلا دليل قطعي مجمع عليه من الشرع ، وتضيّقون على المسلمين في الزيارة إلاّ في أوقات محدودة وقصيرة ، حتّى إنّ بعضهم ينتهز فرصة تشييع الجنائز ليزور البقيع الشريف.
وقد منعتم المزوِّرين في المدينة المنوّرة من مرافقة الزائرين وقطعتم أرزاقهم ، وبدونهم صار الناس يتخبّطون ولا يعرفون أماكن قبور آل البيت الكرام وأُمّهات المؤمنين والصحابة ، وهذا ظلم وتعسّف ، وقهر وبطر لا يرضاه الله تعالى ورسوله الكريم ، فانتهوا هداكم الله تعالى.
12 ـ هدمتم معالم قبور الصحابة وأُمّهات المؤمنين وآل البيت الكرام رضياللهعنهم ، وتركتموها قاعاً صفصفاً ، وشواهدها حجارة مبعثرة ، لا يُعلم ولا يُعرف قبر هذا من هذا ، بل سُكب على بعضها (قبر السيّدة آمنة بنت وهب ، أُمّ الحبيب المصطفى نبي هذه الأُمّة صلىاللهعليهوآله.) (البنزين) ، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.
فهلاّ أبقيتم وسمحتم بالتحجير وهو مباح ، وارتفاع القبر شبراً وهو مباح مع الشاهدين ، فقد ثبت أنّ النبي صلىاللهعليهوآله وضع حجراً على قبر عثمان بن مظعون رضياللهعنه ثمّ قال : «أعَلّمُ بها قبر أخي وأدْفِنُ مَنْ ماتَ من أهلي» (14).
وقال خارجة بن زيد : رأيتني ونحن شبّان في زمن عثمان وأن أشدَّنا وثبةً الذي يثبت قبر عثمان بن مظعون حتّى يُجاوزه (15).
13 ـ أنشأتم مكتب استجواب ومحاكمة وتحقيق في زاوية الحرم النبويّ (القديمة سابقاً) ، وكذلك بجوار البقيع حالياً ، وصرتم تحاكمون فيها مَنْ ترقبونه يتوسّل ، أو يكثر الزيارة ، أو يخشع أو يبكي ، أو يدعو الله تعالى أمام القبر الشريف متوسّلاً به إلى الله تعالى ، حيث توجّهون لهم قائمة من الأسئلة ـ الجاهزة سلفاً ـ عن مشروعية الزيارة والتوسُّل والمولد الشريف ، فمَنْ وجدتّموه مخالفاً لذلك سجنتموه ، وألغيتم إقامته وأبعدتموه من البلاد ، مع أنّ هذه أمور تدور بين الاستحباب والإباحة عند العلماء حتّى عند الحنابلة ، فلا يجوز تكفير المسلم بها ومعاقبته.
وقد حدّثني مَنْ أثق به من السجناء أنّه كانت الأغلال في يديه طيلة فترة السجن الذي امتدّ شهراً ، وكان يتوضأ ويصلّي وهي في يده ، كما كان ممنوعاً حتّى من قراءة القرآن الكريم ، فاتقوا الله تعالى فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة.
ولا يجوز أن يكون فعل ذلك في مسجد النبي صلىاللهعليهوآله المبعوث رحمة للعالمين الذي قال : «إنّما أنا رحمةٌ مهداة» (16). وبعثه الله تعالى رحمةً للعالمين ، فكيف بالمسلمين الذين تعاملونهم هذه المعاملة القاسية المنكرة بجواره الكريم وفي مسجده الشريف ، وهو القائل (عليه الصلاة والسّلام) : «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون» (17). و «إنّ الله عزّ وجلّ حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» (18).
14 ـ سمحتم لأحد المحسنين من أهل المدينة بهدم وإعادة بناء مسجد أبي بكر في جبل الخندق على حسابه الخاص ، وبعد الهدم أوقفتم رخصة البناء ؛ لأنّكم تعتبرون زيارة المساجد السبعة في موقع معركة الخندق النازلة فيها سورة الأحزاب بدعة ، بل وتتمنون هدمها.
15 ـ تمنعون الناس من إدخال وقراءة كتاب (دلائل الخيرات) للشيخ العارف بالله محمد سليمان الجزولي الحسني في الصلوات على النبي (عليه الصلاة والسّلام) ، وكذا غيره من الكتب في حين أنّكم تعلمون ما يدخل ويعرض من الكتب والمطبوعات المنكرة شرعاً! فاتقوا الله تعالى.
16 ـ تتجسّسون وتلاحقون ، وتستجوبون وتعاقبون مَنْ يقيم مجالس الاحتفال والاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف التي تخلو من أيّ منكر في الشرع ، في حين لا تعترضون على مجالس اللّهو والطرب والغناء ومظاهرها بشتى ألوانها وأنواعها. فهل يجوز الكيل بمكيالين ، وهل تجوز إهانة المحبّ ومراضاة الفاسق المستهتر؟.
17 ـ تمنعون الأئمّة من (القنوت) في المساجد في صلاة الصبح وتعتبرونه بدعة ، علماً بأنّه ثابت شرعاً لدى إمامين من الأئمّة الأربعة : هما الشافعي ومالك ، فلماذا فرض الرأي الواحد ، والتضييق على المسلمين؟! فاتقوا الله تعالى.
18 ـ لا تعهدون بالإمامة في الحرمين الشريفين إلاّ لأحدكم (من نجد) ، وتحظرونها على مَنْ سواكم من علماء الحجاز والإحساء وغيرهم ، فهل هذا من العدل أو من الدين بالضرورة؟! فاتقوا الله تعالى ، وأقسطوا إنّه تعالى يحبّ المقسطين.
19 ـ أعملتم معولكم في هدم آثار النبي (عليه الصلاة والسّلام) والصحابة الكرام في المدينة المنوّرة خاصّة والحرمين الشريفين عامّة ، حتّى كاد أن لا يبقى منها إلاّ المسجد النبوي الشريف وحده ، في حين أنّ الأُمم تعتزّ وتحتفظ بآثارها ، ذكرى وعبرة ودليلاً على ماضيها التليد ، وترى أنّ كلّ أثر يقصد للاطّلاع والزيارة شرك بالله تعالى ... والله تعالى أمرنا بأن نسير في الأرض ؛ لننظر آثار المشركين فنعتبر بها ، كعاد وثمود الموجودة في (ديار صالح ـ العلا قرب المدينة المنوّرة) ، والتي لا تزال مزاراً للسائحين ، حيث قال الله تعالى : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (19).
والتدقيق في جوازه ، بينما غير المسلم يكرم ويحترم ويعامل معاملة حسنة ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
علماً أنّ المذهب الإمامي الاثني عشري أيضاً يعتبر (القنوت) في كافة الصلوات مستحبّاً.
وقال تعالى : (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (20).
وقال تعالى : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) (21).
فلماذا تحرمون المسلمين من مشاهدة معالم وآثار معركة بدر وأُحد ، والحديبية وحنين والأحزاب ، وغيرها من (أيّام الله) التي نصر بها رسوله وعباده الصالحين ، وهزم الشرك والمشركين؟ فاتّقوا الله وكونوا من أولي الألباب لعلكم ترحمون.
20 ـ آويتم (ناصر الألباني) ونصرتموه ، وسمحتم له بنشر كتابه (أحكام الجنائز وبدعها) الذي طالب فيه جهاراً بإخراج قبر المصطفى صلىاللهعليهوآله من المسجد الشريف (22) ، وعيّنتموه عضواً في المجلس الأعلى للجامعة الإسلاميّة في المدينة المنوّرة وأستاذاً بها ، ولمّا أخرجه الملك فيصل مع بعض أتباعه وطردهم ، أعدتموه إلى نفس المنصب بعد ذلك ، ولا تزال كتبه الكاسدة مفسوحاً لها ومشجّعة
عندكم ، في الوقت الذي منعت فيه بعض كتب حجة الإسلام الغزالي وأبي الحسن الندوي وعبد الفتاح أبو غدة والمالكي وسعيد حوى والبوطي وغيرهم من علماء المسلمين ، فأين العدل والقسط؟.
21 ـ احتضنتم تلميذ الألباني ووكيله في الكويت (عبد الرحمن عبد الخالق) ووجهتم أبتاعكم إليه وأمددتموه بالمدد الكامل ، واعتبر كل الصوفية زنادقة باطنيين وضالّين، ولو كان منهم من اثنى عليه وزكّاه ابن تيمية وابن رجب والذهبي وبقية مشايخكم المعتمدين عندكم ، وفي الحديث القدسي الصحيح : «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب»(23). فاتقوا الله تعالى وانتهوا.
22 ـ تنتهزون كلّ عام فرصة صيانة وصباغة وترميم المسجد النبويّ الشريف ؛ لتزيلوا كثيراً من المعالم الإسلاميّة الموجودة في خلوة المسجد الشريف من الآثار والمدائح النبويّة ، فقد طمستم كثيراً من أبيات البردة النبويّة للبوصيري ، وقد أردتم طمس البيتين الشهيرين ، المكتوبين على الشباك الشريف ، الواردين في قصّة العتبي كما ذكرها ابن كثير في التفسير (24) :
يا خيرَ مَنْ دُفنت بالقاعِ أعظمه / فطابَ من طيبهنّ القاعُ والأكَمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكنه / فيهِ العفافُ وفيهِ الجودُ والكرمُ
لولا أن نهاكم الملك فهد عندما بلغه الأمر وأمر بإعادتها ، فما هذا الجفاء والصد عن نبيّكم الكريم صلىاللهعليهوآله وهو الواسطة بينكم وبين ربّكم تعالى؟ ما الأمر الذي بينكم وبينه؟ وكأنّكم نسيتم قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (25) ، وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً) (26).
23 ـ سمحتم للمدعو مقبل بن هادي الوادعي ، المعروف بكثرة سبابه وطعنه على مخالفيه من العلماء ، والدعاة إلى الله وصلحاء هذه الأُمّة ، كما تشهد بذلك كتبه وأشرطته ، أن يتقدّم ببحث في نهاية دراسته الجامعية في الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة ، بعنوان : (حول القبّة المبنيّة على قبر الرسول صلىاللهعليهوآله) ، وإشراف الشيخ حماد الأنصاري ، طالب فيها جهاراً نهاراً بإخراج القبر الشريف من المسجد النبويّ ، واعتبر وجود القبر والقبّة الشريفة بدعة كبيرة ، وطالب بإزالتها وهدمها! ومنحتموه على ذلك درجة الفوز والنجاح!
فهل تكرّمون مَنْ يحادّ رسول الإسلام ، حبيب الله ، رحمة للعالمين وخليله (عليه الصلاة والسّلام)؟!
وقد وجّه هذا الرجل المئات من أتباعه ومقلديه ونحوهم ممّنْ تأثر بمذهبكم ، ووجّههم وهم حاملوا السّلاح إلى هدم ونبش قبور المسلمين الصالحين في عدن باليمن منذ سنوات قليلة ، فعاثوا في الأرض فساداً وخراباً ، فنبشوا قبور الموتى بالمساحي ونحوها حتّى أخرجوا عظام بعض الموتى وانتهكوا حرماتهم ، وأثاروا فتنة عمياء ، وبلغنا أنّهم استخدموا في ذلك المتفجرات (الديناميت) في بعض المواضع في اليمن (وهذا كلّه في صحيفة أعمالكم)!
24 ـ سمّيتم المصحف الشريف الذي أمر بطبعه الملك فهد بـ (مصحف المدينة النبويّة) بدلاً من أن يسمّى (مصحف المدينة المنوّرة) ، وكأنّكم لا تقرّون أنّ هذه المدينة المباركة قد استنارت بل استنارت الدنيا كلّها ببعثة ورسالة سيّدنا محمد (عليه الصلاة والسّلام) ، وقديماً هتفت جواري الأنصار عند هجرته الشريفة مرحّبات :
طلعَ البدرُ علينا / من ثنيّاتِ الوداع
وجبَ الشكرُ علينا / ما دعا للهِ داع
فهو البدر والقمر والنور ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً) (27) ، وقال سبحانه : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (28).
وارجعوا إلى كتب التفاسير وهي كثيرة ؛ لتروا أنّهم فسّروا النور في الآية الشريفة بأنّه المصطفى (عليه الصلاة والسّلام) ، وهنا لا نجادلكم في نور ذاته الشريفة ، بل نقول : إنّه (عليه الصلاة والسّلام) كان نوراً ورحمة بما جاء به من كتاب وسنة وهداية ، قال تعالى : (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (29).
25 ـ في الوقت الذي تفصلون النساء عن ذويهنّ ومحارمهنّ في المسجد النبوي بحجّة الغيرة على العرض والدين ، توقفون الرجال من أتباعكم أمام مداخل النساء يستشرفونهنّ وكأنّهم معصومون عن كلّ ما يصدر عن غيرهم ، كما أنّكم توقفون مراقبيكم من الرجال بين صفوف الطائفين والطائفات من الحجّاج والمعتمرين يستشرفون وجوه النساء ويطالبونهنّ بالحجاب ، خلافاً لما عليه الجمهور من وجوب كشف الوجوه عند أداء هذه الشعيرة.
26 ـ لا تعترضون على مَنْ يُرعب المسلمين الموجودين في الحرم المكي ويحقّق معهم ، ثمّ يقبض عليهم إذا لم يجد معهم (سند الإقامة) ، خلافاً لقول الله تعالى عن الحرم الشريف : (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) (30) ، وهو أيضاً ممّا يشوّش ويعكّر الصفو والهدوء ، والسكينة والهيبة على المعتكفين والركّع السجود.
27 ـ تمنعون وتمتنعون في المحاكم الشرعية عن إبرام عقود الزواج ، والنكاح بين المسلمين والمسلمات لكلّ مسلم غريب ومسلمة إذا كان زائراً ولا يملك سند الإقامة الدائم ، وهذه بدعة وظلم ، وفي ذمتكم لو ارتكب ما هو محرّم شرعاً.
28 ـ ترفضون أن تسجّلوا أي طالب للدراسات العليا في جامعاتكم إلاّ بعد أن تمتحنونه في ما تسمّونه بـ (العقيدة الصحيحة) ، ولا تكتفون بأنّه مسلم من عامّة المسلمين الموحّدين ، وهذه عصبية ممقوتة.
29 ـ إذا اختلف معكم أحد في موضوع ، أو أمر فقهي أو عقدي ، أصدرتم كتاباً في ذمّه وتبديعه أو تشريكه ، ومع هذا لا تمنحونه حقّه في الدفاع عن نفسه وتبرئتها من ذلك.
30 ـ سعيتم لبدعة كبيرة لم تسبقوا إليها حتّى من أسلافكم في العقيدة والمنهج ، وهي أنّكم سعيتم لغلق وقفل البقيع الشريف ، ومنع الدفن فيه ، ونقل دفن الأموات الجدد إلى موقع آخر بعيد عن موقع الشرك والبدع في رأيكم ؛ ولمنع الناس من الدخول إلى البقيع وزيارة مَنْ فيه من الآل والصحابة والتابعين وبقيّة الصالحين ، ولكنّ الله تعالى أحبط مسعاكم.
31 ـ رضيتم ولم تعارضوا هدم بيت السيّدة خديجة الكبرى ، أُمّ المؤمنين والحبيبة الأولى لرسول ربّ العالمين صلىاللهعليهوآله ، المكان الذي هو مهبط الوحي الأوّل عليه من ربّ العزّة والجلال ، وسكتّم على هذا الهدم راضين أن يكون المكان بعد هدمه دورات مياه وبيوت خلاء ، وميضآت!
فأين الخوف من الله تعالى؟ وأين الحياء من رسوله الكريم (عليه الصلاة والسّلام)؟!
32 ـ حاولتم ولا زلتم تحاولون ، وجعلتم دأبكم هدم البقيّة الباقية من آثار رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ألا وهي البقعة الشريفة التي ولد فيها والتي هُدّمت ، ثمّ جُعلت سوقاً للبهائم ، ثمّ حوّلها بالحيلة الصالحون إلى مكتبة هي : (مكتبة مكة المكّرمة) ، فصرتم ترمون المكان بعيون الشرّ والتهديد ، والانتقام وتتربصون به الدوائر ، وطالبتم صراحة بهدمه واستعديتم السلطة وحرّضتموها على ذلك ، بعد اتخاذ قرار بذلك من هيئة كبار علمائكم قبل سنوات قليلة ، (وعندي شريط صريح بذلك). فيا سوء الأدب ، وقلّة الوفاء لهذا النبيّ الكريم الذي أخرجنا الله به وإيّاكم والأجداد من الظلمات إلى النور! ويا قلّة الحياء منه يوم الورود على حوضه الشريف! ويا بؤس وشقاء فرقة تكره نبيّها ؛ سواء بالقول أو بالعمل ، وتحقّره وتسعى لمحو آثاره! والله تعالى يقول لنا : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) (31).
والله تعالى يقول ممتنّاً على بني إسرائيل بطالوت وموسى وهارون : (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (32).
وقال المفسرون : إنّ البقية المذكورة هي عصا موسى ونعلاه و ... الخ.
واقرؤوا إن شئتم الأحاديث الصحيحة الواردة فيما يتعلق بآثار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واهتمام الصحابة بها المذكورة في ثنايا أبواب صحيح البخاري ، ففيه الكفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وفيه الغنية لقوم يعقلون ويتدبرون.
33 ـ ضيّقتم ثمّ أوصدتم وأقفلتم باب النصيحة من المسلمين لأئمّتهم وحكّامهم ، وأفتيتم بمعصية مَنْ يخالف ذلك ، وعاديتموه في الوقت الذي فيه المسلمون وحكّامهم بأمسِّ الحاجة إلى الوعظ والنصيحة بالحسنى ، وصلّى الله تعالى على القائل : «الدين النصيحة». قلنا لِمَنْ؟ قال : «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم» (33).
34 ـ منعتم الدروس إلاّ دروسكم ، والمذاهب إلاّ مذهبكم ، والوعظ إلاّ وعظكم ، والدعاة إلاّ دعاتكم ، فعتطّلت مجالس العلم ، ودرست محافل الوعظ ، وخوت حلقات القرآن ، واستخفت مجالس الذكر ، فماذا غداّ أنتم لربّكم قائلون ، يوم يقول : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (34)؟
35 ـ أنشأتم جامعة في المدينة المنوّرة سمّيتموها (الجامعة الإسلاميّة) بجوار سيّد المرسلين صلىاللهعليهوآله ، فهرع الناس والعلماء إليها بفلذّات أكبادهم وأبنائهم مسرعين فرحين ؛ لينهلوا من هذا المنبع ، ظانّين أنّها ستزيدهم محبّة واتّباعاً لحبيبهم صلىاللهعليهوآله وآله الطيّبين وأصحابه والتابعين ، فإذا بكم تدرّسونهم كيف يجافونه ويجافونهم أجمعين. وتجعلون الطلاب على بعضهم يتجسسون ؛ لينقلوا إليكم أسماء وأخبار مَنْ سمّيتموهم (القبوريّين) الذين يكثرون الزيارة والسّلام على سيّد المرسلين ورحمة الله للعالمين ؛ حتّى يكونوا من المحارَبين المنبوذين المفصولين ، إلاّ مَنْ والاكم وأطاعكم فهو وحده الصادق الأمين.
ومَنْ تخرّج بكم وتشرّب بآرائكم من الناجحين ، صرتم ترسلونهم إلى بلادهم وكلاء عنكم منذرين ومبشّرين ؛ لتجديد إسلام آبائهم وأقوامهم الضالّين بزعمكم ، وتُغدقون عليهم الرواتب ، وتفتحون لهم المكاتب ، وتفسحون الميادين ، فتقوم القيامة وينشب الخلاف والعداء بينهم وبين العلماء والصلحاء من آبائهم وشيوخهم السابقين ، وكأنّهم قنابل موقوتة عبّأتموها وملأتموها بكلّ سوء ظنّ وحقد دفين ؛ ممّا جعل البلاد الإسلاميّة وخاصّة إفريقيا وآسيا ساحة للمعارك والخلافات بين المسلمين ، بل وصل الأمر هذا إلى البلدان الإسلاميّة التي استقلّت حديثاً من روسياً ، وإلى الأقلّيات والجاليات المسلمة في أوروبا وأمريكا واستراليا وغيرها ، فإلى الله المشتكى.
36 ـ إنّ ما يحصل من مذابح ومجازر ، ومآسٍ تشوّه سمعة الإسلام وتفتك بالمسلمين ، خاصّة كالتي في الجزائر ومصر ، أو التي حدثت في الحرم المكي ، ما هي إلاّ ثمرة خرِّيجيكم وآرائكم ، وقراءة كتبكم ومطبوعاتكم التي بُنيت على التكفير والتشريك ، والتبديع وسوء الظنّ بالمسلمين ..
37 ـ تتّهمون المخالفين لكم من المسلمين بأنّهم جهمية أو معتزلة مارقون ، وأنتم الجهمية ؛ لأنّكم وافقتموهم في بعض آرائهم ، وحقّاً أنتم المعتزلة ؛ لأنّكم شاركتموهم في إنكار الولاية والأولياء والكرامة والكرامات ، وحياة الموتى وتحكيم العقل في المغيّبات من أمور الدين.
وقديماً قيل : رمتني بدائها وانسلَّت ، وقيل :
لا تنهَ عن خلقٍ وتأتيَ مثله / عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ
فهل أنتم للحقّ سامعون؟!
38 ـ تعملون عمل الخوارج ، فإذا جاءكم أحد من المسلمين ، وخاصّة طلبة العلم ، تبدؤون في عقيدته أصحيحة عندكم أم لا؟ ما تقول في كذا ، وكذا ، وأين الله؟ و ...؟
وهكذا كان يعمل الخوارج فيما سبق ، فكانوا إذا جاءهم ، أو مرَّ بهم المسلم الموحّد امتحنوه ، فإذا خالفهم قتلوه ، أمّا المشرك أو الكافر فيتلطّفون به ويتلون الآية : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) (34) ، (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (35).
39 ـ كان للمذاهب الأربعة في الحرم المكي منابر فهدّمتموها ، ثمّ كراسي للتدريس فمنعتموها.
40 ـ كان هناك أثر (مبرك للناقة) ناقة النبي صلىاللهعليهوآله في مسجد (قباء) يوم قدومه مهاجراً إلى المدينة ، في مكان نزل فيه قوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (36) ، فأزلتم هذا الأثر ، وكنّا نشاهده حتّى وقت قريب.
41 ـ وكان في مسجد القبلتين علامة على القبلة القديمة إلى المسجد الأقصى المنسوخة ، فأزلتموها باعتبارها بدعة.
42 ـ أزلتم بُستان الصحابي سلمان الفارسي رضياللهعنه حيث كانت هناك نخلة غرسها النبي صلىاللهعليهوآله ، ورَدَمْتُم بئر (العين الزرقاء) قرب قباء ، وبئر أريس (بئر الخاتم) ، ومنعتم مشاهدة بئر رومة التي اشتراها عثمان من اليهودي ، وهناك آثار كثيرة هامّة ؛ إمّا أزيلت كلّية ، أو غُيرت معالمها.
43 ـ وكان لأهل الإحساء من أصحاب المذاهب الأربعة مدارس خاصّة لكلّ مذهب أغلقتموها ومنعتم التدريس فيها ؛ لأنّه لا يجوز عندكم تدريس ما سوى مذهبكم في المدارس التي تشرفون عليها للذكور والإناث ، ولمّا صاروا يقيمون بعض الدروس في بيوتهم راقبتموهم وضايقتموهم ، وحاصرتموهم وتجسّستم عليهم. فهل هذه أعمال الدعاة الأبرار ، والرجال الأخيار ، التقاة الزهّاد ، الورعين الخائفين من الله تعالى القائل : (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (37)؟!
والقائل : (أَلا يَظُنُّ اُولئك أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (38).
44 ـ وضعتم معاولكم في بيت الصحابي الجليل (أبي أيوب الأنصاري) الذي استضاف فيه النبي صلىاللهعليهوآله عند قدومه المدينة المنوّرة قبل بناء حجراته الشريفة ، وقد حافظت عليه كلّ العهود السابقة بما فيها عهد أسلافكم ، فهدمتم هذا الأثر الشريف الذي كان في قبلة محراب المسجد النبوي الشريف ؛ وذلك بزعم أنّ المسلمين (المشركين) يتبرّكون به!
45 ـ كما ردمتم (بيرحاء) التي دخلت في التوسعة ، ولم تتركوا عليها أثراً أو علامة ، كأثر دخله النبي صلىاللهعليهوآله ورد ذكره في صحيح البخاري (39) وغيره.
ولم تبقوا في المدينة المنوّرة من آثار المصطفى وأصحابه غير المسجد النبوي وحده ، فهلاّ التفتم لخيبر وغيرها ، وهل يجوز أن نقلّد اليهود في إزالتهم لكلّ أثر إسلامي في القدس الشريف فنزيل آثارنا في المدينة المنوّرة؟!
وماذا أبقيتم للأجيال القادمة من تراثنا المجيد؟!
46 ـ وتوسّعتم في إصدار الأحكام باسم الشرع الحنيف في قتل المخالفين لكم من أصحاب الرقية والعلاج الروحي ، وسمّيتموهم (سحرة) ، ولم تفرّقوا بين المحقّين منهم وبين المبطلين منهم ، وتركتم لأنفسكم مطلق الفتوى والحكم بذلك ، فأسلتم دماء الكثيرين من الأبرياء بحجّة أنّهم سحرة تُستباح دماؤهم ، متناسين قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ) ، وقول البشير النذير صلىاللهعليهوآله : «أوّل ما يقضى به بين الناس يوم القيامة في الدماء» (40).
فقفوا عند الحدود وادرؤوها بالشبهات ، واتّقوا يوم يُقتص للجماء من القرناء ، (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً) (42) ، (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (43).
هذه مقتطفات من الرسالة التي وجّهها السيّد هاشم الرفاعي ، فهل من مدافع عن مظلومية أتباع أهل البيت عليهمالسلام؟ المصادر :
1- السلفية والوهابيّة ص 73 ، عن كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل.
2- سورة الأنعام : الآية 88.
3- الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابيّة ص 46 وما قبلها.
4- نصيحة لإخواننا علماء نجد ص 8 مع الإجمال.
5- رواه مسلم في صحيحه 1 ص 74 كتاب الإيمان ، باب بيان أنّ الدين النصيحة رقم (55) عن تميم الداري.
6- سورة العصر.
7- جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه 1 ص 592 كتاب الجمعة ، باب تخفيف الصلاة والخطبة ح 867 عن جابر بن عبد الله رضياللهعنه.
8- سورة البقرة : الآية 114.
9- الفتح 13 ص 29 ح 7077 ، 7080 ، ومسلم في صحيحه 1 ص 82 كتاب الإيمان ، باب معنى قول النبي صلىاللهعليهوآله : «لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» ، ح 66 ، 65.
10- رواه أحمد في مسنده 4 ص 305 ، والترمذي في سننه 5 ص 722 كتاب المناقب ، باب فضل مكة ح 3925 وقال : حديث حسن غريب صحيح ، ورواه النسائي في سننه الكبرى 2 ص 479 ، وابن ماجه في سننه 2 ص 1037 كتاب المناسك ، باب فضل مكة ح 3108 ، وابن حبان في صحيحه 9 ص 22 كتاب الإحسان ح 3708 ، والحاكم في المستدرك 3 ص 7 ، والحزورة : التل أو الربوة الصغيرة.
11- رواه أحمد في مسنده 2 ص 74 ، والترمذي في سننه 5 ص 719 كتاب المناقب ، باب فضل المدينة ح 3917 ، ورواه النسائي في السنن الكبرى 2 ص 488 ، وابن ماجه في سننه 2 ص 1039 كتاب المناسك ، باب فضل المدينة ح 3112 ، وابن حبان في صحيحه 9 ص 57 كتاب الإحسان ح 3741.
12- سورة الحجرات : الآية 2 ـ 4.
13- بدائع الفوائد ـ لابن القيم 3 ص 135 ـ 136
14- رواه أبو داود في سننه 3 ص 543 كتاب الجنائز ، باب في جمع الموتى في قبر ، والقبر يعلم ح 3206 ، قال الحافظ ابن حجر في (التلخيص الحبير) 2 ص 141 ، إسناده حسن.
15- رواه البخاري في صحيحه : (فتح الباري 3 ص 264) .
16- رواه البيهقي في شعب الإيمان 2 ص 164 ، وفي دلائل النبوّة 1 ص 157 ـ 158 ، والحاكم في المستدرك 1 ص 35 ، ووافقه الذهبي ، ورواه القضاعي في مسنده 2 ص 189 مرفوعاً عن أبي هريرة ، ورواه الدارمي في سننه 1 ص 21 وغيره عن أبي صالح مرسلاً ، رواه البزاز في كشف الأستار 3 ص 114 بلفظ : «إنّما بعثت رحمة مهداة». قال الهيثمي في المجمع 8 ص 257 : رواه البزاز والطبري في الصغير والأوسط ، ورجال البزاز رجال الصحيح.
17- رواه البيهقي في حياة الأنبياء ص 15 ، وأبو يعلي في مسنده 6 ص 146 ح 3425 ، والبزاز في مسنده ص 256 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 2 ص 211 : (رواه أبو يعلي والبزاز ، ورجال أبي يعلي ثقات).
18- رواه أحمد في مسنده 4 ص 8 ، وابن أبي شيبة 2 ص 516 ، وأبو داود في سننه ص 1047 ، والنسائي 3 ص 91 ـ 92 ، وابن ماجه 1 ص 1085 ، وابن حبان في صحيحه : (الإحسان 3 ص 190 ـ 191) ، وابن خزيمة في صحيحه ص 1733 ، والحاكم في المستدرك 1 ص 278 وصححه ، ووافقه الذهبي ، وصححه النووي في الأذكار (انظر الفتوحات الربّانية 3 ص 309 ـ 312).
19- سورة آل عمران : الآية 137.
20- سورة غافر : الآية 21 ـ 22.
21- سورة إبراهيم : الآية 9.
22- ر ص68 ـ 69 ، بل زاد على ذلك حين عدّ في رسالته (حجّة النبي صلىاللهعليهوآله ص137 .
23- رواه البخاري في صحيحه: (الفتح11ص348) رقم (6503) كتاب الرقاق، باب التواضع.
24- تفسير ابن كثير 2 ص 306.
25- سورة التوبة : الآية 61.
26- سورة الأحزاب : الآية 75.
27- سورة الأحزاب : الآية 45 ـ 46.
28- سورة المائدة : الآية 15 ـ 16.
29- سورة المائدة : الآية 16.
30- سورة آل عمران : الآية 97.
31- سورة البقرة : الآية 125.
32- سورة البقرة : الآية 248.
33- رواه مسلم في صحيحه 1 ص 74 ح 55 وقد تقدّم.
34- سورة الصافات : الآية 24.
35- سورة التوبة : الآية 6.
36- سورة القلم : الآية 35 ـ 36.
37- سورة التوبة : الآية 108.
38- سورة البقرة : الآية 281.
39- سورة المطففين : الآية 4 ـ 6.
40- صحيح البخاري 2 ص 126 كتاب الزكاة ، باب الزكاة على الأقارب ، وصحيح مسلم 1 ص 693 كتاب الزكاة ، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين ح 998.
41- متّفق عليه ، رواه البخاري 8 ص 138 ، ومسلم 5 ص 107 وقد تقدّم.
42- سورة النبأ : الآية 40.
43- سورة البقرة : الآية 281.