
نواقض الإسلام عند الوهابيّة كثيرة ، منها :
1 ـ مَنْ اعتقد أنّ هدي غير النبي صلىاللهعليهوآله أكمل من هديه ، أو أنّ حكم غيره أحسن من حكمه فقد أشرك (1).
فهل تعلم أنّهم خالفوا هدي رسول الله صلىاللهعليهوآله واتّبعوا هدي محمد بن عبد الوهاب وشيوخه السلفيين من قبله ؛ رغبة عن دين رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى ما جاء به محمد بن عبد الوهاب ، وما اخترعه من عقائد وأفكار ، وراحوا يحكمون الناس بالحديد والنار؟!
2 ـ مَنْ أبغض شيئاً ممّا جاء به الرسول صلىاللهعليهوآله لمشروعيته ولو عمل به فقد كفر (2).
والسلفيّة والوهابيّة تركوا سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآله وأوّلوا القرآن الكريم حسب ما أرادوا وليس كما جاء به العلماء من أئمّة المسلمين.
3 ـ مَنْ استهزأ بالله ، أو كتابه ، أو رسوله صلىاللهعليهوآله ، أو بشيء من دين الله فقد كفر (3).
وهل يوجد استهزاء بالله ـ والعياذ بالله ـ أكثر من تشبيهه بخلقه وما يقولونه بحقّه؟!
وهل هناك استهزاء بالقرآن كتأويلاتهم وآرائهم الفاسدة في تفسيره؟!
وهل سمعت سخرية واستخفافاً برسول الله صلىاللهعليهوآله كأقوالهم وأفعالهم منذ بداية دعوتهم إلى الآن؟!
وهل قرأت سخرية بالدين الحنيف أكبر ممّن يكفّر الأُمّة ويرميها بالشرك الأعظم ، ويُبيح دماءها وأعراضها وأموالها؟!
والأعظم من ذلك ما يعلّق الكاتب للبنود الماضية قائلاً : ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلاّ المكره (4).
فحكمهم الكفر بفتاواهم وكلماتهم التي يبثّونها في كتبهم التي يبيعونها بلا ثمن ، ويوزعونها مجّاناً على جميع عباد الله بخطوط أنيقة ، وطباعة راقية ، وألوان زاهية ؛ لترويج الأفكار الضالّة بين بسطاء الأُمّة الإسلاميّة.
والحرب الكافرة الأموية على رسول الله صلىاللهعليهوآله ما زالت مستمرّة ، وهم في كلّ يوم يتهجّمون عليه ، أو يحاولون الهجوم على قبره الشريف ، إلاّ أنّ الله سبحانه أخزاهم فلم يستطيعوا أن يعملوا شيئاً ، فاندفعوا إلى ذريّته الطاهرة المباركة يشتمونهم وينتقصون من قدرهم ، ويسبّون ويضربون كل مَنْ والاهم وتشيّع لهم ، لا لذنب اقترفوه إلاّ أن يكون الحبّ لمحمد وآله الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين).
فذهبوا بكلّ قوّتهم وصبّوا جام غضبهم على قبور الأئمّة والصالحين من الصحابة في البقيع فهدموها ، ونهبوا كلّ ما فيها من أموال وأضرحة ، ومشاهد عامرة بالنور والإيمان والصلوات.
حتّى الأموات محاربون
وقبل أن نستطرد بالحديث عن بقيّة الفرق لا بأس بفكرة موجزة عن رأي الإسلام بالقبور ، وبناء المشاهد ووضع الأضرحة عليها ؛ وذلك لنكون إسلاميّين واقعيّين ، ونعرف كم هو التضليل وسوء التأويل في أقوال السلفيّة.
والمصيبة أخي الكريم أن تعلم أنّهم يحاربونك كإنسان مسلم في الحياة وبعد الممات ، كيف يكون ذلك؟!
1 ـ في الحياة : إذا لم تتبعهم وتعتقد بأفكارهم ، وتنتهج طريقتهم ، وتستنَّ بسنّتهم كطول اللحية ، وقصر الدشداشة (الجلابية) ، وتكفير الأُمّة وما أشبه فإنّهم عند ذلك يوجّهون إليك سهامهم ، وأقلّ التهم عندهم الشرك الأصغر ، فإذا قلت : (يا رسول الله صلىاللهعليهوآله فذلك مصيبة عندهم ؛ فإنّها من الشرك الأكبر ، فإمّا أن تتوب أو تُقتل ، وإذا عرفوك شيعيّاً فإنّه لا توبة لك عندهم ؛ لأنّك تستعمل (التقية) ، وحكمك القتل لا محالة! فيقيّدونك بألف قيد إذا لم تكن وهابيّاً سلفيّاً.
2 ـ عند الموت : يحاربونك أيضاً ؛ لأنّ المسلمين ـ حسب زعمهم ـ لديهم منكرات يجب إزالتها مثل :
الف - الإعلان في المآذن عن موت شخص.
ب - تقديم أكاليل الزهور لوضعها على الميت.
ج - رفع الصوت بالبكاء على الميت ، أو النياحة أو لطم الخدود.
د - ذهاب النساء مع الرجال إلى المقبرة لدفن الميت.
هـ - رثاء الميت عند القبر ، ومدحه بالنثر والشعر.
و - قراءة القرآن عند القبر ، أو الذكر أو المولد.
ز - الاجتماع إلى أهل الميت في مكان معين للتعزية.
3 ـ وبعد الموت والدفن في القبر : يلاحقونك بحربهم الشرسة الخبيثة ، بحجّة أنّه :
الف - يحرم البناء على القبر ، والأحجار العالية ، وتدهينه والكتابة عليه.
ب - يحرم القيام بعمل حفلة الأربعين ، والحول للميت وتوزيع المأكولات.
ج - تحرم زيارة القبور في يوم مخصوص ، كيوم الجمعة أو العيد أو النصف من شعبان (5).
أخي الكريم ، قد تتعجّب وتقول : يا أخي ، إنّ هذا الكلام من عندك ، أو استنبطته من أعمالهم وما رأيته منهم؟
أقول لك : لا والله ، بل أنقله بكلّ أمانة ، وبالحرف الواحد تقريباً من كتاب لهم جميل وأنيق كانوا يوزّعونه على حجّاج بيت الله الحرام تحت عنوان : (معلومات مهمّة عن الدين لا يعلمها كثير من المسلمين) إعداد : محمد جميل زينو.
وكما ترى فإنّهم يحرمونك من إعلان موتك ، واتّباع أهلك لجنازتك ، والتعزية لأهلك فيك ، وحتى من قراءة القرآن ، أو مجالس الذكر والفاتحة على روحك ، ويحرمون أصدقائك وأحباءك من رثائك ؛ سواء بالشعر ، أو النثر أو إحياء أسبوعك أو سنويتك!
وكلّ ذلك مشروع ومندوب في الشريعة الإسلاميّة ، بل منها ما هو واجب ، ومنها ما هو مستحبّ مؤكّداً ؛ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله والصحابة كانوا يفعلونا احتراماً لموتاهم.
فكلّ عمل ينطوي تحت شعار (تعظيم شعائر الله) فهو واجب أو مندوب ، وكثير من الأعمال التي نحييها بخصوص الأموات والقبور هي من هذا القبيل ، فلماذا كلّ هذا التهويل والاستنكار علينا في كلّ ذلك؟ فالأُمّة الإسلاميّة منذ وفاة الشخص الأوّل من المسلمين وحتى الشهداء كانوا يوقّرون ويُزارون ويُصلّى عند قبورهم ، بل ويجمع رسول الله صلىاللهعليهوآله النساء ؛ ليبكينَ على الشهداء كعمّه حمزة عليهالسلام ، أسد الله وأسد رسوله ، وعند شهادته [في معركة أُحد ، وبكاء نساء الأنصار على شهدائهنّ] قال : «لكن حمزة لا بواكي له!» ، [فرجعت الأنصار فقلن لنسائهم : لا تبكين أحداً حتّى تبدأنَ بحمزة. قال : فذاك فيهم إلى اليوم لا يبكين ميتاً إلاّ بَدأن بحمزة] (6).
وابنته سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) كانت تزور عمّها حمزة ، وتصنع من تربته مسبحة تديرها بين أصابعها الشريفة تذكر الله بها ، فهل عرفت هنا لماذا يحاربون المسبحة ؛ لأنّها من سنن بهجة قلب المصطفى
البناء على القبور
الزيارة مكروهة ، وبالتخصيص محرّمة ، ونداؤها من الشرك ، والبناء عليها من أكبر الكبائر عند السلفيّة والوهابيّة ، كيف ، ولماذا؟
اعلم أنّ البناء على قبور الأنبياء والعباد المصطفين تعظيم لشعائر الله ، وهو من تقوى القلوب ، ومن السنن الحسنة ؛ حيث إنّه احترام لصاحب القبر ، وباعث على زيارته ، وعلى عبادة الله عزّ وجلّ بالصلاة والقراءة والذكر وغيرها عنده ، وملجأ للزائرين والغرباء ، والمساكين والتالين والمصلّين.
بل هو إعلاء لشأن الدين. فعن النبي صلىاللهعليهوآله : «مَنْ سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر مَنْ عمل بها إلى يوم القيامة» (7).
وقد بُني على مراقد الأنبياء عليهمالسلام قبل ظهور الإسلام وبعده ، فلم ينكره النبي صلىاللهعليهوآله ، ولا حتّى أحد من الصحابة والخلفاء ، كالقباب المبنية على قبر دانيال في شوشتر ، وهود وصالح ، ويونس وذي الكفل عليهمالسلام والأنبياء في بيت المقدس وما يليها ، كالجبل الذي دُفن فيه موسى عليهالسلام بالأردن ، وبلد الخليل مدفن سيّدنا إبراهيم عليهالسلام في فلسطين.
بل الحِجْرُ المبني جوار الكعبة المشرّفة على قبر سيّدنا إسماعيل عليهالسلام وأُمّه الذي صار للمسلمين مصلّى ، وأوّل مَنْ بنى حجرة قبر النبي صلىاللهعليهوآله باللبن ، بعد أن كانت مقوّمة بجريد النخل ، عمر بن الخطاب ، ثمّ تناوب الخلفاء على تعميرها (8).
وفي رواية البنائي واعظ أهل الحجاز ، عن الإمام الصادق ، عن جدّه أمير المؤمنين عليهماالسلام : «إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال للحسين عليهالسلام : والله ، لتقتلنَّ في أرض العراق وتُدفن بها. فقلت : يا رسول الله ، ما لِمَنْ زار قبورنا ، وعمّرها وتعاهدها؟ فقال : يا أبا الحسن ، إنّ الله جعل قبرك وقبر ولديك من بقاع الجنّة ، وعرصة من عرصاتها ، وإنّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه ، وصفوة من عباده تحنّ إليكم ، وتحتمل المذلّة والأذى ، فيعمّرون قبوركم ، ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلى الله تعالى ، ومودّة منهم لرسوله ، اُولئك ـ يا علي ـ المخصَّصون بشفاعتي ، الواردون حوضي ، وهم زوَّاري غداً في الجنّة. يا علي ، مَنْ عمَّر قبوركم وتعاهدها فكأنّما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس» (9).
هذا حديث رسول الله صلىاللهعليهوآله يؤكّد به على بناء المشاهد ، ورفع المراقد المقدّسة لأهل البيت عليهمالسلام ، فمن أين جاء السلفيّة والوهابيّة بقولهم : أمّا البناء على القبور فممنوع إجماعاً؟!
من أين الإجماع الكاذب وهذه البدعة جاؤوا بها بعد 1200 سنة ، ومن سُنّة رسول الله صلىاللهعليهوآله وعمل أعلام الأُمّة بالبناء على القبور الطاهرة للأولياء وعباد الله الصالحين؟!
وأزيدك أنّ الله سبحانه ذكرها بالتقدير والتعظيم لفاعلها ، هذا غير أنّها من شعائر الدين ، وذلك لما ورد في قصّة أهل الكهف وذلك بقوله تعالى : (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) (10).
كما ترى عزيزي الكريم أنّ الآية تثبت كلا الأمرين : بناء القبور ، واتّخاذها مساجد.
1 ـ ابنوا عليهم بنياناً ، أي مشهداً وبناءً عالياً ؛ ليُعرف ويُزار من قبل الغير.
2 ـ لنتّخذنّ عليهم مسجداً ، وهذا أمر واضح ببناء مسجد في ذاك المكان ، (وعليهم) واضحة للبيان على أنّ المسجد كان عليهم ، أي على قبورهم. فإذا فعل اُولئك المؤمنون الأوائل هذا الفعل وأقرّهم الله سبحانه على عملهم في كتابه الكريم ، فماذا لا يدعونا نعمّر قبور أئمّة المسلمين والعباد الصالحين ؛ لتكون مساجد يُذكر فيها اسم الله كثيراً؟!
والعجيب أنّ الوهابيّة تبني عقيدتها هذه على حديث مضطرب لم تروه كتب الصحاح المعتبرة ، وهو : عن أبي الهياج ، أو أنّ أمير المؤمنين علياً عليهالسلام بعث أبا الهياج وقال له : لأبعثنّك فيما بعثني فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله أن أسوَّي كلّ قبر ، وأن أطمس كلّ صنم (11).
فهل كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يبعث الإمام علياً عليهالسلام ليهدم قبور المسلمين في البقيع وغيره ، أم أنّه كان يبعثه ليدكّ صروح الشرك ، ويهدم أبنية الكفر ، ويكسّر أصنام العرب؟!
تلك القبور التي يُعبد أصحابها من دون الله ، وتلك الأماكن التي بُنيت للأصنام أصلاً هي التي كان يحاربها أمير المؤمنين عليهالسلام ، وليس قبور أنبياء الله وأوليائه والصالحين من عباده! لكنّ هؤلاء الوهابيّة يأخذون ما أرادوا ، ويتركون ما أراد الله وما أمر رسوله الكريم صلىاللهعليهوآله.
المصادر :
1- دليل الحاج والمعتمر ـ هيئة التوعية ص 11.
2- المصدر نفسه ص 13
3- دليل الحاج والمعتمر ـ هيئة التوعية ص 11.
4- المصدر نفسه ص 15.
5- معلومات مهمّة عن الدين ص 121 وما بعدها.
6- جمع الزوائد ـ للهيثمي 6 ص 120. (موقع معهد الإمامين الحسَنَين)
7- مسند أحمد 4 ص 361.
8- الوهابيّة ص 49 ، وفاء الوفاء 2 ص 647.
9- موسوعة البحار 100 ص 120.
10- سورة الكهف : الآية 21.
11- مسند أحمد 1 ص 89 ح111.