
لابن تيميّة فلسفة خاصّة بالنسبة لأميره يزيد بن معاوية ؛ فإنّه المدافع العنيد عن سيّده يزيد ، ولا شيء يريد من وراء ذلك إلاّ محاربة أهل البيت عليهمالسلام وشيعتهم ؛ لأنّ يزيد إمام ذو سلطان ، وابن تيمية يعتقد بإمامة كلّ مَنْ ركب كرسي السلطنة والإمارة.
ومن المعروف أنّ يزيد متهتّك فاجر على المستوى الشخصي قبل أن يتسلّط على هذه الأُمّة بسلطان والده معاوية الذي اعتبر المدافعون عنه أنّ يزيد أحد أهم مخازيه الموبقة ، مقرونة بحربه لأمير المؤمنين علي عليهالسلام وقتله لحجر بن عدي وأصحابه الشهداء.
فيزيد أُمّه ميسون الكلبيّة النصرانيّة التي لم تتحدّث كتب التاريخ أنّها أسلمت ، بل تحدّث التاريخ على تربية ولدها يزيد على أخلاقها وعادات أهلها من الشرك والكفر وكلّ ما يخرج الإنسان من الدين الإسلامي ، كشرب الخمور ، وركوب الفواحش كلّها ، لا سيما الزنا حتّى بالمحرّمات ، وضرب الطنبور واللعب بالقرود والفهود ... وغير ذلك من الرزايا التي تربّى عليها يزيد بين أخواله النصارى.
هذا الذي قاله عنه عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة عندما خرج من عنده بوفد رسمّي من أهل المدينة المنوّرة : (والله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء ؛ إنّه رجل ينكح أُمّهات الأولاد ، والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة) (1).
كانت إمارة يزيد أقل من أربع سنوات ارتكب خلالها من الكوارث الفاجعة التي ما زالت الدّنيا تتحدّث عنها.
فعل هتلر واحدة فقط باليهود وكما يقولون كذباً وافتراء ، وذلك بما يسمّى الهولوكوست (أيّ المحرقة) حيث ادّعوا أنّه أحرق اليهود في ألمانيا ؛ لأنّهم العنصر الخبيث في أيّ مجتمع نزلوه ، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها وما زالوا يتحدّثون بها في كلّ المحافل الدوليّة ، ووسائل الاتصالات العالميّة ، مظهرين بشاعة أعمال هتلر الذي أصبح لعنة التاريخ المعاصر.
ولكنّ يزيد فعل أكثر من ذلك بكثير بحيث لا يُقاس عمل أيّ مجرم بأعماله مهما بلغت من الهمجية ، ومنها :
1 ـ في السنة الأولى : قتل الحسين بن علي عليهالسلام وذريّة الرسول الأعظم محمد صلىاللهعليهوآله ، وهل فعل بنو إسرائيل بأنبيائهم عليهمالسلام كهذا الفعل؟!
2 ـ في السنة الثانية : قتل أهل المدينة واستباحها ثلاثة أيام لجيشه ففعلوا الأفاعيل ، فهل فعلت النازيّة بستالينغراد كهذا؟!
3 ـ في السنة الثالثة : أحرق الكعبة المشرّفة بعد أن رماها بالمنجنيق ، فهل فعل نيرون الذي أحرق روما أبشع من فعلة الحجّاج؟!
4 ـ وفي السنة الرابعة : قيل أنّه تزوّج عمّته ـ والعياذ بالله ـ ، وهذا لا يفعله الأوادم ولا حتّى الحيوانات ، إلاّ الخنازير وأشباهها من البشر.
هذا الذي فعل كلّ ذلك ما شأنه ، وما مكانه عند السلفية وشيخها ابن تيمية؟!
نعم ، إنّه معذور في أعماله كلّها وذلك لسببين :
1 ـ لأنّه إمام ذو سلطان ويحقّ له أن يفعل ما يشاء في سلطانه.
2 ـ لأنّه متأوّل ، فإذا أحسن فله أجران ، وإذا أخطأ فله أجر واحد ، فهو مأجور على كلّ حال ، فإذا قتل الحسين عليهالسلام بتأوّله فإنّه يُخطئ إذا كان مخطئاً وله أجر اجتهاده عند الشيخ ابن تيمية!
يقول الشيخ بتأويل يزيد : (وأمّا أهل التأويل المحض فاُولئك مجتهدون مخطئون ، خطؤهم مغفورٌ لهم ، وهم مثابون على ما أحسنوا فيه من حسن قصدهم واجتهادهم في طلب الحقّ واتّباعه) (2).
هذا الكلام يقوله ابن تيمية في الجدال عن يزيد ، وتبريراً لأخطائه ؛ فمن
المناسب جدّاً أن يدعمه باتّفاق العلماء على أنّهم لا يكفّرون أهل القبلة بمجرّد الذنوب ولا بمجرّد التأويل ، (فلماذا تكفّر السلفية الأُمّة كلّها إذن) وأنّ الشخص الواحد إذا كانت له حسنات وسيئات فأمره إلى الله تعالى (3)!
ويزيد من أين له هذه الحسنات أيّها الشيخ؟!
قلَّب الشيخ أوراق التاريخ فلم يجد إلاّ ما تقدّم من يزيد : تاركاً للصلاة ، ملازماً للخمور ، ولا تفارقه الأغاني والغانيات ، ملاعباً للكلاب والقرود والفهود ، لا علاقة له بالدين ، وجلّ علاقته من هذه الدنيا نيل كلّ ما استطاع من الشهوات واللذائذ المحرّمة بلا رادعٍ من دين ولا وازعٍ من ضمير.
وهذا ما لا يرضاه الشيخ في إمامه ، فغاص في التاريخ إلى قعره فوجد ما يتمسّك به وهو : وكان له موقف في القسطنطينية ـ وهو أوّل جيش غزاها ـ ما يعدّ من الحسنات (4).
وا ويلاه! أيّ حسنة تلك التي وجدتها أيّها الشيخ في ذهاب إمامك يزيد مع الجيش الذي توجّه إلى القسطنطينية ، أيّة حسنة ليزيد في ذلك يا عقلاء المسلمين؟!
وربما تزداد عجباً من جعل هذا الفعل حسنة ليزيد إذا علمت يا عزيزي الكريم كيف شارك يزيد في ذلك الجيش ، خذها من المؤرّخين!
قال ابن الأثير في أحداث سنة 49 هجرية : (في هذه السنة وقيل سنة خمسين سيَّر معاوية جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم للغزاة ، وجعل عليهم سفيان بن عوف ، وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم ، فتثاقل واعتلّ ، فأمسك عنه أبوه.
قال : فأصاب الناس في غزاتهم جوعٌ ومرض شديد ، فأنشأ يزيد يقول :
ما إن أُبالي بما لاقت جموعهمُ *** بالفَرقَدونة من حمّى ومن مُومِ
إذا اتكأتُ على الأنماطِ مرتفق *** بدير مُرّانَ عندي أُمّ كلثومِ
وأُمّ كلثوم امرأته بنت عبد الله بن عامر. (هكذا قالوا والحقيقة بضمير الغيب) ، فبلغ معاوية شعره ، فأقسم عليه ليلحقنّ بسفيان في أرض الروم ، فسار معه جمع كثير أضافهم إليه أبوه (5).
وأنت تقرأ هذه السطور التي لخّص فيها العلماء حسنة يزيد بالخروج إلى أرض الروم ، تلك الحسنة التي كانت رغماً عن أنفه ، وليس بشجاعته أو صولته وجولته ؛ لأنّه لا يصول ويجول إلاّ في أحضان النساء.
إنّ مدى تعلّقه بالجهاد ، وحبّه للفتوح الإسلاميّة واضح للعيان ، ومدى اهتمامه بذاك الجيش الجرّار من المجاهدين كذلك ، فهو (ما إن أبالي بما لاقت جموعهم) ، كيف يبالي إذن وهو (بدير مران) ذاك الدير النصراني معتكفاً فيه لحاجاته وديانته يعبد هواه وشيطانه (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ) (6).
حسنة يزيد يا شيخ ما هي إلاّ أتفه سيئة له ، فكيف صارت عندك حسنة ترفع عنه موبقة استباحة المدينة وقتل الأصحاب والتابعين لهم بإحسان ، لا إله إلاّ الله ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله؟!
هذه الحسنة التي ترفع السيئة عند ابن تيميّة لسيّده ومولاه يزيد ، ولكن أين التأويل في بقيّة أعمال يزيد؟ خذها من الشيخ نفسه :
1 ـ قتل الإمام الحسين عليهالسلام :
يقول : إنّ يزيد لم يظهر الرضا بقتله ، وأنّه أظهر الألم لقتله ، والله أعلم بسريرته ، وقد عُلم أنّه لم يأمر بقتله ابتداءً ، ولكنّه كان مع ذلك ما انتقم من قاتليه ، ولا عاقبهم على ما فعلوا إذ كانوا قتلوه لحفظ ملكه ، ولا قام بالواجب في الحسين وأهل بيته ، ولم يظهر له من العدل وحسن السيرة ما يوجب حمل أمره على أحسن المحامل ، ولا نقل أحد أنّه كان على أسوأ الطرائق التي توجب الحدّ (7).
فيزيد لم يقتل ولا حتّى أمر بالقتل ، ولكنّه لم يعاقب القاتل ؛ لأنّه فعل ذلك لمصلحته ، وهذا أمر عادي في عرف الملوك ، وأعظم ما كان منه أنّه لم يحلم عن الإمام الحسين عليهالسلام ويحمله على العدل وحسن السيرة ، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب حدّاً وتنكيلاً وهذا بإجماع العلماء ، ولست أدري أيّ علماء إلاّ علماء السلفيّة والوهابيّة.
ولا داعي للتعليق على كلّ هذه الدعاوي الباطلة بداية ونهاية ، إلاّ أنّني أنقل ما نقله المؤرّخون عن الأمر بقتل سيّد الشهداء عليهالسلام الذي صدر من يزيد ، ولا أتعدّى القاتل المباشر للإمام ألا وهو عبيد الله بن زياد.
قالوا : عاش عبيد الله بن زياد بعد موت يزيد فاضطربت عليه الأحوال في العراق فخرج إلى الشام ومعه مئة رجل من الأزد يحفظونه ، وفي بعض الطريق رأوه قد سكت طويلاً ، فخاطبه أحدهم ويدعى مسافر بن شريح اليشكري ، فقال له : أنائمٌ أنت؟
قال : لا ، كنت أحدّث نفسي.
قال له مسافر : أفلا أحدّثك بما كنت تحدّث به نفسك؟
قال : هات.
قال مسافر : كنت تقول : ليتني كنتُ لم أقتل حسيناً.
فقال عبيد الله بن زياد : أمّا قتلي الحسين فإنّه أشار إليّ يزيد بقتله أو قتلي ، فاخترتُ قتله (8).
وكذلك كان أمر يزيد لوالي المدينة بأخذ البيعة أو القتل ، وإلى والي مكة بقتل الإمام عليهالسلام ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة ، كلّ ذلك من بديهيات المؤرّخين كما قرأت من قبل ، ولكنّ الشيخ ابن تيمية كان يتمنّى لو قاد إمامه يزيد الجيش مباشرة لقتل إمامنا الحسين عليهالسلام ، وإبادة ذريّة رسول الله صلىاللهعليهوآله حتّى يرضى ، وربما يعدّها من حسناته كذلك.
2 ـ واقعة الحرّة :
واستباحة المدينة لثلاثة أيّام بعد المقتلة العظيمة التي مُني بها أهل الإيمان في مدينة الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله التي قال فيها النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله : «المدينة حرمٌ ما بين عابر إلى ثور (9) ، فمَنْ أحدث فيها حدثاً أو آوى مُحدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً ...» (10).
وكثيرة هي الأحاديث في فضل وحرمة المدينة المنوّرة المباركة ، أمّا يزيد فإنّه وجّه إليها جيشاً جرّاراً بقيادة مسرف بن عقبة فقتل الثوّار ، وحاصر المدينة واستباحها لمدّة ثلاثة أيّام حتّى ولدت فيها ألف بكر لا يعلم آباؤهم ، وكانوا يزوّجون بناتهم ولا يسألون عنها.
ولكن ماذا يقول ابن تيمية : فأمّا أهل الحرّة فإنّهم لمّا خلعوا يزيد وأخرجوا نوّابه أرسل إليهم مرّة بعد مرّة يطلب الطاعة فامتنعوا ، فأرسل إليهم مسلم بن عقبة المرّي وأمره إذا ظهر عليهم أن يبيح المدينة ثلاثة أيام ، وهذا هو الذي عظم إنكار الناس له من فعل يزيد (11).
هكذا كان إمامه معذوراً في وقعة الحرّة ، وفي قتل أهلها من الصحابة حتّى لم يكد ينجُ منهم أحد ، وهم الصحابة الكبار من المهاجرين والأنصار وأبنائهم ؛ لأنّ تأويله وغيرته على ملكه ومحاولة حفظه كان أولى ، وهو الذي يقول فيهم : إنّ مَنْ طعن بأحد منهم فهو أضلّ من حمار أهله.
ولكنّ الذي لم يكن له حقّ فيه : هو استباحة المدينة وانتهاك أعراض المسلمين ؛
ولهذا يُبرر بأسلوبه الساخر : لكنّه ـ أي يزيد ـ لم يقتل جميع الأشراف ، ولا بلغ عدد القتلى عشرة آلاف ، ولا وصلت الدماء إلى قبر النبيّ (12)!
وا ويلاه من هذا الكلام! وكأنّك تحسّ من كلام الشيخ أسفه وحسرته إذ لم يقتل الجميع ، وتصل الدماء إلى قبر النبي صلىاللهعليهوآله ، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله على هذا الكلام!
فيزيد متأوّل وإمام مُخطئ ، ولكنّ أهل المدينة هم المعتدون لشقّ عصا الطاعة والخروج على الإمام يزيد ؛ ولذا فهم يستحقّون ما وقع لهم ، ولذا أخذ مسلم بن عقبة البيعة ممّن بقي من أهل المدينة على أنّهم عبيد أرقّاء ليزيد بن معاوية ، ولكن كيف ذلك وما تأويلها عند ابن تيمية ، علمه عنده؟
3 ـ إحراق الكعبة المشرَّفة :
أمّا عن إحراق الكعبة ورميها بالمنجنيق حتّى تهدمّت بقيادة طاغية بني أُميّة (الحجّاج بن يوسف الثقفي) فقد قال المؤرّخون : إنّ جيش يزيد لما قضى على حركة أهل المدينة في وقعة الحرّة توجّه إلى مكة قاصداً ابن الزبير الذي كان معتصماً بها ، فحاصروه ورموه بالمنجنيق حتّى أحرقوا الكعبة ، فصعد قاضي ابن الزبير ينادي : يا أهل الشام ، هذا حرم الله الذي كان مأمناً في الجاهليّة فاتقوا الله.
فيصيح الشاميّون : الطاعة الطاعة! الكرّة الكرّة! الرواح قبل المساء!
فلم يزالوا على ذلك حتّى احترقت الكعبة ، وقال أهل الشام : إنّ الحرمة والطاعة اجتمعتا ، فغلبت الطاعة الحرمة (13).
ولكن ماذا يقول ابن تيمية : إنّ حريق الكعبة لم يقصده يزيد ، وإنّما كان مقصوده حصار ابن الزبير ، والضرب بالمنجنيق كان له (لابن الزبير) لا للكعبة ، ويزيد لم يهدم العكبة ولم يقصد إحراقها ، لا هو ولا نوّابه باتّفاق المسلمين (14)!
هل تضحك أم تبكي عزيزي القارئ من هذا الكلام؟! هل قرأت مثل هذا التبرير السلفي لأفعال يزيد؟!
ابن تيمية ولعن يزيد
بعد كلّ الذي تقدم ، وكلّ هذا الدفاع المستميت عن يزيد ، هل تتوقّع من الشيخ أن يسمح بلعن يزيد الذي صارت لعنته كلعنة الشيطان ، أصبحت مضرباً للأمثال عند الأُمّة الإسلاميّة حتّى يُقال : العن يزيد ولا تزيد.
ومعنى القول : إنّ يزيد هو الوحيد الذي يستحق اللعنة من هذه الأُمّة المرحومة ، أو أنّه من أوائل مَنْ يستحقّون ذلك ، ولكن لعنته المتّفق عليها بين علماء الأُمّة وعوامها على حدّ سواء هي باطلة عند ابن تيمية.
إنّ الشيخ ابن تيمية ألّف كتاباً سمّاه (فضائل معاوية ويزيد وأنّه لا يُسبّ)
وكانت دعواه من حديث رسول الله صلىاللهعليهوآله : «لا يكون المؤمن لعّاناً».
وإليك أوّلاً رأي الإمام أحمد بن حنبل بلعن يزيد بن معاوية :
قيل للإمام أحمد : أتكتب حديث يزيد؟
فقال : لا ، ولا كرامة ، أوَ ليس هو الذي فعل بأهل الحرّة ما فعل؟!
وقيل له : إنَّ قوماً يقولون : إنّا نحبّ يزيد.
فقال : وهل يحبّ يزيداً أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟!
فقال له ابنه صالح : فلماذا لا تلعنه؟
فقال الإمام أحمد : ومتى رأيت أباك يلعن أحداً ... ، وكيف لا يُلعن مَنْ لعنه الله تعالى في كتابه؟!
فقيل له : وأين لعن الله يزيد في كتابه؟
فقال : في قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * اُولئك الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (15).
وهل يكون فساد أعظم من قتل الحسين عليهالسلام؟!
وقد قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) (16).
وأيّ أذى أشدّ على محمّد صلىاللهعليهوآله من قتل الحسين الذي هو له ولابنته البتول قرّة عين (17).
وهل تعلم عزيزي القارئ أنّ ابن تيمية ينقل هذا الحديث إلاّ أنّه يختصره كعادته عندما ينقل مثل هذه الروايات ، ويقف عند قول الإمام أحمد لولده متى رأيت أباك يلعن أحداً ، فيكتب في آخر الرواية (انتهى) ؛ لإشعار القارئ بانتهاء الرواية إلاّ أنّها لم تنتهِ ، ولكنّ التعصّب هو الذي ينهي الرواية حيث يشاء الشيخ.
واللطيف في القضية أنّ شيخاً من تلاميذ الشيخ ابن تيمية هو أبو الفرج ابن الجوزي الفقيه الحنبلي ، يؤلّف كتاباً يردّ به على كتاب ابن تيمية أسماه (الردّ على المتعصّب العنيد) يقول فيه : إنّ إنكار (ابن تيمية) على مَنْ استجاز ذمّ المذموم ، ولعن الملعون من جهلٍ صراحٍ ، فقد استجازه كبار العلماء منهم الإمام أحمد بن حنبل ، وقد ذكر أحمد في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة (18).
ويقصد طبعاً الحديث المتقدّم.
فناصر السنّة والمكافح عن السلف والمدافع عن يزيد وأبيه معاوية هو الشيخ ابن تيمية ؛ وذلك لحبّه وتعلّقه الشديد بهما. ورسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : «المرء يحشر مع مَنْ أحبّ». حشره الله معهما هو وجميع مَنْ يتولّونه.
قال ابن العماد الحنبلي ، قال التفتازاني في (شرح العقائد النسفية) : اتفقوا (العلماء) على جواز اللعن على مَنْ قتل الحسين ، أو أمر به ، أو أجازه ، أو رضي به. والحقّ إنّ رضا يزيد بقتل الحسين ، واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله ممّا تواتر معناه ، وإن كان تفصيله آحاداً فنحن لا نتوقّف في شأنه ، بل في كفره وعدم إيمانه ، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه (19).
والشبراوي يقول : ولا يشكّ عاقل أنّ يزيد بن معاوية هو القاتل للحسين عليهالسلام ؛ لأنّه هو الذي ندب عبيد الله بن زياد لقتل الحسين (20).
ماذا تحكم على ابن تيمية بعد هذه الأقوال ، وهو ممّن رضي بقتل الإمام الحسين بن علي عليهالسلام ودافع عن قاتله ، وبرّر أعماله وأجازه في كلّ ما فعل؟!
المصادر :
1- تاريخ الخلفاء : 165.
2- رأس الحسين : ص204.
3- المصدر نفسه : ص206.
4- المصدر نفسه : ص207.
5- الكامل في التاريخ ج3 ص458.
6- سورة الجاثية: الآية 23.
7- رأس الحسين : الآية 207.
8- الكامل في التاريخ 4 ص 140.
9- هما جبلان ؛ الأوّل في المدينة ، والآخر في مكة. النهاية 10 ص 229.
10- كنز العمال 12 ح 34805.
11- منهاج السنة النبوية 2 ص 253.
12- منهاج السنة النبوية 2 ص 253.
13- ابن تيمية حياته وعقائده ص 379.
14- منهاج السنة النبوية 2 ص 254.
15- سورة محمد : الآية 23.
16- سورة الأحزاب : الآية 57.
17- الإتحاف بحبّ الأشراف ص 64.
18- الردّ على المتعصّب العنيد ص 13.
19- شذرات الذهب 1 ص 69.
20- الإتحاف بحبّ الإشراف ص 62.