
انشغل الناس بتحليل ما جرى في صدر الاسلام ، وبرزت نظريات وافكار ذهبت بأصحابها مذاهب شتى ، كفكرة التصوف وفكرة الارجاء وفكرة الجبر ونظرية عدالة كل الصحابة ، وكان الامويون ومن والاهم وراء هذه النظريات والافكار ، واعتبروها بمثابة اسلحة استغلوها بكفاءة عالية بما يخدم الملك الاموي ، ويشتت جهد خصومه ويوقع بينهم ، وبما يثبت دعائم الحكم الاموي ويبرر شرعيته .
معاوية طليق وابن طليق ومن المؤلفة قلوبهم ، وقد وجد نفسه رئيسا لدولة الاسلام او ان شئت فقل ملكا عليها ، والقائم بأعمال خليفة النبي بل هو رسميا الخليفة لرسول الله . هذا غير معقول !! ولا يصدق !! وبكل الموازين العقلية والشرعية الالهية والوضعية ، فأبوه هو رأس الاحزاب ومرجعية الشرك في كل معاركه ضد الاسلام . وقاوم ابو سفيان وبنوه ومن شايعهم الاسلام ونبيه بكل فنون المقاومة حتى احيط بهم فأسلموا ، ثم ها هو معاوية ابنه يتقدم على كل السابقين له والذين قام مجد الاسلام على اكتافهم .
لا بد من مبرر يبرر هذا الانقلاب ، وافضل وسيلة لتبريره هو القول بعدالة كل الصحابة ، وبما ان معاوية وشيعته هم صحابة بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي ، وبما ان الصحابة كلهم عدول ، وكلهم في الجنة ، وأنه لن يدخل أحد منهم النار ، وأن لا فرق بيهم لانهم كلهم عدول وكلهم صحابة ، فما الذي يمنع من ان يكون معاوية هو الخليفة وهو ولي امر المسلمين .
وما الذي يمنع شيعته وهم صحابة ايضا بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي من ان يكون بطانة لمعاوية ، طالما انهم كلهم عدول وكلهم من اهل الجنة ولا يدخل احد منهم النار ؟ فنظرية عدالة الصحابة بثوبها الفضفاض هي المبرر الامثل لملك معاوية ، والجبة الفضفاضة التي البست لنظرية عدالة الصحابة تدل على ان معاوية منظر حقيقي في فن الوقيعة والدهاء .
2 ـ تبرير افعال معاوية وشيعته :
لقد انزل معاوية وشيعته اعظم النكبات بالاسلام والمسلمين ، فبشر بن ارطاة ومسلم بن عقبة فعلا الافاعيل التي ضجت منها السماء وادمت القلوب حتى ولو كانت من صلخد جلمود . فقد قتل في وقعة الحرة كل البدريين ولم يبق بعدها بدري واحد ، وقتل من قريش ومن الانصار سبعمائة ، ومن سائر الناس من الموالي والعرب عشرة الاف ، ولا شيء يمنع من قتل الاطفال كما فعل بشر بن ارطاة بطفلي عبيد الله بن عباس . ناهيك عن معارك معاوية مع الامام علي .
ومن الكبر الاعظم الذي تولاه معاوية وشيعته عندما حاولوا ابادة آل محمد ابادة تامة واساليبه الملتوية بالقتل ، فقد سم معاوية الحسن ( عليه السلام ) ، وسم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ـ كما ورد في ترجمته في الاستيعاب لابن عبد البر ـ وسم عبد الرحمن بن ابي بكر الصديق ـ كما ورد في الاستيعاب ايضا ، وسم مالك بن الاشتر ، ولذلك قال عمرو بن العاص في ذلك ( ان لله جنوداً من عسل ... ) وفرق معاوية الناس وجعلهم شيعاً . فلو حاولت امة محمد ان تتفق لما استطاعت ـ كما يقول العقاد ـ وشوه الحكم الاسلامي . يقول الدكتور احمد امين ( فالحق ان الحكم الاموي لم يكون حكماً اسلامياً ... الخ ) .
كيف يمكن تبرير هذه الافعال بغير نظرية عدالة كل الصحابة ؟ فطالما ان معاوية وشيعته من الصحابة ، وطالما ان الصحابة كلهم عدول وكلهم في الجنة ، فان معاوية وشيعته لم يخطئوا ، فلو كانوا على خطأ لما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( بزعمهم ) ( ان الصحابة كلهم في الجنة ) والنبي صادق مصدق لا ينطق عن الهوى ، وبالتالي فان معاوية كصحابي مجتهد وهو مأجور ، فان قتل وهو على الحق فله اجران ، وان قتل وهو على غير حق فله اجر واحد ، فمعاوية على الحق في حربه وسلمه ، في هجومه ودفاعه ، في اخذه واعطائه ، لماذا ؟ لانه صحابي والصحابي من العدول .
ولو قال آل محمد ( من عادانا فقد عادى الله ) لرد معاوية وشيعته ( ونحن الصحابة ايضا ) قال النبي فينا ( من آذى صحابياً فقد آذاني ... الخ ) ويختلط الحق بالباطل والعاصي بالمطيع والمحسن بالمسيء !
هذا هو الفن الذي اشار اليه العقاد في كتابه الرائع ( معاوية في الميزان ) .
وقد اجمع الباحثون على ان نشأة الاختراع في الرواية ووضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انما كان في اواخر عهد عثمان وبعد الفتنة التي اودت بحياته ، ثم اتسع الاختراع واستفاض بعد مبايعة علي ، فانه ما كاد المسلمون يبايعونه بيعة صحيحة حتى ذر قرن الشيطان الاموي ليغصب الحق من صاحبه ، ويجعلها اموية وتوالت الاحداث بعد ذلك ونقض بعض المبايعين للخليفة الرابع ما عقدوا ، وكانت حروب بين المسلمين انتهى فيها امر السلطان الى الامويين . غير ان بناء الجماعة قد انصدع وانفصمت عرى الوحدة بينهم ، وتفرقت المذاهب في الخلافة ، واخذت الاحزاب في تأييد آرائهم كل ينصر رأيه على رأي خصمه بالقول والعمل .
وكانت نشأة الاختراع في الرواية والتأويل وغلا كل قبيل فافترق الناس . ولم يزرأ الاسلام بأعظم مما ابتدعه المنتسبون اليه ، وما احدثه الغلاة من المفتريات عليه . فذلك ما جلب الفساد على عقول المسلمين واساء ظنون غيرهم في ما بُنِيَ عليه الدين ، وان عموم البلوى بالاكاذيب حق على الناس بلاؤه في دولة بني امية ، فكثر الناقلون وقل الصادقون ، وامتنع كثير من اجلاء الصحابة عن الحديث الا لمن يثقون بحفظه (2) .
واشار الامام محمد عبده الى ما صنعه معاوية لنفسه ، بأن وضع قوماً من الصحابة والتابعين على رواية اخبار قبيحة على علي ( عليه السلام ) تقضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله ، فاختلفوا على ما ارضاه ، منهم ابو هريرة (3) .
ويقول الدكتور احمد امين في كتابه ضحى الاسلام ( ويسوقنا هذا الى ان نذكر هنا ان الامويين فعلاً قد وضعوا او وضعت لهم احاديث تخدم سياستهم من نواحي متعددة (4) وقد بذل معاوية للصحابي ابي سمرة بن جندب خمسمائة الف درهم ليروي له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان اية ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام ) ... نزلت في علي بن ابي طالب . وان الاية ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد ) نزلت في عبد الرحمن بن ملجم لانه قتل علياً ( عليه السلام ) ) (5) .
ان ابن الجوزي بعد ان اورد الاحاديث الواردة في معاوية في باب الموضوعات ساق عن اسحاق بن راهويه ( شيخ البخاري ) انه قال ( لم يصح في فضائل معاوية شيء ) .
وللنسائي قصة مشهورة في امر فضائل معاوية . قال الدار قطني : خرج النسائي حاجاً فامتحن بدمشق وادرك الشهادة ، فقال : احملوني الى مكة وتوفي بالرملة ، وكان اصحابه في دمشق قد سألوه عن فضائل معاوية فقال ( الا يرضى رأساً برأس لي حتى يفضل ؟ ) فما زالوا يدفعونه حتى اخرج من المسجد (6) .
*رأي الشافعي في معاوية
روى ابو الفدا عن الشافعي انه اسر الى الربيع ان لا تقبل شهادة اربعة من الصحابة وهم :
معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد (7) وربما كان هذا هو السر الذي دفع ابن معين للقول عندما سئل عن الشافعي قال : انه ليس بثقة .
1 ـ انتزاؤه على هذه الامة بالسفهاء حتى ابتزوها امرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة .
2 ـ استخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب الطنابير .
3 ـ ادعاؤه زياداً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر .
4 ـ وقتله حجراً واصحابه ، ويل له من حجر واصحابه ، ويل له من حجر واصحابه .
الا ان معاوية زعيم الفئة الباغية وقف من الامام على موقف ابي سفيان من النبي ، وجاء يزيد فوقف من الحسين موقف جده من النبي وموقف ابيه من علي . وقد كان اول عمل لمعاوية بعد ان استولى على الحكم ان كتب الى عماله في جميع الآفاق بان يلعنوا علياً في صلواتهم وعلى منابرهم ، ولم يقف الامر عند ذلك بل كانت مجالس الوعاظ في الشام تختم بشتم علي وان لا يجيزوا لاحد من شيعته واهل بيته شهادة ، وان يمحوا من الديوان كل من يظهر حبه لعلي واولاده وان يسقطوا عطاءهم ورزقهم (8) .
يقول العقاد في كتاب معاوية بن ابي سفيان في الميزان ( واذا لم يرجح من اخبار هذه الفترة الا الخبر الراجح عن لعن علي على المنابر بأمر من معاوية لكان فيه الكفاية لاثبات ما عداه ما يتم به الترجيح بين كفتي الميزان ) (9) .
المصادر :
1- راجع آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم ص 85 للسيد مرتضى الرضوي .
2- مقدمة الامام محمد عبده على رسالة التوحيد ص 7 ـ 8 وراجع شيخ المضيرة للاستاذ محمود ابو رية ص 201 ـ 203 .
3- مقدمة الامام محمد عبده على رسالة التوحيد ص 7 ـ 8 وراجع شيخ المضيرة للاستاذ محمود ابو رية ص 201 ـ 203 .
4- ضحى الاسلام ج 2 ص 123 لاحمد امين وراجع شيخ المضيرة للاستاذ ابو رية .
5- راجع آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم للسيد مرتضى الرضوي ص 85 ـ 86 .
6- راجع شيخ المضيرة ابو هريرة للاستاذ ابو رية ص 183 .
7- راجع تاريخ الطبري حوادث سنة 51 وابن الاثير ج 3 ص 202 ـ 209 وابن عساكر ج 2 ص 379 وشيخ المضيرة للاستاذ ابو رية ص 185 .
8- راجع شيخ المضيرة للاستاذ ابو رية ص 180 وقد نقلها عن ابن عساكر ج 3 ص 407 .
9- معاوية بن ابي سفيان في الميزان لعباس محمود العقاد وراجع المرجع السابق .
ما هي الغاية من ابتداع نظرية كل الصحابة عدول
1 ـ تبرير غصب السلطة :معاوية طليق وابن طليق ومن المؤلفة قلوبهم ، وقد وجد نفسه رئيسا لدولة الاسلام او ان شئت فقل ملكا عليها ، والقائم بأعمال خليفة النبي بل هو رسميا الخليفة لرسول الله . هذا غير معقول !! ولا يصدق !! وبكل الموازين العقلية والشرعية الالهية والوضعية ، فأبوه هو رأس الاحزاب ومرجعية الشرك في كل معاركه ضد الاسلام . وقاوم ابو سفيان وبنوه ومن شايعهم الاسلام ونبيه بكل فنون المقاومة حتى احيط بهم فأسلموا ، ثم ها هو معاوية ابنه يتقدم على كل السابقين له والذين قام مجد الاسلام على اكتافهم .
لا بد من مبرر يبرر هذا الانقلاب ، وافضل وسيلة لتبريره هو القول بعدالة كل الصحابة ، وبما ان معاوية وشيعته هم صحابة بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي ، وبما ان الصحابة كلهم عدول ، وكلهم في الجنة ، وأنه لن يدخل أحد منهم النار ، وأن لا فرق بيهم لانهم كلهم عدول وكلهم صحابة ، فما الذي يمنع من ان يكون معاوية هو الخليفة وهو ولي امر المسلمين .
وما الذي يمنع شيعته وهم صحابة ايضا بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي من ان يكون بطانة لمعاوية ، طالما انهم كلهم عدول وكلهم من اهل الجنة ولا يدخل احد منهم النار ؟ فنظرية عدالة الصحابة بثوبها الفضفاض هي المبرر الامثل لملك معاوية ، والجبة الفضفاضة التي البست لنظرية عدالة الصحابة تدل على ان معاوية منظر حقيقي في فن الوقيعة والدهاء .
2 ـ تبرير افعال معاوية وشيعته :
لقد انزل معاوية وشيعته اعظم النكبات بالاسلام والمسلمين ، فبشر بن ارطاة ومسلم بن عقبة فعلا الافاعيل التي ضجت منها السماء وادمت القلوب حتى ولو كانت من صلخد جلمود . فقد قتل في وقعة الحرة كل البدريين ولم يبق بعدها بدري واحد ، وقتل من قريش ومن الانصار سبعمائة ، ومن سائر الناس من الموالي والعرب عشرة الاف ، ولا شيء يمنع من قتل الاطفال كما فعل بشر بن ارطاة بطفلي عبيد الله بن عباس . ناهيك عن معارك معاوية مع الامام علي .
ومن الكبر الاعظم الذي تولاه معاوية وشيعته عندما حاولوا ابادة آل محمد ابادة تامة واساليبه الملتوية بالقتل ، فقد سم معاوية الحسن ( عليه السلام ) ، وسم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ـ كما ورد في ترجمته في الاستيعاب لابن عبد البر ـ وسم عبد الرحمن بن ابي بكر الصديق ـ كما ورد في الاستيعاب ايضا ، وسم مالك بن الاشتر ، ولذلك قال عمرو بن العاص في ذلك ( ان لله جنوداً من عسل ... ) وفرق معاوية الناس وجعلهم شيعاً . فلو حاولت امة محمد ان تتفق لما استطاعت ـ كما يقول العقاد ـ وشوه الحكم الاسلامي . يقول الدكتور احمد امين ( فالحق ان الحكم الاموي لم يكون حكماً اسلامياً ... الخ ) .
كيف يمكن تبرير هذه الافعال بغير نظرية عدالة كل الصحابة ؟ فطالما ان معاوية وشيعته من الصحابة ، وطالما ان الصحابة كلهم عدول وكلهم في الجنة ، فان معاوية وشيعته لم يخطئوا ، فلو كانوا على خطأ لما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( بزعمهم ) ( ان الصحابة كلهم في الجنة ) والنبي صادق مصدق لا ينطق عن الهوى ، وبالتالي فان معاوية كصحابي مجتهد وهو مأجور ، فان قتل وهو على الحق فله اجران ، وان قتل وهو على غير حق فله اجر واحد ، فمعاوية على الحق في حربه وسلمه ، في هجومه ودفاعه ، في اخذه واعطائه ، لماذا ؟ لانه صحابي والصحابي من العدول .
التحصن ضد النقد والسب والشتم والانتقاص
علاوة على ان نظرية عدالة الصحابة تبرر غصب معاوية للسلطة ، وتبرر افعاله وافعال شيعته من بني امية ، فانها ايضا تمنحه الحصانة ضد اي نقد ولو كان بناء ، والحصانة ضد السب والشتم والانتقاص من قدره لانه صحابي ومن العدول ، ومن يتنقص او يسب او يشتم اي صحابي عادي ، فكيف برئيس دولة ؟ من يفعل ذلك فهو زنديق لا يؤاكل ولا يشارب ولا يصلى عليه ـ كما يروي الذهبي في ميزانه ـ وليس في الدنيا خطة يمكن ان تحصن معاوية مثل نظرية عدالة كل الصحابة .مقارعة خصوم معاوية وشعيته
نظرية عدالة كل الصحابة تؤمن فوز معاوية في اي مقارعة بينه وبين خصومه او تؤمن ـ على الاقل ـ المساواة بينه وبين هؤلاء الخصوم . فلو قال آل محمد انهم هم الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، لانبرى معاوية وشيعته الى الرد الفوري عليهم : نحن اصحاب محمد العدول لا يجوز علينا الكذب ، ولا يجوز علينا الخطأ لاننا في الجنة ولا يدخل احد منا النار .ولو قال آل محمد ( من عادانا فقد عادى الله ) لرد معاوية وشيعته ( ونحن الصحابة ايضا ) قال النبي فينا ( من آذى صحابياً فقد آذاني ... الخ ) ويختلط الحق بالباطل والعاصي بالمطيع والمحسن بالمسيء !
التفريق بين المسلمين
اذا تمكن معاوية وشيعته من تأصيل هذه النظرية بثوبها الفضفاض هذا واشاعتها بين المسلمين ، فستتبناها طائفة منهم وستعارضها طائفة اخرى ، وينشب الجدل اظافره في افكار الطائفتين ، ويتعصب كل فريق لرأيه ويختلفان وتدون آراء كل طائفة ويتبناها اللاحقون بحكم التقليد وبحكم الدفاع عن الحق او وجهات النظر . فالذين يؤيدون النظرية لم يقصدوا تأييد معاوية ، انما قصدوا تأييد الصحابة ، والذين يعارضون النظرية لم يقصدوا معاداة الصحابة انما قصدوا كشف الاحابيل والالاعيب السياسية الخافية على الفريق الآخر . لكن عملياً كل فريق وقف وجهاً لوجه ضد الفريق الآخر وشغلوا عن معاوية بينما معاوية هانىء يتفرج على المتصارعين ، وهو مستعد ليكون حكماً بينهم .هذا هو الفن الذي اشار اليه العقاد في كتابه الرائع ( معاوية في الميزان ) .
نشوء نظرية عدالة كل الصحابة
روى ابن عرفة المعروف بنفطويه ـ وهو من اكابر المحدثين ـ ان اكثر الاحاديث في فضائل الصحابة افتعلت في ايام بني امية تقرباً اليهم بما يظنون انهم يرغمون انوف بني هاشم . وقد صفت هذه الاحاديث بأسلوب يجعل من كل صحابي ( بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي آنفي الذكر ) قدوة صالحة لاهل الارض وتصب اللعنات على كل من سب احداً منهم او اتهمه بسوء (1) .وقد اجمع الباحثون على ان نشأة الاختراع في الرواية ووضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انما كان في اواخر عهد عثمان وبعد الفتنة التي اودت بحياته ، ثم اتسع الاختراع واستفاض بعد مبايعة علي ، فانه ما كاد المسلمون يبايعونه بيعة صحيحة حتى ذر قرن الشيطان الاموي ليغصب الحق من صاحبه ، ويجعلها اموية وتوالت الاحداث بعد ذلك ونقض بعض المبايعين للخليفة الرابع ما عقدوا ، وكانت حروب بين المسلمين انتهى فيها امر السلطان الى الامويين . غير ان بناء الجماعة قد انصدع وانفصمت عرى الوحدة بينهم ، وتفرقت المذاهب في الخلافة ، واخذت الاحزاب في تأييد آرائهم كل ينصر رأيه على رأي خصمه بالقول والعمل .
وكانت نشأة الاختراع في الرواية والتأويل وغلا كل قبيل فافترق الناس . ولم يزرأ الاسلام بأعظم مما ابتدعه المنتسبون اليه ، وما احدثه الغلاة من المفتريات عليه . فذلك ما جلب الفساد على عقول المسلمين واساء ظنون غيرهم في ما بُنِيَ عليه الدين ، وان عموم البلوى بالاكاذيب حق على الناس بلاؤه في دولة بني امية ، فكثر الناقلون وقل الصادقون ، وامتنع كثير من اجلاء الصحابة عن الحديث الا لمن يثقون بحفظه (2) .
واشار الامام محمد عبده الى ما صنعه معاوية لنفسه ، بأن وضع قوماً من الصحابة والتابعين على رواية اخبار قبيحة على علي ( عليه السلام ) تقضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله ، فاختلفوا على ما ارضاه ، منهم ابو هريرة (3) .
ويقول الدكتور احمد امين في كتابه ضحى الاسلام ( ويسوقنا هذا الى ان نذكر هنا ان الامويين فعلاً قد وضعوا او وضعت لهم احاديث تخدم سياستهم من نواحي متعددة (4) وقد بذل معاوية للصحابي ابي سمرة بن جندب خمسمائة الف درهم ليروي له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان اية ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام ) ... نزلت في علي بن ابي طالب . وان الاية ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد ) نزلت في عبد الرحمن بن ملجم لانه قتل علياً ( عليه السلام ) ) (5) .
رواة الاحاديث
ابو هريرة الدوسي ، احد اصحاب معاوية وشيعته ، روى عن النبي خمسة الاف وثلاثمائة واربعة وسبعين حديثاً . روى منها البخاري اربعمائة وستة واربعين حديثاً ، وابو هريرة هذا لم تتجاوز صحبته للنبي سنة وبضعة اشهر ، بينما كبار الصحابة الذين لازموا النبي من يوم بعثته الى لحظة انتقاله للرفيق الاعلى لم يرووا عنه ما يزيد عن مائة حديث رواها البخاري ، وهؤلاء الكبار هم : ابو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله ومعاذ بن جبل وسلمان وزيد بن ثابت واُبي بن كعب . ان في ذلك لعبرة !!!فضائل معاوية
قال الشوكاني في كتابه الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة ، وفيها تحقق على انه لم يصح في فضائل معاوية حديث .ان ابن الجوزي بعد ان اورد الاحاديث الواردة في معاوية في باب الموضوعات ساق عن اسحاق بن راهويه ( شيخ البخاري ) انه قال ( لم يصح في فضائل معاوية شيء ) .
وللنسائي قصة مشهورة في امر فضائل معاوية . قال الدار قطني : خرج النسائي حاجاً فامتحن بدمشق وادرك الشهادة ، فقال : احملوني الى مكة وتوفي بالرملة ، وكان اصحابه في دمشق قد سألوه عن فضائل معاوية فقال ( الا يرضى رأساً برأس لي حتى يفضل ؟ ) فما زالوا يدفعونه حتى اخرج من المسجد (6) .
*رأي الشافعي في معاوية
روى ابو الفدا عن الشافعي انه اسر الى الربيع ان لا تقبل شهادة اربعة من الصحابة وهم :
معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد (7) وربما كان هذا هو السر الذي دفع ابن معين للقول عندما سئل عن الشافعي قال : انه ليس بثقة .
قول الحسن البصري
روى الطبري ان الحسن البصري كان يقول : اربع خصال كن في معاوية ولو لم يكن فيه منهن الا واحدة لكانت موبقة .1 ـ انتزاؤه على هذه الامة بالسفهاء حتى ابتزوها امرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة .
2 ـ استخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب الطنابير .
3 ـ ادعاؤه زياداً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر .
4 ـ وقتله حجراً واصحابه ، ويل له من حجر واصحابه ، ويل له من حجر واصحابه .
نظرية عدالة كل الصحابة تحمل الطابع الاموي
مع ان كل الصحابة وفق هذه النظرية عدول ، فيفترض ان يكون آل محمد بوصفهم صحابة عدولا ، وان يكف الامويين عن الانتقاص منهم والإساءة اليهم .الا ان معاوية زعيم الفئة الباغية وقف من الامام على موقف ابي سفيان من النبي ، وجاء يزيد فوقف من الحسين موقف جده من النبي وموقف ابيه من علي . وقد كان اول عمل لمعاوية بعد ان استولى على الحكم ان كتب الى عماله في جميع الآفاق بان يلعنوا علياً في صلواتهم وعلى منابرهم ، ولم يقف الامر عند ذلك بل كانت مجالس الوعاظ في الشام تختم بشتم علي وان لا يجيزوا لاحد من شيعته واهل بيته شهادة ، وان يمحوا من الديوان كل من يظهر حبه لعلي واولاده وان يسقطوا عطاءهم ورزقهم (8) .
يقول العقاد في كتاب معاوية بن ابي سفيان في الميزان ( واذا لم يرجح من اخبار هذه الفترة الا الخبر الراجح عن لعن علي على المنابر بأمر من معاوية لكان فيه الكفاية لاثبات ما عداه ما يتم به الترجيح بين كفتي الميزان ) (9) .
المصادر :
1- راجع آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم ص 85 للسيد مرتضى الرضوي .
2- مقدمة الامام محمد عبده على رسالة التوحيد ص 7 ـ 8 وراجع شيخ المضيرة للاستاذ محمود ابو رية ص 201 ـ 203 .
3- مقدمة الامام محمد عبده على رسالة التوحيد ص 7 ـ 8 وراجع شيخ المضيرة للاستاذ محمود ابو رية ص 201 ـ 203 .
4- ضحى الاسلام ج 2 ص 123 لاحمد امين وراجع شيخ المضيرة للاستاذ ابو رية .
5- راجع آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم للسيد مرتضى الرضوي ص 85 ـ 86 .
6- راجع شيخ المضيرة ابو هريرة للاستاذ ابو رية ص 183 .
7- راجع تاريخ الطبري حوادث سنة 51 وابن الاثير ج 3 ص 202 ـ 209 وابن عساكر ج 2 ص 379 وشيخ المضيرة للاستاذ ابو رية ص 185 .
8- راجع شيخ المضيرة للاستاذ ابو رية ص 180 وقد نقلها عن ابن عساكر ج 3 ص 407 .
9- معاوية بن ابي سفيان في الميزان لعباس محمود العقاد وراجع المرجع السابق .